رواية احفاد المحمدي الفصل الثامن 8 بقلم ساره ياسر


رواية احفاد المحمدي الفصل الثامن بقلم ساره ياسر



🕊️ "كل الحكايات الكبيرة... بتبدأ بلحظة صغيرة. نظرة، جملة، أو حتى صمت.
بس لما الحكاية تبقى ماشية في سكة خطر، بيبقى كل تفصيلة فيها مرصودة...
وكل قلب بيتحرك، بيتحسب له ألف حساب.
في الفصل ده، الورق هيبدأ يتكشف، والخيوط هتتشابك أكتر،
بس في وسط كل ده... في قلوب هتبدأ تنبض من جديد."

✒️ استعدوا...
لأن اللي جاي مش مجرد خطوات… ده طريق طويل ما فيهوش رجوع.
و"أحفاد المحمدي"... بدأوا يلعبوا الجد.

***

[في غرفة سلمى – ليلًا]

كان الليل قد ابتلع ضوء اليوم الأخير، وسكون غريب يخيم على أركان الفيلا.
ضوء الأباجورة الصغيرة ينعكس على وجه سلمى، التي ما تزال جالسة على طرف السرير، عيناها شاردة، وكأنها تحاول أن تُخرج ما علق داخلها من أثر اللقاء القديم.

المكالمة التي وصلت على هاتفها لم تكن كأي مكالمة...
الاسم الظاهر على الشاشة جعل نبض قلبها يتسارع.

"ياسين المحمدي"

رفعت الهاتف ببطء، لم تردّ فورًا، ثم بعد تردد بسيط... ضغطت زر الإجابة.

سلمى، بصوت خافت:
"ألو؟"

ياسين، من الطرف الآخر، صوته عميق لكنه هادئ:
"كنت مستني أرد... بس ما حبيتش أقفل اللي بينا كده."

سلمى، بنبرة مشوشة:
"هو كان في حاجة بينا أصلًا؟"

سكت لحظة، كأنه بيجمع كلماته.

ياسين:
"يمكن لسه... ويمكن من زمان. بس اللي أنا متأكد منه... إنك مش زي أي حد قابلته في حياتي."

سلمى ضحكت بخفة، بس كانت ضحكة مش صدقة، فيها حذر أكتر من سخرية:
"ياسين، إحنا قابلنا بعض مرتين... واحدة كانت كلها تحقيق، والتانية كانت كلها صدام. إنت متأكد إنك بتكلم البني آدمة الصح؟"

ياسين، بثبات:
"أيوه... عشان حتى لما كنتي بتزعقي، كنتي أصدق من ناس كتير بتضحك لي.
وأنا عندي استعداد أسمع الزعيق ده طول عمري... لو ده معناه إني هقرب منك."

سلمى سكتت.
كلمات زي دي كانت ممكن تذوّب أي قلب... لكنها حست إنها داخلة على طريق محفوف بالنار.
مش لأنه وحش... لكن عشان هي نفسها لسه مش عارفة تطفي اللي جواها.

قالت بهدوء:
"أنا تعبت... مش من الناس، من نفسي.
وفيه حاجات لسه ما خلصتش، ولسه واجعة، ولسه مش جاهزة أفتح باب جديد."

ياسين، بنبرة فيها احترام ومراعاة:
"أنا مش مستعجل... بس حبيت أقولك، إنك مش لوحدك.
وإنك لو قررتي تحكي، أو حتى تسكتي... أنا موجود."

سلمى، بصوت منخفض:
"شكرًا..."

وسكتت، وبإيدها قفلت المكالمة بهدوء،
حطت الموبايل على الكومودينو،
وقلبها كان لسه بيخبط…
مش بسبب الحب، لكن بسبب خوفها من التكرار… من الفقد، من النهاية.

**

[في مكتب ياسين – نفس التوقيت]

كان واقف قدام الشباك الكبير، الموبايل لسه في إيده، وضوء المدينة بينعكس على زجاج المكتب.

دخل مراد بهدوء، بصّ له وسأله:
"كلمتها؟"

ياسين، وهو بيحط الموبايل على المكتب:
"آه... بس وجعتني أكتر ما ريّحتني."

مراد، وهو بيقرب:
"وجعتك؟ ولا لمست حتة كنت فاكرك قافلها؟"

ياسين ابتسم ابتسامة هادئة، لكن وراها وجع دفين:
"الاتنين."

