رواية وميض الحب الفصل الثامن و الاربعون بقلم لولى سامى
في بحر الحياة، تمضي سفينتنا، لا تعرف قرارًا إلا في المضي قدمًا.
تُداعبها نسائم الأمل حينًا، وتجلدها عواصف اليأس حينًا آخر.
تشق طريقها وسط أمواج البحر المتلاطمة نحو مصير غير معلوم، وقلوبنا مربوطة بشراعها، ذاك الشراع المصنوع من صبرٍ ويقين.
كم من موجة حاولت أن تغرقنا، وكم من ريح عاتية أرادت أن تقتلع جذورنا، لولا تمسّكنا بمقود الإيمان، ورفعنا أشرعة العزم رغم انكسار الصواري.
إن الحياة لا تهبنا الأمان، بل تُعلمنا أن نكون ربّانًا لا يهاب، يُحسن التوازن، ويعرف متى يُخفض الشراع، ومتى يُطلقه متحديًا الرياح.
لسنا من نختار العاصفة، لكننا نملك أن نختار كيف نواجهها.
فامضِ يا قلب بعزم واصرار، تشبّث جيدًا، فالسفينة وإن تمايلت، ما دامت الإرادة دفتها، لن تغرق.
هبط عبدالله الدرج بعقل يكاد يذهب عنه …
لا يرى أمامه ولا يسمع أحدا …
بالكاد يحاول ادراك ما تم بعقله …
توجه للصيدلية ودلف بها بدون أن ينطق بكلمه واحدة ….
مد يده بورقة العقاقير للصيدلي فاستلمها الاخير بصمت تام وقدم له الادوية المطلوبة وأبلغه بالمبلغ المستحق ليدفع له عبدالله وما زال الصمت يخيم عليه ….
ابتاع الدواء وعاد مرة أخرى للمنزل بعقل مشوش لا يستطيع تجميع كل ما حدث ……
كل ما يدركه حاليا وما يشعر به أنه يحتاج إليها وبشدة …
يحتاجها بكل جوارحه …
يحتاج أن يشعر بخوفها وقلقعا عليه …
يحتاج إلى أنفاسها تطمئنه أنه ليس بمفرده…
يحتاج سرد ما بقلبه لها فقط …
يحتاج تفريغ عقله لها فقط ….
يحتاج أن يشكو لها أحزانه وضعفه ..
يحتاج أن يزيل عن كاهله همومه ولو لدقائق معدودة ….
يحتاج نصائحها وارشادتها لعلها تنير له بصيص نور في قلب هذه العتمة …
قابلته هند التي لم يراها ولا يسمعها فقد تساءلت مرارا عن ما قاله الطبيب وما حدث لدعاء….
ولكنه لم يجيب أو حتى يلتفت لها …
وكأن حواسه كلها أصابها الخلل…
فعقله مازال بحالة تشويش كاملة لدرجة أنه يعجز على تكوين جملة كاملة توضح ما حدث …
تركها وصعد لدعاء يتم ما أقدم عليه في إحضار الدواء …
وكأنه انسان آلي ينفذ الأوامر التي وجهت إليه …
بينما وقفت هند تتعجب من حالة التيهه الذي كان بها مردده بهمس / والنعمة العيلة دي هتجلط الراجل وتجيب أجله ….
وصل بالدواء عند دعاء التي وجدها تجلس وتنظر لاطرافها وكأنها تراهم للمرة الأولى ..
قدم لها العلاج وبروتينية تامة ردد ما ألقي على مسامعه من قبل الصيدلي قائلا / خدي يا دعاء إدهني ايدك بالمرهم كويس ٤ مرات باليوم …
والمضاد ده هتاخديه ٣ مرات علشان الحرق ميعملش مِدة …
رفعت انظارها إليه ليجد أن الدموع قد حفرت انهارا على وجنتيها….
انهار من الدموع لم يراها عليها من قبل ….
عقد ما بين حاجبيه
بينما هي نظرت له بتوسل قائلة / متصدقش الدكتور ده …..
