رواية اسير عينيها الجزء الرابع (للعشق قيوده الخاصة) الفصل السابع والستون
دخل من باب العيادة المفتوح يضع نظاراته السوداء الكبيرة علها تخفي القليل من ملامح وجهه يخشي أن يراه أحد يعرفه في تلك الأثناء تحديدا ... خطي لداخل العيادة من الجيد لا يوجد سوي رجل وامرأة والمساعدة الخاصة بقاسم تجلس علي مكتب راقي من الزجاج أمامها حاسب محمول .. توجه تركيزها الكامل فيه .... اقترب من مكتبها يدق بأصابعه بخفة علي الزجاج نظرت الفتاة له كانت علي وشك أن تقول شيئا ليبادر هو قائلا في خمول :
- أنا عندي ميعاد مع دكتور قاسم ... خالد زيدان
حركت الفتاة رأسها بالإيجاب توجه انظارها صوب شاشة الحاسوب ... لحظات ورفعت وجهها إليه تتمتم بابتسامة لبقة :
- ايوة فعلا ... بس دكتور قاسم بيعتذر أنه مضطر يتأخر نص ساعة ... ممكن حضرتك تستناه
تنهد زيدان ضجرا نصف ساعة كاملة قد يحدث فيها العجائب ... لا يستبعد أن يجد العائلة كلها هنا الآن ... نظر لساعة يده ليعاود النظر للفتاة يغمغم بهدوء :
- ينفع استناه في المكتب ؟
بدت الفتاة مترددة لا تعرف أتوافق أم لا ... حركت رأسها إيجابا بعد لحظات ... تطمأن نفسها أن العيادة كاملة مزودة بكاميرات مراقبة ... تحرك زيدان صوب غرفة قاسم دخل إليها ليغلق الباب خلفه .... في تلك اللحظة تحديدا دخلت لينا سريعا إلي العيادة تنظر هنا وهناك تبحث بعينيها عنه أين هو ... رأت سيارته بالأسفل بالطبع هنا .... تحركت ناحية مكتب مساعدة قاسم تحادثها مبتسمة :
- هو دكتور قاسم جه ... عندي ميعاد معاه بعد ساعة
حركت الفتاة رأسها نفيا نظرت للينا تردف مبتسمة :
- لسه يا آنسة لينا ... دكتور قاسم هيتأخر نص ساعة ... ولسه في كشف قبل حضرتك كمان
إذا هو من سبقها ... هو هنا ولكن أين ... تعلقت عينيها بباب غرفة قاسم المغلقة .... ربما هو في الداخل من يعرف عادت تنظر للفتاة من جديد تسألها مبتسمة :
- هو في حد جوه في مكتب دكتور قاسم
نظرت المساعدة للينا للحظات قبل أن تحرك رأسها بالإيجاب لتعاود لينا سؤالها عن هويتها فما كان من الفتاة الا وجهت انظارها للحاسب تحادث لينا بنبرة رتيبة هادئة :
- ما اقدرش اقول لحضرتك دي خصوصيات المرضي ... دكتور قاسم يمنع دا تماما
زفرت لينا أنفاسها حانقة توجهت الي أحد المقاعد تجلس عليها تنظر لباب الغرفة المغلق تتمني لو كانت عينيها تري خلف الابواب المغلقة ربما كانت تعرف أن كان هو حقا أم لا ...
خلف الباب المغلق علي مقعد أسود وثير من الجلد جلس زيدان عليه يخفي وجهه بين كفيه يزفر أنفاسه بعنف يشعر وكأن بركان من نار يشتعل داخله ... قبضة عنيفة من جمر تعتصر صدره ... يكرهها ... لا يريد حتي أن يراها ولكن لما ... لما ذلك الشعور القاسي بالذنب ... ذنب لم يرتكبه ولكنه حقا يشعر وكأنه هو الجاني ... تنهد حانقا من نفسه ... يعود برأسه للخلف يستند إلي ظهر المقعد يتذكر ما قاله له خالد بالأمس
Flash back
حين وصلت السيارة اخيرا ... عينيه حقا كانت قد تعبت من محاولته لاختلاس النظرات إليها .. لما لازال يقلق عليها بعد كل ما فعلت ... ما إن اوقف السيارة نزل حسام يحمل شقيقته يصعد بها لغرفتها خلفهما لينا والدتهم ... تنهد ينظر لها وهي تبتعد سيذهب مباشرة لغرفته يقضي ليلته فيها وفي الصباح سيغادر ما أن خطي للداخل سمع صوت خالد يحادثه :
- زيدان ... حصلني علي المكتب
ماذا يريد خاله الآن ... تحرك خلفه إلي غرفة المكتب يغلق الباب عليهم ... جلس علي المقعد المقابل لخالد ....هما الإثنين والصمت ثالثهم ... يجلس خالد أمام زيدان هادئا يتفحص قسمات وجهه بنظرات هادئة للحظات طويلة ... في حين بدأت قسمات وجه زيدان تتشنج قليلا ذلك الأسلوب الذي يستخدمه خالد يعرفه زيدان جيدا ... الهدوء المستفز للأعصاب ... ذلك الهدوء الذي يجعل من يجلس أمامه فب حالة بشعة من التوتر لا يتوقع رد فعله القادم .... حين طال الصمت من ناحية خالد حمحم زيدان يتمتم في هدوء :
- في حاجة يا خالي
في هدوء تام حرك خالد رأسه بالإيجاب فقط إيماءة واحدة فقط ... وزفرة قوية خرجت من بين شفتي يتمتم فجاءة دون مقدمات :
- مش ناوي تسامح ولدتك بقي ... حالتها النفسية بشعة ... اومال لو ما كنتش شغال في مكافحة المخدرات وبنشوف كل يوم بلاوي ... ابن بيتقل أمه وأب بيقتل عياله ... أمك ما كنتش واعية لأي بتحصل حواليها ...... افهم
حرك زيدان رأسه نفيا بعنف ... بدأ هدوءه يتراجع شيئا فشئ يحل مكانه الغضب ... إحساس بشع بالقهر والألم يطحن صدره يفتت قلبه .... كور قبضته يشد عليها بعنف ... تسارعت أنفاسه ... يشيح بوجهه بعيدا يتمتم بعنف :
- مش ذنبي ... ما تطلبش مني اني اسامحها هي السبب هي اللي دخلته الأول في حياتنا ... هي السبب في كل اللي حصلي ... جاي بمنتهي البساطة تطلب مني اسامحها ... لو علي جثتي مش هيحصل
هب من مكانه فجاءة يود مغادرة المكان بأكمله
حين سمع صوت خالد يأمره بأن يتوقف ... توقف في منتصف الغرفة قرب الباب ... يتنفس بعنف يطحن أسنانه بقوة ... قام خالد يتوجه إليه وقف أمامه يمسك ذراعيه بين كفيه بقوة يحادثه منفعلا :
- إنت عمرك ما كنت قاسي يا زيدان ... ما تحاولش تعيش في شخصية مش بتاعتك ...أنت لحد دلوقتي مستعد تسامح لينا بس بتكابر ... دي أمك .... غصب عنك أمك .... لوجين اتظلمت زيها زيك ... من أول يوم وهو بيحطلها الزفت دا في الأكل والعصير .... رماها سنين في السجن بتتعذب من احساسها بالندم والقهر ... لو أنت اتذيت زمان فربنا عوضك بعد كدة ... انما هي عايشة عمرها كله في اذي سنين وسنين .... من حقها عليك أنك تسامحها كفاية عند يا زيدان
التفت برأسه ينظر لخالد الواقف أمامه ... احمرت مقلتيه لا يعرف أهو الغضب أم محاولة يائسة لكبح دموع عينيه الحارقة ... علت أنفاسه ليعلو صوته بعدها يصيح محتدا :
- عند ... أنت فاكر الموضوع عند ... أنت سامع نفسك يا خالي ... افرض معايا لو ما كنتش هربت وعرفت اوصلك ... كنت هكمل في العذاب دا لحد أمتي ... جوزها بعت واحد مجنون يغتصب طفل صغير .... جوزها اللي هي دخلته حياتنا بإيديها ... لو كنت فضلت في الوحل دا كنت اكيد اتجننت ... كنت بقيت يا مريض ... يا سفاح ... مالهاش حل تالت ... خليها تبعد عن حياتي ما تجيش دلوقتي تعيش في دور المظلومة صدقني أنا لو شوفتها بتموت قدام عينيا مش هيتهز فيا جفن ... عن إذنك يا خالي أنا طالع أنام
نزع ذراعيه من كفي خالد تاركا إياه ينظر في أثره في صدمة مما قال ... في حين أخذ زيدان طريقه إلي غرفته .... حين فتحها توجه مباشرة إلي شرفة غرفته يقف فيها يتنفس بعنف .... يشعر بجسده يشتعل من الغضب والألم .... هواء الليل العنيف لم يطفئ ولو قبس صغير من نيرانه المتأججة ... لا يعرف لما حتي نظر ناحية شرفة غرفتها إلا أنه حين فعل رآها تجلس أرضا علي أرضية الغرفة الرخامية الباردة .... تنظر إلي الحديقة .... تحركت رأسها تنظر إليه رأت نظرات عينيه الحزينة المعذبة ... كان يتشاجر مع والده سمعت صوت شجارهما الحاد ... نظرت له بتعاطف .... وكأنها تحنو عليه بنظرة ضعيفة من عينيها .... فلم يفعل شيئا سوي أنه ترك الشرفة وغادر من المنزل بأكمله يهرب بعيدا
Back
فتح عينيه فجاءة علي صوت هادئ رخيم يأتي من أمامه يتمتم :
- إنت نايم ولا إيه
فتح عينيه يتعدل في جلسته حين رأي قاسم يجلس أمامه يبتسم ابتسامة هادئة ... كيف دخل ولم يشعر حتي به ... ومنذ متي وهو هنا ... ابتسم قاسم يجيب عن أسئلته التي لم يطرحها :
- واضح أنك متعمق جدا في التفكير لدرجة أنك ما سمعتنيش وأنا بفتح الباب .. أنا بقالي عشر دقايق قاعد قدامك
لم يبتسم فقط رفع كفيه يمسح وجهه .... خلل أصابعه في خصلات شعره يزفر أنفاسه المختنقة ... للحظات طويلة ظل صامتا وقاسم ينظر له في هدوء .... مال زيدان بجذعه قليلا يستند بمرفقيه علي كفيه تنهد يتمتم بحرقة :
- مش قادر اسامحها ... كل ما بشوفها بفتكر كل اللي حصل زمان ... هي ما عملتش حاجة غير أنها اذتني ... بحاول افتكر اي ذكرى حلوة بينا ... ولو ذكري واحد تخلي قلبي يسامح مش لاقي ... قبل موت والدي الله يرحمه كانت حياتي كلها معاه هو ... كنت متعلق بيه أوي ... بعد موته ... كنت طفل مش فاهم يعني ايه موت .... كنت بقعد كل يوم استناه علي الكرسي اللي قدام باب الشقة زي ما كنت بعمل .. بس ما كنش بيجي ... ما كنتش فاهم ايه اللي بيحصل ... كنت بشوفها دايما بتعيط وحزينة ... وخداني علي طول في حضنها تقولي أنت العوض بعده ... لحد ما هو دخل حياتنا .... ما بقتش بشوفها ... شهور وأنا عايشة مع دادة في البيت وهي بتخرج الصبح وما بترجعش غير بليل وأنا نايم ... لحد فجاءة ما لقيتها بتقولي دا هيبقي بابا ... هي اللي باعتني ... مش هقدر دلوقتي اسامح
- طب انت جايلي ليه دلوقتي .... تتمتم بها قاسم بصوت هادئ للغاية ليرفع زيدان وجهه المجهد ينظر لقاسم للحظات طويلة قبل أن يحرك رأسه بالنفي ابتسم يغمغم ساخرا :
- مش عارف ... رغم كل اللي عملته فيا الا اني حاسس بالذنب ... أنا مش عارف أنا ليه حاسس بالذنب وأنا المجني عليها منها ... اعمل ايه عشان اخلص من الشعور دا ... أنا مش هسامحها عمري ما هعمل كدة ...
