رواية علاقات سامة الفصل السادس والثلاثون
استقبلها بابتسامة فاجتهدت لرسم مثلها على قسماتها تخفي خلفها توترها، تحاول السيطرة على ارتجافها، تحوَّلت طريقة تعامله معها، بل تناقضت بين ليلة وضحاها، لم يؤذِها بكلماتها وعاملها كأميرة، مَن يراه الليلة يظنه متيم بها، ذهبا إلى مطعم فخم وراقي تعرفه، بالسابق عشقت الذِّهاب إليه رفقة أصدقائها، وبوقوفهما أمامه ارتجفت أوصالها، رمقته بطرف عينيها فأخفى بسمته الخبيثة وحثها على الدلوف بشياكة ورُقي، سحب يدها برومانسية مُدعية وجعلها تتأبَّط ذراعه ليتلذذ برجفتها وارتعاشها، وما تخشاه يوقن وقوعه وينتظره؛ فرفقائها بالداخل، بدلوفهما رأتهم يلتفون حول المسرح يغنون ويتمايلون مع الموسيقى الغربية الناعمة، طالعته برهبة وحاولت تغيير وجهتهما والذهاب لمطعم أخر تريد تجنب أي إهانة منه ستموت قهرًا إن فعل أمامهم، لن يقبل تعاملهم المتحرر الذي ظنته يومًا ثقافة ورُقي؛ فمالت عليه تحاول استمالته:
- كمال من فضلك نروح مكان تاني، أصحابي جوة وأنت بتحب الخصوصية.
- النهاردة يوم مميز والصُّحبة إشهار لخطوبتنا، المهم الاحترام جو زمان تنسيه، حُطي حدود للكل، وكمان تغيري جو بقالك شهر ما شوفتيش بني آدمين ومش بتكلمي غيري ولا أيه!!
- أه والله! مش برد عليهم زي ما قولت، والله!
- يبقي نقعد وما تنسيش احتراااااام.
اسكربت مدروس أجاد تمثيله، فكر فيه بدَهـاء، كتبه بخُـبث وينفذه بمَـكر، درس حياة رفقائها ويعلم بمجيئهم اليوم وانتظره، يرى سيناريو لقائهم بها الذي سيأخذه ذريعة لما يريد فعله ويهدف إليه، ادعائه لحسن نواياه والاحتفال مجرد ستار لبداية الثَّأر، ترك لها حرية اختيار مكان جلوسهما، ينتعش برُعــبها وتوترها الذي وضح في اختيارها لطاولة جانبية منزوية، تأمل ألا يراها أي منهم.
هدأ توترها بمرور الوقت وشعرت ببعض الرَّاحة، أوشكا أن يغادرا دون أن ينتبه لها أصحابها، مُتناسية أنهم يجوبون المكان يتمايلون على أنغام الموسيقى ليتجنبوا الملل وبتحول الموسيقى للصخب ازدادت حركتهم وتبعثروا بالمكان، شردت ترى ما كانت تفعله مع هذه الأنغام المرتفعة، مُتذكرة نصائح مؤنس الصادقة في محاولة لتقويمها والتي تقابلها بعجرفة وتنعته بالتخَـلُّف والرجعية، اعتادت الكذب، تذهب مع أصدقائها يتمايلون ويرقصون وتخبره أنَّها جلسة تقليدية بقواعد ثابتة لا تلامس ولا رقص، نمت على وجهها بسمة ساخرة؛ فها هي تدفع ثمن أخطاء الماضي، صرخة فرحة بلقائها سحبتها من الغوص بالماضي، ورمتها على صخور الواقع الحادة، تحت نظراته المنتصرة الظافرة ينتظر الوقت المناسب للانقضاض.
- مش معقول، أخيرًا يا سو، يا شباب تعالوا، تعالوا.
لوحت بيديها تنادي رفاقها، فأتوا إليها مهللين يقبلوها جميعًا ذكور وإناث، لم تتمكن من الرفض أو الاعتذار، أو حتى تقديم كمال لهم، أسند ظهره على الكرسي براحة واتسعت بسمته، وصل لمراده وسقطت بالشِّـرك دون جهد، سريعًا رسم الغَـضَب الصَّامت على قسماته يكمل التمثيلية، يطالع التفافهم حولها يسألوها عن سر غيابها وعدم الرَّد على هاتفها وهي مغيبة لا تسمعهم تسلط نظراتها المُرتابة عليه تقرأ تعابيره وبالكاد منــعت نفسها عن البكاء؛ فحاولت ادارك الموقف:
- أعرفكم الأول الرَّائد كمال خطيبي، هنتجوز بعد شهر واعذروني مش برد عشان مشغولة بتجهيزات الجواز وكمان كمال غيُّور جدًا ومش بيحب الاختلاط خالص، آسفة، تعبانة ومضطرين نمشي.
صمته المقصود والتَّوتر المسيطر عليها جعلهم ينسحبوا متعجبين وواصلوا سهرتهم.
