رواية علاقات سامة الفصل الثامن والثلاثون
يكاد لا يصدق أنه على أعتاب تحقيق حلمه، استنشق الهواء بعمق يغمض مقلتيه يتذكر كم عانى لإقناع والدته بقبول زواجه بطيف حتى وافقت على مضض، حتى طيف كادت أن تفسد فرحته برفضها التام لارتداء فستان زفاف أو حتى إقامة حفل صغير، وبالكاد اقنعها بفستان أبيض شديد البساطة وقع عليه الاختيار بعد رحلة بحث طويلة، ألا تعلم كم تمنى أن تجاوره بطلتها هذه؟!
بعد عقد القران ذهبا لأحد المطاعم الفاخرة صُحبة المقربين، احتفل بهما المكان وقضيا يوم جميل لم يشوبه شيء سوى والدته التي لم تبذل أي جهد لإخفاء مقتها لطيف، مما احرج مؤنس وامتن لطيف لتقبلها الأمر وعدم إبداء أي اعتراض.
تجلس أمام المأذون بفيلا كمال وقد تم تزينها بأرقى مراكز الجمال كعروس لأول مرة، مَن يرى هيئتها يظنها ملكة متوجة على عرشها، سبحت بعقلها تتذكر ما تم بالأيام السَّابقة لعقد القران، فقد بحث عن أفضل مراكز التَّجميل وحجز لها وحدد لهم كل ما أراد ومن وقتها وهي مِن يد خبيرة لأخرى، زُيِّنَت مِن شعرها وحتى اخمص قدمها، وكلما مر الوقت كلما ازاد قلبها انقباضًا، لا تعلم كيف سترتدي الفستان الذي اختاره لها، فهو فَـاضِـح بكل ما تحويه الكلمة من معانٍ لا يستر سوى القليل، لا يُناسب سوى سـاقـطة، لم يسمح لها بتبديل ملابسها بالمركز وخصص لها غرفة بمنزله، ارتاحت قليلًا حين وجدت فستان أخر لترتديه وبرغم إعجابها الشديد به إلا أن انتابها القلق؛ فلما أبتاع الفستان الأخر؟!
انتبهت من شرودها مع كلمات المأذون تردد ورائه وتوثق سك خُـضُوعِها له، بعد انصراف الجميع لم يتركها لحيرتها وأمرها بارتداء الفستان الأخر، فاجأها بأفعاله التي أجابت بكل وضوح عن سؤالها، اشترى فستان السَّــاقِـطات لأنه سيجعلها مثلهم، يأمرها فتنفِّذ وإن كان ما يريده فجًّا، إن اعترضت أشار للغرفة المشؤومة وكأنَّه يساومها؛ فتطيع صَاغِـرة، تُجزم أنَّها ايقنت الآن شعور المُـغتَـصَـبات، داهمها غثيان شديد عقب انتهائه منها؛ فأسرعت للمرحاض، ثُمَّ استندت على الجدار تبكي حتى خذلتها قدمها ولم تعد تحملها، انتحبت حتى أغشي عليها وهو بالخارج يستمع باستمتاع، كما لو كانت تعزف إحدى السيمفونيات، تركها حتى غابت عن الدنيا دخل إليها حملها ووضعها بغرفة التأديب فوق الفراش المعدني ينتظر افاقتها.
ظنَّ أنه سيعيش معها ثلاث أيام بالجنة، هام بخياله ووضع تصورات عِدة للقاء ينتظره منذ ثلاثة عشر عامًا، يراقب انبهارها البادي منذ دلوفها الفندق وكأنه ادخلها بقلب كتاب الأساطير، رأى ارتجاف أوصالها مع أول خطواتها بالغرفة واختلاط الانبهار بالتوتر، ولم يخطئ فهي أعجبت بالفعل فهذه مرتها الأولى لزيارة مكان كهذا وهو لم يبخل عليها، بل كريمًا دون بذخ، أمَّا توترها فلذكرياتها مع مثل هذه الليلة.
وقفت بقلب الغرفة تخفض وجهها المحمر حد الاحتقان، تعاني هواجــسها ورعبها مما هو آتي أفعال طالما تذوقت خلالها الحنظل وصرخ جســدها بأنين دون مُغيث، يقارن عقلها دون إرادة منها بينهما، فمؤنس يفوق شهاب ضخامة ذو طول فارع وجسد يكتظ بالعضلات التي تبرز من جميع ملابسه لتعرف عن نفسها، تشعر بتناقضهما في الطبع والتصرفات، لكنها رغم ذلك تخشاه حد الرُّعب؛ كيف تخبره بعدم تقبلها لما ينوي؟! كيف تفصح عن عدم قدرتها على التعامل بطريقة طبيعية كأي زوجين؟! ليس ذنبه ما آلت إليه، لكنها تكره تلك اللحظات التي تُسمَّى بالحميمية، إنَّها نارية مِن قلب جهنم.
