رواية اسير عينيها الجزء الرابع (للعشق قيوده الخاصة) الفصل الثامن والاربعون
اتسعا عينيه فزعا حين رأي ابنته تغرق في بحر من الدماء .. صدمة جمدت جسده للحظات طويلة عجز عن الإتيان بأي حركة وهو يري ذلك السيل المتدفق من الدماء يأكل الفراش كوحش ضاري يبتلع ابنته ... ارتعد جسده فجاءة يخرج بعنف من تلك الحالة التي أصابته ليهرع إليها يحتضن جسدها يصرخ باسمها فزعا :
- ليينااااااا ...
صرخته الفزعة ايقظت الجميع بينما كان هو في لحظة يحمل ابنته يركض بها للخارج خلفه صرخات زوجته باسم ابنتها .... وصل لباب المنزل ليجد لينا تهرول خلفه التفت لها يصيح فيها :
- رايحة فين بقميص النوم ...
هل يظن حقا انها تهتم بما ترتدي في تلك اللحظة وهي تري ابنتها الصغيرة غارقة في دمائها ... التفت حولها سريعا تبحث عن شئ يغطي جسدها لتلحق به ...لتشعر بيد تجذبها نظرت خلفها سريعا لتجد بدور تمسك بيدها ...بعدها كل شئ كان ضبابي يلتف بسرعة البرق ... لا تعرف ما ارتدت جل ما تعرفه أنها في سيارة حمزة التي يقودها بسرعة البرق يحاول اللحاق بسيارة خالد التي تشق الطريق بسرعة كالبرق تخطف القلوب قبل الإبصار .... نزل خالد من سيارته ليهرول سريعا يحمل ابنته بين ذراعيه يهرول بها الي الداخل وقف في منتصف ساحة الاستقبال يصرخ بصوته كله :
- دكتور بسررررعة
جملة تردد صداها في أنحاء المستشفى عدة مرات بسرعة وقوة وعنف ... الدنيا تلتف من حوله يشعر بالممرضات يأخذن ابنته من بين ذراعيه ... الظلام يكسو جميع الجهات ... وسط تلك الظلمة الكالحة رأي نقطة نور بعيدة حسام الذي يركض هنا يأخذ شقيقته من أيدي الممرضات يركض بها إلي غرفة العمليات ... حسام سيساعده .. هو يثق في ولده أتم الثقة ... حسام طبيب ماهر كما يعرف عنه ... تهاوي جالسا علي المقعد المجاور لغرفة العمليات ينظر لكفيه الغارقان بالدماء .. قلبه علي وشك أن يتوقف من الذعر بالكاد يحبس دموعه .... جسده بارد عينيه زائغة .... أنفاسه ثقيلة متهالكة ... لا يعرف حتي ما حل بها فجاءة دون سابق إنذار .... تمني في تلك اللحظة لو أنها بقيت طفلة صغيرة لا يؤذيها من الدنيا سوي أنه نسي جلب حلواها ....نظر لتلك الخطوات التي تهرول جواره ليري حمزة يركض متجها إليه ومعه لينا ... اندفعت لينا إليه وقف أمامه تركض فزعة تتصارع دموعها في الهطول :
- بنتي فين يا خالد ... لينا حصلها ايه ... بنتي طمني عليها ابوس ايدك
مد يده يجذبها يجلسها علي المقعد المجاور له عينيه لا تنزحان عن باب غرفة العمليات المغلقة ... تحرك لسانه يتمتم بصوت ثقيل مختنق :
- في أوضة العمليات .... هتبقي كويسة ... بنتي هتبقي كويسة ...
تركت لينا خالد تهرول ناحية غرفة العمليات لتدفع باب غرفة الجراحة وتختفي خلفه ... بينما جلس حمزة جوار أخيه مد يده يشد علي أخيه يحاول التخفيف عنه :
- هتبقي كويسة يا خالد ...صدقني هتبقي بخير
حرك رأسه إيجابا ينظر بأعين خاوية تنضب فيها الحياة ... خطوات سريعة تركض تأتي من جواره ... التفت ليجد زيدان يركض منظره مروع عينيه حمراء ملامحه شاحبة شعره مبعثرة ملابسه مبعثرة .... توجه ناحية حمزة مباشرة يصرخ فزعا :
- مالها لينا يا خالي ... كلمتني تقولي لينا تعبانة في المستشفى ليناااا فيييين
رفع خالد يده يشير لغرفة الجراحة المغلقة دون أن ينطق بحرف .... توجه زيدان ناحية الغرفة يقف امامها ينظر للباب المغلق عاجزا توجه للحائط المجاور لباب الغرفة يستند بظهره إليه يصدم رأسه بالحائط يكاد قلبه ينفجر قلقا خوفا عليها وعلي طفله الذي لم تره عينيه بعد ... خائف من أن يتحقق حلمه الآن ... لحظات وانتفض جسده حين شعر بالباب يفتح ... انتفض الجميع واقفا ينظر بترقب لمن سيخرج ... كانت لينا زوجة خالد دموعها تغرق وجهها جسدها يرتجف بعنف ... يديها عليها آثار الدماء ؟!! .... اندفعت ناحية زوجها ترتمي بين ذراعيه تشهق في بكاء عنيف مخيف تمسكت بملابسه تغرز وجهها في صدره .... مسح علي رأسها ... لتتجمد يديه حين سمع نبرة صوتها المرتعشة :
- مات يا خالد ... مات .... شوفت راسه الصغيرة وايده الصغيرة مسكتها بإيدي ...
بروده قارصة عصفت بجسده قلبه يتهاوي من الألم يوجه انظاره ناحية زيدان ينظر له متألما مشفقا ... سالت دموعه يشدد علي احتضان زوجته لحظات أخري وانفتح الباب وخرج حسام وقف صامتا وكأن علي رأسه الطير ... كم كره نفسه في تلك اللحظات شعر بمدي فشله ذلك الطبيب الماهر الذي انقد حياة المئات لم يقدر علي إنقاذ حياة طفل شقيقته .. أكثر ما يمزق قلبه زيدان .. يعرف أن الخبر سيدمره ... اجفل علي يد تنغرز في ذراعيه يهزه بعنف وصوت زيدان يصرخ مذعورا :
- أنت واقف ساكت كدة ليييه لينا مالها .. طمني عليها يا حسام
نطق جملته الأخيرة بنبرة ضعيفة متوسلة ... ليوجه حسام انظاره ناحية صديقه لا يعرف كيف سيطر علي دموعه .. رفع يده يربت علي كتف صديقه يهمس له حزينا :
- ربنا يعوضك يا صاحبي
حرك رأسه نفيا مرة تليها أخري وأخري ينظر لصديقه يترجاه بنظراته أن يكن فقط يمزح .. ابعد يديه يتحرك خطوتين للخلف .... دقات قلبه تتصارع ألم بشع يشعر به داخل قلبه .. ومشهد والده وهو يحمل طفل صغير بين ذراعيه ... أبنه مات ..... قديمه كالهلام علي وشك أن تأخذه وتسقط ... يتحرك للخلف رغما عنه حركات جسده لا يتحكم بها وكأن عقله انفصل عن جسده من شدة الألم .... في لحظة أغرقت الدموع وجهه كطفل صغير فقد والده ليس إبنه ... جلس أرضا تنهمر دموعه يخفي وجهه بين كفيه ينخرط في البكاء ... بينما اندفع خالد ناحية حسام يسأله فزعا :
- لينا ... لينا يا حسام هي كويسة ...
حرك رأسه إيجابا ربما تلك هي نقطة النور الوحيدة فيما حدث ... إن لينا بخير لم تتضرر ..الرحم برغم أن إجهاض الجنين كان عنيفا إلا أنه لم يتضرر ... زفر أنفاسه المختنقة يغمغم بترفق :
- الحمد لله لينا بخير ... قدر ولطف ... الممرضات ودوها اوضة رقم 13 من الباب التاني
سريعا توجهوا جميعا الي غرفة لينا عدا زيدان الذي ظل جالسا مكانه ينظر أرضا جلس حسام جواره أرضا صامتا للحظات طويلة ... زفر أنفاسه المختنقة يهمس له بخفوت حزين :
- زيدان أنا عارف إن كلامي في اللحظة دي مالوش اي ستين لازمة ... بس مين عارف الخير فين ... مش يمكن لو كان الحمل كمل كان الولد اتولد بإعاقة ...اااا ... صدقني يا زيدان دا الخير .... أنا عارف أنك موجوع يا صاحبي ... بس ربنا هيعوضك صدقني ... صدقني الطفل دا كان هيبقي نقطة سودا في حياتكوا كنتوا هتفتكروا الحادثة اللي حصلت غصب عنك ... مش يمكن دا حصل عشان ترجعوا تتجمعوا تاني .. من غير ما يكون فيه اي إثر للماضي ...
رفع زيدان وجهه ينظر لصديقه يبتسم ابتسامة باهتة معذبة ... حرك رأسه إيجابا يسخر من حاله .. لما انتظر السعادة وهو يعلم جيدا أنها لم تخلق له .... في تلك الأثناء جاءت احدي الممرضات تحمل بيدها مجموعة من الأوراق وقف أمام حسام حمحمت تتمتم :
- دكتور حسام دا نتيجة تحليل دم الحالة اللي إجهضت من شوية ...
مد حسام يده يأخذ منها الأوراق ينظر لما خط فيها ليعقد جبينه متعجبا قلقا .... ارتفعت سيولة الدم فجاءة مما أدي لانفصال المشيمة عن الرحم ولكن السبب مجهول ... لا إثر طبي لما حدث .... ليس هناك عقار طبي معروف سبب ذلك ... نظر جواره ليجد زيدان يرحل بعيدا عند نهاية الممر استطاع ان يلمح طيفه يغادر
علي صعيد آخر قريب .... دوامة من الألم لفتها بالكامل تشعر بأن روحها تنتزع منها بعنف جزء يأخذ من كل بمنتهي الوحشية والقسوة ... صفعات من ألم تنهال علي جسدها بلا رحمة ... لم يستطع عقلها التحمل أكثر فغاب تماما ... وها هو يعود من جديد إشارات خفيفة يصدرها عقلها يحثها علي الاستيقاظ يخبرها أن تفتح عينيها ويرفض جسدها الانصياع .... شئ فشئ بدأت تحرك اهدابها .... شئ فشئ بدأ جفنيها يستجيبان .... فتحت عينيها تطل علي الدنيا ... العديد من الوجوه تقابلها ... والديها وعمها .... لفت رأسها تنظر حولها .... غرفة في مستشفي !!! ..... عند تلك النقطة توسعت عينيها فزعة مدت يدها تبسط كفها تتلمس بطنها تنظر لوالديها مذعورة ....نظرة الألم التي رأتها في عيني والدها اخبرتها بما عجز لسانه عن نطقه ..... بينما اندفعت والدتها تخبئها داخل أحضانها ... هي أكتر من يعرف ألمها في تلك اللحظة ... ألم ذكرها بذكري قديمة جاهدت لتنساها والآن عادت تتذكرها بكل تفاصيلها من جديد ... شدت علي احتضان ابنتها تغزرها بين أحضانها لتختبئ لينا بين ذراعي والدتها تتلمس منه ما يسكن ذلك الفراغ البشع الذي تشعر به داخلها ... صمت مخيف لا يقطع سوي شهقات لينا العالية وهي تخبئ ابنتها بين أحضانها ... الجميع واجم وكأن علي رؤوسهم الطير ..... وهي الصدمة نزعت لسانها حني بكائها صامت ...
