![]() |
رواية اسير عينيها الجزء الرابع (للعشق قيوده الخاصة) الفصل الثامن والستون بقلم دينا جمال
مر يومين علي آخر مشهد حدث مر بعدها يومين في هدوء تام ... ذلك الهدوء القلق المحمل بغبار العاصفة القادمة تعلن عن نفسها برتابة مخيفة ... في سيارته يقطع الطريق إلي وجهته عينيه مرتكزة علي الطريق يده تشد علي المقود في حين ذهنه شارد يسبح في بوتقة حارة من الحيرة لا يعرف حتي إن كان ما سيفعله صحيحا أم لا هو فقط يريد أن ينتهي من تلك الحيرة للأبد ربما لن يحالفه الخط ويعد من تلك المخاطرة حيا ... وربما فعل ... وقف بالسيارة أمام بوابة المنزل الكبير المغلق مد يده يدق الزامور يتأفف حانقا ... لحظات وجاء حارس البوابة فتحها علي مصراعيها لتدخل سيارته اوقفها بعيدا جوار البوابة ... نزل منها يزيح نظاراته السوداء .... لتظهر عينيه الزرقاء في تلك اللحظة وهو يقف بعيدا جوار سيارته ينظر لتلك الجالسة هناك علي مقعد بعيد في الحديقة عينيها شاردة في الفراغ دموعها تهبط بين حين وآخر ... لترفع كف يدها المرتجف تحاول مسح دموعها التي سرعان ما تهبط من جديد ما أن رآها شعر بألم حاد في صدره وكأن خنجر يغترس في قلبه بعنف ... تحرك ناحيتها بخطي ثقيلة يجر قديمه جرا ناحيتها كم يرغب في أن يعد الي سيارته يهرب منها ... وقف فجاءة في منتصف الطريق ... وقف ينظر لها والغضب يأكل قلبه ... في لحظة استدار يرغب في الرحيل حين سمع صوت طائش يعرف صاحبه جيداا يصيح باسمه :
- زيدااان أنت هنا
امتعضت قسمات وجهه ينظر ناحية مصدر الصوت ليزفر حانقا فراس ابن خاله ذلك الفتي الطائش في الثانوية العامة .... فراس النسخة المصغرة عن خاله محمد في الشكل فقط ... أما الطباع فالارجح ورثها من من لا يعرف ... تنهد يزفر أنفاسه حانقا حين اقترب فراس منه يرتدي سروال من الجينز ممزقة و( تيشرت) ابيض عليه جمجمة سوداء ... نظر زيدان للسروال باشمئزاز يحادث فراس :
- ايه القرف اللي أنت لابسه دا ... هو اي حاجة طالعة موضة نمشي وراها من غير عقل ... شكلك شبه المتسولين علي الأقل المتسول ليه عذره مش هو اختار لبسه ... انما أنت عذرك ايه أنها الموضة
قلب فراس عينيه في ملل ألن تنتهي تلك المحاضرات التي يسمعها يوميا من والده والآن يأتي ضحك ... ضحك فراس في سماجة يديه في جيبي سرواله يتمتم في زهو :
- أنا حر يا زيدان ... وبعدين أنا مش عيل صغير ... لما اوصل لسنك كدة هبقي اقضيها قمصان غامقة وبناطيل بدل ... مش كل ما حد يشوفني يسمعني محاضرة عن اللبس ....
- فراس وبعدين معاك اتفضل علي أوضتك ما شوفتش خلقتك براها النهاردة
صدح صوت محمد الغاضب يأتي من خلفهم ابتسم فراس لزيدان في اصفرار يلوح لزيدان يودعه ساخرا قبل أن يعود إدراجه الي الداخل اقترب محمد من زيدان وقف أمامه يبتسم يتمتم في حرج :
- منور يا زيدان ... معلش فراس بيه هيجنني والله
ابتسم زيدان في هدوء ساخر حين كان في مثل عمر فراس لم تستهويه اي من تلك الموضة التي يفعلها الشباب أجمع كان يحاول أن يسابق العمر والزمن ليكبر بأي شكل وياليته لم يفعل ... تحركت عينيه ينظر ناحيتها ليراها هناك لا تزال جالسة مكانها تنظر ناحية في لهفة ... تشد يديها علي ذراعي المقعد كأنها تحاول أن تتحرك ... عقد جبينه متعجبا نظر ناحية خاله الذي كست الدموع عينيه اختقنت نبرته يغمغم في خفوت حزين :
- يوم فرح أدهم ... لما أنت خرجت من الفيلا ولوجين حاولت تتكلم معاك وأنت زعقت فيها ومشيت وقولتلها أنك عمرك ما هتسامحها ... لما روحنا فضلت تعيط لحد ما نامت ... الصبح لما روحت اصحيها اكتشفت الكارثة لوجين مش قادرة تحرك رجليها .... الدكتورة حالة نفسية زعل شديد ... مع الوقت ونفسيتها تتحسن هترجع تمشي تاني .... زيدان أنا عارف أنها غلطت في حقك كتير اوووي بس سامحها يا إبني ... هي مش عايزة اي حاجة في الدنيا دلوقتي غير أنك تسامحها
وقفت عاجزا عن فهم ما يقول خاله صدمة بشعة سقطت فوق رأسه شخصت عينيه ينظر لها مصعوقا والدته باتت قعيدة ... عاجزة ... لا تقدر حتي علي الحركة لتأتي إليه وهو يقف مكانه كالصنم متجمد ... أتي لهنا ليخبرها أنه حقا لن يقدر علي سامحها ... ولكنها ستظل والدته مسؤولة بالكامل منه ...ظل يحفظ في تلك الكلمات أياما عدة لتتلاشي جميعها حين رآها بحالتها تلك ... عاجزة عن الحركة ملامح وجهها تصرخ اشتياقا إليه ... لم يكن يدري أن دموع تجمعت في مقلتيه إلا حين شعر بها تغطي وجهه تحركت قدميه ناحيتها ... المسافة بينهما ليس بذلك الطول ولكنه يشعر بها دهرا لا ينتهي ابداا .. كلما تقدم هو امتدت بهم الأرض لتباعد بينهما من جديد ... وصل أخيرا بعد رحلة طويلة من السير بالقرب منها يقف أمامها مباشرة ينظر لحالتها دون كلام ... فقط عينيه الحمراء التي بالكاد تكبح دموعه هي من تصرخ بألمه ... رفعت يديها الإثنين تمدهم ناحيته تدعوه لها ... في حين وقف هو ثابتا قدميه تأبي الحراك خطوة واحدة في حين تمرد مقلتيه تسكب الدمع انهارا ... رفع يده قليلا ناحيتها اقتربت المسافة بينهما مدت لوجين يدها بالكاد لامست أصابع يده ... قبضت عليها تجذبه إليها بقوتها الواهية الضعيفة ليتحرك ناحيتها ارتمي بين أحضانها علي حين غرة هو حتي لا يعرف كيف فعل ذلك ... فقط أغمض عينيه واسكت عقله العاصي وقلبه المتعب وروحه الحزينة الممزقة صمتت الأصوات جميعا حين بات بين ذراعي والدته التي ألقت نفسها من فوق الكرسي ارضا تعانقه بقوة تشدد علي عناقه تحكم ذراعيها حوله وكأنه سيهرب وكأن ما يحدث فقط حلم تراه علا صوت نشيجها تتوسله باكية :
- سامحني يا ابني ... سامحني ... أنا آسفة يا حبيبي ... حقك عليا ... ياريت في ايدي ارجع الزمن والله ما كنت دخلت الشيطان دا حياتنا ... سنين وأنا بتعذب ببعدك عني ...بس كنت بقوله اكيد حاله أحسن مع خالد ... معتز كان ما بيعملش حاجة غير أنه بيذلني عشان يديني الزفت دا اللي خلاني ادمنته ... وفي الآخر رماني في السجن سنين وأنا هو قدامك بقيت عاجزة مشلولة ... سامحني يا ابني مش عشان خاطري حتي عشان خاطر زيدان الله يرحمه أنا عارفة أنه أغلي عندك من الدنيا كلها
ظل صامتا فقط تتساقط دموعه يستمع إلي كلماتها التي تنزل علي قلبه كحمم من نار مستعرة تأكله ذلك الشيطان سيمزق ما بقي منه .... في حين عادت لوجين تنتحب من جديد ... فتح عينيه يبتعد عن أحضانها ... مدت يدها تمسك كف سريعا قبل أن يغادر ... بينما ظل هو يفترش الأرض جوارها ... رفع وجهه إليها ينظر لعينيها الغائرة من البكاء وجهها الشاحب ... والحرب بين قلب متعب يريد السماح ... وعقل ثائر يرفض ذلك ... صراع لم يحسمه سوي جملة واحدة تذكرها في تلك اللحظة
( علي قد الغلاوة بيكون الوجع ) اذا ذلك الشعور المؤلم الذي يطحن قلبه يخبره صراحة أن والدته أغلي لدي قلبه مما يدرك عقله ... رفع كفيه يحاوط وجهها بهما .. يهمس بصوت مختنق :
- نفسي اسامحك أوي بس مش قادر .... نفسي انسي اللي حصل صدقيني حاولت كتير ... بس برجع افتكر كل مشهد كل لحظة ... عارف أنه غصب عنك ما كنتيش في وعيك بس أنا كنت
صمت في تلك اللحظة يعقد جبينه فجأة في دهشة توسعت حدقتيه ... نفس الحلقة التي دارت بينه وبين والدته ... دارت بينه وبين لينا .... ولكن في حلقتهم هو من لم يكن واعي وهي لم تقدر علي سماحه ... هو يحاول نيل سماحها وهي ترفض كما فعل هو مع والدته ... الحلقة تتشابك باخري وهو بين هذه وذاك يلتف في دوائر مفرغة أحدهما فيها جاني والاخري مجني عليه ... عاد ينظر لوالدته يري خبو لمعة عينيها من الحسرة ... مال برأسه يقبل جبينها ... امسك كف يدها بين كفه يشدد عليه يحادثها بشبح ابتسامة :
- أنا ما بكرهيش ... أنا بس موجوع أوي ... أنا مسافر مأمورية شهر بالكتير وهرجع عايز اللاقي أحسن من كدة لما اجي ... عايز الاقيكي مستنياني لما اجي
ارتسمت ابتسامة كبيرة علي شفتي لوجين تحرك رأسها بالإيجاب بلا توقف عادت تعانقه بتلهف من جديد ... قام هو من مكانه يحملها بين ذراعيه أعادها الي مقعدها يربت بيده علي كفها يهمس في خفوت حائر :
- خلي بالك من نفسك ...عن اذنك
انتظرت أن تستمع إلي تلك الكلمة التي انتظرتها علي أحر من الجمر ولكنه لم يقولها ولكن لا يهم ما حدث الآن أكثر من كافي لقلبها الحزين ليعود للحياة من جديد ...تحرك زيدان ناحية سيارته ليستوقفه محمد يحادثه قلقلا :
- زيدان ... خلي بالك من نفسك يا إبني
ابتسم زيدان في هدوء يحرك رأسه بالإيجاب توجه ناحية سيارته من جديد في حين توجه محمد ناحية لوجين ابتسمت الأخيرة تصيح من سعادتها :
- زيدان هيسامحني ... شوفته لما قالي لما ارجع عايز اللاقيكي مستنياني
غامت عيني محمد قلقا نظر لها يحاول رسم ابتسامة علي شفتيه تنهد يهمس في نفسه بخفوت :
- يارب بس هو يرجع بالسلامة ... استرها يارب
_____________________
بعد عدة ساعات في منزل خالد السويسي ... في غرفة الجلوس تجلس لينا ابنه خالد جوار اخيها علي الاريكة هي تنظر لحاسوبها المحمول تذاكر أحدي محاضراتها الهامة أما حسام فيقرأ في معجم طبي غريب الشكل في الأغلب ليضع إمتحان للطلاب قريبا ... أما لينا والدتها تجلس امامهم علي الاريكة جوار زوجها تمسك بهاتفها تتصفحه تحادث شمس شقيقتها علي أحدي مواقع التواصل الاجتماعي ... أما خالد فعينيه معلقة بساعة الحائط ينظر لها بين لحظة واخري ... هاتقه يدق كل دقيقة وأخري ليستأذن يتوجه إلي غرفة مكتبه يغلق الباب عليه بضع دقائق ليخرج من جديد ... قاطع ذلك الصمت صوت رنين جرس المنزل هب خالد واقفا سريعا ليظر له الجميع مندهشا اقتربت أحدي الخادمات تفتح الباب ليظهر زيدان من خلفه ... بملابسه العادية يضع حقيبة ملابس صغيرة في السيارة خارجا .. يبتسم في هدوء تام ... توجه إلي الداخل وقبل أن ينطق أحدهم بحرف قبض خالد علي كف يده يجذبه معه إلي غرفة المكتب يغلق عليهم الباب وقف يتنفس بعنف يحاول أن يهدئ نظر ناحية زيدان يحاول رسم ابتسامة علي شفتيه اقترب منه يغمغم متفاخرا به :
- محمد قالي علي اللي أنت عملته ... لوجين من ساعتها وهي ابتسامتها مش بتفارق وشها بعد ما كانت رافضة تاخد الدوا رافضة العلاج كله ... عمالة تقول لمحمد عايزة اخف بسرعة عشان لما زيدان يجي يلاقيني مستنياه
صمت للحظات يلتقط أنفاسه المسلوبة قلقا علي ذلك الواقف امامه أدمعت عينيه رغم رفضه لذلك اختنق صوته يحادث زيدان راجيا :
- ارجع عشانها يا ابني ...
