رواية همس بلا صوت الفصل السابع بقلم نور محمد
لحظات من الصمت مرّت كأنها ساعات غيث كان قاعد جنبها
ماسك إيديها بقوة وعينه مش بتبعد عن وشها
سيلا كانت بتبص له بنظرة مترددة... كأنها خايفة تحكي كأنها لو نطقت الذكريات هتفترسها
همس لها بحنية وحنان: "أنا جنبك يا سيلو... مهما كان اللي حصل احكيلي مفيش حاجة هتغير اللي بينا
سيلا عضّت شفايفها وهي بتحاول تمسك دموعها، وبعد لحظة همست بصوت مبحوح: " كنت فاكرة إنهم هيسيبوني أموت هناك… بس كانوا عايزيني أعيش… عشان يعيدوا التجربة
غيث: "تجربة؟ تجربة إيه
سيلا بصت بعيد كأنها شايفة الماضي قدامها: "أول يوم بعد ما خطفوني صحيت في أوضة كلها أجهزة… ماكنتش فاهمة حاجة… كانوا بيفحصوني بياخدوا عينات وبيقيسوا كل حاجة فيا
سكتت لحظة ومسحت دمعة نزلت من عينها: " بعد كده بدأوا يدخلوا حاجات في جسمي… مش عارفة كانت إيه بالظبط بس كنت بحس نار بتجري في عروقي… دماغي كانت هتنفجر
غيث قبض على إيدها أكتر، صوته مشدود بالغضب: " وكنتي لوحدك؟ مافيش حد تاني
هزت راسها ببطء: " كان في ناس قبلي… بس واحد واحد… بيختفوا… كنت بسمع صراخهم وبعدين يسكتوا…
نزلت دموعها وكملت بصوت مهزوز: " أنا الوحيدة اللي فضلت… عشان جسمي استجاب زي ما كانوا بيقولوا… قالوا إني نموذج نادر وإن عندي خلايا عصبية قادرة تتعدل أسرع من الطبيعي… كانوا فرحانين… وأنا كنت بموت
غيث: "هم مين؟ الناس اللي كانوا بيجربوا؟ تعرفي أسماء ..... أشكال
سيلا كانت بتبص في عيون غيث بنظرة تايهة ولما سألها تعرف أساميهم
هزت راسها ببطء وقالت بصوت مبحوح: " مش فاكرة أساميهم... كل حاجة عندي متلخبطة... بس في حاجات بتفلت كده من دماغي... زي صور متكسرة
غيث قرب منها أكتر وقال بحنان: " طب احكيلي يا سيلا ... أي حاجة فاكرها
سيلا ضغطت على راسها بإيدها وهي بتقول بوجع:" كل لما الصداع بيمسك فيا... بحس إني هناك تاني...
قعدت ساكتة لحظة وشها اتبدل... كأنها فعلاً رجعت للمكان ده...
فلاش
فتحت عينها ببطء... نور أبيض قوي كان ضارب في وشها
حاولت ترفع راسها... جسمها تقيل وإيديها ورجليها مربوطة بشرائط جلد في السرير المعدني البارد
كانت سامعة أصوات حواليها... مش واضحة كأنهم بيتكلموا وبيضحكوا من بعيد...
وفجأة... قرب منها واحد... لابس بالطو أبيض بس ملامحه مش واضحة... بس صوته... صوته أنا فاكره كويس.
قال: "النموذج ده مختلف... مقاومة عالية لأي مخدر وده في حد ذاته نجاح
جه واحد تاني قال ببرود: " نجرب جرعة أعلى ونشوف استجابتها... أنا مش واثق إنها هتكمل لحد المرحلة الأخيرة
التالت ضحك وقال بسخرية: "ولا يهمك... عندنا نسخ كتير... بس بصراحة دي انا عندي امل فيها انها هتكمل
كنت بحاول أصرخ... صوتي ماكانش بيطلع حلقي كان ناشف...
وفجأة... حسيت بإبرة بتدخل في رقبتي... ودماغي سخنت فجأة...
سمعت واحد بيقول: " هتشوف العظمة دلوقتي... لما الخلايا تتفاعل مع التركيبة الجديدة
وشهم كان غريب... مش باين كله... كأنهم لابسين ماسكات طبية بس فيهم واحد... كان عنده ندبة جنب عينه..