صوت الباب يفتح ....وخطوات تعرفها تقترب جعلتها ترفع رأسها قليلا عن أحضان والدتها تنظر له .... تقابلت مقلتيها بعينيه في حديث صامت طويل معاتب كل منهم يرمي اللوم علي الآخر ... ابتعدت عن والدتها تنظر له كارهة والجملة الوحيدة التي خرجت تشق دموعها :
- أنت السبب !!
ارتسمت ابتسامة مريرة علي شفتيه يحرك رأسه إيجابا استند بكفيه علي حافة الفراش المعدن القريبة منه يقترب منها يتمتم ساخرا :
- ايوة فعلا أنا السبب !!
_____________
علي صعيد آخر بعيد للغاية في منزل عثمان وسارين .... حل الصباح باكرا منذ ساعات طويلة فتحت هي عينيها فجاءة شعرت وكأنها في مكان غريب لا تعرفه ... فتحت عينيها لتبصر وجهه النائم المقابل لها للحظة كادت شهقة فزعة تخرج من بين شفتيها لتتذكر انها تزوجت بالأمس والدها يعلم انها تنام في منزل رجل غريب .... ذلك الرجل هو زوجها !!! ... ارتسمت ابتسامة واسعة علي شفتيها تنظر لوجهه وهو نائم تتنهد حالمة عثمان بات زوجها عادت بها ذاكرتها لما حدث بالأمس
Flash back
ما ان دخلا معا إلي الغرفة التف هو بمقعده من خلال ذراع صغير جوار يده ناحية الباب ليدفعه وينغلق ... وقفت هي تنظر له متعجبة تعقد ذراعيه لتسأله :
- سؤال رغم معلش ... طالما الكرسي بتاعك حديث ليه بتقولي زقيني
ارتسمت ابتسامة صغيرة علي شفتيه ليقترب بمقعده منها سلط مقلتيه علي مقلتيها يهمس لها بشغف :
- بحب احس بيكي قريبة مني
حقا هي ليست معتادة علي كلمات الغزل وخاصة منه هو ... تقف الآن في أشد حالاتها خجلا ... تنظر ارضا تفرك يديها لا تملك الجراءة لرفع وجهها .... انتفضت حين شعرت به يمسك يدها لتصرخ فجاءة :
- لاء
توسعت عينيه ينظر لها مدهوشا مما فعلت لتخرج منه ضحكة عالية ينظر لها مشفقا ... سيطر علي سيل ضحكاته بصعوبة يلتقط أنفاسه ليغمغم في خبث :
- هو ايه لاء يا سارين أنا بشد ايدك عشان تقعدي ... عايز اتكلم معاكي كلمتين ولا انتي دماغك راحت فين
تخضبت وجنتيها بالدماء ذلك الخبيث يستغل خجلها اسوء استغلال ... استسلمت ليده التي جذبتها لأقرب مقعد لتجلس عليه تحرك هو بمقعده ليصبح أمامها مباشرة ... يفصلهم مسافة صغيرة .... ظل صامتا للحظات طويلة قبل أن تخرج من بين شفتيه تنهيدة مختنقة تلاها صوته الهادئ :
- بصيلي يا سارين
رفعت وجهها ليقابل وجهه ابتسامته الهادئة نظرة عينيه الحائرة الشاردة ... تنهد حارة طويلة خرجت من بين شفتيه يسألها :
- انتي قلقانة من ايه ؟!
قطبت جبينها متعجبة من ذلك السؤال الغريب الغير متوقع منه ... قلقة ... هل قلقة من الكثير ولكن لما يسألها ذلك السؤال الآن حمحمت تسأله متعجبة :
- مش فاهمة سؤالك
ارتسمت ابتسامة خفيفة علي شفتيه ينظر لها مبتسما حرك رأسه إيجابا يردف :
- لاء أنتي فاهمة يا سارين وعارفة أنا بتكلم عن ايه كويس ... أنا عايز اسمعها منك
نظرت له عاجزة قلقة تقبض علي راحة يدها تتنفس بعنف تهربت من مقلتيه تهمس متوترة حائرة :
- اااا ... بصراحة أنا خايفة تكون ما بتحبنيش يا عثمان ووجودي معاك مجرد احتياج لحد جنبك .... ولما تخف يا رب تخف ... هترجع زي ما كنت ... فاهمني
ابتسم في اتساع يحرك رأسه إيجابا ليقطع المسافة الفاصلة بينهما .... يجذبها ناحيته يقبل جبينها لتقطب هي ما بين حاجبيها متعجبة لما تصرفاته غريبة اليوم ... امسك يديها بخفة يخبئها بين كفيه تقلصت ابتسامته قليلا يهمس لها بخفوت :
- أنا عارف أنتي قلقانة من ايه بس كنت عايز اسمعها منك .... ممكن أنا احكيلك حاجة
حركت رأسها إيجابا تنظر له بفضول تريد أن تعرف ما سيقول ليبتسم هو تنهد يخبرها بكل ما يجيش بصدره :
- عايز احكيلك حكاية قديمة من سنين ... حكاية طفل صغير ما كانش بيشوف أبوه وأمه غير ساعة ولا اتنين كل يوم .... كان بيبقي نفسه زيه زي اي طفل يحكيلهم عن اللي كان بيحصل في يومه ... بس كان دايما بيسمع حبيبي ماما عندها شغل مش فاضية .... عثمان أنا مش فاضي للعب العيال بتاعك ... أنا ورايا شغل كتير ... روح العب في أوضتك ... وعشان يعوضوه كان بيجيبلوه لعب وهدايا كتيرر ... كانوا فاكرين أنه لما يقولهم أنا عايز دا ويجيبوه ... أنهم كدة بيعوضوه عن غيابهم ... اتعود أن اي حاجة عايزها يشاور بس عليها ... فبابا وماما يجيبوها ...وهو كمان اتعود علي كدة لما كبر كمل حياته زي ما هما رسموها اللي يعوزه يلاقيه ... لو هما ما جبهوش هو يجيبه فبقي الصياد ... شباكه تشاور وتصطاد ... جوايز ... مركز .. بنات ... ما حدش يقولي أنت بتعمل ايه وما بتعملش ايه ...لو بابا زعق وقالي لاء .... ماما تقوله سيبه يعيش شبابه إنت بتكبت الواد ....عارفة ساعات كتير كنت بقرف من نفسي أوي ... خصوصا لما كنت بشوف في عينيكي نظرة انبهار وحب أنا ما استهلهاش ... لما خطبت ليلا كان الموضوع بالنسبة لي تسلية مش أكتر ... كنت بتحدي نفسي اني اقدر اوقع صيد جديد ... بس زي ما انتي شايفة كدة الصياد بقي فريسة ووقع في شر أعماله ... تعرفي علي قد ما كنت زعلان هموت حاسس أن الدنيا خلاص اتهدت من حوليا أتي انتهيت علي قد دلوقتي ما أنا مبسوط وراضي ... اصل بصراحة واحد زيي نهاية الطريق اللي كنت ماشي فيه الحرق ... أنا مش غبي يا سارين عشان اضيع فرصة اني ابقي شخص نضيف من ايدي ... وما بستغلش أنك بتحبيني عشان تبقي موجودة جنبي لحد ما اقوم علي رجليا تاني ... بالعكس تماما أنا عايزة اتقوي بيكي .... انتي عارفة لو حكينا لحد ظروف جوازنا هيقول اللي بيحصل دا جنان دا واحد عاجز بتاع ستات مستني اول ما يخف يرجع للي كان فيه ... ودي عيلة صغيرة ساذجة ما تعرفش حاجة في الدنيا اللي بيعملوه دا جنان احنا بقي عايزين نثبت للكل أن الجنان هو أعقل حاجة حصلت في الدنيا
ارتسمت ابتسامة واسعة علي شفتيها وكلماته كلحن عذب يعزفه هو بمهارة علي أوتار قلبها لتراه يمسك راحة يدها يبسط كفها امسك اصبعها الخنصر اولا يقول مبتسما :
- أول وأهم قرار في حياتنا .... اننا نتعلم من اخطاء أهالينا وما نكررهاش ... طبعا فهماني
توسعت ابتسامتها الواسعة من الأساس تحرك رأسها إيجابا سريعا بالطبع تفهمه ما حدث لها بسبب والديها لن تسمح ابداا أن يحدث لأطفالها ابداا .... ترك خنصرها ليمسك اصبعها البنصر يكمل ما يقول :
- تاني أهم قرار في حياتنا ... الصراحة ما حدش يخبي اي حاجة عن التاني
حركت رأسها مرة أخري تؤيد ما يقول ليردف هو :
- نشارك بعض في اي قرار هناخده
- لما نخلف بإذن الله الاولاد هيبقوا من اولي الأولويات في حياتنا
- لو حبيتي تشتغلي بعد ما تخلصي دراسة أنا مش همنعك طبعا ... بس الشغل ما يجيش علي حق الاولاد
- لو لقيتني مقصر في حقهم نبهيني والعكس هيحصل
- والقرار الاخير والأهم في الفترة دي تحديدا ... إن جوازنا هيفضل علي ورق لحد ما اقوم علي رجلي واثبتلك حسن نيتي وإني مش بستغلك
لم تعرف ما تقول هي حقا تؤيد كل ما تقول وتحترمه .... من كان يظن أن عثمان اللعوب زير النساء يملك كل ذلك القدر من الرزانة ورجاحة العقل ... حتي قراره الأخير وإن بدا غريبا ولكنه يدل حقا علي سلامة نيته تجاهها .... ابتسمت له تحرك رأسها إيجابا تعطيه موافقة صامتة منها علي كل ما قال ... شردت قليلا تفكر في حياتها القادمة تري كيف سيكون شكلها .... لتجفل علي جملته يقول مبتسما :
- صحيح هي نتيجة الثانوية العامة هتظهر امتي
رفعت كتفيها لأعلي دليل علي جهلها ادارت وجهها له تتمتم :
- مش عارفة والله هما بيعلنوا قبلها بكام يوم
ابتسم باتساع يشد علي يدها يقول متحمسا :
- عارفة لو جبتي مجموع كبير هجيبلك هدية حلوة أوي
ارتسمت شبح ابتسامة شاحبة علي شفتيها ... سؤال ملح يطرق عقلها بلا توقف تريد أن تسأله وتخشي ذلك حقا ... لم تستمع امساك لسانها أكثر لتهتف فجاءة :
- ليلا السبب في اللي حصلك مش كدة
Back
اجفلت تخرج من شرودها الغير مكتمل فجاءة حين سمع صوته فجاءة يهمس جوار أذنيها عبثا :
- هو أنا امور وحليوة آه بس انتي حرفيا متنحة في وشي
توسعت عينيها تخضبت وجنتيها بالدماء هل تقسم له أنها فقط كانت شاردة لم تقصد أن تطيل النظر لوجهه كما يظن ارتبكت لتنتفض جالسة تعيد ترتيب خصلاتها المبعثرة من أثر النوم ليستند هو بكفيه علي الفراش يشد جسده ليجلس جوارها يتمتم مبتسما :
لو الواحد عارف أنه هيشوف القمر قدام عينيه ما كناش نام
تلعثمت خجلة لا تجد ما تقوله هرولت من الفراش متوجهه ناحية باب المرحاض دخلت تغلقه خلفها تستند بظهرها علي الباب المغلق تضع يدها علي قلبها تستشعر دقات قلبها المتسارعة أنفاسها المتباطئة .... غزا احمرار قاني وجنتيها تتذكر بالأمس
Flash back
بعد أن انهوا حديثهم الهام سويا ذهبت وبدلت ثيابها حين خرجت من المرحاض رأته هو الآخر انتهي من تبديل ثيابه ... يتوجه بمقعده المتحرك ناحية الفراش المنخفض ليسهل عليه دفع جسده عليه ... توجهت ناحيته تحاول مساعدته خجلة إلي أن جلس علي الفراش رأت في عينيه نظرة عذاب وهو ينظر لساقيه الواقفة عن الحركة لتحمحم تجذب انتباهه ابتسمت حين نظر لها تسأله :
- مش هتاكل
ابتسم ابتسامة باهتة يحرك رأسه نفيا ... لتتنهد هي حزينة علي حاله تسطحت علي الفراش جواره بعيده عنه بقدر كافي ... نظرت له تبتسم مرتبكة تهمس بصوت خفيض متوتر :
- تصبح علي خير ...