ابتسم زيدان رغما عنه خاله ما يظهر أنه قاسي جلمود القلب لا يقلق نادرا ما تظهر تلك الدموع التي يراها في عينيه الآن ولكنه يعرف دائما أنه يخشي عليه كما لو كان ولده من صلبه ... عاد يضحك من جديد حين سمع خالد يغمغم محتدا :
- بتضحك علي ايه يا حيوان
ضم زيدان دفتي شفتيه يحرك رأسه نفيا في حين تنهد خالد حانقا يزفر أنفاسه قلقا ... اقترب من زيدان يمسك بكتفيه بين كفيه بقوة يحادثه في حزم :
- إنت هتخلي بالك من نفسك كويس وتبطل شغل المجانين اللي بتعمله في كل عملية دا ... أول واحد بيرمي نفسه في النار ... لو حصلك حاجة يا زيدان هقتلك
ضحك الأخير عاليا حقا خالد وكلماته الحانية التي لا مثيل لها ... في اللحظة التالية جذب خالد زيدان اليه يعانقه بقوة يربت علي ظهره برفق تنهد يهمس قلقا:
- خلي بالك علي نفسك يا ابني ... يلا عشان ما تتأخرش
ابتسم زيدان مرة أخري في هدوء ... رفع يده يؤدي التحية لخالد ... قبل أن يخرج من الغرفة ... توجه مباشرة ناحية لينا جلس جوارها علي الأريكة مد يده أمسك كف يدها يقبله ... نظرت هي في عينيه تلك النظرة تعرفها انقبض قلبها خوفا تصيح فيه :
- إنت طالع عملية صح
حرك رأسه إيجابا لينقبض قلب تلك الجالسة هناك خوفا ... رأت المشهد عشرات المرات بكاء والدتها حين تعلم أنه سيذهب ... محاولاته الفاشلة لتهدئتها .... ولكنها في السابق لم تكن حقا تهتم زيدان كان مشكلتها الكبري التي ترغب في التخلص منها ... أما الآن فتشعر بوخز قوي في تلك العضلة النابضة ... وهي تراه يقبل رأس والدتها توجه ناحية حسام يعانقه بقوة ... لما تشعر به يودعهم دون عودة !! .... هدر نابضها بعنف حين اقترب منها مد يده ناحيتها يود مصافحتها رفعت وجهها تنظر لعينيه مدت يدها تضعها داخل كفه تهمس له بصوت خفيض قلق :
- خلي بالك من نفسك
ابتسم دون كلام ... يحرك رأسه بالإيجاب ... الي باب المنزل توجه ... لتسمع صوت والدها يصيح باسمه من نبرة صوت والدها شعرت حقا بالذعر خاصة حين عانقه والدها بقوة يوصيه جيدا .... ورحل ... زيارة قصيرة ورحل بعدها ... نظرت لوالدها في تلك اللحظة لتري تشتت حدقتيه لما تشعر به قلق خائف منذ متي ووالدها يقلق لتلك الدرجة ويبدو أنها ليست الوحيدة التي لاحظت فقد هدر صوت والدتها يبادر قبلا :
- مالك يا خالد ... أول مرة أحس أنك قلقان كدة ... دايما كنت بتتريق عليا وتقولي هيرجع بطلي عياط دا زي القط بسبع أرواح
نظرت سريعا لوالدها تنتظر إجابته علي أحر من الجمر عله يطمأنها ولكن ما حدث أصاب الجميع بالفزع ... فجاءة صاح خالد عاليا :
- عشان المرة دي مش زي كل مرة .... المرة دي الموضوع كبير ... ادعي بس انه يرجع حتي لو متصاب
وقع كلامه علي الجميع وقع الصدمة ... هدر قلبها خوفا ... هل يمكن الا يعد حقا ؟!!!!
___________________
مر شهر لا أحد يعرف حتي كيف مر ... الايام متشابهة بشكل مخيف وتيرة الحزن والقلق والخوف تسيطر علي الجميع ... في خلال ذلك الشهر ... الجميع كان حرفيا يغرق نفسه في العمل في الدراسة في اي شئ كان يجعل الوقت يمر دون تفكير ... ادت لينا اختباراتها الفائتة بسبب مرضها ... وعادت تستذكر السنة الجديدة ... حسام لم يعد حتي يبتسم عينيه دائما شاردة يخشي بين لحظة واخري أن يأتي خبر لن يتحمله قلبه ابداا ... في الجامعة يقوم بإعطاء محاضراته ويغادر في صمت مخيف ... حتي سارة لم يعد يتحدث إليها .... خالد سيجن جميع الاتصالات بينه وبين فريق زيدان انقطعت لا يعرف حتي أين هم ... يحاول جاهدا الوصول لأي معلومة طفيفة ليطمأن عليه لينا زوجته لا تتوقف عن الدعاء له في كل ... شهر مر ثقيلا علي الجميع ...أيام تجذب أيام .... ربما يحدث شئ سعيد فيها ولما لا
_________________
في مستشفي الحياة ... تحرك حسام من غرفة مكتبه إلي حضانة الأطفال بصحبة طبيب الأطفال المختص بحالة الصغير أحمد طفل سهيلة وجاسر .... بعد فحص دقيق من الطبيب اخيرا سمح للطفل بالخروج من « الحضانة » ... حمل حسام الصغير بين يديه ينظر لوجنتيه الحمراء يبتسم رغم قلبه الحزين الخائف .. نظر لجاسر الذي يقف خارجا ليراه ينظر للصغير في لهفة ... تحرك حسام يحمل الصغير إلي خارج الغرفة اقترب منه يعطيه له بحذر يرسم ابتسامة زائفة علي شفتيه يردف :
- اتفضل يا سيدي جبتلك ابنك اهو مش ناوي تسميه حسام بقي
أدمعت عيني جاسر حين حمل الصغير بين يديه يستشعر به طفله قطعه صغيرة منه لا يصدق أنه يحمله ... بعد صبر طويل ها هو بين أحضانه ... شعور لذيذ يدغدغ جسده يرجف خلاياه ضم الصغير لاحضانه برفق شديد .... انهمرت دموع عينيه رفع وجهه لحسام يحادثه ممتنا :
- أنا مش عارف اشكرك ازاي يا حسام ... بجد شكرا
ابتسم الأخير أو زيف ابتسامة ... توجه جاسر إلي غرفة سهيلة بالطبع ستكون نائمة في ذلك الوقت .... فتح باب الغرفة بهدوء يتبعه حسام يحمل فراش صغير للطفل وضعه جوار فراش سهيلة بحذر ليضع جاسر الطفل في فراشه ينسحبان من الغرفة في هدوء تام يغلق جاسر الباب خلفه .... نظر حسام لجاسر يتمتم ساخرا :
- دقني اهي هتفتحها مناحة ... أنت متجوز انثي البومة ... هي ولينا ما يفرقوش عن بعض حاجة
ضحك جاسر عاليا كور قبضة يصدم حسام في ذراعه يردف ساخرا :
- مالكش دعوة يا حقود إنت ... المهم ما تنساش بكرة بليل مستنيكوا
ابتسم حسام يحرك رأسه بالإيجاب قبل أن يستأذن ويغادر غدا مساءا حفل خاص بمناسبة خروج الصغير من الحضانة اخيرا وعودتهم للبيت ... اختفت الابتسامة من علي شفتيه يتنهد قلقا يدعو في قلبه أن يعود زيدان سالما فقط سالما
علي صعيد آخر في غرفة سهيلة كانت تغط في النوم بعد أن قضت الليل بأكمله تنظر لصغيرها من خارج غرفة الحضانة تتلمس الزجاج بيديها تبكي رغما عنها ... يهدئ قلبها حين تعلم أنه قريبا سيصبح بين ذراعيه تناهي الي اسماعها صوت بكاء طفل رضيع ... ظنته حلما فهي دائما ما تحلم به وسيختفي حين تفتح عينيها ... ولكن الصوت لم يختفي فتحت مقلتيها تنظر لسقف الحجرة بالطبع حلم توسعت عينيها في دهشة حين استمعت إلي الصوت من جديد ليس حلما حقا ... التفتت برأسها ناحية مصدر الصوت لتجد فراش لطفل صغير يجاور فراشها ماذا كيف يحدث ذلك ... قامت سريعا تهرول ناحيته لتشهق بعنف وضعت يدها علي فمها تنساب دموعها في لحظة تنظر لطفلها لا تصدق أنه هنا تراه أمام عينيها ... مدت يديها المرتجفة تحمله برفق من فراشه تتأكد من انها لا تحلم تاوهت بعنف حين ضمته لاحضانه شهقت في البكاء حين شعرت أن ساقيها لم تعد لها القدرة علي حملها توجهت سريعا صوب الفراش جلست عليه تضم الصغير لصدرها تبكي بعنف تحادثه وكأنه حقا سيفهما :
- ابني ... يا حبيبي ... أنا مش مصدقة أن أنا اخيرا وخداك في حضني ... كنت هموت وأنا واقفة بعيد مش عارفة امد إيدي اخدك في حضني ... الحمد لله يا رب الحمد لله
ابعدت الصغير عنها تنظر له تبكي بلا توقف ... لتسمع صوت جاسر يغمغم ضاحكا :
- حسام كان عنده حق لما قالي هتقلبها مناحة
لم تلتفت لما قال بل رفعت رأسها له تنقل انظارها بينه وبين طفلها الصغير تغمغم بتلهف :
- أحمد يا جاسر ... أحمد اهو ... أحمد في حضني
اقترب جاسر منها جلس جوارها يلف ذراعيه حول كتفها يقربها من صدره ابتسم حين نظر للصغير ليرفع وجهها ينظر لسهيلة قبل جبينها يهمس لها بحنو :
- وانتوا الاتنين في حضني ربنا يخليكوا ليا وما يحرمني منكوا ابداا
___________________
في الجامعة وصل حسام بعد الموعد المقرر للمحاضرة بعشر دقائق تقريبا توجه سريعا إلي مقر غرفة المحاضرات الخاصة بمادته دخل لتهدئ الضوضاء السائدة بين الطلاب .... وضع حقيبته علي المكتب دون كلمة واحدة يخرج جهاز الحاسب الخاص به .... توجه إلي اللوح يخط عليه بالقلم العريض عنوان محاضراتهم الجميع من تغير استاذهم المفاجئ ... بدأ حسام في الشرح دون كلمة واحدة يحاول إشعال عقله القلق ... يتحرك هنا وهناك تتابعه عيني سارة القلقة ما به حسام ... يأتي بعد موعد المحاضرة يغادر قبل الجميع ماذا حدث لما يبدو وجهه شاحب عينيه منطفاءة لم يعد حتي يبتسم ... انتهت المحاضرة سريعا .... بدأ الطلاب في الرحيل في حين لم يفعل هو ذلك بل توجه إلي مقعده الخاص جلس عليه يخفي وجهه بين راحتيه ... ظلت هي تجلس في مكانها تراقب الطلاب إلي أن خرجوا جميعا من الغرفة قامت تتحرك ناحيته وقفت أمام مكتبه تنظر له للحظات همست تسأله متوترة :
- إنت كويس
رفع وجهه لها ينظر لعينيها كطفل صغير مشتت خائف ... حرك رأسه بالنفي تنهد بحرقة يخرج أنفاسه المثقلة التي تقتله خوفا يهمس لها بحرقة :
- لا ... أنا خايف اوي علي زيدان ... لو حصله حاجة .. بعد الشر ... يا رب لاء ... دا صاحبي واخويا وأبويا لو حصله حاجة أنا مش قادر حتي أتخيل ...