انا كويسة ومش هيحصلي حاجة…
نظرت لديها ثم رفعتهم إليه مكمله / طب عارف انا اللي حرقت ايدي علشان انزل اقعد وسطكم وتهتموا بيا زي زمان …..
يا له من يوم المفاجأت …..
نظر لها باستنفار وذهول مما يسمعه لتكمل هي بدون وعي من بين نحيبها / قولي أن انت والدكتور بتضحكوا عليا ….
قول وانا مش هزعل منك …
يالا يا عبدالله قولي،
مش انا صارحتك يبقى انت كمان صارحني …
صرخ بها بكل ما أوتي من قوة لعلها تفيق لحالها / انتي إزاي هانت عليكي نفسك وحرقتي ايدك بالشكل ده ؟؟
للدرجة دي قلبك اسود !!
حرك رأسه رافضا ما آل إليه حالة أخته …
حاولت تبرير حالها إلا أنه أشار لها بيده أن تتوقف واردف هو مكملا/ كنت مستغرب ليه حصلك كدة….
بس أنا عرفت دلوقتي ليه ربنا عمل كدة يمكن تتعظي …
رفع رأسه بازدراء من افعالها ملقيا أوامره التي لا رجعة فيها / هتصل بالمعمل يجي دلوقتي ياخد عينة منك ونعمل التحاليل …
ولما النتيجة تظهر لنا كلام تاني …
الأدوية عندك عايزة تحطي منها حطي مش عايزة براحتك …
ألقى بحقيبة الأدوية بوجهها دون الاهتمام عن مكان القاءه ثم تركها وخرج ..
لم تهرول خلفه كعادتها بل لم تنوي الخروج من الأساس ….
فقد تراجعت عن هدفها المنشود فقد أصبح بلا جدوى …
كيف ستظهر بهذه الأيدي أمام هند وتعطي لها الفرصة بالاشمئزاز منها …
كيف ستراها اختها التي لم تعصي لها أمرا في السابق خوفا من بطشها …
كيف ستتحكم في عدم نفورها أو الاستعانة بها …
لا لن تبرح مكانها حتى تشفى …
هكذا فكرت وقررت …
لم يستطيع الجلوس مع أحد الآن فهو في أمس الحاجة للعزلة ….
لذلك توجه لشقته ليختلي بروحه وربما ليستعيد روائحها ….
دلف الشقة وقد صاحبه شعور الوحشة والاشتياق…
مرر أنظاره على اجزاءها ليتمنى رؤيتها في أي جانب ….
جلس على اقرب أريكة واضعا رأسه بين راحتيه لعلها تزيل عنه بعض الهموم …
صدح هاتفه فأخرجه بملل فإذا بالمشفى تطمئنه على حالة والدته ….
اغلق الهاتف ثم وضعه بالمنضدة التي أمامه …
لم يمضى لحظات الا وقد صدح الهاتف مجددا فإذا به يعقد حاجبيه لرؤية المتصل …
امسك الهاتف وقرر الإجابة عليه / خير يا وليد ؟
استمع من الطرف الآخر وصلة ترحيب كبيرة لم يعتاد عليها …..
قطع عبدالله هالة التملق تلك قائلا / خير يا وليد أنا مش ناقصك عايز ايه ؟؟
استمع عبدالله لطلباته التي تعجب منها ثم أراد قطع الحديث وانهاءه فقال بحدة / بص يا وليد انت بالذات مش هقبل تتجوز حد من اخواتي…
حتى لو كنت اخر راجل في الدنيا …
فريح بالك وطلع الموضوع ده من دماغك خالص ….
حاول الآخر تبرير موقفه وإظهار حبه لسمر وأنه سيعتني بها خاصة وهي بهذه الحالة …
شعر عبدالله أنه يلمح لمرض أخته وأنها ربما تنبذ بسببه ليحاول عبدالله إنهاء الحوار بطريقة حادة حيث اوقف الاخير من إنهاء جملته ناهرا إياه / وليييييد مسمحلكش تلمح بأي شيء يخص سمر…..
