رواية وميض الحب الفصل السابع و الاربعون 47 بقلم لولى سامى

 


رواية وميض الحب الفصل السابع و الاربعون بقلم لولى سامى



في قلب العتمة، حيث تتلاطم أمواج الصعاب وتشتد الرياح، هناك بذرة خفية تنمو ببطء. قد لا نراها في غمرة الألم واليأس، وقد نظن أن كل شيء قد انتهى.
لكن الحياة، في حكمتها العميقة، تخبئ لنا دائمًا مفاجآت.
تلك المشاكل التي كسرت قلوبنا، والتي سهرنا ليالي نبكيها، ليست نهاية القصة بل هي فصل ضروري لكتابة نهايات أجمل.
إنها كالأرض الصلبة التي تُقلب وتُحرث لتستقبل بذورًا جديدة، بذورًا أقوى وأكثر قدرة على النمو.
فلا يولد العوض على أطراف الأمنيات، بل يخرج من رحم الألم نفسه، من قلب العتمة التي ظننا أنها لن تنقشع.
يأتي العوض متخفّيًا في هيئة خسارة، في صورة خيبة، في شكل طرق مغلقة…
ثم، وبلا موعد، ينكشف الغطاء.
وقد يأتي العوض في هيئة أشخاص جدد يضيئون دروبنا، أو فرص لم نكن لنراها لولا انكسار الرؤية القديمة.
فلا تحزن على ما ضاع، فربما كان العوض مخبوءًا فيه، ينتظر أن تُبصره لا أن تُنكره
هكذا كان حال سيد الذي أصبح يوميا يستيقظ مبكرا عن موعده ليجلس أمامها يتأمل ملامحها المريحة وروحها النقية …
يؤنب حاله كيف استطاع الصبر على قضاء كل تلك السنين أما وجه يشعره بالضيق يوميا كل هذه المدة …
كيف تخيل أن التمرد على المكاره هو تبطر على النعمة !!
يعنف حاله باحثا بين جنبات روحه حول النعمة الذي كان يتحمل من أجلها …
لم يجد سوى نقمة كان يعتقده خاطئا نعمة.
رفع سبابته شعيراتها المترامية على وجهها الوضاح ليكشف عن ملامحها العذبة ويهنئ روحه بالنظر إليها أكثر وأكثر …
يتمزق قلبه كلما تذكر مرورها بأيام مؤلمة ليتوعد لنفسه بأنه سيبذل كل طاقته بغرض اسعادها ..
مرر أصابعه على بشرتها البضة لتتململ هي برقدتها …
رمشت باهدابها تحاول جاهدة أن تفرج عن مقلتيها لتتسع ابتسامتها كالمعتاد وهي تتساءل في كسل / هتفضل كل يوم تبص عليا كدة …
لحد دلوقتي مش مصدق ان الدنيا اخيرا رضيت عني وخلتني اشوف الجمال ده مل يوم الصبح …
اتسعت ابتسامتها وهي تعدل من رقدتها وتعلق ممازحة / على فكرة انت بتبالغ يا سيد واتعلمت البكش برغم انك مكنتش كدة ..
وزع أنظاره على ملامح وجهها البسيطة في تكوينها والعميقة في أحاسيسها / أنا مش شايف اني ببالغ….
ولو انتي شايفة كدة يبقى لازم تعذريني مانا مبقاش طول عمري اصحى على وش عكر أو خناقة أو نكد وفجأة الاقي الهنا بقى بين ايديا يبقى لازم فرحتي متساعنيش …
انتابها شعور بالخجل وتوردت وجنتيها بالحمرة برغم مرور مدة على زواجهم …
اقترب من وجنتها يقبلها بنهم فهو عاشق لخجلها المستمر ذلك …
بالكاد تملصت منه لتهرب من سطوته عليها تحت مبرر اعداد الافطار له كعادتها كل صباح/ يادوب الحق اجهزلك الفطار قبل ما تروح الشغل …
انتفض خلفها يلاحقها قبل دلوفها للمطبخ ..
وقف على عتبة المطبخ مانعا إياها من الدلوف وهو يرواغها ويراودها عن نفسها / ما بلاها فطار اكل النهاردة واسمحيلي أفطر بيكي انتي ..
اتسعت ابتسامتها ونطقت عبثا وهي تتهرب بنظراتها / ما بلاش على الصبح كدة من غير فطار لتهبط ….
