![]() |
رواية احلام ما بعد البرميل الفصل الرابع 4 بقلم بسنت محمد
زادت حدة الأمطار قليلاً ليقترب الثلاثة رفاق من بعضهم البعض، بدأ كلاً منهم يشعر بالبرد الحقيقي، لينظروا إلى من أمامهم، فكانوا مثل هيئتهم، لا يبدو عليهم سوى البرد القارس.
-هو مينفعش ننزل مع اللى تحت ؟
-لا علشان العدد تحت كبير .
-يعنى يا سالم والعدد هنا قليل؟
-بس توزعنا على المركب كده مظبوط.
قالها أحمد ليرد عبد الرحمن:
-طيب أنا هروح أشوف حاجة بلاستيك نحطها فوقنا تحمينا شوية من المطر ده.
كان يتحرك عبد الرحمن بصعوبة بسبب الأشخاص المتكدسين وبسبب الأمطار التى تزداد وتيرتها .
ليقترب أحمد من سالم قليلاً محاولاً أستمداد الدفىء قليلاً منه .
فيتحدث سالم :
-تفتكر هتعدى على خير؟ تفتكر هنوصل؟
-قول إن شاء الله، اللى ربنا عايزه هيكون إن شاء الله.
عاد عبدالرحمن بعد أن حصل على مبتغاه، فقد أحضر قعطة جلدية تكفي ثلاثتهم ليجلسوا تحتها.
-نفسي أفهم جبت دى منين؟
-والله يا أحمد يا حبيبي دى قدرات وأنت متقدرش تتصرف.
ليردف سالم :
-حصل.
ضحك عبدالرحمن ثم أردف:
-فاكرين لما كنا بنعوم مع بعض وكان حلمنا نعدى البرميل بتاع الحد المسموح به فى العوم.
رد أحمد بتساؤل:
-اه فاكر، بتسأل ليه ؟
-أصلنا دلوقت أخدنا أحلامنا كلها وعدينا بيها بعد البرميل.
أكمل ضحكه ليشاركه فيه رفيقيه.
تذكر سالم يوم ظهور نتيجة البكالوريوس، فقد كان مطمئناً أنه سيحصل على نفس التقدير، ف حضر معه والده إلى الجامعة ليطمئن عليه.
خرج منافسه من مكتب والده بإبتسامة صفراء أثارت الريبة فى قلب سالم، شعر بالقلق لوهلة ثم أكمل طريقه ليرى نتيجته "سالم محمد سلامه" تقدير"مقبول"
صدمة قوية على الجميع، ف سالم شاب طموح محبوب من الجميع، غير أن الكل كان يتوقع تعينه فى الجامعة كمعيد، لكن ما هذا التقدير؟ هذا أبعد ما يكون عن الخيال .
نظر والده إليه مندهش مما يرى.
-يعنى إيه؟ مقبول إزاى يا سالم؟ مش قولتلى أنك حليت كويس؟
نظر سالم بصدمة لما يراه غير قادراً على الرد، ليسمع صوت والده مرة أخرى .
-أنت سامعنى يابنى ؟
-أنا مش عارف إيه ده ؟ ده مش تقديرى يا بابا والله ما تقديرى .
ألتفت إلى زملائه يتحدث بدون وعى .
-أنتوا عارفين أن ده مش تقديرى صح؟
أقترب منه أحمد مهدئاً إياه.
-إهدا يا سالم، أكيد فى حاجة غلط، تعالى نسأل فى الكنترول أو نطلع للعميد .
أقترب زميل أخر .
-دا مش تقديرك يا سالم، كلنا عارفين مستواك وأنت اللى كنت بتذاكرلنا وبتشرحلنا اللى مش فاهمينه .
تحرك الجميع بإتجاه مكتب العميد ودخلوا بعد أستأذان.
-خير؟ إيه الدوشة دى؟
قالها العميد بعد دخول الكثير من الطلبة برفقة سالم ووالده.
-يا دكتور النتيجة بتاعة سالم مش بتاعته ولا مستواه وأكيد فى حاجة غلط .