أغمضت عينيها توليه ظهرها تحاول النوم في مكان جديد غريب عليها جوار زوجها ... لا تنكر أنها تحبه ولكن يبقي حاجز الخوف الفطري من انه رجل تتعامل معه من مساحة قريبة للغاية ... عن المعتاد .... فتحت عينيها فجاءة حين شعرت بيده تمسك ذراعها يجذبها برفق لتستقر فجاءة داخل أحضانه .... اغمضت عينيها متوترة خائفة تتسارع أنفاسها ... لحظات طويلة قبل أن يهدئ روعها وتفتح عينيها تنظر له مرتبكة لتراه يبتسم في توسع يهمس لها بشغف :
- تعرفي أن شكلك حلو اوي وانتي مكسوفة وخدودك حمرا ... زي التوت ... أنا عارف أنك بتحبي التوت سارة قالتلي
اختفت أنفاسها انعقد لسانها ترمش بأهدابها عدة مرات سريعة متتالية ليرفع هو رأسها قليلا يضعها علي صدره .... يمسد علي شعرها بخفة
حقا هي الآن علي وشك أن تفقد مما يحدث ... لحظات وسمعته يغمغم ساخرا :
- عجبت لك يا زمن ...
قطبت جبينها متعجبة علي ما يتعجب هو رفعت وجهها قليلا تسأله بخفوت :
- بتتعجب ليه
حرك رأسه نفيا بخفة هل يخبره أنه كان يتذكر امجاده القديمة بصحبة صديقاته الكثيرات لا ربما لا يجب أن تعلم ....
Back
خرجت من شرودها علي صوت دقات علي باب المرحاض وصوته يقول عبثا :
- سارين حبيبي لو هتجري علي الحمام مع كل كلمة حلوة بقولهالك يبقي هتقضي عمرك كله جواه
ضحكت بخفة تضع يدها علي فمها تكبح صوت ضحكاتها هي حقا سعيدة لانها تزوجت من نجح بجدارة في اصطياد قلبها
_______________
علي صعيد آخر عودة لمستشفي الحياة في غرفة لينا تحديدا يقف زيدان أمام الفراش لازال ينظر إليها يبتسم ... ابتسامة معذبة بعد جملته الغريبة التي نطقها فجاءة :
- ايوة فعلا أنا السبب !!
نظر الجميع إليه في عجب مما قال حتي هي تعجبت من استسلامه بتلك البساطة ... صمت مخيف لم يبدده سوي صوت ضحكة عالية خرجت من بين شفتيه ضحكة معذبة تصرخ ألما ... ادمعت عينيه رغما عنه توقف عن الضحك ينظر لها يفتح ذراعيه بحركة درامية ساخرة يغمغم متألما :
- أنا السبب .... أنا عملت كل حاجة وحشة في الدنيا واستاهل كل حاجة وحشة في الدنيا .... استاهل اتيتم وأنا طفل عنده 5 سنين ... استاهل اتعذب في كل مرحلة في حياتي ... أنا السبب في العذاب اللي أنا وأنتي فيه .... انتي عارفة أنا نفسي يرجع بيا الزمن عشان ما احبكيش ... عشان لا آذيكي ولا ااذي نفسي ...
أنا آسف اني اذيتك ما فيش في ايدي حاجة تانية غير الأسف وآسف اني عشمت نفسي بفرحة اللي في بطنك .... يا ريتني ما جيت عيشت معاكوا .... صدقيني العذاب اللي عيشته في حياتي ما يجيش شظية وجع من العذاب اللي أنا عايشه دلوقتي ... بقيتي حرة يا لينا ... ما بقتش في حاجة تربطنا ... عيشي حياتك وانسيني ... عشان انا مش هقدر انسي عن اذنكوا
التفت ليغادر يخطو خطاه لخارج الغرفة ... بينما كان يقف هو بعيدا يراقب ما يحدث نبرة الألم في عيني زيدان نظرة العذاب في عيني ابنته ... خسارة تلتها أخري وأخري في حياتهم وبالطبع هو السبب كما يلوم نفسه دائما ... للحظات شعر بثقل يزداد فوق رأسه جسده يلتف بعنف لم يعد لديه القدرة علي الصمود .... أسلم مقاليد كل شئ حين سمح لجسده أن يترنح ويهوي أرضا آخر ما سمعه كان صرخات الجميع باسمه
خاااااالد ... صرخة معذبة مذعورة خرجت من لينا زوجته لتترك ابنتها وتندفع إليه سقطت علي ركبتيها علي الأرض جواره تحاول أن تجعله يستيقظ بأي شكل كان ... اندفع زيدان ناحيته ومعه حمزة يتعاونان علي حمل جسده ولينا تهرول أمامهم تصرخ في الممرضات والأطباء .... بينما هي جسدها ثقيل متعب ... ألم بشع يفتك بها ... انسابت دموعها تهمس باسم والدها بضعف شديد ... بوهن تحركت نن فراشها تستند علي الحائط تمشي بخطوات ضعيفة تجر ساقيها جرا ... الألم يزداد بشاعة مع كل حركة تتبع الصوت لتجدهم هناك والدها يستلقي علي سرير صغير يندفع ناحية احدي الغرف والدها ساكن بشكل مخيف لم تعهده يوما .... ووالدتها تبكي منهارة وزيدان يحاول تهدئتها قليلا ... رأت الدموع في عيني عمها ... الجميع يقف مذعور ... حسام جاء يركض ملامح الذعر تكسو وجهه اندفع كالسهم للغرفة التي فيها والدها ... جذبت جسدها تحركه رغما عنه لتصل للنافذة الكبيرة للغرفة ارتمت بجسدها عليها تبسط كفيها علي سطح الزجاج .... تنهمر دموعها وهي تنظر لما يحدث في الداخل ... شق الطبيب بمقص صغير ال ( تي شيرت ) الذي كان يرتديه والدها ... الكثير من الأجهزة يوصلونها به قناع أكسجين غطي وجهه ....تعلقت عينيها بجهاز ضربات القلب لتري دقات قلب والدها الغير منتظمة تارة سريعة وتارة بطيئة علي وشك أن تتوقف .... لم تكن تتخيل في أسوء كوابيسها أن تري والدها في هذه الحالة ... إن ينهار هكذا أليس هو عمود الخيمة الذي يقيم العائلة يحمل هموم فوق عاتقه كيف ينهار ...ليس من الممكن أن يحدث ذلك ... ابدااا ....التفت جوارها لتجد والدتها تنظر لجسد ابيها المسطح مذعورة تنهمر دموعها كشالالات بلا توقف جسدها يرتجف بعنف تحدث بصوت متوسل راجي بالكاد يخرج من بين شفتيها :
- ياااارب ... يااااارب احفظه يا رب ... يارب يبقي كويس يا رب ... أنا ماليش غيره .. يا رب ما تحرمنيش منه يااااارب
نظرت لوالدتها حزينة مشفقة تبكي علي حالها وعلي ما يحدث لوالدها وعلي ما حدث ... تتسأل حقا كيف تمكنت والدتها من مسامحة والدها وعشقه لتلك الدرجة بكل كل ما فعل في حقها قديما .... ولما هي لم تتمكن من مسامحة زيدان علي خطاءه أليست ابنتها ؟!!
__________________
علي صعيد آخر بعيد منذ الصباح الباكر والسيارة في الطريق متوجهه الي اسيوط ... جاسر يجلس جوار غيث في الامام وهي تجلس بالخلف ... طوال الطريق يتحدث هو وغيث ... يضحكان يمزحان ... يتحدثان في أمور شتي وهي أن سألته سؤالا واحد اما أن يتجاهلها او يرد ... رد مقتضب غاضب ....ماذا حل به بين ليلة وضحاها كيف تغير حاله بذلك الشكل البشع لمن تشتكي له منه ... لا تملك سوي والدها وهو مريض بالقلب تخشي عليه أن يصيبه مكروه ....وصلت السيارة بعد ساعات طويلة إلي المنزل ... لينزل الجميع فتح هو صندوق السيارة نزل يلتقط الحقيبة يتقدم بصحبة غيث للداخل ... في الداخل كان الجميع في الصالة الكبيرة والديه وصبا وشاهيناز ... التي توسعت ابتسامته ما أن رآها القي الحقيبة أرضا ليندفع إليها يعانقه يشدد علي عناقها يغرزها داخل صدره يغمغم مشتاقا :
- وحشتيني يا شاهي وحشتيني اوي اوي ... عاملة ايه يا حبيبتي .... بتاكلي كويس واللي في بطنك كويس ...
توسعت عيني شاهيناز بدهشة لا تصدق أن العمل اتي ثماره اخيراا ... بات جاسر كالخاتم في إصبعها ... توسعت ابتسامتها تلف ذراعيها حول عنقه تتمتم بلوعة زائفة :
- وأنت كمان وحشتني اوي يا جاسر ووحشت ابنك اوي اوي يا جاسر
نظر رشيد وشروق مدهوشين لما يحدث بينما تفتت قلب تلك الواقفة تناظرها بنظرات جزعة محطمة كيف يفعل بها ذلك كيف يؤذيها بتلك الطريقة البشعة ... انهمرت دموعها لتركض الي غرفتها بالأعلي تختبئ خلف بابها المغلق ... نظر رشيد في أثرها مشفقا علي حالها ... بينما تعجبت شروق كثيرا مما حدث لولدها ... اما صبا كانت في عالم آخر كل ما يشغل بالها الآن هو ذلك المتطفل الذي يقف هناك يبتسم في توسع يعقد ذراعيه أمام صدره يخبرها أنه قد جاء ...
__________________
في منزل عمر السويسي ..... وقف عمر في صالة المنزل ينظر لساعة يده بين حين وآخر ليصيح بصوت عالي :
- يا سارة يا تالا يلا بقي انتي وهي اتأخرنا
خرجت تالا من غرفتها بعد لحظات تمسك حجاب رأسها بين يديها ضحكت بخفة تتمتم متعجبة :
- مالك يا عمر مش علي بعضك ليه .....
زفر أنفاسه الحانقة ينظر لساعة يده ليتمتم كطفل صغير حانق :
- الساعة بقت سبعة وانتي قولتي هنروح الساعة 5 يلا تالا ... البت سارين وحشتني بجد عايز اشوفها ...