في الاول والاخر هي اختي وانا اولى بيها مهما كانت حالتها أنا بقولك اهو …
وكلام نهائي مشوفش وشك عندنا ولا اسمع صوتك من اصله ….
نطق باخر جملته واغلق الهاتف ليشتد غيظ الاخير مستحلفا بإتمام مكيدته حتى لو على سمعة ابنة عمه …..
بينما عبدالله فور إغلاقه للمكالمة امسك بشعره مشددا إياه وكأنه يحاول اخراج كم الغضب الذي انتابه …
رفع رأسه للسماء مناجيا ربه بأن يفك كربه / يااارب يااارب لا اله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين…
ظل يرددها حتى شعر ببعض من السلام النفسي وكأن الله استجاب لدعاءه ليبث بقلبه الهدوء والطمأنينة ويريحه قليلا من عناء الحياة …
غفى قليلا بمكانه ربما من ثقل الهموم وربما هروبا من الواقع….
ولكن من المؤكد أن قلبه قد اطمئن قليلا بذكر الله …
استيقظ على رنين هاتفه ليحاول الإفراج عن مقلتيه فإذا به يرى هوية المتصل فإذا به جاسر ….
مسح وجهه بكفه وكاد أن يجيب عليه ولكن عدد مرات الرنين قد انقضت …
كاد ان يتصل به إلا أن الأخير لم ينتظر واعاد الاتصال به مرة أخرى ليجيبه فورا وكأنه وجد غايته ….
وكالتائه في عرض المحيط حينما يجد طوق نجاة يهرول تجاهه …
هكذا اندفع عبدالله وهو يجيب على ابن عمه ربما يجد عنده حلًا لمعضلته / كويس انك اتصلت يا جاسر تخيل الندل وليد عايز يتجوز اختي سنر …
وبيعايرني بمرضها كمان تخيل الوقاحة بتاعته وصلت لايه ….
مش مكسوف باللي عمله في صفاء ولولا أن جوزها بيحبها كان زمانها بيتها خرب …
اقتطع جاسر حديث عبدالله ولم يجيبه على حديثه حتى ظن عبدالله أنه لم يستمع إليه من الأساس بينما قام الاخير بنهره قائلا / اعمل فيك ايه يا اخي !!
ذنبي في الدنيا دي انك ابن عمي !!
اتخلص من ذنبك ده ازاي قولي ؟؟
شعر عبدالله أن هناك خطب سيء ليتساءل بريبة / في ايه يا جاسر ؟؟
حصل ايه تاني ؟؟
ورحمة ابوك أنا ما ناقص
اشتعل الاخير غضبا فكيف له أن يتذمر وهو سبب كل المشاكل لينطق جاسر بكل ما حدث بغرض تعتيفه ….
إلا أن ما نطق به كان سبب سعادة قلبه وانفراج أقصى همومه / حماك الاستاذ كريم معلق طلبي لبنته بعد ما يسمع سيادتك ويشوف هتقنعه بكلامك ولا هيزحلقنا احنا الاتنين ….
عرفت بقى أن كل همومي بسببك ….
دانا لو حبيت اقطع علاقتي بيك مش هعرف …
أفهمه إزاي اني مليش دعوة بيك يا اخي …
نفسي أتبرى منك خالص …
جميع حواسه توقفت وتأهبت …
توقفت عند الجملة الأولى والتي توحي بقبول كريم للاستماع إليه واعطاءه فرصة أخرى ….
وتأهبت استعدادا لتنظيم أفكاره وحديثه الذي يجب أن يبذل فيه كل طاقته من أجل إقناع حماه وارضاء معشوقة قلبه …
لم ينتبه من الأساس لباقي حديث جاسر …
حتى أن الأخير لاحظ صمته فأعتقد خاطئا أنه قد غضب منه ليتراجع قليلا عن أقواله الحادة ويقدم اعتذاره قائلا / رحت فين يا عبدالله!!
انت زعلت ؟؟
حقك عليا بس أصل …….
