رواية وميض الحب الفصل الثانى و الخمسون بقلم لولى سامى
كأنَّ الأماني تلوحُ قريبةً،
تداعبُ قلبي كطيفِ الرجاءِ،
أشمُّ عبيرَ الوصولِ إليها،
كأنّي على بُعدِ نبضٍ وماءِ.
ولكنّ في العمقِ سرّ الحقيقة،
فما كلُّ ما نرتجيهِ يُنالْ،
وقد تأتي الغاياتُ في ثوبِ حكمة،
فنحمدُ ما لم يجيءْ… على الحالْ.
#عبدالله_يمنى
#بقلمي_لولي_سامي
اخيرا وصل لفراشه ليلقي عليه هموم اليوم ويرتمي بجسده متأملا بغد افضل .
امسك بهاتفه ليراسل معشوقته قبل أن يغفو .
فتح تطبيق الرسائل لتقعةعينيه على الرسالة التي صدحت وهو على الدرج …
تفقد رقمها جيدا لعله يعرفه ولكنه وجد أنه رقم لم يكن مسجلا لديه أو يعرفه من الأساس …
كما أنه لم يظهر منها سوى تحية الإسلام.
فتح الرسالة على أمل نعرفة راسلها فإذا به يجد ملف مسجل باسم ( نتيجة تحاليل مدام دعاء)
خفق قلبه رعبا وتردد في فتح الملف ….
امسك قبضة يده وهو يقرر عدم فتحه وإرساله للطبيب المختص مباشرة .
بالفعل تم إعادة توجيهه وظل يتابع الرسالة حتى تأكد من أن الطبيب قد استلمها …
اغلق الهاتف نهائيا وسريعا وتمدد على الفراش ساحبا الغطاء فوقه مدعيا النوم للحظات ….
إلا أن عقله أبى ذلك برغم جهد جسده .
اعتدل بجلسته ونفض عنه الغطاء مقررا المواجهة وعدم الانسحاب فبالنهاية سيؤول الأمر له آجلا أو عاجلا.
امسك بهاتفه وفتحه ينتظر اتصال الهاتف بشبكة الإنترنت والتي استغرقت لحظات مرت عليه كالدهر الطويل .
اخيرا أطلق هاتفه صفيرا يدل على استقباله لرسائل عدة .
انتبه له باحثا عن رسالة الطبيب ليجدها عبارة عن رسالة صوتية ويجب أن يفتحها حتى يعلم فحواها.
فتح الرسالة ليستمع إلى ما لا يحمد عقباه ( للأسف يا استاذ عبدالله توقعي طلع صحيح .
مدام دعاء بالفعل مريضة بالجزام وللاسف في مرحلة متقدمة ولازم نلحقها قبل ما الموضوع يتطور اكتر من كدة .
لأنها للأسف مش هتقدر تتقبل شكلها فيما بعد)
عم الصمت لحظات وكأن الزمن قد توقف كما توقف عقل عبدالله عن التفكير .
اخذ يردد بخاطره / ما الحل وكيف السبيل للخروج من هذا المأزق ؟؟
وكأنه كان يتحدث بصوت عال لدرجة أنه وصل للطبيب ليصدح هاتفه بوصول رساله أخرى جديدة .
فتحها مسرعا لعله اخطأ في تقديره إلا أن الرسالة كانت تحمل عكس ذلك وتأكيد لما سبق ذكره ( نسيت اقولك يا استاذ عبدالله أن ضروري نودع مدام دعاء في مستعمرة الجذام علشان تتلقى العلاج المظبوط….
لانكم مش هتقدروا تتعاملوا معاها بالشكل الصحيح ،
بالإضافة أن هناك هتبعد عن مواجهة الناس والضغوط النفسية اللي هتقابلها ….
مع تغير وشها أو بعض في أجزاء جسمها …
طبعا ده اقتراح ومتروك لحضرتك القرار المناسب )
وكأن الله أعطاه المعضله وأهداه الحل بنفس اللحظه ( إن مع العسر يسر)
انتهى من استماع الرسالة الصوتيه ليجلس مبهوتا وكأنه على رأسه الطير لا يستطيع اتخاذ قرار كهذا بمفرده .
