رواية احلام ما بعد البرميل الفصل السادس 6 بقلم بسنت محمد


رواية احلام ما بعد البرميل الفصل السادس بقلم بسنت محمد

  

نداء أستغاثة من السفينة للسفن المجاورة، أصوات التكبير والتهليل والتضرع أرتفعت وامتزجت بأصوات الرعد والأمطار.
الكل مرتعب، والكل يبتهل.

يمسك الثلاثة بأيدى بعضهم البعض، والرعب يملىء قلوبهم .
يحاول كلاً منهم بث الطمأنينة فى قلوب الأخرين، لكن تخونه نفسه .

 لحظة واحدة سيطر عليهم الغضب وقلة الحيلة فيها ليتخذوا قرار مصيري، قد يغير حياتهم للأبد .. أو ينهيها.

 سابقاً، أجتمعوا فى نفس مكان تجمعهم، يقوم سالم وعبد الرحمن بإحتساب المبالغ التى جمعوها من أجل سفرهم .

-الحمد لله، كده باقى مبلغ مش كتير.

-الحمد لله يا سالم، أحنا اتبهدلنا الكام شهر اللى فاتوا دول لغاية ما جمعنا المبلغ ده .

-عبد الرحمن، هو حد من أخواتك حس بحاجة أو من أهلك؟ خصوصاً أنك أغلب الوقت بتشتغل فى أكتر من شغلانة وده مش طبيعي فى البيت.

-أبويا وأمى ميعرفوش اصلاً إنى بشتغل، وطارق حاسس أن فى حاجة غلط وكل شويه يطلب أنه يقعد معايا لكن ظروف شغله اليومين دول صعبة وكمان بيسافر كتير، سليم بقي متأكد إنى بعمل حاجة لكن لسه مش عارف.

 -أمممممم.

-وأنت يا سالم، أبوك عرف حاجة ؟

-لأ، من بعد مشكلة الكلية وهو سايبنى أخبط فى الدنيا والدنيا تخبط فيا.

هز عبد الرحمن رأسه بتفهم ثم دخل أحمد يحمل كيساً أسود في يده .

-السلام عليكم .

-وعليكم السلام/ وعليكم السلام ورحمه الله وبركاته.

 وضع الكيس أمامهم ليتعجب رفيقيه.

-إيه ده؟

-دا المبلغ اللى جمعته الكام شهر اللى فات.

جذبه سالم وفتحه ثم سأله:
-هتسلفه لينا ولا إيه؟

-لأ، أنا هطلع معاكم.

نظر عبدالرحمن لسالم ثم سأل أحمد أيضاً:
-يعنى إيه؟ يعنى هتهاجر معانا ؟

-إن شاء الله.

 مرت عدة شهور فى عمل دأوب من الثلاثة إلى أن أستطاعوا تجميع باقى المبلغ المطلوب.

حان الآن موعد السفر، وكانت المعضلة فى أخبار الأهالى بقرار السفر.

 يسير عبد الرحمن ذهاباً وإياباً فى غرفته، يفكر كيف سيخبر والداه، إلى أن قرر ألا يخبرهم، ولكنه سيخبر فقط أخيه سليم، فمنذ ظهور نتيجته ووالده يتجنب الحديث معه تماماً، لايدرى ما السبب ولكن ذلك أراحه.

فتح سليم باب الغرفة ودخل مسرعاً يهمس لعبد الرحمن:
-فى أيه؟ من ساعة مابعتلى تقولى تعالى حالاً ومحدش يحس فى أوضتى وأنا مرعوب، إيه المصيبة اللى عملتها؟ أنا حاسس أن وراك حاجة.

-أقعد بس وأسمعنى.

جلس على الفراش ثم نظر إلى أخيه .

-ها، أحكى.

 -اللى هحكيه سر بينى وبينك ومحدش يعرفه، غير لما أقولك تقول.

-أنا كده أتأكدت أنك عملت مصيبة.

-أنا لسه معملتش، أنا هعمل، أنا ههاجر.

-نعم؟

 -ههاجر .