أطلق عبدالله سؤاله الذى أعاد إشعال البركان الخامد بقلب جاسر / متعرفش ممكن اروحلهم امتى ؟؟
ولا ينفع اروحلهم دلوقتي انت رأيك ايه ؟؟
كادت عيونه تخرج لهيبا …
جز على أسنانه ليخرج طاقة الغضب التي تتوالد بداخله ونطق بجملة واحدة / تصدق انت معندكش دم …
لم ينتظر إجابة الاخر بل اغلق المكالمة فورا وهو يتمتم لحاله / قال وانا اللي فاكره زعل …
تعجب عبدالله من حديث جاسر وغلق الهاتف سريعا ليتساءل بهمس / هو قفل ليه ؟؟
مش كان يقولي الاول قالوله ميعاد ولا اخد أنا ميعاد ؟؟
لوح بكفه وكأنه يحاور ذاته متمتما / يالا مش مهم …
اتصل بحسنة هتقولي على كل التفاصيل …
……………………………
فور انصراف جنة لم تستطيع يسرا أن تنتظر أكثر من ذلك لتخرج من غرفتها باندفاع وكأن أحدهم قد طلب رأيها لتقول وبثقة / برافو يا بابا ….
احسن حاجة عملتها انك وافقت على سماع عبدالله…
على فكرة أنا حاسة أنه مظلوم وسط أهله جامد اوي …
لم تنتبه للاعبين المحدقة بها ما بين غضب ورفض ويأس الا بعد أن أنهت كلماتها لتنظر بعيون من حولها فإذا بها ترى الغضب قد اشتعل بعيون والدها، وعلامات الرفض بدت على ملامح والدتها، بينما حسنة كانت تنظر لها بيأس وتهز رأسها بعدم فائدة وكأنها تبلغها انها ربما اضاعت كل ما سبق بغباء فعلتها هذا ….
أطبقت على شفتاها وكأنها تريد غلقهم بأنفسها …
حاولت سعيدة تشتيت الإنتباه وربما إنقاذ للموقف فهدرت بها قائلة / امشي ادخلي اوضتك ومتطلعيش منها إلا لما اقولك …
سامعة …
وكأنها وجدت ملاذها لتهرول تجاه غرفتها قبل أن يفتك بها والدها …
التفت كريم لحسنة سائلا ومترددا / مش عارف اللي عملته صح ولا غلط …
ربنا يسترها ….
حاولت حسنة طمأنة كريم إلا أن هاتفها أعلن عن اتصال….
فور رؤيتها هوية المتصل أغلقت الشاشة سريعا وادعت أن المكالمة من أحد الجيران ….
استاذنت لتدلف بغرفة يمنى وقبل أن تجيب كان الاتصال قد انتهى ….
نظرت لها يمنى بعين الامتنان والفخر لتربت الأخيرة على فخذها وهي تلوح لها بهاتفها قائلة / حبيب القلب مش صابر …
ابتسمت يمنى ونظراتها تزوغ هنا وهناك لتتخضب وجنتها بالخجل، بينما حسنة كانت تجيب على هاتفها الذي صدح للمرة الثانية بعد أن تأكدت من غلق باب الغرفة ….
أنهى مكالمته التي لم تكن مكالمة بقدر ما كانت تحدي للفوز بعمره القادم كله أو العيش في جحيم للماضي وعثراته …
انتفض مجهزا حاله بعد أن اتفق على موعد بعد ساعة من الآن فلم يصبر للغد ابدا….
…………………………
فور أن أغلق هاتفه أخذ يجوب بسيارته شوارع المدينة بغير هدى …
حتى أنه لم يجيب على اتصال أخته ….
كاد أن يجن فكل الطرق مسدودة خاصة لو لم يستطع عبدالله إقناع كريم بخطواته ….
لكم إطار السيارة عدة لكمات وكأنه يريد أن يخرج طاقة الغضب التي تتوالد بداخله….
انتبه فجأة على ترديد جملة عبدالله التي نطق بها ببداية المكالمة …
ومنها عرف وجهته وعرف من يستحق اخراج هذه الطاقة الكامنة بداخله ليتوجه إليه فورا ….