نهض من فراشه مقررا طرح الموضوع على دعاء إلا أنه توقف على باب شقته خوفا من رد فعلها الغير متوازنة بالأونة الأخيرة .
جلس بمقعد بالردهة ليحسب كل تتابعات القرار ليصل اخيرا أن لا خيار امامه سوى إيداعها في هذه المستعمرة ..
فلم يعد هناك من يتابعها ويهتم بمرضها ..
فيكفي عليه والدته واخته سمر ..
بالإضافة إلى أن سلوكها بالأونة الأخيرة غير مسؤول ولا احد يستطيع التعامل معها أو التنبأ بمخطتتها …
مسح على وجه بارهاق يجتاح روحه وجسده وأرسل للطبيب قراره النهائي بإعداد تصريح إيداعها بالمستعمرة وإبلاغه بالموعد النهائي…
أطلق زفيرا يحمل فيه أطنان من الهموم ليطلقها للفضاء لعله يسع لما لا يسع به صدره ….
*****************
نثرت الشمس أشعتها لينقشع ظلام الليل بعتمته ويحل الصباح بنوره بأحداث قد تبدل الهموم لافراح والشجن لغبطة والغم لبهجة…
استعدت سعيدة منذ الصباح الباكر ليومهم الشاق آمله أن تنهي اليوم على خير …
إلا أن يمنى ويسرا كان لهم رؤية مختلفة فمنهم من ترى أنه يوم يحمل مشاعر متناقضة ما بين ذكريات حزينة ترجو نسيانها ومستقبل ترجو تحقيقه …
بينما يسرا كانت تأمل أن ينصفها القدر ويعطي للحظ فرصة لتنعم بملاقاة الحبيب لعلها تشد من أذره وتضاعف عزمه .
………………. ………….
برغم انه قد خضع للنوم بوقت متأخر إلا أنه مع بزوغ الشمس ووصول أشعتها إلى محياه بزغت طاقته معها وكأنها أطلقت سهامها لتوقظه من غفلته السابقة …
انتفض عبدالله من فراشه يعد حاله لملاقاة حبيبته وتؤام روحه …
يتمنى أن يحقق كل مخططاته لهذا اليوم ….
شعر بانتعاش ونشاط غريب لم يشعر به منذ زمن….
هَمَّ بالدلوف للمرحاض للاستمتاع بحمام دافئا يعمل على زيادة نشاطه وحيويته ..
بدأ بتهذيب لحيته التي نمت بصورة عشوائية لتصبح الان اجمل وافضل ….
نثر عطره التي كانت تعشقه بكثرة وهو يدندن ببعض أغانيها ….
بدأت ذكرياتهم تتهادى على عقله ليبتسم ما بين اللحظة والثانية …
توجه مسرعا لغرفتهم لينظمها برغم علمه بأنهم قادمون لقلبها رأسا على عقب ….
وضع كل شيء بمكانه التي تحب هي أن تراه فيه ….
اخرج قميص زفافهم لعله يداعب ذكرياتهم بمخيلتها …
نظر للقميص وهو يسترجع ذكريات ليلتهم الاولى ..
كم كانت خجلة ، جميلة ،بكر في عطاءها ، معطاءه في مشاعرها …
كاد أن يسرقه الوقت وهو يتأمل ويتذكر ليهم مسرعا بارتداء افضل ثيابه بل أبهى ثيابه ..
وما ابهاه سوى ما كان اختيارها ليخرج قميصا وسرولا كان من اختيارها …
ارتدى ملابسه ونثر مرة أخرى من عطره الفواح واخيرا ارتدى ساعته تزامنا مع صدوح جرس البناية بالاسفل …
انطلق مسرعا نحو الشرفة فإذا به يرى سعيدة تقف وخلفها من سرقت لُب قلبه وبجوارها اختها…
اراد طمأنتهم قبل أن يتوجه لهم وربما ارتعب من فكرة انصرافهم / نورتي يا حاجة سعيدة أنا نازل حالا …
برغم استماعها لجرس المنزل إلا أنها لم تحرك ساكنا ….
استمعت لصوته من أعلى لتتشدق بشفتيها معلقة بسخرية / ناقص يرمي نفسه من فوق علشان يلحقها ….