تحرك قاسم من مكانه متوجها ناحية مقعد بجوار فراش أسود اللون من الجلد الوثير ما يطلق بالمصطلح المعروف ( شيزلونج ) .... اشار لزيدان ليجلس عليه فحرك الأخير رأسه بالنفي ... يتمتم محتدا :
- أنا مش مريض نفسي ... أنا جاي عايز اجابة لسؤال واحد ... أنا ليه عندي إحساس بالذنب ناحيتها بس ... وما تحاولش تقولي والدتك وسامحها والكلام المحفوظ دا عشان مش هيحصل
ابتسم قاسم في هدوء يحرك رأسه بالإيجاب ليفاجئه بسؤال لم يكن يتوقعه ابدا :
- تفتكر لو والدك كان لسه عايش كان الوضع هيبقي عامل ازاي
صمت زيدان ينظر لقاسم يعقد جبينه ماذا يقصد .. وعن اي وضع يتحدث حياته بالطبع كانت ستتغير إلي الأفضل ... كان علي الأقل والده سيمنع ذلك الشيطان من اقتحام حياتهم من ايذائه من تخريب علاقته بوالدته ... والدته !!! ... هل كانت علاقته ستكون أفضل بوالدته حقا ... لم يكن سيكرهها ولما كان سيفعل ... إن كان يعيش في أسرة صغيرة سعيدة .... لم يكن سيعتبر لينا زوجة خاله والدته قلبا وقالبا ... ربما كان سيحب فتاة أخري غير لينا ... لا هو قد تعلق بها منذ أن رآها طفلة ...الكثير كان سيتغير فقط لو كان والده حيا .... تنهد يزفر أنفاسه لا يجد ما يجيب به أو لكثرة الاجابة المتزاحمة في عقله لا يرغب في نطقها .... حرك رأسه نفيا يتمتم بابتسامة ساخرة :
- ما كنتش هتعذب من وأنا طفل صغير
- ليه مش قادر تتجاوز اللي حصل في طفولتك رغم أنه مر سنين ..... ابتسم قاسم ينطق جملته في هدوء مستفز للأعصاب
لتحتقن أنفاس زيدان يصيح محتدا :
- عشان اللي حصل ما يتنسيش مثلا
علت ابتسامة هادئة خبيثة شفتي قاسم ... وضع ساقا فوق اخري يرفع حاجبيه في دهشة مصطنعة يتمتم ببراءة :
- في مثل زمان بيقولك علي قد الغلاوة بيكون الوجع ... يعني لو والدتك مش غالية عندك ما كنش اللي حصل منها هيأثر فيك اوي كدة ... كنت هتتجاوز الموضوع عادي ... ولا أنا بيتهيئلي
احتدت عيني زيدان ليهب واقفا ينظر لقاسم نظرات حادة غاضبة في حين ابتسم قاسم في براءة يردف :
- يعني كزيدان باشا الحديدي .... مقدم الشرطة ... الأول علي دفعته أربع سنين ... صاحب الأرقام في رياضيات كتير ....حدث زي اللي حصل زمان ما يأثرش فيه ... الا لو زي ما قولتلك علي قد الغلاوة بيكون الوجع ...
زفر زيدان أنفاسه حانقا ينظر لقاسم محتدا قبل أن يصيح فيه :
- أو يمكن علي قد البشاعة بيكون الألم ... اللي حص
قاطعه قاسم يقول بنبرة هادئة واثقة وهو ينظر لعينيه مباشرة :
- اللي حصلك كله أنا عارفة ... خالد حكالي من سنين كان خايف لتدخل في حالة نفسية ... اللي حصلك أنت تجاوزته من سنين ... لسه اللي مأثر فيك هي والدتك واللي حصل منها ... زي ما قولتلك علي قد الغلاوو بيكون الوجع يا زيدان
كم اراد في تلك اللحظة أن ينقض علي ذلك الطبيب المستفز ويلكمه في وجهه حتي يتوقف عن الثرثرة ... ولكن فقط كبر سن الرجل هو من منعه .... تنفس حانقا ليتوجه إلي باب الغرفة يود فتحه حين سمع قاسم يغمغم مبتسما :
- علي فكرة لينا بنت خالك قاعدة برة لو مش عايزها تشوفك ممكن تخرج من الباب دا
التفت زيدان لقاسم ليراه يشير لباب جانبي ... دون كلمة أخري توجه إليه خرج منه يصفع الباب خلفه ... في حين ابتسم قاسم يحرك رأسه يتمتم ياسا :
- عنيد زي خاله ...
قام قاسم توجه ناحية مكتبه يحادث مساعدته من الهاتف الصغير علي سطح المكتب ... لحظات تلاها صوت دقات ومقبض الباب يدور ... دخلت لينا ... لم تنظر ناحية قاسم حتي بل دارت بعينيها في المكان بالكامل تبحث عنه ... توسعت عينيها في دهشة كانت علي أتم يقين أنه هنا أين ذهب ... الشئ الوحيد الذي يثبت حقا أنه كان هنا رائحة عطره التي لا تزال عالقة في الغرفة ... اجفلت علي صوت قاسم يحادثها :
- لو ما عملتيش اللي قولتلك عليه واتصارحتي مع زيدان .... لفي خدي فلوسك وروحي
تنهدت لينا حانقة تبتسم ساخرة دخلت إلي الغرفة تغلق الباب توجهت إلي المقعد المجاور لمكتب قاسم ذلك المقعد الذي كان يجلس عليه زيدان قبل قليل ... ما إن جلست عليه شعرت به وكأنه لا يزال هنا حقا ... تحركت برأسها ناحية قاسم تتمتم يأسة :
- حاولت صدقني بس هو رافض تماما .... مش حابب يتكلم معايا ... بيعاملني برسيمة بشعة .... شايف دايما اني ظلمته ... ليه مش قادر يشوف أن أنا مظلومة زيي زيه ... إن أنا كنت ضحية لعبة قذرة من شيطان
اقترب قاسم يستند بمرفقيه إلي سطح المكتب ابتسم يتمتم في هدوء قاسي :
- عارفة فين المشكلة ... أنك متأكدة أنك مظلومة ودا حقيقي ... بس مش راضية تعترفي أنك بردوا ظالمة
توسعت عيني لينا في دهشة اشارت بيدها الي نفسها تتمتم مصعوقة :
- أنا ؟!!!
ابتسم قاسم ساخرا يحرك رأسه إيجابا في هدوء تام ... نهض من مكانه ليتحرك يجلس علي المقعد المقابل لها يتمتم في هدوء تام :
- خلينا تتناقش في موضوع أنتي بتهربي من الكلام فيه من ساعة ما بدأنا جلساتنا ... أنا معاكي مظلومة وضحية لعبة كبيرة ....لعبة بشعة .... بس انتي في جزء في الحكاية دي ظالمة ... خلينا نتخيل أن زيدان ما كنش اتجوزك هو الآن .... وانتي عارفة بعد ما اتجوزتي انتي وزيدان ....زيدان كان متاعب معايا يوم بيوم حالتك بالظبط ... انتي كنتي عايشة جوا صندوق ازازا وبدون أي مكابرة زيدان هو السبب في خروجك منه ... تخيلي بقي بحالتك النفسية دي كنتي اتجوزتي معاذ أو نائل .. كان زمانك دلوقتي محجوزة في مستشفي نفسية بتعاني من بدايات جنون وهستريا وهلاوس
تسارعت أنفاسها بعنف نعم هي تعرف ذلك .. لما يعاود قاسم فتح دفاتر ذكريات جاهدت لاغلاقها .. اغمضت عينيها تتمتم محتدة :
- عارفة كل دا ...
عاد قاسم يبتسم من جديد ينظر لها في هدوء تام يكمل ما كان يكون :
- بعد الحادثة اللي حصلتلك من زيدان ... كنتي مجروحة منه ... ودا حقك ... اللي حصل مش هين ... بس جرحك منه خلاكي دايما عايزة تجرحيه ... كنتي بتدوسي علي نقط ضعفه بكلامك وافعالك .... عايزة تاخدي تارك منه زي ما اذاكي تأذيه ... ودا اللي انتي عملتيه فعلا ... اذيتيه ... أنا بكلمك بصراحة ... أنا لازم اكلمك بصراحة ... أنتي اذيتيه وجدااا ... أنا عارف أنك ندمانة وانكوا انتوا الإتنين ضحية لعبة ... بس المشكلة أن علي قد الغلاوة بيكون الوجع ... لما حبيتي زيدان واتوجعتي منه كنتي عايزة بس توجعيه بنفس مقدار حبك ليه توجعيه ... ما كنتيش عاملة حساب المستقبل ... كنتي فاكرة لحد يوم كتب كتابك زي ما حكتيلي ... أنه هيجي يخطفك من بينهم زي ما خالد عمل زمان مع لينا ... لما ما حصلش دا عقلك صورلك أنه خلاص نسيكي ... انتوا الإتنين محتاجين مصارحة حرة ... إن شاء الله تصرخوا في وش بعض ... ما تجليش تاني غير لما تكوني اتكلمتي معاه ... اتفضلي
تنهدت تزفر أنفاسها حائرة كلام قاسم صحيح ولكنها حقا كانت تكابر ... خرجت من العيادة إلي أسفل حيث سيارتها ...استقلتها وغادرت بينما كان يجلس هو بعيدا في سيارته لم يلمح سوي طيفها وهي تغادر
__________________
في الحارة .... تحديدا في الدكان الصغير التابع لمنيرة والذي يعمل فيه مراد .... وقف مراد ينظر بابتسامة واسعة الي ذلك الدكان الآخر الذي بات يبرق من نظافته بعد أن عمل فيه أياما ... لم يذهب تعبه سدي ... يفكر في جعل ذلك الجزء خاص بالاجبان والمخلل والالبان والبيض واللحم المجفف .... سيحتاج إلي بعض المساعدة المالية ...مِنْ مَنْ لا يعرف ولكنه سيتدبر الأمر ... جلس علي مقعد صغير أمام الدكان يحتسي كوب شاي من القهوة الصغيرة المقابلة له .... حين وقعت عينيها تخرج من باب عمارتهم السكنية ... وضع الكوب أرضا ليتحرك ناحيتها يسألها متعجبا :
- أنتي رايحة فين
اخفضت رأسها تشد أصابعها حول محفظة النقود الصغيرة فئ يدها تتمتم بصوت خفيض مرتبك خجول :
- ههجيب طلبات من السوق ... أنا سايبة ملك نايمة مع الست منيرة ...