أدمعت عينيها تستمع إلي نبرة صوته الحزينة تشتت حدقتيه ... انقباض كفيه ... تقسم أنه علي وشك أن يبكي ... حاولت التخفيف عنه ولو ببضع كلمات فهمست له :
- هيبقي كويس صدقني ... أنت بس ادعيله وما تفكرش في الحاجات الوحشة دي
ارتسمت شبح ابتسامة باهتة للغاية علي شفتيه يحرك رأسه بالإيجاب ... لترتسم لطفية رقيقة للغاية علي شفتيها تغمغم في خفوت خجول :
- علي فكرة عمو خالد عازمنا بكرة عندكوا علي الغدا ... جاسر كان كلم بابا عشان حفلة خروج أحمد من المستشفي ... فعمو خالد كلم بابا بعده وعزمنا علي الغدا وبعدين نروح كلنا الحفلة
خبر سعيد لم يدخل سوي شعاع فرح صغير علي قلبه الملكوم .... قام من مكانه يحمل حقيبته علي كتفه اشار لها تتقدمه يحدثها مبتسما :
- تعالي اوصلك
توردت وجنتيها خجلا تحرك رأسها نفيا بعنف نظرت أرضا تهمس بصوت خفيض مرتبك :
- لاء ما ينفعش ... لو حد شافنا هيفهمنا غلط .. وبعدين بابا قالي ما اركبش معاك العربية عشان أنت قليل الأدب
توسعت عينيه في دهشة يرفع حاجبيه مستنكرا من أين جاء عمه العزيز بتلك المعلومة الكاذبة فقط يعود زيدان ويطمأن عليه وسيريه كم هو قليل الحياء ... رفعت سارة رأسها تبتسم له في رقة لطيفة قبل أن ترفع كفها تلوح له وداعا توجهت إلي سيارة والدها في حين وقف حسام يراقبها بعينيه الي أن غادرت السيارة ليعقد جبينه يغمغم في نفسه حانقا :
- بقي أنا قليل الأدب ... ورحمة أمي لوريك يا عمي حسام قليل الأدب ... يارب ترجع بالسلامة يا زيدان ...
توجه إلي سيارته يعود سريعا إلي منزل والده ربما يكن زيدان قد عاد
________________
علي الأريكة في غرفة المعيشة تجلس أمامها الطاولة الصغيرة تضع عليها عدة كتب وحاسبها المحمول ... هل تذاكر لا بالطبع تختلس النظرات إلي باب المنزل ... قلقة عليه بشكل يثير غيظها من نفسها ... لما تأخر كل ذلك الوقت بما لم يعد إلي الآن .. هل تري أصابه مكروه تتمني الا يحدث ذلك ... زفرت حانقة توجه انظارها للكتاب أمامها ستذاكر ... وربما لا صدح صوت والدتها تناديهم :
- يا لينا يا خالد يلا الغدا جاهز هو حسام فين .... حد يكلمه
التقطت هاتفها للاتصال له لتجده يدخل من باب المنزل القي حقيبته علي اقرب مقعد نظرت لينا تتمتم ساخرة :
- كويس أنك جيت كنت لسه هضيع رصيدي عليك
رمقها حسام بنظرات مشمئزة قبل أن يتوجه صوب غرفة الطعام يحادثها :
- معفنة بقي هنعمل إيه
التف اربعتهم حول الطاولة ... نظرت لينا لخالد تسأله قلقة :
- ما فيش اي معلومات عن زيدان
تنهد الأخير قلقا يحرك رأسه نفيا ... هو يملك كافة المعلومات تم القبض علي العصابة المسلحة وضبط كافة الأسلحة والمواد المخدرة سقوط سبع شهداء من عناصر الشرطة .... ستة منهم يعلم هويتهم والسابع هويته مجهولة له ... وما يزيد القلق في قلبه ... إنه لا يعرف حتي أين زيدان ... تنهد بحرقة يمسح وجهه بكف يده ... يهمس في قلبه راجيا :
- يارب ما يكونش هو السابع ... يارب رجعه بالسلامة
- صحيح أحمد ابن سهيلة وجاسر خرج النهاردة من الحضانة بس هيخرجوا بكرة من المستشفى
غمغم بها حسام بنبرة هادئة عله يخفف من خدة التوتر السائدة ليبتسم الجميع سعيدا خبر جيد في خضم ما يحدث ...
عطره !! .... لما تشم رائحة عطره ... ربما فقط يهئ لها ... ليس من المنطقي أن تشتم رائحة عطره ابداا ... خيال هو فقط خيال ... خيال ... خيال يتحدث !!!
علي حين غرة سمعت صوته هو يغمغم بنبرة مرح عابثة :
- ما فيش حمد لله علي السلامة يا زيزو ولا إيه
صرخت لينا زوجة خالد باسمه في سعادة تهرول ناحيته تضمه الي أحضانها بقوة تبكي بلا توقف في حين توسعت ابتسامة زيدان يضم والدته لاحضانه ... قام خالد خلفها يجذبها بعيدا عنه يحادثها حانقا :
- والله اقتله
ضحكت لينا بقوة رفعت يديها تمسح دموعها المنسكبة من مقلتيها تنظر لصغيرها في سعادة اخيرا عاد ... في حين اندفع حسام كالسهم يعانقه بقوة يصيح كالمجانين :
- زيزو يا زيزو يا زيزو .... أخيرا يا أخي حرام عليك وقعت قلبي كنت هموت من الخوف عليك ربنا ياخدك
ضحك زيدان عاليا يعانق صديقه بقوة كم اشتاق لذلك الابلة .... ابتعد عنه بعد عناق حاد ... يبحث عنها بعينيه ليراها تجلس هناك رأت ابتسامة عينيها الجميلة شعر بالسعادة تطفو في حدقتيها ... احقا هي سعيدة بعودته ... التفت برأسه ناحية خالد ليبتسم له يغمغم في هدوء :
- كنت واثق أنك هترجع ... حمد لله علي سلامتك
لحظات من الصمت ليفتح خالد ذراعيه أقترب زيدان يرتمي بين أحضان أبيه شدد خالد علي عناقه يصدمه علي رأسه بقوة تنهد يهمس بارتياح :
- حرام عليك يا اخي وقعت قلبي ... دا أنا هنقلك مكافحة الآداب بعد اللي حصل دا
ضحك الجميع ... لتجذب لينا زيدان من بين أحضان خالد تجلسه في المنتصف بينها وبين لينا الاخري تملئ صحنه بالطعام تغمغم بتلهف :
- إنت اكيد واقع من الجوع الحمد لله يا رب أنك رجعت بالسلامة ... أنا مش عايزة الطبق بس يخلص أنا عايزة الترابيزة كلها تخلص ...
حمل حسام طبقه بين أحضانه ينظر لهم حانقا يغمغم في غيظ طفولي :
- اللي هيجي جنب طبقي هعوره ...
تعالت ضحكات الجميع وبدأ حسام في المشاغبة من جديد يبدو أن بعودة صديقه عاد هو للحياة من جديد
في حين التفت زيدان للينا الجالسة جواره تواصل بصري قصير بينهما كان اكفي من ألف حوار لم ينطقه اللسان ارتسمت ابتسامة صغيرة علي شفتيها تهمس له :
- حمد لله علي السلامة
ابتسم هو الآخر يهمس في خفوت :
- الله يسلمك .. شكرا
ساعات قضوها حسام لم يتواني عن رسم الضحكات علي شفاه الجميع لينا تصر علي إطعام زيدان كل أصناف الطعام في المنزل ... حين حل الليل صعد الجميع الي غرفهم .... توجهت هي إلي غرفتها تخرج إلي الشرفة وقفت فيها تبتسم رغما عنها شردت عينيها في الفراغ ... البيت الكئيب الصامت امتلئ بالضحكات فقط لعودته ... حسام الذي لم يتوقف عن الضحك ... والديها وكأن الحياة عادت لهما ... بعودته ... زيدان لم يكن فقط ابن صديق خالد الذي تربي معهم منذ أن كان طفلا بل هو جزء من كيان كل فرد ... حتي هي ؟!! ... هل هو جزء من كيانها هي الاخري ... ربما نعم وربما لا التفتت برأسها ناحية شرفة غرفته التي صارت بعيدة عنها لتراه يقف فيها ... ينظر ناحيتها !!! ... توترت حدقتيها ... تقبض علي سور شرفتها تذكرت كلمات قاسم في تلك اللحظة يحتاجون الي مصارحة أخيرة ... تهربت مقلتيها عدة لحظات قبل أن تعود إليه تحادثه بصوت هادئ فالجو هادئ في ذلك الوقت علي اي حال :
- زيدان أنا عايزة اتكلم معاك ... بس مش هنا ... اي مكان برة الفيلا ...
عقد جبينه للحظات قبل ان يومئ رأسه بالإيجاب يتمتم في هدوء :
- هستناكي في العربية !!