عيني اعملك الفطار …
رفع إحدى حاجبيه وهو يرى رسالة التحدي التي ارسلتها للتو لينظر بقوة داخل عيونها ليرى مروغتها وتمنعها الظاهري ورغبتها المبطنة ليحسم قراره وبفجأة وبلحظة واحدة كان يحملها على ذراعيه متجها بها لغرفتهم …
أطلقت شهقة من أثر المباغتة اتبعتها بضحكة مجلجلة وهي تتعلق بذراعيها في عنقه وتسأله بعنغ / واخدني على فين ؟؟
دلف بها الغرفة واغلق الباب بإحدى قدميه ثم اقترب من الفراش وهو يجيبها / واخدك على دنيا الاحلام بتاعتنا …
أستند بركبته على الفراش ثم انزلها بهدوء ومازالت تتعلق بعنقه وهى تنظر بداخل عيونه وتتمنع قائلة / أنا خايفة عليك لا تتعب ..
مازال ينظر لها من أعلى ويرى رغبتها الكاملة فيه فيجيب على لسانها وقلبها معا / تعبي في قربك راحة يا فتنة قلبي …..
…………………………
استمعت هند لصراخ شديد قادم من شقة دعاء …
انتفضت من مكانها وكادت الصعود لها إلا أنها عادت مكانها مرة أخرى ولم تعر لها اهتمام …
تعجبت سمر من انتفاضتها المفاجئة لتسألها صوتيا وهي تشير لها بكفها / مالك يا هند انتفضتي فجأة ليه ؟؟
زاغت أنظار هند وهي تحاول التغافل عن ذلك الصوت الذي ينبأ بحدوث كارثة …
استمع ابنها لصوت عمته ليهرول تجاه أمه وهو يخبرها قائلا / الحقي يا ماما عمتوا بتقول حريقة …
هنا لم تنتظر أكثر من هذا فتلك المجنونة من الممكن احراقهم جميعا …
هرولت على الدرج تحت أنظار سمر المتعجبة …
حاولت سمر تتبعها لتجدها تصعد للأعلى ..
اتبعتها سمر وهي تتساءل عن ما حدث إلا أن هند لم تجيبها ….
وصلت هند عند شقة دعاء فلم تجد أي آثار لاي حريق برغم أن الصراخ مازال مستمرا …
توقعت أن تكون خدعة منها فاقتربت من الباب تتشمم اي رائحة حريق ربما كان بالدخل إلا أنها لم تشم شيئا …
وقفت لا تعلم ماذا تفعل خلفها سمر تسألها وامها دعاء تصرخ وكأنها تحترق بالداخل…
استمعت دعاء لصوت اختها سمر لتزيد من الصراخ وتحاول الاستنجتد بها / الحقيني يا سمر ايدي اتحرقت …
الحقوني يخلق ياهو ايدي فيها نار …
حد يلحقني ….
نطقت بحديثها وأخذت تولول مجددا حتى شعرت هند بجدية الأمر …
اخرجت هاتفها من جزلانها واجرت مكالمة بعبدالله وهي تهبط للاسفل حتى لا يصل صوتها لتلك الخرقاء …
أجابها عبدالله الذي أصبح الهاتف يمثل له عفريت العلبة الذي يفاجأة بمصائب جديدة مع كل مهاتفة ….
فور إجابته عليها نطقت برهبة وذعر / الحقني يا عبدالله دعاء عمالة تصوت وتقول أيدها اتحرقت وانا مش عارفة اعمل ايه …
هات دكتور بسرعة وتعالى …
أنهى المكالمة بعد وعده بحضوره سريعا …
وبالفعل أجرى اتصالا بطبيب يعرفه وطلب منه الذهاب للمنزل وهو سيلحق به سريعا ….
……………………..
ظهر جاسر من خلف جنة أخته لتتسع حدقة سعيدة فور رؤيته …
كاد أن يتحدث جاسر إلا أنها أشارت له بسبابتها على فمها بأن يصمت تماما …
ظلت تتلفت للامام والخلف لترى ما أن لاحظ كريم وجوده من عدمه ….
