![]() |
رواية اسير عينيها الجزء الرابع (للعشق قيوده الخاصة) الفصل الخامس والستون بقلم دينا جمال
في سيارته يديه تشتدان بعنف علي المقود ... يدهس الدعاسات تحت قدميه بقسوة مخيفة .. قسوة لم يعرفها قلبه ... لم يولد بها ... بل صبغته الحياة بها رغما عنه ... لما عادت من جديد .. عادت لترميه في بحر موحل من الذكريات السوداء ... بحر ظل عمره بالكامل يتخلص من بقاياه العفنة التي تلوث روحه ... والآن عادت لتغرقه فيه من جديد بمنتهي البساطة ... عادت تريد منه إن يسامحها ... كيف يفعل ذلك وهي سبب شقاءه ... كان مجرد طفل ... طفل صغير لم يرد سوي والدته لم يكن له سواها ... وهي ماذا فعلت تزوجت بمريض نفسي مجنون كان يكره والده فعذبه هو ... اذاقه الويلات وهي فقط تشاهد في صمت ... تريد منه السماح نجوم السماء أقرب لها منه ... نظر حسام لصديقه الجالس جواره ملامحه الغاضبة عروق يديه النافرة عينيه الحمراء يشعر بأنفاسه السريعة ... زيدان غاضب بل علي وشك الإنفجار ... بعد أن اوصلوا انجليكا الي الفندق ... ها هو يقود سيارته منذ ساعات بلا هدف ... فقط يتحرك في الطرقات الخالية يشتد من سرعته كل حين ... حاول تهدئته أكثر من مرة دون فائدة ... بعد ساعات وقفت السيارة في حديقة منزل زيدان البعيد ... بعد أن انتصف الليل تقريبا ... أوقف زيدان السيارة لم تترك يديه المقود ... ظل أصابعه تقبض علي مقود السيارة يطحنه بين يديه عينيه تسبح قي فراغ الليل المظلم .... ذكرياته تتصارع في رأسه تأكله بلا هوادة تمزق قلبه الممزق من الأساس .... طال صمته ... قبل أن يحرك رأسه ناحية حسام يطالعه بنظرات فارغة فتح فمه لتخرج نبرة صوته الخاوية من الحياة :
- أنا عمري ما هسامحها ... ابدا يا حسام ... أبوك فاكر أني لما اشوفها هجري في حضنها .. أنا بكرهها ... ما بكرهش حد في حياتي قدها ... دي شيطانة صدقني .... ما تتخدعش بدموعها .... هي راجعة عشان تحسسني بالذنب ... عشان تخلي الناس تتعاطف معاها ... عشان اطلع أنا الوحش في النهاية
نظر حسام لصديقه صامتا لا يجد حقا ما يقوله ... زيدان عاني كثيرا بسبب والدته .. هو أكثر من يعرف معاناة صديقه ... يحفظه عن ظهر قلب ... أراد أن يخفف عنه بأي شكل كان فرسم ابتسامة مرحة مصطنعة علي شفتيه يتمتم في مرح باهت :
- معقولة تطلع إنت الشرير في رواية أحدهم
هي فقط ابتسامة شاحبة التي ارتسمت علي ثغر زيدان يحرك رأسه يأسا رفع حسام يضعها علي كتف زيدان يشدد كفه علي كتف صديقه يحادثه مترفقا :
- زيدان أنت مش مجبر أنك تسامحها احنا مش ملايكة يا زيدان ... بحكم شغلي أنا عارف إن في أمهات مجردين من الرحمة ... بشوف منهم حالات كتير ... بابا في الأغلب كان فاكر أنه هيفرحك ويتلم الشمل ... وتنسي جزء كبير من وجعك ... ما تحطش اللوم علي نفسك ... ولا عليه ... دا مقدر انها ترجع دلوقتي ... زي ما هو مقدر بردوا إن كنت هتسامحها او لاء ما حدش فينا عارف ايه اللي هيحصل بكرة ...
صمت للحظات ينظر لعيني صديقه التي هدأت عاصفتها قليلا بعد ما قال ... ليرسم حسام ابتسامة مرحة علي شفتيه يتمتم كطفل صغير :
- يلا يا عم أنا هموت وأنام واعمل حسابك أنا مش جايب معايا هدومك ... من غير ما تقول يا جدع عارف إن دولابك دولابي
قالها ليخرج من السيارة فتح الباب المجاور لزيدان يخرجه إياه قصرا يحادثه مبتسما في غرور :
- هعملك عجة بس مش عايز اقولك ما تتاكلش قسما بالله ... حاجة كدة تقرف ...
ضحك زيدان رغما عنه يسير خلف صديقه لداخل المنزل .... ينظر لحسام ممتنا .... لولا وجود ذلك الرجل في حياته منذ سنوات طويلة لكان تدمر من كثرة ما يلاقي من لطمات
________________
في غرفتها تتسطح علي فراشها ترتسم ابتسامة صغيرة علي شفتيها بعد محادثة طويلة مع سهيلة أخبرتها بما يفعله جاسر ... شقيقها الرومانسي .. محظوظة سهيلة بجاسر ... كما كانت محظوظة هي قديما بوجود زيدان ... اعتدلت في جلستها تنظر لساعة الحائط تخطت الواحدة بعد منتصف الليل ... رغبة ملحة بداخلها تدفعها للذهاب لغرفة لوجين لما لا تعرف ولكنها حقا تريد أن تفعل ... والدها أمر الخدم بتجهيز غرفة كبيرة لها ....بعد رحيل زيدان اليوم انهارت لوجين في البكاء ... ليحملها والدها يضعها في غرفتها .. الغريب في الأمر هو موقف والدتها .... هي خير من يعرف والدتها العطوف ... تحب الجميع ... اكثر ما قد يؤلمها هي أن تري شخصا يبكي .. لكنها كانت تنظر لوالدة زيدان وهي تبكي بأعين فارغة تماما من الحياة ...وكأنها تشمت بها ... حسنا لينا لم تكن لتقاوم فضولها ابداا ... تحركت من غرفتها خطت في الممر الفارغ إلي غرفة الضيوف التي تقطن بها لوجين .... رفعت يدهت تدق الباب بخفة ... دقة اثنتين ثلاثة ... انتظرت بضع لحظات ... ظنت مع الصمت أنها قد نامت إلا أنها استمعت إلي صوت ضعيف تلوه بحة البكاء الخاصة يأذن للطارق بالدخول ... تنهدت بقوة امسكت مقبض الباب تديره دخلت للغرفة ... اول ما وقع عينيه عليها ... لوجين تجلس علي الفراش ... تحتضن برواز لصورة لم تحتاج للكثير من الذكاء لتعلم أنها بالطبع صورة زيدان ...رسمت ابتسامة متوترة علي شفتيها حمحمت تهمس مرتبكة :
- مساء الخير ... اانا مش قصدي ازعجك .. أنا بس كنت جاية اطمن عليكي
فقط شبح ابتسامة صغيرة ارتسم علي وجه لوجين رفعت يدها تمسح سيل دموعها الفائض .. لتربت علي الفراش جوارها ... اقتربت لينا تجلس بالقرب منها تختلس لينا النظرات لها بين حين وآخر لا تجد ما تقوله ... فقط تبتسم في توتر واضح ... في حين ارتسمت ابتسامة شاحبة علي شفتي لوجين ...رفعت يدها تربت علي كتف لينا تحادثها :
- تعرفي أن زيدان ما كنش بيبطل كلام عنك وهو صغير ... كان بيخليني اكلم خالد واخليه ويبعتلنا الصور ... كان دايما يقولي خالو عنده نونو حلوة أوي ... أنا هتجوزها لما أكبر وابقي ظابط زي بابا
انحدرت دموع لوجين تصاحب كلامتها لتلتفت لينا برأسها تنظر لها مشفقة علي حالها .. رأتها وهي تنظر لصورة زيدان اجهشت في البكاء تهذي باكية :
- أنا اذيته بانانيتي ... سلمت مشاعري وقلبي لمعتز عرف يضحك عليا ... قبل ما اتجوزه كان خالد دايما يفضل يقولي أنا ما بحبوش يا ماما ... عينيه بتخوفني ... وأنا اقول طفل صغير ... بكرة معتز هيعوضه وهو هيحبه ... بس هو كان عنده حق ...وأنا اللي كنت غبية .. معتز دا شيطان ... اذاني واذاه ... كل دا عشان ينتقم من زيدان ... يا ريتني ما سمحت للشيطان دا يخش حياتي ... كان زمان ابني في حضني ... ما كنش اتعذب العذاب دا كله بسببي
نظرت لينا للوجين حزينة لتدمع عينيها ... هي الاخري سمحت لشيطان آخر أن يدخل حياتها فدمرها ... واكلمت حلقة عذابه ... قامت من مكانها تخرج من غرفة لوجين دون أن تنطق حرفا آخر ... توجهت في طريقها إلي غرفة زيدان ... دون أن تفكر مرتين فتحت الباب ... تدخل الي الغرفة تغلق الباب خلفها وقفت تلهث بعنف تنظر للغرفة امامها توجهت إلي فراشه مباشرة ترتمي بجسدها عليه ... أغمضت عينيها لتسيل خطوط دموعها ... تغرق وجهها ... تحركت يدها تقبض علي وسادته تجذبها إليها ... لتلمح تحت شئ اسود صغير مدت يدها تلتقطه لتجده شريحة تخزين صغيرة للهاتف ... تري ما بها وماذا تفعل تحت وسادة زيدان ... اعتدلت في جلستها تلتقط هاتفها من جيب سروالها البيتي .... وضعت الشريحة فيه انتظرت للحظات قبل أن يظهر ملف الشريحة علي هاتفها ...فتحته سريعا تنظر لما يحتوي ... لتجد الكثير من مقاطع الفيديو ... مقاطع قصيرة تستمر لثواني معدودة ...اطولهم مقطع يمتد لدقيقة واحدة فتحت أحدهم عشوائيا .. لتجد فيديو مصور لها !! ... وهي في الحديقة تسقي الأزهار .... توسعت عينيها في دهشة هل كان يصورها ... بدأت تفتح ملفات الفيديو واحد تليه الآخر ... وهي تأكل وهي تذاكر علي الطاولة بالأسفل ... وهي تشاهد التلفاز وهي تضحك مع جاسر ... وفيديو لها وهي في الواحة بصحبة الفتيات .... حياتها بأكملها هنا .... في مقاطع فيديو يحتفظ بها لنفسه دون أن يعلم أحد ...
________________________
في صباح اليوم التالي في تمام الثامنة صباحا تحرك خالد السويسي بسيارته متوجها إلي منزل زيدان ... ليلة أمس وبعد ما حدث ... حين صعد لغرفته وجد لينا نائمة تغرق في نوم عميق غير مبرر ... نوم عرف سببه فيما بعد ... لينا اخذت أحد اقراصها المهدئة لتنام رغما عنها ... ربما لتهرب من الحديث معه ... وصل بعد ساعة تقريبا إلي منزل زيدان نزل من سيارته توجه ناحية الباب يخرج مفتاحه دسه في قفل الباب لينتفتح ... خطي إلي داخل المنزل الفارغ لولا بقايا الطعام الذي تعلو الطاولة لظن انهم لم يأتوا إلي هنا ... اخذ طريقه لأعلي ... حيث غرفة زيدان ... مد يده يفتح مقبض الباب ليرفع حاجبيه ساخرا ينظر للمشهد أمامه في تهكم مستنكرا ... زيدان ينام مجاورا لحسام كجثتين يضع حسام يده علي وساق فوق أخري وهو نائم !! ... بينما ينام زيدان علي ظهره يديه جواره ... أحدهما عاري الصدر والآخر يرتدي « فانلة » سوداء ذات حمالات ... غض خالد علي شفتيه حانقا ينظر لهما مشمئزا يتمتم مع نفسه :
- أنا من زمان وأنا شاكك في العيال دي
توجه إلي زجاجة المياة يغرقهما بهما الاثنين معا ليستقيظا فزعين ... يصيح زيدان غاضبا :
- ايه في إيييه
بينما يصيح حسام مذعورا فزعا :
- بغرق ما بعرفش اعوم ... ما بعرفش اعوم
لحظات حتي استوعب كلاهما ما حدث ...حرك زيدان رأسه ينفض الماء عن رأسه ... بينما حسام لأبيه مغتاظا يتمتم حانقا :
- ايه يا حج الهزار التقيل دا علي الصبح .. ما تضربنا بالنار أحسن ... ولا خلي تريلة محملة رز تعدي علينا
ضحك خالد ساخرا يشير بيده لهما معا .... يحادث زيدان أولا :
- البيه يقوم يغسل وشه ويفوق عشان عايزه في كلمتين
تأفف زيدان حانقا .. ليترك الفراش يتجه صوب مرحاض الغرفة .. اشار خالد بيده ناحية حسام يحادثه ساخرا :
- والبيه اللي حاطط رجل علي رجل وهو نايم ولا كأنه رئيس إدارة المرتبة ... انزلنا اعملنا فطار وقهوة يلا
قفز حسام من مكانه اقترب من أبيه بتلك ال«فانلة» السوداء ... يتمتم مغتاظا :
- ايييه يا عمنا هو أنا الفلبينية ... ما اخدلكوا الغسيل فومين أحسن
وضع خالد يده علي مسدسه لتتوسع عيني حسام فزعا ... ابتسم في بلاهة يتمتم سريعا في ذعر :
- خدامك حسام يا باشا ... فطار وقهوة بس ... من عينيا الجوز يا باشا
قالها ليفر لخارج الغرفة بينما ضحك خالد يأسا ... توجه إلي أحد المقاعد يرتمي بجسده عليه ينتظر زيدان لحظات وخرج من المرحاض يرتدي « تيشرت » أسود ... يجفف وجهه بمنشفة صغيرة توجه ناحية خالد يجلس علي المقعد المقابل له جوار الشرفة ... في صمت مطبق ... رفع يده يطرقع بأصباعيه ... يجذب انتباه زيدان ... ليتمتم في هدوء ما أن نظر الأخير :
- ايه اللي أنت عملته إمبارح دا
ابتسم زيدان ساخرا .... ينظر لعيني خاله ليردف بنبرة ساخرة مريرة :
- عملت ايه ... أنا اللي مش فاهم ايه اللي أنت عملته دا .. اومال لو ما كنتش عارف الحكاية كلها ... احنا مش في يوتوبيا هنا يا خالي ... أنا مش هسامح لاني المفروض اسامح ولا لأنها المفروض ... وللاسف تبقي أمي ...
زفر خالد بقوة يقاطع زيدان فجاءة قبل ان يقول المزيد :
- امك ما كنتش واعية للي بتعمله ... الشيطان اللي اسمه معتز خلاها مدمنة مخدرات من اول يوم سافرتوا فيه ... تعرف أنه رماها في السجن .. وأنها بقالها سنين مسجونة ..
في تلك اللحظة رن هاتف زيدان نظر لخالد لترتسم علي شفتيه ابتسامة باردة رفع كتفيه يتمتم بلامبلاة :
- ما تفرقش معايا هي بالنسبة لي ميتة من زمان ... عن إذنك هرد علي الموبايل
قام زيدان من مكانه في هدوء يتجه صوب هاتفه الموضوع علي الطاولة تتابعه أعين خالد حزينا عليه مشفقا علي حاله هو ولوجين معا ... وضع زيدان الهاتف علي أذنه يتحدث مع الجانب الآخر والتي استشف خالد انها انجليكا من حديثه معها :
- ايوة يا انجليكا .... هتسافري الغردقة .... ماشي ... خلي بالك من نفسك ... سلام
أغلق معها الخط يبتسم شاردا ليجفل علي صوت خالد يسأله مباشرة :
- حبيتها
تحولت ابتسامته لاخري ساخرة يحرك رأسه بالنفي ... التفت برأسه ناحية خالد يردف متالما :
- يا ريتني عارف أحبها ... كنت ارتحت من العذاب
عاد يجلس علي المقعد المقابل لخالد ليردف الأخير يسأله مباشرة :
- علاقتك بيها غريبة ... تقريبا ملازماك زي ضلك ... مش شاكك لتكون مزقوقة عليك من حد
حرك زيدان رأسه نفيا في هدوء تنهد بقوة يتمتم في هدوء واثق :
- لاء مش شاكك أنا عارف كل حاجة عنها ... جبت تاريخ حياتها ... انجليكا بس عنده تعلق مرضي ... لما بتحب حد او حاجة بتتعلق بيها بشكل كبير ودي معلومات وصلت ليها من اهلها نفسهم ... دا خلي حبيبها الاولاني اللي اسمه ماكس يسيبها ... هي متعلقة بيا بس كمسكن لوجع قلبها بعد ما سابها ماكس ... وانا ما اقدرش بصراحة ابعدها ... أنا عارف الحالة اللي هي فيها كويس ... عيشتها قبل كدة
حرك خالد رأسه إيجابا لتشرد عينيه بعيدا ... يرغب في تلك اللحظة بأن يجذب زيدان من يده ولينا ابنته في اليد الاخري إلي اقرب مكتب مأذون يعقد قرانهما ويلقيهما معا في بيت بعيد ... ليتعاتبان كما يريدان ... وينتهي هو من عنادهما ... فكرة جيدة راقت له كثيرا ربما يطبقها قريبا ... اجفل من شروده علي صوت حسام بالقرب منه يتحدث ساخرا وكأنه فتاة لعوب :
- الفطار والقهوة يا سيد الناس
ضحك خالد عاليا يحرك رأسه يأسا يردف ساخرا :
- يا رتني كنت خلفت دكر بط
اقترب حسام منه يضع صينية الطعام الصغيرة علي الطاولة نظر لوالده يتمتم سريعا بعد أن تذكر :
- صحيح يا حج مش احنا واحنا في البلد قابلنا دكتور اسمه مروان ساهر ... اللي لينا باسته وهي صغيرة !!
