رواية وميض الحب الفصل الثانى و الاربعون 42 بقلم لولى سامى


رواية وميض الحب الفصل الثانى و الاربعون بقلم لولى سامى


استيقظت من نومها بوجه باسم، وروح مشرقة، تدور بحدقتيها في المكان حولها، تتأكد من أنها في عالم اليقظة، وليست في عالم الأحلام، فتبتهج ملامحها أكثر…
تقبض بكفيها ممسكةً الفراشَ الذي أسفلها؛ لتتيقن من وجوده، فتتحقق أن كل ما حدث كان حقيقة، وتتلامسه الآن، فتتلألأ عيونها ببريق السعادة التي ظنّت أنها لن تراها ثانيةً…
اعتدلت في فراشها، توجه رأسها يمينًا ويسارًا بثقة، بعد أن تأكدت أنها لا تتوهم أو تحلم…
شعرت بغبطةٍ تجتاح فؤادها، وهي تتذكر أمسيتهم…
كيف كانت السعادة عنوانها، وراحة البال أساسها…
تذكرت حينما خرجوا سويًا لشراء فراش جديد، غير الذي اقترضوه من أخيه…
تذكرت كيف كان إصراره على شراء ما تختاره هي، وما يحلو لها، حتى لو كانا سينفصلان عما قريب، على حد قولها…
عودة إلى الأمس:
دلف بها إلى محلٍّ لبيع الأثاث الجديد، وبرغم اندهاشها في البداية – فقد اعتقدت أنه سيبتاع فراشًا مستعملًا لفرش شقته مؤقتًا – إلا أنها وجدته يتنقّل بين المحال التي تعرض أثاث العرائس.
نظرت له قائلةً، حينما طلب منها أن تختار ما يحلو لها، فهَمَسَت له قائلة:
/ أختار إيه؟ الحاجات هنا جديدة وغالية أوي…
ثم إن هنا مش بيع بالقطعة، إنت مش محتاج أوضة نوم كاملة، إنت محتاج سرير صغير ودولاب، مش أكتر يعني…
لم يُجِبْها على كل ما ذكرته، بل نظر لها نظرةً تحوي الكثير من الكلام، لعلها تفهم ما لا يستطيع البوح به، وكل ما نطق به:
/ بس أنا عايزك تختاري أوضة نوم كاملة وعلى مزاجك…
ألقى بجملته، لعلها تُدرك إيحاءاته، إلا أنها استبعدت ذلك الهاجس بالمرة، لتُلقي اعتراضها بمبرر آخر:
/ طب بلاش من المحل ده، الأسعار هنا غالية أوي…
لم يُخفض بصره عنها، ونظرة الإعجاب بها تتزايد؛ فقد رأى فيها خوفها عليه، دون أن يربطهم أي رباط، فما بالك لو أصبح بينهم ما يبرر خوفها…
أراد معرفة رأيها قبل إلقاء قراره:
/ الموديلات هنا مش عاجباكي؟
كان يرى الانبهار في عيونها بما حولها، لدرجة أنها لم تنتبه لنظراته إليها، لتجيبه وما زالت عيونها تغوص بالمكان:
/ بالعكس، الأذواق والموديلات هنا سيمبل أوي وشيك جدًا، وأنا بحب كده أصلًا، بس الأسعار…
قبل أن تكمل جملتها، ألقى قراره الحازم:
/ متشيليش هم الأسعار، اختاري اللي يعجبك وبس…
هنا التفتت إليه، فقد لمست روحها نبرة صوته الدافئة، لتلتقط سهم نظراته أخيرًا، فخفضت وجهها فورًا بخجل واضح عليها، وتحاول النطق بما كان يدور بعقلها:
/ اشمعنى أنا اللي أختار؟ دي شقتك، وإنت اللي هتعيش فيها باقي عمرك…
منعرفش بكرة مخبي لنا إيه!!
