رواية رحلة البحث عن متحرش الفصل السادس 6 بقلم سلمي خالد


 رواية رحلة البحث عن متحرش الفصل السادس 

"ضريبة البحث عن متحرش"

عثرات الحياة مخيفة.. فلها منحنيين لا ثالث لهما، أما الانتقال لما هو أفضل أو الإندثار لما هو مخيف..

فأحذر يا عزيزي الموطن من الوقوع بها.. فإحدى هذه العثرات تحرش أحدهم بعاطفتك ومشاعرك!!

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أمسك بكيس من الثلج أعطاه له ابن مصطفى الصغير بعدما انتهت تلك العركة بمساعدة أحدهم بإفاقة مصطفى الذي أخبرهم للتو أن حربي لم يقصد.

تأوه بشدة بعدما وضع الكيس على وجهه المتورم بشدة، ظلت عاليا تحدق به بتوترٍ واضح حتى قالت بصوتٍ مرتبك:

_ هو أنت مبتتكلمش ليه؟

رمقها بنظرة ساخطة مستنكرة، ثم عاد يضع الثلج بطريقة أشد جعلت يطلق صرخة متألمة لتنتفض من مكانها تنظر له بقلقٍ قائلة:

_ براحة يا حربي.. دا أنت متشلفط خالص.

زاد السخط على وجهه دون الرد عليها، لتهتف عاليا بضجرٍ:

_ ما خلاص بقى يا حربي دا أنت قماص بشكل.

ألقى الثلج بعيدًا يهدر بغضبٍ:

_ قماص عشان مراتي استخبت ورا العربية مهنش عليها تدافع عني صح! أخص عليا مليش حق أزعل.

مطت شفتيها بعبوس ترد بضيقٍ:

_ يعني عايزني أضرب معاك لما أقولهم سيبوا جوزي.. أنا اتصرفت صح على فكرة.

عض على شفتيه بغيظٍ منها، وما كاد أن يرد حتى خرج مصطفى من الغرفة يسانده ابنه الذي أعطى الثلج لحربي، يجلس على المقعد لمواجهة الإثنان، ليتوقف حربي عن الحديث يجلس بهدوءٍ بارع في رسمه، بينما بدأت عاليا تقطم أظافرها بحنقٍ من طريقة حربي لها، علا صوت مصطفى المتعب قائلًا:

_ قولي يا حربي موضوع إيه اللي كنت عايزني فيه؟

ازدرد حربي لعابه ثم قال ببسمةٍ هادئة:

_ أول مرة أعرف إنك مهندس ليه مقولتش؟!

زحفت بسمة حزينة لشفتي مصطفى يجيبه بنظرةٍ منكسرة:

_ من يوم يومي وأنا محدش معترف بيا كمهندس.

تفاجأ حربي من رده البارد ليهتف ببسمة مشجعة:

_ ليه بس يا بشمهندس مصطفى دا شكلك وكله يقول مهندس.

صمت مصطفى عن الحديث، يزداد اختناقه بشدة كلما ذكره بمنصب لم يستحقه في نظر الأخرين، شعر حربي بالحرج منه لتردد عاليا بجدية وهدوء:

_ ليه زمايلك بيتكلموا بالطريقة دي عنك يا بمشهندس؟

رفع مصطفى بصره لها بصدمةٍ ثم سرعان ما علت السخرية وجهه بتأكيد رأته، أردف بمرارةٍ:

_ عشان المهندس عز الدين شايف إني مستحقش كده.

_ ومهندس عز شايف كده ليه؟ إيه عملته يخليه يفكر كده؟

نطقت عاليا بسؤالها بطريقةٍ مستفزة محاولة استثارة صوت ضميره المعذب و بالفعل نجحت في استثارة هذا الجزء بداخله يهتف مصطفى بتبرير واختناق:

_ معملتش أنا من يوم ما خطيت الشركة الشؤوم دي معملتش حاجة فعلًا.. كان المهندس اللي معيني شايفني مميز وعندي أفكار جديدة كلها إبداع ووقتها عز الدين كان متعين وللأسف كان أعلى مني وكله بيحترمه، دخلت مكتبي وبدأت شغل بس..