بهدوء وصمت غادرا، ظنت بمغادرتهما ستنتهي الحفلة كما اليوم، لكن هدوءه الشديد أرعبها وهوى قلبها، استجمعت قوتها بعدما استقلا السَّيارة وتحدثت تحاول تخفيف حدة الموقف:
- كمال اللـ...
- هشششش، ولا كلمة.
رغم تصارع دقات قلبها ورعبها من هيئته إلا أنَّها وجدت الصَّمت أفضل لكليهما، تمنت أن تقصر المسافات لتختفي داخل جدران بيتها، غافلة عمَّا أعده لها، لاحظت اختلاف الطريق الذي يسلكه عن طريق منزلها، ابتلعت ريقها بذعر:
- ده مش طريق البيت!
رمقها بشزر وتحذّيِر فلزمت الصَّمت، الذي حلق بينهما حتى توقفت السَّيارة جالت بعينها المنطقة حولهما وتملكها الهَــلع؛ فالمنطقة غير مأهولة ومخيفة الطَّلة، لا يوجد بها سوى الفيلا الصَّغيرة التي وقفا أمامها ويتناثر حولها أشجار كثيفة مشعثة كتلك التي تراها بأفلام الرُّعب، صدح صوته حازم أمر:
- انزلي.
- فين؟ مش البيت!
- انزلي، ده البيت بس بيتي أنا.
- والله ما لحقتش اتكلم، كلهم قربوا مرة واحدة، قولت لك نمشي وأنت مانعني أكلم حتى البنات، ما يعرفوش إني تغيرت، روحني أبوس ايدك!
- انزلي يا سارة بهدوء، حسابنا جوة.
كمن حكم عليه بالإعــدام بالكاد تحملها قدميها، تعثرت مرات عِدة تحاول مجاراة خطواته الواسعة والغـاضـبة، صفير الهواء والظَّلام الدامس حولها ينذرا بالخطر، غُيِّب عقلها مِن رهبة الموقف؛ فلم تتعجب أو تساءل كيف له امتلاك هذه الفيلا؟ لم يدلف مِن الباب الرئيسي، تبعته خلف المبني، فتح بابًا ضخمًا يلقي الخوف بالنفوس دخل فلحقته، بإغلاق الباب اختفت جميع الأصوات إلا صوت الصَّمت وصوت لهاثها، بدأ عقلها في العمل، الغرفة التي دخلتها تتناقض مع الباب الذي دلفا منه، جالت المكان بعينيها، الجدران باهتة ومحتويات الغرفة غريبة، صقيع شديد تسلل إليها وهي تتفحصها؛ فبأحد الأركان يوضع سرير معدني يشبه المستخدم بغرفة عمليات الولادة الطبيعية، وبالقرب منه خزانة صغيرة بشعة التصميم قاتمة الألوان، ثم وقع بصرها على ما جعلها ترتجف ذُعــرًا؛ يملك قفص حديدي كبير كالذي يحتجز به الحيــوانات المتــوحشة الضخمة، قد يساع البشر، مِن هول صدمتها لم ترفع عينها عنه، وسؤال فرض نفسه عليها: ماذا يفعل به؟! وما سبب وجودها هنا؟ لمَ أحضرها؟!!
يتابعها منذ دلوفها، الذُّعـر المرتسم على وجهها يرضيه ويسعده، حين ثبتت بصرها على القفص أدرك ما جال بذهنها فابتسم بخبث حان دوره، جذبها بعنف كادت تسقط على وجهها سحبها وادخلها القفص، ثمَّ أغلقه ووضع مفتاحه بجيبه، تتزايد صدمتها وينتــفـض قلبها، تلاقت نظراتها المـرتـجفة المُتَرَجِيَّة مع مقلتيه الثابتة التي تشع شرًا ووعيــدًا، انهزمت سريعًا أمامه واخفضت ناظريها هربًا، خرج مِن باب عادي أخر يؤدي إلى داخل الڤيلا، تبعت حركته تلقائيًا فرأت بالزاوية جانب الباب كرسي فخم ضخم يكشف كامل الغرفة وأمامه طاولة ملائمة لحجمه وهيئته.
مر الوقت ولم تتجاوز صدمتها، لا تصدق إلى أين آلت!! بالأمس القريب كانت تعامل كالأميرات والآن باتت سجينة، ابتسمت بتهكم على حالها؛ فقدمها تنزلق أكثر لا تستبعد أن تصل معه لمكان أخر أشد انحدار، فهو كشر عن أنيابه من قبل الزواج، أغلقت جفونها بألم، قرأت عن مثل هذه الغرف ببعض الرِّوايات التي تجمع منها المعلومات لتلقي الاتهامات على مؤنس، وكم شعرت بالرعب لمجرد القراءة، فكيف الآن!!! فقدت كل سيطرتها على جَسَــدها يرتعش وينتفض كريشة في مهب الرِّياح، دبَّ بها برد الشِّتاء رغم أنَّها بأشد الأشهر حرٍ، دارت برأسها الأفكار تطيح بها؛ فسالت دموعها.