يجلس في سيارته يدق بأصابعه علي أطراف المقود ينتظرها في ظلام الليل ... عقله يفكر فيما تريده أن تتحدث معه ... الشهر المنصرم كان الأصعب في حياته ..... بحياته لم يخض عملية بتلك الصعوبة يحمد الله أنها مرت اخيرا علي خير ... غدا سيذهب لرؤية والدته .... لحظات أخري ورأها تخرج من باب المنزل تتوجه ناحيته تنهد بحرقة يتأوه في نفسه كيف يمكن أن تكون بكل ذلك الجمال ... ام هي فقط سحرت عينيه ليراها أجمل نساء الارض ... تنهد يمسح وجهه بكف يده حين اقتربت تمشي بخيلاء خطي ناعمة واثقة ... ابتلع لعابه الجاف دقاته تهدر بعنف ... مدت يدها تفتح باب السيارة الآخر جلست جواره تغلق الباب ... ظلت صامتة للحظات قبل أن تلتفت له رسمت ابتسامة صغيرة علي شفتيها تردف في هدوء :
- ممكن نروح اي مكان هادي يكون مريح للأعصاب
قطب ما بين حاجبيه للحظات قبل أن يحرك رأسه بالإيجاب دون أن ينطق بحرف ادار محرك السيارة ... يخرج بها من المنزل ... فتح له الحراس البوابة رغم تعجبهم مما يروا توا ... تحركت السيارة تخرج من تلك الأحياء الراقية تبتعد اكثر فأكثر فأكثر ... هو وهي والصمت يحلق بينهما لا كلام حتي الأنفاس خاقتة ... الدقات فقط هنا هي الصاخبة الهادرة ... تفرك يديها متوترة تستجمع شتات نفسها حان وقت مصارحتهم الأخيرة ... بعدها أما ستضع نقطة النهاية في علاقتهم الغريبة تلك ... او او الكلمة البداية في ورقة بيضاء جديدة في دفتر لم تمسسه يد .... انتبهت حين توقفت السيارة عند ضفاف النيل في منطقة فارغة تماما من البشر ... تقسم أنها فارغة من الحياة وبجوارها يجري نبع الحياة ... التفتت له حين سمعته يغمغم في هدوء :
- وصلنا
حركت رأسها بالإيجاب نسيم الهواء التي لفح جسدها تستشعر به كبلسم عذب يتخلل لروحها جعلها تخلع سترتها تضعها في السيارة لتبقي بقميص أبيض اللون ذو أكمام طويلة وسروال أسود ... نزلت من السيارة ليلحق بها ... توجهت ناحية مياة النيل وقفت أمامها تبتسم في هدوء نسمات الهواء تداعب خصلات شعرها بحنو ... اغمضت عينيها تتنفس بعنف تستعد للقادم ... .لحظات طويلة ودخلت في حالة لطيفة من الاسترخاء حتي نسيت لما هي هنا من الأساس ... اجفلت تفتح عينيها حين سمعت صوته يتمتم من خلفها :
- قولتلي عايزة تتكلمي في حاجة ... ايه هي ... زي ما انتي شايفة الوقت متأخر وخالي هيقلق عليكي
التفتت له بجسدها تنظر لعينيه مباشرة تصوب حدقتيها نحو مقلتيه ... كم بدت زرقاء عينيه لامعة وهي تتلألأ تحت ضوء القمر ... تنفست بعمق تردف في خفوت حزين :
- مين اللي وصلنا لهنا
رفع حاجبه الأيسر مستهجنا المعني الخفي في جملتها أحقا لا تعلم من أوصلهم لتلك النقطة ...أم أنها فقط تكابر ولا تريد الاعتراف .. صدقا من اوصلهم لتلك النقطة هي أم هو أم كلاهما معا كانا ضحية لشيطان خرج من الجحيم ... ظل ينظر لوجهها دون رد للحظات طويلة قبل أن يبتسم يدس يديه في جيبي سرواله يغمغم ساخرا :
- مش عارف تفتكري انتي مين ... أنا ولا أنتي
رفعت يديها تزيح خصلاتها الثائرة بفعل الهواء خلف اذنيها ارتسمت ابتسامة ساخرة علي شفتيها تغمغم بانفعال طفيف :
- وليه ما تقولش احنا الاتنين سوا ... أنت بعندك ومكابرتك
توسعت عينيه في ذهول قاطعها قبل أن تكمل يصيح منفعلا :
- عندي أنا ؟!!! .... أنا حرفيا ما بكنتش بعمل حاجة في حياتي غير أني بجري وراكي كل اللي أنا عايزه بس هو حبك ... لكن أنتي ما حبتنيش يا لينا ... انتي ما صدقتي تخلصي مني جريتي اتجوزتي غيري
حسنا يبدو أن الهدوء لن ينفع مع ذلك القطار المشتعل امامها أحمر وجهها من الغضب ليعلو صوتها هي الأخري تصيح فيه :
- أنا كنت بخااف منك افهم دا ... هو عيشني سنين في وهم أنك أنت اللي حاولت تأذيني ... كل ما كنت بكبر وبفهم اكتر إنت كنت هتعمل فيا وأنا صغيرة كنت بكرهك ما كنتش اعرف أن دا مش أنت ... أنا كنت طفلة صغيرة
صمتت للحظات تلتقط أنفاسها المسلوبة من أثر صياحها الحاد ... تحركت ناحيته خطوة واحدة تحرك يديها بانفعال حين اردفت تصيح فيه بحرقة :
- كنت بترعب لما بشوفك ... وما حدش مصدق أنك حاولت تأذيني ... معاذ او نائل أو الشيطان دا عرف يضحك علي مشاعري لما دخلت الجامعة ... عرف يطمني في الوقت اللي كلكوا عايزيني فيه مبسوطة من وجهة نظركوا انتوا ... أنا ما حبتوش ... أنا حبيت إحساس الأمان اللي كنت بدور عليه ومش لاقيااااه ... اتخطبنا واتجوزنا ...
صمتت مرة أخري تلهث بعنف بينما هو صامت واجم يستمع فقط إلي ما تقول لترتسم ابتسامة كسيرة ذبيحة علي شفتيها تهمس :
- لما كنت بتحضني او ايدك بتبطبط علي رأسي لما ايدك كان بتلمسني كنت بحس إن في حاجة غلط مش دي نفس الايد اللي كانت عايزة تغتصبني ...كنت في حيرة ودوامة مش عارفة اخرج بحاول وبحاول وبحاول ... وكانت أكتر لحظة مخيفة في حياتي لما حسيت أن قلبي دق ليك ... قلبي بدأ يحبك غصب عني ... رغم كل الصراع اللي كنت فيه ... الا أني حبيتك ... حبيت طيبتك وحنيتك حبيت معاملتك ... حسيت بالأمان والحب رسمت أحلام كتير اوووي حلوة بينا ... تخيلت حياتنا بيتنا تخيلت حاجات كتييير حلوة ... كل دا اتدمر اتهد باللي أنت عملته فيا
هاجت مشاعره منذ بداية اعترافها له بحبها ومشاعره كاعصار هائج تتخبط داخل قلبه تصدم جدران صدره بعنف عله يحررها وتذهب إليها فقط تتطوقها إلي الأبد ولكن مع جملتها الأخيرة هاج اعصار غضبه يشعل عروق جسده يصيح محتدا :
- كانت لعبة وانتي عارفة كدة كويس ... ما كنتش عارف ولا حاسس أنا بعمل ايه ... تفتكري أنا ممكن اعمل كدة لييه ... ليه ادمر حبي ليكي بعد ما وصلت ليه أخيرا ... قولتلك بدل المرة ألف ما كنتش في وعي
- بس أنا كنت
صرخت بها بأعلي ما تملك من جهد صرختها اسكتته رفعت تدق علي قلبها بعنف انسابت دموعها تصيح بحرقة :
- أنا كنت يا زيدان ... أنا اللي رجعت تاني لنفس خوف الطفلة الصغيرة اللي مستنية حد يجي ينقذها ... المرة دي ما حدش جه !!
المرة دي الجرح كان أضعاف ... كنت ببصلك وأنا مش مصدقة زيدان ما يأذنيش زيدان ما يعملش فيا كدة ... قهرت قلبي ... وجعت روحي ... وطلعت أنت بردوا المظلوم عشان ما كنتش في وعيك
اقترب منها في تلك اللحظة امسك بذراعيها بين كفيه يهزها بعنف يصرخ بحرقة :
- وذليت نفسي ليكي بدل المرة ألف قولتلك شوفي ايه يرضيكي عشان تسامحيني وأنا اعمله استحملت كل كلامك عشان عارف وحاسس بوجعك ... بس انتي ما اكتفتيش بدا يا لينا ... ما حستيش أنك وجعتيني كفاية قررتي تدوسي علي كرامتي ورجولتي وانتي تعرفي اللي اسمه معاذ ولا نائل وبتخرجي معاه وبتدافعي عنه في كل كلمة
نزعت نفسها من بين ذراعيه بعنف عادت خطوتين للخلف اشهرت سبابتها أمام وجهه اشتعلت دماء غضبها تصرخ بها :
- إنت مالكش اي حق تحاسبني علي دا .... بعد كل اللي عملته ... أنا عارفة اني كنت بوجعك بكلامي بس كنت عايزة اخد حقي منك ... أنت بقي عملت ايه زيدااان باشا الحديدي اللي كل ساعة بحال شوية سامحيني وشوية هطلبك في بيت الطاعة ... وهاخد ابني منك وهسيبك متعلقة ... أنت اللي رمتني بايديك ليه ... كنت محتاجة حد يقولي انتي ضحية انتي مظلومة انتي صح ... بابا وماما حتي حسام ... كله بيواسي فيا وشايفك أنت المظلوم ... وأنا المفروض ارجعلك لانك اتظلمت .... أنت ما صدقت طلقتني وفجاءة لقيت معاك البت الملزقة اللي اسمها أنجليكا
صمتت تنظر له تري ردة فعله علي ما قالت فما كان منه إلا أن ضحك ... تلك الضحكة المشبعة بالسخرية المريرة اقترب منها أكثر وأكثر حتي بات لا يفصلهم فاصلة تسمح حتي بمرور الهواء لفحت أنفاسه المستعرة وجهها حين اردف يقول منفعلا :
- أنجليكا ... أنا عمري ما كان بيني وبين أنجليكا اي مشاعر ... دايما كنت بقول دي ضيفة .... متضايقة من وجود أنجليكا عارفة شعور كان ايه لما عرفت أنك اتجوزتي
رفعت وجهها تنظر لعينيه لتري رياح عاصفة هوجاء من الألم تكتسح حدقتيه الحمراء رفع يده يشير إلي مياه النيل خلفها يصرخ فيها :
- نار مولعة في جسمي كله في سيخ حديد في قلبي بيحرق مش عارف اخرجه ... عقلي هيشت مش قادر يستوعب أنك خلاص ما بقاش ينفع تكوني من حقي ... أنك دلوقتي في حضن واحد غيري ... جيت هنا فضلت رامي نفسي في الماية ساعات ... فضلت اصرخ زي المجنون ... مش عارف اعمل ايه متقيد بنار بتحرق قلبي ... ما بقاش ليا اي حق اني اروح اجيبك من بيته هو جوزك
انهمرت دموع مقلتيها بعنف تحرك رأسها نفيا بعنف في كلا الجانبين ... ارتفعت شهقاتها تهمس بحرقة :
- كنت مستنياك فضلت مستنياك ... مستنية اللحظة اللي هتيجي فيها وتمنع الجوازة دي ... بس ما جتش يا زيدان ... لما روحت معاه كنت بدور عليك مستنية الاقيك جاي تاخدني ... أنا عيشت مع مجنون مريض بيديني حبوب هلوسة عشان اشوف حاجات ما حصلتش ... كل اللي كان بيعمله دا عشان ينتقم من بابا .. وأنا اللي دفعت التمن ...
بعد تلك العاصفة العنيفة التي لفت المكان هدأ الثري وتوقفت الصرخات وعم الهدوء المكان هدوء لا يسمع فيه سوي صوت الأنفاس العالية ... دموعها تسيل في صمت حدقتيها تتفادئ النظر لعينيه كم تكره رؤيته لها بذلك الضعف ... رفعت يدها سريعا تمسح دموعها تنتظر ردة فعله بعد تلك المصارحة العنيفة ... لكنه ظل صامتا للحظات طويلة قبل أن يهمس باختناق :
- مش انتي لوحدك اللي دفعتي التمن يا لينا ... يلا نروح
هكذا فقط يريدهما ان يعودا بتلك البساطة بعد كل ما قيل منهما ... نظرت له محتدة تشعر بنيران تشتعل بين اوردتها التفتت توجه انظارها لمياه النيل ... دون سابق إنذار اندفعت إليها تهرول لداخل المياة توسعت عينيه فزعا ليهرول خلفها يحاول اللحاق بها يصيح فيها :
- انتي رايحة فين يا مجنونة لينا استني هتغرقي
سمعها تصيح حانقة تندفع للداخل حتي لا يلحق
بها :
- مالكش دعوة بيا ... خلاص كل اللي بينا خلص
تنهد حانقا من تلك الحمقاء مد يديه يحاول الامساك بتلابيب ملابسها من الخلف قبض عليها ليجذبها إليه توسعت عينيه فزعا تزامنا مع صدور صرخة لينا الفزعة ما لم يكن يتوقعه تماما أن ذلك القميص الذي ترتديه قماشه يتمزق بتلك البساطة بين يديه ام هو من جذبها بعنف زائد .... مد يده مرة اخري يمسك بذراعها يجذبها منه ليمتزق ذراع القميص في يده بسهولة ليصيح فيها :
- انتي لابسه قميص مقطع يلا نخرج من الماية هتغرقي
نظرت له حانقة تتمسك بما بقي من قميصها اندفعت للداخل كانت تظن أن الأرض لا تزال تحت قدميها خطوة اخري وصرخت حين شعرت بالمياة تلفها من جميع الجوانب ... سب الأخير عنادها حانقا ليندفع خلفها حانقا وصل إليها ليلف ذراعه حولها يحاول أن يخرج جسدها الشبه يغرق من الماء نظر لها لاهثا يصيح فيها :
- بطلي بقي جنان هتغرقي
نظرت لوجهه بالكاد تراه من عتمة الليل تتنفس بعنف نظراتها إليه مزيج من الألم والأمل ... ابتعد عنها بفاصل بسيط يسمح له بخلع قميصه ليعطيه لها بعد أن تمزق قميصها ... مدت يده لها بالقميص ... مدت يدها تأخذ قيمصه المبتل من يده ما أن ارتدته ... شعرت بشئ يجذبها لأسفل في لمحة شهقت بعنف تشعر بأنفاسها تتلاشي في حين صرخ زيدان باسمها بالكاد أمسك بأصابع يدها قبل أن تختفي تماما تحت الماء يجذبها بعنف لم تمر سوي لحظات لما تغلق عينيها لما فقدت الوعي !!!!