صمت مصطفى يزدرد لعابه بصعوبة يردف ببحة علقت بصوته:

_ بس كان يجي وسط زمايلنا ويتريق على شغلي ويقلل منه ولإن هو قديم ومسيطر هناك كانوا بيجملوه ويضحكوا.. رديت عليه وقتها وقولتله إن الشغل دا ميعرفش يعمل زيه..

أشفقت عاليا على ما يمر به، يحاول تبرير لنفسه، يقع بصارع قوي مع ذاته وضميره المعذِب، لم يرحم ذاته جلدًا ولا عقله، أكمل مصطفى بأعين لامعة قهرًا:

_ جالي مشروع اشتغل عليه وفعلًا بدأت أشتغل بحماس و حصل اجتماع مع العميل وعز دا كان موجود وعرضت شغلي بس عز كان عمل مشروع تاني وبدأ يقنع الناس إن فكرتي هابطة وملهاش لزمة وهما اقتنعوا ولما حاولت أقف وأخد حقي وقفوني وقالوا هنطردك..

هبطت دمعة مصطفى بحسرةٍ على حاله يردف مؤنبًا نفسه:

_ يارتني كنت نطقت ومشيت وقتها بس سكت عشان لسه متعين والشركة كبيرة وهتبقى نقطة في الـ cv بتاعي وبعد مدة عز الدين خلى الناس تنسى وخد مشروعي غير حاجات معينة وعرضه على شركة تاني وعجبهم واتبهروا بالأفكار جدًا..

نظر نحو حربي بأعينٍ حمراء مقهور، يشعر بأنيابٍ تنغرس بصدره تذكره بما فعله بحق نفسه، يسترسل بصوتٍ زادت بحتّه:

_ حاولت أتكلم بس النهاية واحد قالي " لو سكت هتكسب دماغك وترتاح ولا سيما أنه مغير حاجات فيه فبقى مش بتاعك" سكت فعلًا وأنا مقهور من جوا وبقيت بنفذ اللي بيقوله وكل شوية اتهدد إن هيضروني في الشغل ووقتها كنا كورونا مكنش ينفع اسيب الشغل وإلا هتطرد ومش هلاقي مكان وعدت كورونا وسني كبر ومبقاش ينفع أروح شركة تانية وبقى إجباري كل يوم أروح عشان أأكل عيالي.

لم تجف دموع مصطفى بل رافقها بصوت أنفاسه المحطمة، نزيف قلبه مما يراه ظُلمًا، ينظر لعيني حربي اللتان تريدان البكاء ولكن يصمد بينما عاليا تنظر بثبات دون تحرك، فأضاف مصطفى كلمات ياليت ما قالها لكان الصمود مستمرًا:

_ قهروني وقتلوني وأنا شاب.. كل يوم يكسروا فيا حتة لحد ما بقيت ولا حاجة.. دا أنا كل يوم يا حربي بلوم نفسي بليل إني سكت وسمعت الكلام وقتها على أساس احترام ودلوقتي ساكت على كل دا عقاب عشان مدفعتش عن حقي.. أنا اتبهدلت يا حربي منهم ومن الإفترى بتاعهم وفي النهاية مفيش دليل واحد إنهم أذوني وخلوني مريض بعلتين ملهمش علاج!!

وضع مصطفى يده على وجهه لعله يخفى عُريّه من أمامهما، فقد فاضت عيناه بكثرة وأصبح يبكي كما لو كان طفلًا أخذ عقابه على جُرم لم يفعله، يتحسر على شبابه الفاني مع صمته بالماضي، لا يرى متهم سوى نفسه بتلك القضية!!!

استجمعت قوتها تحاول الثبات، لتنجح باخراج صوتها بوضوحٍ دون أن تشعره بشفقتها:

_ سمعتك للأخر يا بشمهندس اسمحلي أقولك إن الغلط مش أنت بس ولا حد متهم بالغلط غيرك زي ما أنت فاكر! بالعكس أنت ضحية لشخصية مريضة شايفة نفسها أعلى من الكل.. أرجع تاني اشتغل على نفسك وأعمل أفكار تاني عدّل تصميم تاني وأعرضهم في مكان مختلف أو اشتغل على نفسك في النت وخليك حر نفسك.