كان رده عليها فور رؤية خجلها، الذي أعجبه كثيرًا؛ فبرغم أنها مطلّقة، إلا أن الحياء ما زال يزينها، وهنا اشتد إعجابه بها أكثر…
حاولت التهرب من نظراته أكثر من مرة، فقد شعرت به يلاحقها أينما نظرت، لتحاول التهرب بصورة أكبر، وتنطلق تجاه غرف الأطفال ذات الفراش الواحد، ليتبعها متعجبًا من اتجاهها هناك، فإذا بها تنطق بما يزيد من تعلقه بها، دون أن تعلم هي أن بخوفها عليه، يزيد تعلقه بها:
/ طب أنا بقول تاخد أوضة نوم أطفال، هيكون سعرها قليل، وفي نفس الوقت هتقضي الغرض…
شقّت الابتسامة اللعوب ثغره، ليعلّق بحديث مبطن، قائلًا:
/ خلي أوضة الأطفال تيجي في وقتها، أنا محتاج دلوقتي لأوضة عريس وسرير كبير، علشان أنا بتقلب كتير، ولسه مش عارف طبع اللي معايا…
تخضب وجهها من الحمرة، وتعرّقت أناملها من كثرة إمساك واحتكاك كفيها ببعضهما، وشعرت بنيران الخجل تلتهمها، لتخفف من عليها ذلك الحمل، وتتوجه مباشرة إلى الغرفة التي لطالما جذبت انتباهها فور دلوفها هذا المكان…
تتبعها على الفور، ليجدها استقرّت عند غرفة ما، وبدون أن تنطق، عرف أن هذه الغرفة تحوز على إعجابها، فقرّر أن يرحم خجلها، ونادى على العامل يطلب منه شراء هذه الغرفة وإيصالها بالحال إلى المنزل…
إلا أن صاحب المحل أراد أن يؤجّل هذا العمل للغد، حتى لا يصبح مكان الغرفة خاليًا، ليعرض عليه سيد بزيادة طفيفة عن ثمنها، مما جعل صاحب المحل يقبل بعرضه في الحال…
ولم يكتفِ بهذا، بل طلب عاملًا ينصب الغرفة اليوم…
انتبهت من ذكرياتها، وهي تتمطّى على الفراش الجديد، حينما تذكرت أن كل هذا انتهى بحلول الفجر…
استقامت، تمشّط شعرها، وتهندم ملابسها امام المرآة الجديدة بسعادة وانتعاش، لتقرر إعداد وجبة إفطار جيدة، تعويضًا عن العشاء الذي لم يتناولاه بسبب انشغالهما بنصب الغرفة…
توجهت إلى المطبخ، تعد الإفطار، وهي ما زالت تفكر في ذلك الغافي… هل إحساسها صحيح؟ وأن هي من يقصدها بحديثه؟
هل سيُداوي الزمن أخطاء الماضي، ويهديها زوجًا حنونًا، طيب القلب، مثل سيد؟؟
أم أنه يعدّ كل هذا لشخصٍ آخر؟
وربما يجلب زوجته دعاء للعيش معه بمنزل عائلته مرة أخرى؟
ولكن، إذا كان كذلك، لِمَ أصرّ على رأيها في انتقاء الغرفة؟
كادت الأفكار تصيبها بالجنون، حتى إنها لم تشعر بدلوفه المطبخ، لتتفاجأ بمن يقترب من الخلف، يحاول سحب شريحة طماطم من أمامها، لتطلق صرخة مدوّية، تراجع هو على إثرها…
التفتت، تهدئ من روعها، تضع كفها أعلى صدرها وتسحب انفاسا متتابعة من أثر المفاجأة وهي تشير له بألا يغضب، حتى تمالكت أعصابها، لتنطق بكلمة واحدة:
/ خضّيتني…
ابتسم قائلًا:
/ كل ده علشان خضّيتك؟!