تنهد حائرا جزء بداخله يرفض نزولها ... خوفا عليها من أن يضايقها أحدهم ولو بكلمة وجزء آخر يريدها الا تخشي احدا تتحرك تثبت لهم أنها لم تفعل شئ خاطي هي ليست الجانية ... تركها واقفة مكانها ليتحرك ناحية الدكان جذب الباب الحديدي الخفيف من أعلي حتي المنتصف .... ليتوجه إليها انتفضت فجاءة كمن لدغها عقرب حين شعرت بكف يده يمسك بكفها يحدثها متوترا :
- هاجي معاكي ... عشان ما تشليش حاجات تقيلة هبقي اشيلها أنا
ابتسمت مرتبكة تحرك رأسها بالإيجاب في لمحة خاطفة سارت جواره تشعر بالارتباك يرجف جسدها ... تشعر بأن أنظار الجميع مسلطة عليهما .... سارت معه إلي السوق الشعبي في منطقتهم وقفت عند بائع الطماطم تمسك بحقيبة بيضاء من البلاستيك تنتقي من بينهم الأفضل تضعها داخل الحقيبة ومراد يقف جوارها يراقب ما تفعل في صمت ... لاحت علي شفتيه ابتسامة حين تذكر قديما كان يذهب مع جدته وهي تنتقي الخضروات كان يحب الطماطم خضراء اللون التي لم تنضج بعد ويضعها في الحقيبة التي تنتقي فيها جدته فتصيح منيرة فيه :
- بس يا موكوس يا اهبل بتنقي الطماطم الخضرا
خرجت من بين شفتيه ضحكة ساخرة خفيفة لم يستطع إخفائها ... ها هو يقف يراقب روحية .... رأي مقعد من الخشب داخل المحل بعيد قليلا عنها ... بعد مجهود اليوم يحتاج حقا للراحة قليلا توجه يجلس عليه ينتظرها إلي أن تنتهي .... اخفض رأسه لأسفل يراقب سرب النمل وهو يحمل بقايا الحبوب الصغيرة ويختفي بها بين الشقوق ... ليتسأل في نفسه هل حقا النمل راضي عن تلك الفتات التي يأخذها من بقايا البشر .. وإن كانت الاجابة نعم إذا لما لا يرضي البشر !! .... خرج من شروده العميق علي صوت شهقة قوية مفزوعة يعرف صاحبتها جيدا ... هرول ناحيتها ليجدها تنظر هناك عينيها متسعة حتي آخرها وكأنها رأت الموت وجهها شاحب كالموتي ... جسدها يرتجف بعنف وكأنها تصعق .... عينيها مثبتة علي نقطة واحدة فقط ... توجه برأسه تلقائيا ناحية ما تنظر ليري رجل ضخم الجثة علامات الإجرام واضحة للغاية علي قسمات وجهه المقززة .... ينظر ناحية روحية بابتسامة خبيثة مقززة .... ذلك الرجل الذي يخطو ناحيتهم يسير وكأنه الملك ... هنا بدأت روحية تحرك رأسها تتمسك بملابس مراد بفزع تحاول الاحتماء به وهو الآن لا يفهم ما يحدث ... فقط جملة واحدة أوضحت الحقيقة كاملة جملة بالكاد خرجت من بين شفتيها :
- ااابعده عني ... هيدبحني تاني .... سيد ... ابعده عني
الآن فقط فهم ذلك الجلنف من تجرأ واغتصب براءة زوجته قبل أن تكون ... صرخت روحية بفزع حين اقترب الرجل منهم ليقبض مراد علي يدها يمنعها من الهروب ... الفزع كان كالموت ينهش جسدها خاصة وهي تسمع نبرة صوته التي لن تنساها ابدااا :
- هو أنت الشاري الجديد .. بقولك ايه سيبها وخد عرقها ... صدقيني هكيفك علي الآخر بحتة بني هتعليلك مزاجك أووووي
ابتسم مراد في هدوء تام ينظر لذلك الواقف أمامه .... قبل أن يحرك رأسه موافقا ما يقول ... أبعد روحية عنه قليلا ليراها قد فقدت وعيها من شدة الفزع .... ارتجف نابضه قلقا ليسمع ضحكة خشنة قادمة من ذلك الرجل يتمتم ساخرا :
- يا عم ما تصدقش دا شغل اونطة .. ها قولت ايه ... خلينا اخدها وامشي
والعجيب في الأمر أن لا أحد اهتم الجميع ينظر لهم نظرات استنكار واشمئزاز ولا أحد يعلق .... تحرك مراد بروحية يضعها علي المقعد يربت علي وجهها بعنف كان لا يرغب في تلك اللحظة سوي في جعلها تستيقظ ... حين فتحت عينيها شهقت من الفزع في حين ابتسم هو يحادثها بخفوت :
- ما تغمضيش عينيكي ... أنا لسه هجبلك حقك
تحرك مراد للخارج يقف أمام ذلك الجلمود الضخم يبتسم تلك الابتسامة الخبيثة التي عرفها قديما يتمتم في مكر الثعالب :
- نتفق بقي علي السعر علي ما تفوق أنا دافع كتير وحتة حشيش مش كفاية ... زغلل عينيا ... تعالا بس بعيد شوية عن الناس
ابتسم ذلك الرجل لتظهر أسنانه الصفراء المقززة يحرك رأسه بالإيجاب ... تحرك بصحبة مراد ناحية محل لحام الحديد في أحد جانبي الشارع ... اقترب مراد من صاحب المحل يصافحه مبتسما :
- ازيك يا عم صالح بقولك بالله عليك ... ماسورة الماية عندنا في البيت اتكسرت عايز بس ماسورة جامدة وأنا هلحمها بمعرفتي ...
ابتسم صالح يغمغم سريعا :
- عندي طلبك حاجة كدة ما يكسرهاش لا شاكوش ولا مربزة ... ثواني اجبهالك
تحرك صالح لداخل المحل في حين عاد مراد ينظر للرجل يحادثه بابتسامة مقززة اجاد رسمها :
- ها اخلص هتدفع كام ... عايز اروح اديك سامع مسورة الماية مكسورة ومبهدلة الدنيا
ابتسم الأخير في خبث يحك بأصباعيه السبابة والابهام ذقنه الحليق الذي تزينه ندبه قوية يتشدق مستمتعا :
- عشان خاطر عيون الغزال هديك باكوين وحتة بني ... ولا اقولك فرش كامل ... بنت الايه تستاهل وأنت اكيد مجرب
ابتسم مراد في تقزز يحرك رأسه بالإيجاب عاد صالح بعد لحظات يمسك في يده ماسورة في طول ذراع تقريبا ... أعطاها لمراد يسأله :
- شوف دي تنفع كدة ... لو عايز اقصرهالك شوية
توسعت ابتسامة مراد ينظر لقطعة الحديد فئ يده يتشدق مستمتعا .... عينيه تلمع بلهيب قاتم :
- زي الفل يا عم صالح هبعتلك الفلوس
التفت برأسه ناحية ذلك الجلنف الواقف أمامه نظر للقطعة في يده علي حين وقبل أن يعي أحد ما يحدث كان يهبط بها علي صدر ذلك الواقف أمامه ضربه عنيفة جعلت الأخير يصرخ من الألم في حين تعالت الصيحات والهمهات من حوله ... وقف مراد ينظر لذلك الملقي أرضا ليصرخ بعنف :
- ورحمة أمي اللي ما أعرف هي عايشة ولا ميتة لهدفعك تمن اللي عملته فيها غالي يا ابن ال ....
امسك قطعة الحديد بكفيه ... يهبط بها بعزم ما فيه من قوة علي جسد الملقي أرضا يصرخ ويتلوي من الألم ..... يستجديه أن يرحمه ... ومراد يصرخ فيه ينعته بأبشع أنواع السباب ...
في حين كانت تقف روحية هناك تستند بيدها علي الحائط تراقبه وهو يتلوي من الألم كما كانت هي ... يصرخ ويتسغيث كما فعلت هي ... لن ينجده أحد كما لن ينجدها ... تعلقت عينيها بمراد وهو يصرخ فيه يديه تنزلان بعنف تقسم أنها تسمع صوت عظام ذلك القذر تتفت تحت وقعة ضرباته الغاضبة ...
تطوع أحد المارة يصيح في مراد :
- خلاص يا مراد هتموته هو عمل ايه لكل دا
نظر مراد للقائل بوجه أحمر يتصبب عرقا يلهث بعنف ينظر لجموع الناس ليصيح فيهم :
- اللي هيقرب مني هرقده جنبه
توجه مراد بعينيه الي ذلك الملقي أرضا تخرج الدماء من وجهه جسده عبارة عن لوحة زرقاء ... ليرفع قدمه يضع حذائه علي صدره يزمجر بعنف غاضبا :
- كلب باعها لكلب ... نهشتوا فيها وسيبتوها مرمية جثة .... قدام كلاب ما بيرحموش ما يصدقوا ينهشوا في لحم الغلبان
ركله بعنف في صدره لينظر للجمع أمامه باشمئزاز بصق أرضا يصيح متقززا :
- انتوا زيكوا زيوا ما فرقتوش عن الكلب اللي نهش لحمها حاجة ...