ازاح مصطفى يده يهدأ من انفعالاته، ولكن لا يزال الصمت يحتله، لتضغط عاليا على كف حربي ليساعدها في الحديث وبالفعل استطاع حريي اخراج كلماته قائلًا:

_ أبدأ وركز طاقتك في شغلك الخاص وجدد دلوقتي كله بيحب التجديد وأنا معاك يا عم مصطفى متقلقش عندي قريبي عبقري في السوشيال ميديا وهيساعدك تقدر تعملك شغل لوحدك وتبعد عن الشركة دي.

بدت الحيرة على وجه مصطفى ينظر لهما بتشويش فلم يفكر بالأمر، رأى نفسه بسجن تلك الشركة يسأل بحيرة:

_ هو في حد ممكن يبص لواحد في سني؟

علقت عاليا بجدية:

_ سنك هيساعدك في خبرة بتاعتك.. وطالما الشركة ممضتكش على أي ورق يمنعك من شغل خارجي يبقى خلاص محلولة.

تنهد مصطفى بتعبٍ واضح جعل عاليا تنهض فجأة قائلة بهدوءٍ:

_ حربي قالي هيجي يزورك تاني صح يا حربي؟

أومأ حربي بفهمٍ لما تريده ينهض معها قائلًا ببسمة هادئة:

_ هنسيبك دلوقتي يا عم مصطفى ونجيلك بكرة.

تحرك كلًا من حربي وعاليا ولكن قبل أن يغادرا وضعت عاليا رقم طبيب بمشفى كانت تدرب بها من قبل قائلة بهدوءٍ:

_ روح لدكتور دا يا أستاذ مصطفى هيساعدك ترتاح وتنام تاني من فير ما تأنب نفسك على حالك.

نظر لها مصطفى بتعجبٍ فكيف علمت بما يمر به هو بالفعل بمساء كل ليلة يزداد عذاب ضميره وذاته، تحركت مع حربي بعيدًا تاركين مصطفى بحيرة لا مثيل لها، يغادران المكان حتى وصلا لشارع الرئيسي دون أن يتفوه أحدهما كلمة أخرى، حتى وقف عاليا فجأة تنساب دموعها بصمتٍ، نظر حربي جواره فوجدها بتلك الحالة ليسرع لها بقلقٍ:

_ مالك يا عاليا حصل إيه؟

نظرت له بضعفٍ:

_ أنا مش قادرة استحمل ومحتاجة أعيط يا حربي.. أنا أول مرة أشوف حد مقهور كده.

أمسك حربي كفها وبيد الأخرى بدأ يزيح دموعها برفقٍ قائلًا ببسمة حنونة:

_ كل واحد بياخد اختبار على قد طاقته وبيبعت ناس تانية عشان تكون سبب لحل الاختبار.. يمكن بحث الدكتورة دي سبب إننا ننقذ مصطفى ونعرف ماله.

كلماته أهدأت نيران الألم المندلعة بجوفها، تستكن قليلًا بين كفه الحاضن إحدى وجنتيها لتهتف بنبرة مبحوحة:

_ مش عارفة لو مكنتش معايا في الموقف دا كنت هعمل إيه!!

_ يــــــــــــــــــارب عجل في زفافي.

كبحت عاليا ضحكتها بصعوبة بعدما رأته يرفع رأسه للسماء يدعو ناظرًا للأعلى، فهتفت سريعًا لتغير مجرى الموضوع تبتعد خطوة عنه:

_ طب مش هنروح؟

للحق ذكرته بما حدث ليردف بإشفاق على حاله:

_ بعت لأرنبة يجي ويجيب عربية معاه لحسن أنا جسمي مكسر وعايز نجارين مصر يمسمروني بعد العلقة السخنة دي.