-تهاجر إزاى؟ وأمتى وفين؟ وجمعت فلوس السفر ازاى وبابا مانع عنك مصروف؟

-أمتى ف بعد بكرة الفجر إن شاء الله، فين ف هروح ايطاليا إن شاء الله، الفلوس فأنا كنت بشتغل من بعد النتيجة لغاية دلوقت .

-وإزاى؟

تردد عبدالرحمن من إخبار أخيه عن وسيلة السفر لكنه قرر إخباره فى النهاية .

-بحرى .

فى بداية الأمر كان سليم صامتاً يستمع بتركيز شديد، إلى أن سمع أخر كلمة ف هب واقفاً يصرخ فى أخيه:
-أنت أتجننت، أنت فاهم هتعمل إيه فى نفسك ؟

-هششش، أسكت بس واسمعنى.

-مش سامعك، واللى هتعمله ده أنتحار وأنت عارف كده كويس، وهقول لأخوك ولبابا وماما علشان يمنعوا المهزلة دى .

تحرك سليم بإتجاه الباب ف جذبه عبد الرحمن من ذراعه يعيده ليجلس على الفراش عنوة.
-يابنى إسمع، يعنى أنت عجبك أبوك واللى بيعمله فيا، يعنى أنت شايفنى مبسوط اوى وأنا بينكم، عجبك دور المهمش اللى أنا عايشه، ماما اللى مش حاسه بوجودى ولا بابا اللى كاره وجودى، وكأن علاقتى بيهم وقفت من بعد الثانوى، بقوا شايفين إنى الابن الفاشل اللى ضيع أحلامهم وبقيت مش من مستواهم، عجبك كسر الخاطر اللى أنا عايش فيه، والسكينة التلمة اللى بابا كل شويه بيدبحنى بيها، غير الإهانة اللى بيسمعهالى دايماً، غير لقب الفاشل اللى بقى ملازمنى طول الوقت.

شعر سليم بألم عبدالرحمن وحرقة قلبه، أقترب منه وأحتضنه بحزن بالغ ثم تحدث بهدوء:
-طيب أنت شايف أن ده أحسنلك؟ بالرغم من أنك عارف نهايته تبقي إيه؟ طيب انت شايف أن ممكن حد هنا يوافق؟

-مهما كانت العواقب فأنا راضي بيها، طالما مش هحس بإنكسار وذل مرة تانية، أما بالنسبة أنهم يوافقوا أو لأ فمحدش هيعرف غير لما أبقي فى البحر، هسيب هنا رسالة لهم وهقولك على مكانها تبقي تديهالهم لو حسوا اصلاً إنى غايب.

 أنتظر سالم عودة والده من الخارج، وبمجرد دخوله أقترب منه يحمل ما بيده من طلبات المنزل .
-عنك يا بابا.

-شكرا يا حبيبي.

جلس والده على الأريكة بإرهاق ف جلس بجواره سالم، بحث سالم عن أى مقدمة يبدأ بها حديثه إلى أن باغته والده بالسؤال:
-مالك؟ لو فى حاجة عايز تقولها قول أنا سامعك أهو .

-بابا من الأخر كده أنا ههاجر.

نظر والده بعدم فهم مستفسراً ليقص عليه سالم ما فعله مع أصدقائه خلال الأشهر الماضية.

قام والده دون إبداء أى رأى ليدخل غرفته ويغلق بابها ويترك الأخر فى حيرة من أمره.
مرت ساعة فقلق عليه سالم ف أستأذن ودخل لوالده .
-حضرتك مقولتش إيه رأيك ؟

كان جالساً فى صمت، فأقترب منه ابنه بتوتر يسأله:
-حضرتك كويس؟

رفع رأسه بإنكسار مجيباً:
-لو شايف أن فى سفرك ده مصلحتك وأنك تقدر تعوض فيه حلمك اللى راح منك، فأنا مش ممانع يا بنى، أنا خلاص اللى جاى ليا مش قد اللى راح، بس أنت لسه فى بداية حياتك.

-يعنى حضرتك موافق؟

-إيه فايدة موافقتى وأنت جاى تبلغنى بقرارك؟ أمتى السفر ؟

-بعد بكرة الفجر إن شاء الله.

ابتسم والده بسخرية ثم أكمل:
-كتر خيرك أنك قولتلى، أطلع علشان عايز أنام .

