رواية رحلة البحث عن متحرش الفصل الخامس 5 بقلم سلمي خالد


 رواية رحلة البحث عن متحرش الفصل الخامس 

"النوع الأول من التحرش"

عزيزي نحن هنا دائمًا.. دائمًا لمواجهة ما هو عسير ليصبح يسير.. فلعل نحن جنود سخرها الله لك لتعود لحياتك العادية قبل الدلوف بعاصفة نفسية مرضية.

*************

وقفت جوار صديقتها تحاول منعها مما ستقدم عليه، بينما الأخرى لم تتوقف بل ظلت تقترب من الحائط حتى بدأت تطرق برأسها عليه قائلة:

_ أنا إيه اللي دخلني الكلية دي... أنا أستاهل.. أنا إيه يا هبه؟ أنا استاهل.

لم تستطع هبه سحبها لتردف بخفوتٍ:

_ يا عاليا بطلي هبل ويلا بينا قبل ما الدكتور تخرج وتبهدلنا ولا تقول حاجة جديدة عايزها في البحث!!

استدارت لها بأعينٍ تكاد تبكي تصيح بحرقةٍ:

_ وهي لسه هتجدد تاني!! هي اخترعتها مبتقفش الولية القرشانة دي.. أنا تعبت أجيب منين متحرش من كل نوع.. دي بتتكلم ولا كأنه كيس شبسي هنشتريه ومش هيفتح بوقه!!

ازدردت هبه لعابه باختناق تحاول الحديث ولكنها فشلت بنهاية الأمر فهي لن تترك صديقتها بالجزء الخاص بها ولكن كيف ستساعدها بهذا الموضوع وهما يحملان خجلًا شديد، استرسلت عاليا بحسرة تزداد:

_ دا يوم ما ركبنا الأتوبيس مفيش حد تف بس في وشنا مش عاكس عشان نمسكه متلبس ونخلص..

رفعت بصرها نحو هبه قائلة باختناق ودموع تذرف:

_ قوليلي بقى أجبلها منين الغجر دول!!

ربتت هبه على كتفها تزيل بيدها الأخرى تلك الدمعة ناتجة عن قهر من تلك الأستاذة، لتهتف بشفقة تزداد كلما ظهرت شهقات عاليا:

_ يلا يا حبيبتي بلاش شحتفة كده.. يلا ربنا يهديها أو يهدها شوية.

سارت عاليا تمسح دموعها بظهر يدها، نعم يشعران بالضياع من تلك التجربة الجديدة والعجيبة، لم يخوضا تلك التجربة من قبل ولكن بنهاية الأمر ماذا عساهما أن يفعلان فهم باختبارٍ ولا بد من أن يجتازوه.

*************

زحفت بسمة صغيرة كلما تذكر نطق محمد له "زوجتك ابنتي عاليا البكر الرشيد"

نعم هي جملة صغيرة ولكن تدغدغ قلبه بسعادةٍ لم يحلق بأفقها من قبل، نهض يسير نحو المرحاض ليتوضأ نعم يجب أن يصلي ركعتين يشكر بها الله على ما حدث وأن عفه من الوقوع بالمعاصي الأخرى، انتهى من الوضوء وانطلق بالخارج ليجد أرنبة ينظر له بمكرٍ مردفًا:

_ مين أدك يا عم!!

اتسعت ابتسامة حربي بفرحةٍ حقيقية، يردف بصوتٍ هادئ يحمل بطياته رضا كبير:

_ صحيح كنت متردد بس لو كنت أعرف فرحتي هتكون كده كنت عجلت في الأمر..

نظر نحو أرنبة الذي يستمع له بصمتٍ يشعر بسعادة صديقه ليكمل بحبٍ:

_ أخيرًا يا أرنبة هشوفها وأتخيل ملامحها من غير ذنب.. مش همنع نفسي من إني أشوفها وأملي عيني منها مش هغض بصري بسرعة بسبب الفتنة... أنت عارف أنا أول مرة مبقاش صبور كده وعايز الساعة خمسة تيجي عشان أروح وأشوفها تاني.

ابتسم أرنبة لصديقه يشعر بسعادته، ليربت على كتفه قائلًا:

_ ربنا يسعد قلبك يا صاحبي.

نظر له حربي ثم قال ببسمة ذات معنى:

_ وأنت؟

تنهد أرنبة بحرارةٍ قائلًا:

_ كان نفسي في حضن كتب الكتاب وبوسـ...

