رواية احفاد المحمدي الفصل السابع بقلم ساره ياسر
"اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد، صلاةً تشرح بها صدورنا، وتيسّر بها أمورنا، وتغفر بها ذنوبنا، وتُطهّر بها قلوبنا، وترفع بها درجاتنا، وتقرّبنا بها إليك يا أرحم الراحمين."
{ وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ ۚ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ } - [النحل: 127]
**
🕊️ في لحظة، بيتقلب كل شيء... مشهد واحد، كلمة، نظرة، ممكن تبقى شرارة لحكاية، أو نقطة النهاية للي كنا فاكرينه بداية... في الفصل ده، خطوط كتير هتتقاطع، ومشاعر هتتحدّى العقل، والخطر هيبدأ يدق الأبواب...
✒️ استعدوا...
لأن "أحفاد المحمدي"... لسه ما لعبوش أوراقهم كلها!
****
في فيلا الألفي
أشعة الشمس تسللت من بين ستاير أوضة ملك، خيوط دافية بتداعب وشها وهي نايمة بعمق. صوت العصافير مع ريحة الورد اللي جاية من الجنينة، عملوا مزيج هادي وساكن... لحد ما الباب خبط خبطتين خفاف.
فتحت ملك عينيها ببطء، قامت وهي بتتمطى، وفتحت الباب تلاقي جودي واقفة قدامها، لابسة بيجامة قطن بيضا وعليها روب رمادي.
جودي بهمس:
"صحيتي؟"
ملك، بنعاس:
"أهو... لسه صاحبة النوم على صوتك."
جودي، وهي داخلة:
"صحي بدري، بابا عايزنا كلنا في الجنينة، بيقول عنده موضوع مهم."
ملك استغربت، نظرت لجودي بنظرة حيرة، لكنها قامت بسرعة، حسّة إن في حاجة مختلفة الصبح ده.
بعد شوية، كانوا البنات التلاتة قاعدين حوالين رأفت الألفي، اللي وشه كان مزيج بين الحسم والهدوء. ماسك ورق في إيده، وقبل ما يبدأ كلامه، تنهد بعمق.
رأفت بصوت واضح:
"أنا قررت أخد خطوة ماكنتش متخيل إني هاخدها بالشكل ده... بس شايف إنها صح. فيه حاجات لازم تعرفوها، عشان كل واحدة منكم تاخد قرارها براحتها."
ليلى باستغراب:
"بابا... مالك؟ بتتكلم كأنك هتقول سر كبير!"
رأفت، بابتسامة هادية فيها وجع:
"اللي كنت مخبيه منكم بخصوص أمكم... واللي حصل بينا قبل وفاتها... جه وقته يتحكي."
ملك اتسعت عينيها، جودي حطت إيدها على قلبها، وليلى قربت خطوة وقالت بسرعة:
ليلى:
"إنت بتقول إيه؟! إيه اللي حصل؟!"
رأفت، وهو بيبص على صورة قديمة في إيده:
"أمكم كانت بتكتب... وكانت بتعرف ناس مهمين... وكانت بتحاول تفضح شبكة كبيرة... بس اتسكتت قبل ما توصل لنهاية الطريق."
البنات التلاتة كانوا في حالة صدمة، واللحظة بقت مليانة ألف سؤال، لكن الأكيد إن باب الأسرار اتفتح أخيرًا.
****
في قصر المحمدي / بمكتب ياسين
في مكتب واسع، إضاءته ناعمة بس كافية، جدرانه مكسوّة بخشب قاتم، وريحة العود الشرقي مالية المكان.
ياسين كان واقف قدام خريطة كبيرة متعلقة على الحائط، فيها دوائر حمرا وسهام متفرعة، وكأنها لعبة شطرنج مش عادية... كل قطعة فيها تمثل اسم، ومكان، وتحرك.
دخل مراد من الباب، لابس قميص أزرق غامق، وبنطلون جينز، ووشه فيه جدية بس من غير توتر.
مراد:
"فهمت من جاسر إنك رجعت من عند البنت مبارح، ما قلتش لحد عن اللي حصل."
ياسين، من غير ما يبصله:
"لسه مش عارف أشرح اللي حصل."
مراد، وهو يقف جنبه:
"دي أول مرة ترجع من مقابلة وانت ساكت. ودي أول مرة تسيب حد يزعقلك... وتسمعه!"
ياسين، وهو بيضحك ضحكة باهتة:
"كنت متأكد إنها هتخاف... تجري... تبعد... لكن لأ، وقفت، وشخطت، وعيونها ما رمشتش... البنت دي فيها نار."