بصعوبة سبح بها الي الخارج وضعها ارضا يربت علي وجنتها بعنف يغمغم متلهفا قلقا :
- لينا ... لينا فوقي يا لينا ... لينا ردي عليا
سعلت بعنف تخرج المياة من فمها اقترب برأسه منها ينظر لعينيها يغمغم بلهفة لم يستطع عناد قلبه إخفائها أبدا :
- لينا انتي كويسة ردي عليا يا حبيبتي ... لينا
فتحت عينيها قليلا كادت أن تبتسم في خبث فهي من نزلت بجسدها لتري ما سيفعل ... رسمت ابتسامة صغيرة علي شفتيها تبتسم في خمول تنهد هو بارتياح رغما عنه ابتسم هو الآخر لحظة فقط نسيا فيها الدنيا ابتسامة صافية من القلب ... قبل أن يسمعوا صوت حاد يتمتم بلغظة :
- ليلتكوا سودا ... في الشارع وقالع يا بجاحتك يا أخي
نظر زيدان خلفه سريعا ليري عسكري شرطة يقف خلفه وهناك علي مرمي بصره سيارة شرطة نزل منها الضابط ومعه ثلاث عساكر ... اقترب الضابط اكتر لتتضح ملامحه زفر زيدان حانقا يعود بانظاره الي لينا امسك بيدها لتقف ... وضعهما الآن لاي من كان سيقول انهما ماجنان خاصة وهو بدون قميص وهي ترتدي قميصه فوق ملابسها الممزقة ... وقفت لينا خلف زيدان تنظر لذلك الذي يقترب منهم ... وقف أمام زيدان ينظر له ساخرا قبل أن يضحك بسماجة :
- لالالا مش معقول زيدان باشا الحديدي يتمسك بوضع مخل في الطريق العام ... وجنب النيل يا راجل ... اخس
تنهد زيدان حانقا ينظر للرجل الواقف أمامه نظرات حانقة غاضبة ليصيح ساخرا :
- سيف السخيف عاش من شافك ... بقولك ايه سيف ما تعشيش في الدور دي مراتي
رفع ذلك الواقف حاجبيه في سخرية يتمتم دس يديه في جيبي سرواله يتمتم ساخرا :
- لا والله وهي لو مراتك هتيجي بيها هنا ليه .. بس تصدق المكان لطيف في حتة مقطوعة مداري فاضي ... يعني ولا من شاف ولا من دري
- سييف
صاح بها زيدان في حدة ليقترب منه كمش بيده علي تلابيب ملابس الواقف امامه ينظر لحدقتيه بشرر متطاير من عينيه يغمغم غاضبا :
- ما تزودهاش يا سيف إنت مش قدي لو ناسي افكرك لما كنت بكومك زي الشوال أيام الكلية
ارتسمت ابتسامة سمجة صفراء علي شفتي سيف ينظر لزيدان ساخرا مال برأسه علي إذن زيدان يغمغم متشفيا :
- دا كان زمان واحنا عيال في الكلية دلوقتي إنت مقبوض عليك بفعل فاضح والعساكر واحتراما بس للزمالة القديمة هسيبك تيجي ورايا القسم بعربيتك ومش هخليك تركب البوكس
ابتعد سيف عن زيدان ينظر لأحد العساكر يامره :
- معاه في العربية
وقف زيدان للحظات ينظر لسيف نظرات غاضبة يأكلها الشرر ... تنفس بعنف توجه ناحية لينا يقبض علي كف يدها يجذبه معه إلي سيارته ليتحرك أحد العساكر معهم فتح زيدان الباب الخلفي جلست لينا ليغلق عليها الباب .. جلس خلف المقود وجواره العسكري ... يتحرك بسيارته خلف سيارة الشرطة متجهين إلي قسم الشرطة ... نظرت لينا له في هلع ... كيف تنقلب الموازين في لحظة ... في حين التقط زيدان هاتفه من جيب سترته يتصل برقم حسام مرة تليها اخري واخري إلي أن سمع صوته الناعس يغمغم في خمول :
- ايوة في طلق ولا مجرد وجع بيروح ويجي
شتمه زيدان بغيظ يصيح فيه محتدا :
- طلق ايه يا متخلف اصحي كدة وفوقلي أنا ولينا مقبوض علينا ورايحين القسم
انتفض حسام من فراشه ينظر للهاتف في يده يتأكد من أن ما يحادثه زيدان وقعت عينيه علي ساعة الحائط ليردف مذهولا :
- إنت اتجننت يا زيدان أنت مش طلعت تنام قدامئ دي تخاريف الساعة 2 بليل
سمع شتيمة أخري من زيدان موجهة له ليسمعه بعدها يصيح غاضبا :
- مش وقت غبائك احنا طالعين علي قسم ( ....) اتصرف وهاتلي قسيمة الجواز القديمة وما تقولش لخالي
اغلق بعدها الخط في وجه زيدان نظر حسام للهاتف في ذهول ليخرج من الغرفة سريعا ربما يحلم او ما حدث مجرد تهيؤات ليس أكثر .. توجه سريعا إلي غرفة زيدان فتح بابها بعنف ... لتشخص عينيه في ذهول حين وجد غرفته فارغة ... ركض سريعا صوب غرفة شقيقته لا أحد ... إذا لم يكن يحلم ... أخذ طريقه يركض إلي غرفة والده يدق الباب بعنف يصيح فيه :
- يا بابا ... يا بابا ... افتح بسرعة
لحظات وظهر خالد من خلف الباب المغلق شعره مبعثر عينيه حمراء من أثر النوم قسمات وجهه تصرخ بغضبه نظر لحسام يصيح فيه :
- في ايه يا حيوان حد يهبب اللي أنت بتهببه دا بعد نص الليل
- زيدان كلمني وقالي أن هو مقبوض عليه هو ولينا ورايحين قسم ( .... ) أنا افتكرته حلم بس مالقتهمش في اوضهم .... صاح بها حسام بهلع بأحرف مبعثرة من القلق
شخصت عيني خالد في ذهول متزج بغضب اعمي ... ماذا يفعل زيدان بصحبة ابنته خارج البيت في تلك الساعة وأي قضية قد زجا نفسيهما فيها ليلقي القبض عليهما بعد منتصف الليل نظر لحسام يصيح متوعدا :
- عشر ثواني واللاقيك مستنيني في العربية تحت لحد ما أغير هدومي
حرك حسام رأسه بالإيجاب سريعا يركض صوب غرفته ليبدل ملابسه توسعت عينيه فزعا يتمتم مع نفسه :
- يا نهار ابيض دا قالي ما تقولش لخالي
_______________
في قسم الشرطة في غرفة الضابط المسؤول عن التحقيق جلست لينا علي أريكة بعيدة تضم سترتها تتدفئ بها بعد أن اعطت زيدان قميصه ... تنظر ناحية زيدان الذي يقف امام الضابط ... ليس ذلك الفتي الذي ألقي القبض عليهم ولكن رجل آخر يبدو أكبر سنا من زيدان حتي سمعته يقول لزيدان :
- يا زيدان باشا أنا بس عايزك تهدي ... وكل حاجة هتتحل احنا بس محتاجين القسيمة عشان ننهي المحضر ...
جلس زيدان علي المقعد المجاور للضابط يدعو في نفسه أن يأتي حسام في اسرع وقت ممكن ... دقائق طويلة مرت ما حدث حقا أشبه بفيلم لا يستوعبه عقل ... دقائق تجر أخري إلي أن سمعوا دقات علي باب الغرفة تنهد زيدان بارتياح اخيرا اتي حسام ... سمح الضابط للطارق بالدخول لينفتح المقبض ... ظهر من خلفه من جعل عيني لينا تشخص فزعا ... في حين تمتم زيدان في نفسه :
- روحنا في داهية أنا ما موتش في العملية هيدفني بالحيا
دخل خالد الي الغرفة توجه مباشرة إلي الضابط يصافحه بابتسامة صغيرة مقتضبة :
- خالد السويسي
ابتسم الضابط يصافحه بحرارة ...اشار له إلي المقعد يغمغم بترحاب حار :
- أهلا وسهلا يا باشا اتفضل استريح
جلس خالد علي المقعد المقابل لزيدان ينظر إليه يتفحصه بنظراته ملابسه المبتلة حدقتيه التي تتهرب من النظر اليه ساقه اليسري التي يحركها بعنف .... لف رأسه ناحية الضابط يسأله مبتسما :
- خير يا حضرة الظابط اقدر اعرف العيال دول مقبوض عليهم في ايه
تنحنح الضابط ينظر لزيدان قبل أن يوجه عينيه ناحية خالد حمحم يردف متوترا يشعر بالشفقة علي الشاب والفتاة :
- هو واضح أن الموضوع فيه سوء تفاهم ليس أكثر اا...
قاطعه خالد قبل أن يكمل يسأله بنبرة حادة جازمة :
- أنا بسأل حضرتك هما مقبوض عليهم في ايه ... ايه نوع القضية اللي جايين فيها
ابتلع الضابط لعابه مرتبكا اختطف للفتاة الجالسة بعيدا نظرات حزينة مشفقة تنهد يهمس :
- هو يعني في ظابط اسمه سيف شغال معانا هنا بيقول يعني أنه شاف زيدان مع المدام بتاعته في وضع مش كويس في حتة مقطوعة
احتدت عيني خالد قتمت قسمات وجهه فارت دمائه تغلي في عروقه .... كور قبضته يشد عليها بعنف يشد علي أسنانه في تلك اللحظة تحديدا سيردي كلاهما صريعا برصاصتين فقط من مسدسه نظر للضابط الجالس يحادثه بشبح ابتسامة سوداء :
- ممكن تسيبني معاهم لوحدنا عشر دقايق !!!
صمت ... صمت مخيف ... ذلك الصمت الذي يسبق عاصفة هوجاء مباشرة ... لا يُسمع في الغرفة بأكملها سوي صوت الصمت ... خالد لا زال يجلس مكانه في هدوء تام لم يتحرك حركة واحدة لولا يده المنقبضة عروقه النافرة لظننت انه في أكثر حالاته استرخاءً ... تحركت عيني زيدان ناحية لينا ليراها تنظر إلي والدها في ارتباك واضح ... أي مبرر ستقوله له وهل سيصدقه من الأساس ... شهقت مرتجفة حين وقف والدها فجاءة نظر للحظات لزيدان الواقف أمامه قبل أن يلتفت إليها أشار له يعينه أن تتقدم ابتلعت لعابها تشعر بقدميها تهتز كالهلام ... والدها في الأساس عنيف ... وبعد ما سمعه الآن علي أقل تقدير سيسلخهم احياء دون أن تأخذه بهم لا رحمة ولا شفقة ... تقدمت بخطي مرتجفة تقف بعيدة عن زيدان تنظر لوالدها مرتبكة ... ستشرح له الأمر هي لم تخطئ الموضوع من بدايته خاطئ وهو يجب أن يعلم ... تنفست بعنف تلتقط أنفاسها المسلوبة تهمس بصوت خفيض متوتر :
- بابا صدقني الموضوع مش زي ما أنت فاهم ... في سوء تفاهم في الموضوع
ارتسمت ابتسامة قاتمة علي شفتي خالد يحرك رأسه بالنفي ببطئ ... ينقل حدقتيه بينهما ... نظراته أكثر سوداء من عتمة الليل .... شهقت فجاءة علي حين غرة حين دوي صوت صفعة عنيفة نزلت من يد والدها علي وجه زيدان ... ظل الأخير يقف في مكانه بثبات غريب ... وجهه يكاد يكون متوهج من تلك الصفعة ... فتحت فمها تريد أن تخبره أن ما يفعله غير صائب ولكنها صمتت تماما حين دوت صوت الصفعة من جديد تلك المرة علي وجهها هي !!
