رواية زواج بلا قلب الفصل الثالث بقلم ادم نارو
نزلت ليلى من أوضتها بخطوات بطيئة،
جنب آدم، اللي ملامحه كانت ثابتة كتمثال،
والصالة كلها اتقلبت هدوء،
الناس واقفة، والعيون عليهم،
والموبايلات مرفوعة،
والأغنية اللي شغّالها الدي جي اختفت في الخلفية لما وقفوا قدّام العدول.
آدم وقف ثابت،
مستعد، وكأنه حافظ دوره،
لكن ليلى؟
كان قلبها بيخبط في ضلوعها،
عينيها بتدوّر على أمان مش لاقياه،
وإيديها بتتشدّ في الفستان.
العدول رفع صوته، وقال بنبرة واضحة قدّام الميكروفون:
"السيد آدم السيوفي… هل تقبل الآنسة ليلى الهاشمي ، زوجة لك، على سنة الله ورسوله؟"
آدم قالها من غير تردّد، بنغمة واحدة:
"أقبل."
ولا بصّ ليها، ولا رمش حتى.
كأنه بيشتري عقار، مش بيرتبط ببنت لحم ودم.
العدول لفّ ناحيتها،
وكل الناس عينيها عليها،
الكاميرات، التليفونات، الصالة كلها ساكتة…
حتى الموسيقى اختفت فجأة.
"الآنسة ليلى… هل تقبلين السيد آدم زوجًا لك، على سنة الله ورسوله؟"
ليلى حسّت إن الوقت وقف،
كأنها محبوسة في لحظة واحدة لا بتنتهي ولا بتبدأ،
صوت أمّها وهي صغيرة بيرنّ في أدنها:
“لما تكبري يا ليلى، اختاري اللي يحبك قبل ما تحبيه…”
لكن في اللحظة دي،
ما كانش في حب،
ولا حتى اختيار.
كان في ضغط، وكان في خوف،
وكان في آدم… واقف قدامها كأنه غريب.
عينها وقعت على أمها اللي واقفة بين الناس،
بتحاول تبتسم،
بس كانت بتبكي بعينيها من بعيد.
وخالتها كانت بتشاور لها برأسها،
زي اللي بتقول "يلا… خلّيها تعدّي، مفيش وقت للمشاعر دلوقتي."
العدول كرر السؤال، المايك قرب من وشّها:
"الآنسة ليلى؟"
بلعت ريقها،
عينيها لفّت على كل الموجودين،
وبعدين استقرت على آدم،
اللي كان بيبص لها بملامح حجرية،
لا فيها تردد، ولا فيها انتظار،
بس كأن عينه بتقول: "ما عندِكش مفر."
رفعت راسها شوية، وابتلعت غصّتها،
وبصوت واطي، فيه رجفة، قالت:
"أ… أقبل."
لحظة صمت…
وبعدين تصفيق.
زغاريد، ضحك، فلاشات،
لكن جوا ليلى، حاجة اتكسرت.
كأن الكلمة دي كانت السطر الأخير في فصل من حياتها القديمة.
آدم ما ابتسمش،
ولا حتى حرّك إيده ناحيتها.
بس قام، صافح العدول،
وبعدين مدّ إيده ليها علشان يقوموا يكمّلوا فقرات الحفل.
قامت، وهي حاسة إن جسمها مش بتاعها،
زي اللي بيتحرّك بتلقين.
★★★★
الرقصة الأولى…
القاعة اتحوّلت،
الأنوار خفتت،
والموسيقى بدأت تعزف نغمة هادية،
رومانسية، على الورق…
لكن ليلى كانت سامعة لحن جنائزي،
كأنها بترقص على جثة حبها اللي ما اتولدش أصلًا.
آدم مسك إيدها،
قربها منه،
إيده كانت باردة كالجليد،
ونظرته… معدومة من أي دفء.
همس في ودنها:
"ابتسمي. الناس بتصوّر."
قالت وهي بتحاول تشد شفايفها:
"ما تقدرش تجبر الابتسامة… لو مش طالعة من القلب."
قال بلهجة متملّكة:
"الليلة دي مش عن القلب… دي عن الصورة، والشكل، والواجب."
سألته بنبرة وجيعة:
"وإنت… واجب؟
ولا عقاب؟"
رد من غير تردد، وهو بيلفها في الرقصة:
"أنا واقع. وواقعك الجديد."
ابتعدت شوية، بس فضلت ماسكة إيده، علشان الناس،
وبصّت في عيونه، وسألته:
"ما سألتش نفسك ليه ما قاومتش الجوازة دي؟
ليه وافقت؟"
رد ببرود:
"أنا راجل عملي الصفقات المربحة ما تتسابش."
كلمته جرحتها،
لكنها ردّت، وهي بتحاول تتحكّم في دموعها:
"الصفقة دي… فيها روح.
وفيها وحدة… كانت بتحلم تعيش، مش تُباع."
ما قالش حاجة…
لكن شدّها أكتر، كأن كل كلمة بتقولها بترن في دماغه،
بس رافض يسمعها.
استمروا في الرقصة،
أجسادهم قريبة…
بس القلوب؟
زي جزيرتين في قارتين مختلفتين.
ليلى كانت بتعدّ الثواني،
مش عايزة الرقصة تكمّل،
بس في نفس الوقت…
مش عايزة اللحظة تنتهي وهي كده، مجروحة، ومتكسّرة،
من غير حتى نقطة أمل.
انتهت الموسيقى…
وآدم ساب إيدها بسرعة،
وابتعد خطوة،
وقال من غير ما يبصّ فيها:
"روحي اقعدي في الكوشة… خلينا نخلّص الليلة دي."
قالها بنفس البرود…
لكن الكلمة كانت كأنها خنجر جديد.
"نخلّص."
ليلى سابت إيده، ومشت بخطوات بطيئة،
نفسها تقف… تصرخ… ترجع ورا.
بس كل خطوة كانت بتدفنها أكتر في الليلة دي،
وفي الجوازة دي.
جلست على الكوشة…
وحواليها زينة وورود وناس مبسوطة،
لكن جواها؟
صحراء…
ساكتة، يابسة،
مفيهاش غير صدى قلب بيقول:
"أنا اتبعت."