يستنزف قواها وطاقتها تركها فترة طويلة لأفكارها وهواجسها؛ يعدها لما هو آت، دخل إليها بنفس البسمة المــاكرة الخبـيثة، وقد جدد نشاطه وبدل ثيابه بأخرى مريحة يحمل مشروب ساخن أخذ ريموت جهاز التكييف وببضعة ضغطات استدعى زمهرير الشتاء، اعتلى كرسيه الضخم وضع ساق فوق الأخر ورمقها من علو، يتناول مشروبه بتمهل يرعبها بنظراته يشعرها بالدونية، ألم ساقها مع شدة البرودة والوهن الذي أحــتل جَسَــدها أشْعَرها بحاجتها للجلوس، كادت أن تفعل، لولا صــراخه الحاد يمنعها، نظرت إليه ودت لو تستطيع ترجيه ليوقف ما يحدث، لكن صوتها خذلها وتركها وحيدة.
أنهى مشروبه ووضع الكوب ثم تحرك بتمهل نحوها يثبت مقلتيه عليها، فتح بابها ثم اعتلى كرسيه، تركها لحيرتها لا تعلم ما عليها فعله، تخشى كل شيء، شغل عقلها سؤال واحد: ماذا بعد؟
طال صمته فتحركت بخطًى ميتة وتحررت من القفص تنظر إليه مع كل خطوة تتأكد من سماحه بها، وهو مستمر بالضغط على الجانب النفسي لها، جعل تفكيرها ينصب على إنهاء هذا الموقف المخزي بأي طريقة، وقفت أمامه تود أن تجد مكان للجلوس، ولأن صبره طويل وطاقتها نفذت منذ فترة، استدعت صوتها الهــارب لترجوه إنهاء الموقف:
- والله طلبت منك نمشي عشان كده، أنا معترفة إن ده غلط، لكن أنا حقيقي تغيَّرت.
- مِن شُغلي في بوليس الآداب تأكدت إن أي واحدة ست لازم تتحكم بيد مِن حديد، تخليها تحسب نتيجة كل تصرف أو نظرة ألف مرة، تكون متأكدة أنَّها هتتحاسب بحزم وشدة عن كل تصرف، عشان كده عملت الأوضة دي.. للحساب.
ابتسامة عريضة نمت على وجهه:
- هتدخليها كتير.
تحولت معالمه للغَضَب وجحظت مقلتيه بحدة؛
- لما تكوني غلطانة، تخرجي منها وكل حته في جسمك بتفكرك تمشي عدل.
عاد لهدوئه ووضع ساق فوق الأخرى يطالع الغرفة بفخر:
- الكرسي أغلى ما فيها، القفص، مكانك بعد كده، زي اللي يدخله رخيــص، تصدقي موجود أونلاين! أصله شكل بس يكمل الحالة النفسية، عشان اللي ما اتربوش زيك يا سو يخافوا، الحقيقي هنا تلت حاجات «أنا- الخوف- العِـقَـاب»
وبنظرة حادة زلزلتها استرسل:
- خافي من الحقايق دي وقوي، عِـقَـابك النهاردة معقول عشان أول مرة، بس أوعدك تفتكريه لأخر العمر، ما تتحركيش من مكانك.
تحولت لتمثال لا ترمش عينها وهربت الدِّماء من عروقها، تحرك للخزانة فتح أحد أدراجها وأخرج منها ثلاث عصيان كل واحدة مختلفة في الشكل والحجم وبينهم واحدة خيزران طويل نظر لها بفخر ثم التف إلى سارة طالعها بنصر خطا نحوها بتمهل ثم رفع عصاه وحط بها أسفل ظهرها؛ فانتفضت صارخة والتفَّت تطالعه بأعين يترقرق بها الدَّمع، ابتسم منتشيًا ووضعهم على الطاولة، جلس على كرسيه باستمتاع وتكلم بابتسامة متلذذة:
- وَجَعِتِكِ! ده لسه العياط قدام، سيادة اللواء ومؤنس سابوكِ سارحة مش عارفة الصح من الغلط؛ فقررت أعيد تربيتك بطريقتي، العُصيان دي عظيمة تخليكِ تعرفي الصح من الغلط لوحدك بدون مجهود.
- والله عرفت بلاش ضرب!
اتسعت بسمته واردف بحروف شامتة:
- خايفة، ما دوقتيش لسعت العصاية ووجعها قبل كدة.
- عمرى، حتى أيام الدراسة.
- طبعًا مدارس خاصة مش زينا، على العموم جه الوقت عشان تجربي، تصدقي فكرة، هدية مني المرة دي أعاملك زي المدرسة أو الكُتَّاب، أفكر! فاضل آخر خطوة قبل البداية الكاميرا، بحب أوثق كل حركة أهو نزود الضمانات مع أني مش محتاج أكتر بس احتياطي.
انهارت باكية وأيقنت أن الحفلة ستبدأ الآن.