تعالت ضحكتها عليه ليسرع بوضع كفه على شفتيها ناظرًا لها بتحذيرٍ:

_ صوتك هيطلع كده ولا كده هأكلك العلقة دي يا عاليا مفهوم؟!

أومأت بتوترٍ من حديثه، ليبتعد قليلًا تاركًا لها مساحة للتنفس، ينتظر كلاهما أرنبة ليأتي.

*************

:_ إيه يا حربي يا حبيبي حاسك عايز تقول حاجة؟

قالها أرنبة ببسمة شامتة، ليرمقه حربي بغيظٍ قائلًا:

_ بكرة تدوق دوقتي أنا وعم سالم.

اتسعت عين أرنبة بخوفٍ من تحقيق تلك الأمنية يردف بفزعٍ:

_ يارب لاء فالك في عِبك يا أخي.

_ هو عاد فيا حيل عشان يبقى في عِبي!!

قالها متحسرًا بعدما نظر بالمرآة ليرى وجهه المتورم بشدة من الضرب، نظرت عاليا لكليهما تردد بعبوسٍ:

_ هي الرجالة حصلها إيه في البلد!

سمعها حربي الذي انتفض من مقعده ينظر لها بغيظٍ قائلًا:

_ ما أنتِ لو كلتي العلقة اللي بناخدها هتحسي بينا إنما أقول إيه اللي ايده في المياة مش زي اللي ايده في النار.

استدار نحو أرنبة قائلًا بألمٍ بعدما عاد بجزعه:

_ وديني عند عم سالم أما أشوف بعد العلقة قعد أد إيه وعمل إيه بظبط!

كبحت عاليا ضحكتها بينما أومأ له أرنبة وانطلقوا نحو منزلهما.

بعد وقت ازداد فيه ألم حربي، صعد يستند على يد أرنبة إلى أن وصلوا للدور المنشود، طرقت بيدها على والدها الذي ما أن فتح حتى تفاجأ بما فيه حربي ليردف بصدمة:

_ أنتِ عملتي إيه في جوزك؟

مطت شفتيها بعبوسٍ قائلًا:

_ معملتش حاجة هو اللي فرفور.

_ فرفور طب لما أخف يا عاليا هوريكِ الفرفور دا هيعمل فيكي إيه!

قالها حربي بغيظٍ منها ومن حديثها المتهكم، ليتمتم محمد باشمئزاز:

_ أخص على الرجالة أخص.

نظر له حربي بقوةٍ ثم قال بهمسٍ أثار رجفة كلًا من أرنبة ومحمد:

_ بكرة هتشربوا اللي شربته.. ماهو كاس داير على الكل.

توتر محمد قليلًا يبتعد عن الباب يفسح له المجال، بينما خرجت هبه من الشقة تتفاجأ بما حدث لحربي لتقترب من عاليا قائلة:

_ هو حصله إيه؟

أجابتها عاليا بهدوءٍ:

_ فاكرة العلقة اللي خدها أبوكِ..

أومأت هبه بتذكرٍ لتسترسل عاليا وهي تشير نحو حربي الذي يصرخ بألمٍ كلما تحرك:

_ أهو خد نفس العلقة بس بالغلط.

نظرت لها هبه ثم سحبتها من يدها قائلة:

_ تعالي تعالي احكيلي عملتي ايه.. دول بقوا فرافير على الأخر.

*************

حدقت عاليا بذهولٍ من غفو حربي على الفراش خاصتها، لتهدر بصدمةٍ:

_ أنت مين دخلك أوضتي!!

انتفض حربي من مكانه تابعها صرخة قوية ألمت جسده من شدة تحرك، يردف بألمٍ مغتاظ:

_ طب أرمي اليمين عليكِ دلوقتي وأخلص نفسي ولا أعمل إيه!

اغتاظت من كلمته، أو ربما ضايقتها وسببت ألمًا لتردف بانزعاج واضح:

_ أرمي يا حبيبي وخلص مادام شايف إني حمل عليكِ!

_ والله لولا قلبي المهزق اللي اتطس في مشاعره وحبك كنت عملتها يا عاليا.. امشي أطلعي برة ومشوفش وشك يلا.