شخصت عيني زيدان في صدمة احمرت حدقتيه ينظر ناحية حسام تكاد تخرج النيران من عينيه ذلك الطبيب الذي دله بنفسه علي غرفة لينا ... قبلته معشوقته الحمقاء قبلا متي حدث ذلك ... لاحظ حسام نظرات زيدان اللاهبة ليحمحم حسام يردف سريعا :
- وهي طفلة صغيرة بريئة عندها سنة واحدة ...
ابتسم خالد في خبث ينظر لرد فعل زيدان يبدة أنه يحتاج لمحادثة مروان قريبا جداا ... كم أشتاق لتلك الخطط القديمة ... وحان وقت اللعب من جديد !!
________________
مر يومين لم يحدث حسام مقيم في منزل زيدان ... لوجين لا تخرج من غرفتها سوي أقل القليل ... العلاقة بينها وبين لينا زوجة خالد شبه معدومة ... بينما تتوطد العلاقة بينها وبين لينا ابنته يوما يليه آخر .... في تلك الساعات المبكرة من صباح اليوم ... شقت سيارة عثمان طريقها مسرعة عائدة للقاهرة من جديد ... يقود السيارة مستمتعا ترتسم ابتسامة واسعة علي شفتيه بينما تجلس سارين جواره حانقة تسأله بنزق بين حين وآخر:
- ممكن تفهمني احنا رايحين فين وليه قررت نرجع فجاءة كدة ...
ويكون رده العابث غمزة ماكرة من طرف عينيه وابتسامة كبيرة وكلمة واحدة بقولها :
- مفاجأة
ظلت هكذا طول طريق العودة للقاهرة ... عقلها يذهب بها إلي أسوء الاحتمالات وقلبها يحاول طمئنتها ... عثمان يحبها ولن يؤذيها ... بعد ساعتين قضتهم تتلذي بنيران القلق والفضول ..... وصلت سيارة عثمان عند باب النادي الخلفي ... قطبت جبينها في عجب ... لما لم يتجه عثمان للباب الرئيسي ... اوقف السيارة ليلتفت لها يسألها مبتسما :
- واثقة فيا
نظرت له في صمت قلق للحظات قبل أن تحرك رأسها بالإيجاب ... ابتسم هو لينزل من السيارة
لف حولها يفتح لها الباب امسك يدها يجذبها للخارج ... نزلت تمشي بصحبته ... لتجده يدخل من باب صغير يمشي بها فئ ممر شبه مظلم إلي أن وصا لغرفة جانبية دق باب الغرفة ... توسعت عينيها في دهشة حين فتحت والدته الباب ... ليدفعها ناحية والدته يغمز لها بطرف عينيه ... فتحت فمها تريد أن تقول شيئا ولكنه قد اختفي في ظلام النفق ابتسمت لبني لها تجذبها لداخل الغرفة لتتوسع عينيها في ذهول حين رأت !!!
___________
اوقف عثمان سيارته أمام مدخل النادي الرئيسي ... نزل منه ليجد والده في انتظاره اقترب منه يسأله في حماس :
- كل حاجة جاهزة
تنهد علي قلقا من افكاره ولده المجنونة حرك رأسه بالإيجاب يتمتم في قلق :
- آه ربنا يستر من دماغك
ضحك عثمان مستمتعا يتحرك بصحبة أبيه الي أكبر قاعات النادي .... المزينة بشكل فاخر عمل والده جيدا علي جعل المكان أكثر من رائع ... بينما عيني عثمان كانت تبحث عن مكبرات الصوت ... الأمر حقا يستحق ما سيفعل ... ترك والده يتوجه احدي الغرف التي يعرف طريقها جيدا دق الباب ودخل ليجد ليلا تلتف حول نفسها بفستان أبيض عاري من الأعلي يصل لبعد ركبتيها ببضع سنتيمترات ... هرولت ناحيته ما أن رأته ترتمي بين احضانه تعانقه بقوة تصيح فرحة :
- عثمان أنا فرحانة أوي بجد ... ايه رأيك في الفستان حلو
ابعدها عنه قليلا يمسك يدها جعلها تلتف حول نفسها برقة ليطلق صفيرا طويلا يعبر به عن إعجابه بما يري :
- هايلة يا قلبي .... هروح البس علي ما تخلصي
ودعها ليتوجه إلي غرفة ملابسه القديمة بدل ثيابه الي حلة سوداء قميص أبيض رابطة عنق سوداء ... نظر لانعكاس صورته في المرآة ... يبتسم ساخرا حانت ساعة الانتقام .... توجه للخارج بخطوات رشيقة وصل لقاعة الحفل التي بدأت تعج بالضيوف .... بحث بعينيه عن والده إلي أن رآها ... نظر له ليحرك «علي» رأسه إيجابا يخرج من القاعة بالكامل ... وقف هو يتلقي التهاني من الجميع لا أحد يعلم لما هو هنا من الأساس ... المنتشر أنه حفل زفاف الصياد .... دقائق فقط قائق وصدحت أصوات الابواق العالية ... وقف هو عند نهاية البساط الاحمر الطويل ينظر لباب القاعة وهو يُفتح ويظهر والده ممسكا بسارين ... سارين التي إلي إلا الآن لا تفهم ما يحدث ... حين دخلت إلي الغرفة رأت فستان زفاف كبير ... في انتظارها .... ارتدته وسط دهشتها لتبدأ العاملات في الغرفة بوضع مستحضرات التجميل لها ... بمساعدة لبني والدته ... والآن يأتي والده يصطحبها من يدها وقف بها عند باب القاعة من الخارج انفتحت الأبواب بشكل درامي ... ليترك علي يدها يبتسم لها ... في اللحظة التالية خرجت شهقة مذهولة حين رأت ابيها يأتي ناحيتها عقد يده في يدها يتمتم مبتسما :
- يلا عشان اسلمك لعريسك
متي جاء والدها كيف فعل كل ذلك وكيف فعله من الأساس ... تحركت بصحبة والدها تتوجهان ناحية عثمان الذي يقف هناك عند النهاية ينتظرهم ... وصل عمر إليه بصحبة سارين ليترك يدها يسلمها له ... نظر عثمان لعمر يحادثه مبتسما :
- صدقتني لما قولتلك اني هعملها فرح تاني
ابتسم عمر وادمعت عينيه اقتربت من ابنته يقبل رأسها يهمس لها بحنو :
- ربنا يسعدك يا بنتي ... ماما تعبانة اوي من الحمل ما قدرتش تيجي بس سارة بتصورلها كل اللي بيحصل لايف
اشار بيده إلي سارة التي تقف هناك تمسك هاتفها تصور ما يحدث بالكامل ابتسمت في سعادة تلوح لها ...تبعث لها قبلة في الهواء ادمعت عيني سارين لا تصدق ما يحدث تنتظر أن تصحو من الحلم بعد لحظة وأخري ... أخذ عثمان بيدها إلي « الكوشة » ما كاد يجلسها عليها سمعوا جميعا صوت انثوي يصيح غاضبا :
- هو ايه اللي بيحصل
صمتت الأصوات توجهت أنظار الجميع ناحية ليلا التي تقف عند باب القاعة ترتدي فستان زفافها لتفاجئ أن عروس أخري تجلس جوار عثمان ....
- هو في اييييه .... خرج ذلك الصوت من عمار الذي جاء توا هو الآخر بعد أن وصلت له رسالة من ليلا !! حسب ظنه ... بأنها ستريه نهاية الصياد اليوم في قاعة الزفاف الكبيرة
نظر عثمان لهما معا يبتسم مستمتعا طرقع بأصابعه لتُغلق أبواب القاعة بقوة تحرك هو يقف في منتصف القاعة يتحدث في زهو :
- حاسس أني محمد علي اوي في اللحظة دي.
ضحك بقوة ليعاود النظر لجميع الموجودين في القاعة وخاصة ليلا وعمار ... صمت للحظات قبل أن يصدح صوته يقول مبتهجا :
- طبعا اغلبكوا إن ما كنش كلكوا مش فاهمين احنا هنا ليه النهاردة ... احنا هنا النهاردة عشان نحتفل كلنا سوا ... بعيد ميلاد مراتي وحبيبتي واغلي ما املك في دنيتي ... سارين .... ولأن ظروف جوازنا اضطرتني اني ما اعملش فرح وقتها فأنا قررت اعملها مفاجاءة واعمل فرح تاني مع عيد ميلادها ... عشان اقولها كل سنة وانتي طيبة ... كل سنة وإنتي حبيبتي ومراتي ومعجزتي ....
بدأ الجميع في التصفيق وصفرات الشباب تأتي من هنا وهناك
ليشير بيده للجمع أن يهدوا قليلا قبل أن يصدح صوته من جديد يردف في دهشة ساخرة :
- طبعا الناس هتسأل ازاي في عروستين .. مين اللي واقفة عند الباب دي ...
أشار بيده الي سارين يردف مبتسما :
- دي مراتي وحبيبتي ومعجزتي زي ما قولت
التفت برأسه ناحية ليلا لتختفس ابتسامته يحل محلها قسوة مخيفة اشار إليها بأصبعه يردف محتدا :
- ودي حية خبيثة شيطانة .... فاكرة اني غبي ... هتعرف تضحك عليا .... ليلا هانم الزهاوي ... عشيقة عمار بيه ... اللي اتفقت معاه أنها تضحك علي الصياد وتوقعه في يوم السبق .. اهو يموت يتكسر يتشل ... مش مهم ... كدة او كدة او كدة هيتزاح من الساحة ويبقي عمار بيه هو بطل السباق ... كان نفسي اوريكوا المقطع الجاي صوت وصورة بس للأسف دي مشاهد +18 ما ينتفعش تتعرض فاسمعوها صوت بس
اخرج جهاز تحكم صغير من جيب سرواله يضعط علي أحد الازرار فيه لتصدح من مكبرات الصوت ... صوت ليلا وعمار يتحدثان
- يا لولو الموضوع بسيط ... انتي هتوقعي عثمان واعتقد أن دي حاجة مش صعبة عليكي .... بس اوعي يضحك علي عقلك ... عثمان لو ما عرفش يطولك هيجي يخطبك وساعتها بقي هتقدري تحطيله الحبوب في أي عصير يشربه .... ويوم السبق تزودي الجرعة هوب هيقع يموت بقي يتكسر ...اهو هنبقي هنبقي زحناه من علي الساحة ولا من شاف ولا من دري
- خرجت ضحكة دلال عالية من بين شفتي ليلا لتردف مكملة في خبث :
- بس كدة دي بسيطة خالص ... انا كدة كدة ليا عند الصياد طار قديم واحدة صاحبتي كانت بتحبه وهو رفضها ... ما استحملتش جالها اكتئاب وانتحرت ... فاكر نفسه جان ... أنا بقي هوريه
- هنوريه كلنا بس تعالي هقولك موضوع مهم دلوقتي ... لتتعالي ضحكات ليلا الماجنة من جديد
اوقف عثمان مكبر الصوت ... ينظر للجمع أمامه يتمتم ساخرا :
- طبعا احنا كلنا عارفين إيه هو الموضوع بس عمرنا ما نروح نقول
من بين الحضور كان اول المدعوين جميع رؤساء النوادي المسؤولة عن مسابقات الخيل الدولية والمحلية والعالمية .... بدأت نظرات الاشمئزاز تندفع من الجميع ناحية عمار وليلا ...
وقف عثمان يدس يديه في جيبي سرواله ينظر لهم ساخرا للحظات قبل أن يصدح بصوته ينادي افراد الامن اشار ناحية ليلا وعمار يتمتم مشمئزا :
- طلعوا الزبالة دول برة وسخوا المكان بما فيه الكفاية !!!!!!
فتح باب المنزل بجهد شاق وهو يحملها بين ذراعيه يرفض قاطعا أن ينزلها من بين ذراعيه حتي يفتح الباب .. انتهي حفل زفافهم الصباحي فنادرا ما بات أحدهم يقيم حفل زفافه صباحا ولكنه عثمان وخططه الغريبة الساعة الآن الرابعة عصرا
تمعنت النظر لقسمات وجهه تكاد تقسم أن ما عاشته قبل قليل كان حلما سعيدا ... حلما يتخلله بعض الدراما والاكشن ومفاجاءات الصياد الخاصة ... هو يوم لا يُنسي بكافة التفاصيل .... زفاف ثاني لها ومن ثم ما حدث لن تنسي ابدا شكل ليلا والامن يجرها يلقيها خارجا وهي تصرخ فيهم .... وذلك الرجل عمار كان كمن لدغة عقرب وهو ينظر لرؤساء النوادي المسئولين عن السباقات .... وبعدها الكعكة الكبيرة التي زينتها صورتها احتفالا بعيد ميلادها التاسع عشر ورقصتها المميزة مع عثمان ... وعناق الجميع لها في نهاية الحفل ... تفاصيل تظن أنها تقرأها فقط بين صفحات الروايات لكن ان تحدث هكذا علي أرض الواقع ... مستحيل من سابع المستحيلات ولكن مستحيل الصياد ممكن !!
اجفلت من شرودها حين نفخ في وجهها برفق لتهز رأسها بخفة تنظر حولها لتتسع حدقتيها في دهشة متي دخلوا للمنزل يبدو أنها كانت غارقة في التفكير لدرجة جعلتها لا تشعر بدخوله بها إلي المنزل ... اسبلت عينيها تبتسم خجلة ... لينزلها هو أرضا بحرص ... وقفت علي قدميها تستند بكفيها علي صدره للحظات قبل أن تبعد كفيها في توتر .... ابتلعت صحراء لعابها الجاف ... لتنحي قليلا تمسك بطيات فستانها الأبيض تتحرك به صوب الأريكة جلست فوقها ... لينظر لها مقطب الجبين رفع يده يشير لباب غرفتهم ابتسم يتمتم في بلاهة :
- انتي رايحة فين اوضتنا أهي
ابتسمت خفية لثواني لتعاود النظر إليه ترميه بنظرات هادئة جافة ... كتفت ذراعيها تتمتم في إصرار :
- مش قبل ما افهم يا عثمان ... أنت وعدتني أنك مش هتخبي عليا حاجة .. انما اللي حصل النهاردة ... إنما اللي حصل النهاردة ما كنش عندي علم بيه ابدا ...