شعرت بألم بشع يطحن عظام فكها حرارة لاهبة تخرج من وجهها ...امتلئت حدقتيها بالدموع أحمر وجهها من الألم والغضب تصيح في والدها :
- حكمت وضربت من غير ما تسمع مننا كالعادة يا بابا ... أنا وهو ما عملناش حاجة غلط
ابتسم خالد في هدوء مخيف اقترب من ابنته وقف أمامه يدس يربت علي خدها الاخر يتمتم ساخرا :
- لا يا حبيبة بابا القلم اللي نزل علي وشك انتي والبيه عشان خرجتوا زي الحرامية من غير أذني ... أنا لو شاكك واحد في المية انكوا عملتوا حاجة غلط كنت ضربتكوا بالنار في وسط القسم
صمت للحظات قبل ان يزفر أنفاسه محتدا يصيح فيهم:
- اترزعوا وفهموني اللي حصل أنا علي ثانية وهنزل فيكوا ضرب انتوا الإتنين
ابتلعت لينا لعابها بارتجاف جلست علي المقعد المجاور لمقعد زيدان ... جلس زيدان جوارها وخالد أمامهم يرميهم بنظرات قاتلة حادة سوداء تكاد تقسم أن والدها علي وشك دفنهم أحياء بالكاد يمسك بزمام غضبه ... كاد زيدان أن يتحدث حين سبقيته لينا تتمتم في خفوت :
- دكتور قاسم قالي لازم نتكلم أنا وزيدان .... لازم كل واحد يخرج اللي في قلبه ... فطلبت من زيدان اننا نتكلم في اي مكان بعيد البيت ... بس دا اللي حصل
رفع خالد حاجبيه مستهجنا ما تقول ارتسمت ابتسامة ساخرة علي شفتيه يتمتم متهكما :
- بس دا اللي حصل اتقبض عليكوا عشان واقفين تتكلموا في الشارع ... كان زمان مصر كلها مقبوض عليها ...
تجنبت لينا النظر الي والدها تفرك يديها متوترة لتسمع صوت زيدان يتمتم في نبرة هادئة :
- خالي إنت عارف وواثق أن أنا مستحيل اخون امانتك صح ولا لاء ... اللي لينا قالته دا هو اللي حصل ... لينا في موجة انفعالها وأنا بنتكلم طلعت تجري ناحية الماية
لم يكن لديه حل آخر سوي أن يخبره بما حدث فعلا حتي وإن كان احتمال تصديق خالد لما سيقول ضعيفا ولكنها تبقي الحقيقة ... ما إن انهي زيدان قص ما حدث علي خالد ضحك الأخير ضحكة عالية فارغة من المرح ضحكة متهكمة ساخرة يردف بعدها مستهجنا :
- يعني أنت عايزني اصدق أنها طلعت تجري ناحية الماية وأنت وراها جيت تشدها هدومها اتقطعت في ايدك فروحت يديها قميصك وكانت هتغرق فجاءة لوحدها فروحت شايلها من الماية وخرجت بيها وحاولت تفوقها ... هوب دخل البوليس في آخر الفيلم وأنت بتحاول تفوقها ... قصة هايلة تنفع سيناريو لفيلم كوميدي
تنهد زيدان حانقا من سخرية خالد وعدم تصديقه لهم ... ذلك الأحمق حسام سيدق عنقه ما أن يراع ألم يخبره الا يقول لخاله ... ليتفاجئ به أمامهم دون سابق انذار ... صبرا يا أحمق سانزع رقبتك ... زفر زيدان بعنف من جديد يتمتم محتدا :
- والله دا اللي حصل ... أنا ما قربتش من بنتك ... لما لقيت الوضع هيتفهم غلط بسبب الزفت اللي اسمه سيف قولت لحسام يجيبلي قسيمة جوازي بلينا وكنت هحل الموضوع وخلاص
عاد خالد يستند بظهره الي ظهر المقعد يستند بمرفقه علي سطح الطاولة ... همهم في هدوء غاضب .... هو أكثر من يعرف أن زيدان لن يخون ثقته ولينا بالطبع لن تفعل .... ربما هي فرصة جديدة لهما دون تدخل منه ... زفر أنفاسه بعنف يمسح وجهه بكف يده يتمتم حانقا :
- ماشي هخليني ورا الكداب .. دلوقتي يا زيدان باشا ما فكرتش إن لما يتكشف علي قسيمة الجواز هيظهر أن بعدها قسيمة طلاق وقسيمة جواز تانية للهانم باسم واحد تاني ... وعلي ما نثبت أن الجواز التاني باطل هتكونوا لبستوا قضية زنا جنب القضية اللي جايين بيها والبيه هيتشال من الخدمة وسمعة العيلة هتبقي في الأرض ... عشان البهوات ما بيفكروش
عم الصمت المكان للحظات حاولت لينا اختلاس النظر ناحية زيدان تري ردة فعل علي ما يقول والدها لتراه هادئ متجهم قسمات وجهه تعبر عن غضبه الذي بالكاد يحبسه ... وقف والدها امامهم يردف بصوت حاد غاضب :
- سنين ورا سنين واسم عيلة السويسي ما ينفعش يبقي عليه غبار حتي ... يجي البهوات في لحظة يرموه في الأرض ... انتوا متخلين خبر زي دا لو اتعرف هيحصل ايه ...
ومرة أخري يعم الصمت لا أحد فيهم ينطق بحرف فقط صوت أنفاس والدها الغاضبة هي من تسمع في المكان بأكمله ... في اللحظة التالية أخرج خالد هاتفه من جيب سترته يطلب رقم ما ... وضعه علي اذنيها لتسمعه يحادث صديقه :
- ايوة يا محمد فاكر المأذون اللي قولتلي أنه معرفتك ... ايوة هو دا ... تجيبه وتيجي حالا علي العنوان اللي هبعتهولك ... لما تيجي هفهمك يا محمد ما تتأخرش
توسعت حدقتيها في ذهول مأذون هل سيعقد والدها قرانها علي زيدان من جديد وهنا في قسم الشرطة .... قبل أن تنطق بحرف خرج والدها من الغرفة ... التفت برأسها ناحية زيدان تنظر له في ذهول ... لتظل تعابير وجه الأخير غامضة تماما ..
في الخارج سأل خالد علي مكتب ذلك المدعو سيف دق الباب ودخل ليطالع مأمور القسم الذي كان يحادثه قبل قليل في المكتب بصحبة سيف ... طلب خالد من مأمور القسم بهدوء إن يحادث سيف بمفردهما لدقائق ... ما إن خرج الرجل توجه خالد بخطئ سريعة غاضبة ناحية سيف دون كلمة أخري كان يقبض علي تلابيب ملابسه بيمناه فقط احتدت عينيه يهمس له محتدا :
- زمان كنت بقول شباب بقي وبيهزورا وهزارهم رخم ... سيف وزيدان بيتخانقوا ضربوا بعض ... عملوا مشكلة .. كنت بقول طيش شباب ... انما ما توصلش يا سيف بيه ... أنك تجيب بنتي علي القسم .... بنت خالد السويسي ما تدخلش القسم في قضية ....لو لسانك طلع برة بوقك ونطق كلمة واحدة عن اللي حصل النهاردة هزعل أوي وأنا زعلي وحش اوي
حرك سيف رأسه بالإيجاب عدة مرات سريعا ليدفعه خالد بعيدا عنه يرميه بنظرة قاتلة قبل أن يخرج من الغرفة صافعا الباب خلفه ... توجه ناحية المأمور مباشرة تنهد يردف يأسا :
- اللي حصل من أوله لآخره سوء تفاهم ... لينا وزيدان في بينهم مشاكل بقالهم مدة وواضح أن المشاكل زادت اوي خلت لينا نزلت من عربية زيدان ناحية الماية ... زيدان كان بيحاول ينقذها ليس أكثر فاتفهم الوضع غلط ... بعد اللي حصل هما مصرين إصرار تام علي الطلاق أنا حتي بعت جبت المأذون هنا ... أنا بعتذر عن الإزعاج اللي حصل دا .. طيش بقي
ابتسم المأمور في توتر يغمغم سريعا :
- أنا كنت متأكد أن الموضوع فيه حاجة غلط ... ربنا يهديهم ويوفقم للأحسن ... واعتبر يا باشا ما فيش محضر اتعمل اصلا
ابتسم خالد ابتسامة صغيرة تحمل كل معاني الانتصار .... عاد ينظر للمأمور حمحم يردف في هدوء حزين باهت :
- أستأذنك معلش تسيبلي اوضة مكتبك لحد ما يمشي المأذون
وافق الرجل دون اعتراض بالطبع ...توجه خالد ناحية زيدان الذي ينظر له مذهولا تتمتم في دهشة ما أن رأي والده :
- بابا أنا مش فاهم حاجة ايه الكلام الغريب اللي حضرتك قولته للظابط دا
رفع خالد سبابته امام شفتيه يهمس في هدوء :
- هششش ..
______________
داخل غرفة المكتب تحركت لينا من مقعدها تجوب الغرفة ذهابا وإيابا تتنفس بعنف ما حدث قد حدث ... نزولها في المياة كان الخطي الوحيد الذي اتركبته ولكن ماذا تفعل مع ذلك القطب البارد الذي يجلس أمامها ... بعد مصارحة عنيفة كلهيب البركان يخبرها بهدوء كالثلج أن عليهم الذهاب ... توجهت تقف أمامه تهمس بصوت حاد مرتبك في الآن ذاته :
- إنت موافق علي اللي هيحصل دا
رفع وجهه لها ينظر لوجهها في صمت نظرات هادئة هل يخبرها بأن قلبه يصرخ فرحا وعقله يصرخ غضبا في الآن ذاته ... استند بمرفقيه الي فخذيه يغمغم في هدوء :
- عندك حل تاني ... لو ما كنتيش عندتي وجريتي علي الماية من الأول ما كناش وصلنا لهنا ... أنا مش هضحي لا بسمعة العيلة ولا اني اشوف خالي مكسور لو حصل فضيحة ولا بشغلي اللي بقالي سنين ببني فيه
لما لم يذكرها في حديثه لما لم يقل أنه لا زال يحبها يرغب بشدة أن يعودا كما كانا سابقا ... تنهدت بعنف تحرك رأسها رفعت رأسها قليلا تهمس بإيباء :
- أنا كمان مش هضحي بسمعة العيلة ... بسبب غلطة اتعملت من غير قصد ... لو كان علي جوازنا فاحنا ممكن الصبح نتطلق وكأن شيئا لم يكن
ابتسم في هدوء يحرك رأسه بالإيجاب ولسان حاله يتمتم ساخرا :
- في أحلامك الوردية !!
لم تمر سوي دقائق ودخل خالد ومعه محمد وحسام الذي رماه زيذان بنظرة قاتلة ما أن رآه يتوعد له والمأذون الذي لم يكن يرتدي لا ثوب ولا قفطان فقط قميص وسروال وحقيبة صغيرة بها دفتره الخاص ... جلس المأذون علي سطح أريكة بعيدة في الغرفة ليجلس خالد علي أحد جانبيه نظر لزيدان بعينيه لينتهد الأخير تحرك يجلس علي الاتجاه الآخر وضع يده في يد زيدان .... تحركت عيني زيدان ناحية لينا ينظر لها تلاقت أعينهم للحظات قبل أن يدير وجهه ناحية خالد والمأذون يردد خلف الرجل بهدوء ظاهر وقلبه يطرق طبول الحرب يتذكر قديما حين كان في موقف مشابة كانت سعادته حينها لا توصف ... كان يطير بين غيمات العشق فاخيرا بعد طول صراع فاز بقلبها باتت زوجته ... أما الآن لا ينكر كونه سعيد .. سعادة يشوبها ألم وخوف من القادم بعد كل ما مرا به ... بات يخشي السعادة ... خط توقيعه علي الورقة ليوقع محمد وحسام كشاهدين علي عقد القران ... تقدمت هي امسكت القلم تخط اسمها علي سطح الورقة في ارتجاف واضح تركت القلم تنظر له ها هي عادت من جديد ... ليست تلك الضعيفة التائهة ولا هو بات ذلك العاشق الولة ... كلاهما تغير
خرج محمد بصحبة المأذون اولا بعد أن هنئهم ... في حين ظل الأربعة في الغرفة كل منهم يغرق فب بوتقة الخاصة من التفكير ... تحرك خالد أولهم ناحية باب الغرفة نظر لهم يتمتم بكلمة واحدة :
- يلا
خرجوا جميعا من القسم بعد الثالثة ليلا ... كت تشعر بالتعب لا ترغب في تلك اللحظة سوي في فراشها تحط برأسها علي وسادتها وتهرب بعيدا ... تحركت ناحية سيارة والدها ما أن مرت من أمامه أمسك بذراعها نظرت له تقطب جبينها ليرفع هو حاجبيه يتمتم ساخرا :
- انتي رايحة فين .. علي جوزك يا حبيبتي مش عايز اشوف خلقتك لا انتي ولا هو تاني
شخصت عينيها في ذهول كانت تظنه يمزح ولكن تلك النظرة في عيني والدها لا تقول أنه يمزح ابداا ... والدها لا يريدها ... نظرت ناحية حسام في ذهول كأنه ترجوه بعينيها أن يفعل شيئا ليحمحم الأخير سريعا يحاول قول شئ ما :
- بابا ....