فتح الباب بملامح مبتهجة وأخذ يرحب بقدومهم المحبب لنفسه / اتفضلوا اتفضلوا …
البيت نور بقدومكم والله….
والقلب رفرف برؤياكم ….
نطق باخر جملته بصوت هامس بجوار أذنها وهي تعبر من أمامه ….
ابتسمت وجنتيها وقلبها معا …
تقدمهم باتجاه السلم وكأنه يتعجل صعودهم / اتفضلوا بيتكوا ومطرحكوا …
طوال صعوده أمامهم لم يكتفي بعبارة ترحيب واحدة بل ظل يردد كل عبارات الترحيب والتهليل بقدومهم …
وصل اخيرا للشقة وفتحها ليتقدم للداخل فتبعته سعيدة يليها يسرا إلا أن يمنى توقفت على عتبة الباب مغمضة العينين وكأن بعض الذكريات السيئة قد انتابتها مجددا….
لم يلاحظها أحدا سواه ليقترب منها محتضنا كفيها محاولا بث الطمأنينة بقلبها / متخافيش أنا معاكي ….
فتحت عيونها ليرى تغلغل الدموع بها …
نظرت بعيونه وهي تلقي جملة لوم وعتاب / كنت برضو ساعتها فاكراك معايا …
شعر بخنجر يندس بقلبه حينما ذكرته بخيانة أخيه له وبلاهته ليرفع كفيها لمستوى فمه ويقبلها مقدما لها اعتذاره الكامل / مش عارف اقول غير حقك عليا وان ربنا اخدلك حقك قبليا …
خرج زفيرها مرتعشا قليلا نتيجة لاختلاج مشاعرها إلا أنها شجعت نفسها على الأقدام لتنهي هذا الأمر وتقضي على هذه المشاعر السيئة بداخلها.
مازال يقف أمامها يرتوي من ملامحها التي اشتاق اليها لتلاحظ هي نظرته المشتاقة فيتبدل حالها تماما من غاضبة لخجلة ..
سحبت نفسا عميقا علها تخرج من سيطرة نظراته إلا أن عطره اجتاح خلاياها كلها لتغمض عيونها مجددا ساحبة نفسا آخر أكثر عمقا بغرض الامتلاء والتشيع من عطره التي اشتاقت إليه …
لاحظ انخراطها في عالم الاحلام والذكريات ليقترب هامسا بأذنها بكلمة معبرة عن مكنونات صدره كما أيقظت كل المشاعر الفياضة بداخلها / وحشتيني .
كادت أن تجيبه بما يربح قلبه إلا أن سعيدة أدركت خلو الشقة من يمنى وعبدالله…
خاصة عندما رأت قميص ابنتها على فراشها لتلتفت عائدة للخارج، فإذا بهم يقفون امامها ولكنهم بعالمهم الخاص ، من يراهم يعتقد أنهم بهالة خاصة بهم …
نادت سعيدة على ابنتها بغرض افاقتها من حلمها على الحقيقة الحالية / ايدك معانا يا يمنى علشان نخلص بدري يا حبيبتي…
بصوت حازم ولهجة صارمة تكاد تخرج من اسفل أسنانها تحدثت سعيدة لتنتبه يمنى وعبدالله على حالهم ..
حاول إجلاء حنجرته فتحمحم قائلا وكأنه كان يحدثها / أنا هعدي على الشغل بسرعة وبعدين هروح اجيب والدتي….
وراجع لكم أن شاء الله، لو احتاجتوا اي حاجة اتصلوا عليا بس وبلغوني وان شاء الله مش هتاخر عليكم …
وكأنه أراد إبلاغهم بمخطط يومه ربما ليطمئن قلب حبيبته أنه لن يتأخر عليها وربما ليطمئنواو
جمبعهم أنه سيذلل لهم كل العواقب كما وعدهم بالأمس .
نطق بحديثه وانطلق لوجهته لتسحب سعيدة ابنتها للداخل ويبدأون في يومهم الشاق …
……………………
هبط عبدالله للاسفل ليستلم من هند وجبة إفطار أخته كما هو معتاد ويقدمها لها ثم عاد ثانية لهند ليعلمها بانطلاقه نحو والدته حتى تستعد لاستقبالها وتعد المنزل لعودتها .