استشعرت جنة بخطب ما لتسحب جاسر بعيدا قليلا تزامنا مع صدوح صوت كريم من الداخل يتساءل عن الطارق …
تراجعت جنة ساحبة جاسر بعيدا عن مرأى الباب وهي تحاول دفعه تجاه الدرج قائلة / أنزل تحت دلوقتي ولو احتاجتك هندسه علبك …
كاد أن يعارضها لتتفوه قائلة / انزل يا جاسر دلوقتي الراجل لو شافك هيعند …
شعر بالقلق تجاه موقف رؤية كريم له ليزم شفتيه ويتوجه مباشرة هابطا الدرج …
تكرر سؤال كريم من الداخل وتيبست سعيدة امام الباب لا تعرف بماذا تجيبه حتى انقذتها جنة وهي تدلف خطوة للداخل قائلة / أنا جنة اخت جاسر كنت عايزة حضرتك نص ساعة بس لو امكن …
انتصب كريم من مقعده عاقدا جبينه حينما سمع اسمها وكينيتها …
توترت سعيدة وقاسمتها حسنة نفس الشعور …
وقفا ينتظرن قرار كريم من تلك التي دلفت خطوة واحدة وتشمؤت بمكانها …
شعر كريم بالحرج تجاه تلك التي ببيته لأول مرة ليضغط على أسنانه حتى برزت عروقه وهو يومئ برأسه بالايجاب …
رسمت هند الابتسامة بعد شعورها بالحرج والإحباط كونها تقف على عتبة منزلهم تترجى الدلوف …
لعنت جاسر وعبدالله مرة ولعنت حكمت وبناتها الف مرة ….
وصلت أمامه وهي تلقي عليه تحية الإسلام ربما هدأ قليلا وتقبل حضورها / السلام عليكم…
لم يسعه سوى أن يرد عليها التحية بأفضل منها / وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته…
صمت برهة ثم أشار لها بكفه بأن تجلس ليجلس أمامها بصمت تام …
مازالت تستشعر بالحرج الشديد حتى قطعت حسنة وصلة الصمت هذه وهي ترحب قائلة/ اهلا اهلا اتشرفنا بيكي …
انتصبت سعيدة تقوم بدور الترحاب والضيافة وهي تسألها عن المشروب المفضل لها / خطوة عزيزة يا بنتي تحبي تشربي ايه ؟؟
ذاب الحرج قليلا عند جنة لتتخذ من مقولة سعيدة مدخلا لحديثها / يعز مقدارك يا ماما …
اسمحيلي اقولك يا ماما علشان أنا بصراحة ارتاحت لكم اوي …
ابتسم بتهكم من داخله برغم عدم تعليقه على أي حوار دائر أمامه ….
* يا حبيبتي والله احنا اللي ارتحنالك …
قوليلي بس تشربي ايه ؟؟
حاولت جنة التزهد ورفض أي إرهاق لسعيدة / كتر الف خيرك أنا مش جاية اتعبك أنا جاية اقعد معاكم شوية
حاولت سعيدة تلطيف المجلس ربما هدأت من عصبية كريم قليلا / والله ابدا ما يحصل دانتي اول مرة تدخلي بيتنا …
علقت جنة على جملتها بتمني / وان شاء الله مش اخر مرة …
ثم اجابتها عن مطلبها بأدب / بس مادام مصرة يبقى اي حاجة من ايدك هتكون زي الفل ..
ابتسمت سعيدة وهي تردف قائلة / يبقى نشرب الاول عصير لمونادة علشان يروق على دمنا وبعدين نشرب قهوة …
نطقت بما تنتوي فعله وتوجهت مباشرة تجاه المطبخ …
مازالا يمنى ويسرا كلا بغرفتهم يتمنون لو يسعفهم الحظ ويخرجون لمتابعة الأحداث على مرأى منهما….