خرج سالم بإحباط بعدما ترك أبيه وأغلق عليه باب غرفته .

 كانت الأسرة متجمعة بعد تناول الغداء، ف خرج أحمد من غرفته متوتراً، يريد إخبارهم بقراره ولكن لايستطيع، وما أكمل توتره، وجود خالته وخطيبته مع أهله.

 وقف فى منتصف المكان يريد أن يبدأ حديثه ولكنه لا يستطيع.
-مالك يا أحمد واقف فى نص الصالة كده ليه ؟

نظر إلى أخته ثم بدأ الحديث:
-بما أنكم متجمعين النهاردة، ف أنا عايز أقولكم على خطوة مهمة قررت أخدها فى حياتى أن شاء الله.

نظر له والده ثم سأله:
-ودى إيه الخطوة دى يا باشمحاسب؟

-تقريباً هيسيب رانيا يا بابا.

قالتها رحمة ضاحكة لتوكزها رانيا فى ذراعها ثم تحث خطيبها على التحدث:
-قرار إيه يا أحمد؟

-أنا هسافر إيطاليا مع سالم وعبد الرحمن.

 صمت ساد المكان لتقطعه صوت خالته مكبرة:
-الله اكبر الله أكبر، أيوه كده يا حبيبي، ربنا يوسع عليك ويرزقك هناك من وسع، ما شاء الله يا بت يا رانيا شكلها هتبيضلك فى القفص .

ردت رانيا على والدتها وهى تنظر فى عيني حبيبها:
-ثوانى يا ماما، هتسافر ازاى ؟ وامتى؟

-هسافر بعد بكرة الفجر إن شاء الله، بحرى .

أنتفضت رحمة واقفة تسأله :
-بحرى؟ إزاى يعنى؟ أوعى يكون اللى فى بالى ؟

هنا تحدثت والدتها:
-ايه إلى فى بالك يا رحمه؟

-هجرة على مراكب يا ماما.

خبطت والدته على صدرها بصرخة مرددة كلمة"يا مصيبتى" .

إلى أن تحدثت أختها:
-في إيه يا أم أحمد، دا بدل ما تفرحى بابنك؟

-افرح بابنى ازاى؟ دا طريق اللى يروح ما يرجعش، أنتى مش بتشوفى اخبار ؟

 وقف والدهم لينهى كل ما يدور حوله من أحاديث غير مثمرة ثم أمر أحمد بأن يتبعه .

دخل غرفته وأغلق بابها ونظر إليه بهدوء ثم سأله:
-عايز تعمل فى نفسك كده ليه؟

-أعمل فى نفسي إيه؟

-ترميها فى التهلكة.

-أرميها فى التهلكة؟ على أساس أن اللى أحنا فيه ده مش تهلكة ؟

 -أحمد ربنا على العيشة ترتاح وأرضي بيها ربنا يراضيك.

-حامده والله وراضي بكل اللى أنا فيه، لكن إنى أرضي بضياع حقى وأسكت دا مش رضا، دا ضعف، إنى أشوف شقتى اللى بنيتها طوبة طوبة واحد غيرى بيتنعم فيها بدون وجه حق وأنا واقف ساكت ومطلوب منى الرضا دى مش رضا دى خيابة، إن أختى تلف على حضانات المنطقة كلها والمناطق البعيدة وتلاقى فرمان من كل الحضانات متشتغلش علشان واحدة ملهاش قيمة طلبت منهم برضو مش رضا دا ظلم، يا بابا اللى أحنا فيه ده ميرضيش ربنا دا أحنا سكتنا وقولنا الحمد لله وسيبناهم بظلمهم حتى محاولناش نرد المظلمة .

-لنا رب يا ابنى، قادر يغير الحال بين يوم ليلة ويرجع الحقوق لأصحابه.

 -بالظبط، ونعم بالله، وعلشان كده بقي سيبنى أسافر، يمكن ربنا ينفخ فى صورتى ويوسع عليا، بدل ما البنت اللى حبيتها كمان تضيع منى زي ما حاجات كتير ضاعت ومقدرتش أطالب بيها حتى .

نظر له والده مطولاً يحارب شعورين مختلفين داخله إلى أن رجح أحدهما، حتى وإن كان القرار الأصعب .
تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1