لأوَّل مرة تُكْرَم وتعزز، شعور جديد تجربه لأول مرة، بعودتها للمنزل وجدت كل ما وعدها به، صَدَقها مؤنس قولًا، لا أعمال أو أعباء، لا جدول أو التزامات، استلقت على الفراش تريح جَسَــدها المنهك، تفكر بحياتها، كيف كانت وكيف أصبحت؟ رغم سِقم الماضي إلا أنها كانت تملك دوائه ابنتها شريان حياتها واليد التي احتوتها رغم صغرها، لكن الآن تعيش مرتاحة وبآدمية، لكن قلبها جريح مُلتاع فقدت كنزها الثمين، تردد في ذهنها كلمات مؤنس، تدرك أنه سيدعمها ولن يتركها وإلا لكان فعل بعد كل ما رآه منها، تسأل نفسها مرارًا لمَ يهتم بها وبإصرار؟ هل كان يعرفها بالماضي؟ كيف؟ ومتى؟ قطع سيل أفكارها رنين هاتفها، ابتسمت بامتنان؛ فهو يتصل كثيرًا يعطيها الاهتمام الذي افتقدته طوال حياتها، لو كانت ابنتها جوارها الآن لملكت الدنيا وما فيها، لاستطاعت مبادلته اهتمامه، تُشفق عليها منها ومما يعيشه معها، يتمسك بامرأة خاوية ليس لديها ما تقدمه له، أجابته باستحياء، واتاها صوته مشتاقا:
- ازيك؟ عاملة أيه دلوقت؟ لسه مرهقة!
- كويسة.
- ما تقلقيش خالص يا طيف تعبك اللي حاسة به هيقل مع الوقت أنا فهمت من الدكتور كل التفاصيل، اهملتي نفسك كتير يا طيف كتير قوي، على العموم أنا معاكِ دايمٍا.
- شكرًا.
- أكلتي وأخدتي الدوا؟ الممرضة قالت أكلتك ضعيفة، لازم تتغذي كويس عشان تخفي.
- أكلت ما تقلقش.
- نفسي يا طيف! نفسي أطمن عليكِ، هانت كلها أيام مهما طالت، هتفضلي ساكتة كده!
يتحدث كثيرا وتجيب باختصار، لا تجد كلمات تسعفها، ربما تاهت منها أو سقطت في خضم معاناتها مع ذلك الشهاب الحــارق، أحــرقها حقا بنـيرانه.
يكفيه ما وصل إليه ولن ييأس، ردودها المختصرة حد الجنون تعطيه دفعة ليمارس عمله بنشاط ويتحمل غَضَب والدته بصدر رحب، وآه مِن والدته أجبرته بالسابق على زواج استنزفه لسنوات والآن توبخه لارتباطه بمَن احترق قلبه شوقًا إليها، تقيمها بشكليات لا تنبي بيتًا ولا تنبت سعادة تذكر كلماتها حين أخبرها بنيته الزواج من طيف عقب انتهاء عدِة طلاقها.
- أنت تجننت يا مؤنس! ده بدل ما تقولي رديت مراتي بنت الحسب والنسب جاي تقولي هتجوز دي، طيف مين اللي عايز تدخلها عيلتنا وتبقى أم أحفادي، فوء يا مؤنس الجواز ربط عيلتين وواجهة اجتماعية.
- يا ماما طيف الوحيدة اللي هتريحني.
- متهيأ لك، بعد شوية هتلاقي نفسك ندمت وعايز تخلص منها، يا ابني أنا أدرى بمصلحتك.
- ماما جوازي من طيف هيتم في كل الأحوال لو سمحتي كملي فرحتي ووافقي!
- مش موافقة يا مؤنس ولو الموضوع ده تم انساني.
عاد من شرود يتنهد بعمق فهي لن تتنازل عن تفكيرها بسهولة، سيحاول بكل الطرق نول رضاها، عادت طيف تحلق بمخيلته فابتسم لن يطمع بالمزيد يكفي أن طيفه عاد إليه وبأقل مِن شهر ستكون حرمه المصون، حقه، أمامه وبين ضلوعه كما هي في قلبه.
يجلسا داخل غرتيهما بالفندق، يعيشان أسعد أيامهما ينعمان بالحب، سافرا لإحدى المُدن الساحلية يستمتعان بأفضل أوقاتهما على الأطلاق، لمسا السِّحاب، اتصال مِن والد رامي عكر صفوه وأعاده للأرض ساحبًا بساط السعادة؛ فشاب قلبه الحزن والألم:
- بتتجوز يا رامي من غير حتى ما تعزمني.
- أنا متأكد أني بعت لك دعوة الفرح قبل المعاد بأسبوعين.
- والمفروض أعرف بجوازك قبلها بأسبوعين، وبعدين لما تفكر تتجوز، اختار جوازة تشرف، مش محاسبة وأبوها موظف، ساكنة بمنطقة شعبية ومطلقة يا دكتور.