عم الصمت مرة أخرى حتى قطعه كريم متسائلا / قولتيلي انك اخت جاسر ابن عم عبدالله ؟؟
اومأت جنه برأسها إيجابا ليستهل بسؤاله الآخر / وياترى جاية بخصوص مين فيهم عبدالله ولا جاسر …
تضاعف احساس جنة بالحرج فحقا السؤال صعب الإجابة …
زفرت بانفاسها قليلا وهي تفكر في إجابة دبلوماسية ثم شرعت بالحديث / أنا عارفة أن حضرتك واخد موقف من الاتنين وطبعا حقك وانا عن نفسي اول ما عرفت باللي حصل عنفت جاسر جامد وقولتله لازم اروح بنفسي اقدم اعتذاري للحج كريم …
ابتسم كريم بتهكم لينطق ساخرا / يعني جاية بخصوص جاسر …
شعرت أنها أوقعت نفسها في المحظور لتحاول تصيح فهمه قائلة / الاتنين اكيد يهموني واحد اخويا والتاني ابن عمي لكن علشان اكون صريحة مع حضرتك أنا سمعت من اخويا فاقدر اتكلم بناء عن لسانه لكن مسمعتش من ابن عمي برغم اني واثقة من سلامة نيته علشان طيبة قلب عبدالله حقيقي مفيش منها بس برضه مقدرش اتكلم عنه من غير ما اسمعه …
بدأت حواس كريم تنتبه للاستماع إليها بعد أن علق قائلا / جاسر عرف يختار اللي يدافع عنه …
بدأ شعور الراحة يتسلل إليها مع دلوف سعيدة بعصير الليمونادة ….
قدمت لها العصير لترتشف منه جنة جزءا كبيرا بعد أن شعرت بجفاف حلقها …
* اتفضلي سامعك ….
نطق بها كريم وكأنه يعطيها إشارة البدء لتنطلق هي تحاول توضيح الموقف له منذ البداية لتنهي حديثها قائلة / وجاسر معترف بغلطه ويتمنى أن حضرتك تسامحه ومتسمحش لواحدة زي دعاء تكون السبب في عذاب قلوبهم …
عقد كريم حاجبيه سائلا باستنفار / وان شاء الله اخوكي جاي بقى علشان يصلح غلطته ولا علشان يستر بنتي …
ماهو اللي هيعرف حكايتهم مش هقول غير كدة …
* قطع لسان اللي يجيب يسرا بكلمة وحشة …
انت متعرفش جاسر يا حج كريم …
جاسر مش بيسمح حد يجيب سيرة أهل بيته بكلمة واحدة لا حلوة ولا وحشة …
حتى لو كان مين …
ثم إن إحنا يزيدنا شرف لو وافقت أننا نناسبكم …
مش هنلاقي لاخويا بنت اصول زي بنتكم …
انتفخت اوداج كريم وهو يشعر بالفخر حيال تربيته لابنتيه ….
استطاعت جنة بحديثها اللين ان تذيب قلبه قليلا …
إلا أنه ينتابه بعض المخاوف ليقول مقررا / شوفي يا بنتي لو كنتي جيتي من شهر واحد بس كان الوضع هيكون متغير ويمكن كنت رحبت بالفكرة وباركتها ….
لكن دلوقتي الوضع غير ….
متأخذنيش يعني أنا معنديش غير بناتي دي….
فلما واحدة فيهم يحصل معاها كدة من أهل جوزها يبقى من الجنون أن ارمي التانية في نفس العيلة ولا ايه …
وساعتها هبقى اب برمي بناته وانا مش كدة ….
* حاشالله يا حج محدش يقدر يقول عليك كدة …
نطقت جنة سريعا معلقة على اخر حديثه …
وبرغم من اقتناعها بمبدأه ولكنها عليها المحاولات مرارا وتكرارا حتى تريح قلب أخيها وهي على اطمئنان أنه مغاير تماما لما عانت به هذه العائلة من زواج كريمتهم الاولى بعبدالله كما أنها رأت أن حل معضلة جاسر يكمن في حل معضلة عبدالله اولا لذلك أرغمت على فعل ما تحاول التهرب منه منذ زمن …
رأت أن تقوم بدورها وتتقمص الشخصية التي لطالما لم تقتنع بها ابدا والتي كانت السبب في بعدها تماما عن عائلة حكمت ومحيطها الا وهي أخت عبدالله الرابعة كما كان اهلها ينعتوها دائما …
إلا أنها عندما تحدثت عنه واسترسلت بحديثها شعرت بمشاعر قد وأدتها منذ زمن….
مشاعر ابنة العم الصادقة والمحبة المخلصة التي ضحت بحبها في سبيل استمرار علاقة هذه العائلة وهذه الصداقة …
كما أنها استماتت في إنجاح ما ضحت من أجله وهو استمرار علاقة أخيها بعبدالله وانجاح حب حبيبها الذي لم يراها الا كأخته …….