غير اتجاه السيارة لينطلق مسرعا تجاه منزل وليد ليصل إليه في غضون لحظات …
ترجل من السيارة واغلقها جيدا ثم صعد لشقته …
وبكل هدوء وثبات دق رنين الباب لينفرج الباب ويظهر وليد ….
ظل كلاهما يقفان أمام بعضهما لتتسع ابتسامة جاسر محاولا طمأنة الاخير وهو يشير له قائلا / ايه هتسيبني واقف على الباب كدة ولا ايه ؟؟
انزوى وليد جانبا حتى دلف جاسر ثم اغلق الباب وهو متوجس منه خيفه …
وقف وليد أمامه وهو تحسس بكفه حاجبه الأيسر ويتساءل / خير يا جاسر جاي ليه ؟؟
افتكر اخر مرة جتلي فيها قبل جواز اختك وضربتني علشان احل عنها …
جاي تاني ليه دلوقتي ؟؟
أنا مجتش جنب اختك ولا شفتها حتى…
ابتسم جاسر بجانب فمه ثم استدار إليه يقول في تأني / ولا تقدر تيجي جنبها ….
وكويس انك لسه فاكر علشان متتعبنيش معاك ….
مازال يتحسس حاجبه وهو يجيبه بتأكيد / لا متقلقش فاكر كويس…
ولعلمك أنا كان ممكن افضح اختك واقول أنها رفضتني علشان في علاقة بينها وبين عبدالله…
بس من شهامتي مرضتش اعمل كدة …
اقترب جاسر منه بخطوة وئيدة وهادئة وهو يضيق عينيه ويجز على اسنانه كالفهد حينما يريد أن ينقض على فريسته …
بالكاد ابتلع وليد لعابه حينما نطق جاسر ساخرا من حديثه / شهامة ووليد ميجتمعوش مع بعض في جملة واحدة…
على العموم أنا مش جاي افتح في القديم …
اقترب برأسه من أذنه وهو يهمس له قائلا بصوت ارجف وليد / أنا جاي اقولك انك غبي لانك بتلعب نفس اللعبة مرتين ….
عقد وليد حاجبيه لا يعرف ماذا يقصد جاسر ليردف الاخير موضحا بعد أن اعتدل ووقف أمامه ينظر بداخل عيونه كالصقر قبل أن ينقض على فريسته / زمان حاولت تلعب على جنة وصدتك….
ولما غلبت من محاولاتك قالتلي علشان اتصرف معاك ….
دلوقتي انت بقى بتلعب على سمر اللي تعتبر اختي برضو…..
رفع جاسر إحدى حاجبيها وهو يردف مذكرا / نسيت ان اللي وقفلك زمان ممكن يقافلك دلوقتي تاني ….
رفع وليد رأسه بكبر واستعلاء واضعا كفه في جيب بذلته معلقا بثقة وخيلاء / لاااااا …
زمان مكنتش مالي ايدي من اختك لكن المرة دي انا مالي ايدي من سمر كويس….
ابتسم بجانب فمه باستهزاء وهو يردف مكملا ومهددا / يعني مش بعيد تلاقوها سيباكم وجيالي لحد عندي تطلب مني وتترجاني اتجوزها ومن وراكم …
كاد أن يطلق ضحكته عقب حديثه إلا أن جاسر لم يعطي له فرصه حينما علق قائلا وفاعلا / اه يا ابن الك.. يا و..
أعقب سبابه بلكمه قوية أودع فيها كل غضبه مما أسفرت عن اختلال توازن وليد وارتداده للخلف عدة خطوات….
بينما جاسر لم يكتفي بذلك بل استغل عدم توازنه حتى سقط أرضا لينقض عليه يفرغ به جم غضبه من كل شيء بدءا من أفعال ذلك الخسيس مرورا لحظه العسر الذي ربطه بعبدالله واخيرا بتمسك كريم برأيه …
اخذ يكيل له العديد من اللكمات وهو يسمعه وابل من السباب والعبارات التي تعبر عن غضبه وثورته جراء أفعاله الدنيئة ….