صفعه حربي على مؤخرة رأسه قائلًا بغيظ:

_ يابني هو أنت دماغك متركبة شمال!!

نظر أرنبة بتذمر نحوه يردف بضيقٍ:

_ الله مش بقت حلالي ومراتي حقي ولا مش حقي يا حربي.

لم يستطع حربي النطق بغير ذلك فيكفي شعور الانتصار بأنه فاز بها فأجابه ببسمة صغيرة:

_ حقك.

_ أنت متوضي ليه مش صليت الضهر؟

سأله أرنبة بتعجبٍ، يجيب حربي بهدوءٍ متبسمًا:

_ هصلي ركعتين شكر لله..

نظر له أرنبة قليلًا ينتظر إكمال حديثه، ليسترسل حربي بنفسٍ راضية وروح عاشق:

_ اخترت أغض بصري عنها فربنا كفئني بيها.. يبقى أشكره ولا لاء؟!

اتسعت ابتسامة أرنبة بفرحةٍ يردف متجهًا للحمام:

_ استنى طيب هتوضى زيك ونصلي سوا.

انتهى أرنبة من الوضوء وغادر نحو الردهة حيث فرد حربي السجادة الصلاة ليبدأ كلاهما بالصلاة شكرٍ وتضرعًا لله، فـ يالله على جمال عاشق يحمي معشوقته من نظرة فيُكافئ بها كلها لتصبح حلاله وزوجته ومحبوبته وقرة عينيه ورفيقته في رحلة الحياة الآتية.

هكذا ظل يشكر حربي وأرنبة ربهما في السجود ويخبرون الله بمدى عشقهما لزوجتهما وسعادتهما بهذه الزيجة.

**************

_ شكلي حلو يا حربي؟

سأل أرنبة باهتمامٍ بالغ للمرة التي لا حصر لها، ليضجر حربي من تكراره قائلًا:

_ ما خلاص بقى هو كل شوية شكلي... أول وأخر مرة أخرج معاك!!

طالعه بضيقٍ يردف بغيظٍ:

_ بكرة تتمنى خروجة من خروجاتي ولا تطولها.

منحه نظرة ساخرة ثم استدار بعدما انتهى من صعود الدرج يطرق الباب بخفة، فما كانت سوى لحظات حتى فتح محمد باب الشقة الخاصة بسالم فقد قرروا الجلوس تلك المرة بشقة سالم، دلف حربي تاليه أرنبة بعد ترحيب محمد بحبور لهما، يجلسان على الأريكة بصمتٍ متوتر حتى دلفت كلًا من عاليا وهبه الغرفة بحياءٍ واضح، فنهض محمد ينطق بتحذير:

_ مراتك آه لكن لسه مفيش إشهار فمش عايز ألقي حركة كده ولا كده.. وبالأخص أنت.

أشار من مد نحو أرنبة الذي شهقة بصدمةٍ متمتمًا باستنكار:

_ أنا!!!

أومأ محمد بتأكيد قائلًا:

_ دا أنت مياه من تحت تبن يا أحمد.

خرج محمد من الغرفة بينما كبح حربي ضحكته ينهض بعيدًا عن ذلك المصدوم من اعترف محمد له، ليمسك بيده عاليا التي لا تزال واقفة، ارتجفت يدها لأول مرة تمس يد شاب غريب..لحظة أنه زوجها الآن. مشيَّ معها نحو الأريكة الأخرى ليجلسا بعيدًا عن أرنبة، فهتف حربي بلطفٍ محاولًا تخفيف توترها:

_ عاملة إيه؟

توترت عاليا كثيرًا، ولا تعلم ماذا تفعل لتفر هاربة من هذا المكان، لتجيب بصوتٍ خافت يكاد يسمع:

_ الحمدلله.

صمتت بعدها ليردف حربي بمزحة طفيفة:

_ طب حتى قولي وأنت؟ أعتبريني جوزك يا ستي!

توردت وجنتيها خجلًا من ذكرها للرابط الموجود بينهما، لتهتف بتوتر:

_ وأنت؟

_ محستش نفسي سعيد ومرتاح غير لما قولت قبلت زواج ابنتك البكر الرشيد عاليا محمد.