تركها فترة تعتاد المكان وتتهيأ نفسيًا للقادم، ولما طال شرودها حاول لفت انتباهها بلطف وكما ظنَّ بطريقة حالمة رومانسية، قابلها بوقفته يتشرَّب ملامحها يشبع منها، مد أنامله يرفع ذقنها يرنو إليها بنظراته الهائمة غير مصدق أنَّها وأخيرًا بين يديه، وعلى عكس توقعه انتفضت شاحبة بذُعْـر، اتسعت عيناه لا يعلم سبب انتفاضها، لا يدرك أن بقانون شهاب تتبع حركته هذه صفــعات مهــينة مـؤلِـمة، مما جعل كيانها كله يتساءل أيفعل مثله؟ نظرت له مصدومة فوجدته بمثل حالها، جزء منها دومًا يتألم مِن أجله، صـدمته المرسومة على معالمه جعلت هذا الجزء ينبض ألمًا، وبكلمات مبعثرة متعثرة بررت:
- أنا.. أنا.. أسفة، أنا بس متوترة.
جمع شتات نفسه، يتأكد للمرة التي لا حصر لها أن الطريق إليها وَاعِر وغير ممهد:
- مش محتاجة تتأسفي، ادخلي غيري هدومك لو عايزاني أطلع عادي.
اخفضت وجهها تود أن تطلب منه المُغادرة بالفعل، لكنها تراجعت كي لا ينال سخرية مَن يرَه، كاد يغادر لولا صدوح صوتها:
- خليك، أنا.. أنا.. خليك.
- طيف.
عادت خطوتها التي خطتها مع ندائه، دنا إليها ووقف خلفها يفتح جزء من سحاب ثوبها لتتمكن مِن خلعه، ربت أعلى كتفها بهدوء وحنان يخبرها بتفهمه لحالتها، بلحظة انتعشت الأنثى داخلها خجلت كعروس لأول مرة؛ فهربت للمرحاض مُغلقة الباب خلفها.
ابتسمت بشاعرية لثوانٍ وما لبثت أن ارتعدت من جديد، تدور بعلقها كل ما قد تمر به بعد قليل، لا تتحكم برعـشة جســدها التي لازمتها سنوات، عقلها يخبرها أن لحظاتها القادمة ستكون مهلكة لتتناسب مع بنية مؤنس العضلية والجسمانية فعل واحد منه وسيسحقها بين يديه، وقفت أمام المرآة تطالع نفسها بحرج؛ كيف ستخرج أمامه بملابسها البيتية التي حرصت على حشمتها، لكن بالنِّهاية ملابس بيتية.
يشعر بالإحباط، انهارت أحلامه الوردية لليلته الأولى معها، حدث ذاته يحاول طمأنتها: «عادي يا مؤنس مش مهم أي حاجة المهم أنها معاك، ويمكن مكسوفة وخجلانة، لا، لا دي انتفضت لما لمستها معقول خايفة مني للدرجة دي!! طيب ليه؟!!!» تنهد بإرهاق، لم يفعل معها ما يخيفها، أطبق جفونه بألم؛ فحبيبته تهابه وتخشاه، مهد لنفسه لتقبل أي ردة فعل وحثها ألَّا تتسرع فهي زوجته وستظل معه لنهاية العمر، حاول الابتسام ثم بدل ملابسه ينتظر خروجها، طال الانتظار وداهمه القلق، خشى أن تؤذي نفسها؛ فطرق على الباب بتوتر يناديها وتنفس الصُّعداء حين أجابته، ثواني وخرجت إليه بطلتها الهادئة مثلها والمبهرة بعينيه، رقيقة مُحتشمة على عكس عادة اليوم، ولم ترَ انبهاره بمظهرها من فرط توترها.