ابتسمت إبتسامة بريئة وكأنه طفل برئ ساذج يتمتم مدهوشا :
- عيزاني اقولك اني عاملك مفاجأة كدة ما تبقاش مفاجأة
- عثمان ... كلمة واحدة نطقتها بنبرة جادة حازمة ليشعر للحظات أنه يقف أمام والدته تؤدبه ... تنهد ساخرا يدس يديه في جيوب سروال حلته الفاخرة تقدم في خطاه الي أن صار قريبا منها ليجلس علي الأريكة مجاورا لها ... امسك الوسادة الصغيرة يضعها فوق ساقيه يستند عليها بمرفقيه ... تنهد يردف :
- هحكيلك ... فاكرة ليلة فرحنا لما سألتيني ليلا هي اللي عملت كدة ... يوم ما وقعت من علي الحصان اول ما فوقت ورغم الحالة اللي كنت فيها طلبت يتعملي تحليل دم بسرعة ... وفعلا التقرير اثبت أن كان في مادة غريبة في جسمي هي اللي خلتني ادوخ واقع ... بس للأسف ما كنش عندي دليل واحد أن ليلا هي اللي عملت كدة اثتبها عليها ازاي ... مع حالتي النفسية اللي كنت بمر بيها كان الموضوع صعب جداا ... وقررت اني هقف علي رجليا الأول عشان اعرف اجيب حقي منها ... بس اللس حصل .... فادي دا كان زميل ليا ... في يوم كلمني وقالي أنه كان رايح لعمار لأن الشلة كانت هتسهر عنده وهو سبقهم شاف ليلا نازلة من بيت عمار
شخصت عيني سارين في ذهول تنظر له مصعوقة ليحرك رأسه إيجابا ابتسم يتمتم ساخرا :
- يومها عمار فضل يشرب لحد ما سكر علي الآخر وفضل يضحك ويقول أنا اللي كسبت علي الصياد أنا اللي دمرت الصياد أنا اللي هبقي الصياد .... فادي بلغني باللي حصل ... لو فعلا ليلا كانت عند عمار .. وعمار عمال يتباهي بانتصاره بانتصاره عليا معني ذلك أن كان في علاقة بين ليلا وعمار ... كان صعب أثق في فادي لأن زي ما قولتلك كنا مجرد زمايل مش اكتر
صمت للحظات وكأنه يتذكر ما حدث في القريب ليرتسم علي ثغره شبح ابتسامة باهتة .. يحرك رأسه يكمل ممتما :
- بس واضح أن اللي بنفتكرهم مجرد زملا بيطلعوا اجدع من صحاب سنين ... في يوم كنتي انتي بتجيبي طلبات للبيت لقيت جرس الباب بيرن طلع فادي ... شوفت في عينيه دموع لما بص ليا ... قالي أنه نفسي في يوم يبقي زيي وأنه عمره ما كرهني بالعكس شايفني مثل أعلي .... في الأول أنا كنت قلقان منه ... اديته فلاشة عليها برنامج معين يوصله باللاب توب بتاع عمار
قطب سارين ما بين حاجبيها وما علاقة جهاز« اللاب توب » فيما يحدث ... قرأ عثمان سؤال عينيها ليجيبها يبتسم متوترا :
- انتي عارفة زمان كنت ضمن شلة ليها علاقات كتير ... علاقات مش كويسة خالص
ضيقيت سارين مقلتيها تنظر لعثمان حاقدة يملئ الغضب عينيها ليحمحم مرتبكا رفع يده يضعها خلف رقبته يغمغم مبتسما في توتر :
- كنت يا حبيبتي الحمد لله توبت علي أيديكي يا قلبي ...المهم معروف أن عمار عنده كاميرا في أوضة نومه بيصور بيها ... مش عارف اقولهالك ازاي ... المهم يعني أنه بيصور بيها حاجات مش كويسة ... وبيحتفظ بالفيديوهات علي اللاب توب بتاعه
... فادي طلع فعلا جدع ... بعد 24 ساعة قالي أنه نقل البرنامج علي لاب عمار ...
وبقي اللاب بتاعه تحت ايدي ... نقلت كل اللي عليه عندي قبل ما يكتشف في البرنامج عنده ولقيت وسط الفيديوهات فيديو ليه مع ليلا هانم وهما بيتفقوا عليا ... وفيديو تاني وهما بيحتفلوا بانتصارهم
صمت ينتفس بعنف رأت حدقتيه تشتعل غضبا قسمات وجهه تتشنج ذلك العرق النافر جوار صدغه تعرفه لا يظهر الا حين يكون غاضبا بل ويحاول كبت غضبه أيضا .... شردت عينيه للحظات طويلة في الفراغ قبل أن يلتفت لها برأسه يردف :
- كان في ايدي اسلم الفيديوهات دي للشرطة وابقي خلصت منهم بس أنا كنت عايز افضحهم قدام الكل ... كان فاكرة اني غبي وهتعرف توقعني في شباكها تاني ... سرقت موبايلها وبعت رسالة منه لعمار انه يجي النادي عشان يشوف نهاية الصياد وهو جه جري زي الكلب ... خدت حقي وفضحتهم قدام الكل ... وبعت لابوها الفيديوهات اللي بنته المصون متصورة فيهم مع عمار ... وهددته لو ما بعدش بنته عن طريقي المرة الجاية هنشر الفيديوهات دي في كل حتة ... حتي عمار اصريت اني اعزم كل رؤساء النوادي عشان يشهدوا علي فضيحته .... عشان ما يدخلش سبق تاني لآخر يوم في عمره ... ايه رأيك بقي في دماغي
ارتسمت ابتسامة صغيرة مرتعشة علي شفتيها لا تعرف ولكنها للحظات شعرت بالخوف يغزو كيانها ... خافت من عثمان وهو يتحدث عن كيف حقق انتقامه .... شعرت برهبة منه ومن طريقة تفكيره ... عثمان كان من الممكن أن يُنهي ذلك كله بتسليم مقاطع الفيديو ولكنه فضل الانتقام علي صفيح ساخن يحرق الجميع ...اجفلت علي حركة يده علي وجهها يمسح علي خدها برفق ليمد يده الأخري يخرج علبة صغيرة من جيب سترته فتحها بيده الحرة لتجد خاتمين أحدهم من الذهب عريض به فصوص ألماس صغيرة ودبلة من الفضة مطلية باللون الأسود .... نزع الخاتم من العلبة يلبسه في بنصر يدها اليسري .... اشار بعينيه الي الدبلة ينظر لها مبتسما ... لتمد يدها بتوتر ملحوظ تنزع الدبلة تلبسها إياه هي الاخري ... مال يقبل رأسها قبلة حانية لطيفة قبل أن يميل علي أذنيها يهمس لها عابثا :
- سمعتي عن ابو قردان اللي غرق من زمان !!
____________________
قرابة الخامسة هناك أمام شركة كبيرة اللوحة تعلو المكان
H.A Software Company
من الداخل شركة فخمة راقية كان احدي شركات الإلكترونيات واشتراها هو وعمل جيدا علي جعلها نسخة طبق الأصل من شركته في دبي ... بعد أن صفي جميع أعماله في الخارج ... صوت حذاء رجالي منتظم يُسمع صداه في أرجاء الممرات الهادئة الجميع ينكب مجتهدا علي عمله زيادة العمل ... تعني زيادة الراتب قانون حمزة الأول .... توقفت الخطوات عند مكتب المساعد حياه الرجل ليتوجه لباب الغرفة الضخم ... طرق الباب ليسمع صوته يأذن بالدخول ... فتح الباب يخطو للداخل ... يغلقه خلفه تقدم ناحية المكتب يتمتم مبتسما :
- مساء الفل يا حمزة باشا
رفع حمزة عينيه عن شاشة حاسوبه الصغير ... ليخلع نظراته الطبية ... ابتسم في هدوء يشير الي المقعد المجاور لمكتبه يتمتم مبتسما :
- مساء النور اقعد يا أدهم ...
ابتسم أدهم ليجلس سريعا علي المقعد يبدو من قسمات وجهه المتوترة أنه يود قول شيئا ما ولكنه متردد .... تلاعبت يديه بالقلم القريب منه علي سطح المكتب .... يدق بسنه بحركة رتيبة ابتسم أدهم يرفع حاجبه الأيسر ساخرا ... مد يده يأخذ القلم من يد أدهم ... يضحك متمتا :
- عايز تقول ايه يا ابن حمزة ...
ابتسم أدهم كطفل صغير تلك الكلمة التي نطقها حمزة توا ... جعلته يشعر أنه رغم كل ما حدث لا زال ينتمي له قلبا وقالبا .... رفع يبعثر خصلات شعره حمحم يتمتم متوترا :
- أنا كنت جاي عايز اقول لحضرتك أن الشقة الحمد لله خلصت قبل الميعاد اللي احنا متفقين عليه ... فيعني ينفع نقدم الفرح عن ميعاده نخليه آخر الأسبوع لو ينفع
عاد حمزة بظهره يستند إلي ظهر مقعده الاسود المبطن ... يمسك القلم بين يديه من اطرافه ابتسم يرفع حاجبه الأيسر ساخرا يتمتم في تهكم واضح :
- عايز تعمل فرح في يومين !!
توسعت ابتسامة أدهم ينظر لحمزة في انبهار مصطنع يتمتم بفخر مبالغ فيه :
- دا أنت حمزة باشا السويسي يعني لو أمرت الفرح يتعمل النهاردة بليل
صدحت ضحكة عالية من بين شفتئ حمزة ينظر لأدهم ساخرا ... حرك رأسه إيجابا تشدق مستمتعا :
- علي ياض صوت الطبلة كمان شوية ....بتطبلي يا ابن حمزة ... ولو قولت يا سيدي إن أنا موافق موافقة ؟!
حرك أدهم رأسه إيجابا سريعا يغمغم متلهفا :
- ايوة أنا كلمتها قبل ما اجي لحضرتك وقالتلي أنها جاهزة من دلوقتي حالا بالفستان
ضحك من جديد يحرك يآسا ابنته البلهاء عليه أن يزوجها حالا قبلا أن يفرا سويا ... تحرك من مكانه يتوجه ناحية ادهم وقف بالقرب منه يحرك رأسه بالإيجاب يتمتم مبتسما :
- ماشي يا سيدي وأنا موافق فرحكوا آخر الأسبوع في فيلا عمك خالد ..الراجل دا بقي متعهد حفلات العيلة
توسعت عيني أدهم فرحا يضحك عاليا يشعر بالبلاهة تجتاح عقله وافق حمزة وافق هكذا ببساطة .... قام من مكانه يندفع ناحيته يعانقه بعنف يصيح فرحا :
- متشكر .. متشكر اوي
ضحك حمزة يصدمه بيده علي رأسه بخفة يتمتم ساخرا :
- يخربيت هبلك دا أنت طلعت مدلوق اكتر منها اوعي ياض هتخنقني
______________________
انها السابعة مساءا لازال الوقت باكر لإغلاق الدكان ولكنه حقا يشعر بالتعب الفترة الماضية بكل ما فيها كانت حقا مرهقة ... يعمل في المحل صباحا ... يحاول جاهدا أن يجد وظيفة أخري ... يخطط لضم الدكان الفارغ المجاور لهم ليزداد حجم التجارة ولو قليلا وقد نجح في تأجيره ولكن المكان عبارة عن خردة علي هيئة دكان ولا أحد غيره هنا سيعمل علي تنظيف تلك الخردة ...أدهم يساعده بعض الأحيان ولكنه مشنغل للغاية الآن فئ وظيفته الجديدة في شركة حمزة ... وتحضيرات زفافه القريب لا يريد أن يُثقل كاهل أخيه أكتر من ذلك .... جذب الباب الحديدي الخفيف من أعلي يغلق المحل بالقفل ... نفض يديه من الغبار .... ليتحرك لأعلي يسير بخطي شبه مخدرة يرغب في بعض الراحة .... كاد أن يدخل الي عمارته السكنية ليجد يد تحط علي كتفه نظر للفاعل ليجد ذلك الرجل البدين صاحب محل الاقفال ... تنهد يغمغم بهدوء جاف :
- خير يا عم عبده في حاجة
ابتسم الرجل في بشاشة يحرك رأسه بالنفي رفع يده يربت علي كتفه برفق يحادثه مبتسما :
- أنا بس مش قادر اصدق أن الواد صايع اللي ضربناه علقة من كام شهر هو الراجل اللي واقف قدامي دلوقتي ... عارف يا ابني دي دعوات ستك الغلبانة ... ما كنتش بتطبل دعي ليك في كل وقت .... ربنا يكرمك يا ابني ويصلح حالك دايما .. خلي بالك من مراتك ... عن إذنك
وقف مراد مكانه ينظر للرجل وهو يرحل يقطب جبينه مستنكرا ما حدث لما يشعر أنه في أحد الأفلام القديمة وعم عبده سيختفي الآن ... مد رقبته قليلا يتابعه ... ليجده يدخل الي المحل الخاص به لم يختفي ... حرك رأسه نفيا هو متعب ... متعب ولا يرغب سوي في النوم ... اكمل طريقه لداخل المنزل يصعد لشقته بعد أن القي التحية علي جدته .... أخرج المفتاح من جيبه يضعه في قفل الباب فتحه بهدوء ... ينظر حوله ... اول ما قابله رائحة الصابون المحلي كيف لا يعرفه وبائع الصابون يجاوره تقريبا ... هناك كانت روحية تمسك بممسحة تغطسها في دلو كبير ملئ بالماء ورغاوي الصابون تمسح أرض الصالة المتسخة ... وملك الصغيرة ... تنام علي الأريكة تحاوطها الكثير من الوسادات وكأنها ستقفز من فوقهم مثلا ... أمعن النظر لجلبابها البيتي البسيط ... خصلات شعرها الناعمة التي سقطت تغطي وجهها وسقط قلبه صريعا لها ... تنهد بحرارة ينظر لقسمات وجهها وهي منهمكة حقا في التنظيف وكأن زائرا هاما علي وشك الوصول ... ضيق عينيه ينظر لتلك الممسحة في يدها أليس ذلك قميصه الأبيض الذي ضاع منذ عدة أيام وأخبرته أنها لم تره ولا تعرف عنه شيئا ... الماكرة !!
حمحم بخفة ليجذب انتباهها لا يرغب في افزاعها بعد الآن حتي لا تتذكر ما كان يفعل قبلا ...
رآها كيف انتفضت واقفة تنظر له متوترة تزيح خصلات شعرها عن وجهها سريعا تمسح يديها الملطختان بالصابون في جلبابها ... نظرت له متوترة تهمس مرتبكة :
- ااا إنت جيت بدري ... قصدي يعني أن أنا مالحقتش اخلص تنضيف ... كنت فكراك هتطلع متأخر زي كل يوم
هل أخبرها قبلا أنه يحب طريقتها المتوترة حين تتحدث تأخذه لعالم آخر ليس فيه سواهم يقف يستمع إليها وكأنها سمفونية خاصة به ... ابتسم إبتسامة مرهقة يغمغم :
- تعبان ... قولت اطلع بدري شوية انام ... إنما لو عايزني انزل علي ما تخل
قاطعته تغمغم سريعا في ارتباك واضح :
- لالا ابدا ...أنا خلصت أوضتك من بدري
ابتسم لها ممتنا معتذرا لما يجب أن تكون لطيفة لذلك الحد لمعة الحزن الساكنة في عينيها لا تزيدها إلا جمالا ... خلع حذائه حتي لا يفسد ما تفعل منذ ساعات علي الأقل بقي فقط بالجوارب يتحرك متجها ناحيتها لتتضارب دقات قلبها تكاد تحطم صدرها وتقفز خارجا لازالت تخشاه لا تنكر حتي وإن تغيرت معاملته تماما .... تخاف أن يكن ما يفعله هو فقط خدعة للنيل منها ... وقفت مكانها تحاول أن تُظهر شجاعة واهية ... جسدها يرتجف بعنف تحاول إخفاء رعشتها هي ليست ضعيفة وهو لن يؤذيها لن تسمح له هاجمته مرة بالسكين أن حاول الآن ستخنقه بالممسحة في يدها وتحمل ملك الصغيرة وتهرب .... اجفلت من شرودها الشرير حين اقترب منها حتي بات لا يفصلهم رأته يرفه حاجبيه ينظر له في مكر يتمتم عابثا :
- هو مش دا قميصي اللي أنتي عملاه ممسحة
توسعت عينيها في دهشة كيف عرفه اخفته سريعا خلف ظهرها تحرك رأسها نفيا بعنف هل تخبره أنها المغسلة الشريرة هي من مزقت ذراعه هي ليس لها دخل إطلاقا ... هي فقط اخفته حتي لا يعلم بفعلة المغسلة الشريرة .... ضحك بخفة ... لتقطب جبينها مدهوشة لما ضحكته مختلفة .... عن ضحكاته قبلا ... مال بجذعه يحمل الصغيرة من فوق الأريكة استقام واقفا ينظر لها مبتسما يتمتم في حنو :
- عشان لو صحيت ما تضايقكش علي ما تخلصي ... تصبحي علي خير
ابتسمت شبه ابتسامة تومأ برأسها بالإيجاب دون حديث ليميل هو برأس يقبل وجنتي الصغيرة ... رفع رأسه لها وابتسم ولم تدري ما حدث سوي أن قلبها علي وشك أن يتوقف ... عينيها تكاد تخرج من مكانها ... حين باغتها وطبع قبلة صغيرة علي خدها ورحل فئ هدوء تام صوب غرفته ... رفعت يدها تضعها علي خدها تنظر في أثره مصعوقة ... كيف يفعل ذلك مراد الوقح ... قبلها !!!