دنى بخطواته تجاهها، وهو يكمل معلّقًا بصوت حانٍ:
/ دانتي قطعتيلي الخلف، وأنا بصراحة نفسي أخلّف…
ازداد توترها واضطرابها، لتتراجع خطوتين إلى الخلف، فاقترب هو ثلاثًا، حتى بات على مقربة شديدة منها، قائلًا وهو ينظر إلى وجهها الوضّاح، ويسألها:
/ نمتي كويس؟
لم تُجِبه سوى بإشارة من رأسها، ليتقدّم هو خطوة أخرى، حتى باتت أنفاسهما متبادلة:
/ يعني السرير مريح؟
وكأنها تيبّست في مكانها، لتشير برأسها مرة أخرى بالإيجاب، فإذا به يقترب خطوة أخرى، ويرفع رأسها إليه، ينظر في عينيها، ويميل عليها بغرض اختطاف قبلة من فمها، وهو يقول:
/ نفسي أجرّبه…
كاد أن يصل إلى فمها، إلا أنها انتبهت لفعله، لتتراجع إلى آخر المطبخ مذعورة، وهي تتساءل:
/ إنت بتعمل كده ليه؟
أنا مأمّنة لك، وقلت إنك محترم… ليه تخوّفني منك؟
ابتسم بجانب فمه، وهو يقترب بخطوات سلحفية منها، قائلًا بتعجب:
/ هو لما آخد بوسة من مراتي أبقى مش محترم؟
إنتي نسيتي إننا اتجوزنا على يد مأذون ولا إيه؟
ترى تقاربه، فيزداد قلبها اضطرابًا واشتعالًا، لتحاول المراوغة والهروب بالكلمات:
/ بس إنت قلتلي إن ده مؤقّت وقدام إخواتك بس…
/ طب وماله لما نجرّب وهو مؤقت؟ يمكن نخليه دائم…
جرحتها الإجابة، فلم تكن تنتظر تلك الجملة، لتمرّ من جانبه بسرعة البرق تجاه باب المطبخ، وقد تحوّل اضطرابها إلى غضب، قائلة بحدّة تتنافى مع توترها السابق:
/ وأنا ما بجرّبش حاجة غير لما أتأكّد إنها دايمة…
أنا مش فار تجارب يا أستاذ سيد!
شعر أنه أفسد اللحظة، واليوم، بل أفسد كل المشاعر التي يكمنها، بجملة غبية من تأليفه…
هو لم يقصد ذلك المعنى، بل كان مقصده مجرد دعابة بالحديث، إلا أنه أخفق في التعبير والدعابة معًا…
وقف مذهولًا من نتيجة ما وصل إليه؛ فقد كان يُمنّي نفسه بيوم جميل، وأحداث أجمل وأمتع، إلا أنه وجد نفسه ينحدر إلى منطقة الصفر، بل لما قبلها…
دلفت هي إلى الغرفة، وأغلقتها على نفسها، وأخذت تَلكُم الفراش وتَنهره، وكأنها تَنهره هو، ودموعها حضرت في الحال، فأصبحت تُحادث نفسها وهي تبكي:
/ بقى عايز تجرّب السرير، وبالمرة تجرّبني؟!
هو إنت فاكر إنك اشتريتني زي السرير؟
ولا أنا اللي تساهلت معاك لدرجة شوّفتني رخيصة؟!
صمت عقلها برهة، حين استمعت لصوته الهادر في الرَدْهَة، يتحدث مع شخصٍ ما بجُمل مبهمة لم تستوعبها، ولكن حدسها يُخبرها أن الأمر يتعلق بزوجته الأولى، لتقترب من الباب تحاول استرقاق السمع، لعلها تلمّ بالموضوع…
ولكن، يبدو أنها انتبهت متأخرة، فلم تستمع إلا لجملة ختام المحادثة:
/ مش عايز أسمع عنها أخبار تاني، ولا حد يجيبلي سيرتها خالص…
…………………
بالمشفى، عاد عبدالله مهرولًا إلى حيث ترك الجمع لمعرفة ماذا حدث، إلا أنه وجد مشادة قوية بين جاسر وأخته دعاء، لدرجة أنه تم استدعاء أمن المشفى للفصل بينهما…
تدخل بأعجوبة من وسط الحشد المتجمهر حول المشادة، ليسحب جاسر من عضده طالبًا تفسيرًا لما يحدث. ليلتفت إليه جاسر بحدة وغضب، وقد خرج عن السيطرة لدرجة جعلته لا يتحكم فيما يخرج من فاهه، إلا أنه لم ينطق سوى بالحقيقة الخالصة:
/ ماتلمّ أختك بقى بدل ما هي دايرة تخرب بيوت الناس!
شوية إنت وشوية أخواتها البنات، ودلوقتي عايزة تقرب مني!
لم يَعِ عبدالله حديثه، ليحاول تهدئته وسؤاله عما حدث دون إلقاء أحكام ونتائج:
/ ما تفهمني يا جاسر بدل ما أنت طايح في الكل!
استمعت دعاء إلى كلمة أخيها، لتزيد من الأمر اشتعالًا كعادتها:
/ ما هو لو لقى اللي يقف له، ما كانش طاح في الكل كده!