-تقصد إيه يا أستاذ؟ لو عندكم مشكلة قدموا تظلم.
-بس حتى لو قدم تظلم يا دكتور ده هيبقي مشكلة علشان تقديره السنين اللى فاتت بتقول أنه أحق واحد يتعين فى الجامعة لكن كده هيبقي فيه مشكلة .
دخل منافسه ابن العميد ليجلس أمام والده على المكتب، لم يخفى على الكل نظرته المتشفيه لسالم، ليتحدث أحمد بغيظ.
-عارف إيه الغريب يا دكتور، إن أسامة اللى مكانش بيحضر أغلب المحاضرات ولا بيقدم شيتات ولا كويزات ياخد درجاته كاملة ويجيب أمتياز وسالم اللى مكانش بيسيب كل ده وبالعكس كل الدكاترة بتشهد بنبوغه يجيب مقبول؟
أنتفض العميد واقفاً يصيح بصوت مرتفع.
-تقصد إيه من كلامك ده يا أستاذ؟
ليتحدث أحمد مرة أخرى :
-أقصد أن دى مش درجة سالم وأحنا هنعمل تظلم وهنراجع أوراقه.
-أتفضل أعمل اللى أنت عايزه وأعلى ما فى خيلك أركبه، أطلعوا برة كلكم، يلا.
خرج الجميع من المكتب بعد أن تيقنوا أن هناك شىء خاطىء.
-متزعلش يا سالم، ان شاء الله تعمل تظلم والحقيقة تبان .
قالها أحد زملائه محاولاً مواساته بعدها أنفض الجمع وظل أحمد مع سالم ووالده .
شعر سالم بالأنكسار وبالهزيمة، رأى أحلامه كلها أصبحت سراب، أحساس الضياع الذى سيطر عليه وملأ أركان فؤاده، كيف حدث ذلك وهو المجتهد الذى أفنى أربعة أعوام فى الجد والأجتهاد كى يصل إلى مكانه مرموقة بعد التخرج، قلب ينزف حسرة على حلم بات مستحيلاً
أقترب منه والده يربت على كتفه، بالرغم من أن حالته لا تقل عن حالة ابنه، لكنه حاول تهدئته بعد أن رأى ما يمر به .
-متزعلش يا حبيبي، بكرة ربنا يكرمك ويعوضك، وان شاء الله التظلم يتقبل وتنول اللى بتتمناه.
بمجرد أن سمع صوت والده نزلت دموعه بدون وعى منه، رفع عينيه عن الأرض قليلاً ليجد ابن العميد ماراً أمامه ينظر إليه نفس نظرة التشفى ثم ضحك بصوت مرتفع مع أصحابه.
لم يحتمل سالم الأمر هذه المرة، فقام مسرعاً ليفرغ فيه جم غضبه، حاول الجميع فض الأشتباك لكن غضب سالم لم يكن ليسيطر عليه بسهولة، حتى أحمد بائت محاولات تهدئته بالفشل، إلى أن وقع والد سالم على الأرض أثر محاولته لتهدئة ابنه.
هنا، وأخيراً، ابتعد سالم عن الأخر حاضناً والده.
أتى أمن الجامعة مسرعاً ليأخذوا سالم عنوة إلى غرفة الأمن .
بعدها حضر العميد بصحبة بعض الأساتذة والموظفين، ف كان وجه ابنه ممتلىء بالكدمات .
-أنا هسجنك يا حيوان، أنا هضيع مستقبلك، بقى أنت تعمل فى ابنى كده ؟
كان ينظر إليه سالم بنفس نظرة الغضب، فلم يخرج من تأثيرها بعد.
-هتضيع مستقبله أكتر من كده إيه يا بيه؟ حسبي الله ونعم الوكيل فى الظالم .
-أنت بتحسبن فيا كمان، أنا هوديه فى داهية علشان يحرم يتطاول على أسياده .
ضوء برق قوى أضاء المكان حولهم أعادت سالم من ذكرياته، ليرتجف قلبه خوفاً من البحر الهائج قليلاً حولهم .