لتظهر ومضة بين جنيبيات عقلها حديث أخيها الذي اعتقدت خاطئا أنه قد زال أثره ( صدقيني يا جنة لو كنت حسيت من عبدالله أنه بيحبك كنت اول واحد هتلاقيني في صفك واجوزهولك حتى لو بابا مش موافق …
لكن للاسف عبدالله بيحب واحدة تانية ولو اتجوزك هتتبهدلي معاه خاصة أهله مش هتقدري تتعايشي معاهم وهو كمان مش هيبقى عنده المبرر أنه يسمعك أو يفضلك عنهم مهما كنتي افضل منهم ….
صدقيني يا اختي ومتبقيش السبب في قطيعة بيني وبين عبدالله….
لاني بكل بساطة لو حسيت مجرد احساس أنه مش بيصونك كما ينبغي ساعتها هطلقك منه وهتبقى القطيعة اللي بجد …..)
انتبهت لحالها وتلبستها روح الإصرار والعزيمة …
لذلك أعادت محاولاتها هذه المرة بحديثها عن عبدالله ومعاناته مع هذه العائلة وتوضيح الفرق الشاسع بينهم وبين تلك العائلة قائلة / مقدرش الومك يا حج كريم وده يخليني اتمسك أنا واخويا بنسبكم لأننا متأكدين أننا هنلاقي عندكم العيلة الكريمة….
اللي لا تجور ولا تظلم في وقت الخصام قبل الصلح ….
بس عايزة أوضح لحضرتك نقطة مهمة جدا ويمكن تكون متعرفهاش لأن النقطة دي مبنحبش نتكلم فيها علشان منبانش أننا عائلة مفككة ….
جذبت انتباه كريم بحديثها هذا فما الذي لا يعلمه أيضا عن عائلة المفاجأت تلك ….
لم تطيل عليه الانتظار وأخذت تسرد له كيف أن بين عائلتها وعائلة حكمت مشاكل منذ زمن ولولا علاقة الصداقة والأخوة بين جاسر بعبدالله لانقطعت العلاقات نهائيا والذي على إثرها فضل جاسر التنازل عن بعض حقوقنا كما تنازلت هي الأخرى في سبيل الحفاظ على علاقته بابن عمه كما اوصاه والده وعمه…
وبرغم محاولات حكمت مرارا وتكرارا قطعها بشتى الصور إلا أن الصديقان احالا دون ذلك ..
استمع الجميع بما فيهم الفتاتين كل هذه التفاصيل والتي ادهشتهم جميعا خاصة كريم الذي نظر للموضوع من منظور مختلف عنهم جميعا ألا وهو كيف تعايشت ابنته مع كل هذا الكم من السواد والظلم والافتراء …
تباينت ملامح الحضور ما بين مستنكر ومستنفر ومتفاجأ إلا كريم كانت ملامحه ممتعضه تحمل من الكره والبغض الكثير لهذه العائلة ….
كل ما شعر به هو الشفقة حيال ذلك العبدالله وهو يعاني بوسط هذه العائلة كما ذكرت جنة عن محاولاته المستميته في عدم التطبع بطباعهم مع محاولاته في عدم عصيانهم ابتغاء مرضاة الله واللجوء دائما وابدا إليهم وقت الشدة …..
أنهت استرسالها للأمر وهي تقول بمشاعر صادقة وقلب نقي/ يعني عبدالله معذور والله…
مش علشان ابن عمي بس حقيقي هو غيرهم ودائما بيحس أنه بينتمي لينا اكتر منهم ….
استنجدت به يان يساعده ويساعدهم في إنجاح ما ضحوا من أجله الكثير / فأرجوك ساعده علشان يخرج من تحت سيطرتهم ويكون أسرته وهو مرتاح….
والا كدة هيلاقي نفسه محاصر منهم ومش لاقي اي ايد تتمد له بالخير خالص….
ونبقى بدل ما نساعده هنكون احنا كمان ضغطنا عليه علشان يبقى زيهم ومعاهم ……..
جاسر دايما كان سنده بعد ربنا أنه يعافر وهو وسط عيلته ……
ودلوقتي لو جاسر خسر يسرا هتبقى ساعدتهم أنهم ينجحوا في التوقيع بين جاسر وعبدالله….
ولو عبدالله خسر يمنى يبقى خسر اي سند بيقويه يفضل نضيف وسطهم …
وساعتها هنكون احنا السبب في انسياق عبدالله وراهم بعد ما عافر كل السنين دي ضدهم …
هنا رأت حسنة بعيونها لمعة تعرفها جيدا وسمعت في صوتها استجداء لمحبة عافرت من أجل إنجاح ما تحارب من أجله حاليا ….