باك
رجعت للواقع وعنيها بتدمع... وغيث ماسك إيديها بقوة.
قالت بصوت متكسر:" أنا مش قادرة أشوف وشوشهم كلها... بس فاكرة الندبة على جنب عين واحد فيهم كانوا تلاتة واحد صوته ناعم كده وباين عليه صغير وواحد دايمًا بيعترض... والتالت بيداري خوفه في كلامه
غيث كان مركز معاها بكل حواسه
قرب منها ولمس وشها بلطف وقال: " سيلا أنا وعدتك وهفضل وراهم لحد ما نجيبهم واحد واحد
هي بصت له، بعينين كلها خوف وكسرة:." أنا مش هبطل أفتكر... كل لما بحس بوجع في دماغي بحس اني لسه هناك
غيث حضنها جامد وقال بصوت هادي: "وأنا معاكي هفضل طول عمري معاكي مش هسيبك تاني
ساعتها دخلت زينب بسرعه وشها كله قلق وفرحه " انتي فوقتي يا حبيبتي ...راحت عندها وحضنتها بقوه وفرحه
حمدالله علي السلامه يا قلبي ...البيت كان مضلم من غيرك
سيلا: " الله يسلمك يا طنط
زينب: " طنط ايه انتي من امتي وانتي بتقوليلي طنط ... كملت بتسأل انت لقيتها فين يا غيث
انتي كنتي فين طول المده دي
غيث: " احم ..مش وقته يا ماما لما اطمن علي سيلا وتاكل هبقي احكيلك
زينب: "ماشي ياحبيبي
اطلعوا يلا كلوا الاكل جاهز
سيلا: " مش قادره يا طنط انا عايزه انام
زينب: " مش قادره ايه يابنتي انتي مش شايفه نفسك عامله ازي
غيث: " هاتي الاكل هنا وانا هأكلها
زينب هزت راسها وخرجت...
وغيث لسه ماسك إيد سيلا بيحلف لنفسه إنه مش هيسيبها تاني... وإن كل يوم جاي هيفتح له باب جديد في الحكاية الغامضة دي
سيلا: " غيث
غيث بانتباه: " اممم
سيلا: " هو انا مجنونه
غيث: " لا طبعاً ....لي بتقولي كده
سيلا: " الناس الي قالت كده واحنا في المستشفى ه....
قاطعها بحسم: "مركيش دعوة بكلام الناس انتي زي الفل
دخلت زينب فجأة ومعاها صنيه عليها الاكل وقالت: " عملتلك شربه خضار مع فرخه مسلوقه تروم عضمك
غيث راح اخد منها الصنيه وشكرها
زينب خرجت وسابتهم وغيث قرب من سيلا وقال بلطف: " يلا يا سيلو علشان تاكلي ومتقوليش مش قادره علشان برضوا هتاكلي غصب عنك
هزت راسها بموافقة خفيفة وغيث بدأ يأكلها بنفسه وكل لحظة بين المعلقة والتانية كانت بتخفف الحمل اللي على قلبها
---
في نفس اللحظة اللي غيث كان قاعد فيها مع سيلا كان حازم واقف في مكتبه بالقسم عينه ثابتة على الورق اللي قدامه وكأنه بيحاول يربط الخيوط ببعض.
قدامه كانت ملفات قديمة جدًا تقارير طبية مشفرة، وصور ضبابية لأماكن مهجورة وأسماء شركات أبحاث اتقفلت بقرارات غامضة
كان بيقلب في ورق مليان غبار لكن عينيه وقفت على اسم شد انتباهه: "مؤسسة النواة للأبحاث العصبية
همس لنفسه: "النواة... أنا سمعت الاسم ده قبل كده
فضل يدور بين الملفات لحد ما لقى تقرير بخصوص المؤسسة دي مؤرخ من ٨ سنين فاتوا التقرير بيحكي عن تجارب على تحسين القدرات الذهنية عند البشر... لكن التقرير متشال منه أجزاء كتير كأن في حد متعمد يخفي التفاصيل.