وزّع جاسر أنظاره بين دعاء وعبدالله، وبسرعة فائقة أدرك أن دعاء تستغل عدم فهم أخيها لما تم، ليلقي على سمعه ملخص ما حدث:
/ طب علشان ما بقاش طايح في الكل، أحب أقولك إن أختك المبجلة المحترمة قالت لحماك إني كنت ماشي مع يسرا، ولازم يستر عليّا بدري بدري…
ايه رايك بقى ؟؟
ثم ربت على كتفه، وكأنه يسلمه الراية، قائلًا بتهكم:
/ وريني بقى هتحل ليلتك إزاي بعد الكلام ده… وعلشان ما تقلش عليك، بقولك ليلتي أنا أولى بيها… بس ما شوفش وش أختك تاني… وإلا ساعتها مش هعمل اعتبار لحد… أنا ماشي.
ذهل عبدالله لما استمع إليه، ليلتفت فجأة فإذا بأخته يحاول البعض تهدئتها وكأنها مجني عليها…
اقترب منها بعيون غاضبة وقلب محترق.
رأته دعاء مقبلًا عليها بوجه لم تره منه من قبل، حتى إن قلبها، الذي لم يرتعب من قبل، تسلل الخوف إليه قليلًا…
وصل إليها، وبلمح البصر، سحبها من معصمها واتجه سريعًا إلى خارج المشفى…
حاول البعض اللحاق به، إلا أنه التفت إليهم زاجرًا لهم:
– كل واحد يروح لحاله!
ثم أكمل مهرولًا، وساحبًا إياها للخارج…
لحقت بهم صفاء، خوفًا من أن يتطور الأمر…
استغل عبدالله وصول صفاء، وما زال ممسكًا بدعاء، وناظرًا لها بأم عينيها، ناطقًا بصوت جاف من أي مشاعر، محدثًا صفاء ومسلطًا نظراته داخل عيني دعاء:
– اللي جاسر قاله يا صفاء… حصل؟
ارتعبت صفاء من رهبة صوت عبدالله…
بللت شفتيها محاولة النطق بما ينقذ أختها كما اعتادت دائمًا معها، إلا أنها تذكرت “عادل” وقسمها معه بأن لا تشهد زورًا مرة أخرى، خاصة من أجل أخواتها…
شعر عبدالله بالحيرة التي تنتاب أخته، كما لاحظ نظرات دعاء المتوعدة لها، ليهدر متعجلًا صفاء بالنطق وبالحقيقة:
– ردي يا صفاء، ومتخافيش من حد!
انتفضت صفاء إثر صوته، وأخفضت نظراتها عن أعين أختها التي تلاحقها، حتى لا تضعف أمامها، لتُقِرَّ بأن حديث جاسر كان صحيحًا، وكان سببًا في استشاطة والد يمنى ووالدتها، وانصرافهم وهم في قمة غضبهم…
لم ينتظر عبدالله إثباتًا أكثر من هذا، ليصفع دعاء على وجهها لأول مرة في حياته، صفعة قوية جعلتها ترتطم بالأرض وتنزف دمًا من فمها…
ولم يكتفِ بذلك، بل لم يتركها على الأرض، بل رفعها سريعًا واتجه مسرعًا إلى سيارته…
حاولت دعاء التملص منه، إلا أن قبضته كانت ملتصقة بمعصمها وكأنها خلقت معها من قوة ضغطه عليها…
هرولت خلفهم صفاء تحاول تهدئته، إلا أنه أشار إليها دون أن يلتفت، قائلًا بحزم:
– متجيش ورايا، وخليكي جنب والدتك لحد ما جوزك ييجي!
انطلق حيث سيارته، فاتحًا إياها عن بُعد، ثم فتح الباب الخلفي من ناحية القيادة، وألقى دعاء به، ثم استقل مقعده سريعًا وأغلق السيارة إلكترونيًا…
حاولت دعاء استجداءه حتى تعلم ما بداخله:
– هتصدقهم يا عبدالله وتكدبني؟!
تمد إيدك عليّا وأمك لسه تعبانة؟!
أمال لما تموت هتعمل فيا إيه؟!
أنا دعاء، أختك اللي بتحبك وبتخاف عليك، تعمل فيا كده؟!
طب كنت سيبني أشوف أمي لما تفوق، وبعدين نبقى نروح نتكلم مع بعض!
ما ترد عليّا يا عبدالله!