___________________
هي الآن التاسعة مساءا يجلس في غرفته علي فراشه يحرك ساقه اليسري بعصبية مفرطة ... ينظر لساعة يده بين حين وآخر اليوم سيضع حدا لتلك المهزلة ... زوجته المصون تتجنبه منذ أن احضر لوجين لهنا ... والمقابلة الأخيرة بينها وبين زيدان وقعت علي رأسه هو بالمصائب .... لما ... لينا تهرب من الحديث من لقائه حتي حين يستيقظ صباحا يجدها لا تزال نائمة ... تظل تغرق في النوم الي أن يرحل وحين يعود ليلا يجدها نائمة بفعل أحد اقراصها ... تلك الأقراص التي القاها من النافذة عدة مرات لا يعلم من أين تحصل عليهم وهو يتخلص منهم كل يوم تقريبا ... لكن لا يهم هو اليوم عاد باكرا ... ضعط العمل في الأيام الماضية كان يجبره علي التأخير لساعات بعد منتصف الليل ... اليوم هو هنا قبل أن تأتي وتتناول تلك الأقراص .... دقائق طويلة قبل أن يسمع صوت سيارتها تقف ... لحظات فقط ورآها تفتح باب الغرفة ... نظرت ناحيته كان يتوقع أن يري عينيها تجحظ مصدومة أن تفغر فمها ... ولكن العكس تماما ما حدث نظرت ناحيته في هدوء تام تركت حقيبة يدها علي أحد المقاعد لتخطو صوب مرحاض الغرفة تحرك هو في تلك اللحظة يمسك سريعا بيدها قبل أن تدخل الي المرحاض ربما تحمل أحد الأقراص وستأخذهم بالداخل التفتت له تقطب جبينها تسأله بجفاء واضح :
- في ايه يا خالد سيب ايدي لو سمحت
ابتسم ساخرا يحرك رأسه نفيا يردف متهكما :
- طب كويس والله أنك فاكرة اسمي ... أنا قولت نستيه
زفرت أنفاسها المختنقة ... لتجده يجذب يدها يجلسها علي الفراش رغما عنها نزعت يدها من يده تكتف ذراعيها تنظر له حانقة ... جلس هو أمامه نظر لها للحظات قبل أن ينفجر حانقا :
- في ايه يا لينا أنا عملتلك ايه عشان اللي بتعمليه دا ... بتصحي بعد ما امشي وتنامي بعد ما أرجع .. هو أنا قتلتلك قتيل ... لا عارف اشوفك ولا حتي اتكلم معاكي ... فين حقي عليكي يا دكتورة !!
رفعت حاجبيها في اندهاش ساخر تحرك رأسها نفيا تتمتم متهكمة :
- حقك ... هو دا الموضوع اللي عايز تتكلم فيه
تلك المرة هو من ابتسم ساخرا ينظر لزرقاء عينيها مباشرة ... رفع يده يبسطها علي وجنتها ابتسم يهمس لها :
- أنا قصدي حقي في الكلام معاكي ... حقي في اني اشوفك ... حقي في حاجات كتير .. غير اللي في دماغك
جيد باتت هي الوقحة الآن من عاشر القوم كما يقولون أستاذ ورئيس قسم المنحرفين يحاول إقناعها أنه هو البرئ هنا ... ولكن ذلك ليس مربط الفرس كما يقال ... الموضوع اكبر من ذلك ... أبعد يده عن وجهها ينظر ناحيتها نظرات ثابتة يسألها في جدية مباشرة ... للحظات شعرت أنه تحقيق رسمي وهي المتهمة هنا خاصة مع نبرته الرخيمة :
- في ايه يا لينا أنا حصل ايه للي انتي بتعمليه دا كله ... عشان جبت لوجين هنا ... مش كنا خلصنا من الموضوع دا ... لوجين ضحية زيها زي زيدان ... هي آه غلطت في الأول بس مين ما بيغلطش .... اللي انتي بتعمليه دا نهايته ايه ... مش عايزة تشوفيني بتهربي مني ... وصلنا لمرحلة أنك مش عايزة تشوفيني يا لينا ... نايمة جنبي مش عارف اخدك في حضني ... لينا ما غلطتش لما رجعت لوجين ... دي ام ... أم كل اللي هي عايزاه أن ابنها يسامحها ... أنا ما بقولكيش روحي قولي لزيدان سامحها ... بس علي الأقل ما تعمليهاش علي أنها ضيف غير مرغوب فيه ... لوجين اصرت أن أنا اوصلها النهاردة بيت محمد بسبب معاملتك الجافة ليها ... طول عمرك قلبك طيب ... اشمعني المرة دي قسي
انهار قناعها الزائف زحفت الدموع كجيوش تنتصر علي وجهها ... تملئه بالكامل حركت رأسها نفيا بعنف شديد تتمتم بحرقة :
- مش كل الأخطاء ينفع يتسامح عليها يا خالد ... من يوم ما لوجين رجعت وزيدان رافض أنه يجي البيت حتي لما بكلمه صوته مخنوق أنا حاسة بيه ... عارف يعني أم يا خالد ... أنت عارف ... والدتك ربنا يخليهالك رغم كرهها ليا مستعدة تعمل اي حاجة عشان خاطرك ... تخيل بقي طفل صغير بيبكي لأمه يقولها أنا جعان أنا بردان بيضربني ... وهي ... هي عملت إيه ... كل اللي بتقوله ما كنتش في وعيها ما فيش أم ما بتحسش بابنها أو بنتها ... هي اللي ظلمت زيدان وظلمت نفسها ... كل ما بحاول اسامحها بفتكر حالة زيدان اول ما جه هنا يعيش معانا .. ما كنش بيبطل صريخ طول الليل ... بيفضل يبكي ويصرخ وهو نايم بينادي عليها ... زيدان تعب اوي في حياته وهي السبب ... ما تطلبش مني فوق طاقتي يا خالد
كان يريد أن يكون خشنا الليلة تحديدا يعاتبها بقسوة علي جفائها معه ولكن تلك الخشونة الواهية ذهبت مع سيول دموعها ليقترب منها يضمها لذراعيه يمسح علي حجابها برفق ... لحظات قبل أن يغمغم ضاحكا :
- لاء علي فكرة بقي أنا اللي المفروض ابقي زعلان ... ما تجييش في الآخر تعيطي وتقلبي الترابيزة ... اوعي يا بت
خرجت ضحكة خفيفة من بين شفتيها رفعت يدها تمسح دموعها الساقطة ... ليمد هو كف يده يرفع وجهها لتلتحم زرقاء عينيها بنخيل عينيه .... صمت للحظات قبل أن يهمس متمتما بشغف عاشق :
- بضحكاتك احيا ... بآنفاسك أعيش ... بشذي عطرك ينبض قلبي بين خلجاتي ... فأنتِ الروح والنبض ... أنتِ اكسير حياتي
توردت وجنتيها كعادتها .... تخبره بأنه كلماته دائما رائعة ليبتسم بخبث هل يخبرها بأنه سرق تلك الكلمات من حسام حبيب أبيه ... لا ولما يجب أن تعلم فلا حقوق ملكية فكرية هنا بين الولد وأبيه .... مد يده يمسح علي وجنتها برفق اقترب منها لتغمض عينيها تتنهد حالمة ... لتشعر به يحط قبلة صغيرة فوق رأسها فتحت عينيها حين سمعته يتأثب يتمتم ناعسا :
- تصبحي علي خير يا قلبي أنا راجع من الشغل تعبان وهموت وانام
ضيقت عينيها تنظر له حاقدة ليبتسم هو في براءة توجه الي الفراش يأخذه بالأحضان بدلا منها .... يذقيها قليلا مما فعلت في الأيام الماضية
___________________
ومن هنا لهناك في بيت قريب ... حقا قريب في حديقة بيت عز الدين ... تجلس سهيلة ولينا حول طاولة مستديرة امامهم اكواب العصير ... جاسر في المطبخ يعد لهم معكرونة بالصلصة البيضاء والمأكولات البحرية غارقة في الجبن بوصفته الخاصة التي لا يعرفها غيره .... مدت لينا يدها تربت علي بطن سهيلة المنتفخ برفق تسألها مبتسمة :
- انتي بقيتي في الشهر الكام يا سهيلة
- بقالي عشر أيام في السابع ....
همست بها بضعف شديد تشعر منذ الصباح بألم عنيف يختفي لساعات ويعود أشد ... تعرق جبينها رغما عنها ... جسدها بارد يرتجف ... ربتت لينا علي يدها تسألها قلقة :
- انتي كويسة اوعي تكوني بتولدي
أخذت نفسا قويا تزفره براحة حين اختفي الألم فجاءة حركت رأسها نفيا تتمتم :
- لا يا لينا لسه بدري
نظرت لينا حولها تتأكد من أن لا أحد يراهم ... لتقترب من صديقتها تنظر لها حزينة تهمس بصوت خفيض حاني :
- ما تسامحي جاسر بقي يا سهيلة ... عشان خاطري أنا .. صدقيني والله بيحبك اوي ... كفاية عليه كدة ... يلا بقي عشان خاطر البيبي اللي في بطنك طيب
ابتسمت سهيلة شاردة هي تود ذلك فعلا وربما حان الوقت لتعطيه صك الغفران ...حركت رأسها إيجابا لتتسع إبتسامة لينا تعانقها برفق .... في اللحظة التالية كسي الحديقة رائحة شهية للغاية ... حين خرج جاسر يحمل في يده صينية طعام عليها ثلاثة اطباق وضع واحد أمام لينا والآخر أمام سهيلة جذب مقعد ليجلس جوارهم ... ليصبح الطبق الأخير له ... مدت لينا يدها سريعا تلتقط الشوكة تلتهم ما في طبقها بنهم ... تحاول الحديث بفمها الملئ بالطعام :
- المكرونة تحفة كالعادة بس كنت زود الجمبري شوية يا معفن
في اللحظة التالية ااتها صفعة علي رقبتها من الخلف لم يكن جاسر الفاعل .. نظرت خلفها لتجد حسام يرتدي حلة سوداء رسمية يمسك بعض الأوراق في يده ... بلعت ما في فمها لتطلق صفيرا طويلا معجبا :
- تؤبر قلبي اديش بتعقد .... ايه الحلاوة دي يا حس
ضحك حسام ساخرا يرتمي بجسده علي المقعد المجاور لها اختطف الطبق من أمامها يلتقط شوكة نظيفة يأكل هو :
- هاتي بقي بطلي طفاسة ...وبعدين بدل ما تقوليله يا معفن يا انثي كلب البحر أنتي ... وبعدين يا أمي أنا طول عمري شيك ... أنا بس مش عايز اقعدوا
ضحك جاسر ولينا أما سهيلة كانت تحاول فقط الابتسام مع عودة ذلك الألم بشكل أبشع مما سبق ... أخذ حسام شوكة أخري يأكلها باستمتاع :
- المكرونة دي عظمة ... ايه يا عم الجمدان دا ... اسكتوا اتنفخت أنا النهاردة كنت بستلم التعيين بتاعي في كلية الطب ... الدراسة هتبدأ يوم السبت الجاي ... وورق ولف ومدام عنايات ... وتحت خانة الذكريات اكتب اسمك في المواجع ... تحت خانة الذكريات اكتب أن الجرح واجع واطلع امضيه من مدام اعتماد في الرابع وحاجة نيلة
ضحكت لينا عاليا تقرص خديه باصابعها تغمغم ساخرة :
- إنت يا حوسو هتبقي دكتور في الجامعة دا انت هتعر العيلة كلها
أزاح يدها بعيدا بعنف ينظر لها باستعلاء يتمتم مفتخرا بذاته مشمئزا منها :
- اوعي ايدك فاشلة جربوعة ما عكيش نص الشهادات اللي معايا ... وبعدين دا أنا هبقي دكتور عظمة ولا اييه
اااااه صاحت بها سهيلة .... لتتوسع ابتسامة حسام يشير ناحية سهيلة يلاعب حاجبيه يغيظ لينا :
- شوفتي حتي سهيلة معترفة بيا
ااااااااه الحقوني شكلي بولد اااااااه ...هب جاسر من مكانه توجه ناحيتها سريعا يصرخ مفزوعا :
- بتولدي ... بتولدي ازاي يعني
صرخ حسام فيه في تلك اللحظات يهرول في خطواته للخارج :
- لاء مش وقت غباء شيلها وورايا بسرعة
ارتجف قلب جاسر خوفا عليها ... ليهرع إليها يحملها بين ذراعيه ولينا تهرول خلفهم ... من الجيد أن عز الدين لا زال في عمله ... الرجل قلبه لا يحتمل اي صدمات .... في سيارة حسام ... حسام خلف المقود .... ولينا جواره وجاسر يحتضن سهيلة بالخلف ... صرخاتها تملئ المكان ليصيح حسام بنزق :
- بس بقي يخربيت صوتك المسرسع .... ليه يا ربي ما طلعتش دكتور أنف وإذن
ظلت صرخات سهيلة تتعالي تسب حسام طوال الطريق إلي أن طفح كيله ليصيح فيها :
- وأنا مال أهلي أنا ... بتشتمني أنا ليييييه ... ما تشتمني اللي جنبك دا
مد جاسر يده يمسح علي رأس سهيلة برفق شديد يهمس لها في رفق رغم أنه يود أن يصرخ هو الآخر من شدة قلقه :
- بس يا حبيبتي اهدي ... اهدي قربنا نوصل خدي نفسك
اخيرا توقفت السيارة أمام المستشفي ... قفز من السيارة يصيح في جاسر :
- خليهم يدخلوها أوضة الكشف بسرعة
لمحته لينا وهو يركض لداخل المستشفى يخلع سترته ... ليحلق جاسر به دخل الي المشفي ينظر للمرضين يحادثهم مذعورا :
- بسرعة ارجوكم
علي فراش طبي وضعوها لتدخل لغرفة الكشف الخاصة ... منعوه من الدخول وقفت لينا جواره تدمع عينيها قلقا علي صديقتها تنظر لحاله البائس ...جاسر بالفعل يبكي خوفا عليها ... لحظات ورأت حسام يهرول ناحيتهم بعد أن أبدل ملابسه واجري التعقيمات اللازمة دخل الي غرفة الكشف دون أن ينطق بحرف ... غاب لبضع لحظات ... ليجدوا الباب يُفتح وحسام يحادث الممرضات سريعا :
- بسرعة علي أوضة العمليات ما فيش وقت الماية اللي حولين الجنين نزلت خلاص ....
خرجت سهيلة يدفعها الممرضات علي السرير الطبي لحق جاسر بها يركض جوار الفراش يمسك بيدها ليسمعها تهمس مرتعدة :
- أنا خايفة يا جاسر خايفة اوي
ارتعدت قلبه أكثر ذعرا عليها كاد أن يقول شيئا حين جذبه حسام بعيدا عنها يصيح فيه محتدا :
- ابعد مش وقت نحنحة
الي غرفة العمليات اندفع الفراش وخلفه حسام ... وقف جاسر في الخارج ينظر للباب المغلق وذلك الكشاف الأحمر الصغير الذي يعلوها مضاء باللون الأحمر .... ارتمي بجسده علي الحائط القريب من غرفة العمليات يصدم رأسه بالحائط خلفه ... دموعه تهبط بلا توقف .... لينا تقف هناك ... عينيها شاردة في ذكري فراغ مؤلم ... ذكري ذهاب طفلها الرضيع بلا عودة ... كانت تملك يوما ... طفلا ينمو بين احشائها يكبر يوما بعد يوم تشعر بروح أخري تنبض داخلها رغم ما حدث الا أنها كانت حقا سعيدة به .... هي فقط كانت !!!
مسحت دموعها سريعا اقتربت من أخيها وقفت جواره تربت علي ذراعه تحاول طمئنته بشتئ ما تعرف من كلمات ... مر وقت كثير حقا كثير صرخات سهيلة تصدح وتتوقف ... إلي أن شق تلك الصرخات ... صرخات أخري صغيرة تقول ها أنا قد أتيت .... انتفض جسد جاسر بالكامل وهو يستمع الي صرخات طفله او طفلته ... يأتي من الداخل اقترب يهرول من باب غرفة العمليات ومعه لينا ليخرج حسام من الغرفة يحمل لفافة صغيرة داخلها رضيع او رضيعة نظر لجاسر يبتسم في توسع يردف :
- مبروك سهيلة جابت ولد ... طبعا هتسميه حسام علي اسمي عارف عارف ... ما فيش داعي للشكر يا عماد دا واجبنا واجبنا ...
الألم شعور بشع بالألم الخالص اجتاحها لساعات طويلة ظنت أنها علي مشارف الموت ما هي الا لحظات وتلفظ أنفاسها الأخيرة ... الألم كان أبشع مما يمكن احتمال وكأن عظامك تنكسر واحدا تلو الأخر ببطئ مؤلم قاسي ... ولكنه كما بدأ انتهي اخيرا آخر ما سمعته قبل أن تفقد وعيها صوت بكاء طفل رضيع .... طفلها هي .. فتحت عينيها بتمهل ... لاتزال أثر ذلك الألم تسيطر عليها ... ترهق جسدها ولكن دافع قوي حثها علي الاستيقاظ وهو طفلها الصغير تريد أن تراه تشبع روحها من عبيره البرئ ... تأوهت بصوت خفيض ... حين حاولت أن تنتصف جالسة ... ليهرع جاسر إليها حاوطها بذراعيه يسند جسدها برفق يضع وسادة خلف رأسها ابتسم لها يغمغم مترفقا :
- حمد لله علي السلامة
ارتسمت ابتسامة شاحبة علي شفتيها تجول بعينيها في أرجاء الغرفة لينا هناك تنام علي الأريكة القريبة من الفراش ... نظرت ناحية النافذة ... أنهم في صباح اليوم التالي ... هل نامت ليلة كاملة دون أن تشعر ... حركت ملقتيها تبحث عن ذلك الفراش الصغير الذي تراه دائما في المسلسلات والافلام يجاور فراش الأم ... ولكن غرفتها بلا فراش ... أين طفلها أو طفلتها .... حركت انظارها سريعا ناحية جاسر ... علي الرغم من ألم جسدها العنيف إلا أن الخوف الذي استبد بقلبها جعلها تصيح حتي لو خرج صوتها ضعيفا ولكن ملتاع خائف مذعور :
- البيبي فين يا جاسر ... حصله حاجة ... مات صح .... مات مش كدة
توسعت عينيه ذعرا ماذا تقول تلك البلهاء حرك رأسه بالنفي بعنف ينفي تلك الفكرة السيئة ليردف سريعا :
- بعد الشر عليه يا سهيلة ... حبيبتي ابننا عايش ... هو بس في الحضانة لأنه اتولد فى السابع محتاج يفضل في الحضانة مدة بس إنما هو كويس
حركت رأسها نفيا تغمر الدموع وجهها كل ما يجول في رأسها الآن ... إن طفلها أصابه مكروه وهو يكذب .... لف ذراعه حول كتفيها يقربها لصدره يمسح علي شعرها يحاول جعلها تهدئ قليلا :
- والله يا سهيلة ابننا كويس وبخير ... واسالي حتي حسام لما يجي ...