نطق حربي بشغفٍ واضح، لتتسارع دقات قلبها، لم تختبر تلك المشاعر من قبل، تشعر بدفء كلماته عليها، تمس وتر قلبها فتشعرها بالراحة، شعرت برغبتها في سماع المزيد لتتجرأ في سؤالها قائلة:

_ هو.. هو أنت يعني كنت قابل تتجوزني؟

لم تستطع صياغة السؤال جيدًا ولكن تنتظر إجابة، ابتسم حربي مجيبًا بصوتٍ أوضح مدى عشقه:

_ قصدك كنت بحلم باليوم اللي اتجوزك فيه.

اتسعت عينيها بصدمةٍ ولكن سرعان ما خجلت من نظراته التي لا تزال تحدق بها بشدة، لتردف يتوترٍ:

_ أنا بتبص جامد كده ليه؟

_ أتركِ عاشقًا حُرِم من النظر إليكِ خوفًا أن يخدش قارورته ويقع بالفتنة.. فكفأه الله بها ليشبع بها قلبه وعينه.

زحفت بسمة هادئة خجولة لشفتيها تستمع لكلمات حربي التي أنبتت بدخلها شعورًا غريب ولكنه ممتع ويدغدغ للقلب ويسكن الروح به.

على النقيض الأخر نهض أرنبة يقف جوار هبه قائلًا:

_ ما تيجي نقعد يا ست البنات.

رفعت هبه حاجبها قائلة بتعجب:

_ هو إيه كلمة ست البنات اللي كل ما أشوفك تقولهالي!!

اتسعت بسمة أرنبة نحوها يجيبها بعشقٍ ميتم بها هي فقط:

_ عشان أنتِ في نظري ست البنات كلهم.

رمشت هبه بأهدابها عدة مرات لا تصدق حديثه عنها، تتورد وجنتيها خجلًا منه، ليشد أرنبة يدها يجلسها جواره، يردف بحماسٍ:

_ بقولك إيه عايز أطلب طلب!

قطبت هبه جبينها بتعجب، ليسترسل أرنبة ببسمة تزداد أتسعًا:

_ عايز حضن كتب الكتاب.

_ أنا يلا مش قولتلك تحترم نفسك الإشهار!

نطق محمد بتلك الكلمات المغتاظة تزامنًا مع شهقت هبه الخجولة الممزوج بصدمة واضحة، اقترب منه محمد يردف بغيظٍ ممسكًا بتلابيب ملابسه:

_ أنا قولت إيه من شوية!

عبست ملامح أرنبة يردف بتذمر:

_ يا عمي مطلبتش أكتر من حضن كتب الكتاب وبوسة.

_ يا روح أمك ومش عايز عيل بالمرة!!!

اتسعت بسمة أرنبة يومئ سريعًا يردف متطلعًا نحو هبه التي تمنت أن تنشق الأرض وتبتلعها من حرجها:

_ حلم عمري تبقى ست البنات أم عيالي وتربيهم.

صك محمد على أسنانه بغضبٍ، يشعر برغبته في قتله حتمًا ليصفعه على مؤخرة رأسه قائلًا:

_ أنت هتتلم النهاردة عشان متزعلش مني وزي ما جوزتهالك ممكن أطيرها منك.

نظر أرنبة لعينيه اللتان تتدفق منها براكين الغضب ليتراجع بقلقٍ من تنفيذ تهديده، يردف باحترامٍ لم يتسم به من قبل:

_ حاضر يا عمي اللي تأمر بيه.

علا التهكم ملامحه ثم قال وهو ينظر نحو عاليا التي تحاول كبح ضحكتها جوار حربي يردف بغيرة واضحة:

_ يلا منك ليه في طفح هتكلوه وتغوروا من هنا.

تحرك كلاهما بصمتٍ بعدما لاحظوا غيرة محمد على الفتيات، كاد أن يجلس كلًا من حربي وأرنبة جوار عاليا وهبه ولكن وقف محمد كحصن منيع أمامهما يجلس بالوسط فجعل الفتيات على يساره والشباب على يمينه، ليأكل كلًا من حربي وأرنبة الطعام بغيظٍ واضح بينما يعلو البرود قسمات وجه محمد، لتكبح كلًا من الفتيات بسمتها تشعر بسعادة من غيرة محمد وحب الشباب.