أظهرت هند سعادتها المصطنعة والتي لم تخفى على عبدالله ليغلق عيونه متمتما لحاله / كله في ميعاده ….
ثم انطلق لوجهته ….
بينما هند بدأت تعد حالها في ذات الوقت …
توجهت لغرفة سمر لتوقظها بملامح قلقة وبأسلوب مضطرب…
انتفضت سمر تتساءل عما بها لتدون لها وهي توزع نظرات الرعب ما بين ما تدونه ووجهها حتى انتقل الهلع لملامحها….
ملأها الخوف وهي تنتظر ما تدونه هند لتقرأ بتوجس / خايفة عليكي يا سمر والدتك راجعة دلوقتي وخائفة متعرفش تتعامل معاكي وتفتكرك بتطنشيها ….
بملامح خادعة استطاعت أن تتقن دور البراءة لتنظر لها سمر ثم تكمل قراءة ما دونته تلك الماكرة / انا بصراحة فرحانة اوي برجوعها بس في نفس الوقت خايفة عليكي ….
بدأ الذعر يتسرب لقلب سمر لتنظر بداخل عيون هند تتساءل بحيرة / طب وبعدين هعمل ايه ؟؟
اخذت هند تقلب نظراتها يمينا ويسارا وكأنها تبحث عن حل المعضلة ثم اجابتها اخيرا بما يتماشى مع مخططاتها الشيطاني لتدون لها ما جال بخاطرها / بصي ملكيش دعوة بيها خالص ومتدخليش عندها اصلا ولو سالتني عنك هقولها تعبانة وراقدة ….
ماهي مش هتصدق انك تعبانة وهي شايفاكي قدامها حلوة وزي الفل كدة …..
قرأت سمر اقتراح هند لتنظر لها بحيرة / يعني حتى مطمنش عليها ، دي وحشتني اوي …
ربتت على كتفها وهي تقول ما لا تريد أن تسمعه / ما لازم يا حبيبتي افصل بينكم علشان اعرف انفذ اللي في دماغي …
عقدت سمر ما بين حاجبيها وهي تحاول استشفاف الحوار من بين شفتيها متسائلة / انتي بتقولي ايه يا هند أنا مسمعتش حاجة …
ابتسمت هند ثم أمسكت بالدفتر تدون لها / كنت بقولك معلش يا حبيبتي لما تنام هبقى ادخلك تشوفيها وتطمني عليها …
هدأت سمر قليلا من اقتراح هند ولا تعرف انها تتلاعب بها وبمرضها ….
تركتها هند لتذهب لتهيئ وترتب أوراقها ثم أيقظت أبناءها ليستعدوا لملاقاة جدتهم …
………………………..
استيقظ من نومه الذي لم يتذوق طعمه طوال الليل إما بالتفكير في كيفية إعادة أموال سمر أو بالتفكير في من سرقت لُبه ….
جلس على الفراش يحاول إقناع حاله بتنفيذ اتفاقه مع عبدالله والذي يؤكد عليه عدم حضوره اليوم للمنزل حتى لا يلتقي بيسرا حتى لا يتسبب في زيادة العقدة …
اخذ يزرع ارض المنزل بخطاه يغدو للمطبخ ناويا إعداد وجبة إفطار، ليفتح المبرد إلا أنه لم يجد ما يعده به….
يهم لارتداء ملابسه ولكنه توقف فهو يعلم حاله جيدا إذا خرج من البناية فحتما سيكون له واجهة واحدة …
عاد ثانية لغرفته ينظر حوله ليقنع حاله أن الشقة تنعم بالفوضى فيجب عليه أن ينظمها لعله يشغل حاله وباله قليلا…
اخذ بعض الملابس من ذلك المقعد ليضعها على الآخر، ثم تناول بعض الوسادات المنتشرة ليعيد نشرها بشكل مختلف ليقف في منتصف الشقة ينظر حوله فلم يجد اي اختلاف ….