في تلك الانثاء تملمت لينا علي الأريكة نومة غير مريحة إطلاقا ولكنها لم تكن لتترك صديقتها وتغادر ... بمعجزة اقنع حسام والدهم أن يسمح لها بالمبيت في المشفي ... نظرت لسهيلة مذعورة حين رأت صديقتها تبكي بذلك الانهيار هرولت من مكانها بخطي سريعة توجهت ناحية فراشها تسألها ملتاعة :
- مالك يا حبيبتي بتعيطي ليه ... في اي يا جاسر مالها سهيلة
حرك رأسه يآسا لما تلك الدراما صباحا ... الطفل بخير ... نظر لشقيقته تنهد يتمتم يآسا :
- ابدا يا ستي من ساعة ما عرفت أن البيبي دخل الحضانة وهي فتحاها منحة ولا كأنها بقالها سنين في كلية الطب ... خليكي جنبها علي ما اشوف حسام فين
ربت علي رأسها ليقبل جبينها قام من مكانه متجها لباب الغرفة فتحه وخرج ... لتقترب لينا من سهيلة جلست جوارها لترتمي سهيلة بين أحضانها حاوطتها لينا بذراعيها ... في حين انهارت سهيلة باكية تتمسك باحضان صديقتها تتمتم من بين دموعها بحرقة :
- أنا خايفة ... خايفة عليه اوي يا لينا .. أنا ما شوفتوش ما خدتوش في حضني حتي ...
كلماتها الباكية تعيدها لذكري بائسة تكرهها ... ذلك ليس وقت الذكريات ابداا ... نفضت تلك الافكار السوداء من رأسها نظرت لصديقتها ابعدتها عنها برفق ... امسكت ذراعيها بين كفيها ابتسم في عجب تتمتم بمرح زائف باهت :
- ايه يا سوسو ... أنا صحيح كنت بكره طب بس انتي كنتي بتحبيها .... وانا لسه فاكرة كويس أوي .... اننا خدنا أن الأطفال اللي بتتولد في السابع في الاغلب بتحتاج تروح حضانات .... بيبقي لسه الجنين حجمه صغير يا سهيلة ومناعته ضعيفة والجهاز التنفسي بتاعه بيكمل .... صدقيني البيبي هيبقي كويس
كلماتها اقنعتها ولكنها لم تسكن ألم قلبها ... هي لا تريد سوي أن تحتضن طفلها ... والآن لن يسمح لها حتي بلمسه .... نظرت خلفها حين سمعت صوت الباب يليه صوت حسام يتحدث ساخرا :
- جاسر قالي أنك فتحاها مناحة علي الصبح ... مش كفاية خرمتي ودن اهلي إمبارح
فقط ابتسامة ضعيفة هي من ارتسمت علي شفتيها لتسقط دموع لم تستطع إخفائها من مقلتيها ... نظر حسام لجاسر الواقف خلفه يقلب عينيه ساخرا ... تحرك يقف أمام الفراش عقد ذراعيه أمام صدره يتمتم مترفقا :
- في ايه يا سهيلة ... مالك ... يا ماما والله ... الطفل كويس وبخير ... بس لازم يفضل فئ الحضانة ... عشان مصلحته ... هخلي جاسر ياخدك تشوفيه ... ما تقلبيهاش مناحة بقي
ابتسم ابتسامته المرحة يحاول تغيير دفة الحوار لشئ آخر نظر لجاسر يضيق عينيه كطفل صغير يتمتم حانقا :
- جوزك الحيوان مش عاوز يسمي الواد حسام علي اسمي ... هيلاقي احسن من اسمي فين أنا مش عارف ... ويكون في علمك أنا بكرة هخلف بنت ومش هجوزها لابنك ..
ضحك جاسر ينظر لحسام ممتنا في الفترة القصيرة التي تعرف فيها علي حسام بات علي علم بما يفعله ذلك الرجل هو فقط يحاول إدخال البهجة والسعادة علي قلوب الجميع بمرحه المعتاد متناسيا نصيبه هو من السرور ... تحرك جاسر ناحية فراش سهيلة جلس جوارها من الناحية الأخري ينظر لحسام يبتسم في استفزاز يتمتم باصفرار :
- بردوا مش هسميه حسام ... سهيلة هي اللي هتختار اسمه ... ومش هيبقي حسام
ضيق حسام حدقتيه يرمي جاسر بنظرات حانقة كتف ذراعيه أمام صدره يشيح برأسه بعيدا يغمغم في ألم زائف مضحك للغاية :
- أهل دول وصحاب ولمة ولا دول تعابين وسامة شوفت قسوة وجرح منهم وأنا بلعب كورة السلة
ضحكت سهيلة بخفة ... تعقد جبينها ظنت أن الوقت امامها لا يزال مبكرا لتختار اسم جنينها ..ولكنه فجاءها بالقدوم باكرا .... تعجبها حقا الكثير من الأسماء ... في حيرة ايهم تختار
بينما جوارها مباشرة هناك ذهبت عيني البندق تشرد في ذكري بعيدة عن العين تسكن القلب ... تتسطح علي الفراش في غرفتهم في الفندق تنظر لسطح الغرفة ترسم بيديها اشكال وهمية في الهواء ... حين خرج هو من مرحاض الغرفة يجفف شعره بمنشفة صغيرة ابتسم حين رآها تفعل ما تفعل اقترب منها يجلس جوارها علي الفراش يسألها مبتسما في عشق دائم :
- بتعملي ايه يا لينا
ضحكت كطفلة صغيرة بلهاء تكمل ما تفعل بيديها نظرت ناحيته نظرة خاطفة تتمتم مبتسمة :
- برسم في الهواء ... زهقانة ... بقالك ساعة ونص بتستحمي
ضحك ياسا من أفعالها صدمها علي رأسها برفق ليحرك يده في الهواء هو الآخر كأنه يرسم بأصابعه نظرت لسه خلسة تضيق عينيها الفضول يقتلها لتعرف ما يرسم ... ثبتت عينيها مع حركة يديه لتسمع صوت يهمس بنبرته الدافئة :
- طفل صغير هيكبر يوم بعد يوم همسك ايده عشان اعمله المشي ... ابننا يا لينا
ابتسمت سعيدة لينزل يده من الهواء يمدها إليها جذبها لتضع رأسها علي صدره يداعب خصلات شعرها بكف يده ابتسمت تسأله برقة خافتة :
- هيكون عندنا احلي بيبي في الدنيا ... كفاية عينيك الزرقاء دي وشعرك اللي مدي علي أصفر ... أنت اجنبي يا إبني ... أنت جاسوس وعامل فيها ظابط
ضحك رغما عنه يحرك رأسه ياسا من كان يصدق .. إن في يوم من الأيام سيحط طيره الشارد رأسه علي صدره يسكن جناحه علي صدره تعلو ضحكاتهم ... حرك رأسه بالإيجاب يتمتم ساخرا :
- ايوة ايوة أنا اسمي الحقيقي دنيال ... الأفلام دي هتاكل مخك
ضحكت بخفة تغرق رأسها في صدره تستمع للحن دقات قلبه المتسارع عشقا .... رفعت مقلتيها إليه تسأله بابتسامة ناعسة :
- طب قولي بقي لو جبنا بنت هنسميها ايه ولو ولد هنسميه ايه
تحرك بمقلتيه بعيدا عنها شردت عينيه في الفراغ ليس فراغ الغرفة بل في فراغ ذلك الجزء المُعذب في روحه ... كان يتمني أن يعطي ابنته الأولي اسم والدته ولكنه أن فعل ستكرر حلقة أسماء لينا ... أما والدته الحقيقة ... لا مكان لها في حياته لن يذكرها حتي بالاسم .... تنهد يعود بانظاره إليها ابتسم يتمتم :
- لو بنت هنسميها وتين ... عشان تبقي وتين قلبي هي وامها
ابتسمت خجلة تنظر لمقلتيه مباشرة تبتسم كعاشقة عرفت للتو معني الحب ... همست له بصوت خفيض ناعم :
- حلو اسم وتين ... طب لو ولد ...
لمعت عينيه لمعة صافية توسعت ابتسامته الحانية يتمتم مبتهجا :
- ياسين أنا بحب الاسم دا أوي ... بحسه اسم نقي بيور ... ياسين خالد زيدان الحديدي
ياسين ... ياسين ... ياسين ...
لم تكن تدري أنها خرجت من شرودها وتتمتم بذلك الاسم بلا توقف الا حين سمعت صوت صديقتها تحادثها :
- حلو اسم ياسين يا لينا بس قديم ... ايه رأيك في اسم أحمد ... اسم جديد
ابتسمت لينا في سخرية ترفع حاجبها الأيسر في تهكم واضح كأنها تقول حقا !!
نصف البلد اسمهم أحمد من الأساس ... وافق جاسر اختيار زوجته ليكن أحمد إذا ... صوت دقات علي باب الغرفة قاطع تلك الجلسة ...سمح جاسر للطارق بالدخول ليدخل هو ... رأته بعد أيام غياب ابتعد فيها عن المنزل منذ عودة والدته ... ها هو يقف أمامها لما تبدو ملامحه مجهدة تعبة ... رغما عنها لم تستطع إزاحة عينيها عن قسمات وجهه ... اشتاقت لبحار عينيه لتطفئ لوعة قلبها المشتعل ... ها هو امامها يقف بطوله الفارع ... قميص أبيض اللون سروال من الحينز الأسود يحمل باقة ورد كبيرة وعلبة بها هدية ... اقترب منهم .. ليقف حسام سريعا يعانقه يختطف باقة الورود منه يحتضنها بقوة أخرج طرف لسانه لسهيلة يغظيها :
- الورد دا عشاني
ضحك زيدان من أفعال صديقه الطفولية أخذ باقة الورود من بين يديه اقترب من فراش سهيلة يضعهم أمامها يحادثها مبتسما :
- حمد لله علي سلامتك يا سهيلة وألف مبروك ... وأنا جاي شوفت باباكي واقف. عند الحضانة بيبص علي البيبي ... ربنا يباركلكوا فيه وتفرحوا بيه
خرج حسام حين استعدته احدي الممرضات للمرور علي المرضي ... جلس زيدان علي أحد المقاعد صامتا يتحدث مع جاسر بكلمات قليلة بين الحين والآخر .... نظرت سهيلة لجاسر في ذلك الوقت تتوسله قائلة :
- عشان خاطري يا جاسر هشوفه حتي وهو فئ الحضانة
تنهد حائرا يعرف أنها ستبكي وتنهار بشكل مبالغ فيه ما أن تري الصغير ....ولكن ماذا يفعل هي لا تتوقف عن الإلحاح لرؤية وهو حقا لا يلومها ... كيف يلوم أم علي لوعتها لرؤية صغيرها ... ابتسم مترددا يحرك رأسه بالإيجاب
ليقوم زيدان في تلك الاثناء نظر لساعة يده نظرة خاطفة ابتسم يتمتم معتذرا :
- طب هستأذن أنا عشان الشغل ...وبإذن الله اجلكوا في السبوع
صافح جاسر زيدان يودعه ... اختطف نظرة سريعة لها ... رأتها جيدا وكيف تغفل عنها وهي لا تفعل شيئا سوي اختلاس النظرات إليه طوال الوقت ... اجفلت علي وغزة من يد سهيلة فئ ذراعه قطبت ما بين حاجبيها تنظر له مستنكرة ما فعلت بينما مالت سهيلة ناحيتها تهمس بصوت خفيض متعب :
- حاولي تتكلمي معاه يا لينا التجاهل اللي انتوا فيه دا مش هينفع ... طبقي نصايحك اللي عماله تقوليهالي
تتحدث معه عن ماذا وما ستقول ...هي حقا لا تعرف اي نوع من الحديث من الممكن أن يجمعهما بعد ما حدث ... كرامتهم تأبي وبشدة أن تخبره أنها لا تزال تحبه ... ماذا أن كان لم يعد هو يحبها .... حركت رأسها تنفي الفكرة استأذنت منهم .... أنهم ستتوجه الي المطعم تحضر بعض المأكولات ..... خرجت من الغرفة تغلق الباب خلفها لتتوسع عينيها مندهشة حين رأته يقف خارجا يتحدث في الهاتف ... مع من يتحدث ... ظهره مواجها لها يدس كفه الأيسر في جيب سرواله والايمن يمسك به الهاتف .. هل هذا والدها الذي يحادثه أم أنه يُحادث تلك الشقراء اللزجة ... ترددت كلمات سهيلة في رأسها توا ... هي وهو يحتاجان لجلسة مصارحة طويلة للغاية ... جلسة يكشف كل منهم عما يدور داخل قلبه المغلق الملتاع ألما .. ولكن كيف تخبره بذلك ... اخذت نفسا قويا تزفره بعمق ... بشكل مباشر ستخبره بشكل مباشر .... أيسر الطرق هو الطريق المستقيم ... تقدمت ناحيته فقط خطوتين ... قبل أن تجد باب أحدي الغرف يُفتح بعنف ويخرج رجل يُسند زوجته يصرخ فزعا .... توسعت عينيها هي هلعا من الدماء التي تغرق ملابس الزوجة الحامل .... اندفع الاطباء والممرضات ناحيتهم ليصيبها هي دوار شديد ...في تلك اللحظة تحديدا شعرت أن الأرض تلتف بعنف رأته وهو يهرع إليها أمسك بذراعيها قبل أن تسقط يصيح فيها قلقا :
- مالك يا لينا
- دايخة اوي وحاسة اني عايزة ارجع
همست بها بصوت ضعيف قبل أن تزوع عينيها كادت أن تسقط أرضا ليحاوطها بذراعيه يحملها .... تلك الكلمات التي نطقتها توا اشعلت في جسده نيران لن تنطفئ ابداا ... أيعقل أنها تحمل بطفل من ذلك الرجل ولما لا ألم تكن زوجة له ... نعم زوجته ... تم زواجهم والآن تحمل طفلهم .... مجرد الفكرة جعلت خلاياه تصرخ تتعذب ... لم يعرف حتي كيف وصل بها إلي أحدي غرف الكشف حتي ... أخبر الممرضة أن تستدعي حسام لأن شقيقه متعبة ... وقف هو جوار الفراش ينظر لجسدها المسطح عليه تركزت مقلتيه عند بطنها ... يشعر بخنجر حاد النصل يشطر قلبه ... أتحمل طفل من غيره .... ولما يتألم ... هل لأنه لا زال يعشقها بكل ذرة تنبض فيه ... كم رغب في تلك اللحظة في أن ينزع قلبه الأحمق يلقيه أرضا يدهسه بحذائه .... فقط دقيقتين وجاء حسام يهرول إلي الغرفة نظر لزيدان يسأله فزعا :
- مالها لينا حصلها ايه
انتقل بمقلتيه بينها وبين صديقه ... ابتسم شقت شفتيه ابتسامة ألم بشعة .... خرج صوته خاوي من الحياة :
- لينا ممكن تكون حامل من نائل
لا يعرف أيقولها في صيغة سؤال يتمني نفيه أم حقيقة يتمني أن تكن هي الكذب الذي خدع الحقيقة وارتدي ثيابها ليخدعه هو ... شخصت عيني حسام مذهولا ... خرج زيدان من الغرفة وقف خارجا استند بجسده الي الحائط عينيه تشرد بعيدا ... الي متي سيتسمر ذلك الحال ... استدعي حسام أحدي الممرضات دخلت للغرفة لدقيقة فقط ... ليراها تخرج من الغرفة تمسك زجاجة صغيرة بها القليل من الدماء ... ابتسم ساخرا ... حسام يريد التأكد من صحة ظنه ... لن يبقي ليستمع إلي الحقيقة المؤلمة لن يتحمل ذلك الألم من جديد ... توجه إلي باب الغرفة فتحه فقط جزء ضئيل للغاية جزء استطاع منه سماع ذلك الحوار الذي يجري بالداخل ابتداءً من صوت حسام وهو يسأل لينا :
- يا لينا متأكدة أنك مش حامل أنا بعت عينة دم ليكي تتحلل عشان نتأكد
وصل إليه صوتها الشاحب المتعب وهي تردف منفعلة :
- مش حامل والله مش حامل ... أنا ومعاذ ولا نائل جوازنا ما كنش اكتر من حبر علي ورق
شخصت عينيه في دهشة لا يصدق ما تسمعه أذنيه .... أحقا ما تقول ...ليسمع حسام يسألها حذرًا :
- يعني ايه
سمع زفرتها القوية يبدو أنها تعبت من الحديث مع حسام الفضولي الذي يرضي فضول ذلك الواقف خارجا دون أن يعلم أي منهم لتتمتم بنزق :
- يعني من يوم فرحنا وأنا في اوضة وهو في أوضة ... حتي لما خطفني ... قالي علي ميولة الغريبة الشاذة معاذ ولا نائل دا ما كنش طبيعي
كان شاذ يا حسام من الآخر
سمع صوت شهقة مدهوشة تأتي من صديقه ليتمتم بعدها مذهولا :
- نهاره أسود ...ايه البني آدم دا ، دا ناقص يكون بيؤد بنات ويبقي ليفل الوحش في الجحود
لم يقل ذهول حسام عن ذهوله ترك مقبض الباب يبتعد عن الغرفة قليلا ... جلس علي أحد المقاعد ينظر للأرض يبتسم ساخرا ... لما يشعر بالسعادة حين علم أن ذلك الفتي لم يمسها ... ذلك لم يشفي سوي جزء من جرح قلبه ... ليس من الساهل إن يتجاوز بسهولة أنها فضلت ذلك الشيطان عنه ... إهانت كرامته ورجولته لأجل وغد دنئ ... لو فقط يعلم أنه وغد لعب علي وتر مشاعرها الحائرة أظهر الجميع هم أشرار الحكاية ليكن هو البطل الطيب الذي جاء لينقذ الاميرة .... تحرك يخرج من المستشفي ... صادف في طريقه سهيلة تقف في المنتصف بين جاسر وابيها تبسط يدها علي زجاج غرفة « الحضانة » تنظر لطفلها تبكي ... لا يعرف أتبكي فرحا أم خوفا
___________________
بأمر من كبير العائلة من هو كبير العائلة الآن ... صاحب قاعة الزفاف الذي يقيم جميع الحفلات في منزله تقرر قيام زفاف أدهم ومايا يوم السبت زفر حسام أنفاسه حانقا والده لم يجد سوي أول أيام العام الدراسي ليقرر فيه أن الزفاف اليوم ... زفر أنفاسه متعبا منذ أيام وهو في دوامة لا تنتهي ... والآن ها هو يقف هنا نظر لساعة يده ليزفر أنفاسه متوترا وقف أمام باب غرفة المحاضرة المغلقة يتأنق بحلة رمادية اللون وقميص ابيض يحمل حقيبة جهاز « اللاب توب » علي كتفه ... رفع يده يعدل من وضع نظارة عينيه الطبية الشفافة وقف للحظات يلتقط أنفاسه .... لقد حاضر من قبل حين كان في السعودية تلك ليست مرته الأولي ... ادار مقبض الباب ليدخل في لحظة دخوله توقفت الاصوات الصاخبة المنعبثة من داخل القاعة ليسود الصمت المكان تحرك بخطوات رشيقة ناحية المكتب يضع حقيبته عليه ... التفت ينظر للطلاب الجالسين أمامه تحرك من مكانه يقترب من مدرجات الطلاب قليلا رسم ابتسامة هادئة علي شفتيه يتحدث برزانة غير معتادة :
- صباح الخير يا شباب ... أنا دكتور حسام السويسي هكون محاضركم لمدة شهر بإذن الله لحين عودة دكتور صادق من سفره ...