ولكنه لم يكمل رفع خالد كف يشير لحسام أن يصمت تماما .. تنحنح الأخير ينظر لشقيقته ... في حين تقدم زيدان في تلك اللحظة امسك بذراع لينا الآخر يجذبها من يد خالد وجه ابتسامة صفراء له يغمغم في هدوء :
- تصبح علي خير يا خالي
في اللحظة التالية كان يجذب لينا معه فتح باب سيارته يدخلها فيها ...جلس جوارها خلف المقود لم ينتظر لثانية أخري أدار محرك السيارة وغادر .... نظر حسام لوالده سريعا يعاتبه علي ما فعل يتمتم :
- ليه يا بابا ... كنت سيبها تيجي معانا
دلف خالد إلي سيارته يجلس علي المقعد المجاور للسائق تنهد حسام ياسا يجلس جواره .... ادار محرك السيارة قبل أن ينطلق بها سمع صوت والده يتمتم ياسا :
- هو عنيد وهي أعند منه .. كل واحد مصدق أنه مظلوم مش عايز يعترف أنه ظالم ... هما بس اللي يقدروا يداوا جروح بعض ... أنا كنت لسه بفكر في حل يجمعهم ... واهو الحل جه لوحده ... بكر الصبح تاخد شنطة هدوم لينا وكتب الجامعة بتاعتها وتروح تدهالها
حرك حسام رأسه بالإيجاب ربما والده محق وربما لا ... فقط الأيام هي من ستحكم
في الطريق الآخر علي المقعد المجاور لمقعد زيدان في السيارة هنا كانت البداية حين طلبت منه الذهاب لمكان هادئ ليتحدثا لينتهي بهم الأمر متزوجان .... وها هما في طريقهما إلي منزله .... رحلة العودة الي نقطة البداية ... تعبت حقا من التفكير استندت برأسها الي المقعد تغمض عينيها وما هي الا لحظات وغفت ... غطت في نوما عميق كقاع البحر تهبط فيها بارداتها .... اختلس هو النظر إليها في تلك اللحظة لترتسم ابتسامة صغيرة للغاية علي شفتيه ... وذلك الاحمق القابع في قفصه الصدري يقيم حفلة راقصة بالداخل حفلة تذاع فيها موسيقي عالية موسيقي من جملة واحدة تتكرر ( welcome back my nuts )
______________________
صباح يوم جديد لا تزال السابعة صباحا ... لم يكن يتصور يوما أن السابعة صباحا ستكون موعد استيقاظه ولكنها الحياة ... الحياة التي تعطي للجوكر فرصة أخري لينضم لفريق العدالة فان فشل فلا لوم علي ما يفعله ( باتمان) به .... فتح ذلك المدد عاي فراشه عينيه في هدوء اول ما وقعت عينيه عليه كانت هي ترقد جواره ... لا زال يشعر بالسعادة تدق قلبه في كل مرة يراها ترقد جواره ... صحيح أن ذلك الحاجز بينهما لم يكسر إلي الآن ولكن ما يحدث بينهم في تحسن مستمر يكفي أنها باتت تقضي ليلتها جواره تنام بأمان دون خوف .... ابتسم يمد يده يزيح خصلة صغيرة تدلت علي وجهها يتذكر ما حدث قبل شهر من الآن
Flash back
متسطح علي فراشه بعد أن ذهب الجميع عينيه شاردة في الفراغ البعيد ... رفع يده يتحسس ذلك الجرح الذي يعلو كتفه ... ذلك الجرح الذي يشهد علي موقف نبيل له كرجل ليس كوغد خسيس خائن ... ربما بما فعل استطاع أن يرد لروحية ولو جزء صغير للغاية من حقها المسلوب ... ذلك الوغد سيتعفن خلف القضبان .... ارتسمت إبتسامة حزينة متحسرة علي شفتيه يا ليته لم يكن ذلك الشيطان ... يشتاق لجاسر صديقه رفيق دربه ... جاسر الذي لم يعطيه سوي الغدر والخيانة حتي شقيقته الصغيرة التي لا ذنب لها لم تسلم منه .... أدمعت عينيه في تلك اللحظة شعور الندم يتغلل خلاياه لا يرغب في تلك اللحظة سوي أن يهرول يقبل يديه يطلب منه السماح يبكي ندما علي ما اقترفه في حقه ... اجفل علي صوت الباب يُفتح ليجد منيرة جدته تدخل للغرفة تحمل صينية طعام متوسطة الحجم ابتسامة كبيرة تغطي ثغرها اقتربت منه تضع صينية الطعام جواره علي الفراش ... ليتحرك هو بعينيه ناحية باب الغرفة المفتوح يبحث عنها أين اختفت فجاءة ليسمع جدته تغمغم ضاحكة :
- عينيك قلبت الدنيا عليها ...روحية دخلت تنيم ملك ... وقولت أنا اجي ااكلك بإيدي
التفت برأسه ناحية جدته يبتسم لها أصرت علي إطعامه كما لو كان طفلا في السابعة من عمره .... مرت بعض الوقت لم يشعر بنفسه سوي وهو يغط في النوم .... نوم هادئ تتخلله هي صورتها ابتسامة ضحكة عينيها الخجولة ... في تلك المرحلة التي تتوسط النوم واليقظة شعر بيد ناعمة توضع علي جبهته كان يظنه حلما ففتح عينيه سريعا ليراها تقف بالقرب منه تبسط راحتها علي جبهته ... راقبتها عينيه وهي تتنهد بارتياح تغمغم بصوت خفيض :
- الحمد لله مش سخن ... اومال كان بيخترف وهو نايم ليه
تحركت خطوة واحدة للخلف لتشهق بعنف حين رأته ينظر لها يبتسم فقط ... تلعثمت واحمرت وجنتيها عادت بضع خطوات للخلف تفرك يديها في توتر ظاهر .... ليسمع صوتها المرتبك تغمغم في ارتباك :
- إنت كنت بتخترف وأنا افتكرتك سخن .. أنا آسفة صحيتك
توسعت ابتسامته دون أن ينطق بحرف .. ربت علي الجزء الفارغ جواره علي الفراش يدعوها بعينيه .... تسارعت دقات قلبها تتحرك ناحيته بخطي متوترة جلست علي طرف الفراش ... لينتفض جسدها حين شعرت به يمد يده يمسك كف يدها رفعه لفمه يقبله برفق يهمس لها بصوت اجش من أثر النعاس :
- ما فيش واحدة بتعتذر لجوزها عشان كانت خايفة عليه
ابتسمت خجلة تحرك رأسها علي استحياء ... تحركت عينيه ينظر لساعة الحائط ليراها تجاوزت الثانية عشر ... عاد ينظر لها بمقلتيه يهمس في خفوت حاني :
- مش هتنامي الساعة عدت 12
سحبت يدها من يده لتتحرك وقفت جوار فراشه ابتسمت تردف في خفوت :
- أنا كنت هنام ... بس قولت اشوفك لتكون محتاج حاجة ....
وصمتت تنظر له بترقب كأنها تسأله أن يرغب في شئ ... في حين اطال هو النظر إليها تقف كحورية سرقها من اعماق لؤلؤة بيضاء نقية كانت تختبئ بداخلها وهو الصياد الذي فاز بكنزه الثمين ... بشرتها السمراء عينيها السوداء تلك الحفرة الصغيرة التي تعلو وجنتها اليمني فقط حين تبتسم ... فستان بيتي رقيق من اللون الابيض منقوش بخطوط صفراء ... رفع وجهه إليها يسألها :
- انتي هتنامي فين سرير منيرة مش هياخدك انتي وهي وملك والشقة ما فيهاش غير أوضتين نوم
حمحمت بخفوت ترتجف من التوتر رفعت يديها تشير للصالة الظاهرة من باب الغرفة المفتوح تهمس في توتر :
- أنا هنام علي الكنبة الكبيرة .. كبيرة اوي شبه الشرير
رفع حاجبيه يسخر مما تقول حقا !! أريكة جدته التي بالكاد ستحوي جسدها باتت الآن أكبر من الفراش ... ربت علي الجزء الفارغ جواره من الفراش يغمغم مترفقا بها :
- تعالي نامي هنا يا روحية ... السرير كان بياخدني انا وأدهم وانتي أرفع من أدهم بمراحل ...
توسعت حدقتيها رمشت باهدابها عدة مرات متتالية لتنفي برأسها ما يفكر فيه حتي كيف يخبرها ذلك الوقح أن تنام جواره هكذا ببساطة لا لا بالطبع لن يحدث حركت رأسها بالنفي سريعا ... لتسمع يزفر أنفاسه بحدة ... توترت نظراتها حين همس هو فئ اصرار :
- بصي يا روحية انتي قدامك حل من اتنين يا تيجي تنامي هنا جنبي ... يا تيجي تنامي هنا بردوا علي السرير وأنا هقوم أنام برة علي الكنبة ... أنا مش هسيبك نايمة علي الكنبة
قال ما قال ليضعها بين شقي الرحي جميع الحلول ليست في صالحها لن تنام جواره ولن تدعه ينام خارجا وهو جريح ... زفرت أنفاسها تحاول ايجاد مبرر ليتركها لتهمس سريعا بتلعثم :
- عشاان الجرح بس ما يتعكبش
لم يرد فقط ظل ينظر لها يبتسم في هدوء ساخر ...زفرت أنفاسها لا حل آخر أمامها ... تركت باب الغرفة مفتوحا وهو لم يعترض ... تحركت بخطي متوترة يقسم انها قضت أكثر من عشر دقائق في بضع خطوات .... إلي أن وصلت للجانب الآخر في الفراش نظرت له للحظات في توتر قبل أن تتسطح علي الطرف تماما تاركة مسافة شاسعة بينهما ابتسم ولم يعقب فحين تغط في النوم تلقائيا سيثور جسدها على تلك المساحة الضيقة التي تسجنه فيها
Back
اجفل من شروده ينظر لها مبتسما ... ليلة تليها أخري اعتدت علي النوم جواره .... مع الاحتفاظ بالمسافة الكافية بينهما ... تلك المسافة التي تجعل منيرة علي وشك أن تضربهما معا بخفها المنزلي ... فهي ترغب بحفيد آخر في اقرب وقت ممكن ... انتصف جالسا يحرك عظامه المتيبسة من أثر النوم ... لازال أثر الجرح لم يختفي حتي وإن قلت آلامه ... اليوم سيذهب لتلك الشركة التي يمتلكها شقيق والد أدهم بالتبني لا يذكر تماما ما هو اسمه ... ولكن حقا ذلك الرجل ساعده كثيرا في الثأر لزوجته .... تحرك من الفراش يتوجه إلي مرحاض المنزل ... اغتسل وتوضأ تحرك إلي غرفته من جديد يفترش سجادة الصلاة يصلي ركعتين ... ما إن انهي صلاته رآها هناك تجلس علي الفراش يبدو أنها استيقظت قبل قليل نظر السعادة التي رآها في عينيها حين رأته يصلي اثلجت قلبه ... قام من مكانه توجه ناحيتها مباشرة دني برأسه يقبل جبينها يغمغم لها بخفوت :
- ادعيلي ربنا يوفقني النهاردة يا روحية
رفعت عينيها له وابتسمت ابتسامة رقيقة صادقة تهمس من خلجات قلبها بصدق :
-.ربنا يوفقك !!
______________________
مرت عدة ساعات انها الثانية عشر ظهرا الآن في مستشفي الحياة في غرفة سهيلة والرضيع بصحبة جاسر الذي يحمل حقيبة ملابسهم في حين تحمل سهيلة الرضيع بين أحضانها .... توجهوا معا إلي السيارة جلست سهيلة جوار جاسر انطلق بهم الأخير الي منزل والدها ... طوال الطريق وسهيلة لم تزح عينيها عن الرضيع النائم بين أحضانها ... تنظر له هو فقط إلي أن سمعت جاسر يتمتم مستاءا :
- سهيلة علي فكرة ما ينفعش كدة الواد دا خدك مني خالص ...