أخذ نفس عميق وأخرجه محترقًا بالنار التي يصر والده على إشعالها داخله دومًا:
- بابا يا ريت تبعد مراتي عن كلامنا نهائي، جوازي يخصني لوحدي، وأنا متأكد مليون المية إن المكالمة دي مش مباركة ولا حتى تأنيب أكيد في حاجة تانية أو مصلحة.
- واضح إن جدك نسي يعلمك تتعامل مع أبوك ازاي، مصلحة إيه يا ولد؟!!
- ولا حتى سيرة جدي، دكتور ماهر الديب، يا ريت أعرف سبب المكالمة، أكيد مش مباركة اللي ما اتقالتش لحد دلوقت وأنا متأكد إنها مش هتتقال.
- بما أنك بتتكلم رسمي نمشيها رسمي، عايزك في عملية يا دكتور رامي الديب.
تتابعه بصمت شعرت أنَّها سبب الخلاف بينهما وحزنت حين دوت ضحكاته الحزينة الصاخبة التي تنُم عن ألم روحه وتخفي ورائها بكاء قلبه، أخذت كفه الحر بين راحتيها وضغطت عليه تدعمه، ابتسم بوجهها ثم واصل مكالمته مع والده:
- المقابل أيه؟ والعملية امتى؟
أحــتلت الصـدمة قسماتها؛ فرامي مُحِق هناك سبب للمكالمة، ارتسمت على وجهها بسمة ساخرة حزينة فهناك آباء مثل والدها للأسف، فشددت على يده أكثر تربت عليها.
- بعد يومين، ومش هينفع تتأجل أو تعتذر العملية مستعجلة، وجولي مخصوص عشان اتوسط لهم عندك باعتبار أنك ابني وبتسمع كلامي.
- قصدك عشان مصدر للإعلام إننا أسرة مترابطة، أنا مش هاقطع أجازة جوازي عشان حضرتك أسف.
- يعني أيه آسف يا دكتور، دي حياة مريض فين التزامك بالقسم وشرف المهنة.
أغمض عينه بوجع فوالده لا يهتم لا له ولا لشرف المهنة فقط يهتم بالمال والمظهر الاجتماعي، همست له مُرحبة، لن تعترض أو تشعر بالسوء.
- لو وافقت أيه المقابل.
- عايز تاخد فلوس من أبوك!
- لا مِن المريض مش منك، وأنت قولتها زمان
business is business
- مش هتنسى.
- أنسى! المهم المقابل تبطل تضايقني في شغلي مش عايز توصيات ليَّا أو عليَّا، يمكن أطلع مِن الاستقبال بعد السِّنين دي كلها.
- يا غبي أنا عايزك تشتغل معايا، بدل الملاليم اللي بتقبضها.
- لأ، وحضرتك عارف السبب، فبلاش نتكلم في الموضوع ده، موافق ولا لأ؟
- موافق.
- هرجع بكرة إن شاء الله، ومن دلوقت شغلي ما حدش يتدخل فيه، الفريق اللي معايا أنا اللي أحدده.
- تمام، سلام
يستمر والده في رشقه بسيوف الخذلان، وقفت جانبه تحتويه لتعيد إليه بسمته، فانتبه على يدها تحاوطه بحنان تمسد على خصلاته، ابتسم بألم ووضع رأسه على صَـدرها مُطلـقًا تنــهيدات حــارة، أغمض عينه يحمد الله على الاستماع لقلبه والارتباط بها، رفع رأسه لها مبتسمًا، جذبها بلحظة لتجلس أعلى قدمه، فضحكت بصخب:
- أنا إيه اللي جابني هنا؟ مش كنت هناك.
- وأنا إيش عرفني ده تَـحرُّش على فكرة.
- يا سلام! مش أنت اللي شدتني.
ادعي التفكير، ثم حملها يتحرك نحو فراشهما، وصاحب كلماته غمرة مغازلة:
- لا أنا يوم ما أشدك يكون لحته تانية خاااالص.
سعادة مفرطة يعيشها مع نيرته ونور حياته، ورغم ذلك بُعْد والده يؤرقه ويُثِير قَـلقه، طالت المدة وطال الغياب، لم يكن والده ليتركه يوم زواجه مهما كانت الأسباب، لا يستطيع كبـح تفكيره السَّلبي، حاول إخفاء قلقه وتوتره عن نيرة، لكن قلب المحب يشعر بحبيبه حاولت معرفة ما يشغله:
- مالك يا حسن وبلاش تقول مفيش، أنت متغير جامد من يوم الفرح.
- قلقان يا نيرة، غياب بابا بقى مُقلق ومش طبيعي، توقعت أنه هيجي الفرح وننهي الزعل اللي بينا، قلبي بيقولي أنه في مشكلة.
- طاب أنا عندي فكرة؟ روح لسامر اسأله أو أسأل سعاد أختك.