**********

" تم عقد قرآن الأستاذ حربي حمامة على الآنسة البكر عاليا محمد.. وعقد قرآن أحمد أرنبة على الآنسة البكر هبه سالم"

هكذا نطق الشيخ الجامع بالحارة عندما أخبره بأن يعلن عقد قرآنهما ليحققا شرط الإشهار، زحفت بسمة سعادة لشفتي حربي وهو يغرس الشوكة بالمعكرونة، بينما تراقص قلب أرنبة بسعادةٍ ما أن أشهر بزواجهما أخيرًا.

نظرت عاليا لوالدها بخجلٍ ثم قالت بخفوت:

_ ممكن يا بابا حربي يفضل شوية بس عشان محتاجة مساعدة في مشروع التخرج بتاعي.

أومأ على مضض فهي زوجته ويحق له أن يساعده وخاصة عندما علم سر هذا المشروع.

أنهى الجميع تناول طعامهم، ثم انتقلوا للصالون لتتسامر نعمة ووداد بعدة أحاديث بينما أحضرت هبه عدستها وجهاز الحاسوب وجلست جوار أرنبة على طاولة السفرة كي تسعهم، ظل حربي جوار عاليا يغرقها بنظراتٍ حنونة.

حمحمت عاليا محاولة السيطرة على خجلها تردف بصوتٍ متوتر قليلًا:

_ دكتور وجيزة طلـ..

_ وأ.. إيه؟؟؟

نطق أرنبة مستنكرًا الاسم، تجيب هبه عنها:

_ مش هنطلعلها بطاقة يا أرنبة.. كملي يا عاليا.

أومأت عاليا تسترسل حديثها بجدية ينتبه حربي لحديثها بانبهار:

_ هي طلبت عنوان بحث صعب علينا كبنات وهو " غايات المتحرش وطرق علاجه" و..

قاطعتها هبه قليلًا تنظر نحو أرنبة قائلة:

_ هو أنت متفاجئتش ليه؟!

ارتبك أرنبة قليلًا يجيبها بتوتر:

_ سمعتك بتتكلمي عنه قبل كده.

أومأت هبه بتفهمٍ لأن أغلب حديثهما عن هذا الموضوع، استرسلت عاليا بصبرٍ بدأ ينفد:

_ المهم إنها طلبت دراسة استطلاعية ودي خلصناها وفاضل دراسة الحالة بس هنا المشكلة.

نظرت نحو حربي بتوترٍ تسترسل:

_ عايزة حالة من كل نوع من أنواع التحرش.

_ نعــــــــــــــــــم يا ختي؟؟

هدر بها حربي منتفضًا من مكانه، لتحاول عاليا السيطرة على غضبه قائلة:

_ يا حربي هي بتصعبها علينا عشان منتخرجش.. هنجيب الحالة وأنت هتقعد معايا ومتخفيش هنسأل أسئلة بريئة.

تشنجت معالم وجهه بغضبٍ، يرد باستنكار:

_ بريء!! لا هو في بريء وخدش للحياء!

ابتسمت بتوتر تجيب:

_ دا أنت سيد العارفين.

مسح حربي على وجهه يستغفر ربه، ينظر نحو عاليا بضيقٍ قائلًا:

_ يا بنت الحلال غيري موضوع البحث يعني من وسط العالم وطبيعية اللي خلقها ربنا كلها مسكتوا في المتحرش!!

_ قلة بصيرة أنا عارفة بس هي هتعرضنا على مجلس التأديب وممكن يأثر على تقديرنا وإحنا لما صدقنا عدينا التلت سنين بتقدير جيد جدًا.

رمقه حربي بنظرة مغتاظة صامتة، بينما شعرت هبه بجفاف الدماء من عروقها من نظرات أرنبة القاتلة، ليهمس بفحيحٍ مخيف:

_ أنا مش فارق معايا من أنواع التحرش دا غير نوع واحد بس أظن أنت عرفه يا ست البنات!

حركت رأسها بنفيٍ سريع كما لو كانت طفلة تخشى العقاب، حدق بها قليلًا ثم نهض يحضر وسادة موضوعة على الأريكة، دفن وجه بها يصرخ بكامل قوته لعل انفعاله مما قيل للتو يهدأ.

عاد يضع للوسادة مجددًا يجلس جواره يغصب تلك البسمة للظهور قائلًا:

_ ما تسيبك من كل دا يا ست البنات وخليكِ معايا ركزي في الأكل كده واتعلمي أكلتين حلوين تعملهم ليا وأنا راجع من الشغل.