حازم ضرب بإيده على المكتب بغضب
في اللحظة دي رن تليفونه
حازم: " الو
أيوة يا باشا أنا خالد من الطب الشرعي... كنت عايز أبلغ حضرتك إن العينة اللي بعتّهالي لسيلا... لقينا فيها تلاعب واضح في الخلايا العصبية... تركيبة كيميائية مش معروفة لكن واضح إنها معمولة بحرفية... سكت شويه وكمل
والأخطر إن التركيبة دي بتخلّي الجسم يقاوم المخدرات والمسكنات العادية... يعني اللي عملها عايز يخلي الشخص ده خارق في التحمل
حازم شكر خالد وقفل معاه... قعد لحظة يفكر وبعدين قام بسرعة لبس الجاكيت وهو بيكلم نفسه
انا لازم أرجع أحقق في المؤسسة دي... لو هي لسه شغالة يبقى إحنا قدام شبكة أكبر من اللي متخيلينها
خرج من المكتب و ركب عربيته وهو عقله كله مشغول بسيلا... بالبنت الوحيدة اللي خرجت من الجحيم ده ولسه عايشة...
العربية وقفت قدام بيت قديم في شارع هادي... نزل حازم وطلع دق على الباب... لحظات وفتحله راجل كبير في السن وشه مليان تجاعيد
حازم: "حضرتك دكتور فاروق
فاروق: "أيوة... مين حضرتك
حازم مد إيده بكارنيه الشرطة: "مقدم حازم عبد العظيم... محتاج أتكلم مع حضرتك بخصوص مؤسسة النواة
----
عند سيلا بعد ما خلصت الأكل
سيلا بصوت واطي: "أنا عايزة أنام
غيث بحنان: " نامي يا سيلو
سيلا أغمضت عينيها ببطء، وبعد لحظات كانت غطست في النوم غيث قعد شوية جنبها لحد ما تليفونه رن
بص في الموبايل... كان حازم
غيث: "أيوة يا حازم... فيه جديد
حازم بصوت تقيل: " آه... أنا وصلت لحاجة في دكتور كنت بدور عليه من زمان... اسمه فاروق كان شغال مع المؤسسة القديمة دي وأنا واقف قدامه دلوقتي... عايزك تيجي دلوقتي حالًا لازم تكون موجود تسمع اللي هيقوله
غيث: "تمام أنا جاي ....ابعتلي اللوكيشن
قفل الموبايل وبص لسيلا وهي نايمة قرب منها وباس على جبينها بحنان
غيث: "مش هتاخر عليكي شويه وجاي
خرج من الأوضة بهدوء واخد الجاكيت بتاعه من علي الكرسي
نزل من الشقة وقفل الباب
------
غيث نزل من البيت بعد ما سيلا نامت ركب عربيته وتحرك وهو لسه مشغول بكلامها وحكايتها
عربية سودا كانت مركونة على بُعد مترات قليلة أول ما اتحرك غيث اللي فيها رنّ على حد
الراجل بصوت خافت: "خرج يا باشا... لسه نازل دلوقتي وركب عربيته
رد الطرف التاني بنبرة شر: "تمام... اتحركوا
قفل الراجل التليفون وبصل للي معاه وأشار له بعنيه
نزلوا الاتنين من العربية وفضلوا واقفين قدام العمارة لحظات وهم بيراقبوا المكان بعين باردة وبعدين بدأوا يطلعوا السلم بهدوء... خطواتهم بطيئة لكنها واثقة... كأنهم عارفين هما رايحين فين.
---
في نفس اللحظة...
سيلا صحت فجأة من النوم... الصداع كان بيخبط في دماغها بشدة قلبها مقبوض ومش عارفة ترجع تنام تاني
قامت ببطء وخرجت من الأوضة مشيها كان هادي لكنها حذرة لفت في الروضة وهي بتتأمل الحيطان والركنة والمكتب القديم اللي في الركن.
قربت من المكتب فتحت الدُرج لقت نوت بوك جلد قديم... ملمسه كان مألوف بالنسبالها لكنها مش فاكرة ليه.
قعدت على الكرسي وفتحته.. بدأت تقرأ والكلمات بدأت توضح في دماغها واحدة واحدة
في اللحظه دي باب الشقه اتفتح ببطء
شكرا لزيارتكم عالم روايات سكيرهوم