- ابص في وشه ازاي! أنتِ ما شوفتهوش وهو بيقولي إن كل اللي أملكه بتاعه عشان بابا السبب فيه، وكمان بعت استقالتي مِن ورايا وزور أمضتي، وعشان الأخوة ما اتهمتوش بالتزوير، ولولاكِ كان زماني لحد النهارده مش لاقي شغل ووحيد.
ابتسمت بحب وضمت كفيه إليها:
- طاب ما تشوفها بشكل تاني، يعني لولا تصرفه الأحمق كان زمانك بعيد وكل واحد فينا تعبان، هو غلطان وغلط كبير، مش بدافع عنه، بس ربنا كافئنا، صح!
أومأ موافقًا يبتسم لها بامتنان.
- يبقي سيبك منه وما تقطعش مع اختك عشانه، اللي فهمته منك أنه بعيد عنها، ممكن تكون محتاجاك ولو روحت تاني تفتح لها باب تدخلك منه.
- تفتكري!
- أكيد، الوحدة صعبة قوي يا حسن، خصوصًا البنت تحس بضعف ممكن يوصل للقهر، أو تندفع لتصرف غلط.
دب الرُّعب بقلبه تتراقص الهواجس بعقله، هي أخته وإن لم تعترف، الوحدة ألمته وهو رجل قوي يمكنه التحمل والتَّجاوز بذرته طيبة من الجانبين، لكن سعاد لها جانب مريض نفسيًا، قطع شروده صوت نيرة:
- روح يا حسن ما تتأخرش أكتر من كدة.
- خلاص بعد الإجازة اروح على طول، أنتِ صح.
- خير البر عاجله، روح النهارده.
- مش هتزعلي إني سيبتك في إجازة جوازنا.
- تؤ، هزعل لو أجلت المشوار، يلا الوقت لسه بدري.
باقترابه سمع صوت شجار عالي وحاد، تملَّكه الخوف وطرق الباب بإصرار ضغط زر الجرس حتى فُتِح، انقبض قلبه برؤية زوجة والده المرتسم على وجهها أمارات الغَـضَب وكذلك سامر الذي زادها بشحوب وجهه واسوداده، بدا كشبح مُرعِـب، تغيَّرت معالمه وفقد وسامته، لم ينتبه لكلماتها السَّامة غير المرحبة، بل لم يسمعها فكل تركيزه مُنصَب على سعاد مَن بدت في وضع ضعيف ومعنَّــفة، شعرها مُبعثر وامتلأ وجهها بالخدوش والكدمات كما دموعها التي احترقت جفونها، دفع زوجة والده وخطا للداخل يتأكد مِن ظنِّه، ولم يهتم بما قد يترتب على فعله إن خطأ ظنِّه:
- في إيه؟ إيه اللي بيحصل هنا؟
- وأنت مالك؟ أنت مين أصلًا عشان تسأل؟
ابتسم بتهكم على سؤال زوجة والده ولم يبخل عليها بالإجابة:
- أنا أخوهم وابن جوزك.
تقدم نحو سعاد الساكنة بموضعها ولم يهتم لسيل السُباب الذي تقذفه به والدتيهما، الذي وصل لحد الطرد، يسألها:
- سعاد مالك؟ أنت كويسة؟ اتكلمي.
بسمة تهكم صامتة رُسمت على جانب وجهها، الجميع خذلها وهو بالتأكيد سينضم لهم، لم تدرك أن حالتها تلك عاشها لسنوات طويلة تذوق مرارتها وأنَّ الخذلان والوحدة عنوان حياته السابقة وكأنَّ الزمان يعيد نفسه، أقسم داخله أنَّه لن يتركها وصحَّ حديث نيرة، أخته تعاني ومقـتــولة قهرًا، شتت سيل أفكار صرخات والدتها فصرخ بوجهها بحدة لم ترها منه سابقًا:
- بس أنت إيه!! كل همك أطلع بره أطلع بره، فاكرة إني حابب وجودي معاكم أو جاي عشانك أوعشان ابنك، أنتم الاتنين آخر حد ممكن يجي في بالي مش أتحرك عشانه، أنا سيبت مراتي وهي عروسة وجيت عشان سعاد، سعاد وبس.
ثَــارا وغَـاضـبا ووقف قبالته يرشقونه بأكثر الكلمات سُمًّا، لم يهتم بهما أو لهما، عينه مُثبته عليها، يفسر تغير معالمها من وقع كلماته، رأى صدمتها التي وضحت مع جملته وكأنها وجدت مَنْ انتبه لها واهتم، وخزته بسمتها الحزينة ودمعاتها، لم يضيع مزيد من الوقت؛ فما رآه يكفي، أخذ قراره وتحرك سريعًا، فاجأ الجميع ولم يمهلهم فرصة لمنعه أو الاعتراض، جذب يد سعاد وخرج بها مُغلقًا الباب خلفهما، استغرقا بعض الوقت ليترجم عقلهما فعله، احتدت معالم سامر وكاد يتبعه فأوقفته والدته تمنعه:
- رايح فين بشكلك ده! أنا هعمله محضر بخطفها، أنت لو دخلت قسم هيقبضوا عليك تعاطي.