تشنجت معالمها بضيقٍ تنظر له باستنكارٍ لما قالته وما كادت أن تتحدث حتى رفع يده قائلًا بضجر:

_ خلاص عرفنا الاسطوانة بتاعت تعليمي وكياني وبتنجاني.. قوليلي بقى هتتصرفوا إزاي وهتقعدوا مع المتحرش إياه إزاي هاه عرفاه يا ست البنات!!

صمتت كلتاهما لجهلهما بالموضوع يشعران بتأزم الموقف، لتضع عاليا وجهها بين راجتي يدها تردف بتعبٍ:

_ أنا مش عارفة والله ما عارفة أنا حاولت بكل الطرق أبعد عن المسار دا بس الدكتور مصممة بطريقة غريبة وأنا تعبت... تعبت أوي!!

زفر حربي بضيقٍ لما هي به، فلم يرغب بأن يراها بتلك الطريقة يتخلل نبرتها الاستسلام، ليمسك بكفها يجبرها على النظر له قائلًا بحنوٍ:

_ رفضي للموضوع ما هو إلا غيرة على قرة عيني.. هنكمل البحث...

ثم أضاف بتحذيرٍ شديد لا ينم على خير إن لم ينفذ:

_ بس رجلي على رجلك وتقوليلي كل حرف فيه يا عاليا.. حسك عينك أعرف إنك عملتي حاجة كده ولا كده من غيري.

اتسعت ابتسامة عاليا الفرحة تقفز نحو ممسكة بكفه بشدة جعلت حربي يذهل من فرحتها تردد بسعادة:

_ بجد يا حربي!

_ هتجيبي أجل حربي لو قولتي اسمي كده تاني.

قالها بتنهيدةٍ حارة، بينما خجلت عاليا منه تحاول إفلات يده ولكن لم يشء تركها، بل ظل متمسكًا بها أكثر، في حين نظر لهما أرنبة ثم عاد ينظر نحو هبه التي لا تزال عابسة ليهتف بجدية:

_ لا بقولك إيه مبحبش قلبت البوظ دي فكي كده.

ظلت على حالها ولم تتحرك قسماتها إنشٍ، ليهتف أرنبة بغيظٍ:

_ أنت هبلة يا بت عايزة تقولي لجوزك متحرش إياه وأقولك let's go baby.

بصعوبة استطاعت السيطرة على ضحكتها، لتردف باقتضاب:

_ المفروض تقف جنبي مش هتقولي اطبخي!!

_ وتختارلي القرون بتاعتي بالمرة.

زجر بها أرنبة بغضبٍ لتشعر هبه بتوترٍ منه تجيبه بتفاصيل:

_ يا أرنبة والله الموضوع غصب عني أنا أصلًا عمري في حياتي ما فكرت في الموضوع.. عشان خاطري أقف معايا وخليك سندي وحمايتي.

نطقت بجملتها الأخيرة باستعطاف، وبالفعل نجحت باستمالت قلبه يردد بعبوسٍ:

_ ماشي يا هبه بس خليكِ عارفة لو حسيت بس إنك دماغك توزك تروحي يمين ولا شمال وأنا مش فوق دماغك مش معاكِ كمان هزعلك.

أومأت سريعًا تبتسم باتساع تهتف بمكرٍ:

_ ربنا ميحرمنيش منك يا أرنبتي.

_ لا بقولك إيه أنا مثبتني بالعافية!! متوديش اللي خلفوني في داهية بأرنبتي دي!!

ضحكت هبه على حديثه، ثم مدت يدها تفتح الحاسوب قائلة وهي ترتدي عدستها لتقرأ أول نوع من التحرش:

_ التحرش النفسي والعاطفي دا نوع هادي بس الآثار بتاعته مرعبة.

نظر كلًا من أرنبة وحربي بعدم فهم لتردف عاليا بتوضيح:

_ النوع دا عبارة عن شخص بيتعرض لابتزاز وسخرية وبيتقلل من شأنه جدًا.. الفئة اللي أعلى منه والأكثر قوة بتفرض نفسها عليه بقوة.. ودا زي الموظف أو الفني أو العمال دول أكتر فئة بتتعرض لتحرش النفسي.

علق أرنبة بسخطٍ:

_ حضرتك كده الشعب المصري كله اتعرض للتحرش النفسي!!