تبخرت بسمتها ما أن سمعت جملته الأخيرة لتتمتم بضيقٍ:

_ على فكرة بقى دي أوضتي!

ابتسم حربي ببرودٍ متمتمًا:

_ وأنا جوزك يعني الأوضة بصحبتها ملكي فيا تنامي في حضني وأنتِ ساكتة يا تطلعي برة.

شهقت من حديثه وتوردت وجنتيها خجلًا تتمتم بتوتر:

_ أنتَ علقة أصرت على مخك يا حربي إيه اللي بتقوله دا!!

نظر لها بسمة صفراء ثم أراح جسده مرة أخرى بتأني، لتغادر عاليا الغرفة بغيظٍ تنظر لوالدتها التي لا تزال مستيقظة تخيط بعض الملابس يرتفع صوتها بضيقٍ:

_ يعني إيه يا ماما أروح لهبه خمس دقايق أرجع ألقي حربي خد أوضتي؟؟

لم تعيرها اهتمام بل أكملت ما تفعل بتركيز شديد حتى لا تشك الإبرة يدها، لتقترب عاليا بغيظٍ تسقط بظلها عليها، لم تعد وداد ترى فغرست الإبرة بيدها دون دراية جعلت وداد تطلق صرخة صغيرة تنظر بإصبعها بألمٍ ثم قالت:

_ غوري من وشي أنتِ إيه!! كل ما تقربي من حد لزمًا تسببيله عاهة مستديمة!!!

استنكرت عاليا حديثها قائلة:

_ على شكة دبوس بقت عاهة أمال الغلبان اللي جوا دا يقول إيه أما أنتِ تقولي كده!!

انحنت وداد قليلًا تمسك بنعلها الخفيف ثم أسرعت بقذفه على عاليا التي ركضت ما أن فطنت فعلتها، ليضرب النعل رأسها يجعلها تتأوه منه، حركت وداد رأسها بشماتة واضحة ثم عادت لحياكتها مجددًا تركز بها.

عادت لغرفتها مجددًا تبرطم بغيظٍ حتى وقع بصرها عليه، تنظر نحوه غافى بتعبٍ واضح، أشفقت عليه وعلمت سر سماح والدها بجلوسه في غرفتها، اقتربت منه تدقق بمعالم وجهه، يحمل سماحة وطيب خاطر، بالرغم ما حدث بينهما إلا أنه لم يضايقها بكلمة أو يسبها، ابتسمت بحبٍ ثم نهضت تمسك بمرهمٍ للكدمات وعادت له مجددًا تضع القليل على ذراعه والأخرى على وجهه تمسحها برفقٍ، فتح حربي حدقتيها بإرهاقٍ ينظر لها بتشويش ما بين الحلم والحقيقة، ليبتسم ما أن يراها قائلًا:

_ خليكِ معايا متسبنيش.

كبحت عاليا ضحكتها ما أن فهمت أنه يحلم بها، لتهمس له بخفوت:

_ مش هسيبك خالص بس غمض عينك يلا ونام.

امتثل لحديثها ثم أغمض عينيه ينعم بيدها الناعمة على وجهه مجددًا ثم نهضت من جواره تحمل ملابسها وتغادر نحو الحمام لتبدل ملابسها بأخرى وترتدي أسدالًا مناسبًا للجلوس ثم صنعت قدح القهوة وذهبت لغرفتها تجلس مجددًا على جهاز الحاسوب ثم بدأت بكتابة جزء الخاص بدراسة حالة مصطفى دون الإفصاح عن هوايته حتى غلبها النعاس تغلق الجهاز لمقابلة أخرى بالغد معه.

*************

وقف يطرق الباب بخفةٍ بعدما عاد لمنزله، يبدل ملابسه ويأخذ مسكن قوي ثم عاد مجددًا لعاليا التي كانت تنتظره ليذهاب إلى مصطفى كما رغبت، فتح محمد ينظر لحربي الذي أصبح أكثر وسامة ليهتف محمد بإعجاب:

_ أتصدق يا حربي صحتك جت على الضرب.