ألقى بالوسادة الأخيرة بطول ذراعية وتوجه للأريكة يتمدد عليها ممسكا بهاتفه يحاول اللعب قليلا لعله استطاع اشغال روحه عنها بأي مسببات …
اخذ يخرج من اللعبة هذه ليدلف لغيرها ثم اغلق الالعاب كلها ليقرر بتفحص الهاتف وتنظيم محتوياته إلا أنه لم يملك التركيز الكامل لهذه المهمة البسيطة ….
اعتدل فجأة وكأنه اتخذ قرارا مخاطبا حاله / لازم ارجع فلوس سمر لها النهاردة..
انطلق لغرفته يبدل ملابسه وكأن كل ما كان يبحث عنه هو مبرر لذهابه إليهم وقد وجده اخيرا ….
أنهى عبدالله إجراءات الخروج من المشفى ومعه حكمت التي لم تملك سوى النظرات كوسيلة للتعبير عن ما بها …
انطلق بسيارته خلف سيارة الإسعاف التي استأجرها حتى تقل والدته بطريقة أكثر راحة …
وصل عبدالله أمام المنزل تزامنا مع خروج جاسر من سيارته …
ترحل عبدالله من سيارته بعصبية وكاد أن يتحدث لذلك الاخرق بطريقة منفعلة قليلا إلا أن جاسر انطلق إليه محاولا تهدأته وإقناعه بمبرره / اوعى تفهمني غلط….
أنا جاي ارجع فلوس سمر اللي قولتلك عليها وهمشي على طول….
ضيق عبدالله عيونه فلم ينتظر جاسر دقيقة أمامه خوفا من أن تنكشف نواياه فانطلق موليا له ظهره واتجه نحو سيارة الإسعاف قائلا / ثم إزاي اسيبك لوحدك في يوم زي ده …
وقف أمام فراش حكمت المتنقل بعد أن أخرجها المسعفين من السيارة قائلا بوجه مبتسم / حمدالله على السلامة يا ست الكل نورتي بيتك …
نظرت له حكمت بامتنان وابتسامة ظهرت بعيونها قبل شفتيها …
تحرك عبدالله يفتح للمسعفين باب المنزل على مصراعيه ليدلفوا بحكمت اخيرا لتعود للمنزل مرة أخرى ….
استمعت هند بالجلبة التي بالخارج لتعلم أنهم قد وصلوا فتحت باب الشقة وأخذت تطلق الزغاريد تهنئة لعودة حكمت التي فور رؤيتها لها تبدل حالها تماما وامتعضت ملامحها وأخذت تحرك راسها برفض لعل ابنها يعي ما ترمي إليه ….
إلا أن عبدالله لم ينتبه لحركاتها نتيجة لانشغاله …
وصلت لفراشها وقد ساعد عبدالله وجاسر المسعفين في نقلها لتتشبث بكف جاسر وكأنها تطلب منه أن لا ينصرف ….
نظر جاسر تجاه كفها ليجدها تشير له بعيونها على ابنها لينادي جاسر عليه / عبدالله تقريبا الحاجة حكمت عايزالك ….
أنهى عبدالله مع المسعفين ثم عاد لغرفة والدته …
كاد جاسر أن ينصرف إلا أن حكمت لم تترك كفه ففهم جاسر أنها تريد كلاهما ….
من نظرات حكمت تجاه هند أدرك عبدالله أنها لا تريدها بالغرفة ليطلب منها قدحين من القهوة …
بالفعل انصرفت هند لتحاول حكمت ارسال رسالتها عبر نظراتها فأخذت تنظر تارة لجاسر ثم لابنها حتى أدرك جاسر فحوى نظراتها ليجيب عليها بمشاعر حقيقية وقلب سليم / عبدالله ده حبيبي واخويا متقلقيش …
وكأنه أجاب على طلبها لتبتسم إليه بامتنان بينما وقف عبدالله متعجبا من تبدل حالها للنقيض هكذا إلا أنه سعد بذلك …
أخبرها عبدالله بما عليه مبررا لها انشغاله عنها لبضع ساعات / معلش يا ماما هضطر اطلع اساعد يمنى وهنزلك كل شوية علشان اطمن عليكي ….
هطلع دلوقتي وانا هخلص وراجعلك ….