_ إحنا عايزين من الشعب دا واحد نطبق عليه.

زفر حربي قليلًا ثم قال بتفكيرٍ:

_ طب مفيش أعراض بتظهر عليه؟؟

أجابت هبه وهي تركز على الحاسوب:

_ في الغالب بيكون حزين جدًا ملامحه أكبر من سنة من الهم والغم.. بيسرح كتير ومكشر أغلب الوقت.. تعبان وعنده هزيان.. ممكن يكون مريض سكر وضغط يا واحد من الاتنين.

شرد أرنبة بشخصٍ يراه هكذا فـ لكز حربي قائلًا:

_ ولا يا حربي فاكر عم مصطفى اللي في العبور؟!!

قطب حربي جبينها يحاول تذكر هذا الرجل، ثم اتسعت حدقتيه قائلًا بفرحة:

_ أيوة عارفه..

نظر نحو عاليا قائلًا:

_ بصي في واحد اسمه عم مصطفى هو راجل عنده 40 سنة لكن شكله وكأنه 60 سنة وعلطول شارد وهو أصلًا مريض سكر وضغط ولما سألناه قال من ضغط الشغل.

لمعة عين عاليا ببريق أمل، تردف بلهفة:

_ تعرف مكانه.

نفى حربي برأسه يجيبها:

_ معرفش بيته فين لكن عارف مكان شغله لما كنا أنا وأرنبة هناك بنعمل شغل شوفته خارج من الشركة اللي بيشتغل فيها وركبنا نفس العربية..

صفقت عاليا بسعادةٍ، تردف بحماسٍ:

_ خلاص بكرة هنروح أنا وأنت هناك ونشوفه وكلمه بقى إننا نعمل معاه مقابلة عشان يكون الحالة الأولى.

أومأ حربي بموافقة فهذا الموقف هين قليلًا عن غيره من الأنواع الأخرى ليذهب معها ويران ماذا سيحدث!!

*************

_ خلاص بقى يا حربي أنا معرفش إن بابا هيعمل كل دا!!

نطقت عاليا بعبوسٍ بعدما رفض حربي الحديث معها في حين شعر حربي بالضيق من عصبية محمد الزائدة عندما علم أنه سيذهب معها، ليرد بحنقٍ:

_ ما ملهاش لزمة العصبية دي أنا مش خاطفك.. أنا خايف عليكِ.

أومأت عاليا له تردف برفقٍ:

_ معلش يا حربي بابا أول مرة في حياته يحس إنه خلاص مبقتش معاه وبقت معاك.

زحفت بسمة طفيفة لشفتيه من كلمتها الأخيرة وبالأخص أخر كلمتين، ليردف بهدوءٍ:

_ عارف يا عاليا بس غصب عني أضايقت.. تعالي وصلنا.

وقف حربي أمام الشركة يتحدث لحارس الأمن يردف بجدية:

_ عايز أقابل الأستاذ مصطفى كريم!

توتر الحارس قليلًا يردد بارتباك:

_ هاه لا ممنوع.. الدخول للموظفين بس.

تعجب حربي من طريقة هذا الحارس، بينما شعرت عاليا بالشك باتجاهه ولكن ما باليد حيلة ذهب حربي ومعه عاليا بعيدًا عن نظر الحارس، لتردف عاليا بشكٍ:

_ الراجل دا في حاجة تعالى نرجع تاني بس نستخبى لحد ما نشوف مصطفى وهو خارج.

أومأ على اقتراحها يعودان مجددًا ليجدا شجرة ضخمة يقفان خلفها يراقبان الطريق، حتى سمعا أحد الرجال يقول:

_ عايز أشوف البشمهندس عز الدين.

انتظر كلاهما أن يرفض ولكن تزحزح بأدبٍ قائلًا:

_ اتفضل يا فندم فوق الدور التالت تاني مكتب على إيدك اليمين.

جحظت عين عاليا، لتتحول نظراتها لأخرى متعصبة تهم للذهاب إليه تكيله بالضرب:

_ شوف الراجل الكداب.. مش عيب على سنه كده ويكدب!!!

أمسك بها حربي قبل أن يكشف مكانهما، يردد بهمسٍ:

_ أهدي يا عاليا خلينا نشوف مصطفى بدل ما يطردونا.