توجه بانظاره ناحية روحية يصيح بعلو صوته :
- يشهد ربنا أن مراتي أشرف ست في الدنيا ... وأنا مش خابيها ولا خايف من عارها زي ما بسمعكوا تقولوا ... أنا هحط جزمتها في بوق اللي يتكلم عليها كلمة واحدة ...
توجه مراد ناحية ذلك الملقي أرضا يجذبه بعنف ليوقفه علي قدميه رغما عنه ... صفعه بقوة .... قبض علي تلابيب ملابسه يجره خلفه بعنف إلي أن وصل به إلي محل الجزارة المنطقة بالكامل كانت تشاهد ما يفعل حتي المعلم زكريا صاحب محل الجزارة امسك مراد الخطاف الحديد الذي يعلق عليه الرجل قطع اللحم ينظر لزكريا :
- يستحمل دا يا معلم
- ايوة يا هندسة دا متين ...
صاح في صبيانه يكمل ما يقول :
- ايدكوا معاه ياواد أنت وهو
وما هي إلا لحظات وكان ذلك البرعي معلق بالكعس رأسه لأسفل وقدميه لأعلي ليتف حولهما سلاسل من حديد معلقة في خطاف علي باب محل الجزار ... اقترب مراد منه صفعه علي وجهه يحادثه مبتسما فئ تشفي :
- شكلك حلو اوي وأنت متعلق زي الخروف كدة
عند ذلك الحد وفاض به الغيظ بل ويزيد ظ وقف ذلك الشاب النحيل ينظر لما يفعل الرجل بسيده ... خاف من التدخل في البداية ولكن لا يكفي ويزيد ... اقترب منه وسط جموع الناس وعلي حين غرة كانت ماديته تعرف طريقها لصدر مراد ...وسط صرخات الناس دوي صوت صافرات سيارة الشرطة !!!
________________
الجزء الثاني
¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤
غرفة صغيرة في أحدي المستشفيات الحكومية علي فراش طبي أبيض صغير يضطجع بجسده للخلف عينيه زائغة بالكاد يري ظلال تتحرك هنا وهناك أضواء تسطع وتختفي ... أصوات بعيدة يحاول عقله جاهدا ترجمة ما يحدث ... شيئا فشئ بدأت الإشارات المتعرجة تستقيم ... بدأ عقله يستوعب ما يُقال حوله من أحاديث
- الحرج ما كنش عميق ... خيطناه ونقالناله دم
- هيفوق امتي
- دقايق يا أفندم ويفوق وتقدر تستجوبه
عند تلك النقطة بدأ يفتح عينيه شيئا فشئ .. بدأت الظلال تصيح أكثر وضوحا ... أول ما رآه رجلين أحدهم يرتدي مئزر أبيض بالطبع هو الطبيب ورجل آخر من ذلك المسدس المعلق في طوقه بالطبع سيكون ضابط شرطة .... سمع ذلك الطبيب يحادث الضابط أولا قبل أن يحادثه :
- أهو فاق مراد ... أستاذ مراد حضرتك سامعني
حرك مراد رأسه بالإيجاب فقط لمرة واحدة قبل أن يري ذلك الضابط يجذب مقعد يجلس بالقرب من فراشه استأذن الطبيب وغادر بعد فحص بسيط أجراه علي مراد ... في حين جلس الضابط علي المقعد المجاور له نظر له يردف في هدوء :
- قادر تتكلم
حرك مراد رأسه بالإيجاب ابتلع لعابه الجاف تبحث عينيه عنها في جميع أركان الغرفة قبل أن تثبت علي الضابط الجالس علي المقعد يسأله بصوت خفيض ضعيف :
- ايوة ..أنا مراتي كانت معايا كنت سامع صوتها ... هي راحت فين
- الست اللي كانت معاك مستنية برة ... إنت بقالك حوالي ساعتين مغمي عليك
أردف بها الضابط بنبرة هادئة فاترة ... لحظات صمت تلاها حمحمة خشنة صادرة من الضابط يردف بعدها :
- الولد اللي ضربك بالسكينة اتقبض عليه ... وانت كمان مقبوض عليك ... بتهمة الشروع في قتل بيومي عوض الله أنت ضربت الراجل لحد ما كنت هتموته ... ايه الدافع ورا اللي أنت عملته دا
ارتسمت ابتسامة باهتة علي شفتي مراد لا فائدة من قول الحقيقة سوي مزيد من الإهانة لروحية وهي لاقت من الإهانة ما يكفي ويزيد من أناس انتزعت الرحمة من صدورهم ...عاد ينظر للضابط قبل أن ينطق بحرف واحد سمعوا دقات علي باب الغرفة إذن الضابط للطارق بالدخول ... انفتح الباب ليظهر من خلفه دخل إلي الغرفة يبتسم في هدوء تقدم ناحية فراش مراد التي توسعت عينيه في دهشة ما أن رآه ... مد يده يخرج بطاقته الشخصية من جيب سترته أعطاها للضابط ... ليقف الأخير يصافحه يتمتم مبتسما :
- خالد باشا ... اهلا وسهلا يا افندم
أخذ خالد البطاقة منه من جديد يضعها في جيب سترته نظر لمراد لمحة خاطفة ليعاود النظر للضابط يتمتم مبتسما :
- ممكن تسبني اتكلم معاه عشر دقايق فقط
وافق الضابط دون جدال ليستأذن يخرج من الغرفة يجذب الباب خلفه .. توجه خالد الي مقعد الضابط جلس عليه ينظر لمراد للحظات قبل أن يضحك بخفة يردف بعدها :
- إنت عارف أنا جاي بلفة عاملة ازاي ... مراتك كلمت جدتك فجدتك كلمت أدهم أخوك ... وادهم كلم حمزة وحمزة كلمني ... وأنا كلمت مراتك من عند أدهم عشان أعرف روحتوا انهي قسم واديني جيت ... ايه يا ابني قالولي عدمت الراجل العافية ... عمل إيه
اختفت الابتسامة الصغيرة التي ارتسمت علي شفتي مراد وجمت قسمات وجهه يغمغم بخفوت مجهد :
- خناقة عادية زي اللي بتحصل في اي شارع
رفع خالد حاجبيه مستنكرا ارتسمت ابتسامة ساخرة علي شفتيه همهم وكأنها حقا مقتنع بالأمر ليردف مستهجنا :
- خناقة عادية تخليك تضرب اللي قدامك بماسورة ماية وتعلقه علي باب جزار ... أنت عنيف اوي في الخناقات يا مراد
تهرب بعينيه بعيدا عن حدقتي خالد يشعر به يخترق عقله بنظرات زفر بحنق يشيح بوجهه في الاتجاه الآخر يتمتم :
- أنا اللي عندي قولته خناقة عادية في شارع هو استفزني
لم تتغير ابتسامة خالد الساخرة جل ما فعله أنه عاد بظهره الي ظهر المقعد يتمتم في هدوء ساخر :
- مراد أنا لو عايز أعرف تاريخ حياتك كله هجيبه وأنا قاعد مكاني بمكالمة تليفون ... أنا هنا عشان أساعدك ... فالافضل تبدأ تساعد نفسك ...
حرك مراد رأسه ناحية خالد ليري الأخير في حدقتيه نظرة مرتبكة متوترة يخشي قول شئ ليلقي القنبلة التي نطقها بهدوء تام :
- بسبب روحية مش كدا
اتسعت حدقتي مراد قليلا ينظر لخالد مدهوشا في حين ابتسم الأخير في هدوء يحادثه بترفق :
- يعني كلامي صح ..صدقني أنا هنا عشان اساعدك ... أنت بس احكيلي
تردد الأخير للحظات قبل أن يزفر أنفاسه مستسلما يقص له ما يعرفه عن روحية تلك الحكاية التي سمعها من جدته انتهاءً برؤية روحية لذلك المغتصب الدنئ هو فقط كان يأخذ حق زوجته لم يخطي في شئ لولا ما حدث لكان قتله ... انتهي مراد من سراد ماي يقول ليرفع عينيه يواجه حدقتي الجالس أمامه يسأله متعجبا :
- بس إنت عرفت منين أدهم اللي قالك
حرك الأخير رأسه نفيا رفع كتفيه يتمتم ببساطة :
- ابدا مراتك واقفة برة عمالة تعيط وتقول أنا السبب ... اتأذي بسببي ... مش صعبة تستنج
إن الموضوع ليه علاقة بيها ...
حرك مراد رأسه بالإيجاب صمت للحظات قبل أن ينظر لخالد يسأله مرتبكا :
- إنت مصدقني
ارتسمت ابتسامة بسيطة علي شفتي خالد يغمغم في هدوء :
- وايه اللي هيخليني اكذبك ... رغم تاريخك الحافل بالمصايب ... بس إنت واد جدع وبتتغير
شخصت عيني مراد في ذهول ممتزج بفزع كيف عرف ذلك الرجل قريب شقيقه بماضيه من أخبره ... لم يدع السؤال يداعب عقله كثيرا توجهت مقلتيه لخالد حين قام من مكانه يربت علي كتفه السليم يردف مبتسما وهو يغلق زر حلته الاوسط :
- حمد لله علي سلامتك يا مراد ... عن إذنك
هكذا فقط لم يفعل شيئا ... لم ينطق بكلمة أخري فقط غادر إلي خارج الغرفة يجذب الباب خلفه ... ظن أن الضابط هو من سيعود ليكمل تحقيقه معه ولكن من دخل كانت روحية بصحبة أدهم شقيقه ... اقترب أدهم منه يهرول يسأله مذعورا عن حاله في حين روحية تقف بعيدا تنظر له نادمة تضع فوق عاتقها ذنب ما حدث له ... أما هو فكان عينيه هناك عند باب الغرفة المفتوح يبصر ذلك الرجل يقف يحادث الضابط ... قبل أن يغادر كلاهما !!!
________________
علي صعيد آخر في المستشفى التي يقطن بها غيث ساعات الانتظار تأكل القلوب كالوحش الضاري يهنش بلا رحمة ... تجلس هي بصحبة أبيها وعمها في علي مقاعد الإنتظار خارج الغرفة الجميع أعينهم معلقة بباب الغرفة المغلقة ... أما هي فتنقل عينيها بين باب الغرفة ووالدها تريد أن تخبره ... ولكنها أجبن من أن تفعل ... كلما حاولت استجماع شجاعتها الضائعة تضيع من جديد ولا تقدر علي النطق بحرف ... تتوقع أسوء ما قد يحدث أن أخبرت والدها بما بحدث لها من مراد ... ولكن غيث ما حدث له ذنب يطوق عنقها يخنقها بلا رحمة ... بعد طول صراع استجمعت فتات شجاعتها قامت ناحية أبيها ستخبره فجاءة دون ترتيب ... وقفت أمامه تنظر له ... ليعقد رشيد جبينه في عجب من فعلتها حين فتحت فمها فجاءهم صوت باب الغرفة يُفتح فجاءة وجوري الصغيرة تصرخ فرحة :
- غيث فتح عينيه ... غيث صحي ...