مش كفاية ضربتني وسحبتني زي الجاموسة، وأنا علشان بحبك سكت لك!
طب يا سيدي، لو عايزني أعتذر لمراتك هاعتذر لها… بس رجعني أشوف أمي!
دبّ الرعب في أواصر دعاء حين وجدت منه الصمت التام والمرعب، لتحتار في حالته التي لم ترها عليه من قبل، حتى إنها، ولأول مرة، لم تستطع أن تتوقع ما سيُقدم عليه هذا الصامت الرهيب…
كان يستمع لكلماتها المسمومة، وقد انكشف عنه ستارها…
كان بداخله غضب يفوق أي حديث…
لم يستطع الرد عليها، إلا أن ما بداخله يفوق الأحرف العربية جميعها…
وصلا إلى المنزل، ليترجل ثم يسحبها كما أدخلها…
أطلق رنين المنزل، حتى فتحت له “هند”…
لم ينطق ببنت كلمة، بل انطلق على الدرج، ساحبًا إياها…
تعجبت هند مما تراه، لتتبعهم، لترى ما يحدث، خاصة وهي ترى دعاء، وللمرة الأولى، تتوسل إليها بأن تُنجدها من قبضة أخيها…
تشبثت كثيرًا بسور الدرج، إلا أن غضب عبدالله كان يحركه بقوة، مما جعله لا يشعر بمحاولاتها تلك…
وصل بها إلى باب شقتها، ليلقي لهند المفتاح طالبًا منها فتح الباب…
وكأن القدر قد أراد رد اعتبارها، فبعد أن كانت حبيسة بأمر من تلك الإدعاء، الآن أمسكت بقبضتها مفاتيح حبسها…
فتحت الباب، ليدلف عبدالله ودعاء فقط، ويغلق خلفهم الباب…
الآن فقط، حاول أن يتحرر من صمته الدفين، ليلقي على مسامعها تحرره من تسلطها، وكأنه استدعى الجينات الوراثية التي زُرعت به من قبل أمه…
بصوت خفيض، أقرب لفحيح الأفعى، ألقى على مسامعها ما لم تتوقع أن تستمع إليه، ومن هذا الأخ الساذج، على حدّ رؤيتها…
أخذ يجوب حولها، وكأنه صياد يحوم حول فريسته، قائلًا:
– دلوقتي بس شُفتك على حقيقتك!
انتي مش مجرد عقربة بتخربي البيوت زي ما جاسر بيقول…
انتي أفعى… حيّة بتبخ سمها جوه كل اللي حواليها…
كنت فاكر إن ماما أكتر أذية لينا، لكن الحقيقة… انتي أكتر شخص مؤذي.
يمكن ماما الحادثة خلت ربنا يهديها، وبدأت تشوف الحق وتندم على اللي عملته، لكن انتي…
ملكيش حل.
في البداية، حبيتي تفرضي سيطرتك على سمر لحد ما طلّقتيها، وبعدها سيد جوزك…
خدعتيه وأوهمتيه إنه ما بيخلفش!
فوجئت دعاء بمعرفة عبدالله، لتجحظ عيناها، فيعلق هو قائلًا:
– ما تستغربيش إني عرفت…
سيد حكالي على كل حاجة…
من أول ما سرقتي أهله، زي ما قولتِ لنا، وطلّعتي مخبّية الدهب، اللي برضه اتبلّيتي عليه إنه سرقه، لحد ما أوهمتيه إنه ما بيخلفش…
انتي إيه الجبروت الماشي على الأرض ده؟
أهو سابك، وشاف واحدة أنقى منك،
سابك وهيتهنّى ويخلف…
وانتي هتعيشي لوحدك زليلة ومحدّش طايقك!
انتي إزاي طايقة نفسك كده؟!
كادت أن تنطق لتدافع عن نفسها، إلا أنه أخرسها قائلًا:
– مش عايز أسمع صوتك خالص…
صوتك اللي بتبخي بيه السم ده، مش عايز أسمعه، ومش هخليه يوصل لأي حد.
صفاء أختك، اللي كنتي هتخربي بيتها باتفاقك مع ماما، مش هخليكي تشوفيها ولا تكلّميها تاني…
هند، اللي كنتي بتقومي جوزها عليها وتخليه يضربها أو يحبسها…
همسّكها دلوقتي مفتاح حبسك…
حتى أنا، اللي مكنتش بنزلك أمر ولا طلب…
مسلمتش من أذاكي!