اماءت برأسها قليلا كدليل على موافقتها ليخبرها جاسر أيضا بوجهته وكأنها أمر اعتيادي / وانا طبعا اكيد هساعده علشان ميشيلش حاجة تقيله لوحده …
اماءت بالموافقة ليزغر له عبدالله إلا أن جاسر ادعى البلاهة …
فور خروجه من الغرفة سحبه عبدالله ناهرا إياه / انت مش قولتلي جاي ترجع فلوس سمر وراجع !!!
هات فلوس سمر وانا هرجعها لها …
أبى جاسر الخضوع لأوامر عبدالله ليربت على كتفه ناصحا ومهددا / اسندني علشان اسندك …
النهاردة عندي بكرة عندك….
وأحنا هنكون نسايب يعني مش هتلاقي حد يقف وراك غيري ….
جز عبد الله على شفتيه ثم انطلق للأعلى هو وجاسر مع خروج هند حاملة القهوة فلم تجد أحدا يحتسيها لترتشف هي منها متمتمة لحالها / اشربها أنا علشان افوق للي جت جوة دي ….
ضغط عبدالله على زر جرس شقته وهو يزغر لجاسر بمقلتيه ويحذره / اياك ثم اياك تعمل حركاتك الصايعة مع البنت …
فاهم يا جاسر !!
دي تعتبر في بيتي وحمايتي …
لم يعره جاسر اي اهتمام فما كان يشغل باله اكبر بكثير من تراهات عبدالله هكذا رأها جاسر …
حاول عبدالله أن يكثف تهديده لجاسر فقال متوعدا وهو مازال ينظر له / لو حسيت بس انك حاولت تضايقها أنا اللي…..
لم يكمل عبدالله جملته بسبب تغيرات ملامح جاسر من متجهمة لمبتسمة ولم تكن ابتسامة بسيطة بل كانت عريضة تصل ما بين أذنيه وعيونه تنظر لاتجاه الباب ….
التفت عبدالله ليرى يسرا تقف على الباب بوجه متورد من الخجل وهي تتحاشى النظر لذلك الوقح فإذا بعبدالله يوكزه ويزجره قائلا / نزل عينك يا جاسر مش كدة ….
لم ينظر له من الأساس بل ازاحه قليلا ليتقدم هو وينطق ساخرا / لما تشكيلك ابقى اتكلم.
هكذا نطق بجملته وهو يدلف من باب الشقة حينما تراجعت يسرا للخلف قليلا لتفسح له المجال …
لم ينتظر عبدالله لحظة بل دلف خلفه مسرعا وسحبه من ذراعه وهو ينادي على سعيدة التي أتت من الداخل ترحب بهم …
بالكاد ابتسم لها جاسر لتنتهز سعيدة الأمر وكأنها وجدت ضالتها / كويس انكم جيتوا ….
احنا فضينا الدولاب مش ناقص غير انكم تفكوه ..
وبعده فكوا السراير عقبال ما نقضي احنا النيش في كراتين وبعدين ابقوا فكوه …
ألقت بتعليماتها جميعا ونظرت لكلتا الفتاتين قائلة / يالا يا بنات واحدة معايا في النيش والتاتية تدخل على المطبخ …
هكذا وزعت الأدوار لينظر جاسر لعبدالله بتعجب من أمر تلك السيدة معلقا بسخرية / ايه كمية الفك الي علينا دي ؟؟
مينفعش افك أنا واخلع ….
مازال عبدالله في حالة ذهول لفشل ما كان يعده من احلام وأمنيات لهذا اليوم……
وكزه جاسر حينما تحولت نظراته لغضب وقال له متهكما / نبرت فيها يا خويا …..
اهو لا أنا ولا انت يا فالح …
لا وكمان هدة حيل …
اتفضل قدامي نفك الدولاب يكش يتفك عضمك……
……………………
بالاسفل أعدت هند الغداء سريعا ثم توجهت لغرفة سمر لتطمأن من جانبها …
وجدتها تجلس على الفراش بحالة حزينة وكأنها تسترجع ذكريات مؤلمة …
جلست بجوارها وربتت على كتفها لتلفت انتباهها لحضورها ….
لم تلتفت سمر لها فأمسكت هند المدونة ودونت بها تعليماتها / متطلعيش برة دلوقتي…. .