ابتسمت تالا بحنو تحرك رأسها إيجابا تشير لما في يدها كأنها تخبره انها سترتديه اولا .... دخلت الي غرفتها تقف أمام مرآة الزينة تنهدت تنظر لانعاكسها في المرآه بابتسامة صغيرة تتذكر ما حدث بالأمس
Flash back
أوصلت ابنتها لمنزل زوجها صحيح انها من اشد المعارضين لزواج ابنتها في هذه السن الصغير ولكن ما البيد حيلة ... ماذا تفعل الفتاة تحبه ستكون سعيدة بصحبته وهي حقا لا يهمها سوي سعادة ابنتها .. استقلت السيارة جوار عمر وسارة بالخلف ... بعد قليل ستخبره بما حسمت من قرارها الأخير والنهائي .... وقفت سيارة عمر أسفل منزلهم ليهبطوا منها جميعا ... سبقتهم سارة تتوجه الي غرفتها مباشرة ... توجهت تالا الي غرفتها ليلحق بها عمر دخل الي الغرفة يوصد الباب خلفه ليرآها تقف أمام مرآة زينتها تقك حجابها ليسترسل شعرها الحريري يغطي ظهرها ..... تنهد يشعر بدقاته تتصارع قلقا الآن ستحسم قرارها الأخير يشعر بأنها النتيجة النهائية للمسابقة .... هي مسابقة حياته التي خسر كل جوالتها وانتظر الفوز في النهاية ....حمحم يهمس بصوت خفيض مرتبك :
- تتالا
التفت هي له في تلك اللحظة تبتسم ابتسامة عذبة صغيرة .... ابتسامة البداية او النهاية ربما ... أمسكت بكف يده تجذبه ليجلس جوارها علي الفراش تنهدت تنهيدة طويلة متعبة لتبتسم تردف بخفوت :
- بص يا عمر أنا عارفه إني غلطت ... يمكن ما كنش قصدي يحصل دا ... مش قصدي ابعدك او اهمشك زي ما أنت فهمت وافتكرت ....ما كنش دا اللي في نيتي ... بس والله أنا كانت نيتي خير ما كنتش عايزة اشغلك بمشاكلنا ... بس حصل العكس ... واللي حصل حصل ... يمكن أنا ارتحت شوية لما عرفت انك مالمستش البتاعة دي ... اللي كانت في يوم صاحبتي ... بس مش هقدر انكر النار اللي بتحرق في قلبي لما بعرف أنك روحتلها بمشاعرك يا عمر .... ليه ما جتش تقولي اللي مضايقك .... ليه اخترت أسهل الطرق ... ليه ما نبهتنيش علي غلطي ...
نظر لها عاجزا جزعا لا يعرف حتي بما سيرد ....ظهر الندم جليا علي قسمات وجهه لترتسم ابتسامة شاحبة علي شفتيها تردف بخفوت حزينة :
- بس ما انكرش اني شريكتك في الغلط .. يمكن احنا محتاجين نفتح صفحة جديدة ... نتعلم فيها من أخطائنا اللي عملناها كفاية اننا كنا السبب في أن نفسية البنات اتدمرت بالشكل البشع دا .... أنا موافقة يا عمر اننا نفتح صفحة جديدة ... بس دي آخر صفحة في الدفتر يا عمر لو قطعتها هيخلص كل اللي بينا متفقين يا عمر
ابتسم كطفل صغير فرح يحرك رأسه إيجابا سريعا بتلهف ليسرع لعانقها يخفيها داخل أحضانه .... يشدد علي عناقها يهمس لها بشغف عاشق :
- متفقين يا قلب عمر اوعدك اني عمري لا هزعلك ولا هجرحك تاني ابداا .... يااااه يا تالا أنا مش مصدق ... حاسس اني بحلم حلم جميل و يا رب ما اصحي منه
رفعت هي الاخري يديها تبادله العناق تبتسم له سعيدة ... ربما عليها أن تتجاوز تمضي .... تفتح صفحتها الأخيرة في الدفتر ... ابتعدت عنه ليقبل جبينها يتمتم مبتسما :
- ربنا يخليكي ليا يا حبيبتي وما يحرمني منك ابدااا ....
Back
عادت من شرودها علي صوت عمر يصيح مم الخارج حانقا :
- يا تالا يلا يا تالا والله العظيم هروح لوحدي أنا اصلا مش مطمن للواد عثمان دا ... دا زير نسا قديم ... وانتي يا ست سارة ما تخلصي أنتي كمان ... قال جايلك عريس أنتي كمان ... اصل أنا ناقص تترسبوا من قدامي كدة
توسعت عيني تالا مدهوشة مما يقول عمر لتهرول للخارج وقفت امامه تسأله متلهفة متعجبة :
- عريس مين يا عمر اللي اتقدم لسارة حد نعرفه
رفع عمر حاجبه الأيسر ينظر لها يبتسم في هدوء قلق ..... كتف ذراعيه أمام صدره يتمتم بصوت خفيض :
- دكتور حسام عرفاه ... طبعا سارة مش هتوافق عليه ... كفاية الموقف الزفت اللي حصل بينهم بسببي ... وكمان كبير عليها دا في التلاتينات تقريبا والبت لسه صغيرة
ابتسمت تالا منتصرة هي حقا لم تحب ذلك الطبيب الوقح والآن عمر يوافقها في الرأي ... بينما قريبا منهم كانت تقف سارة ... استمعت الي حوار والدها ليطرق قلبها بعنف حين عرفت ان حسام طلبها للزواج ... لا تعرف أهو خوف ام خجل ام شعور جديد لم تعهده قبلا !!!
_________________
علي صعيد آخر عودة لمستشفي الحياة أمام غرفة خالد جلست ابنته بعد أن اضناها التعب تنظر لباب الغرفة المحتجز فيها والدها بفزع ... جسدها بالكامل يرتجف شفتيها زرقاء وجهها شاحب ... تشعر ببروده قارصة تعصف بجسدها ... ضمت ذراعيها تحتضن جسدها ترفض رفضا تاما أن تتحرك من مكانها .... كان يقف هو القلق ينهش قلبه علي أبيه هو من رباه هو أبيه حتي لو لم تكن دمائهم واحدة تري ما حاله يدعوا من خلجات قلبه أن يكن بخير .... عليه ان يبدو صلبا أمامهم وهو في الحقيقة يرغب فئ الارتماء بين أحضانه والبكاء بلا توقف ...يشفق حقا علي حسام تري ما حاله الآن .... القي عليها نظرة خاطفة لم يستطع منع عينيه من فعل ذلك ليراها ترتجف بتلك الطريقة ... شتم نفسه ينهرها بعنف لما يقلق لأجلها الآن انتهي كل شئ عليه أن يذكر نفسه دائما إن كل شئ قد انتهي للأبد .. خط النور الوحيد الذي كان يربطهم انطفئ وانتهي كل شئ ... لمح بطرف عينيه الغرفة القريبة منهم مفتوحة وفارغة ... القي نظرة عليها ليجد غطاء عند نهاية الفراش المرتب تنهد يمنع قدميه من الذهاب .... فذهب قلبه وجد نفسه يتحرك تلقائيا دخل الي الغرفة يجذب الغطاء توجه اليها يمد يده لها بالغطاء رفعت وجهها له لتراه يشيح بوجهه بعيدا ... عقله يرفض الانصياع لاوامر قلبه ... وضع الغطاء أمامها دون أن ينظر ليتوجه ناحية زوجة خاله التي تجلس تبكي بلا توقف تتحرك للأمام وللخلف تدعو تبكي ... بلا توقف ... جلس علي المقعد جوارها .... لف ذراعه حول كتفيها يربت علي رأسها لتضع رأسها علي صدره تتمسك به تهمس من بين شهقاتها المتتابعة :
- ادعي يبقي كويس يا زيدان ... يا رب أنا ماليش في الدنيا غيره ... هو كل حاجة في حياتي ... بابا واخويا وحبيبي وجوزي ... هو كل دنيتي ... لو حصله حاجة لا لا يا لاء ... مش هستحمل ...والله ما هستحمل
انهمرت دموع زيدان يحتضن والدته يربت علي رأسها يحاول تهدئتها ولو قليلا ... انتفضوا جميعا علي صوت الباب يُفتح ليخرج الطبيب بعد ساعات هرعت لينا تسأله صارخة :
- خالد كويس صح طمني عليه .. ارجوك
كسي الحزن وجه الطبيب الشاب لمح زيدان حسام وهو يجلس جوار الفراش يمسك بيد خالد الموصلة بالمحاليل الطبية ليجفلا علي جملة الطبيب التي نطقها بوجوم حزين مشفقا علي حالهم :
- جلطة !!!!!!!!!
_________________
«للعشق قيوده الخاصة»
«الجزء الرابع من أسير عينيها»
الفصل الثامن والأربعون
الجزء الثاني
¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤
جلطة !!!!
ما إن خرجت تلك الكلمات من فم الطبيب تلاها لحظة صمت طويلة ... فزع سيطر علي الجميع ... الجم ألسنتهم جمد الدماء في عروقهم ... لم يكمل الطبيب جملته اوقفه صوت صرخة قوية صدرت من لينا باسم زوجها تبعها صوت ارتطام قوي ... نظر الجميع فزعا لما سقط ... ليصرخ زيدان باسم لينا هرع يحملها بين ذراعيه صاح حمزة في الطبيب .. هرولوا جميعا الي أحدي الغرف الفارغة زيدان يحمل لينا ومعه حمزة .... وبقيت هي .... قدميها لم تعد لها القدرة علي تحمل ما يحدث جسدها ينتفض وكأن كهربا ضربته ... والدها اولا والآن والدتها ...جسدها وكأنه التصق في المقعد تبكي فقط تبكي تتسابق دموعها في الانهمار ... تنظر لغرفة والدها ..... بجهد شاق رفعت جسدها من فوق المقعد تجر ساقيها إلي غرفته ...وقفت جوار الباب الغرفة الشبة مغلق فقط شق صغير رأت من خلاله حسام أخيه يجلس ارضا علي ركبتيه جوار فراش والدها يبكي يمسك بيد والده يقبلها بين حين وآخر سمعت صوته الضعيف احست نبرته الخائفة المرتعشة :
- كدة يا حج ... كدة توقع قلبي عليك .... تتعب وتخوفني .... مين هيشتمني ويقولي يا حيوان ... وهما 200 جنية ما فيش غيرهم ... عارف لو تعبت تاني هتجوز البت سارة غصب عنها ... هخطفها واتجوزها
لحظات ورأت دموعه تتسابق ليميل براسه يضع رأسه علي الفراش يحتضن ذراع ابيه يبكي بعنف يجهش في البكاء :
- أنا آسف لو في يوم زعلتك ... قوم أنت بس بالسلامة وأنا مش هزعلك تاني ... أنا بحبك اوي يا بابا ... والله إنت اغلي حاجة عندي في الدنيا
وقفت تنظر لحالة أخيها تبكي علي حاله وحال والدها ... تحركت عينيها تتوجه الي جسد أبيها المسطح علي الفراش يتصل به كل الكثير من الأجهزة الطبية ... يغلق عينيه جسده ساكن يستسلم لحالة سكون مخيفة لم تعهدها منه قبلا .... حركت ساقيها تدخل إلي الغرفة ليرفع حسام وجهه ينظر لمن أتي لا يهمه أن رآها أحد هكذا لا يهم إن عرفوا من يكون كل ما يهمه الآن هو ذلك الساكن علي الفراش بلا حول ولا قوة ... كسي الحزن عينيه ينظر لشقيقته متألما
ينظر لخطواتها البطيئة تجر جسدها ناحية فراش والدهم اقتربت من الفراش لتميل بجسدها تسند رأسها الي كتفه اغمضت عينيها تهمس له بصوت خفيض مختنق خائف :
- بابا ... أنا عارفة انك سامعني ... أنا آسفة .. آسفة لو في يوم زعلتك ... والله ما كنش بيبقي قصدي أنا بس ... كنت مقهورة اوي لما عرفت أن اللي عملتوه كان لعبة ... قلبي اتوجع من اللي هو عمله ومن اللي عرفت انكوا عملتوه ... ما تزعلش مني ... وقوم عشان خاطري أنا عمري ما اتخيلت ابداا اني اشوفك كدا .....