مراد، بنظرة فاحصة:
"نار... ولا جرح؟"
ياسين، بعد سكون لحظة:
"اللي في عينيها مش خوف... ده حزن... بس من النوع اللي بيخبي نفسه كويس."
مراد، وهو بيقلب في ملف:
"اسمها سلمي الألفي. صحفية. ملفها نضيف... لكن في حتة غريبة... عندها علاقات قديمة مع صحفيين اختفوا فجأة، ومقالاتها اتمنعت أكتر من مرة من النشر."
ياسين، بعين مركزة على الخريطة:
"زي أمهم."
مراد، بدهشة:
"بتقصد... هالة الألفي؟! كانت صحفية هي كمان!"
ياسين، بنبرة منخفضة:
"أكتر من كده... كانت شغالة على نفس القضية اللي بنفتش فيها. والشبكة اللي كانت بتطاردها... هي نفسها اللي ورانا دلوقتي."
مراد، بقلق:
"يعني ممكن تكون البنت... هدفهم الجاي؟"
ياسين، وهو بيدوس بإيده على نقطة في الخريطة:
"وإحنا... مش هنسيبها لوحدها."
في اللحظة دي، دخل الجد "محمد المحمدي" ومعاه زينب، واقفين على باب المكتب.
محمد، بنبرة جافة:
"يا ولاد، اللعب كبر... ولو رجع الماضي، هيرجع بس عشان ياخد حقه."
زينب، وعينيها فيها قلق أم حقيقي:
"انتو متأكدين إنكم عايزين تدخلوا البنات دول في دايرة مالهاش أمان؟"
ياسين، وهو بيبص لهم بعزم:
"احنا ما دخلناش حد... بس لما الحرب تطرق بابنا، لازم نرد."
محمد المحمدي، بابتسامة غامضة:
"تمام... بس المرة دي، هنرد بسلاح جديد."
مراد، مستغرب:
"سلاح إيه؟"
محمد، وهو بيقرب ناحية الخريطة:
"الحب... هو أكتر نقطة ضعف عندهم... وهو كمان، سلاحنا الأقوى."
****
في صالة الجناح العائلي بقصر المحمدي مساءً
الصالة كانت واسعة، أرضيتها من رخام أبيض بيلمع، والسقف عالي فيه نجفة كريستال ضخمة متدلية وسط الصالة. الأضواء خافتة وبتدي دفء رغم فخامة المكان.
كان "جاسر" قاعد على الكنبة الجلد، حاطط رجل على رجل، وبيلعب بميدالية معدن على شكل نسر. ملامحه كعادته... جامدة، لكن في عيونه شرود.
دخل "زين"، لابس تيشيرت رمادي وبنطلون رياضي، في إيده تابلت، قاعد يتابع حاجة على الشاشة.
زين، بنبرة مريحة:
"ما توقعتش تلاقيك قاعد لوحدك. كنت فاكر إنك مع الحرس في جولة التفتيش."
جاسر، وهو بيهز الميدالية في إيده:
"سيبتهم يراجعوا من غيري. كنت محتاج أسمع صوت دماغي شوية."
زين، وهو بيقعد جنبه:
"وصوتها قالك إيه؟"
جاسر، بعد لحظة صمت:
"قالتلي إننا كل يوم بنبعد عن نفسنا أكتر... وإن العيلة دي، رغم قوتها، بتتفتّت من جواها."
زين، بنظرة طويلة:
"ما بنبعدش... إحنا بس مش بنعرف نقرّب. كل واحد فينا لابس وشه الحقيقي جوه قناع."
جاسر، بسخرية هادية:
"وأكتر قناع بيوجع... هو اللي بيتسمّى الصمت."
دخل "مراد"، ومعاه صينية عليها كوبايات شاي. ضحك وهو بيقرب:
مراد:
"بتفلسفوا؟ ولا دي جلسة تأمل؟"
زين، بضحكة خفيفة:
"جلسة وجع دماغ."
مراد، وهو بيحط الصينية:
"ماشي، بس اشربوا الشاي... يمكن يفلتر التفكير شوية."
جاسر، وهو بياخد كوباية:
"أنا نفسي أفهم... إحنا عايشين ليه كده؟ حروب، شغل، صفقات، مراقبة... فين البني آدم جوا كل واحد فينا؟"
مراد، بعد سكون قصير:
"يمكن البني آدم جوهنا مات... من كتر ما اتضرب واتخدع واتكسر."
دخل ياسين بهدوء، لكن خطواته ليها صوت، كأن الهيبة تمشي قبله.