الجمت الفرحة لسانها اندفع الجميع يركض لداخل الغرفة ومن ضمنهم هي عادا فارس الذي ذهب مسرعا ليحضر الطبيب ... الجميع يقف في ترقب ينظر للطبيب وهو يفحص غيث ... قبل أن يبتسم الاخير يردف :
- حمد لله علي السلامة ...
تحركت عيني غيث المجهدة التعبة تنظر لوجوه الحاضرين أمامه توقفت حدقتيه عندها يري دموعها التي تغرق وجهها ... ارتسمت ابتسامة شاحبة علي شفتيه كأنه يطمأنها بأنه بخير لم يحدث لم مكروة لم يصيبه سوءً رغم تلك الألم البشعة التي تطحن عظامه ... اقتربت ياسمين تعانق ولدها برفق خوفا من ايذائه الجميع يلتف حوله عداها هي تقف هناك تشاهد فقط في صمت قطعته حين صاحت فجاءة وهي تبكي :
- أنا آسفة أنا السبب في اللي حصلك ... أنا آسفة
شهقت ياسمين بعنف تنظر لصبا في ذهول مما قالت في حين توجهت أعين الدهشة الممتزجة بالاستنكار ناحية صبا ... نظرات تتلقاها من أبيها وعمها ... أما غيث فكان ينظر لها مذعورا ماذا تقول تلك الحمقاء ... وسبب ماذا ما حدث له كان حادث .... الجميع سيظن بها السوء من كلماتها تلك ...كلماتها التي زادتها سوءً حين صرخت بحرقة تكمل :
- أنا هقولهم علي الحقيقة اللي أنت مخبيها
لحظة وبدأ عقله يعي ما تقول ... توسعت عينيه ينظر لها مدهوشا تلك البلهاء ستفسد الأمر ... عليه أن يتصرف سريعا فضحك بالكاد ضحكة صغيرة للغاية خرجت من بين شفتيه ضحكة جعلت الجميع ينظر اليه ليسعل هو بخفة يغمغم في مرح باهت :
- صبا طريقتك دي هتخليهم يفتكروا اننا متجوزين عرفي ومعانا عيلين والحكاية كلها أنك نسيتي موبايلك في العربية ... واتصلتي بيه الصبح فأنا للأسف رديت وأنا سايق وأنا مش متعود علي السواقة في مصر فحصل اللي حصل ... للاسف موبايلك ضاع في الحادثة يا صبا
توسعت مقلتيها تنظر له في دهشة مما يقول في حين ارتخت نظرات الواقفين ....نظر فارس لها يغمغم مبتسما :
- دا مش ذنبك يا بنتي دا مقدر ومكتوب .. والحمد لله قدر ولطف
نظرت صبا لغيث ليرميها بنظرة حادة تطلب منها أن تغلق فهما فما ستفعله هو الغباء بعينه
_________________
علي صعيد آخر في أحد أقسام الشرطة التابعة للحي الذي يسكن فيه مراد في مكتب الضابط المسؤول عن التحقيقات يجلس الضابط الذي كان عند مراد قبل قليل خلف مكتبه أمامه لوحة من الخشب نُقش علي سطحها ... كرم ظافر ... في حين يجلس امامه علي المقعد المجاور لمكتبه ذلك الذي يضع ساقا فوق أخري ينظر لباب الغرفة ينتظر حضور ذلك الوغد فلديه درس قاسي سيلقنه إياه .... دقات علي باب الغرفة دخل ذلك البرعي يسنده اثنين من العساكر بعد ما فعله به مراد ... اشار لهم خالد أن يضعوه علي المقعد المقابل له ... ما إن خرجا نظر خالد لكرم يحادثه :
- سيبني معاه شوية يا كرم
حرك الأخير رأسه بالإيجاب خرج من الغرفة يجذب الباب يغلقه ابتسم خالد في هدوء تام يلتقط ملف أسود اللون من فوق سطح المكتب فتحه يقرأ ما فيه بابتسامة ساخرة :
- برعي عوض الله مرعي ... اسم موسيقي هايل ... سبقة ضرب ... وسبقتين حشيش .. ما شاء الله ... واخرهم اغتصاب ... واللي لسه ما اتحاسبتش عليها
توسعت عيني فزعا حرك نفيا بصعوبة يهدر بصوت منفعل متألم :
- ما حصلش يا باشا ... وكتاب الله ما حصل ... دا هو اللي ضربني في الشارع من غير سبب
وضع خالد من يده اضطجع يجلس بارتياح يضع ينزل ساقه من فوق الاخري استند بمرفقه الايمن علي سطح المكتب يستند بذقنه علي كفه يتمتم ساخرا :
- ضربك دا أنت حيطة قدامي أهو ... وبعدين تقرير الطب الشرعي اثبت وقعة الاغتصاب علي المجني عليها حورية إبراهيم وهي عرفتك واعترفت عليك
ابتسم خالد ساخرا حين رأي انكماش قسمات وجه الأخير في فزع ... هو بالطبع لم يكن ليعرض تلك الفتاة التي لا يعرفها للطب الشرعي خاصة بعد مرور سنوات علي حادث الاغتصاب ولكن الأحمق الذي أمامه لا يعرف ذلك ... توترت عيني ذلك البرعي يهتف فزعا :
- يا باشا والله أنا ماليش دعوة ... أنا ههفهم جنابك الحكاية أنا كان ليا مبلغ كبير عند سيد أخوها ... ومش راضي يدهولي ... روحلته اطالبه بيه ..... قالي عندك اختي خدها مكان فلوسك ... اخوها هو اللي ادهالي
بدأ يشعر بالغضب ... غضب كلمة ضئيلة عن تلك النيران التي بدأت تضرم بين خلاياه .. تتأجج في صدره ... تفور في عقله .... انتفض من مكانه يقبض علي فك ذلك البرعي يصيح عاليا :
- وأنا في سوق العبيد يا .... ، بتشتريها والقذر التاني باعها ليك ... كلب باعها لكلب ... ورحمة ابويا يا برعي الكلب ما هتخرج منها غير ب25 سنة إشغال شاقة
توسعت عيني برعي فزعا قبضة ذلك الرجل تفتت ما بقي له من عظام سليمة غير مهشمة .... نفض خالد يده بعيدا عن فك ذلك البرعي ... وقف أمامه يبتسم في تشفي يغمغم ساخرا :
- هو أنا ما قولتلكش مش لما عرفت أنك ليك سابقة حشيش بعت الظابط اللي كان قاعد دلوقتي فتش الخرابة اللي أنت عايش فيها وجاب عليه واطيه ولقي كمية حشيش محترمة لا حقيقي صنف فاخر مش موجود في السوق ... واتحرز وراح المعمل الجنائي يعني هتشرف خلف الأسوار مش اقل من 25 سنة تحت وصايتي أنا ... سلام يا برعي ... غدا ألقاك
رفع يده يلوح لذلك البرعي ساخرا قبل أن يخرج من الغرفة
هناك في المستشفى الحكومي التي بها مراد تحديدا في غرفته ... تحرك أدهم من جوار شقيقه يردف مبتسما :
- أنا هنزل الكافتريا اجبلك عصير وبالمرة أكلم جدتك دي هتتجنن عليك وأنا مش راضي اقولها علي اسم المستشفى
ابتسم مراد ينظر لأخيه ممتنا غادر أدهم ليتحرك مراد بعينيه ناحية روحية التي تجلس علي مقعد بعيد تنظر له تبكي في صمت ... مد يده يربت علي طرف الفراش الفارغ يحثها بعينيه أن تقترب منه ... قامت تتحرك بخطي مرتجفة تجلس علي حافة فراشه ترفع بيدها بين فنية وأخري تمسح دموعها التي تتمرد وتسقط حزنا عليه !! .. انتفض جسدها حين مد يده يمسح دموعها يسألها بصوت خفيض شاحب :
- أنتي بتعيطي ليه يا روحية ... أنا كويس ما تخافيش
حركت رأسها نفيا بعنف ترفض تماما النظر اليه سالت دموعها بعنف تغمغم بحرقة :
- كنت هتموت مكاني أنا آسفة .. آسفة أوي
مد يده يمسك ذقنها برفق رفع وجهها إليه ينظر لعينيها الحمراء نظراتها الكسيرة دموع عينيها الغزيرة ارتمست ابتسامة حزينة علي شفتيه تنهد يخرج كل ما يجيش في قلبه :
- أنا اللي آسف يا روحية ... كنت إنسان بشع والحمد لله أن شري ما طالكيش ... آسف علي كل لحظة ضايقتك فيها ... آسف علي اللي اضطريتي تعيشيه لوحدك بعد الحيوان دا عمله فيكي .... أنا لو ما كنتش ضربته كنت هبقي آسف ليكي أنك ما اتجوزتيش راجل يجبلك حقك من اللي اذاكي ...