في مكان آخر ... مكان استراح فيه جسده وتوقف عقله قليلا عن التفكير في كل مشاغل العائلة .... مشهد من عقله الباطن ربما .... يجلس هو علي أرض خضراء اعشابها كثيفة يستند بظهره الي جزع شجرة كبيرة يغمض عينيه يستريح ... يتنفس هواء بارد يغزو كيانه يربت علي روحه الملتاعة .... صوت بكاء صغير جعله يفتح عينيه ينظر حوله متعجبا ليجد طفل رضيع يبكي موضوع جواره أرضا علي العشب ... رفعه بين ذراعيه ينظر له مبتسما .. لينتفض علي يد وضعت علي كتفه نظر جواره سريعا ليجد زيدان صديقه يجلس جواره يحمل هو الآخر طفل صغير بين ذراعيه توسعت عينيه مدهوشا ينظر لصديقه الجالس جواره يبتسم في هدوء ... ليمد زيدان يده له بالطفل الآخر فحمل الطفلين كل منهما علي ذراع ابتسم له يقول بهدوء :
- ولاد خالد
قطب خالد جبينه متعجبا ينظر للطفلين مدهوشا ليعاود النظر لصديقه يتمتم مذهولا :
- ولادي أنا ؟!!
ضحك زيدان ضحكة عالية يحرك رأسه نفيا نظر لصديقه يقول مبتسما :
- أنت نسيت ولا ايه ... فاكر لما قولتلك أنا هسميه خالد عشان يطلع رخم زيك
انتفض قلب خالد للحظات هل يقصد زيدان أن هذين الطفلين أحفاده أولاد زيدان ... ضمهما لصدره برفق ليعاود النظر لصديقه تنهد يقول تعبا :
- أنا تعبت أوي يا زيدان .. تعبت اوي يا صاحبي ... الدنيا كلها بتتهد من حوليا
ابتسم زيدان في هدوء يربت علي كتف صديقه يشد من ازره يردف مبتسما :
- بطل تحاول تعاند القدر يا خالد ... المكتوب هيحصل هيحصل مش بإيدك توقفه ... مش لازم تلوم نفسك أنك دايما السبب ... شيل مناخيرك من كل المشاكل عشان ترتاح ... وخد بالك حماك مش ناويلك علي خير ... خلي بالك من نفسك يا صاحبي ومن الواد خالد ... سلام يا صاحبي ....
قالها ليتلاشي كسراب يبتسم بينما جلس هو ينظر للطفلين الصغيرين وضحكاتهم البريئة يبتسم يشعر براحة تملئ كيانه ... يسمع صوت ابنته يأتي من بعيد يسمع كلماتها وهي تعتذر ... يخترق حلمه كل كلمة تقولها ولكنه لم يهتم حقا لم يهتم لم يرغب في أن يرحل هو والطفلين هنا يجلس يستريح يسمع ضحكاتهم البريئة سلوي قلبه مما لاقي
عودة للغرفة ... رفعت لينا رأسها قليلا تنظر لحسام تسأله بصوت خفيض متحشرج :
- هو بابا كويس يا حسام
نظر لها للحظات صامتا مشفقا ليحرك رأسه إيجابا وقف يمسح وجهه يبعد ما نزل من دموعه حمحم يحاول إجلاء تلك الغصة القاسية التي خنقته يحادثها بترفق :
- الحمد لله جت سليمة ... جلطة خفيفة قدرنا نتعامل معاها بالأدوية ... سيبيه دلوقتي يستريح وارجعي اوضتك انتي كمان محتاجة ترتاحي ... تعالي
انهي جملته يمد يده لها ... ترددت للحظات تنظر لوالدها خائفة عليه ... مالت تقبل جبينه لتتحرك ببطئ تشعر بألم بشع يمزق احشائها ... تقدمت تمسك بيده ليبتسم لها متعبا حزينا شاحبا ... لف ذراعه حول كتفيها يتحرك بها للخارج ... لتلقي ناحية فراش أبيها نظرة أخيرة ... قبل أن يخرج بها من الغرفة يغلق الباب علي والدهم ....
اصطحبها الي أقرب غرفة من غرفة والدهم يمشي معها برفق ... دخل معها الي الغرفة يغلق الباب عليهم يجذب الستار ليحجب رؤية من في الخارج ... اقترب منها يطوقها بذراعيه يشدد علي احتضانها ... أدمعت عينيه ..... بينما انهمرت دموعها ... تعالت شهقاتها تتمسك بملابسه تخفي وجهها بين ثنايا صدره ... تتلعثم من بين شهقاتها :
- هو أنا وحشة اوي كدة يا حسام ... أنا عملت ايه وحش في حياتي عشان يحصلي كل دا ... أنا مش عايزة زيدان ... بس عايزة ابني ... ابني اللي راح مني ... روحي اللي كنت حاسة بيها بتكبر جوايا يوم ورا يوم ... قلبي بيوجعني اوي يا حسام ... وبابا ... أنا عمري ما تخيلت أنه ممكن يقع كدة ... بابا رغم كل المشاكل والمصايب اللي بتحصل كان دايما بيبقي موجود ... أنا خايفة عليه اوي ... وماما مش هتستحمل أنت ما بتعرفش هي بتحبه قد ايه ... حياتنا كلها بتنهار يا حسام
تركها تخرج كل ما يجثم فوق قلبه للحظات طويلة وهو صامت لا يتفوه بكلمة ... قلبها يحترق حزنا علي الجميع ... يتمني فقط لو في يده شئ ليقدمه ... يساعد ولكن ما باليد حيلة كما يقال ... دقائق طويلة وابعدها عنه يمسح دموعها المتساقطة يحاول رسم ابتسامة مطمئنة علي شفتيه :
- بابا هيبقي كويس صدقيني ... خالد باشا السويسي ما يقعش بسهولة ... هو بس بيريح من همكوا شوية ... أما انتي فأنا عايزك تعرفي وتتأكدي أن نزول الجنين في مصلحتك انتي وزيدان ... انتوا محتاجين فرصة تبعدوا عن بعض ما يبقاش فيه اي حاجة ربطاكوا ... تراجعوا مشاعركوا من الصفر ... أنا عارف إن الموضوع صعب ويمكن اكتر من عليكي ... بس صدقيني دا أفضل ليكي وليه
صمت للحظات ليعطيها ابتسامة مرحة زائفة دني بجزعه قليلا يحملها بين ذراعيه يتوجه بها الي فراشها يردف مبتسما :
- أما الأستاذة بقي فمحتاجة ترتاح لأنها تعبانة واحنا في غني عن أن يحصل اي مضاعفات
وضعها علي الفراش لتنتصف جالسة ... بينما جلس هو أمامها اضطربت مقلتيها في الفراغ حولها ليمد هو كف يده يربت علي وجنتها يتمتم :
- أنا هروح اشوف اخبار الدكتورة لينا إيه ... نامي شوية
نظرت لشقيقها تبتسم ممتنة ... هي حقا تغبط نفسها في تلك اللحظات علي وجوده في حياتهم .... ارتمت بين ذراعيه تعانقه تتلمس دفئ وأمان والدها بين ذراعيه ليبتسم لها ابعدها عنه قليلا فقط يقبل جبينها مبتسما ليمسعا في تلك اللحظة صوت شهقة مذهولة تأتي من عند باب الغرفة التفت حسام سريعا ليري أحدي الممرضات تقف جوار باب الغرفة تنظر له وهو يعانق لينا ويقبل جبينها ... مذهولة عينيها متسعة في دهشة ... بينما احتدت عيني حسام غضبا يصيح فيها :
- انتي واقفة عندك متنحة كدة ليه وازاي تدخلي اي اوضة اصلا من غير ما تخبطي بابها اتفضلي يا أستاذة حسابك مع شؤون العاملين
أصفر وجه الممرضة فزعا لتخرج من الغرفة سريعا تغلق الباب خلفها ... وقف حسام يجذب الغطاء يدثر شقيقته وقف أمامها يردف مبتسما :
- نامي وما تفكريش في حاجة ... لما تصحي هتلاقي كل حاجة كويسة
ابتسمت له ابتسامة شاحبة تحرك رأسها بالإيجاب تحرك هو يحضر محلول وريدي علقه علي الحامل الخاص به ليغرز سنه برفق في كف يدها ... امسك رسغها يقيس نبضات قلبها ... تنهدا مرتحا يضع يدها جوارها برفق توجه ناحية المحلول يغرز به مصل مهدئ ... نظر لشقيقته يبتسم حزينا للحظات ليتركها ويخرج من الغرفة يجذب الباب يغلقه عليها ..... لترفع هي رأسها لأعلي تنظر للسقف أمامها رغما عنها انسابت دموعها حين مدت يدها تتحسس بطنها التي باتت الآن فارغة ... تكالبت دموعها بغزارة تحادثها طفلها الغائب :
- سامحني يا حبيبي إني ما عرفتش أحافظ عليك ... كان نفسي تعيش واشيلك علي ايدي واخدك في حضني ... أنا السبب مش زيدان أنا اللي ضيعتك مني ... أنا اللي اذيتك واذيت نفسي
شيئا فشئ وبدأت تشعر بجفنيها يثقلان وجسدها يرتخي ... لم يتبقي سوي دموع صامتة تكوي قلبها حزنا ... إلي أن غابت تماما عن الواقع المؤلم
___________
علي صعيد آخر توجه حسام ناحية قسم الطوارئ .... ما إن أقترب من القسم سمع صوت صياح صديقه الغاضب ... أسرع خطواته ليجد زيدان يقبض علي عنق هاشم ... الطبيب المسؤول عن حالة خالد يصرخ فيه غاضبا :
- يا راجل يا *** يا متخلف ... خارج تقولنا جلطة .... اهي وقعت وعندها انهيار عصبي ....
الدكتور اللي كان معاك قلنا جلطة خفيفة ودوبوها بالأدوية ... أنت فاكر نفسك في مسلسل ولما تقول جلطة هينزل وراك الموسيقي ونقفل الكدر عليك
شحب وجه الطبيب ذعرا واختناقا يحاول التوسل بعينيه لحمزة الجالس علي المقعد ينظر للطبيب باشمئزاز بشماتة ... بينما اندفع حسام سريعا يخلص هاشم من زيدان ابعده عنه بعنف يصيح فيه محتدا :
- ايه يا زيدان إنت ضربت ولا ايه .. بتتهجم علي الدكتور
وقف زيدان بالكاد تحمله ساقيه وجهه مشتعل عروقه بالكامل نافرة .... وجهه مجهد عينيه حمراء ... شعره اشعث ... قميصه ازراره معظمها مفتوحه بشكل مذري ... وقف حسام حائلا بينه وبين الطبيب المسكين الذي وقف خلف حسام يحتمي به من ذلك المجنون الغاضب ... بينما صدح صوت زيدان الغاضب :
- ابعد يا حسام أنا هطلع روحه في ايدي ... جلطة خارج متأثر اوي وجلطة ... دا دكتور بهايم لو قولنا أنه دكتور اصلا ... ورحمة ابويا الغالي لهسسفك التراب يا دكتور علي ما تفرج أنت ....
دفع حسام هاشم بعيدا يحادثه بصوت خفيض هامس :
- معلش يا هاشم امشي أنت دلوقتي ... الراجل معذور ابنه راح وبعدين خاله تعب وبعدين والدته تتعب ... الموضوع صعب عليه .
نظر هاشم لزيدان مشفقا ليحرك رأسه إيجابا يرحل سريعا بينما توجه حسام ناحية صديقه حرك رأسه نفيا يأس من صديقه وأفعاله التي لا يحسبها عقل تنهد يسأله قلقا :
- الدكتورة لينا كويسة !!
تهاوي زيدان جالسا علي المقعد المجاور لحمزة تنهد بحرارة تكوي جوا قلبه ارتفع جانب فمه بابتسامة صغيرة ساخرة متألمة يسخر من حاله قبل الجميع :
- كويسة ؟!! ما حدش فينا كويس يا حسام ... عندها انهيار عصبي الدكاترة ادولها مهدئتات كتير ربنا يستر عليها ...