_ بكرة تدوقه يا عمي وصحتك تيجي عليه.

اتسعت عين محمد من حديثه ليردف بغيظٍ:

_ أدي أخرت اللي يجوز بنته لواحد فرفور.

جحظت عيناه بصدمةٍ من الكلمة ليغادر محمد ولا يزال يتمتم بكلماتٍ ساخطة على محمد، بينما انطلقت عاليا تنظر لوالدها بتعجب من حديثه لنفسه، فاقتربت من حربي قائلة:

_ هو بابا ماله؟؟

ضيق عينيه قليلًا ثم قال بتهكم:

_ متغاظ عشان اتريقت عليه.

نظرت له بسخطٍ تردف بتهكم:

_ بتتريق وأنت متبهدل يا حربي طب اتكلم لما الكدمات اللي في وشك تخف؟!!

_ مصيرك يا ملوخية تيجي تحت مخرطة.

قالها حربي متوعد بالكثير، لم تفهم عاليا معنى حديثه ثم سارت معه كي يذهبان ليكملان البحث.

***********

_ هي الناس بتبصلك كده ليه يا حربي؟

همست عاليا بتلك الكلمات القلقة، ليردف حربي بتوترٍ:

_ مش عارف.

صمتت عاليا قليلًا ثم قالت بشهقة:

_ ليكونوا هيضربوك تاني!!

تسارعت دقات قلبه خوفًا من تلك الفكرة، فلم يُشف جسده بعد، توقفا عن الحركة عندما أتى لهما ذلك الشاب الذي ظن أن حربي قام بضرب عم مصطفى بالأمس، ليقترب منه قائلًا وهز يحك طرف أنفه:

_ خير يا أُستاذ جاية في حق!!!

قال كلمته الأخيرة بتهديد، ليجيب حربي مزدردًا لعابه:

_ المسامح كريم يا..

_ كوكي... محسوبك كوكي يا ذوق.

ابتسم حربي بتوترٍ قائلًا:

_ عاشت الأسامي يا كوكي.. هستأذن عشان الجماعى معايا.

تقهقر كوكي بعيدًا عنه يفسح له الطريق ثم سار حربي بعيدًا نحو منزل مصطفى ولكن أوقفته جملة علت بمسمعه جعلته يفزع:

_ عيب يا كوكي الضيف يجيلك ومنوجبش معاه ونعتذر على سوء الفهم.

نظر حربي برعبٍ يردف لعاليا:

_ أجري يا عاليا أجري مفيش وقت.

ركض حربي وعاليا سويًا ليبتعدا عن هؤلاء الشباب ولكن لم يتركه كوكي حيث ركض خلفهما قائلًا:

_ أمسكوا الواد دا بسرعة.

بالفعل خرج عدد من الشباب من ورشة نجار وميكانيكة وأسرعوا خلف حربي حتى استطاعوا يحاوطه بمفرده فلم تنتظر عاليا وركضت مجددًا دون النظر له، نظر حربي حوله برعبٍ يردف بغيظٍ من عاليا:

_ عرق الندالة بيجري في دمك يا عاليا بس هوقعك.

أتى كوكي له ينظر له بتقييم ثم قال:

_ عيب يا هندسة تجري دا أنا جاي اعتذرلك بنفسي.

_ والله المسامح كريم.

_ وليه تبقى أكرم مني يا عم.. لا أنا جايلك وهعملك حفلة اعتذار دلوقتي.

قالها كوكي بحدية واضحة جعلته يضطرب مما سيحدث، ليرتفع صوت كوكي مناديًا:

_ ولا يا حمدي تعالى يلا في حفلة اعتذار.

ركض فتى ضخم طويل للغاية نحو حربي الذي أراد الركض ولكن منعه كوكي من المغادرة ليحمله حمدي على اكتافه كما لو كان رضيع قائلًا:

_ غنوا معايا يلا يلا.