قطع المسافة بينهما يضمها باشتياق يروي ظمأ عاشق متيم بحث عن محبوبته لأعوام طويلة حتى وجدها، لُقِب بقيس؛ فهو مثله لكنه لم يفقد عقله، وسط دوامة أفكاره لم ينتبه لمدى قوته التي كادت تعصرها بين ذراعيه، والتي أجَّجَت تضارب مشاعرها بين الشعور بالدفء والحنان وبين الرُّعب مما هو آتٍ، وسؤال يفرض نفسه عليها: لمَ دخلت دوامة الزَّواج من جديد وأعادت الكَرَّة؟ نجت منها من قبل بأعجوبة مستنزفة ثلاثة عشر عام من عمرها؛ فلمَ تعيد التجربة؟!!! لن تجرؤ على إخباره بما يدور بخلدها ولن تستطيع تنحية أفكارها جانبًا.
أفاق مؤنس من النشوة التي غمرته على انتفاضتها؛ فأشفق عليها وابتعد خطوة واحدة لم يطاوعه جسده على أكثر منها، وحاول درء أي مشاعر سلبية عن تفكيره، حاوط كفها البارد بكفه الدَّافئ كنظراته التي تحاوطها، تحرك بها للطاولة الصَّغيرة التي تحوي عشاءهما، كم تمنى إطعامها بيده وضاعت أمنيته مع ما ضاع؛ فقيودها تسربت إليه وقيدته ببعضها، حاوطها بنظراته الحنونة الراجية، يتابعها بصمت يرى شرودها بوضوح؛ فهي بعالم أخر عقلها يعيد شريط انفراد شهاب بها، اغمضت عينها بإحكام مع ذكرى قذفه للملابس النسائية التي يختارها بوجهها، وتداخلت مع كل ذكرياتها السَّوداء.
حاول فتح أي مواضيع معها راسمًا بسمة سعيدة على شفتيه ليخرجها من دوامة أفكارها، لكن جميع الكلمات كانت من طرف واحد، لم يبقَ أمامه سوى لغة واحدة لا تحتاج لكلمات لتبثها حبه وأشواقه وتحدثها بما عجز لسانه عن البوح به، لحظة تمناها أيام وليال، بل سنوات طوال، ليختلطا معًا وينسجا خيوط غرام غير مرئية تربطهما لنهاية الأجل، اقترب منها بتمهل ضمها بحب يداعب خصلات شعرها بهيام، لمسات حنونة ناعمة، لكنها لم تشعر بها كذلك؛ سيطر عليها الخوف وتمنت لو يمكنها الاعتراض! تتساءل داخلها عن رد فعله، هل سيعنفها أم سيظل مراعيًا كعادته؟!! سبحت يده بحرية وحنان يبثها اشتياقه، لم يدرك أنها لا تشعر بواقعها وتداهمها ذكرى لقساوة وغلظة شخص أخر قتلت مشاعرها، رائحة عطره الهادئة جذبتها من مرارة الذِّكرى وسمحت لها لأول مرة التعبير عن حالتها تستجديه بدموعها المتوسلة:
- مش قادرة، مش قادرة والله.
تيبس جسده وعقله يتساءل: أترفضه؟! لمَ؟! هل أذاها؟! تراجع خطوة للخلف فانهارت باكية وجثت محلها
- مش قادرة والله! صعب، صعب، أنا.. أنا، أرجوك.
اتسعت عينيه بذهول، أتخشى قربه أم تقارن بينهما؟!! هل تريد شهاب دونه؟ ألا تتقبَّل غيره؟!!! عُقِد لسانه ولُجِم ولم يرحمه عقله، نزف قلبه ورافقته كرامته، شهقاتها المتتالية أوقفت ضحل تفكيره وأخرجته من ضياعه، مد لها يده بصمت فنظرت إليه بأسف، عادته منذ اللحظة الأولى يمد لها يد العون، رسم ابتسامة باهتة مقــتولة وجذبها برفق لتنهض، اجلسها على الفراش واعتلى الأريكة المقابلة له بانــهزام، أحنى ظهره يتكئ بمرفقيه على قدمه يخفي وجهه بين راحتيه، تدور كلمات والدته بخلده تقــتله ببطء وتنــحر قلبه وكرامته:
«طول ما هي معاك هتقارن بينك وبينه، هتقولك في كل مشكلة هو كان بيعمل كذا وأنت بتعمل كذا، هتفضل طول عمرك رقم اتنين في كل حاجة، ده لو ما بقتش تلاتة وأربعة».