رفع وجهه لصديقه يسأله متلفها قلقا :
المهم طمني خالي ... خالي عامل ايه ...
ابتسم حسام في هدوء يحاول طمئنة صديقه جلس علي المقعد المجاور له يربت علي ساقه يردف في هدوء :
- الحمد لله عدت بخير ... هو بس مجهد ومحتاج يرتاح
شردت عيني زيدان في الآخر ابتسم متعبا ينظر لصديقه وكأنه يخبره مجهد فقط صدقا هو مستنزف ونحن جميعا ما استنزفنا قواه حتي سقط
في هدوء تحرك حمزة من جوارهم يأخذ طريقه لغرفة أخيه ... يسرع بخطواته يشعر بدموع ساخنة تغزو مقلتيه ... قلبه ينتفض دقاته تتصارع وكأن روحه تتمزق بلا رحمة ... شطر من روحه يتألم خامل منطفئ .... أسرع خطاه ليصل إلي غرفة أخيه ... فتح الباب سريعا يدخل إلي الغرفة وقف أمام الباب المغلق ينظر لأخيه متحسرا حزينا عينيه تسكب الدمع كأسا يشربه قلبه ... تحرك بخطي بطيئة ناحية فراش أخيه ... مع كل خطوة يخطوها يتذكر احدي مواقفهم معا
- جاهز ومستنيك يا دون
- النار اللي عندك مش نيران صديقة يا حمزة
- يا جدع أنت اخويا يا اهبل
- دوس يا عم وما يهمكش أنا في ضهرك
عند تلك الجملة الاخيرة كان يقف جوار فراش انهار علي ركبتيه يبكي كطفل صغير يمسك سد أخيه يتوسله من بين شهقاته :
- ما تكسرش ضهري يا خالد دا أنا من غيرك ابقي زي العيل الصغير ... قوم يا خالد وحياة لينا عندك ... ما ينفعش أنت تقع ... أنا عارف أنك زعلان مني عشان اتجوزت بدور لو عايزني اطلقها هطلقها ... بس أنت قوم ...
علقت الكلمات في فمه فجاءة حين شعر بحركة أصابع يد أخيه تتحرك حركة خفيفة داخل كف يده ... رفع وجهه سريعا ينظر لوجه اخيه متلهفا ليراه يحرك مقلتيه أسفل جفنيه المغلقين شئ فشئ بدأ يعود للدنيا من جديد ... فتح جفنيه ينظر حوله هنا وهناك ... اول ما لاحظه قناع التنفس الذي يغطي وجهه مد يده بصعوبة يحاول أزاحته من علي وجهه ليهتف حمزة متلهفا :
- ما تشيلوش يا خالد ....
تحرك بعينيه ناحية عينيه يعيطيه شبح ابتسامو صغيرة شاحبة أزاح القناع من فوق وجهه فتح فمه يهمس بنبرة ضعيفة متهالكة :
- زيدان فين
تحرك حمزة سريعا يكبس الزر المسؤول عن استدعاء الطبيب الخاص بالحالة عاد لأخيه يتمتم سريعا متلهفا :
- زيدان برة يا خالد كلنا هنا حواليك ... استريح أنت بس
ابتسم خالد ساخرا من تلهف أخيه المبالغ فيه الذي ذكره بأحد الممثلين في فيلم عربي قديم لا يتذكر اسمه الآن .... لحظات وامتلئت الغرفة طبيب وآخر وحسام ابنه ... وعدة ممرضات اخرجوا حمزة وشرعوا في فحص حالته .... لم يكن قلقا هو حقا لم يهتم بما أصابه ...بالعكس بل أحبه ساعات طويلة ارتاح فيها جسده من المشاكل ... يكفي أنه رأي زيدان ... والطفلين ابتسامة صغيرة نمت علي شفتيه ينظر لحسام لا يحيد بعينيه عنه ... كم يشعر بالفخر فقط ما أن ينظر إليه ... وقف هاشم جوار فراش خالد يتمتم مبتسما :
- الحمد لله عدت علي خير ... هتفضل معانا تحت الملاحظة لحد ما نطمن عليك ... حمد لله علي سلامتك
قطب جبينه قلقا ينظر للطبيب يقول بصوت خفيض مجهد قلق :
- لينا فين ... مراتي وبنتي فين
هنا جاء دور حسام نظر لوالده يطمأنه بنظراته يتمتم في هدوء :
- ما تقلقش حضرتك ... هما بخير وكويسين
نظر خالد لحسام في حذر يشك حقا فيما يقول ... أين لينا وماذا حدث لابنته وأين زيدان ...هو متأكد علي اتم ثقة أنهم ليسوا بخير كما يحاول أن يخبره حسام بعينيه ... ما كان عليه سوي أن ينتظر الي أن خلت الغرفة وخرج الأطباء ولم يبقي سوي حسام .. مد خالد يده يقبض علي رسغ ولده التفت له ليتمتم خالد بصوت خفيض متعب حانق :
- حسام .... أنا مش عيل صغير هتضحك عليا ... لينا واختك فين ... ما تقولش ما تقلقش هما كويسين ... هما فين
تنهد حسام يآسا من رأس أبيه الصلب ... تحرك من مكانه يقف جوار حافة الفراش امسك كف أبيه يقبله يتمتم مبتسما :
- يا بابا ما تقلقش والله هما كويسين ... لينا نايمة في الأوضة اللي جنبك علي طول ... ودكتورة لينا في قسم الطوارئ عندها انهيار عصبي وواخدة مهدئات
توسعت عيني خالد زعرا ليقبض علي يد ولده يتمتم مذعورا :
- أنت بتقول ايه ... لينا عندها انهيار عصبي ... اوعي أنا رايحلها
قبض حسام علي ذراعي والده يمنعه من النهوض من مكانه ... نظر خالد لحسام محتدا غاضبا خرجت صوته غاضبا رغم نبرته الضعيفة :
- انتي بتمسكني يا حسام أنت اتجننت ... سيب ايدي يا حيوان
حرك رأسه نفيا بعنف يجلس أمام والده يحجزه بجسده من أن يتحرك ابعد ذراعيه امام صدره يتمتم في صرامة :
- بص يا حج مع كامل احترامي ليك ولعصبيتك اللي أنا حافظها بس أنت مش هتتحرك من هنا ... دكتورة لينا زي الفل أنا لسه كنت عندها واطمنت عليها ... وأنت محتاج ترتاح ... فبالود كدة يا حج خليك مرتاح ...
نظر خالد لحسام حانقا يتوعد له ما أن يتعافي في تلك اللحظات دق الباب ودخل حمزة ومعه زيدان إلي الغرفة ... استند خالد علي ذراع حسام ينتصف جالسا وجه انظاره لهما يغمغم تعبا :
- لينا كويسة طمنوني عليها
حرك زيدان رأسه إيجابا ليبادر حمزة قائلا سريعا بتلهف :
- والله يا خالد بخير ارتاح أنت وهي لما تفوق وتعرف انك كويس هتجيلك ... في ممرضة معاها في الأوضة مش سيباها
حرك رأسه إيجابا يحاول إقناع قلبه المحتضر خوفا عليها أنها بخير كما يقولون .... التفت برأسه ناحية زيدان الذي يجلس علي المقعد المجاور لفراشه يغمغم معاتبا :
- استسلمت خلاص أنت تعرف أن كدة لينا عدتها سقطت ... وتقدر تتجوز معاذ الزفت دا من بكرة لو حبت ... أنا مش هفرض عليها حاجة تاني ... كان المفروض تحارب أنت أكتر من كدة
ابتسم زيدان متألما يحرك رأسه نفيا مسح وجهه بكفي يده رفع وجهه ينظر لخاله نظرات ضعيفة يغشاها الدموع يغمغم متعبا ممزقا :
- أنا تعبت يا خالي ... هفضل أحارب لحد أمتي ... من صغري بحارب .... هي رافضة تماما اي فرصة ... حتي الخيط الوحيد اللي كان بينا اتقطع ...
اطال خالد النظر لزيدان بلع لعابه الجاف يلتقط أنفاسه المتعبة يغمغم :
- الخيط اللي بينكوا ما اتقطعش يا زيدان ... لأن الخيط اللي بينكوا ما كنش الطفل ... الخيط اللي بينكوا قلبكوا اللي حبت .... قلبها هي اتجرح بسببك ...كان المفروض تداوي الجرح دا حتي لو خد أيام شهور ما تستلمش ... ايه قلبك تعب بالسرعة دي دا أنت لسه شباب حتي ...
حرك زيدان رأسه نفيا بعنف يتمتم متألما :
- أنت بتقول كدة من وجهه نظرك أنت ... من تجربتك مع ماما ... بس ماما حبيتك قدرت تسامحك كانت بتطبطب عليك في عز وجعك تطمنك ... بنتك لاء ... بنتك ما حبتنيش ... أنا كنت أناني عشان قررت طالما أنا حبيتها يبقي لازم هي كمان تحبني .... اذيتها من غير قصدي ... وخلاص يا خالي أنا هسيبها يمكن تلاقئ السعادة لما ابعد أنا ...
أراد خالد أن يضرب وتره الحساس ليحفزه أن يتحرك ابتسم يهمس بالتواء :
- يعني هتبقي مبسوط لما تبقي مع راجل غيرك
كلمة كانت كشرار نار الهب قلبه هب واقفا احمرت عينيه نفرت عروقه حرك رأسه نفيا يصيح بحرقة :
- لاء وأنت عارف أنه لاء ... بس أنا قربي منها بيعذبها أكتر ما بيعذبني ... أنا عندي أبعد واتعذب لوحدي ولا اني افضل جنبها وتتعذب بسببي ...
نظر حسام وحمزة لزيدان مشفقين بينما ادمعت عيني خالد ينظر لزيدان مشفقا علي حاله .... مد يده يربت علي الفراش جواره ليتقدم زيدان يجلس جواره مال خالد برأسه ناحية زيدان يهمس له بخفوت حزين :
- تعرف اني حلمت بأبوك
توسعت عيني زيدان في دهشة يوجه رأسه ناحية خاله ينظر له متلهفا ليبتسم خالد مجهدا يحرك رأسه إيجابا يتمتم في راحة :
- مش عارف دا حلم ولا تخاريف بس حقيقي كان واحشني اوي ... تعرف اداني طفلين وقالي انهم ولادك ... وقالي كمان خلي بالك جاسم مش ناويلي علي خير
قطب زيدان جبينه متعجبا مدهوشا ... حين اصطدمت سيارته في ذلك الحادث رأي هو الآخر أبيه ولكن في المرة السابقة أخذ طفله وغادر والآن خاله يخبره أنه رأي أبيه وتلك المرة أعطاه طفلين ... طفلين هل حقا سيرزق بطفلين أم أنها فقط مشاهد شكلها عقل خاله إثر صدمة ما حدث ... صدمة هو نفسه لن يتعافي منها قريبا .... قاطع شروده صوت حمزة يغمغم متعجبا بنبرة غاضبة :
- يعني ايه جاسم مش ناوليك علي خير هو بيفكر يأذيك تاني ولا تالت دا أنا ادفنه حي قبل ما يمس شعرة منك
ابتسم خالد ينظر لأخيه ضحك بخفوت يغمغم :
- هدي اعضائك يا دون ... جاسم كبيره يعكنن عليا طول ما هو هنا غير كدة ما يقدرش .. جاسم كبر بردوا و....
قاطعه حمزة يغمغم في اصرار :
- ولو بردوا لازم ناخد احتياطتنا جاسم دا تعبان ما يضمنش ... سيب الموضوع دا أنا هخلصه ....