تحمس الشباب ليغنوا مع حمدي بينما صرخ حربي بألمٍ كلما قفز حمدي بحماسٍ مع حركات التصفيق في حين صفق كوكي بحماسٍ:

_ كوكي يا كوكي كل الشباب بيحبوكي.. عايزين نعملها حفلة يا بيه.. ونختمها على خير.. كوكي جاي يا سعادة البيه علشان يعتذر ويشوفكوا يا ولاد الإيه.. الواحد واقف مظبوط والاتنين بتبص عليه والتلاتة مستنية إيه واربعة بتحب عليه والخمسة محلقة عليه والستة شيلها من رجليه والسبعة بتبص لفوق والتمانية مستنية رضاه والتسعة قاعدة عليه والعشرة هتجيب في شوالين.

اختتم الأغنية بصقف حار من الجميع، بينما شعر حربي بألم منتشر بأذنه وجسده مما فعله حمدي فكان يقفز بها من حين لأخر بطريقة جنونية، أنزل حمدي حربي أرضًا ثم ليردف كوكي باستفهام:

_ لسه زعلان ولا نعيـ...

_ أحب على راسك أنا والله مسامحك لو عايزة أحلف على المصحف أحلف بس بلاش الحفلة تاني.

ابتسم كوكي برضا قائلًا بصوتٍ عالي ليفض الزحام:

_ اتصالح يا شباب.. وأنت يا حربي كل ما تحب تتصالح تعالى وهنروقك لسه عندنا فقرات تانية.

اومأ حربي يغادر من أمامه سريعًا، يصعد الدرج ولكن وجد عاليا أمامه، نظر لها متوعدًا ثم قال ضاغطًا على كفها:

_ تعالي يا حبيبتي تعالي.

توترت عاليا منه تصعد معه، لتراه يطرق الباب وما كادت أن تتحدث حتى سمعت مصطفى يردف:

_ اتفضل يا حربي تعالي يا بني.

رحب بحربي بحرارةٍ، ليدلف كلاهما يجلسان بالردهة كما فعلا بالمرة السابقة ولكن اختلف الأمر فـ مصطفى تلك المرة كان بحالة أفضل عما كان عليها بالأمس، يبدو أنه انتظر الوميض الصغير ليدفعه للانطلاق، قاطع حيرتهما صوت مصطفى يردد:

_ أنا فكرت في كلامك يا حربي وعايز أجرب.. كفاية اللي خسرته.

ابتسم له حربي برضا يتمتم:

_ عين العقل يا عم مصطفى.. بص أنت هتكمل في الشركة على ما نظبط شغلك برة.

أومأ مصطفى له موافقًا رأيه، ولكن هتفت عاليا بصوتٍ متوتر:

_ ممكن توصلنا بالمهندس عز الدين دا.

نظر لها مصطفى بتعجبٍ ثم قال:

_ هو بقاله فترة مختفي لإنه بيعين مهندسين جداد وموظفين حسابات.

ألتمعت عين عاليا بفكرةٍ، تسأل سريعًا:

_ طب ابعتلي شروط التعين والمواعيد.

أومأ مصطفى لها ثم نهض يحضر ورقة مطبوعة بشروط الشركة وأعطاها لحربي الذي تعجب من تفكير عاليا، نهضت عاليا تمسك بكف حربي قائلة:

_ مش يلا يا حربي نروح عشان المشوار اللي ورانا.

أومأ لها مضيقًا عينيه بتعحب، في حين ودعهما مصطفى شاكرًا لكليهما بامتنان على إحياء حلمًا قديم ظن أنه فُني، تمنى أن يكتمل الموضوع دون عائق.

**********"

_مالك يا عاليا خلتينا نمشي علطول؟

ازدردت لعابها بتوترٍ تردف بعدما أخذت نفسًا عميقًا: _ هو أنا لو طلبت طلب صغير توافق يا حربي؟!

قطب جبينها بتعجبٍ يجيب:

_ أطلبي يا عاليا اللي تحبيه.

_ عايزاك تجرجر المهندس عز لحد ما يتحرش بيك.

اتسعت عين حربي بصدمة يزمجر بحدة:

_ نعم ياخـــــــــــتي!!!!

تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1