للحظات توقفت باقي الكلمات داخل حلقه حين وقعت عينيه عليها لا يعرف كيف لم يرها من البداية ها هي تجلس هناك بعيدا تنظر له في ذهول فكها يكاد يلامس الأرض من الدهشة ... ليرتفع جانب فمه بابتسامة صغيرة ... كم رغب في تلك اللحظة أن يذهب ويعانق صادق ... علي ذهابه للبعثة الآن من قال أنه سيمكث شهر واحد فقط ... عذرا يا صادق ولكن علي الارجح سآخذ مكانك لباقي السنوات القادمة .... حمحم يستعيد ثباته المسلوب .... نظر لمقلتيها مباشرة للحظة قبل أن يحمحم يردف بجدية :
- الأساتذة اللي قاعدين ورا ... يجيوا يقعدوا قدام المدرجات فاضية قدام
تحرك بعض الطلاب ينقلون أماكنهم عداها هي .... ظلت جالسة مكانها دقات قلبها تكاد تصم اذنيها .... لا تصدق أنه هو الواقف أمامها ... اجفلت من شرودها علي صوته وهو يحادثها :
- الاستاذة اللي ورا يا دكتورة
اشارت الي نفسها ليحرك هو رأسه إيجابا كتف ذراعيه أمام صدره يتمتم فئ هدوء :
- سمعتي أنا قولت ايه
تحرك يدق بقلم السبورة الأسود علي سطح مقعد فارغ في المدرج الأول عاد ينظر لها يبتسم في هدوء تااااام :
- تعالي هنا !!
حركت رأسها إيجابا سريعا تنظر له ... الصدمة تكاد تُفجر عقلها ... كيف يعقل أن يظهر في كل مكان هي فيه بذلك الشكل ... والأهم كيف يريدون منها أن تنجح في تلك المادة تحديدا وهو من يدرسها لها .... ابتلعت لعابها متوترة تتحرك بخطي شبه مرتعشة ... كان يجب عليها أن تسمع نصيحة والدها التي قالها لها صباحا
« يا بنتي طنشي كدة كدة ما حدش بيروح أول أسبوع خوديني قدوة ليكي كنت بروح علي الامتحانات بس وبعدين فرح مايا بنت عمك بليل عشان ما تبقيش تعبانة »
ولكنها أصرت أن تكون الطالبة المجتهدة وتذهب اليوم ... في غياب سارين تشعر بأنها منعزلة لا يمكنها الاختلاط مع الطلاب بسهولة سارين هي من كانت تدفعها تشجعها والآن سارين ليس هنا ... جلست علي المقعد الذي اشار إليه تنظر له قلبها يرتجف ... لازالت تحمل ذلك المنديل الذي اعطاه لها ليلا تقرأ كلماته التي خطها لها كل ليلة ...
«بضحكاتك احيا ... بآنفاسك أعيش ... بشذي عطرك ينبض قلبي بين خلجاتي ... فأنتِ الروح والنبض ... أنتِ اكسير حياتي »
كلمات تسلب لبها ... تسحر عقلها ... كلمات تعترف بعشق صاحبها .... اجفلت تنتفض من مكانها حين دق بسطح قلمه علي سطح الطاولة امامها ... اشار الي شاشة العرض لتنتبه لما يقول لتحرك رأسها بالإيجاب سريعا ... ليعاود هو الشرح من البداية لأن حبيبته البلهاء كانت شاردة
______________
وقف أدهم في غرفته الصغيرة في منزل جدته وقف أمام مرآته ينظر لحلته السوداء ابتسامة تكاد تلتهم وجهه من شدة اتساعها .... اليوم ... اليوم ستُكتب زوجة له ... اليوم ستحقق أسعد أحلامه ... تسارعت دقات قلبه يرغب في الرقص القفز عاليا الصياح من شدة ما يختلج بقلبه من سعادة .... امسك زجاجة عطره يضع منها القليل ... في لحظة دخول جدته الي الغرفة رأي عينيها الممتلئة بالدموع ترك الزجاجة من يده ليقترب منها قبل رأسها يتمتم مبتسما :
- بتعطي ليه بس يا جدتي
انهمرت دموع منيرة رفعت يديها تجذب أدهم لها تعانقه بقوة تمسح علي رأسه تغمغم بحرقة :
- دي دموع الفرحة يا إبني ... ما تنساش جدتك يا أدهم .... دا أنا ما صدقت أن ربنا ردك ليا تاني ..
رفع رأسه عن أحضانها دمعت عينيه ليقبل رأسها ويدها ضمها لصدره يغمغم مبتسما :
- انساكي ازاي بس ... حد ينسي أمه ... دا أنا انسي نفسي وما انساكيش ... ربنا يخليكي ليا وما يحرمني منك ابدا
- اوووبا ليالي الحلمية شغالة اهي ...
غمغم بها مراد ضاحكا في لحظة دخوله للغرفة يحمل حذاء أدهم الأسود اللامع اقترب منه يضع الحذاء جوار الفراش يغمغم متفاخرا بإنجازه الهائل :
- الجزمة مراية خليت الواد رزق يمسحها مسحة حكاية ... يلا يا عم البس عشان ما نتأخرش ... العروسة بتجهز في البيت اللي هيتعمل فيه الفرح
حرك رأسه إيجابا سريعا هرول يرتدي حذائه ليمسك مراد بسترة حلته السوداء يلبسه إياها ... التف يقف أمامه يعدل رابطة عنقه ... نظر أدهم لأخيه يبتسم .... ربت مراد علي ذراعه في اللحظة التالية كانا يتعانقان ربت مراد علي ظهر أدهم يغمغم بانفعال صادق :
- ألف مبروك يا أدهم ... ربنا يسعدك ويهنيك دايما
لحظات سعيدة لم تقطعها سوي صوت منيرة حين صدحت من بين شفتيها زغرودة عالية تتمتم سريعا :
- يلا يا واد أنت وهو اتأخرنا علي الناس
تقدمت منيرة خلفها ادهم يلحق بهم مراد ... حين خرج الأخير إلي صالة البيت ... رآها منذ ساعات وهو منشغل مع أخيه ... لم يرها اليوم تقريبا ... لم يكن يعرف وهو يبتاع ذلك الفستان الاقحواني بلونه الفاتح الهادئ أنه ستخطف أنفاسه لتلك الدرجة وحجابها الرقيق الذي يلف رأسها بشكل أنيق يكاد يطيح المتبقي من ثباته ... حتي الصغيرة ملك ترتدي فستان أبيض اشتراه منذ عدة أيام هو وفستان روحية لأجل زفاف شقيقه لم يفق من دوامة شروده علي صوت جدته تنهره :
- يلا يا مراد هتفضل متنح فيها كتير ... هي زي القمر آه بس احنا متأخرين
نظر لجدته حانقا فضحت أمره وكأنه مراهق ضُبط بالجرم المشهود ...التقط أنفاسه يقترب منها يشير لها بيده لتتقدمه ... حركت رأسها بالإيجاب جسدها يرتجف متوترا ... تحركت الي السيارة تجلس علي الأريكة الخلفية جوار منيرة ... وفئ الإمام يجلس مراد خلف مقعد السائق وادهم جواره تنطلق السيارة الي منزل خالد السويسي
_________________
في منزل خالد السويسي زُينت الحديقة بشكل مبهر فمن كثرة ما اُقيم فيها من مناسب بات خبيرا فيما يتعلق بالحفلات .... كوشة العروسين ... الإضاءة ... الموسيقي ... طاولات الطعام ... طاولات الضيوف ... حمزة يتحرك هنا وهناك بصحبة خالد يشرفان علي الجميع ... السيدات جميعا في الأعلي في غرفة مايا ... التي وقفت أمام مرآه زينتها تلتف حول نفسها تكاد تصرخ من السعادة ولما تكاد فقد صرخت بالفعل :
- أنا وادهم هنتجوز اخيرا
ضحكت لينا السويسي ساخرة من افعالها توجهت ناحيتها تقرص ذراعها بخفة تأوهت الأخيرة تنظر له حانقة لتتمتم لينا ساخرة :
- يا مدلوقة شوية وقار مش كدة ...
قلبت مايا عينيها دون أن تهتم بكلمات لينا هو حقا لن يشغلها كل ما يشغلها الآن أن أدهم عاي وشك الوصول سيعقدون قرانهم ... ومن ثم حفل زفافهم الرائع ... اقتربت لينا زوجة خالد منها تساعدها في إنهاء آخر اللمسات ... نظرت مايا لها تبتسم ... في تلك الليلة تحديدا كانت علي وشك أن تنهار باكية ... لولا وجودها جوارها كأنها والدتها ... منذ البداية إلي هذه اللحظة زوجة عمها لم تتركها لحظة ...
صوت سيارة وقفت في حديقة المنزل ... هرعت الي الشرفة أدهم هنا ومعه المأذون وشقيقه وجدته وزوجة شقيقه وابنتهم ...
في غرفة الصالون قبل أن يزدحم القصر بالحضور قرروا عقد القران اولا ... جلس المأذون في المنتصف بين أدهم وحمزة ... تجمع فقط أهل البيت من ضمنهم مايا تقف بين السيدات يشاهدن عقد القران في مشهد مألوف تم عدة مرات امامهم ... ولكنه تلك المرة مختلف بفرحة أدهم ومايا العارمة ... وضع أدهم يده في يد حمزة ... ادمعت عيني حمزة رغما عنه ... يزوج إبنه وابنته في ليلة واحدة ...لحظات مر شريط طويل من المشاهد المتتالية أمام عينيه ...مشاهد طفولة شباب كبر ... الآن يزوج شطري قلبه ... ردد خلف المأذون إلي أن انتهي دوره ليجئ دور أدهم الذي كان يسابق الكلمات وهو ينطقها ... وقع خالد واحد حراسه كشاهدين ... خط أدهم توقيعه متلهفا حتي أنه كاد يمزق الورقة من شدة لهفته ... جاء دور مايا اقتربت منهم تخط توقيعه ما أن وضعت بصمتها علي الورقة ... شهقت بعنف خرجت بعض الشهقات من السيدات من المفاجأة التي قام بها أدهم حين حملها يلتف بها حول نفسه يصرخ من شدة سعادته :
اتجووووووووززززتهاااااا !!!!
تعالت ضحكات الجميع وضرب خالد كفا فوق آخر ... عند باب المنزل وقف ينظر لها وهي تقف هناك تنظر لادهم ومايا تبتسم لسعادتهم ... تلاقت ملقتيها بمقلتيه ... لتندثر ابتسامتها شيئا فشئ ... كلاهما ينظر للآخر يبحث عن السعادة في عينيه والسعادة تلتف أمام أعينهم !!!
نغمات الموسيقي تنبعث من هنا وهناك تلف حبالها الناعمة حول الجميع في حالة خاصة من السكر ... علت نغمات أخري تفوق نغمات الموسيقي تعلو فوقها ... تحجبها ... نغمات السعادة ... السعادة المشعة منهما فقط ... سعادة خاصة من بين أفواههم أعينهم ضحكاتهم .... تلفهما معا في قوقعة صافية لن تنكسر .. لن يطرقها الحزن قريبا ... يجلس جوارها علي « الكوشة » المخصصة لهما أشبه باريكة صغيرة بيضاء مزينة لا فواصل بينهما ... احتضن كفيها بين كفيه ...رفع يدها يقبلها بهيام عينيه لا تنزحان عن مقلتيها ... في تلك اللحظات آخر ما يمكن أن يشغله هو حفل زفافه !! ... كيف يوجه انظاره لإضاءة نجوم خادعة والقمر أمامه يبتسم له .... يأسر قلبه المكبل بقيود عشق خاصة ... عشق لم يذقه احدا قبله ولن يفعل احدا بعده ... فلا الحكايات تتشابه ... ولا ليلي ستشعق بعد قيس احدا ... رفع يدها يقبل باطنها للمرة التي لم يعد يحسبها .. ليري وجهها بالكامل يصطبغ بحمرة وردية جميلة .... تلتهما عينيه في فستان الزفاف الأبيض تبدو كأميرة هربت لتوها من حكاية سندريلا ... سندريلا لم تحب الأمير بل أحبت ذلك الفقير اللقيط ... تهدجت أنفاسه يشعر بقلبه علي وشك أن يخرج من مكانه حلمه بالسعادة تحقق اخيرا ... وباتت هي بعد طول انتظار ... زوجته !!