________________
في منزل عثمان وسارين .... تركته في الغرفة وتوجهت الي المطبخ تشعر حقا بالجوع لم تأكل شيئا منذ الأمس تقريبا ... دخلت الي المطبخ الواسع تتوجه الي البراد فتحته لتتوسع عينيها في دهشة لما كل تلك الكميات الكبيرة من الطعام ... أخرجت بعض الأشياء تضعها علي الطاولة امسكت بضع حبات بيض وطبق به شرائح اللحم المجفف ( البسطرمة ) وقفت امام الموقد تطهو تلك الوجبة الخفيفة التي تحب ... تشعر حقا بشهية مفتوحة تسع لأكل الكثير ... يكفي سعادتها التي بدأت تشعر بها بالأمس .... تحبه ولا تخجل من قولها يكفي ما قاله لها بالأمس ...تنهدت تشرد عينيها تتمني حقا أن تبني معه أسرة قوية يتعلمان فيها من أخطاء عائلتهم ... انتفضت حين سمعت صوت صوته يقول من خلفها :
- البسطرمة هتتحرق ..
توسعت عينيها فزعا تنظر لقطع اللحم لتسرع بازاحتها من فوق الموقد ... وضعت يدها علي قلبها تحاول التقاط أنفاسها التفتت له تهتف معاتبة :
- حرام عليك يا عثمان خضتني
ضحك بخفة يغمزها بطرف يغمغم ضاحكا :
- اللي واخد عقلك كنتي بتفكري فيا صح
ارتسمت إبتسامة ناعمة علي شفتيها لتنحي قليلا تطوق عنقه بذراعيه تتمتم متدللة :
- إنت واخد قلبي مش عقلي بس يا صياد
تاهت عينيه في تفاصيل وجهها الناعمة تتقافز دقاته بعنف ما قالت ازدرد لعابه الذي تصحر فجاءة يغمغم بولة :
- الوعد اللي وعدتهولك مقوي قلبك ... لاء خدي بالك أنا لحم ودم وكرسي بعجل ...الكرسي ابو عجل لو جاب آخره أنا مش مسؤول ...
تعالت ضحكاتها لتبتعد عنه التفتت للمقود تكمل ما كانت تعمل بينما هو يجلس خلفها يشاهد ما تفعل مبتسما ... ابتسامة واسعة تشق شفتيه يراها تتحرك من هنا لهناك ... بخفة
تضع الطعام علي الطاولة ... رضت الكثير من أصناف الطعام علي طاولة المطبخ .... وقفت امامه تغمغم مبتسمة :
- يلا عشان نفطر
توسعت هو الآخر ابتسامته مد يده يجذبها برفق لتسقط علي ساقيه توسعت عينيها في دهشة .... شهقة فزعة خرجت من بين شفتيها ... ليلاعب هو حاجبيه مشاكسا يغمغم في خبث :
- ايه يا سيرو بوصلك يا قلبي
غزا وجهها حمرة قانية ليتحرك هو بمقعده متجها صوب طاولة الطعام ... انتفضت سريعا تجلس علي مقعدها .... تحاول إخفاء وجهها داخل طبقها تكاد تنصهر من الخجل ... بينما يبتسم هو في اتساع يشعر بالسعادة رغم كل ما حدث ... بات يشعر الآن بالسعادة ... سعادة اخذها من الرضي ... من أنه يستحق ما حدث ... بأن تلك هي فرصته الجديدة ليحي حياة نظيفة ... ما يقلقه حقا جلست العلاج الطبيعي كم هي شاقة عليه .... في بعض الأحيان يبكي بعد أن تنتهي جلسته ... هو لا يريد أن تراه بمثل ذلك الضعف المخزي ... اخرجه من شروده صوتها وهي تحمحم تهمس مرتبكة :
- صحيح ... جلسات علاجك هتبدأ أمتي
تنهد مقهورا يغمغم بخفوت متوتر :
- بعد اسبوع هترجع تاني
شعرت هي بتخبطه ... لبني والدته اخبرتها كم يعاني ... مدت يدها تمسك بكف يده ليرفع وجهه لها رأي ابتسامة جميلة تزين شفتيها يسمعها تغمغم في حنان :
- أنا معاك و جنبك ... لحد النهاية
ابتسم لها سعيدا كأنه طفل صغير وجد يد تحنو عليه ... في تلك اللحظات دق جرس الباب عدة مرات سريعة متتالية تلاه صوت عمر الذي يصيح حانقا :
- يا عثماااااااان ... إنت يالا افتح الباب بوليس ... قصدي حماك
تعالت ضحكاتهم لتتحرك سارين سريعا وهو خلفها توجهت تفتح الباب ليندفع عمر يعانق ابنته متلهفا عليها طوقها بذراعيه يضمها يغمغم
:
- حبيبة بابا من جوا ... مضلمة الدنيا يا سيرو ... شكلك خاسس .. ليه كدة ... الواد دا ما بيأكلكيش ....
ضحكت سارين بخفة عاليه لتشب قليلا تقبل وجنته ابيها تغمغم ضاحكة :
- يا بابا لحقت اخس في اقل من 24 ساعة
ضيق عمر عينيه ينظر لعثمان في شك يتمتم بثقة كأنه محقق ماهر :
- أنا اتوقع اي حاجة من الواد دا ... أنا شاكك اصلا انه بيمشي وبيشتغلنا ...
ضحكت تالا يآسه من أفعال زوجها التي لا تتغير ... أمسكت بيد ابنتها تجذبها للداخل بينما جلس عمر مع عثمان وسارة في غرفة الصالون .... ضحك عثمان رغما عنه مع نظرات عمر المتشككة نحوه ليردف من بين ضحكاته :
- في ايه يا عمي بتبصلي كدا ليه
رفع عمر حاجبه الأيسر مغتاظا زفر أنفاسه يتمتم حانقا :
- مش عارف عندي رغبة ملحة ... اني عايز اقوم الطشك بالقلم بنتي اللي عمرها ما اتأخرت ساعة برة البيت ... بايتة معاك في نفس الشقة وعادي يا بابا دا عثمان جوزها .... لاء هموت واقوم اضربك
ضحك عثمان عاليا يتخيل نفسه مكان عمر وحقا اراد فعلا أن يضرب نفسه الآن
__________________
في الحارة كان الوقت قبل غروب الشمس بقليل في منزل جدة أدهم يجلس علي فراشه يمد ساقيه يضع جهاز الكمبيوتر المحمول أمامه
يعمل عليه بخفة .... رفع وجهه بعد لحظات عن شاشة حاسبه ينظر للفراغ ترتسم ابتسامة صغيرة علي شفتيه ....منذ أيام وهو يباشر عمله عن طريق حاسبه إلي جانب عمله الآخر يقوم بتصميم البرامج والألعاب وبيعها ... وما فعله حقا ويندم عليه تقريبا ... هو الوحيد الذي كان يعرف رمز الأمان الخاص بتشفير الكاميرات في فيلا خالد السويسي ..... كان في أشد حالته شوقا لأن يراها ..... تغلب عليه شيطان عشقه وباتت كاميرات المنزل جميعا تحت سيطرته هو الآخر ... الكاميرات في كل مكان عدا غرف النوم .... بات يبحث عنها في أرجاء المكان يحاول أن يملح طيفها وهي تتحرك ... أسعد لحظاته حين تخرج من غرفتها وتجلس في الحديقة او في غرفة الصالون ... يظل يراقبها بشغف لن ينتهي ابداا ...
تحرك بأصابعه بخفة يفتح برنامج المحادثات بينهما ... ليظهر له حوارهما الأخير يوم زواج بدور وحمزة .... اخذ نفسا عميقا يتشجع يرسل لها :
- مايا
تحركت عينيه سريعا ناحية شاشة المراقبة ليراها تخرج من غرفتها تمشي في الممرات .. متوجهة إلي غرفة المعيشة جلست تفتح هاتفها ليصلها رسالته ارتسمت ابتسامة صغيرة علي شفتيها رآها هو جيدا .... ليدق قلبه لها لحظات واتاه الرد منها :
- نعم
حرك أصابعه علي لوح المفاتيح سريعا يرسل لها :
- أنتي كويسة أنا بس كنت حابب اطمن عليكي وعلي والدك
راقب رد فعلها من خلال شاشة المراقبة التي يقرب وجهها منه ليشبع شوقه منها ليري دمعات بسيطة تنزل من عينيها كور قبضته يشد عليها كم تمني في تلك اللحظات أن يكن هناك جوارها .... رآها تحرك أصابعها علي لوح المفاتيح انتظر بتلهف ما سترسل ليجدها ترسل له :
- آه كويسة كلنا كويسين شكرا لسؤالك
تلك المرة قلبه من كتب تلك الجملة التي لم يحسبها عقله ولو لثانية قبل أن يرسلها :
- اومال بتعيطي ليه
راقب عينيها التي توسعت في دهشة ما أن قرأت رسالته لترفع رأسها عن شاشة هاتفها تبحث حولها سريعا كيف يراها ...تلف رأسها هنا وهناك وقعت عينيها علي كاميرا المراقبة الصغيرة المثبتة علي أحدي الأسطح .... لتثبت عينيها عليها .... تنظر له مباشرة وهو لا يحيد بعينيه عنها ... لحظات طويلة وكأنهما التقيا كل منهما ينظر للآخر دون أن يراه حقا .... تسارعت أنفاسه حين وقعت عينيه علي مقلتيها ... التي تنظر لسطح الكاميرا ... رأي من شاشة المراقبة تلك السيدة يتذكر أن اسمها بدور تقرييا تقترب من مايا تضع يدها علي كتفها تسارعت قلقة :
- مالك يا مايا انتي كويسة يا حبيبتي
نظرت مايا لها عدة لحظات قبل أن تشيح بوجهها تغمغم بنبرة باهتة :
- ايوة كويسة .....عاوزة حاجة
ابتلعت بدور لعابها مرتبكة من معاملة مايا الجافة لها تنهدت حزينة تهمس لها بخفوت متوترة :
- انتي زعلانة مني ... عشان أنا وباباكي اتجوزنا
توسعت عيني أدهم في دهشة تلك السيدة هي عروس ابيه ... بينما ارتسمت ابتسامة ساخرة علي شفتي مايا تتمتم متهكمة :
- لا ابداا مبروك ... وانا هزعل ليه يعني ... دا حقكوا
ابتسمت بدور حزينة لتمد يدها تمسح علي شعر مايا برفق تردف مبتسمة بحنو :
- تعرفي أن شعرك حلو أوي ... ماشاء الله لتقولي بحسد
لم تبتسم مايا حتي ظلت توجه انظارها لهاتفه وجهت لها نظرة خاطفة تتمتم بإستياء :
- thanks
جلست بدور صامتة بضع لحظات تنظر لأسفل تحرك ساقها اليسري بحركة سريعة تعبر عن توترها ... رفعت وجهها فجاءة حين باغتها سؤال مايا :
- هو انتي ليه وافقتي تتجوزي بابا مع أنه أكبر منك بكتير ... انتي لسه صغيرة
انتظر أدهم بفضول أن يعرف اجابة السؤال ولكن قبل أن تنطق بدور بحرف واحد اسودت الشاشة امامه وبعث له حاسبه رسالة ان الكاميرا جميعها مغلقة ... قطب جبينه متعجبا ما يحدث ... حاول أن يعيد فتح الكاميرات بالاكواد التي معه ... ولكن باءت كل محاولاته بالفشل ... في تلك اللحظات وصل رسالة لهاتفه من رقم حمزة جملة واحدة
« لو حاولت تفتح الكاميرات تاني حسابك هيبقي معايا اسوء مما تتخيل »