استقام جاسر ليكمل وصلة لكماته بقدمه بينما لحظاته السيئة الحظ تمر امام عينيه ليتحدث بما يجيش صدره عن كل ما عاناه في حب يسرا ….
حتى وليد الذي كاد أن يفقد وعيه لا يعي على ماذا يتحدث جاسر ….
يتمنى لو يبرأ نفسه من عثرات جاسر مع حبيبته إلا أنه يعجز تماما عن التحدث بفضل انفصال فكه نتيجة لكمات الجاسر …
كما أنه عاجز عن رفع يده نتيجة بعض الكسور التي حدثت بها حتى يدافع عن نفسه أو يوقف باقي اللكمات القدمية ….
أنتهت طاقة الغضب بداخل جاسر ليتوقف قليلا يلتقط أنفاسه واضعا يده بخصره وصدره ما بين صعود وهبوط من أثر الانفعال …
نظر بامتعاض لذلك الملقى أسفل قدميه وهو يبلغه بأخر أقواله / المرة دي اكتفيت بكسرك بس…
لكن صدقني المرة الجاية مش هيكفيني اخليك لا تنفع سمر ولا غيرها….
وانت عارف اني اقدر اعملها …..
وعارف ان زمايلي الدكاترة يتمنوا يخدموني بعنيهم ….
لاحظ جاسر التفات حدقتي وليد لاتجاه ما ليلتفت ينظر تجاه ما نظر إليه وليد ….
فإذا به يلاحظ عدسة كاميرا معلقه خلفه ليعود بانظاره مرة أخرى تجاه المطروح أرضا وهو يبتسم بتهكم قائلا / شفت كنت همشي وانسى …
نطق بها ودار بانظاره في المكان يبحث عن شيء ما…
بينما الاخير يحاول جاهدا النهوض وبكل مرة يخفق في محاولته ….
إلا أن جاسر وجد ما يبحث عنه ليتوجه إليه مباشرة ملتقطا هاتف الملقى ارضا ….
اخذ وليد يحرك رأسه رافضا بينما جاسر انخفض بقدميه بجواره ليلتقط كف وليد مع ارتفاع صراخ الاخير….
اخذ يحاول تجربة كل اصبع في محاولة فتح الهاتف مع عجز الاخير عن سحب ذراعه حتى استجاب الهاتف لاصبع منهم …
انتصب جاسر وأخرج هاتفه من جزلانه واوصل هاتف وليد بهاتفه ثم توجه بالهاتف تجاه المطبخ وهو يخبره عما يستوجب فعله / يالا يا بطل قوم وألحق موبايلك وألحق الداتا اللي عليه …
دلف للمطبخ لحظات ثم عاد للمسجى أرضا يخبره بما فعله / عملتلك خطة انما ايه اورجانيك بص يا سيدي …
أنا حطيت الموبايل على كوباية في الحوض وسديت فتحة الحوض بس شغلت الحنفية بعيد عن الموبايل وخلتها ضعيفة متخافش ….
عليك بقى يا بطل تلحق موبايلك قبل الحوض ما يتملي ماية والموبايل يغرق ….
شفت أنا طيب إزاي !!
معاك وقت اهو تلحق موبايلك ….
ولو لحقته طبعا هتقدر تفصله عن موبايلي ….
عقبال ما أنزل أنا للعربية واقعد فيها وافتح موبايلك وامسح اللي يخصني واحتفظ باللي اقدر اهددك بيه لو قليت بعقلك ….
يعني هعمل شوية تعديلات كدة مش هتعجبك ….
يالا تشااااو …
كاد أن يفتح باب الشقة لينصرف إلا أنه التفت يلقي كلمة أخيرة عليه / صحيح يا وليد شكرا لك انك سمحتلي اخرج كل اللي جوايا ….
الى اللقاء في العلقة الجاية يا لولو على اعتبار ما سيكون……
أنهى جملته وخرج صافقا الباب خلفه …
حاول وليد الزحف على بطنه تجاه أي مقعد حتى وصل اليه ببالغ الصعوبة …
استند بمرفقيه على المقعد لينهض اخيرا إلا أنه وجد الطريق الى المطبخ صعب للغاية …
استسلم للأمر الواقع بعد أن تألم بشدة لدرجة لا يمكن تحملها لمجرد وصوله لهذا المقعد …..