تحرك لسانه يعبر ولو قليلا عن نيران قلبه المتأجحة بلهيب عشقها :
- اخيرا يا مايا ... أنا مش قصدي نفسي حاسس اني بحلم حلم حلمته كتير أوي ... حلم اخيرا اتحقق ... بقيتي مراتي ..... هتفضلي معايا دايما مش هتبعدي عني تاني ... هاخدك في حضني قدام الدنيا كلها ... يعني لما اصحي كل اليوم الصبح هلاقيكي نايمة جنبي ... ولما ارجع من الشغل هلاقيكي لسه موجودة ... مايا انا بحبك ... بحبك اوي ... اوي يا مايا
ملئت الدموع حدقتيها تنظر له قلبها يكاد ينفجر كلماته لا تعزف برقة بل تدق بعنف علي وتين قلبها تكاد تفجره ... تريد أن تخبره أيضا انها تعشقه فوق عشق العاشقين عشقا ... لم تجد ما اقول كلمات العالم اختفت جميعا من قاموسها الكبير الذي يحوي عدة لغات ... عربية ، إنجليزية ، فرنسية ألمانية ... ولم تجد كلمة واحدة تعبر عن عشقه في قلبها ...فتركت لسانها جانبا واندفعت ترتمي بالروح والقلب قبل الجسد بين أحضانه ولم يتردد هو للحظة بل طوقها بذراعيه يزرعها داخل قلبه وصدره وهي في الأساس تسكن شطر روحه ...لحظات طويلة سرقاها من الدنيا سعادة لا مثيل لها لهم هم فقط .... لحظات طويلة مرت كلمح البصر قبل أن تبتعد عن أحضانه ... مال يقبل رأسها يهمس لها بشغف عاشق :
- نرقص
ابتسمت خجلة تومأ برأسها لمحة خاطفة قام يشبك أصابعه بكفها يجذبها بخفة لتتحرك معه إلي باحة صغيرة للرقص ...لفت ذراعيها حول عنقه ليحاوطها بذراعيه يقربها منه حتي بات عجز الهواء عن العبور من بينهما ... يتمايل معها علي ألحان قلبه قبل ألحان الموسيقي
- أنا بقول كفاية كدة ونروحهم قبل ما نتفضح
غمغم بها خالد ضاحكا قبل أن يرفع يده يوكز اخيه بمرفقه في ذراعه التفت حمزة له ... برزت علي شفتيه فقط ضحكة خافتة نظر لهما ليعاود النظر لأخيه رفع يده يسمح وجهه بكف يده يغمغم في عجب ساخر :
- طب أنا دلوقتي المفروض ابقي قلقان علي مين فيهم ... ليزعل التاني بعد الجواز لما يجوا يشتكولي أنا المفروض اعمل ايه بقي
ضحك خالد يحرك رأسه يآسا ترك حمزة يقف هناك ليتجول هو في الحديقة يبحث عنها .. أين تلك القصيرة صاحبة الأعين الزرقاء التي تسلب لبه أينما كانت ... رآها تجلس علي طاولة بعيدة قليلا تشاهد العروسين بابتسامة كبيرة ... وقف ينظر لها يمر أمام عينيه شريط طويل من الذكريات السعيدة هي بطلتها جميعا ومن سيكون غيرها ... رفع يده يتحسس شعره الذي امتزج بالشيب ... الشيب بين ذراعيها هو الشباب السرمدي ... تحرك متوجها إليها تخترز عينيه فستانها الأسود الأنيق حجابها الرمادي زرقة عينيه الكفيلة بجعل وجهها يضئ ... اقترب أكثر واكثر إلي أن صار أمامها مباشرة انحني قليلا يمد يده لها ... لترتسم علي شفتيها ابتسامة صغيرة دون كلام وضعت كفها في كفه ليجذبها برفق ... يأخذها إلي ساحة الرقص يخفيها داخل جسده وهو يتمايل معها علي انغام الموسيقي ... يده علي خصرها والاخري تمسك بكفها ... ويدها علي كتفه والاخري تحتضن كفه ... تنظر لمقلتيه دون كلام ... فالصمت في تلك اللحظات هو خير كلام تقوله الأعين يعرفه القلب ولن ينطق به اللسان أبدا .... لاحظت تبدلت ابتسامته هي تحفظه عن ظهر قلب ... وتعرف تلك الابتسامة التي ظهرت علي شفتيه لتبتسم هي الاخري تسأله :
- افتكرت ايه
ضحك يوجه انظاره إليها يقربها منه أكثر برزت ابتسامة عابثة علي شفتيه يغمغم مشاكسا :
- افتكرت فرحنا التاني . لما اصريتي نرقص في الجنينة الساعة 2 بليل
ابتسمت وضحكت عيناها حين صدمت رأسها تلك الذكري ... اصرت علي أن يرقصان في الحديقة الثانية بعد منتصف الليل لأنها تعرف أنه لن يرفض ... لم تكن رقصة هادئة كهذه إطلاقا ... بل كانت أشبه برقصات المجانين وهي تتقافز حوله تصيح فيه أن كطفلة بلهاء أن يرقص معها وهو يخبرها كرجل آلي أنه لا يجيد تلك الرقصات الغريبة ... وأنه لا يجيد سوي رقصة « التحطيب » الشعبية القديمة التي تحدث في بلدهم ....
عادت تنظر إليه ابتسمت تنظر له تلك النظرات الناعسة التي ينسي معها أن هناك عالم من الأساس أن الكون يتوقف عندها هي ... إن نبضاته تدق فقط لها هي ...
بالقرب منهم نظر حمزة لأخيه يبتسم خالد حين يري لينا يشعره بأن مجذوب رأي من لعنه ليسير خلفه أبد الدهر ... أحيانا يظن أنها جنية قادمة من باطن الأرض ندهت أخيه بسحرها لتكبل قلبه للأبد بعشقها ... نظر لبدور الجالسة علي المقعد جواره تهدهد سيلا الصغيرة ... ليبتسم تلمع عينيه بعاصفة مشاعر من الحب والامتنان والاحتواء .... رآها حين اختلست النظر لساحة الرقص ... رأي في عينيها نظرة حزينة بها ألم قديم ... ليتفهم الوضع .. قام من مكانه يمد يده لها يحادثها مبتسما :
- نرقص
اسبلت عينيها تنظر له مدهوشة ترقص لم تفعل منذ زفافها الأول تقريبا ... كم مرة أرادت الرقص علي تلك النغمات الهادئة بين ذراعي زوجها السابق وكان رده العنيف القاسي ... هو السخرية منها وابعادها بقسوة عنه .... كم تكرهه لا تعرف حتي لما أحبته في يوم ... ابتلعت لعابها تحرك رأسها نفيا تهمس متوترة:
- ها ... ااا .. أنا ما بعرفش ارقص .. وبعدين خالد وسيلا
ابتسم دون كلام ليميل يحمل سيلا الصغيرة من بين ذراعيها .... حمل الصغير خالد علي ذراعه يبحث بعينيه عن هدفه ليجده يقف هناك جوار طاولة الطعام الكبيرة يتحدث مع طبق المقبلات في موضوع غاية الأهمية :
- ايوة يعني هما اتاخروا ليه ... أنا مستنيهم من بدري ... تفتكر مش هيجيوا
وقف حمزة بالقرب منه ينظر له بأعين متسعة مدهوشة حسام جُن يتحدث مع اطباق الطعام .... أراد أن يضرب كف فوق فوق آخر ولكن حمله للأطفال منعه .. اقترب اكثر يرسم ابتسامة واسعة علي شفتيه يغمغم ساخرا :
- حوسو حبيب عمك ... سيب يا حبيبي الطبق اللي أنت بتكلمه دا ... وتعالا عايزك
قطب حسام جبينه متعجبا عن أي طبق يتحدث ... حسام كان يحدث زيدان من خلال سماعة الاذن الصغيرة .... زيدان الذي فضل المكوث في غرفته بعض الوقت قبل أن ينزل للحفل ... أغلق حسام الخط مع صديقه .. يقترب من عمه وقف أمامه يردف مبتسما :
- خير يا عمي
فكر حمزة للحظات عن حجة مقنعة يقولها لحسام قبل أن يعطيه الصغيرين .... رسم ابتسامة كبيرة علي ثغره قبل أن يدفع سيلا الصغيرة بين أحضان حسام برفق .. حملها الأخير سريعا ينظر لحمزة مدهوشا بينما اردف الأخير مبتسما :
- بص يا حوسو أنا عارف انك دكتور نسا واكيد بتحب الأطفال ....
رفع حسام يده اليسري سريعا يقاطع عمه قبل أن يكمل لأن اليمني تحمل الصغيرة ... رفع حاجبه الأيسر يردف مستهجنا :
- مين قال إن دكتور النسا لازم يحب الأطفال ... هل دا معناه أن دكتور السنان بيحب السنان ويمشي يلمها من تحت مخدات العيال ويعملهم سلسلة ولا دكتور السمنة بياكل الدهن ويسيب اللحمة ... ولا دكتور البواسير بيحب ال
قاطعه حمزة سريعا قبل أن يكمل وصلته المقززة ليردف مشمئزا :
- بس بس يخربيت قرفك ... أنا اللي غلطان
اقترب منه يدفع الصغير خالد الذي تعلق في عنق حسام ينظر له بشر طفولي ... بينما اشهر حمزة سبابته امامه يردف :
- خلي بالك من سيلا وخالد واوعي تزعلهم ...
اقترب يربت علي رأس الصغير يحادثه مبتسما بحنو :
خالودة إلعب مع عمو حسام
قالها ليبتسم الصغير في خبث يحرك رأسه بالإيجاب ... بينما ابتلع حسام لعابه خائفا ينظر للصغير بجانب عينيه متوترا ... تركهم حمزة وغادر متوجها ناحية بدور الجالسة هناك تراقب ما يفعلون ... اقترب حمزة منها ودون كلمة أخري جذبها من يدها يتجه بها ناحية الحديقة الخلفية بعيدا عن الجمع ... توسعت عيني حسام مدهوشا رفع حاجبيه لأعلي يتابع ما يفعل حمزة بأعين مدهوشة ... ليتمتم في ذهول :
- نهار اسوح إنت مش كبرت يا عمي علي اللي أنت بتعمله دا
نظر حوله يبحث عن أبيه ليخبره بأفعال أخيه الغريبة ليجد أبيه يجلس علي طاولة بعيدة عن الحفل ملاصقا يهمس لها ببعض الكلمات العابثة فئ اذنيها والاخيرة تضحك خجلة حرك رأسه يتمتم ساخرا :
- وأنا هشتكي مين لمين ... ما اسخن من سيدي الا ستي زي ما خالتي كانت بتقول
علي صعيد آخر قريب وقفت سيارة رشيد بعد رحلة طويلة لهدفان الأول رؤية حفيده الأول ... والثاني حضور الزفاف ... نزل من السيارة لتنزل صبا من بعده ... بعد أن أصرت شروق أن تمكث مع سهيلة في المشفي ... تحركت صبا جوار أبيها تنظر للمكان بأعين واسعة تلمع ... نظرات بريئة رقيقة .... ما هي الا لحظة ووقفت سيارة مسرعة بالقرب منهم لتسمع صوت تعرفه يأتي
من داخل السيارة تصيح محتدة :
- مش هترتاح غير لما نعمل حادثة في مرة بسواقتك المجنونة دي يا غيث ...
صوت ضحكاته المميزة يصدح من الداخل غيث هنا !! ... لم تره منذ الحادثة الأخيرة منذ أشهر كانت تظن أنه سافر مرة أخري ولكنه هنا ... تحرك رشيد والدها ناحية أخيه يعانقه لقاء بعد طول غياب نزلت ياسمين ومعها جوري الصغيرة تمسك بيدها اقتربت ياسمين منها تعانقها بود تردف بحنو :
- ازيك يا صبا عاملة ايه يا حبيبتي .. عقبالك يا سوسو
ابتسمت صبا في توتر تهمس بخفوت خجل عينيها تحاول اختلاس النظرات تبحث عنه .:
- الحمد لله شكرا يا طنط
اقتربت جوري من صبا تشد اكمام فستانها ابتسمت ابتسامة واسعة تغمغم بصراحة مطلقة :
- صبا صبا فستانك حلو اوي يا صبا ... ماما أنا عايزة فستان زيه
ضحك الواقفون جميعا قبل أن يميل رشيد يمسك جوري يرفعها عن الأرض كشر قسمات وجهه بشكل مضحك يردف متوعدا :
- إنت يا بت بتعاكسي بنتي ... يا شبر ونص أنتي
قلبت جوري عينيها بملل كتفت ذراعيها أمام صدرها زمت شفتيها تغمغم بنزق :
اسمي جوري يا عمو رشيد ... وطبيعي اكون قصيرة لأن أنا لسه صغيرة عندي 10 سنين ... وما ينفعش تشيلني زي الكيس كدا لأن دي إهانة للمرأة
توسعت عيني رشيد في ذهول ينظر لفارس وياسمين مذهولا ... بينما ضحك فارس يآسا يصطدم جبينه بكف يده يغمغم ضاحكا :
- إنت لسه شوفت حاجة ... الأستاذة جوري بتقرا في كتب غيث ... وطول النهار بتسمعني محاضرات عن حقوق المرأة ومساواتها بالرجل ... لدرجة انها حسستني اني فاتح مكتب بؤد فيه بنات
كان الجميع يضحك يتحدثون عما تفعله تلك الصغيرة جوري .. عداها هي ... تقف بعيدا عنهم قليلا تفرك يديها متوترة عينيها تحاول اختلاس النظرات إليه لتنتفض في حرج حين التقت مقلتيها بعينيه للحظات رآها وهي تختلس النظرات إليه يال الفضيحة ماذا سيظن بها ... تحركت بصحبتهم للداخل .. توجهوا جميعا إلي طاولة كبيرة يلتفون حولها تجلس جوار والدها عينيها تتوجه ناحية مايا وادهم تنظر لسعادتهم وهم يلتقطون الصور بابتسامة صغيرة .... استأذنت من والدها لتتحرك ناحية طاولة المشروبات التقطت كأس عصير برتقال ... وقفت جوار الطاولة تنظر للفراغ شاردة ... منذ تلك الحادثة وهي تشعر بوخزة مؤلمة داخلها ... وخزة تنخر كلما رأت زوج بصحبة زوجته او فتاة بصحبها خطيبها .. باتت تشعر أن الجميع مخادعون او أنها الحمقاء الوحيدة في العالم اجفلت من شرودها المؤلم علي صوته بالقرب منها يسألها مبتسما :
- ازيك يا صبا ... أخبارك ايه وأخبار المذاكرة
التفتت يمينها لتراه يقف بالقرب منها ... يرتدي « سويت شيرت » من اللون البني وسروال باللون الاسود ... يبتسم يمسك في يده كوب عصير تفاح تقريبا ... ابتسمت في توتر تومأ برأسها في لمحة سريعة تهمس بخفوت :
- الحمد لله
ابتسم يحرك رأسه إيجابا رفع كأسه يرتشف منه قليلا قبل أن ينزله يردف مبتسما :
- جوري عندها حق ... حقيقي فستانك حلو أوي
توسعت حدقتيها تنظر له للحظات في دهشة قبل أن تخفض رأسها أرضا وتغزو تلك الحمرة القاتمة وجهها هل يتغزل بها .... أم هي فقط ملاحظة عابرة ... ماذا تفعل لم تجد ما تقوله سوي أحرف مرتجفة نطقت بها كلمة واحدة :
- شكرا
وكانت الكلمة الأخيرة الاخيرة لنهاية نقاش قصير ... تتهرب هي بعينيها بعيدا بينما ينظر هو لها مبتسما ... راقبها بعينيه وهي تعود للطاولة رآها حين التفتت تنظر له في لمحة خاطفة ... ليبتسم يرتشف ما بقي من كأسه يغمغم مع نفسه :
- مستنيكي يا صبا
عاد لطاولتهم من جديد ... جلس يعبث في هاتفه ليفاجئه سؤال عمه الذي قاله مباشرة دون اي مقدمات :
- وأنت بقي يا عم غيث ناوي تستقر هنا ولا هتسافر تاني
أزاح الهاتف من أمام عينيه يضعه علي الطاولة ابتسم يحادث عمه بأدب :
- لاء بإذن الله هرجع لندن تاني بعد بكرة عشان هقدم ماجستير وحابب اخده من هنا وكمان جدي جاسم قاعد لوحده بقاله مدة طويلة وأنا لازم اسافرله
إذا سيسافر ... متي ستراه مرة أخري ربما تلك هي المرة الآخرة التي يمكنها أن تراه فيها ... لذلك التفتت برأسها له تبتسم فقط ابتسامة صغيرة وكأنها تودعه بها ... اجفل الجميع علي صوت يرحب بهم بحفاوة :
- يا اهلا يا اهلا وأنا أقول الفرح نور ليه
اقترب خالد بصحبة لينا منهم بعد ترحيب حار من الطرفين جلسوا سويا يتحدثون وتتعالي ضحكاتهم علي تلك الذكريات القديمة خاصة ذكريات زفاف رشيد وما فعلوه ثلاثتهم في محل الحلاقة ....في تلك اللحظات توقفت سيارة محمد في المراب الخاص بها .... اوقف محمد السيارة التفت برأسه ينظر للوجين الساكنة جواره منذ أن استقلا السيارة ولم تنطق بحرف واحد عينيها شاردة تسبح في فراغ مؤلم فارغ يعذب قلبها يشتت روحها ... رفع يده يضعها علي كتفها برفق التفتت له ليحادثها مبتسما :
- يلا ننزل
حركت رأسها بالإيجاب فتحت الباب المجاور لها تخطو خارج السيارة تحولت عينيها في تلك اللحظة الي برج مراقبة تبحث عن صغيرها في كل شبر من المكان لا اثر له أين هو ... قلبها يطرق بعنف بحثا عنه تشعر بيد محمد يمسك بكف يدها يجذبها معه لداخل الحفل متوجها بها إلي طاولة خالد والبقية قام خالد يصافح صديقه يعانق لوجين ... وفقط ابتسامة باردة خرجت من بين شفتي لينا قبل أن تترك الطاولة تتمتم بنبرة اعتذار فاترة :
- عن اذنكوا هروح اشوف مايا
قامت دون أن تلقي نظرة واحدة حتي عليهم توجهت صوب كوشة العروسين ... ليتنهد خالد يآسا ... قبل أن يوجه انظاره للوجين الجالسة جواره لف ذراعه حول كتفيها يسألها مبتسما :
- عاملة ايه يا جوجو
ابتسمت ابتسامة شاحبة تحرك رأسها بالايجاب ...دون كلام لينظر خالد لمحمد يسأله مبتسما :
- اومال رانيا وفراس فين
رانيا قاعدة مع والدي وفراس بيه عنده ماتش بلاي ستيشن
نطقها محمد بامتعاض يكاد رأسه ينفجر من ذلك المراهق فراس .... ليضحك خالد علي ضيقه
بالقرب منهم تحديدا علي طاولة منيرة ومراد وروحية ... لوت منيرة شفتيها تنظر لأجواء الحفل بابتسامة ساخرة اقتربت من مراد تسأله حانقة :
- ايه يا مراد الفرح دا ... كل واحد قاعد علي تربيزة لا حد بيرقص ولا حد بيزغرط ... وبعدين ايه المزيكا اللي مشغلينها دي
ابتسم مراد حين نظر لشقيقه يلوح له ليعاود النظر لجدته اخفض صوته يتمتم ضاحكا :
- هي دي أفراح الطبقة المخملية يا جدتي .. لا اغاني شعبي ولا زغاريط ولا رقص وتشكيل موسيقي واللي عايز يرقص بيرقص سلو وصور وبوفية فاخر جداا وبس
امتعضت قسمات وجهه منيرة تغمغم حانقة :
- طب اقسم بالله الأفراح اللي بتتعمل عندنا أحسن منها علي الأقل فيها روح كدة ...