أخرج نفس حارق يتذكر تعقيب طارق على كلماتها: «دورت وسألت طبيب نفسي لقيت إن كلام والدتك صحيح والمقارنة شيء طبيعي، لكن في حالتك هتكون لصالحك، لأنه أذاها كتير، المهم مش المقارنة المشكلة أنها تتقبل دخولك حياتها، فيه اختلاف بين تقبل الرَجُل والست للزواج التاني، الرجل يتقبل الأمر بسهولة وسرعة وممكن يجمع أكتر من زوجة في نفس الوقت، لكن الست لأ، لأنها بطبعها تتعامل بحميمية مع شخص واحد اللي هو جوزها، عشان كدة ممكن تحس برهبة في البداية وكل واحدة حسب ظروفها ومدي استجابتها، مش عايز اقلقك لكن اللي مرت به في جوازها الأول ممكن يكون عائق قدامك أنت».
انتهى عذاب ليحل أخر، تنهد بوهن ولم يجد مخرجًا سوى اللجوء للنوم، طالعها بحيرة واشفق عليها لاستمرار بكائها رغم اختفاء شهقاتها وعقله يسرد عليه أسئلة تزيد من مُعَـانَـاته:
- اغسلي وشك وتعالي ننام نأجل أي كلام للصبح.
نهضت ممتنة له تفهمه وحين عادت وجدته مستلقي على الفراش شارد الذهن، اختلست بعض النظرات له ولم يخفَ عليها حالته التي تبدلت، ليس هو مَن جوارها باحتفالهما الصَّغير ولا مَن ضمها منذ قليل، بُدِّدَت فرحته وهي مَن أذهبها، مد لها يده العون فمدت له يدها بالحزن والآهات، استلقت على الفراش توليه ظهرها وعاودت البكاء كما اعتادت، لكن اختلف مَنْ جاورها وبرغم بُؤسه شعر ببكائها فربت على ظهرها يواسيها؛ فتملكها سيل مِن المشاعر المتناقضة مِن جديد، حرب دائرة داخلها، ارتعش قلبها ولم تصل رعشته للعلن، أما هو فخرج مِن صمته يعلن عن سؤال نحر قلبه كما كرامته:
- طيف أنتِ رفضاني.. بتحبيه؟ ندمانة عشان سابك أو لأننا اتجوزنا؟ طاب ليه؟ ليه؟
تحبه!!! بل ترتعب منه، تفزع مِن قربه وتهاب عِـقَـابه، كم احترقت بنيرانه وما زال قلبها يحترق اشتياقا لابنة سُرقت منها؟!! حاولت جمع كلماتها التي تبعثرت وبدت غير مفهومة:
- لا، لا، لا، والله لأ! بخاف، والله بخاف! شـ.. شـ..
لا يتحمل رؤيتها بتلك الحالة أبدًا، بحركة لا إرادية جذبها إليه يحتوي وجعها حاول بثها الطمأنينة بكلماته حتى حررت عقدة لسانها:
- اهدي يا طيف، اهدي وتكلمي بالراحة، أوعي تخافي من حاجة، ما تخافيش مني! استحالة أءذيكي ثقي في ده.
- خايفة، خايفة أتوجع، كانت لحظات مُرَّة، محتاجة وقت اتعود، اتعود بس، أنا آسفة لأني بتعبك، والله آسفة! مش عايزة كده، بس مش عارفة، أنت استحملت مني كتير، آسفة بجد، آسفة.
أعطته كلماتها مزيج مِن الراحة والأمل؛ فنمت بسمة مستبشرة على وجهه:
- أنا اللي آسف لأني استعجلت، خدي وقتك مش هضغط عليكِ، كل اللي عايزه وعد يا طيف وتوفي به، عايزك تتكلمي معايا في اللي يخطر في بالك وبدون كسوف، اوعديني يا طيف.
- مش هقدر، صعب، بخاف اتكلم، كان.. كنت بتـ.. بتوجع، كل حاجة كانـ.. صعب، صدقني صعب.
كل مدي يزداد كرهه لشهاب أضعاف مضاعفة، يود الدخول معه بنزال يصرعه به ويقضي عليه، نزال بدني يخرج به كل ما يحمله تجاهه من بُغض.
ساد صمت يصرخ بما يحملاه من هموم وأحمال، لم يحررها من بين ذراعيه، يحاول اخفاء غَضَبه من كلماته وروحه كي لا يزيد رهبتها منه، ثم أردف بلين يداعب خصلات شعرها:
- هساعدك بكل طاقتي وأنتِ كمان ساعدي نفسك، عايزك تحاولي وأنا دايمًا هشجعك وهكون مستمع جيد، مش هضغط ومش هبعد وأول حاجة خليكِ قريبة مني وأوعي تديني ضهرك، اسمحي لي أقرب منك وأمحي المسافات بينا.