تنهد أدهم متضايقا ... حمزة سيكرهه أكثر الآن ... بالطبع مايا من أخبرته ... كيف يخبره أنه فقط كان يشتاق إليها .... تنهد يزفر أنفاسه الحانقة ... حمزة لن يثق به ابدا بعد ما فعل ... هل سيصدق أن نيته لم تكن دنيئة ابداا ... صدق من قال أن للطريق للشر محفوف بالنوايا الطيبة
بينما علي قرب منه في الشارع أمام الدكان يجلس مراد كعادته لا شئ يفعله ... سوي الجلوس هناك يراقب الشارع ... المارة عامة والسيدات خاصة ... ينتظر بفارغ الصبر رسالة شاهيناز التي ستخبره فيها أنها نفذت ما طلب .. ليبدء هو بتنفيذ جزئه الخاص ... توسعت ابتسامته حين تذكر الرسالة التي بعثتها له بالأمس تخبره بأن العمل أتي ثماره الفاسدة وإن جاسر الآن بات رهن إشارة منها
اجفل من شروده علي حركة جواره ليجد جدته تخرج من المحل تحمل في يديها حقيبتان من البلاستك الاسود منتفخان حتي آخرهما وقف مراد أمامها ينظر للحقائب في يدها يغمغم ساخرا :
- ايه يا منيرة انتي قررتي خلاص تبيعي الدكان الخردة بتاعك دا وبتصفي البضاعة
تنهدت منيرة متحسرة علي حال حفيدها .... امتضعت ملامحها تنظر له حانقة تتمتم بإستياء :
- لاء يا مراد ريح نفسك مش هبيعه ... أنا رايحة للغلبانة روحية ... بقالها مدة طويلة ما خرجتش من بيتها وهتلاقي ما عندهاش لقمة ... منهم لله أهل الحارة لو البت دي جري ليها حاجة ذنبها في رقبتهم
لمعت مقلتيه ببريق أسود مخيف ...لما لا يلعب قليلا يمضي وقته الي أن تتم شاهيناز المطلوب ... مع لعبة صغيرة مثلها لن تجرؤ علي النطق بحرف .... توجه ناحية جدته سريعا يحمل عنها الحقائب يغمغم سريعا :
- عنك يا منيرة الشنط تقيلة عليكي وانتي عضمة كبيرة ضهرك يتقطم
نظرت منيرة له غاضبة كورت قبضتها تصدمه علي كتفه بعنف تتمتم حانقة :
- هو أنت لو قعدت محترم ساعة هتموت ... اتعلم من أدهم أخوك ... وبعدين ايه يا منيرة يا منيرة دي ... أنا بعديهالك بمزاجي ما تقولي يا ستي ولا يا جدتي حتي زي ما أدهم بيقول
قلب مراد عينيه ساخرا ارتفع جانب فمه بابتسامة لئيمة يتمتم مستهجنا :
- خلاص يا ستي ارتاحتي كدة يا ستي مبسوطة كدة يا ستي ... يلا يا منيرة ... الشنط تقيلة في ايدي انتي حاطة فيها ايه
تنهدت منيرة يآسه ألن ينصلح حاله ابدا ... سارت جواره متجهين الي المنزل في نهاية الشارع الطويل .... التفت منيرة برأسها ناحية مراد تحادثه برفق عله يستمع منها ولو مرة واحدة :
- مراد يا ابني .... أغني اغنياء الدنيا كلها لما يموت مش هيتدفن معاه جنية واحد من فلوسه ... صدقيني يا إبني ميزان الدنيا عادل ما خدش بياخد اقل من حقه .... اللي تشوفه معاه مال وجاه وتنبهر بيه ... بيبقي ناقص منه صحة راحة بال عُمر ... ما حدش بياخد كل حاجة في الدنيا ... صدقني يا ابني ارضي باللي في ايدك ربنا يزيدك ... ما تخليش الشيطان يحركك كأنك لعبة تنفذ شره ... عشان نفسك الأمارة بالسوء ... لو عملت حاجة او حاجات وحشة توب يا ابني واستغفر ربك ... مراد أنا بشوفك في أحلامي بأشكال وحشة أوي والعياذ بالله ...
تمنت حقا لو يلمس كلامها ولو وتر واحد في قلبه فيحسه علي التوبة ... ولكن قلب مراد الأسود كان كحائط سد يصد ما يحاول التسلل إليه انتظر الي أن انهي جدته كلامها كاملا ليلتفت لها برأسه ابتسم يتمتم مستهجنا :
- ايوة يعني اعمل ايه أنا دلوقتي ... اعيط واخدك بالحضن .... خليكي في حالك يا منيرة انتي مش هتيجي تتحاسبي مكاني ...
غامت عيني منيرة حزنا علي حاله لتتقدمه الي أحدي البيوت القديمة العتيقة صعد خلفها علي سلم البيت القديم المهتري .... الطابق الثالث الشقة المقابلة للسلم حفظ في ذهنه تلك المعلومات جيدا لأنه سيحتاج إليها قريبا ... قريبا جدااا ... دقت منيرة باب الشقة ليسمع صوت ضعيف مرتعش يهمس من خلف الباب :
- مممين ... مممين
هتفت منيرة سريعا تتلهف علي حال المسكينة :
- أنا ستك منيرة يا روحية افتحي يا بنتي
سمع صوت طرقات المفتاح واحدة تليها أخري وأخري وأخري ... لينتفح جزء صغير من الباب تقدمت جدته لتدخل وهو خلفها ... رآها ما أن دخل كان ترتدي جلباب بيتي قديم تخفي شعرها بحجاب كبير جسدها هزيل للغاية عينيها غائرة ... وجهها شاحب ... يبدو أنها لم تأكل منذ أيام ... شهقت منيرة مذعورة علي حال الفتاة تغمغم قلقة :
- ايه يا بنتي اللي انتي فيه دا هتموتي يا روحية ... مراد هات علبة عصير من عندك بسرعة
وضع الحقائب من يده ينتشل علبة عصير من احدي الحقائب يعطيها لجدته التي اسرعت في إسناد الفتاة لأقرب اريكة ترغمها علي شرب العصير بينما ظل هو يقف جوار الباب ... حانت منه التفاتة خاطفة ناحية الباب لتتوسع ابتسامته الخبيثة باب قديم ليس به مزلاج فقط مفتاح يتدلي في قفله ... مد يده سريعا ينتشل المفتاح يدسه في جيب سرواله ... ليعاود حمل الحقائب توجه للداخل يجلس علي الأريكة المقابلة لهم تتفرسها عينيه في صمت مخيف .... تلك الفتاة رغم كل ما سمعه عنها بها شئ نقي استطاع رؤيته جيدا ... شئ لن يدم طويلا فهو الآن يملك المفتاح !!! ... ربما فقط عليه تركها بضع أيام الي أن تتحسن صحتها وتأكل ما جلب هو بيديه ... قبل أن يزورها قريبا !!
_________________
وقفت تراقب أشعة الشمس وهي تغرب فوق سطح منزلهم الكبير تضع حبوب الغلال لطيور الحمام التي تعود لمسكنها ... تحتمي به من وحشة الليل ... تخاف من وحشه كما تفعل هي ... لا تعرف كيف يحب الناس الليل هو موحش مخيف مظلم ... اغمضت عينيها تشعر بالهواء لا تتنفسه .... كأنها تعلو تحلق كطير الحمام .... بلا قيد العادات .... حواجز التقليد ... الي خارج القطيع ترغب في الفرار ولكن كيف وهي لا تزال تلك الطفلة صاحبة الخامسة عشر ... كيف ستخبر أخيها انها أحبت وحين أحبت .... أحبت صديقه ... بالطبع سيغضب ... مراد كم اشتاقت له .... اخرجها فجاءة من شرودها الغير مكتمل .... صوت بغيض تكرهه يتمتم ساخرا :
- الإنسان طائر لا يطير زيه زي النعامة يعني لو فردتي دراعتك هتنزلي علي دماغك
كلامه كان يحمل الكثير من المعاني الباطنة التي لم تستشفها بعد ... التفتت برأسها له ...تنظر لذلك الوسيم البغيض ....ابن عمها تكرهه أكثر مما يظن أنها تفعل .... كتفت ذراعيها أمام صدرها تتمتم ساخرة :
- والله أنا حرة أنت مالك ومالي شاغل بالك بيا ... اطير اقع ... أنا حرة ...
أعطاها ابتسامة كبيرة باردة امسك احدي طيور الحمام يرفعها بين يديه امام وجهها يتمتم ساخرا :
- يعني احنا مثلا لو رمينا الحمامة دي لفوق كدة هطير
دفع الحمامة برفق ناحية السماء لتفرد جناحيها تحلق في الفضاء .... عاد ينظر إليها يبتسم في خبث يتمتم ساخرا :
- تخيلي بقي لو رمانكي انتي كدة
اقتربت يمسك ذراعيها لتتوسع عينيها في صدمة دفعته بعيدا غاضبة تتمتم محتدة :
- أنت قليل الأدب
رفعت يدها تود صفعه ليمسك يدها سريعا قبل أن تصل لوجهه قبض علي كف يدها يرفض تركه وهي تحاول سحبه بعنف بعيدا عنه لترتسم ابتسامة لئيمة علي شفتيه يتمتم في ساخرا :
- خديها مني نصيحة اياكي ترفعي ايدك علي محامي وخصوصا لو خبير ... بدل ما تقضي باقي عمرك في المحاكم ...
ترك كفها يعطيها ابتسامة واسعة ليتركها ويغادر بينما وقفت هي تنظر في أثره حانقة تكاد تتميز من الغيظ
_________________
عودة لمستشفي الحياة .... في احدي غرف الممرضات ... التفت إحداهن لزميلتها تتمتم قلقة :
- بس يا ستي أنا سمعت في الأوضة وأنا عارفة انها فاضية ... فتحت الباب اشوف في ايه ... لقيت دكتور حسام حاضن بنت الدكتورة لينا علي السرير وكان بيبوسها ولولا اني دخلت يا عالم كانوا هيعملوا ايه تاني
توسعت عيني الممرضة الأخري في دهشة مصت شفتيها تتمتم حانقة :
- شوفي يا اختي البت البجحة دي لسه مسقطة ... تقوم تخون جوزها بعدها كدة علي طول ... بقي دي بنت الدكتورة لينا ... طب وحصل ايه
تنهد الممرضة قلقة تتمتم متلعثمة :
- دكتور حسام زعقلي وطردني من الأوضة وقالي حسابك مع شؤون العاملين ... أنا خايفة اني اتطرد ولا يتخصملي
اقتربت الممرضة الاخري من زميلتها تهمس جوار اذنيها بصوت خفيض :
- أنا لو منك اروح اقول للدكتورة لينا ... اهو منها تعرف عمايل المحروسة بنتها .... ودكتور حسام مش هيبقي ليه عين ... دي اكيد هتطرده ... او هيتحبس دا جوزها رتبة كبيرة اوي في الداخلية
ابتلعت الممرضة ريهام لعابها قلقة هل تستمع لكلام صديقتها وتذهب لأخبار لينا ... ام تصمت وتنتظر جزائها .... ولما هي من تنتظر الجزاء ليست هي من أخطأت علي كل حال ... حركت رأسها إيجابا وقفت تنظر لصديقتها تتمتم سريعا :
- عندك حق ... أنا هروح اقول للدكتورة لينا واهو بردوا ابقئ خليت ذمتي قدام ربنا ...
قالت ما قالت ... لتغادر غرفة الممرضات تبحث عن لينا ....
بينما في غرفة لينا السويسي .... كانت بين الوعي واللاوعي تحرك رأسها للجانبين تشعر برأسها يلتف بعنف رأت ظل طويل يقف أمامها عينيها مشوشة لا تري ملامحه جل ما رأته أنه يمسك في يده حبل كبير !!!!
________________