رأت امامها إنسانة نقية بمعنى الكلمة وامرأة لديها من الحياء ما يجعلها تواري اي مشاعر تحت الثرى في مقابل الحفاظ على علاقات أسمى كالاخوة والحياة الزوجية التي هي بها الآن …
لذلك رأت أن تدخلها الان قد حان لتطرق على الحديد وهو ساخن فتحدثت بحماس قائلة / أنا برضه قولت الولد ده معدنه اصيل….
بس لولا اللي حواليه ….
ثم وجهت انظارها وحديثها لكريم تحثه على الانصياع لهم ولو مرة واحدة / الموضوع في ايدك دلوقتي يا حج كريم ….
الراجل بيعافر في اخر نفس وانت بالنسبه له اخر امل …
هو مش طالب منك غير انك تسمعه وأحنا عرفنا دلوقتي القصة وما فيها لو حلوله معجبتكش يبقى خلاص لكن لو رفضناه يبقى زي ما جنة قالت هنكون بنرغمه يبقى زيهم …..
يا تساعده وتشد من أزره يا تشيل ذنب انك رميته بايدك في النار وسطيهم ….
شعر كريم بمشاعر مختلطة ما بين قلق وخوف وإحساس بالذنب تجاه ابنته وذلك الذي ظهر له من العدم …
لم يكن يرى الأمر من ذلك المنظور إلا بحضور تلك الراسلة ……
نظر لها بتمعن لم يعرف بماذا يجيبها والكل ينتظر قراره الاخير ….
كانت جنة تنظر له باستجداء وكأن نظراتها استكمالا لحديثها الذي لم تستطيع التفوه به….
وزع كريم أنظاره على الجميع ليرى في ملامح بعضهم الاستجداء والتمنى والموافقة …
قطب جبينه مضيقا عيونه وهو يبحث بينهم عن أحدا يبدو عليه الرفض أو قليل من القلق …
الجميع ينتظر ويترقب أي ردة فعل من ناحيته حتى ولو إماءة …
اغلق عيونه لحظات وكأنه يعد ذاته لاتخاذ قرار مصيري وليس مصير اي احد بل هو مصير فلذات اكبداه …
فتح عيونه وفد أهداه عقله لقرار يطمئن له قلبه وينبأ بما هو قادم …
وجه أنظاره لجنة التي كانت تنتظر حديثه بفارغ الصبر ليملي عليها قراره النهائي قائلا / موضوع يسرا مش هقدر اخد فيه قرار دلوقتي الا بعد ….
توقف لحظة وكأنه سيتنازل عن مبادءه، ثم سحب نفسا عميقا واستطرد قائلا / إلا بعد ما اسمع عبدالله وافهم بالظبط هيعمل ايه في كل اللي جاي …
أطلقت زفرة ارتياح وكأنها انتصرت للتو في أهم معاركها ….
بينما هو استدار لحسنة مكملا وموضحا / مش هقبل بأي كلام مرسل با حسنة ….
يعني كلمات متقلقش وربنا ييسر وفي عيوني مش هقبلهم نهائي …
أشار بسبابته وكأنه يحذرها / بلغيه كدة لو معندوش تفاصيل وإجابة على كل اسئلتي يبقى ميجيش …
حقك يا حج كريم …
نطقت بها حسنة فاصطحبها بعض التنهيدات من حولها وكأنهم ظفروا بقرار إبرام هذا الاتفاق الذي يوحي بالنصر في معركة أبدية بين الخير والشر …..
رفعت جنة رأسها للأعلى وابتسمت بطمأنينة وثقة وكأنها على يقين بقدرة عبدالله على إقناع كريم وبالتالي حل معضلة أخيها ….
فور اهتزاز الهاتف بجانبها ادعت الابتسامة الصفراء من بين أسنانها وضغطت بأصبعها على زر هاتفها بغرض غلقه والذي يعلن عن اتصال أخيها الذي يقف على جمر بالاسفل للمرة التي لا تعلم عددها ولولا أنها كتكت صوته لكانت طردت من أثر إلحاح ذلك المجنون أو بسبب تصدعهم من كثرة الرنين …..
فتقريبا منذ أن تركها وهو يكرر الاتصال بها كل خمس دقائق تقريبا حتى انتهى الصبر منه ووصل الأمر بالاستمرار بالاتصال فور انتهاء الرنين ……..