كنتي هتخربي بيتي وتفرقي بيني وبين مراتي، لمجرد إنها ما ممشيتش تحت طوعك!
– أنا كنت خايفة عليك من حبك لها تنسانا…
نطقت بمبررها العقيم، لينطق هو بحقيقتها الواضحة:
– انتي مريضة يا دعاء…
مريضة بحب التسلط، ولازم أكفّي الناس شرك.
– هتعمل فيا إيه يا عبدالله؟
أنا أختك… حبيبتك!
حاولت استعطافه واستمالة قلبه، لا تعرف أنها لوّثت بيديها كل ما يتعلق بها بقلبه…
نظر لها باشمئزاز، وكأنه ينظر لمنظر قبيح أمامه، ملقيًا عليها قراره النهائي وبطريقة لا رجعة فيها:
– أنا مش هعمل حاجة…
أنا هسيبك انتي تعملي…
العقرب لما ما بيلاقيش حد يقرصه… بيقرص نفسه!
والنار، أول ما تلاقيش حد تاكله… بتاكل نفسها!
أنا هسيبك مع نفسك، تسترجعي ذكرياتك المؤذية في كل اللي أذيتهم…
بس كل اللي هعمله… إني همنع أذيتك دي تستمر.
هقفل عليكي لحد ما سُمّك ينتهي، وساعتها… يا تقري بذنبك وتتوبي،
يا حبستك هتطول يا بنت الحلال،
وأبقى أنا كده عملت بأصلي معاكي.
– هتحبسني يا عبدالله؟
قالتها غير مصدقة، فأجاب:
– هخلص اللي حواليكي من شرك… وهخلصك انتي كمان من شر نفسك.
تلبستها روحها الشريرة، لتحاول الفرار من أمامه، وهي تصرخ قائلة: “والنعمة أبلغ عنك وأفضحك…”.
قبل أن تكمل فرارها وجملتها، التقطها كالفهد، كاتمًا فاهها بيده من الخلف، وهو يهمس بأذنيها بصوت مرعب: “متخلنيش أضاعف العقاب، وأحبّسك متكتفة،
ولو فاكرة إن حد بيحبك وهتصعبي عليه، هسيبك تشوفي ده بنفسك…
يمكن تبطلي أذية شوية…”.
كانت تستمع إليه، ودموعها بدأت بالانزلاق على كفه المكمّمة لفاهها، وهي لا تستوعب ما سيحدث لها…
رفع كفه من على فاهها، لتحاول التوسل إليه:
“خلاص يا عبدالله، هعمل كل اللي تأمرني بيه، بس متعملش فيّا كده…
خليني أساعد أختي سمر، دي ما بتسمعش، وأخدم أمي في آخر أيامها…
ولو على الاعتذار ليمُنى وأبوها، هاروح لهم لحد عندهم…
وهراضي جاسر، والله هراضيه واستسمحه…
اديني فرصة أخيرة، ولو سمعت مني كلمة وحشة، أو عملت حاجة مش راضي عنها، اعمل فيا ما بدا لك…
أنا أختك يا عبدالله، هترمي أختك وتحبسها؟!”.
كاد أن يجيب على تَوسُّلها هذا، ويبلغها بقراره الذي لم تعرفه من ملامحه حتى الآن، إلا أن هاتفه صدح بجَرزِه، فأخرجه سريعًا، مخافة أن يكون الأمر متعلقًا بوالدته…
انتظرت هي أن تعرف من المتصل، لتجده يجيب على الفور…
اتسعت حدقتاه فور استماعه لهوية المتصل وسبب الاتصال، ليتركها بفضولها، دون أن يُجيب عليها، وخرج سريعًا، مُغلقًا الباب خلفه بالمفتاح…
بينما هي، أخذت تنادي عليه، وتحاول جاهدًة فتح الباب، إلا أنه انطلق دون أن يُعير لندائها اهتمامًا…
رأت نفسها وحيدة بالشقة، تدور حول نفسها، لا تُصدق ما وصلت إليه…
بدأ حديث أخيها يتردد في عقلها، فلم تتقبله، وأخذت تُهشّم كل شيء يُقابلها…
أطلقت عدة صيحات، لعل أحدًا يستمع إليها، إلا أنها وجدت كل هذا يذهب هباء…
أخذت تطرق على الباب، وتنادي تارة على هند، وتارة أخرى على سمر…
وبرغم استماع هند لصياحها وندائها، إلا أنها كانت تجلس بالأسفل أمام سمر، هادئة الأعصاب، تشعر بالسعادة الطاغية…
يحاول ابنها أن يلفت انتباهها لصوت عمّته، إلا أنها كانت تجيبه بغبطة:
“صوت صراخها مزيكا في ودني…
اعمل نفسك مش سامع حاجة…
قدرهم ما يسمعوش بعض…
واحدة بتصوّت فوق، وأختها في الدور اللي تحتها بس طرشة مش سامعاها، وأمهم في المستشفى مش دايرة بحالها…
ياما صوّتت واستنجدت، وكانوا بيعملوا ودن من طين وودن من عجين…
ياما حبسوني بكلامهم المسموم…
جه الوقت اللي أسمع فيه صراخهم، وأشوف جزاء كل واحد فيهم من اللي عملوه في الناس…
ولِسّه…”.