ترك ذقنها ليمسك كف يدها يقربه من فمه يطبع علي سطحه قبلة حانية ارجفت جسده قبلها حين نظرت له بعينيها الحزينة الناعسة ليهمس هو في شغف :
- تقبلي تسامحيني يا روحية ....ونبدأ صفحة جديدة من اول السطر ... أنا وانتي وملك ... وعهد عليا قدام ربنا أني هتقي ربنا فيكي في كل لحظة جاية في حياتي ... قولتي ايه
صمتت تنظر له دون كلام ينطقه اللسان بل فاضت به العين عرفه القلب ... شعرت به الروح ... حركت رأسها بالإيجاب توافق بخجل ما يقول ليجذبها بذراعه السليمة يحاول معانقتها ... ارتسمت ابتسامة صغيرة علي شفتيها تغمض عينيها في عناقه ... عناق لم يستمر سوي لحظات مع دقات الباب انتفضت بعيدا عنه .... دقة أخري وفتح الطارق الباب اطل خالد بوجهه من خلف الباب المغلق ينظر لمراد وروحية يبتسم في هدوء ... خطي للداخل يغمغم مبتسما :
- اعذرني علي المقاطعة
حرك مراد رأسه بالنفي سريعا يغمغم مرتبكا :
- لا لا طبعا يا باشا اتفضل اتفضل
جذب خالد أحد المقاعد يجلس جوار فراش مراد ربت علي ساقه نظر لروحية ليعاود النظر لمراد يردف في هدوء :
- كان نفسي والله احبسه في قضية روحية بس للأسف عدي مدة طويلة علي الحادثة وما يقدرش الطب الشرعي يثبت أن حصلها اغتصاب .... بس الحمار طلع بيتاجر في الحشيش واتظبط في بيته كمية ترميه في ابو زعبل باقي عمره ... أما بالنسبة لقضيتك ... أنت مواطن شريف شوفت واحد معاه حشيش بيتاجر بيه حاولت تمسكه هرب منك قمت ضربه .... ما فيش قضية ... حابب تروح بيتكوا دلوقتي ولا تستني شوية في المستشفي
نظر مراد لروحية يبتسم مد يده يمسك كف يدها يشد عليه عاد ينظر لخالد يردف :
- هروح
بعد مدة قصيرة وإنهاء جميع إجراءات المشفي وإحضار الدواء اللازم في سيارة خالد يقودها متوجها الي الحارة ... خالد خلف المقود أدهم جواره بالخلف روحية ومراد ... مراد الذي يختلس النظرات لروحية بين حين وآخر كأنه مراهق عاشق ... اعترف لمحبوبته توا بعشقها لها ... وصلت السيارة اخيرا الي الحارة نزل أدهم سريعا يفتح الباب الخلفي يسند جسد مراد ...يجذبه من السيارة ما لم يتوقعه تماما
التفاف بعض الرجال من الحي ناحية مراد يهنئونه علي ما فعل ... شكرهم مراد بابتسامة شاحبة ليتوجه به أدهم لاقرب شقة ... شقة منيرة فتحت منيرة الباب لتطلق زغرودة عالية ما أن رأته انسابت دموعها تغمغم فرحة :
- حمد لله علي سلامتك يا ابني ... حمد لله علي سلامتك يا حبيبي ...
دخل أدهم يسند مراد إلي حيث غرفته ... وضعه علي الفراش برفق يخلع له حذائه ابتسم مراد ينظر لأخيه الصغير ... وجود أدهم في حياته صنع فارقا وكأنه المعجزة ... دخل خالد في تلك اللحظات إلي الغرفة وقف أمام مراد يحادثه مبتسما :
- أنا كدة عملت اللي عليا ... قوم أنت وشد حيلك عشان أنا محتاج محاسبين في الشركة أنت مش خريج تجارة بردوا
اتسعت ابتسامة مراد المذهولة يحرك رأسه سريعا بالإيجاب ليضحك خالد بخفة ربت علي كتفه يحادثه مبتسما :
- في انتظارك يا مراد ... عن اذنكوا ... ابقي كلم حمزة يا أدهم طمنه ..
________________
انتهت محاضراتها اخيرااا ذلك المحاضر السخيف ظل يشرح ما يقارب الثلاث ساعات رأسها تشعر به كرة ضخمة مرتدة تصطدم بتجويف هيكل دماغها ... ارتمت بجسدها علي أقرب مقعد في استراحة الطلاب تنظر للأوراق في يدها ... شهادة مريضة وشهادة اعتذار عن عدم دخولها الامتحانات الفترة الماضية لأنها كانت مريضة .... مريضة كلمة قليلة عما كانت فيه ... حملت ملف الأوراق في يدها ... تتجه به ناحية مكتب شهاب عميد الكلية التي تدرس فيها استاذنت من المساعدة ...توجهت الي مكتبه دقت الباب لتتوسع عينيها في ذهول للحظات حين رأته ... ماذا يفعل زيدان في مكتب شهاب عميد الكلية ... كانت تبحث عنه صباحا في عيادة قاسم تراه الآن في مكتب العميد ... حمحمت في ارتباك حين سمعت العميد يحادثها :
- اتفضلي يا آنسة لينا
نظر زيدان لقاسم يرفع حاجبه الأيسر مستهجنا ليحمحم الأخير الأخير يردف متوترا :
- قصدي يا مدام ... يا استاذة ... اقعدي
جلست لينا علي المقعد المقابل لزيدان الفضول يقتلها لتعرف لما هو هنا ... هل جاء لأجلها ... ولما قد يفعل ذلك ... حمحمت هي مرتبكة تمد يدها بملف الأوراق ناحية شهاب تردف مبتسمة :
- حضرتك دي شهادة مريضة واوراق اعتذار رسمية عن الامتحان اللي فات ...
امسك شهاب الاوراق يتفحصها عدة لحظات قبل أن يومآ برأسه يردف في هدوء :
- تمام يا آنسة .. يا أستاذة ... هتواصل مع الدكاترة ونشوف امتي الوقت لاعادة الإمتحان تاني ... صحيح انتي طبعا تعرفي زيدان باشا الحديدي ... مش عارف بعرفكوا علي بعض ليه
ضحك بخفة ضحكة سمجة ليعاود ما كان يقول :
- طبعا عارفة أنه جاي هنا عشان يقدم أوراق لطالبة جديدة جاية من روسيا تدرس عندنا ... اسمها انجليكا ... تعرفيها !!!
______________
« التكملة»
¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤
بهت وجهها تنقل أنظارها بين ذلك المدعو شهاب عميد الجامعة وزيدان نظرات مدهوشة يملئها الغيظ زيدان سيحضر الشقراء هنا تدرس معها في نفس الجامعة لما لا يحضرها إلي بيتهم ويعطيها غرفته أن كان يهمه امرها لتلك الدرجة ... شدت كفها تغرز أظافرها بعنف في كف يدها ... تتنفس بعنف لن تظهر غيظها أمام اي من كان ابدا رسمت إبتسامة صفراء علي شفتيها تغمغم :
- والله ... ربنا يوفقها ... عن إذنك حضرتك عشان اتاخرت
قامت سريعا تخرج من غرفة المكتب دون أن تنظر إليه مرة أخري جذبت الباب تصفعه خلفها لينظر زيدان إلي شهاب يرفع حاجبه الأيسر يغمغم ساخرا :
- والله بتجود من عندك يا شهاب
ضحك شهاب ضحكة سمجة سخيفة تحرك من مكانه يجلس علي المقعد حيث كانت تجلس لينا ضحك يغمغم ساخرا :
- الله يا جدع قولت اتصرف عايزني اقولها أنك جاي توصي عليها في الجامعة ... وبعدين أنا مش غريب يا زوز ... دا احنا أصحاب من اعدادي يا جدع
ضحك زيدان ساخرا يحرك رأسه نفيا ياسا ذلك الأحمق صديقه الآخر ... صحيح أنهما لا يلتقيان كثيرا ولكن يبقي شهاب صديقه الوفي الذي لن يخونه ابداا ... نهض زيدان من مكانه يغلق زر حلته الاوسط نظر لشاب يغمغم ساخرا :
- بذمتك في عميد كلية كداب ... دا أنت عميد علي ما تفرج ... أنا ماشي وزي ما وصيتك ... هي كانت تعبانة الفترة اللي فاتت .... ما تخليش الدكاترة تحط امتحانات صعبة
غمز شهاب له بطرف عينيه يغمغم عابثا :
- الحب الحب الشوق الشوق بلوبيف بلوبيف
صدمه زيدان علي كتفه بقوة يضحك رغما عنه قبل أن يخرج من مكتب شهاب ... يتوجه إلي أسفل يأخذ طريقه إلي حيث صف سيارته في المرآب الملحق بالجامعة .... ما إن دخل الي المرآب سمع صوته الذي يعرفه جيدا تردف متذمرة :
- يعني يا عم عبده مش عارف تشيك علي البنزين هنروح ازاي دلوقتي
بنزين سيارتها قد فرغ من الشخص السئ الدنئ الذي قد يفعل بها ذلك ... اقترب أكثر ليسمع صوت السائق يحادثها :
- والله يا بنتي ما خدت بالي ... خلاص حصل خير نكلم الباشا وهو هيبعت عربية تانية
وقفت جوار سيارة والدها تعقد ذراعيها أمام صدرها تتأفف حانقة من ذلك الموقف الذي حدث قبل قليل الشقراء ستأتي للجامعة ستقلتها قبل أن تفعل ... لتتصل بوالدها أو لتأخذ سيارة اجري ... نظرت في ساعة يدها انها الخامسة تقريبا .. مدت يدها إلي حقيبتها لتخرج هاتفها ... لتسمع صوته في تلك اللحظات يأتي من خلفها يغمغم في هدوء :
- تعالوا أنا هوصلكوا
نظرت خلفها سريعا تنظر له حانقة تضيق عينيها في غيظ اشاحت بوجهها في الاتجاه الآخر ترفع رأسها لأعلي قليلا تغمغم بإيباء :
- لاء شكرا ... اتفضل أنت ... مش عايزين نعطلك علي الوفد الروسي
ارتسمت ابتسامة صغيرة عابثة علي شفتيه ... لا ينكر ولكنه حقا اشتاق لمشاكستهم سويا ... خرجت من بين شفتيه ضحكة خفيفة ليراها تنظر له حانقة تصيح محتدة :
- ممكن اعرف أنا قولت ايه ضحك حضرتك
ابتسم في مكر تلك المرة يدس يديه في جيبي سرواله يغمغم بابتسامة صفراء مستفزة :
- مين قالك أن أنا بضحك عليكي الا لو انتي شايفة نفسك بتضحكي
اشتعلت أنفاسها غيظا تنظر له غاضبة في حين لم تتغير ابتسامته الماكرة نظر لعبده ليعاود النظر إليها يغمغم في هدوء جاف :
- هتفضلي واقفة كدة ساعة وزيادة علي ما خالي يبعت عربية تانية ...هتركبي اوصلك ولا هتفضلي واقفة
فتحت فمها تريد أن تعترض ... قبل ان تفعل ذلك نظرت للسائق ذلك الرجل الذي تجاوز الخمسين من عمره منذ الصباح وهو معها وبالطبع يريد العودة لبيتن اخذته الشفقة به نظرت له تغمغم علي مضض :
- يلا بينا يا عم عبده ... انت معايا من بدري يادوب تروح
توجهت إلي سيارة زيدان فتحت بابها الخلفي تجلس هناك تصفع الباب خلفها توجه السائق خلف المقود وزيدان جواره تنطلق السيارة الي منزل والدها ... تنهدت تخرج هاتفها من حقيبتها فتحته تحادث سهيلة اطمأنت علي حالها بصحبة جاسر والصغير ايضا بخير ... لترتمي برأسها الي ظهر الأريكة تنظر لسقف السيارة ... تزفر أنفاسها بحرقة وكأنها تختنق حين تتنفس ... اعتدلت في جلستها تنظر من خلال نافذة السيارة إلي الطريق كورنيش النيل في ذلك الوقت يبدو اكتر من رائع حركة المياة تحت قرص الشمس وقت الغروب وكأنه ينزف يلون مياة النيل العذبة بعذوبة قطرات دماء الشمس ... لفت انتباهها طفلة صغيرة من أطفال الشوارع تتحرك بين الناس تحمل عدة ازهار في يدها تدور بها عل أحدهم يشتري منها ... حال الطفلة البائس الحزين جعلتها تشعر بغصة تخنق قلبها ... كم أن الحياة غريبة ميزانها المحسوب الدقيق يصعب فهمه ... فهي في سيارة فارهة ذاهبة لمنزل والدها الفخم في جامعة خاصة ... تملك ما قد تحلم به اي فتاة الا أن شعورها بالبؤس لا يقل عن تلك الفتاة الصغيرة وربما الصغيرة اشد فرحا منها .. نظرت للسائق تغمغم فجأة :