ضحكت بخفة دون أن ترفع رأسها وتنظر لجاسر حتي مما جعله حقا يشعر بالضيق ..ليس من طفله بالطبع هو لن يغار من الطفل ولكن من تعلق سهيلة الشبه مرضي بالرضيع يخشي أن يؤثر ذلك سلبا عليهم في المستقبل .... وصلت السيارة اخيرا الي منزل عز الدين بعد ترحاب حار اصطحب جاسر سهيلة الي غرفتها بالاعلي حيث وضع فراش الصغير فيها ... اقترب جاسر من سهيلة يريد اخذ الصغير ليضعه في فراشه لتبتعد الأخيرة خطوة للخلف تهز رأسها بالنفي تغمغم بتلهف :
- لاء سيبه في حضني
تنهد جاسر في ضيق ليقترب مرة أخري اخذ الصغير من بين ذراعيها وضعه في فراشه يدثره بغطاءه الناعم الصغير قبل جبينه قبل أن يلتفت بجسده ناحية سهيلة يقف حاجزا بينها وبين فراش الصغير اقترب منها يمسك بذراعيها بين كفيه لتنظر له في عجب مما يفعل تنهد يحاول أن يهدئ يحدثها برفق :
- سهيلة حبيبتي أحمد معانا في حضنك ... مش هيبعد عنك .... أحمد بخير ... أنا قلقان عليكي أنتي ... أنتي اللي فيه دا تعلق مرضي ... ودا هيأثر علي نفسية الولد قدام ... مش هيعرف يعتمد علي نفسه في حاجة ... كل حاجة ليها حدود يا سهيلة من دلوقتي ... مش عايزك تخافي أنا جنبك انتي وأحمد وعمري ما هبعد عنكوا ابداا
أدمعت عيني سهيلة ما بها باتت تبكي بكثرة في الآونة الأخيرة ... تحرك رأسها بالإيجاب مرة تليها أخري تحاول الاقتناع بكلمات جاسر ... رغما عنها تحركت برأسها تحاول اختلاس النظرات للطفل ليتنهد جاسر يآسا ... مد يده برفق يمسك ذقنها يحركها ناحيته نظر لعينيها مباشرة يغمغم في خفوت حاني :
- سهيلة بعد كل اللي حصل وكل اللي قبلناه سوا .... في حاجة مهمة عايز اقولها ... أنا بحبك يا سهيلة حتي لو سمعتيها مني قبل كدة .... حقيقي أنا بحبك اووووي ...وأسف اوووي علي اللي حصلك بسببي ... كنتي لوحدك دنيتي اللي فاتت ... دلوقتي انتي وأحمد دنيتي اللي جاية ..
انهي كلامه ليطوقها بذراعيه يحتضنها يشدد علي عناقها ينتفس عبيرها وكم اشتاق له ... ابعدها عنه بعد دقائق طويلة يكوب وجهها بين كفيه يري ابتسامتها الجميلة ليبتسم هو الآخر مال يقبل رأسها يهمس لها بجوار اذنيها بصوت خفيض عابث :
- سمعتي حكاية الطباخ الغلبان اللي بيحب القلقاس من زمان !!
_______________________
أنها الواحدة الظهيرة في يوم صيفي حار ... الجو شديد الحرارة تشعر بجسدها يكاد ينصهر ... الحر الشديد هو ما اوقظها ...انتصفت جالسة تفرك مقلتيها بكفيها تتأثب ناعسة .... لحظات فقط وتوسعت حدقتيها في ذهول ... قفزت من الفراش تنظر حولها في ذهول أين هي ومتي جاءت إلي هنا ماذا حدث بالأمس آخر ما تتذكره أنها نامت في سيارة زيدان والآن هي في غرفة نوم علي فراش .... نظرت حولها تلك الغرفة لم ترها قبلا ... لم تكمث في منزل سابقا سوي ليلة واحدة علي اقصي تقدير .... لم تري سوي الغرفة التي مكثت فيها قبلا ... هل هي غرفة اخري في منزله هي حملها وهي نائمة كالجثة لم تشعر بشئ .... نظرت حولها لتجد حقائب كثيرة تحوي ملابسها جوار باب الغرفة من الداخل وكتب الجامعة والحاسب الخاص بها ...عقدت جبينها تزم شفتيها والدها يطردها نهائيا .... توجهت الي دولاب الملابس تفتحه بعنف بالطبع فارغ وهي لن تحتاج لضب ملابسها ... توسعت حدقتيها تفغر فاههها بدهشة ... تلك الملابس الموضوعة بعناية جميعها تخصها هي كيف ومتي ... تحركت ناحية حقائب ملابسها تفتحهم جميعا لا تزال الملابس بداخلهم ... التفت برأسها ناحية الدولاب اذا كيف يوجد الكثير من ملابسها هنا ... لحظات فقط وبدأت تعي الأمر زيدان لم يتخلص من ملابسها التي وضعتها والدتها في دولابها قبل زواجهم ... تلك الملابس هنا منذ أشهر طويلة وكأنها تنتظر صاحبتها إلي أن تأتي من جديد ... بالطبع سيغطيهم التراب تحركت تمسك قطعة ملابسه لا ذرة غبار واحدة عليها الملابس نظيفة معطرة بعطرها هي .... امسكت القطعة في يدها تعود بها إلي الفراش تنظر للفراغ لما يحتفظ بثابها ... لما لم يحاول التخلص منها ... لم الثياب تبدو وكأنها موضوعة اليوم فقط ... تنهدت حائرة قلبها يكاد ينفجر من شدة تخبطه بين الرفض والقبول ... تحركت ناحية المرحاض اغتسلت وبدلت ثيابها مشطت خصلات شعرها تعقده كجديلة تحركت لخارج الغرفة ... ذلك هو منزل زيدان الكبير الذي يتوسط الصحراء ... ولكن تلك الغرفة التي خرجت منها توا ليست غرفتها السابقة تحركت سلم البيت الطويل تنزر عبر درجاته تسمع صوت ضحكات زيدان تصدح علي ما يضحك لذلك القدر ... نزلت لأسفل تتبع مصدر الصوت دخلت إلي المطبخ من حيث يصدر الصوت لتتوسع حدقتيها في ذهول حين رأت حسام وكدمة زرقاء ضخمة تعلو فكه من فعل به هذا ... في حين زيدان يقف يضحك متشفيا علي منظره .... تقدمت الي المطبخ تسأله فزعة :
- حسام ايه اللي عمل فيك كدة
نظر حسام ناحية زيدان غاضبا يتمتم في غيظ :
- جوزك يا اختي لسه بقوله صباح الخير ... لقيت ايده بتسلم علي وشي
لم تهتم بما قال بعدها فقط كلمته الاولي هي ما جذبت انتباهها ناحية ذلك الذي يقف هناك ينظر لحسام متشفيا ... تعلو ثغره ابتسامة كبيرة وكأنه لم يكن يبتسم قبلا ... اجفلت علي صوت حسام يحادثها ساخرا :
- ابوكي بيقولك مش عايز اشوف خلقتكوا تاني ... وعازمكوا النهاردة علي الغدا ... ما تفهميش ازاي ابوكي دا هيجبلي شلل أطفال
ضحكت لينا بخفة علي ما يقول حسام .. اقترب الأخير منها يعانقها بحنان يهمس لها بصوت خفيض لن يسمعه غيرها :
- علي الطلاق من بنت عمك اللي لسه ما اتجوزتهاش زيدان بيحبك اوي ... وانتي كمان بتحبيه ادوا نفسكوا فرصة بقي هتموتوا من كتر العند
ابتسمت شاردة تحرك رأسها بالإيجاب ليتبعد عنها يقرص وجنتها يغمغم ضاحكا وهو يشير للطاولة :
- كان نفسي اقعد افطر معاكوا والله من غير ما تقولي بس ورايا شغل ولسه هروح اجيب البت سارة ... مستنيكوا الساعة 3
ضحكت لينا علي ما يقول في حين عانقها زيدان من جديد يودعهم قبل أن يغادر ... وحل الصمت ... كل منهما يقف عند أحد جوانب الطاولة يختلس النظرات إلي الآخر ظنا منه أن الآخر لا يراه ... جذبت لينا مقعد الطاولة الصغير تجلس فوقه تنظر لطاولة الطعام بلا شهية ... لأول مرة لا تشعر بالجوع حقا .... ثواني قليلة وسمعت صوت مقعده جذبه هو الآخر يجلس مقابلا لها .... هو وهي والصمت تفكر في كتابة قصيدة طويلة عن ذلك الصمت الدائر بينهما في اي وقت .... تنهدت بقوة ترفع وجهها إليه كان ينظر اليها ليتهرب بنظراته بعيدا .... فابتسمت هي ... قررت هي كسر الصمت تهمس بنبرة خافتة :
- شكرا
لم يفهم علي اي شئ تشكره ....ولكنها حرك رأسه بالإيجاب دون أن ينطق بكلمة ... مدت يدها تلتقط معلقة صغيرة تقلب بها كوب الشاي امامها بحركة رتيبة منتظمة مملة نظرت ناحية زيدان لتراه غاضبا ابتسمت بعبث حين تذكرت زيدان تلك الأصوات .... ظلت تقلب الكوب امامها مرة. تليها أخري وأخري الي أن شعرت بالمعلقة تؤخذ من بين يديها في حركة خاطفة ... ضيقت عينيها تنظر له حانقة ... لترفع الكوب إلي فمها ترتشف منه بصوت عالي مزعج ... لا تتوقف تريده أن ينفجر ... نظر هو إليها يبتسم في هدوء يتمتم برتابة :
- علي فكرة حسام تف في الشاي بتاعك
توسعت حدقتيها من الفزع تبصق ما في فمها القت الكوب من يدها ليقع أرضا يتحطم إلي قطع ... نظرت له سريعا عرفت من ابتسامته المتشفية أنه كان يكذب ... تحركت حانقة إلي قطع الزجاج تجمعهم نظرت له حانقة وهي تفعل لتجرح أحدي القطع الحادة إصبعها ... اندفع إليها يمسك كف يدها ينظر لجرح أصبعها النازف ... جذب يدها برفق لتتحرك معه تحت الماء وضع اصبعها للحظات قبل أن يخرج محرمة ورقية من جيبه يلفها حول اصبعها .. تركها وتحرك ناحية المكنسة اليدوية يجمع بها قطع الزجاج يلقيها في السلة ... التفت لها في تلك اللحظة يشير بيديه إلي محيط المنزل يغمغم في هدوء :
- البيت بيتك طبعا ... أنا هطلع اغير هدومي نروح لخالي
تحرك يريد الخروج من المطبخ لتلحق به تصيح باسمه وقف لتقف أمامه تنظر له مباشرة تسأله في حدة :
- وبعدين بعد ما البيت بيتي .... هنفضل نتجاهل بعض ... أنا وأنت والصمت ... احنا اتجوزنا امبارح بسبب المشكلة اللي حصلت ... لو أنا تقيلة اوي كدة علي قلبك اتفضل طلقني دلوقتي
كانت تريد أغضابه بكلامها لتعرف هل ذلك الوتين النابض لا يزال لا يعشق سواها ... لتراه يقترب منها خطوة تليها أخري كانت تظنه قادما إليها ولكنها تخطاها ناحية باب المنزل فتحه علي اتساعه يشير لها للخارج توسعت حدقتيها في ذهول ... يهينها لن تبقي لحظة واحدة معه حتي لو دهست قلبها تحت كعب حذائها الغالي تحركت ناحية باب المنزل بخطي سريعة تريد أن تخرج منه لتسمع صوته يغلق بعنف والمفتاح يتحرك في القفل يوصد غلقه جيدا ... شهقت بعنف ما يحدث في لحظات قليلة شعرت بظهرها يرتطم بالباب المغلق خلفها وهو مباشرة أمامها رأت نظرات عينيه تقتم بشراسة مخيفة ... استند بذراعيه يحجزها عن الهرب لما تشعر بأنها في أحد أفلام الرعب القديمة ... نظرت له في ذهول مما يفعل ... هل جُن زيدان الآن ما به
نظرت لوجهه لتراه يبتسم في هدوء تام لحظات قبل أن يخرج صوته يهمس بصوت مبحوح يملئه الشغف :
- ........
___________________
قالها اييه ... قالها اييييه يا حج إسماعيل رد يا حج اسماااعيل