عانقتها بحنان كما لو كانت تعرفها منذ زمن، أحضرت لهما مشروب يهدئ أعصابهما، ساد المكان صمت متوتر شرد حسن خلاله، دار بعقل سعاد حوار طويل وأسئلة متعددة، لا تثق بحسن؛ فشقيقها يعاملها أسوأ مُعاملة وأمها تشجعه فهو الولد، ووالدها يوبخه ويحتج على تصرفاته بمكالمة تسير عبر حدود الدِّول وعندما تنتهي يبث سامر بها غَضَبه؛ فتنال الكثير من الصَّـفـعات والرَّكَـلات، أصبحت تهاب التَّعامل معه، خصوصًا وقت تعاطيه وغياب عقله، أشفق حسن على حالها توقع تفكيرها، حاول بثها بعض الطمأنينة والدَّعم:
- مش عايزك تخافي أنا معاكِ وفي ضهرك والأيام تثبت لك، أنتِ هتقعدي معانا هنا، نيِّرة طيبة قوي أتمنى تبقم صُحاب، ارتاحي دلوقت ونأجل كلامنا لبكرة، اطمني ماحدش هيلمسك تاني، وعد.
- اوعد باللي تقدر عليه، سامر مش هيبطل إلا لو مات.
- إن شاء الله أقدر، وده وعد عليَّا، نيرة ممكن تطلعي لسعاد هدوم جديدة مِن عندك، بكرة إن شاء الله أنزل أجيب لها اللي عايزاه، وأنت يا سعاد اشربي العصير ونتعب نيرة شوية كمان وتعمل لنا عشا أكيد لسه ما أكلتيش.
حاول تجاوز صدمته من ردها شعر وكأنها تتمنى موت سامر، فرغم كل مساوئه إلا أنه أخيه الصغير، أمعن النظر بمعالمها التي تصْـرُخ بمُعَانتها من وقت طويل، يتابع حركاتها وردود أفعالها لكل ما تفوه به، تردد بعقله كلمات نيرة؛ فتجمد للحظة ودعا ألا تكون ألحقت الأذى بنفسها بأي تصرف غير مدروس، جلس جانبها مُبتَسِمًا بود وجذبها يعانقها بحنان يمسد على رأسها ويربت على ظهرها، يمسح وجع روحها ويشفيها، انتفضت بين يديه مع سماعهم لطرقات جامدة متتالية؛ توقعا أنه سامر فحاول طمأنتها:
- مش هترجعي هناك مهما حصل، وعد، اوعي تخافي، نيرة، خليها جنبك ادخلوا جوة واقفلوا على نفسكم.
ما لم يتوقعه قوة مِن القسم تسأل عنه وعن سعاد، قادوهما للقسم، حاول قدر استطاعته طمأنتها يحاوطها كي لا يمسها أحدهم، يحاول تهدئتها لتكف عن البكاء وهو لا يعلم أي فخ نصبته له والدتها، دخلا مكتب الضابط وحسن يضم سعاد المُرتعشة يهون عليها الموقف، وكما توقع زوجة والده الموجودة بالغرفة وراء ما يحدث ترْشُقـه بنظرات نــارية، ومع دلوف الضابط تحولت نظراتها لأخرى مُنْـكَـسِرة واستحضرت دموعها، تجيد التَّمثيل وبرعت هذه المرة، تساءل حسن بلباقة اتقنها:
- سيادتك أنا مش عارف سبب وجودنا هنا، ما حدش راضي يتكلم.
قيَّمهم الضابط بنظراته ثم تحدث بغلظة:
- نزل ايدك ده قسم مش كافيتريا، شكلك محترم يعني، أمال البلاغ ده إيه؟ ولا هو شكل بس!
- اعذرني يا فندم هي مرعوبة وأنا خايف عليها، والحمد لله على نعمة ربنا أنا محاسب في مستشفى محترمة، ممكن اعرف سبب وجودنا.
- سبب وجودك هنا، الآنسة اللي خايف عليها، وحالتها دي خوف منك مش من المكان.
- وأختي تخاف مني ليه!
- أختك! والدتها قدمت بلاغ تتهمك بخطفها.
شعر بالدهشة والاشفاق على أخته التي دخلت بنوبة بكاء هيستيري:
- مش صح يا فندم ما حدش بيخطف أخته واللي يخطف مش هيروح بيته، أكيد لما أحب أخطف مش هيكون بعد فرحي بأسبوع.
- مش ابني يا باشا، والله مش ابني.
وزع الضَّابط نظراته بينهما فبدا عليها الارتباك، اندفعت ولم تقدر عاقبت فعلها، تعجب حسن منها:
- أنا فعلًا مش ابنها، بس سعاد اختي، احنا اخوات من الأب وحضرتك ممكن تسأل سعاد نفسها.
- القانون مش عايز رأي سعاد، القانون عايز ورق وأدلة.