- وقف العربية يا عم عبده
استجاب السائق لطلبها أوقف السيارة علي جانب الطريق لتفتح بابها تنزل منها سريعا تراقبها عيني زيدان قلقا عليها ماذا تفعل الآن ... تحركت سريعا هي ناحية تلك الفتاة انثنت قليلا تحادثها بشبح ابتسامة باهتة :
- ممكن اخد الورد
- هتدفعي كام ... غمغمت بها الفتاة بعفوية جعلت دمعات لينا تتساقط رغما عنها هي حتي لا تعرف لما تبكي ... فتحت حقيبتها تخرج النقود التي بها جميعا تعطيهم للفتاة لتتسع عيني الفتاة في دهشة التقطت الأموال من لينا تحتضنهم بقوة حتي انها اسقطت الأزهار من يدها صرخت فرحة تركض بعيدا:
- هجيب الدوااااا لمامااااا
راقبتها لينا وهي تركض بعيدا والابتسامة تشق وجهها الصغير ... مسحت دموعها انحنت لتلتقط الأزهار الساقطة أرضا لتري يده امتدت من العدم تلتقط الأزهار اعطاها لها ... وقفت تنظر له للحظات وهو يمد يده لها بالازهار ... الصغيرة وجدت سعادتها ببضع ورقات نقدية ... أما هي فحتي سعادتها لا تعرف أين تجدها ... أخذت الأزهار منه تحركت ناحية السيارة حين اشتمت رائحة زكية وصوت بائع الدرة يصدح في المكان :
- حمام يا درة ... احلي من الحمام يا درة ... الدرة المشوي
التفتت برأسها تبصر بائع حبات الذرة المشوية يقترب منهم ... اشتهته ولكنها اعطت نقودها أجمع للفتاة لا يهم غدا في طريق عودتها ستبتاع بعضها ... القت نظرة خاطفة علي البائع لتتحرك لسيارة زيدان تمسك بالازهار ... جلست مكانها تغلق الباب ... كانت تظنه خلفها ولكنه لم يأتي ظلت السيارة واقفة ... أين ذهب ... اطلت برأسها تبحث عنه لتراه يقف عند بائع الذرة ... اعطاها الرجل عدة حقائب من البلاستيك بها حبات الذرة ملتفة حول وريقاتها الخضراء يبدو أن زيدان اعطي للرجل نقودا كثيرة من تلك الإبتسامة الواسعة التي تظهر علي شفتي البائع ... عاد للسيارة يجلس مكانه لتغزو تلك الرائحة الذكية السيارة بالكامل ... ابتلعت لعابها تنظر بعيدا ..اعطي زيدان للسائق أحدي الحقائب يحادثه مبتسما :
- خد يا عم عبده
شكره السائق مبتسما ... ليلتفت زيدان برأسه ناحيته يمد يده لها بحبة مشوية يحادثها في هدوء :
- من غير عند ولا حساسيات أنا عارف أنك بتحبي الدرة المشوي ... اتفضلي
ترددت بقبولها للحظات قبل أن تمد يدها تأخذها منه تشكره بصوت خفيض بكلمة
« شكرا» فقط لم تزد عليها حرفا واحد ... انشغلت ما بقي في الطريق بأكل حبة الذرة في يدها تنظر من نافذة السيارة ... تتنهد بين حين وآخر حائرة تكره تلك الفقاعة الوردية التي يلقيها فيها بمعاملته تلك ورغم ذلك هي لا ترغب في غيرها !!
_________________
في مفترق الطريق في الوقت التي كانت فيه سيارة زيدان تشق طريقها إلي منزل خالد ... عند الجانب سيارة أخري تشق طريقها في الإتجاه المعاكس ... سيارة تحوي شخصين فقط ... عثمان جواره سارين تنظر لذلك الواجم جوارها لم ينطق بحرف واحد منذ أن خرجا من منزل والدها ... كان عازمة علي الحديث معه أمس ولكنها حقا انشغلت في الحديث مع شقيقتها حتي سرقها الوقت ونامت ... ارتسمت ضحكة صغيرة علي شفتيها والدها بالكاد تركها تذهب معه بعد الغداء ... كان يريد منها أن تبقي هي فقط لأسبوع او اثنين ..ولكن عثمان رفض تماما ... وها هي تجلس جوار زوجها الغاضب ... حين التفتت برأسها تنظر له رأت كورنيش النيل هناك علي ناحيته ... تنهدت تردف سريعا بابتسامة صغيرة :
- عثمان ممكن نقف شوية علي الكورنيش
زفر دون كلام حرك رأسه بالإيجاب ... التف بالسيارة عند اول مخرج يوقفها عند جانب الطريق ... نزل منها هو اولا فتحت الباب تنزل بعده اقتربت منه ليمسك كف يدها ابتسمت حين فعل ذلك تحرك بها ناحية مقعدين متجاورين من البلاستيك جوار سيارة لبيع مشروب شعبي « حمص الشام » طلب لهما كوبين ... جلس يوجه انظاره لمياة النيل ... في حين تختلس هي النظرات له بين حين وآخر لا تعرف بما تبدأ كلامها ولكن عليها أن تبدأ تنهدت تتمتم بنبرة خافتة :
- عثمان أنت زعلان مني
التفت برأسه ناحيتها للحظات قبل أن يعاود النظر أمامه ابتسم يردف ساخرا :
- وأنا هزعل ليه يعني أنتي عملتي حاجة تزعل
زفر حانقة من طريقته الساخرة لا شئ أسوء من سخرية عثمان حتي قبل أن تتزوجه كان مشهور في العائلة أنه الفتي الساخر ... بسخريته اللاذعة ... وعلاقته المتعددة ولكن ذلك كان قبل الزواج قبل الحادثة .... عادت تنظر له من جديد تردف متذمرة :
- عثمان بطل طريقتك دي انا عارفة انك زعلان ... بسبب اللي حصل ... أنا فعلا مش عارفة أنا ايه اللي خلاني انهرت في العياط كدة ... بس اصرارك انك ترجع قريب للسباقات مخوفني يا عثمان .. وانت مش راضي تسمعني ... أنا عارفة أن في بينا عهد اننا ما نطلعش مشاكلنا برانا ... بس ما قدرتش كنت محتاجة حد يطمني ... حد يقولي انتي غلطانة هو مش هيحصله حاجة ... إنت فاهمني
ظل ينظر لمياة النيل يتأمل حركتها الهادئة يتنفس بعمق .. قبل إن يحرك رأسه إليها تنهد يردف في هدوء :
- المرة الوحيدة اللي بابا مد ايده فيها علي ماما وضربها بالقلم كانت بسبب أنهم دخلوا ناس غريبة في مشاكلهم ... انا لما قولتلك نخلي ما حدش يعرف بمشاكلنا عشان احافظ عليكي وعلي كرامتنا وعلي علاقتنا .... جوازنا مستحيل هيفشل يا سارين ... مش هسمح لحد يتدخل في حياتنا ...
حركت رأسها بالإيجاب ربما هو محق المشاكل بينهم مهما وصلت سوءها هما قادرين معا علي حلها .. في أغلب الأحيان الاستعانة بالاقارب يؤدي لتضحم المشاكل دون داعي يذكر ... فيصبح قبس النار الصغير حريق مشتعل لا يمكن إطفاءه ... مدت يدها تمسك كف ابتسمت تردف بخفوت رقيق :
- لسه زعلان مني يا عثعث
خرجت ضحكة صغيرة من بين شفتيه رغما نظر لها للحظات يبتسم ليحرك رأسه نفيا توسعت ابتسامتها تشد يده تردف بحماس :
- اخيرا يا عم يلا بقي قوم نروح سنيما ...وبعدين تعزمني علي العشا وبعدين
مد يده يضعها علي فمها يوفق سيل ثرثتها الا متناهي ضحك يردف ساخرا :
- بس يا ماما راديو ... احنا هنروح سينما بس وهنرجع البيت علي طول عندك محاضرات بكرة بدري
أزاح يده لتضحك ويشاركها في الضحك قام يجذب يدها يشدها نظر في ساعة يده يغمغم في مرح :
- يلا يا بنتي يا دوب نلحق حفلة ستة
______________
هناك علي صعيد آخر في الطريق يبدو حكايانا اليوم في الطريق سيارة رشيد التي تأخذ طريقها عائدة إلي أسيوط بعد أن اطمئنوا جميعا علي حال غيث .... الطبيب قال إن وضعه مستقر فقط يحتاج لبعض الوقت إلي أن تُجبر كسوره .... استندت برأسها الي زجاج النافذة المغلقة جوارها تنظر للخارج الطرقات الأرصفة اعمدة الإنارة الأشجار اشعة الشمس وهي تنسحب رويدا رويدا ... اغمضت عينيها تتذكر ما حدث بينهما قبل رحيلها
Flash
مرت ساعة تقريبا منذ أن برر هو سبب اندفاعها وكلامها الغير مفهوم بالنسبة لهم ... لتخرج من الغرفة تجلس علي مقعد صغير أمامها ... تنظر أرضا تفكر ضائعة لما يكذب ... لم يدعها تقل لهم الحقيقة ... ليأخذوا بثأره ممن فعل ذلك ... سمعت صوت باب الغرفة يُفتح ليخرج عمها بصحبة والدها وقف فارس أمام أخيه يحادثه :
- رشيد أنا مش صغير ... وأنا عارف أنك لازم تسافر شغل العيلة كله أنت اللي شايله ... صدقني ما فيهاش لا زعل ولا إحراج ... سافر يا رشيد وطمني اول ما توصل انكوا وصلتوا بالسلامة
ابتسم رشيد لأخيه يربت علي ذراعه يحادثه :
- هخش اسلم علي الواد غيث قبل ما امشي .. بإذن الله ربنا يتم شفاه علي خير
تحرك والدها وعمها من جديد لداخل الغرفة ....لحظات فقط ورأت جوري الصغيرة تخرج من الغرفة توجهت إليها سريعا تشد يدها بعنف تجذبها لتقوم :
- صبا قومي يا صبا ... غيث عاوز يتكلم معاكي
عقدت جبينها في دهشة فيما يريد أن يتحدث استسلمت ليد جوري التي تجذبها لداخل الغرفة ...دخلت تنظر أرضا في توتر ... نظرت ناحية والدها نظرة خاطفة لتري انزعاج حدقتيه تري لما هو غاضب ... لحظة فقط وتحركت ياسمين ومعها جوري وفارس ورشيد إلي خارج الغرفة يغلقون الباب عليهم ... توسعت عينيها في دهشة كيف حدث ذلك ... هي وهو فقط بمفردها ... نظرت ناحيته حين غمغم بصوت خفيض ضاحك :
- اقعدي يا صبا ... عمي لما قولتله عايز اتكلم مع صبا لوحدنا دقيقتين بصلي بصة التار ولا العار لولا أن جسمي مدغدغ كان فرغ فيا مسدسه
ارتسمت ابتسامة حزينة علي شفتيها تجلس علي اقرب مقعد قابلها ... كورت كفيها تفركهما في توتر .... بينما هو صمت للحظات ولكن صمته لن يطول كثيرا تنهد يهمس بصوت حاني متعب ضعيف :
- صبا ... أنا عارف أنك زعلتي من آخر كلام قولته ليكي صدقيني أنا ما كنش قصدي الومك .. أنا عارف أنك ما تغلطيش وإنك متربية احسن تربية .. أنا بس كنت بحاول افوقك عشان ما الشيطان ما يدقش بابك تاني ... أنتي غالية أوي يا صبا ... عند والدك ووالدتك وجاسر تحديدا ... ما حدش يستاهل قلبك غير اللي هيحافظ عليه ... اللي عمره ما هيستغلك ابدا ... ولا يضحك عليكي باسم الحب .... صبا بصيلي
ادمعت عينيها مع كلماتها التي ينطقها حرفا يليه الآخر إلي أن وصل لجملته الأخيرة رفعت رأسها اليه ليصطدم بدموعها التي تلمع في حدقتيها ... ابتسم يردف ما كان يقول :
- عايز اشوفك لآخر مرة ... عايزك توعديني .. أنك تنجحي يا صبا ... انجحي في دراستك في حياتك في شغلك ... لو اتعودتي علي النجاح هيبقي طريقك يا صبا ... اوعديني
حركت رأسها بالإيجاب دون مقاومة دون تردد فقط أيدت ما يقول في هدوء تام ... حافظ علي ابتسامته الهادئة يردف :
- خلي بالك من نفسك ...