ياسين، بنظرة حاسمة:
"هو ما ماتش... هو مستني لحظة يرجع فيها."
سكتوا التلاتة، وبصوا له.
ياسين، وهو بيقعد على الكرسي قدامهم:
"كل واحد فينا عنده حرب خاصة... بس المعركة الجاية مش عن المال ولا النفوذ... دي عن قلوبنا."
زين، باستغراب:
"يعني... انت بتقول إن الحب داخل اللعبة؟"
ياسين، وهو بيرفع كوباية الشاي:
"ويمكن الحب هو اللعبة نفسها... بس احنا اتعلمنا نلعبها غلط."
مراد، بنغزة خفيفة:
"وأنت ناوي تلعبها صح المرة دي؟"
ياسين، بنظرة غامضة:
"المرة دي... مش هسمح إني أخسر."
وساد بينهم سكون... لكن مش سكون العتمة، ده كان سكون البداية... وكأن في قرار اتولد في اللحظة دي جوه كل واحد منهم.
وفجأة، صوت خطوات تقيلة جه من وراهم...
كان الجد "محمد المحمدي" داخل، ماسك عكازه، ووشه فيه ملامح صارمة لكنها حكيمة.
محمد، بصوته الجهوري:
"تجمع الرجالة ده عاجبني... بس ناقصه حاجة واحدة."
مراد، وهو بيبتسم:
"إيه يا جدي؟"
محمد، وهو بيبص لهم واحد واحد:
"ناقصة ست... تكسركم من جوا وتبنيكم من أول وجديد."
ضحكهم كانت فيها اعتراف... مش بس بحقيقة قالها الجد، لكن يمكن بحقيقة نفسهم ما بينطقوهاش.
****
في فيلا الألفي بغرفة ملك مساءً
كانت ملك قاعدة على سريرها، وسط أوراق ومجلات تصميم معماري مفتوحة، ودفترها مرمي جنبها، وعليه رسمة لفيلا جديدة واضح إنها اشتغلت عليها طول اليوم.
الجو كان هادي، لكنه مش صامت... كان فيه صوت خفيف لموسيقى كلاسيك خارجة من السماعة الصغيرة على الكومودينو.
دخلت ليلى من غير ما تخبط، لابسة بيچاما قطن ناعمة، وشعرها مفرود ووشها فيه لمعة تعب.
ليلى، وهي بتتمطى:
"أوف... رجليّ وجعتني من الوقفة طول اليوم، يا ريتني رميت القماش كله ومشيت!"
ملك، وهي بتبتسم من غير ما تبص لها:
"مش إنتي اللي قلتي: الفن رسالة، والتصميم تعبير عن الروح؟"
ليلى، وهي بتقعد جنبها:
"آه... بس الروح نفسها محتاجة تنام دلوقتي."
ضحكوا الاتنين بخفة.
ملك، بنظرة شاردة:
"حاسّة إن في حاجة جاية... حاجة كبيرة... حلوة بس تخوف."
ليلى، وهي بتبصلها باهتمام:
"جاية منين الإحساس ده؟"
ملك، وهي بتقلب صفحة من دفترها:
"مش عارفة... يمكن من نظرة بابا، أو سكون البيت، أو حتى من قلق سلمى اللي مش عارفين سببه لحد دلوقتي."
ليلى، بنبرة جدية هادئة:
"أنا كمان قلبي مش مطمن... بس في نفس الوقت، مش حابة أخاف. أنا حاسة إن اللي جاي هيفتح باب لمرحلة تانية في حياتنا."
ملك، وهي بتقفل دفترها وتبص في عين أختها:
"وإنتي لو اتفتحلك الباب ده... هتدخلي؟"
ليلى، بعد سكون بسيط:
"لو اللي ورا الباب يستاهل... هدخله، حتى لو على أطراف قلبي."
سكتوا... بس عنيهم كانت بتتكلم أكتر من أي كلام.
فجأة دخلت جودي، لابسة نظارة طبية وشعرها مربوط كعكة فوق راسها، ماسكة كوباية لبن وكتاب، وقالت وهي داخلة:
جودي، بجدية شبه تمثيلية:
"هو فيه اجتماع سري هنا وأنا مش مدعوة؟"
ليلى، وهي بتضحك:
"ده مش اجتماع، دي جلسة مصارحة ليلية مع الذات!"
ملك، وهي بتوسع لهم مكان على السرير:
"تعالي، انضمي لنا... إحنا بنرصد اهتزازات المستقبل."