ابتسم حسن بإرهاق وأخرج بطاقة هويته يعطيها للضابط:
- البطاقة فيها اسم الأب ولو حضرتك شوفت بطاقة والدتها هتلاقي اسم الزوج هو اسم والدي أو الباسبور لأنها كانت مسافرة ونازلة إجازة، وبالنسبة لسعاد فممكن نتصل بسامر أخويا الصغيَّر..
التفت بوجهه لزوجة والده يسمعها ما ترفض دومًا، ثم عاد بظره للضابط يسترسل:
- لأني أنا الكبير، يجيب بطاقته وشهادة ميلاد سعاد وحضرتك تتأكد من كلامي.
فكرة حضوره القسم ترعبها، سيعلم الضابط من هيئته بتعاطيه؛ فتحدثت بتلعثم تحاول إيجاد مخرج:
- يا.. يا باشا هو أخوها صحيح بس خاطفها، خدها مِن وسط البيت بعد ما زعق فيَّا، عايز يحرمني منها.
ازداد نحيب سعاد وأيقنت أنَّ والدتها ستُـقاتِـل لتعود معها، أي أنَّها هالكة لا محالة، اقترب حسن منها يضمها يبثها الأمان، والضابط يقيم الموقف بعين خبيرة مر عليه الكثير، تحدث بحدة:
- وإحنا هنا وزارة التَّضامن نحل المشاكل الأسرية، أنا ممكن احبسك بتهمة البلاغ الكاذب.
- حضرتك التمس لها العذر لما روحت كان في شد فعلًا، حبيت أهدي الجو وأخدت سعاد تقعد معايا، عشان نحل المشكلة بهدوء، ولما أصروا على العنف خدتها ومشيت، فيمكن تصرفي عصبها فتهوَّرت كده، أرجو إن حضرتك ما توصلش الأمور لمحضر، خصوصًا إن والدي مسافر وأخويا صغير وحضرتك شايف رفضها ليا.
- لما أنت عريس جديد، هل طبيعي تروح لهم المفروض العكس!
- هي بتأكد إني مش ابنها ووالدي مسافر والحقيقة هو زعلان مني شوية، فعشان كدة ما حضروش الفرح، وأنا ما حبتش أقطع معاهم خصوصًا وأنا عندي أخت صغيرة لازم أروح عشان سعاد.
يعيد على سمعها عدة مرات أنه يهتم ويفعل وهو الآن يتحمل مِن أجلها، بل ويدافع عن والدتها ويلتمس لها العذر، كم اشتاقت لتلك المشاعر! فمنذ عودتها مع سامر تفتقدها، بالسابق بثها والدها وأعطاها مثلها الكثير، اغدقها ببحر حنانه تشرب منه لترتوي ويفيض، انتبهت على كلمات حسن المهتمة:
- ممكن حضرتك، نمشي سعاد تعبت جامد وجسمها كله بيرتعش.
كانت زوجة والده تطلق الشرار يتـوهَّـج كامل جَسَــدها، فشلت فشل ساحق، أيقنت أن سعاد لن تعود معها؛ فتحدثت مدعية البكاء:
- يمكن أساءت التصرف، لكن كل همي بنتي ترجع معايا، أخاف تبات معاه هو أخوها على الورق بس، عمرها ما قعدت معاه ولا تعرفه.
ضربته بمقتل اغمض عينيه يمتص مرار كلماتها، طالعته سعاد ورأت بعينه ما تشعر به دومًا، تحدث الضابط بتقييم للموقف يحكُم بما يحثه عليه عمله وضميره معًا:
- قانونًا ما أقدرش أجبرها تروح مع حد منكم، هو أخوها وإن كان غير شقيق وأنتِ أمها، يبقي القرار في ايدها تقرر، وخلوا بالكم أني حاليًا هكون شاهد كمان، عشان لو جيتم هنا تاني.
توجهت إليها الأنظار، فارتبكت ووقعت في حيرة، تتعاطف مع حسن الذي لم يكن مضطرًا لتحمل ما حدث وفعل لأجلها، مهتم وهي عاشت الإهمال مع أمها، قطع سيل أفكارها كلمات حسن الحنونة، يحاول إخفاء شعور الخذلان؛ فهو موقن إنها لن تختاره، فالأخرى محقة، هي لا تعرفه:
- سواء معايا أو لأ هأفضل في ضهرك مش هابعد تاني، وعد.
ابتسمت له شاكرة وحددت اختيارها:
- هرجع مع حسن، على الأقل فترة.
تنهد حسن براحة وابتسم لها بحب، اسعدته باختيارها له، وثقتها التي منحتها له، اسعدته كاسمها، بينما أسود وجه أمها غَضَبًا، قطع الضابط الصَّمت:
- انتظروا نتمم الإجراءات، أنا تجاوزت عن محضر إزعاج السلطات عشان خاطر البنت وأخوها ونصيحة ما ترجعيش هنا تاني بمحضر فشنك، المرة الجاية مش هعديها لأي سبب.