**

في صباح اليوم التالي

أشعة الشمس بدأت تتسلل ببطء داخل أوضة ملك، اللي كانت نايمة على جنبها، والدفتر مفتوح جنبها من امبارح… رسمة فيلا جديدة، وفيها ملاحظات مكتوبة بخط سريع.

طرق الباب طرقات خفيفة، وبعدين دخلت جودي بشعرها مربوط على شكل كحكة، ونظارتها على عينيها، ماسكة كوباية نسكافيه.

جودي، بصوت ناعم:
"صباح الخير يا مصممة المستقبل… نايمة فين والدنيا كلها صحت؟"

ملك، وهي بتفتح عينيها بنعاس:
"كنت بفكر… ورحت في النوم من كتر التفكير."

جودي، وهي بتحط الكوباية جنبها:
"تفكير في إيه؟ المشروع؟ ولا ابن خالتنا اللي عامل نفسه مش واخد باله من كل حاجة؟"

ملك ضحكت، لكن كانت ضحكة مكشوفة إنها بتحاول تهرب.

ملك:
"أنا مش بفكر في آسر… ولا في حد."

جودي، وهي بتقعد جنبها على السرير:
"بصي، إنتي ممكن تكدبي على أي حد… إلا عليّ.
أنا شايفاكي بتتلخبطي كل ما يكون قريب… وبتسكني لما يبعد."

ملك، بهدوء وعيونها في الأرض:
"عشان مش عايزة أتعلق بحاجة ملهاش ملامح.
آسر كويس… جدع، وأهلي، وكل حاجة. بس… أنا خايفة."

جودي، بتنهيدة:
"كلنا خايفين. بس هو كمان باين عليه مش عارف يقرب ولا يبعد."

ملك سكتت، وبعدين قالت بنبرة فيها شيء من الحسم:
"اللي بيننا لازم يحصل بشروط واضحة… أنا مش بلعب، ولا عايزة أتجرح."

**

في قصر المحمدي بالجنينة الخلفية – ظهرًا

آسر كان واقف عند سور الجنينة، بيشرب عصير ليمون، وباصص للسما.
خطوات جاية من وراه كانت بتقرب بهدوء… ولما لف، لقى زين واقف ورا.

زين، وهو بيبتسم:
"مش غريب تشرب ليمون في عز الحر كده؟"

آسر، وهو بيرد بابتسامة خفيفة:
"بحاول أهدي أعصابي شوية."

زين، وهو بيقعد على الكرسي قدامه:
"ملكة مخليك تايه كده؟"

آسر ضحك، بس الضحكة كانت وراها تفكير:
"مش عارف أبدأ منين… ولا أقول إيه.
أنا عارفها من وإحنا صغيرين… بس كل مرة بقرب، بحس إني ماستهلهاش."

زين، بنظرة جدية نادرة:
"بس انت بتحبها؟"

آسر، وهو بيبص في الكوباية:
"ماعرفش… بس اللي متأكد منه إني مش عايز حد غيرها."

زين، بابتسامة هادية:
"يبقى تبدأ من هنا."

**

في مكتب رأفت الألفي – بعد الظهر

رأفت كان قاعد على مكتبه، قدامه ملف قديم مكتوب عليه:
"قضية رقم ١٤٧ – أرشيف هالة الألفي"

دخلت سلمى فجأة، ومعاها كام ورقة مطبوعة.

سلمى، بنبرة جدية:
"بابا… الملف اللي كنت بتدور عليه، لقيته في درج مقفول عند ماما."

رأفت، وهو بيقوم بسرعة:
"إزاي؟ إمتى؟"

سلمى، وهي بتحط الأوراق قدامه:
"من امبارح… بس كنت محتاجة أقرأه الأول."

رأفت قلب الورق بعينيه، ملامحه اتغيرت.

رأفت، وهو بيهمس:
"دي أسماء… وشبكة كاملة.
دي الأوراق اللي كانوا بيدورا عليها زمان… واللي خلت أمكم تختفي فجأة من الصحافة."

سلمى، بهدوء:
"فاكرة كل كلمة قالتها لي قبل ما تمشي… بس ما فهمتش وقتها. دلوقتي بس، كل حاجة بتوضح."

رأفت، بعزم:
"يبقى لازم نكمل اللي بدأته."