جودي، وهي بتقعد:
"اهتزازات ولا طاقة قلق؟"
ضحك البنات التلاتة... ضحكة خفيفة لكن دافية.
وفوقهم، على الحائط، كانت رسمة قديمة لأمهم الراحلة هالة، مرسومة بالألوان الزيتية، وابتسامتها كأنها بتبارك لمّة بناتها.
ملك رفعت عينيها على الصورة وهمست:
ملك، بنبرة مغمورة بدفء:
"يارب تكوني فخورة بينا... وواقفانا من فوق، زي ما كنتِ دايمًا ضهرنا."
جودي، وهي تحط راسها على كتف ليلى:
"أنا متأكدة إنها واقفة... وبتدعي لنا."
وسكتوا التلاتة... لكن قلبهم كان بيتكلم.
برّه الأوضة، كانت سلمى داخلة من باب الفيلا، ملامحها متعبة، لكن فيها لمعة مش مفهومة... وكأنها كانت في مكان، وقابلت حد... وراجعة بوجع، بس فيه نار جديدة مولعة جواها.
طلعت السلالم بهدوء، جزمتها في إيدها، خطواتها على الأرضية كانت خفيفة، بس قلبها كان بيخبط جواها بصوت عالي.
دخلت أوضتها، قفلت الباب وراها، وقفت لحظة، سايبة ضهرها للباب، وعنيها مغمضة.
سحبت نفس طويل...
ورجعت بدماغها لـ قبل ساعات قليلة...
**
[فلاش باك - العصر - أحد الكافيهات القديمة في وسط البلد]
سلمى كانت قاعدة في ركن هادي، بعيد عن الدوشة، لابسة جيبة كحلي طويلة وبليزر رمادي بسيط، شعرها ملموم وعيونها متوترة. كانت مستنية حد... وبتبص في الساعة كل شوية.
دخل شاب طويل، عريض المنكبين، بشرته قمحية وملامحه فيها تناقض غريب بين الطيبة والصلابة... لابس جاكيت جلد أسود، وعينيه غامقة، بتحمل وجع قديم متخزن ورا صمت طويل.
سلمى وقفت أول ما شافته، هو قرب منها، وسحب الكرسي وقعد بهدوء.
قالت بصوت واطي:
"مفيش داعي نلف وندور... أنا جيت عشان أفهم بس، مش أكتر."
هز راسه، وقال:
"وأنا جيت عشان أقولك اللي عمري ما عرفت أقوله."
بينهم كانت في سنين مسكوت عنها، حاجات ما بينتش، وعلاقات تقطعت واتفكت من غير ما حد يشرح ليه.
هو بدأ يحكي... عن خطأ قديم... عن خوفه يقرب منها قبل كده... عن شعور بالذنب، وعن لحظة شافها فيها كانت كافية توقظ كل حاجة كان مدفنها.
سلمى ما قالتش كتير... بس كانت بتسمع، وكل كلمة بتسكن في حتة حساسة جواها.
في الآخر، سألها بنبرة خفيفة، لكن تقيلة بمعناها:
"تحبي نبدأ من أول؟"
سكتت.
نظرت له بنظرة طويلة... وقالت وهي تقوم:
"المشكلة مش في البداية... المشكلة إني مش عارفة أنهي اللي جوايا الأول."
وسابته، وخرجت... لكن دماغها كانت مولعة، والقلب اتحرك.
**
[عودة للحاضر - أوضة سلمى - ليلًا]
فتحت عينيها، ودمعة نازلة على خدها...
مش دمعة ضعف، لأ... كانت دمعة ارتباك...
هي نفسها مش عارفة ده كان وداع... ولا بداية لحرب مشاعر جديدة.
قربت من مرايتها، بصّت لنفسها...
وقالت لنفسها بصوت مسموع، كأنها بتحاول تقنع روحها:
> "أنا مش ضعيفة... بس يمكن كنت محتاجة أفتكر إني لسه حاسة."
نورت الأباجورة، قعدت على طرف السرير، وفضلت سرحانة...
لأن اللي شافته النهارده... خبط قلبها، بس ما طمنوش.
وسؤال واحد فضّل يزن في دماغها:
"لو رجع... هل قلبي يقدر يستقبله... ولا الباب اتقفل خلاص؟"
****
في الجنينة الخلفية بفيلا الألفي عصراً
كانت الشمس بتنسحب على استحياء، وبتسيب الدنيا في لحظة ما بين الدفا والبرد... نسمة هادية كانت بتعدّي وسط الشجر، تحرك أوراقه، وكأنها بترتب الجو للحظة مريحة.