صمتت للحظات قبل أن تلكز مراد في ذراعه تحادثه ساخرة :
- وأنت يا اخويا ما تاخد مراتك وترقصوا سلوس مع بعض
توسعت حدقتي روحية في ذهول اخفضت رأسها أرضا تحركها نفيا بعنف شديد ... لتمتعض قسمات منيرة ... تردد مراد للحظات كاد أن يمد يده لها ليجذبها معه لباحة الرقص ولكنه تردد في اللحظة الأخيرة عن ما كاد يفعل ... لتزفر منيرة تتمتم بصوت خفيض ساخر :
- عيل موكوس طول عمرك
بينما شردت عيني روحية تتخيل نفسها بين أحضان مراد !! يتمايل معها كما فعل أدهم مع زوجته منذ قليل ... الفكرة نفسها جعلت جسدها يرتجف قلقا ... مراد وإن كانت معاملته تغيرت تماما ... إلا أن الذكريات القديمة لا تُنسي بسهولة ابداا ...
علي صعيد آخر تأفف حسام حانقا من اولائك الأطفال نظر حوله ليجد احدي الخادمات تخرج من المنزل هرول اليها يعطيها الطفلين يغمغم سريعا متلهفا :
- فتحية خلي بالك منهم أنا خلاص تعببببببت
بصعوبة كبحت الخادمة ضحكاتها تحرك رأسها إيجابا وقف حسام يبحث عن صديقه أين زيدان مختفي منذ بداية الحفل تقريبا ... اخرج هاتفه يود الاتصال به ليشعر بيد توضع علي كتفه التفت خلفه ليجد زيدان يقف خلفه عينيه ناعسة يبدو أنه كان نائما رفع حسام حاجبيه يتمتم مدهوشا :
- أنت فين يا عم بدور عليك من أول الفرح ... إنت كنت نايم ولا ايه
حرك زيدان رأسه بالإيجاب صعد لغرفته ليستريح قليلا قبل بداية الحفل لم يشعر بنفسه حين غط في نوم عميق رآها في حلم قصير ترتدي فستان زفاف أبيض تضحك له تهرول لاحضانه حلم سعيد لم يرد أن يستقيظ منه ابداا .... توجه بصحبة حسام يجلسان علي مقعدين متجاورين جوار طاولة الطعام ... التقط زيدان قطعة قريدس صغيرة يدسها في فمه ... ليرتشف بعدها بعض العصير ... نظر لحسام ليجد عينيه المعلقة بباب المنزل ابتسم يربت علي كتف صديقه :
- ما تقلقش زمانهم جايين ... خالي مأكد عليهم انهم يجيوا
ابتسم متوترا قلبه يكاد ينفجر شوقا إليها وقد رآها فقط صباحا ... اغمض عينيه متمنيا أن تمر اللحظات القادمة علي خير حين رأي لوجين والدة زيدان تتقدم ناحيتهم .... اقتربت من الطاولة تقف أمامهم ... زيدان يوجه انظاره للهاتف ... هو يراها ويتظاهر أنه لا يفعل ... امتلئت حدقتي لوجين بالدموع تنظر لولدها كم أرادت أن تحتضنه بقوة مرة واحد تضمه لأحضانها .... لتهمس باسمه بنبرة خافتة حانية راجية :
- خالد !!
لم يرد لم يرفع عينيه حتي وكأنها لم يسمعها من الأساس فقط يمسك هاتفه بيمناه واليسري يدق باصابعه علي سطح الطاولة مدت هي يدها بلحظة مفاجاءة تمسك كف يده ... لتشعا بحركتها فتيل من نار غضب ... رفع وجهه لها يرميها بنظرات قاسية ... نزع يده من يدها بعنف ينظر لها مشمئزا .... هب واقفا يشهر سبابته امام وجهها يهمس لها بنبرة غاضبة حادة عنيفة :
- اياكي ... اياكي تفكري تلمسيني لولا اننا في فرح ووسط ناس كان ردي هيبقي مختلف تماما
تركها وغادر دون كلمة أخري ... وقفت هي تبكي ترتجف من شدة البكاء ... قلبها يحترق من كلماته ... للحظات شعر حسام بالشفقة عليها ... كم أراد أن يقول شيئا ليهدئ من حدة بكائها ولكنه لم يجد ... وفي تلك اللحظات تحديدا وقفت سيارة عمر في حديقة المنزل ... فتحرك هو من مكانه سريعا ليكون في استقبالهم ....
وقف أمام السيارة يفتح ذراعيه علي اتساعهما يغمغم في خبث :
- عمي حبيبي وجد عيالي شرفت يا غالي
زفر عمر أنفاسه حانقا كم اراد أن يعود لسيارته يقودها بعنف يدهس بها ذلك السمج شبيه أبيه .. شدد كف علي كف سارة ابنته يتجاوزه وكأنه فراغ لا قيمة له توجه بابنته الي الحفل ... لأن تالا متعبة واحتراما أيضا لمشاعر لينا زوجة خالد فضلت تالا عدم المجئ ...سار عمر بابنته الي أقرب طاولة ليجد حسام يقترب منهم يبتسم ابتسامة كبيرة يجذب مقعد فس يده وضعه جوار عمر ينظر له يغمغم مبتسما في ولة :
- وحشتني يا عمي .. إنت ما بتجيش ليه يا عمي ... يا حبيبي يا عمي ... ما تتجوزني بقي يا عمي
زفر عمر أنفاسه حانقا يغض علي شفتيه بغيظ مد يده يقبض علي نلابيب ملابس حسام يقربه منه يهمس له غاضبا :
- اسمع ياض يا ابن خالد إنت .. لم نفسك بدل ما امسح بيك الحفلة كلها
ابتسم حسام في سماجة ينظر لعيني عمر متحديا ليميل عليه يهمس له جوار اذنه بنبرة جادة متوعدة :
- ما هو بص بقي يا عمي ... قسما بالله لو ما جوزتني بنتك لهخليهالك تعيد سنة اولي سبع سنين ... هي ما قالتلكش إن أنا الدكتور بتاعها ... جوزهالي بقي وأنا هشرحلها مجانا ... وهكشف علي مدام تالا مجانا ... ما تجوزهالي بقي يا عم هو أنا هشحت منك
نظر عمر له باستخفاف ليدفعه بعيدا عنه نظر لابنته يسألها :
- هو صحيح الواد دا يبقي الدكتور اللي بيدرسلك
حركت رأسها إيجابا تختلس النظرات ناحية حسام .... نظرت لوالدها لتري تجهم وجهه ينظر لحسام حانقا بينما يبتسم الاخير في اصفرار يكاد يصيب ابيها بذبحة صدرية حادة
أين هي ... هل يهتم كثيرا يكذب أن قال إنه لا يفعل يريدها بكل ذرة في قلبه وروحه وجسده وينفر عقله منها بكل ذرة فيه خلياه الصلبة كالصخر ... ولكن ذلك لا يمنع أن يبحث عنها يراها ... يطمئن عليها ... سعادة غريبة تدق قلبه حين علم أن نائل لم يمسسها ... زوجته هو ... لم تسمح لغيره بلمسها ... لولا تلك الغصة العنيفة التي تؤجج قلبه ... ظنا منه أنها أحبت ذلك الشيطان ... فضلته عليه قبلت زواجه قلبه يحترق .... أين هي وسحقا لقلبه الآن ... بحث في الحديقة الخلفية فلم يجد سوي حمزة وهو يراقص بدور زوجته أو بمعني أصح يعلمها كيف ترقص والاخيرة تضحك بانطلاق ... يبدو أن بدور سعيدة اخيرا بعد طول عذاب ... تحرك بخفة حتي لا يروه لفت انتباهه باب غرفة التدريبات مفتوحة دفع بابها برفق تحرك داخلها يبحث عنها ... ورآها تقف هناك كملاك حزين بفستانها بلون السكر خصلات شعرها المنسدلة تقف داخل حلبة الملاكمة التفتت له ما أن شعرت بوجوده وابتسمت بخفة ... ابتسامة ذابت قلبه المذاب ابتلع لعابه يحاول امساك قلبه أن يفر إليها تسارعت أنفاسه سلبت لبه كما تفعل دائما حمحم يستعيد ثبات واهي يغمغم في هدوء جاف :
- بتعملي ايه هنا ... أنا قصدي يعني خالي بيدور عليكي
ابتسمت من جديد فتحت ذراعيها تشير الي الحلبة لتعاود النظر إليه ... دموع طفيف غزت مقلتيها حين ابتسمت تقول :
- فاكر لما جبتني هنا وقولتي برنسيسة عيلة السويسي لازم تتعلم تدافع عن نفسها ... ساعتها أنا سكت ... ما كنتش عارفة اقول إيه ... أقولك أنا ضعيفة بخاف حتي من الناس ... بخاف منك أنت نفسك ... أنا عمري ما هقدر احمي نفسي ...
تقابلت أعينهم ليري تلك الطبقة الشفافة تغزو مقلتيها ... يسيل منها القليل علي وجهها حين اردفت بانفعال تلك المرة :
- بعدت وطلقتني يوم ما قررت اسامحك ... هربت يا زيدان وسيبتني ... سيبته يلعب بيا ... سيبته يجرني لشباكه ... سيبته يموت ابننا
- ما ادتنيش اي فرصة يا لينا
غمغم بها بنبرة خافتة خالية من الحالية ... يبعد عينيه عنها لتنزل هي من حلبة الملاكمة .. امسكت بوجهه تدير وجهه إليه بعنف تصرخ بحرقة :
- إنت السبب ... كان كلامك كله تهديد ليا ... شوية تبقي كويس وشوية تهددني ... شوية بحبك وشوية هاخد ابني منك ... شوية هطلقك وشوية هسيبك متعلقة ... كنت حاسة اني لعبة بيتلعب بيها منكوا كلكوا ... وجه هو اوهمني أنه الوحيد اللي واقف جنبي ... الوحيد اللي هيفضل في ضهري الوحيد اللي هيساندني .... بس ضحك عليا ...زي ما انتوا ضحكتوا عليا ....
- أنا ما ضحكتش عليا أنا كنت بحارب في حقي حبي فيكي كنتي عيزاني اسيبك تتجوزيه
صاح بها منفعلا لتصرخ هي الاخري غاضبة :
- وفي الآخر عملت اييييه سبتني اتجوزه ... في الآخر سيبتنئ فئ اكتر وقت محتجالك فيه ... إنت الوحيد اللي كنت تقدر تمعنه أنه يلعب بمشاعري لو احتويتني طمنتني بس إنت كنت دايما بتهددني .... كل الناس شيفاك مظلوم عشان ما كنتش في وعيك ... طب أنا يا زيدان ... أنا كنت في وعيي ... أنا اللي اتذيت يا زيدان
ابتعدت خطوتين عنها ينظر لها يتنفس بعنف يصيح منفعلا :
- وأنا حاولت بدل المرة ألف قولتلك كتير شوفي ايه يرضيكي وأنا مستعد اعمله مهما كان ... كنتي بتجرحيني وتدوسي علي كرامتي وانتي بتقوليلي معاذ هيبقي آب لابننا وكلام كتير بشع .... أنا حبيتك وحبيتك اوي كمان انما أنتي لاء يا لينا ... أنا اللي طنت غلطان من الأول مش عشان حبيتك لازم انتي كمان تحبيني ... ما سببناش لبعض غير الاذية والألم يا لينا الحكاية خلصت يا لينا ... عن إذنك
قالها ليأخذ طريقه لباب الغرفة حين كاد أن يغادر سمع صوتها يصيح من خلفه بحرقة :
- إنت لسه بتحبني يا زيدان قلبك عمره ما حب غيري
التفت لها برأسه يبتسم ... ابتسامة بسيطة معذبة يغمغم ساخرا :
- اعمله ايه بقي مهزق
ومن ثم غادر لتجلس هي علي درجات سلم الحلبة تبتسم رغم دموعها مدت يدها تمسح دموعها تغمغم في اصرار :
- لسه الحكاية ما خلصتش يا زيدان
في الخارج توجه زيدان يبحث عن صديقه ليجده يقف هناك جوار احدي السماعات الكبيرة ... توجه يقف جواره ليلتقت حسام برأسه له يبتسم يتمتم ضاحكا :
- ابقي اتصل اطمن عليا بعد الفرح ... بعد اللي هعمله دلوقتي
قطب زيدان جبنيه فئ عجب ماذا سيفعل صديقه الاحمق ... تحرك حسام ناحية منظم الحفل يأخذ مكبر الصوت منه وقف في منتصف القاعة يغمغم مبتسما :
- مساء الخير يا جماعة ممكن معلش تسمعوني
ساد الصمت حتي أن الموسيقي توقفت نظر حسام للحفل امامه تحديدا ناحية طاولة عمر وسارة التي تبرق كليلة وردية جميلة بفستانها الوردي اللامع تنهد يغمغم مبتهجا :
- أنا آسف اني قاطعت الحفلة بس معلش في كلمتين محشورين في زوري هموت لو ما قولتهمش ... أنا حسام خالد السويسي ... دكتور نسا عندي 32 سنة .... آه أنا مش صغير علي الحركات دي بس سامحوني ... أنا عيشت عمري كله بشتغل بس ... حياتي عبارة عن شغل ودراسات عليا وماستجير ودكتوراه وزمالة من جامعة مش فاكر اسمها ايه ... نمط حياة روتيني قررت اني ما اغيروش ابدا ... لحد ما وقعت في طريقي ... علي فكرة اول مرة شوفتها فيها كانت في الفيلا دي بردوا ... نجمة بتنور اي عتمة ... نجمة أول ما قلبي شافها اتمرد عليا وعري نمط حياتنا وقالي هي دي حياتي ..... أنا عمري ما عرفت يعني ايه حب رغم اني عندئ 32 سنة ... بس لما ابقي مش عايز اشوف غيرها فئ حياتي يبقي هو دا الحب ... لما احس اني مسؤول عنها في كل لحظة يبقي هو دا الحب ... لما وشها يبقي أول وش بشوفه وسط ألف شخص هيبقي هو دا الحب .... سارة يا بنت عمي عمر ..أنا بحبك قدام الناس دي كلها ووعد مني قدام ربنا قبلكوا كلكوا اني هشيلك جوا عينيا وفوق راسي ... بس يقولي لابوكي يوافق
انهي كلامه ينظر لوجوه الحاضرين المذهولة سمع صوت تصفيق نظر خلفه ليجد لينا زوجة ابيه تصفق له بحرارة ابتسم لها ليصفق له زيدان ويبدأ الحضور واحدا تلو الآخر يصفقون له .... بينما هو عينيه هناك عند عمر ينظر له كم يتمني أن يوافق وقف عمر في تلك اللحظات يصيح عاليا :
- واد يا ابن خالد ياللي شبه أبوك إنت ... اوعدني أنك هتحافظ علي البنت
توسعت عيني حسام في ذهول تكاد الفرحة تقتل قلبه ليحرك رأسه إيجابا سريعا دون توقف ليضحك عمر يقول :
- أنا موافق يا سيدي