يحتاج قربها كما تحتاجه، وموافقتها على طلبه أثلجت صدره وأطفأت لهـيب قلبه كما صانت كرامته ورفعتها، نمت بسمة سعيدة على ثغره تتسع مع تراجع توترها وسكون جَسَــدها من الارتعـاش، استمتع بمداعبة شعرها وظل يربت عليها بحنان حتى غفت، عدل وضعها وفرد خصلاتها على الوسادة وانتبه إنه أقصر مما كان بآخر مرة رآه فابتسم ترجم هذا لبداية توجهها للتغيير ولو بقرار بسيط كهذا، سينام بأمل وسعادة بعد أن كاد الإحباط يقتله.
بدأت تشعر بما حولها، تخشى فتح مقلتيها لا تعلم ما يحمله لها مالكها، تشعر بتقييد أطرافها، فأفرجت عن ناظريها بوهن لترى أين هي، فارتعشت أوصالها وجحظت مقلتيها ولم تتمكن من النهوض؛ فهي مقيدة بالسرير المعدني كل طرف مفرَّق عن الأخر داخل تلك الغرفة الكريهة، اتاها صوت كمال -الجالس على عرشه- هادئ ومبتسم:
- كل ده نوم يا سو، سيبتك ترتاحي وما رضتش اصحيكِ، شوفتي طيب إزاي.
نهض وتحرك نحوها ببطء حافظ على بسمة شيـطـانيَّة على قسماته ولم يزح عينه عنها، يعلم ما يدور داخلها الآن وهذا ما يريده، وقف جانبها يعدِّل خصلاتها برقة وحنان زائفين:
- كنت هايلة يا سو، أجمد مِن أي بنت ليــل، بس إيه اللي تعبك وخلاكِ يغمى عليكِ؟ زعلتي مني!
ادعى التأثر مسترسلًا:
- معنى كده إني لازم أصالحك وبما أنك عملتي اللي عليكِ المرة اللي فاتت وبتفوق، فالمرة دي الدور عليا.
نزلت كلماته عليها كحــمم بركــانية، أصابتها بالهـلع، عقلها يعيد عليها كل ما مرت به معه مِن إهــانة وإِذْلَال ويخبرها أن القادم أسوأ:
- كمال أرجوك، أنا تعبت والله! ممكن لو سمحت بكرة! لو سمحت!
- تؤ، تؤ، تؤ كدة يا سو ترفضي جوزك حبيبك، عارفة لو أنا وحش كنت عــاقــبتك، بس إحنا عرسان جداد مش هعمل كدة.
يتلون بالتفهم والتأثر تارة وبالحِدة والتَّملك أخرى، ثم ختم كلماته بابتسامة عريضة مردفًا بما أرهبها وعزز تخيلاتها:
- آسف عشان مقــيد حركتك، بتوجعك يا سو؟
لم تكن فريسته الأولى كل حركاته سريعة ومدروسة، يطالع ما تذرفه من دموع بانتشاء تشعره بالقوة والهيمنة، تؤكد له سيره بالطريق المنشود، اخرج مِن خزانته بعض الأشياء التي ألقت بنفسها الرُّعب رغم جهلها بكيفية استخدامها، لكنها أكيدة بأنها ستعيش الجــحيم.
ذئب جائع غرز أنيابه بها مستمتعًا يلمسها تارة برقة وأخرى بقبضة من حديد حتى انتهى، ومن شدة ما عانت فقدة القدرة على النطق أو الحركة عينيها مفتوحتين بشرود وجســدها هُلامي، حملها لغرفتها بمنتهى اللطف التي دلفت لها محمولة بين ذراعيه القــويتين والمُـعذبـتين وضعها على الفراش، ثم اتجه لبهو الفيلا بالطابق الأرضي، أعد مشروب ساخن واعتلى الأريكة، يتذكر ملامحها المذعورة والمتألمة بسعادة وابتسامة ظافرة ملأت وجهه، تسلى وأرهــبها، أولى خطواته للانتقام.
ها هي سارة تتلقى منه جزاء الماضي، لكن كيف سيثـأر من مؤنس، الذي تزوج اليوم من تلك السَّاذجة ليلته، هي نقطة ضعفه وهى مدخله للانتقــام تبقى كيفية الوصول، سيسخر شيــطـانه للفَـتـك به وبها، فسارة بعرينه وبين مخــالبه، لن يهتم لاختفائها أحد، ولن يكتفي بها.