أنا هحطلها الاكل واول ما تنام هاجي أقولك ….
اوعي تطلعي من الاوضة ….
اومأت سمر برأسها فور قراءتها لما دونته هند بانسياق تام لما تمليه عليها ….
قبل أن تخرج من الغرفة أوقفها سؤال سمر القلقة على والدتها / هي عاملة ايه دلوقتي ….
ضغطت على أسنانها ثم ارتدت قناع الزيف لتلتفت وهي مبتسمة تحاول الرد عليها بنفس هادئة وهذا مغاير تماما للصراعات الدائرة بداخلها الان ….
اجابتها بهدوء متنافي مع دواخلها / ادعلها ربنا يهديها …
انا افتكرت المرض فرق معاها لكن للاسف لسه زي ماهي …
تلقت سمر اجابتها بهدوء وحب لتمتم بصوت مسموع / المهم انها كويسة …
لم تنتظر هند أكثر من هذا بل ذهبت لوجهتها لتكمل ما انتوت عليه …..
احضرت أوراقها ودلفت لغرفة حكمت التي بدت وكأنها تغط في نوم عميق ….
وكالتي استفادت من اخطاءها فلم تضيع وقت هذه المرة .. .
أغلقت خلفها الباب جيدا واقتربت بخطى وئيدة وسلحفية حتى لا تشعر بها حكمت ….
اقتربت منها وهي تعلم أنها لم تعد تشعر بذراعيها فمعلوماتها تقتصر على يوم زيارتها السابقة …..
امسكت إصبع الإبهام بكفها الأيمن وقامت بغرسه في الحبارة ليتلون باللون الازرق ثم بدأت في وضع بصمات حكمت على كل ورقة من الأوراق التي معها …..
مع كل ورقة كانت دقات قلبها تتزايد حتى أنهت الورقة الأخيرة والود ودها أن تطلق زغروطة لتعبر بها عن مدى سعادتها وإكمال مخططها كما خططت له …..
ولكن حاولت من تهدأة روحها وهي تضع كفها على صدرها وتهمس لحالها / اهدي يا هند …
اهدي واطلعي من هنا دلوقتي خلي الموضوع يكمل على خير….
كادت أن تخرج إلا ان بعض الكلمات أرادت أن تخرج من فاهها كالبركان النشط الذي تتقاذف حممه من أجل الخروج من فوهته ….
طوت الأوراق التي بحوزتها ووضعتها بجيوبها ثم اقتربت من أذن حكمت هامسة بها بفحيح افعى تبخ سمها متى سنحت لها الفرصة / دلوقتي بس اقدر اقول اني اخدت حقي منك ومن ابنك ….
دلوقتي بس ربنا عوضني عن اهانتكم ليا وذلكم لأولادي …..
فاكرة لما اخدتي البيت من عم عيالك ،
جه الوقت اللي يتردلك فيه اللي عملتيه …
بس انا هطلع اكرم منك ومش هرميكي بره زي ما طردتي عم اولادك واللي جوزك توفى بسبب عملتك دي ….
تؤ هعمل بأصلي وهسيبك لحد ما تموتي فيه وده مش علشان خاطرك تؤ ….
ده علشان اشوفك كل يوم قدامي وانتي مذلولة وتشوفي بعيونك وانا بطرد ولادك من البيت …
ويا عيني مش هتقدرس حتى تدافعب عن حد فيهم …
ولا هتقدري تقولي أني بصمتك وانتي راقده …
ادعت الضعف والمسكنة وهي تنطق بوهن / هقولهم كتبت البيت باسمي علشان اولاد صبري،
وعلشان تعوضيني عن خيانته وضربه ليا …
وعلشان محدش من اخواته يطردني منه…
رأت الدموع تتسحب من مقلتي حكمت المغلقة لتعود تهمس باذنيها قائلة / كويس انك سمعتيني علشان متقوليش باخد حاجة من وراكي ….
يالا اسيبك بقى علشان احتفل بيومي الجميل ده مع ورق املاكي …
كادت أن تلتفت فإذا بالباب ينفرج على مصرية بصورة مفاجئة لتتسع رؤيتها ويتوقف قلبها عن النبض للحظات أثر تلك المفاجأة………