…………………………
وصل عبد الله المنزل في وقت قياسي والذي كان يؤنب حاله ويعنفها طوال الطريق فاليوم فقط قد أخذ معه المفتاح الخاص بشقتها خوفا من ان تضعف هند أمام توسيلاتها …
التقى بالطبيب الذي وجده ينتظر عند البناية …
رحب بالطبيب وفتح الباب الأساسي ثم دلف يستدعي الطبيب أن يلحق به سريعا ….
قفز درجات السلم حتى وصل للشقة وفتحها …
فور دلوفه هو والطبيب وجد دعاء تجلس على الأرض بشعر مشعث ومنظر يرهب …
تعجب الطبيب من كم الفوضى تلك وهو يمرر أنظاره يمينا ويسارا …
بينما عبدالله اقبل مسرعا على أخته فور رؤيته ليدها التي تمدها للامام ويبدو عليها انها احترقت حتى ذابت الأطراف تماما …
فور انتباه الطبيب باسراع عبدالله تجاه أخته هرول خلفه ليعقد جبينه فور رؤيته لاصابعها …
بينما دعاء لم تعير لأحد اهتمام ظلت على حالة الصراخ وهي ممدة يدها للامام …
ربت عبدالله على كتف أخته وهو يحثها على التفسير سائلا / ايه اللي حصل يا دعاء …
ايدك حصلها ليه ردي عليا ؟؟
ركع الطبيب على قدم واحدة أمامها وهو يضيق عينيه وينظر لذلك الحرق الغريب كما نعته ….
لاحظت هي اهتمام الطبيب بها لتشعر أن خطتها تسير باتجاه الصحيح ….
لم تجيب على تساؤلات أخيها بل آثرت أن يسمع الجواب والتعليمات من فم الطبيب بذاته …
اخرج الطبيب مشرط من حقيبته لتحاول هى سحب كفها بينما امسك الطبيب برسغها محاولا تهدأتها قائلا / متقلقيش أنا مش هعمل حاجة …
ارجوكي غمضي عينك دقيقة بس ……
أطاعته على غير عادتها وأغمضت جفونها ولكنها استمرت بصراخها ولكن بنفس الوتيرة لا أعلى ولا أقل ….
لم تشعر بشيء كما وعدها سوى أنه يقلب كفها وكأنه يتفحص به …..
نطق منهيا ما كان يفعله / تقدري تفتحي عيونك ….
فعلت ما أمرها به ومازالت بحالتها لتفاجئ أنه يعلق قائلا / للأسف ده مش مجرد حرق …
انزوى ما بين حاجبي عبدالله ليتساءل بدوره / يعني ايه يا دكتور مش مجرد حرق …
رفع الطبيب أنظاره على تلك الادعاء لينظر بداخل عيونها ويقول / هي غالبا مش حاسة بالحرق ……
واتوقع صراخها ده من خايفة من منظر أيدها مش اكثر …
هنا صمتت دعاء قليلا ونظرت للطبيب باندهاش فقط ابطل مكيدتها …
همسات لذاتها / يخرب بيتك شكلك دكتور عقر …
بحثت بجنييات عقلها كيف تبهت أقواله….
لتتطلع بعيون أخيها الذي كان يوزع أنظاره بينها وبين يدها لتصرخ بالطبيب ناهره إياه / اش عرفك انت؟؟
كنت حاسس بالنار اللي في أيدي ….
ثم وجهت انظارها تجاه أخيها معنفه إياه / جايبلي دكتور مش فاهم حاجة
احتدت عيون الطبيب ورفع نظره لها باستياء وهو يقول لها / أنا لولا مقدر حالتك كنت أقل حاجة اعملها اسيبك وامشي ….
لكن أنا فاهم شغلي كويس ….
وعارف أنا بقول ايه كويس واللي مكنتش عايز أوضحه قدامك لكن للاسف انتي اللي اضطرتيني …
وجه نظره تجاه عبدالله ليرى ملامح الذعر بادي عليه ليقر الطبيب بحالتها قائلا / اللي في ايد المدام فعلا حرق ومن الدرجة الثالثة كمان بس المشكلة مش في الحرق ….