………………………….
هرول عبدالله إلى النيابة، وفي طريقه أجرى اتصالًا بمنقذه الدائم، وأخيه الذي لم تلده أمه، يستنجد به ويطلب منه إحضار محامٍ على الفور، واللحاق به عند سراي النيابة…
بالفعل، وصلا كلاهما، واتجها إلى مكتب وكيل النيابة، ليجدا أخاه يجلس القرفصاء، وهو مطأطئ الرأس، بجانب مكتب وكيل النيابة، وهو مُكبل بالأصفاد، وممسك به شرطي…
فور أن رآه، شعر برغبته في الانقضاض عليه…
أغمض عينيه، يحاول السيطرة على حاله…
إلا أنه لم يستطع بل شعر بصوت يمنى يتردد في مسامعه وهي تسرد ما تم من أخيه ليعقد جبينه ويحرك رأسه رافضا تخيل ما يسمعه عقله….
اعتقد جاسر أن المشاعر التي تنتاب عبدالله هي ندمه على ما وصل إليه حال أخيه، لذلك أخذ يُربّت على كتفه ليشجعه على مواصلة مؤازرة أخيه…
لا يعلم بكمّ الغضب الذي يُواريه عبدالله بداخله، حتى عن أقرب الأشخاص…
شعر صبري بوقوف أحدهم أمامه، فإذا به يرفع ناظريه، ليجد أخيه أمامه…
انتفض واقفًا، يُقدّم الشكر لقدوم أخيه، الذي ما زال يقف أمامه صامتًا، مغلق العينين، عاقد الحاجبين:
“جاسر، عبدالله، ألف شكر إنكوا جيتوا…
أنا والله بريء، ما قتلتش حد، صدقني يا عبدالله، ما قتلتش حد…”.
فور أن فتح عبدالله مقلتيه، ونظر في عيون أخيه، لم يستطع تمالك أعصابه، ليهبط على وجنته بصفعة قوية أفقدته ثباته، وهو يسبّه:
“يا حي – وان! يا كل – ب يا قليل الشرف!
أخوك يا حي – وان…!”.
أخذ عبدالله ينعته بألفاظ نابية، وجمل لم يستوعبها جاسر، وكل ما حاول فعله هو محاولة إبعاد عبدالله عن أخيه…
كما فعل الشرطي المكلَّف بصبري…
فهم صبري ما يشير إليه أخوه، فلم يستطع النظر في عينيه، ليعود مطأطئ الرأس مرة أخرى…
بينما عبدالله حاول بصعوبة التغاضي عن مشاعره الغاضبة في هذه اللحظات، وهو يشير لجاسر أن يتركه ليذهب لأخيه…
فور اقترابه من صبري، أخذ يُملي عليه ما سيفعله:
“يكون في معلومك، أنا مش هسمع عملت إيه، و مهمنيش بريء ولا مذنب…
أنا جيت هنا علشان الأخوة اللي انت مصونتهاش…
جاي أعمل الواجب، وانت ونصيبك…
المحامي أهو، هيدخل معاك، وهيتابع قضيتك، وأنا كل اللي عليّا إني هتكفّل بأتعابه…
غير كده، ما تنتظرش مني حاجة…
وبقولها لك من دلوقتي: لو خرجت، انسَ إن ليك أخ، وما تدورش عليّا، لأني ببساطة مش هستقبلك في بيتي لحظة واحدة…
ولو ما خرجتش، ما تنتظرش مني زيارة…”.