ارتمى على المقعد يبكي آلامه وضياع أحلامه معًا …
هبط جاسر الدرج بكل اريحيه وكأنه أقبل على فعل يتوق له منذ زمن …
استقل سيارته يجلس خلف المقود …
أطلق زفرة راحة ثم فتح هاتفه ليدخل من خلاله على هاتف ذلك الندل كما اسماه …
تفقد كل ما به ليزيل اولا ما تم تسجيله من خلال كاميرا المراقبة الموصله بهاتفه ثم قطع الاتصال بها تماما فأصبحت الكاميرا بلا فائدة حاليا ….
اخذ يبحث عن شيء يحتفظ به ليجد بدلا من الشيء الواحد اشياء كثيرة…..
ما بين تسجيلات مخلة وصور يخجل أن ينظر إليها بالإضافة إلى بعض التسجيلات الصوتية التي تحتاج إلى وقت كبير ليستمع إليها ….
قام بنقلها اجمع إلى هاتفه لحين الاستماع اليها بوقت فراغ ….
كما وجد بعض الرسائل التي تخبره بحجم رصيد ذلك الوليد بالبنك ليتعجب من ضخامته التي لا تتناسب مع عمله أو وضعه المالي المعروف لديهم ليتمتم لحاله وهو يترك هاتفه بعد أن نقل إليه كل شيء وهو يدير سيارته للأنطلاق قائلا / اصبر عليا …
مسيري هعرف كل حاجة يا وليد الك..
ويا ويلك مني لو لاقيت حاجة تخصنا ….
أثناء قيادته أراد أن يطمئن وضعه مع معشوقته فأجرى اتصالا بعبدالله الذي استنتج من صوت الضوضاء حوله أنه بطريق ما ليستفسر قائلا / انت فين يا عبدالله ؟؟
اجابه الاخر ليصيح جاسر بتعجب / كل ده ولسه في الطريق دانا عجنت وليد وفشيت غلي فيه وانت لسه في الطريق !!
بالطرف الآخر انزوى ما بين حاجبي عبدالله وهو يحادث جاسر أثناء قيادته بالطريق سائلا باندهاش / ايه اللي وداك عند وليد وعملت معاه ايه ؟؟
اجابه جاسر من الطرف الآخر وصوته ممزوج بالضحك قائلا / لاااا ده موضوع يطول شرحه…
ركز انت بس في هدفك اللي رايح له واعرف ان هدفي كمان في ايدك ….
استمع لضحكة عبدالله من الجهة الأخرى ليردف جاسر مهددا / وحياة امك يا عبدالله لو فشلت المرة دي لأشرحلك اللي عملته في وليد بالتطبيق عليك …..
وصل عبدالله أسفل بناية والد يمنى ليصف سيارته وهو يجيب على نفسه قبل جاسر / المرة دي حياتي وعمري كله هو الثمن يا جاسر…
وانا متفائل خير وعندي امل في ربنا جامد يقف جنبي ….
والا مكنش لين قلب وعقل كريم علشان بس يسمعني ….
انت متعرفش الراجل ده قدي ….
على قد ما يبان طيب ومسالم على قد ما بيكون اشرس ما يكون وقت ما يغضب …
جز جاسر على أسنانه وهو يعلق قائلا / عرفت يا اخويا عرفت …
علشان كدة أنا مش عارف انت جايب الثقة دي منين …
ثم رفع أنظاره للسماء داعيا / نص ثقتك يارب علشان قلبي يهدأ شوية …
ابتسم عبدالله وترجل من السيارة وهو ينهي الحديث مؤقتا / سلام يا جاسر دلوقتي علشان وصلت وادعيلي بالله عليك ….
اغلق الهاتف وسحب نفسا عميقا قبل أن يصعد متوجها لحب عمره ورفيقة دربه وأمنية حياته الفائتة والقادمة …..
🌹🌹🌹