فور إقرار الطبيب بالحرق شعرت دعاء بالنصر وانتظرت أساس المشكلة التي لمح لها الطبيب فاعتقدت أنه سيقر بمعضلة تعايشها مع الحرق وضرورة خدمتها والاعتناء بها لتتجه بانظارها تجاه عبدالله تستشف منه رد فعله …
بينما الاخير ازداد الذعر بعيونه ليكمل الطبيب موضحا / أنا حاولت قدامك والمدام مغمضة عينها اني أشيل اجزاء من الجلد المحروق واللي المدام تقريبا محستش بيها نهائي …..
اتسعت حدقتيها ونظرت فجأة تجاه يدها لتجد أن بالفعل قد تم إزالة اجزاء من جلد اطرافها….
أردف الطبيب موضحا / ومش بس كدة دانا غرزت المشرط في صباعها والصراخ بتاعها كان على وتيرة واحدة وده اللي اكدلي أن المدام مش حاسة بالحرق اساسا وان الأعصاب فيها مشكلة …..
وده اللي خلاني اشك أن المدام يكون عندها جذام واللي الحرق للاسف نشط المرض لدرجة أن الأعصاب بالاطراف مش هتخليها تحس بحاجة…
صعقت وتيبست جميع حواسها لدرجة أن لسانها ام يجد ما يعلق به عن ما استمعت إليه …
كل ما استطاعت فعله هو تحريك رأسها بالنفي بطريقة عفوية وكأنها لم تملك وسيلة للرفض سوى هذه…….
تغلغت الدموع بمقلتيها ومازالت جسدها وعقلها يرفض ما نطق به الطبيب والذي أعاد أنظاره إليها مرة أخرى ليرى حالتها التي تقترب للهستيريا الحركية واردف مكملا / علشان كدة بقول احتمال كبير متكنش حاسة بالحرق …..
لم تكن الصدمة من نصيبها فقط بل إن عبدالله اصابه الذهول فأعتقد أنه لم يستمع الحديث جيدا فتساءل باستنكار / معلش انت قولت ايه علشان مأخدتش بالي ….
فهم الطبيب أن كل هذا من أثر الصدمة ليرأف بحاله قائلا / بقول احتمال يا استاذ عبدالله واتمنى شكي ميكونش في محله …..
لم يتلقى الطبيب اي رد على أقواله فاردف هو مكملا / علشان نتأكد من الشكوك دي محتاجين تحاليل مهمة جدا وسريعة جدا ياريت النهاردة وبعدها هنشوف هنعمل ايه…..
انتبه عبدالله اخيرا على صوت الرافضة بجواره / مين يا ده يا عبدالله…
جايبلي دكتور بهايم يكشف عليا ….
جذام ايه يا راجل يا مجنون انت ….
انت فاهم اصلا بتقول ايه ؟؟؟
هبت فجأة واقفة وقد تلبستها روح الجنون وهي تنهرهم وتفزع بهم / بره كلكم بره ….
مش عايزة اتعالج …
ومش عايزة اشوف حد هنا …
لم يعرف عبدالله بماذا يجيبها لتحتد نظراتها تجاهه وهي تتهمه بالتضليل والاحتيال / بقى رايح تتفق عليا مع واحد معرفش جايبه منين علشان يقولي أن جلدي هيقع لوحده ووشي ملامحه هتتاكل لدرجة اني هشتخبى علشان محدش يشوفني ….
كل ده علشان تخلص مني وتاخد البيت وكل حاجة لنفسك …
بعينك يا عبدالله…..
مش هسيبك تتهنى بحاجة…
أنا بقولك اهو مش هسيبك تتهنى بحاجة…
اطلعوا بره …
مش عايزة اشوف حد فيكم ….
برة ….
خرج هو والطبيب للخارج ليجد الاخير ملامح الذهول جلية على عبدالله ….
حزن الطبيب من أجله ليشدد على كتفه قائلا / أنا اسف اني بقولك كدة بس للأسف لو التحاليل أثبتت وجود المرض لازم تبعتوها مستعمرة الجذام لانها لازم تلحق تاخد العلاج قبل ما الموضوع يتطور عن كدة ….
دون الطبيب بعض العقاقير الطبية وأخذ يوضح طريقة استخدامها ومواعدها ….
سحب عبدالله ورقة العقاقير الذي دونها الطبيب ومازال الذهول مسيطر عليه ليقرر الطبيب الانسحاب تاركا له الفرصة لتخطي الصدمة ….


تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1