أنهى عبدالله حديثه، وغادر مسرعًا، وكأنه يهرب من وحش يخشى لقاءه…
اتبعه جاسر، بعد أن أكّد على المحامي متابعة الأحداث، وموافاته بما سيتم…
خرج جاسر من مقر النيابة، ليجد عبدالله جالسًا في سيارته، وقد ظهر عليه الإنهاك، ويبدو أنه كان في وصلة بكاء مُفحمة، ليحاول التخفيف عنه، ظنًّا منه أن هذا من أثر تكالب المشاكل عليه:
“معلش… أزمة وتعدي…
وإن شاء الله يطلع براءة…
أنا حسّيت بصدقه،
أول مرة أحس بصبري إنه صادق…
صدقني يا عبدالله، أخوك صادق…”.
التفت إليه عبدالله، ولسان حاله يخرج ما بصدره، إلا أن الحدث جلل، لا يستطيع الإفصاح عنه مهما حدث، ليُعلّق قائلًا:
“في كلتا الحالتين، في نظري مش مظلوم…
لو قتل، يبقى يستحق العقاب،
ولو ما قتلش، يبقى عمل شيء تاني يستحق عليه العقاب برضه…”.
ربت جاسر على فخذ عبدالله، قائلًا:
“هون عليك يا صاحبي…
هون عليك…”.
………………………….
وصل كريم وسعيدة ويُمنى إلى منزلهم…
دلف المنزل وهو في حالة هياج عصبي، ينادي على يُسرا ويبحث عنها في كل مكان، وسعيدة ويُمنى يهرولان خلفه…
وصل إلى غرفتها، لتقف يُمنى أمام غرفة أختها، تحاول إحالة والدها عن أختها:
“اهدأ يا بابا واسمعنا الأول…
هنحكي لك على كل حاجة، بس اهدأ الأول…”.
تجهمت ملامح كريم، ونظر لها بحنق وغضب، وهو يتوعد لها:
“امشي من قدّامي، مش عايز أذيكِ…
انتي حامل، ولو زقيتك هتموتي فيها…
اوعي من قدّامي يا يُمنى!”.
كانت تظن أنها تحلم، إلا أن صوت والدها، وصراخ أختها وأمها، جعلها تتيقن أن كل هذا حقيقي…
انتفضت من مرقدها، تنظر حولها، تحاول الإلمام بما يحدث، إلا أن عقلها لا يُدرك ما يجري…
تستمع لكلمات لا توحي بشيء سوى بكذب أحدهم، وعصبية أبيها…
أمسكت الهاتف، ربما أرسلت لها أختها شيئًا، لتجد أن أختها وجاسر تناوبا على الاتصال بها مرارًا وتكرارًا، ولولا أنها كتمت صوت الهاتف قبل النوم، لكانت استمعت إلى اتصالاتهم المتكررة…
“قولتك اوعي يا يُمنى، أنا عفاريت الدنيا بتتنطّط في وشي!”.
كانت هذه آخر جملة استمعت إليها من خلف الباب، لينفرج الباب فجأة، ويدلف كريم كالمجنون، وينقضّ عليها وهو يلفظ قائلًا:
“آه يا فا—جرة…!”.
🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹
ياترى مين كلم سيد ؟؟
وياترى عادل كان في المستشفى عمل ليه ؟؟
وتفتكروا عبدالله هيعمل ايه في دعاء ؟؟
طب بالنسبة لصبري تحبوا يتعاقب ويتحبس ولا نطلعوا براءة 😅 ما الدفتر دفترنا والرواية رواياتنا😅😅
تفتكروا بقى كريم هيعمل ايه في يسرا يا عيني اللي كانت نائمة وصحيت على الدمار الشامل ده
طب جاسر هيعمل ايه مع كريم اصلا وهيعرف يصلح اللي دعاء هببته ولا خلاص كدة🥺🥺
وعبدالله يا عيني اللي مش ملاحق يلاقيها منين ولا منين طب والله صعبان عليا حاسة أن أنا بهدلته اوي ولا انتوا رايكم ايه ؟😥😥
تفتكروا بقى هند شبعت باللي بتشوفه ولا لسه لها رأي تاني🙄🙄

تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1