صمتت على مضض تنتظر مصطفى، بينما وقف حربي يشعر بالغيظ من ذلك الحارس ولكن أخفى ضيقه ببراعة.

وأخيرًا دقت الساعة الثانية ورأى عدد من الموظفين يغادرون ووسطهما مصطفى ولكنه يعامل كالمنبوذ، ليهتف أحدهما بصوت وصل لمسمع حربي وعاليا وكذلك مصطفى:

_ تعرف المهندس عز الدين قالي أمسك مشروع العاصمة الجديدة ومرضاش يمسكه لمصطفى.. خاف ليبوظ الشغل زي عادته.

علت الصدمة ملامح مصطفى من تفوهه بتلك الكلمات لاحظتها عاليا جيدًا، بينما ضحك الرجلان بشدة ليرد الأخر بسخطٍ:

_ والله لولا طيبة قلب البشمهندس عز كان زمانه مرمي في الأرشيف كفاية إنه مخليه لسه مهندس في الشركة..

_ مهندس خارج الخدمة.

تعالت قهقهات على تلك السخرية أو لنقُل هذا التحرش المعنوي.. انتهاك حقوق رفيقهم بالشركة وهتك حقه بالمساواة بينهم..

_ يا حربي أستنى رايح فين بس.. ياعم أقف مش قادرة أشدك أكتر من كده!!

رددت عاليا بتعبٍ ممزوج بضجرٍ من رغبته بالذهاب ويكيل هذان الرجلان بالضرب المبرح، لينظر لها حربي قائلًا بعصبية:

_ دول حيوانات مش بني آدمين لما يتكلموا على زميلهم كده!!

أومأت عاليا موافقة رأيه تردف بحزنٍ:

_ هو دا التحرش المعنوي أو النفسي يا حربي.. يأذوا بالكلام ويقللوا من شأنه.. يحرموه من منصبه وشغله ويتهموا إنه بيبوظ الشغل... دا غير العزلة...

ثم أضافت بانزعاج وضيق:

_ واحد زي البشمهندس عز دا شايفينه طيب عشان مطردش مصطفى وهو هيطلع المتحرش اللي خلى مصطفى بالحالة دي.

زفر حربي بضيقٍ ثم قال وهو يمسك بكفها:

_ طب تعالي معايا نروح له عشان نتكلم معاه.

وبالفعل انطلقا معه ولكن وجده يركب ميكروباص ليسرع حربي بالركوب جوراه وإلى جانبه عاليا، يردف ببسمة هادئة:

_ إزيك يا بشمهندس مصطفى؟

نظر مصطفى بتعجبٍ مما يقول له " بشمهندس" وسرعان ما بتسم بتعبٍ يجيب:

_ إزيك أنت يا حربي؟

أومأ حربي له يردف بجدية ولا تزال البسمة تزين شفتيه:

_ كنت عايزك في موضوع ضروري.

نظر مصطفى حوله ثم قال:

_ طب أنا أخر الموقف هنزل وهكون جنب بيتي خلينا نتكلم هناك هيكون أفضل.

أومأ حربي دون رفض فهنالك من يعمل بالشركة معهم بهذا الميكروباص، ولا يحبذا الحديث وسط هذا الجموع حتى لا يسبب بأذى لمصطفى، وصلوا سريعًا حيث يقطن ليهبط من الميكروباص الجميع ولم يبقَ سوى مصطفى وعاليا وحربي.

تحركت عاليا ثم حربي خلفها ليهبطا منه، ثم استدار حربي نحو ليرى مصطفى فوجده متعب للغاية يبدو عليه أنه سيسقط أثناء محاولته للسير والهبوط من السيارة، حاول اللحاق به ولكنه تعثر حتى لكمه دون عمد ليقع على الأرض غير قادر على تحمل اللكمة، يفترش الأرض مغشيًا عليه، صرخت عاليا بصدمةٍ مما حدث ولكن ازدادت عينيها اتساعًا ما أن سمعت أحدهم يقول:

_ ألحق يا وليد في واحد ضرب عم مصطفى وبيتخانق.

حرك حربي رأسه بنفيٍ والذعر يتملك منه ينفي ما قيل ولكن لا حياة لمن تنادي فقد انطلق عدد لا نهائي له من الشباب يضربونه بقوة لتتعالى صرخاته المتألمة أسفل نظرات عاليا التي لا تزال جاحظة العين ولا تعلم ماذا تفعل!!

تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1