ملك كانت قاعدة على الكرسي الخشبي في الجنينة، لابسة ترينج رمادي بسيط، وشعرها مربوط بسرعة فوق راسها، في إيدها كتاب، لكن عينها مش مركزة فيه... كانت بتبص للبعيد، في حالة شرود مش عادية.
من بعيد، دخل آسر بهدوء، لابس قميص أبيض وبنطلون جينز، في إيده عصير مانجا بارد، وعينيه أول ما شافتها كانت بتدور عليها، مش قصدًا... بس قلبه دايمًا بيدلّه.
شافها قاعدة لوحدها، قرب منها بهدوء، وقف عندها وقال بنبرته الهادية:
"مشهد الغروب في المكان ده، شبه الهدوء اللي بيطلع منك."
ملك رفعت عينيها له، وابتسمت ابتسامة خفيفة: "غروب إيه؟ أنا مش شايفة حاجة أصلًا... سرحت."
قعد جنبها من غير استئذان، وادّاها العصير: "خدي... دماغك باين عليها محتاجة سكر."
ضحكت بخفة وهي تاخده، وقالت: "شكرًا يا ابن خالتي، دايمًا منقذ."
سكتوا لحظة، بس الصمت ماكانش تقيل، كان مريح.
آسر قال بصوت أقرب للهمس: "عارفة؟ من وأنا صغير، كنت دايمًا بفتكر إن البنات صوتهم عالي، ومليان شكاوي وكلام كتير... بس انتي، مختلفة."
ملك بصّت له باستغراب: "مختلفة؟ في إيه يعني؟"
قال وهو بيبص في الأرض: "في كل حاجة... في سكتك، في كلامك، في حضورك الهادي اللي بيشبه نسمة الهوا قبل النوم."
سكت، بس قلبه ماكانش ساكت.
هي ما ردتش، بس وشها اتغير... لمعة صغيرة ظهرت في عينيها، بس خبّتها بسرعة.
آسر بص فيها، بعينيه مش بكلامه، وكأن عينيه لوحدها بتقول:
"أنا شوفتك... ويمكن اتأخرت، بس شوفتك."
قام بعد لحظة، وقال بنبرة خفيفة وهو بيضحك: "ما تبقيش تسرحي تاني وتخوفي قلوبنا، فاهمة؟"
ملك ضحكت، وهزت راسها: "حاضر يا دكتور."
آسر مشي، بس وهو بيبعد، قال بصوت واطي، كأن بيكلم نفسه: "مش هسمحلك تسرحي من قلبي."
**
(بعد ما آسر مشي وملك لسه قاعدة مكانها...)
آسر وهو ماشي، ملامحه هادية، بس جواه كان في حوار داير...
صوت العقل بيهمس له:
"أنت متأكد؟ هي مش زي اللي كنت بتدور عليهم دايمًا... هادية زيادة عن اللزوم."
صوت القلب رد عليه، بثقة:
"علشان كده حبيتها... الحب مش صخب، الحب سكون بيحضنك وأنت مش داري... وملك بتعمل كده من غير ما تقصد."
العقل حاول يراجع:
"وسلمى؟ كنت منبهر بيها... كانت جذابة، ذكية، قوية..."
القلب قطع عليه الكلام، وقال بنبرة هادية لكن قاطعة:
"سلمى كانت إعجاب... شخصية بتشد، آه... بس ملك؟ ملك لمست حاجة جوايا كنت فاكر إنها ماتت."
آسر وقف لحظة في نص الممر، وبص وراه ناحيتها... كانت لسه قاعدة في مكانها، بتمص في العصير بعفوية، وعنيها نازلة على الكتاب.
القلب قال:
"هي دي اللي ما بتتكلمش كتير... بس كل مرة تبصلي فيها، بحس إني لقيت نفسي."
العقل سكت... لأول مرة.
وآسر كمل طريقه، بس جواه كان عارف...
الخطوة الجاية مش مجرد مشاعر، دي بداية طريق مش هينفع يرجع منه.
****
"وفي اللحظة اللي كل حاجة فيها بدأت توضح... كانت النار تحت الرماد بتتأجج أكتر.
الحب ابتدى ينكشف... بس الخطر كمان قرب.
ما بين خطوة قلب وآثار ماضي، كل واحد فيهم واقف على حافة، ومستني اللحظة اللي هتغير مصيره.
الفصل خلص، بس الحكاية... لسه في أول وجعها.
استنّوني في اللي جاي... لأن الجاي مش بس أقوى... الجاي هيكشف اللي محدش كان يتوقعه."
شكرا لزيارتكم عالم روايات سكيرهوم