رواية دكان الغمراوى الفصل الرابع بقلم كريم محمد
من أول لحظة قرر فيها سليم يدور ورا المرايا، وهو حاسس إنه بيحفر في قبره بإيده، بس مكنش قدامه أي اختيار تاني، يا إما يواجه اللعنة اللي بتاكل روحه يوم ورا التاني، يا إما يسيبها تقضى عليه وهو واقف محتار مش عارف يعمل ايه وسط صمته وخوفه وعجزه، كان محتاج يعرف الحقيقة، يعرف أصل الحاجة اللي دخلت حياته فجأة وخلت النوم يبقى كابوس وقلبت حياته جحيم.
بدأ من المكان اللي جاب منه المرايا، رجع لنفس الحارة الضلمة اللي كان فيها الدكان، نفس الريحة القديمة في الهوا، نفس التراب والرطوبة اللي بتحسسك إنك ماشي جوه مقبرة، بس لما وقف قدام المكان اللي لقى فيه الدكان، لقى المكان فاضي، في حيطة مبنية، الأرض مفيهاش أي علامة، كأن مفيش ولا مسمار اتحط هنا في يوم من الأيام، لا يافطة، ولا باب، ولا خشب مكسور بيت عادي.
وقف مكانه مذهول، بيبص حواليه، مش مصدق عينه، الحارة لسه هي، مغلطش فيها هو متأكد بس الدكان اختفى كأن الأرض بلعته، أو كأنه مكنش موجود أصلاً، وبدأ يسأل اللي معديين، الناس بتبصله باستغراب، في اللي بيقولوا أنه غلط في المكان وفي اللي بيرد عليه بكلام بيزيد التوهة، واحد بيقوله
- مفيش هنا من ساعة ما أتولدت أي دكاكين.
وواحد تاني بيقوله
- انت شكلك تايه وجيت مكان غلط هو قالك فين في شبرا.
بس اللي خلاه تعب أكتر كان راجل قاعد على الرصيف، هدومه مقطعة وعينه بيضا مفيهاش بؤبؤ، باين عليه شبه أعمى، لكنه كان باصص له كأنه شايفه، وقال بصوت واطي كأنه كاتم الصوت جواه بقاله كتير
- هو إنت شوفت المرايا..!؟
سليم مكنش مصدق اللي بيسمعه وقلبه وقع في رجله، قرب من الراجل وهو مش قادر يرمش، وقاله بصوت مرتعش
- إنت تعرفها؟ تعرف حاجة عنها..؟
والراجل ضحك ضحكة بسيطة، وقاله
- المرايا دي مش بتظهر لأي حد، دي كانت محبوسة في مكان مفيهوش ناس ولا بيدخله شمس، واللي يلمسها بيتفتحله باب، بس مش أي باب .. باب لو دخلته، مش هتعرف ترجع.
سليم قعد جنبه، وقاله بصوت مكسور
أنا حياتي اتدمرت من يوم ما لمستها، أنا مبقتش أنا، حتي انعكاسي فيها مش هو انعكاسي، الكوابيس بتصحيني كل يوم، ونفسيتي بتدمر، أنا مش عارف أنا بقيت مين ولا بعمل ايه حتي مبقاش عندي اي احساس بالزمن
الراجل سكت ثواني وقاله
- ما هو ده تمن جشعك وفضولك .. الفضول يا سليم ممكن يموت صاحبه إوعى تفتكر إنك دخلت، انت لسه على العتبة ولسه اللي جاي أصعب.
سليم كان في صوت جواه بيقوله
امشي وسيبه متكملش معاه ده هيغرقك أكتر وأكيد بيقولك أي كلام عشان يضللك بيه متخليش الفضول يعمي عنيك بس من غير ما يتحكم في نفسه سأله
- هي المرايا دي جت منين؟ ولا إيه أصلها؟ وبعدين مين الغمراوي ده اللي كان أسمه علي الدكان..؟
الراجل قاله
- الغمراوي مكنش تاجر، ولا راجل عادي، الغمراوي كان ساحر آخر ساحر في عيلته كلها، كان ليجمع القطع النادرة والتاريخية وكان بيجرب يربط الأرواح في الحاجات اللي بيجبها، المرايا دي كانت آخر حاجه جابها آخر تجربة، ساب فيها سر عمره كله، وربط فيها روحه علشان يفضل موجود.
سليم اتخض من كلامه
- يعني اللي في المرايا يبقي…
الراجل قاطعه وقال
- اه يبقي هو
وسكت، وكأنه بيقول له خلي بالك اللعبة لسه بتبتدي.
رجع سليم بيته، وهو مش عارف هو صاحي ولا بيحلم، فضل حاطط دماغه علي المخدة لحد أما نام بالعافية، بس دخل جوه الحلم بسرعة، المرايا قدامه، والانعكاس بيضحك، بس الضحكة بقت بصوت .. صوت واضح لشخص صوته تخين بيقوله
- ازيك يا سليم، أنا استنيتك كتير
فجأة حس بجسمه بيتسحب لتحت، مش في ميه، لا كان بيغرق في أزاز المرايا، وكل ما يحاول يصرخ، الصوت يرد عليه من جوه المرايا
أنت اللي جيت الطمع والجشع والفضول عماك
صحى مفزوع قلبه هينفجر، بس وهو بيقوم من على السرير، حس بألم في إيده، بص لقاها فيها خدش بصيت كأن في إزاز خربش جلده، فيه دم نازل منها، وبص الناحية التانية السرير لقي المرايا في الركن اللي جمبه..!!
بس بقي في حاجه غريبة المرايا بقي عليها طبقة بخار على السطح زي النفس، كأن حد كان بيتنفس في وشها
وسليم وقف مش قادر يخرج نفس ولا مستوعب.