ابتسمت ابتسامة صغيرة تتحرك من مكانها لخارج الغرفة التفتت له قبل أن تخرج لتراه يبتسم لها ... ادارت المقبض وخرجت ... لم تسمع تلك الجملة الخافتة التي نطقها ما أن رحلت :
- هستناكي يا صبا
Back
عادت من شرودها يعلو ثغرها ابتسامة صغيرة تحرك رأسها بالإيجاب حين تذكرت وعده الذي قطعه معها ستنجح كما وعدته .. ستحافظ بكل ما تملك من قوة علي ذلك القلب النابض طريقها من الآن فصاعدا سيكون فقط طريق النجاح وربمل تلتقي به مرة أخري في حكاية جديدة بعد سنوات
____________________
اخيرا الزحام المروري بسبب حادث علي الطريق كان بشع اخيرا وقفت السيارة في حديقة منزل والدها نزلت منها اولا تتجه الي الداخل مباشرة رأت حسام يجلس علي الأريكة يربع ساقيه يمسك في يده لوح شوكولاتة مغلف ينظر له بابتسامة بلهاء واسعة ... عقدت جبينها في عجب لما ينظر حسام للوح في يده وكأنه فاز بجائزة العالم ...تحركت تجلس جواره تسأله في عجب :
- حسام أنت بتبص للشوكولاتة كدة ليه إنت اول مرة في حياتك تشوف شوكولاتة
حرك رأسه نفيا ببطئ شديد تلك الابتسامة الواسعة لا تفارق ثغره ... حرك رأسه ناحيتها تنهد بحرارة يردف بولة :
- سارة جابتلي الشوكولاتة دي هدية ... هييييح جابتها ليا أنا ... عشاني ... قالتلي دي ليك ... يا نهار ابيض علي العسل ... وخدودها شبه المربي حمرا وهي مكسوفة ... بحبها يا جماعة ... هتجوزها امتي ... حاجة كدة بسكوتة سكر محلي محطوط عليه كريمة هييييح
توسعت عيني لينا في دهشة من حالة الهيام المفرطة التي اصابت حسام من أجل شوكولاتة فقط ... مدت يدها تتحسس جبينه تردف ساخرة :
- مش سخن يعني كل دا عشان شوكولاتية يا حسام اومال لو كانت جابتلك ساعة كنت كتبت عليها وقتي
تاهت عينيه في وله تنهد بحرارة يهمس في شغف عاشق :
- والله لو ما جابت حاجة خالص لسه عايز اكتب عليها وقتي ... ما تجوزوهالي بقي يا جماعة
تغيرت ملامحه العاشقة الرومانسية في لحظة إلي ملامح اشمئزاز ممتزجة بقرف يغمغم ساخرا :
- وبعدين انتي ايه فهمك في الرومانسية يا برعي اصلا ... يا بنتي دا انتي جعفر عايش معانا في البيت
توسعت عينيها تنظر له بغيظ كادت أن تخنقه بوسادة الأريكة المجاورة له حين انفتح باب المنزل ظهر خالد لتنظر للينا لحسام تبتسم في وعيد ... قامت من مكانها تتجه ناحية والدها تتمتم بمسكنة حزينة :
- بابا تعالا شوفك ابنك قليل الأدب عمال يتريق عليا ويشتم فيا ...
نظرت لحسام تشير بيدها إلي عنقها كأنه سكين تصيح فيه حانقة :
- اضربه يا بابا قليل الأدب اللي أبوه ما ربهوش دا
انفجر حسام ضاحكا في حين توسعت عيني لينا فزعا حين أدركت ما نطقت به للتو ... في اللحظة التالية كان خالج يقبض تلابيب ملابسها من الخلف يحركها في يدها بخفة يصيح حانقا :
- أبوه دا اللي هو ابوكي ... هو فعلا ما أعرفش لا يربيه ولا يربيكي ...
دفعها بعيدا عنها لتقف مكانها ترتب ملابسها تنظر لأعلي بإيباء في اللحظة التالية دخل زيدان يحمل في يده تلك الحقائب التي بها حبات الذرة .... وضعها علي الطاولة أمام حسام ليمد حسام يده يستكشف ما امامه أخرج أحدي الحبات يغمغم في سعادة :
-ايه دا درة مشوي ... بتفكرني بأيام هموت وانساها
ضحك الجميع التفوا جميعا في غرفة الصالون جاءت لينا زوجة خالد بعد لحظات تحضر أحدي كعكعاتها الناحجة اخيراا ... وضعتها امامهم معها أكواب عصير ... مال حسام علي إذن لينا يهمس لها في غيظ طفولي :
- هو ليه لما زيدان بيكون موجود أمك بتعاملنا علي أنها مرات أبونا ... بصي مدياله أكبر حتة في الكيكة ازاي
وضعت لينا يدها علي فمها تخفي ضحكاتها من كلام حسام ... في حين حمحمت لينا تنظر لحسام مبتسمة تردف :
- أنا عندي فكرة حلوة ... خالد قالي أن هو اشتري شقة لحسام وهيبداوا تجيهزها ... طب ايه رايكوا لو حسام وسارة يقعدوا معانا هنا في الفيلا ... و الشقة تجهز طبعا ... وفي وقت ما يحب يروحوها هي موجودة ... دا مجرد اقتراح ... ايه رأيك يا حسام
رفع الأخير كتفيه ببساطة يغمغم مبتسما :
- أنا عن نفسي ما عنديش مانع بس القرار .. قرار سارة وعمي عمر طبعا ... ممكن يرفض حاجة زي دي
ابتسمت لينا في هدوء تحرك رأسها بالإيجاب سارة لن ترفض ابدا ذلك وربما عمر يوافق ... نظرت لخالد تطلب منه إن يحادث عمر يخبره بالامر ليحرك رأسه بالإيجاب ينظر لها مستفهما لا يفهم سبب اقتراحها ذاك ... الا أنه ابتسم يوافقها ... في واقع الامر من ينظر للصورة من الخارح سيظن زوجة الأب لا ترغب في أن يحصل ابن زوجها علي منزل خاص به ... ولكن تلك ليست لينا ... في الحقيقة ترغب في وجود حسام جوار خالد اطول وقت ممكن ... خالد لم يعرف بوجود ابن له سوي من قريب ... لا يريدهما أن يبتعدا بتلك السرعة ... وجود حسام وسارة معهم في المنزل سيكون أكثر من جيد .... علي صعيد آخر نظر خالد لزيدان قلقا ليبتسم له الأخير في هدوء يطمئنه
تحرك خالد ناحية غرفة مكتبه ... ليقوم زيدان خلفه مباشرة ما أن دخل أغلق الباب عليهما اقترب من خالد يتمتم مبتسما :
- إنت قلقان ليه يا خالي هي أول مرة
ارتسمت ابتسامة مرتعشة علي شفتي خالد اقترب من زيدان يمسك بذراعيه بين كفيه يحادثه قلقا :
- لاء مش اول مرة بس فعلا المرة دي العملية خطيرة والمكان صعب .... زيدان أنت فعلا جاهز ...
ابتسم زيدان في هدوء رفع يده يؤدي التحية له يغمغم ضاحكا :
- دايما جاهز يا باشا ... ما تقلقش لو رجعت يبقي عمر الشقي بقي .. لو ما رجعتش فأنا أبويا وحشني اوي بصراحة ما هصدق اروحله
شد خالد علي أسنانه بعنف يشد علي ذراعي زيدان يحادثه محتدا غاضبا :
- ما تقولش كدة أنت هترجع بالسلامة ... أول ما ترجع هرميك أنت والهبلة اللي أنا مخلفها دي في بيت واحد ياكش تولعوا في بعض بس ابقي خلصت من همكوا
ضحك زيدان دون أن يعقب علي ما قال خالد ...رفع خالد كفيه يحتضن وجهه بهما يحادثه قلقا :
- اجهز عشان هتتحرك قريب
حرك زيدان رأسه بالإيجاب في هدوء تام ينظر بعيدا في الفراغ احتدت عينيه يغمغم شاردا :
- في مشوار مهم اوووي لازم اعمله قبل ما اطلع العملية دي ... لازم انهي الحكاية .. يمكن ما ارجعش !!