**

في كافيه هادي في الزمالك – عصراً

في زاوية هادية من كافيه كلاسيكي على النيل، كانت قاعدة نوران…
بنت في أواخر العشرينات، ملامحها ناعمة لكن جواها قوة واضحة، شعرها كيرلي مربوط، لابسة قميص أبيض واسع وبنطلون جينز فاتح، وقدامها لابتوب مفتوح على تصميم صفحة لمجلة إلكترونية.

كانت مركزة جدًا، وسماعاتها في ودنها، والمزيكا ماشية، بس دماغها في حتة تانية.

عدّى من جنبها "عامل الكافيه" وقال:
"كالعادة يا أستاذة نوران؟"

نوران، بابتسامة سريعة من غير ما تبصله:
"أكيد… لاتيه بلا سكر، ومية باردة."

رجع تاني بعد دقيقة، حط الطلب على الترابيزة، وقال:
"بالمناسبة، كان في شاب سأل عليكي من شوية… قال إنه بيشتغل في مؤسسة المحمدي، اسمه زين."

نوران رفعت عينيها فجأة، قلبت عينيها شوية، وقالت لنفسها:
"زين؟ هو عايز إيه تاني؟"

سحبت موبايلها بسرعة، وكتبت له رسالة:

> "أنت بتراقبني ولا صدفة؟!"

ما لحقتش تقفل الموبايل، لقيت رقم مجهول بيتصل بيها.

ردّت، بصوت حذر:
"أيوه؟"

الصوت من الطرف التاني كان هادي وواثق:

> "إحنا لسه ما خلصناش كلام يا نوران…
في معلومات عندك أنا محتاج أوصل لها، وده ممكن يفيدك أكتر مما تتخيلي."

نوران سكتت، وعيونها اترفعت للناس اللي في الكافيه…
حسّت إن في عيون بترقبها…

قالت بهدوء:
"قابلني في مكان مفتوح، ونتكلم… بس لو جبت سيرة الماضي، هقوم أمشي."

قفل السكة، وهي اتنهدت، وبصّت في النيل.

همست لنفسها:
"واضح إن اللي هربت منه… رجع يدق الباب من تاني."

**

نوران نادر — 28 سنة.
مصممة جرافيك حرة، شغوفة بالكتب والوثائق القديمة، وبتشتغل أحيانًا كباحثة في أرشيف الصحف والمجلات.
بنت مختلفة... مش بس في طريقتها، لكن في رؤيتها كمان.
عندها قدرة على قراءة التفاصيل الصغيرة اللي الكل بيتجاهلها… وبتسعى دايمًا ورا الحقيقة، حتى لو كانت موجعة.

ورغم الهدوء الظاهري اللي لابساه، قلبها شاف حروب محدش يعرف عنها حاجة.
اتربّت على الاستقلال، واختارت تبعد عن العلاقات المعقدة… لكن الماضي بيحب يلعب لعبته، و"نوران" دلوقتي على وشك تكتشف إن الهروب مش دايمًا أمان.

ظهورها مش صدفة…
وجودها هيقلب المعادلة، وهيقرب خيوط جديدة من اللعبة اللي بدأت تتكشف، و"نوران"... مش من النوع اللي بيتفرج من بعيد.

**

في دار وثائق قديمة بمنطقة وسط البلد

في ركن هادئ من الدار، كانت الأضواء باهتة، والغبار بيرقص في الهواء تحت خيوط الشمس المتسللة من شبابيك عالية.

زين المحمدي دخل بخطوات واثقة، لابس بدلة رمادية بسيطة، ماسك في إيده ملف فيه أسماء وأوراق باهتة، ومشي ناحية الرفوف الطويلة اللي بتحوي أرشيف مقالات قديمة من عشرات السنين.

كان باين عليه التوتر... الموضوع اللي بيدوّر فيه مش سهل، وخصوصًا بعد ما ظهرت خيوط جديدة من أيام هالة الألفي.

وبينما هو بيقلب في ملفات الصحف، سمع صوت أنثوي هادي ومرتب:

نوران:
"لو بتدور على مقالات ممنوعة من النشر، مش هتلاقيها في الرف ده… ده رف المقالات المكرّمة، مش المقالات المسكوت عنها."

لف زين ببطء، عيونه وقعت على شابة واقفة على بعد خطوتين، لابسة كيمونو رمادي واسع على بنطلون جينز، شعرها مربوط كعكة عالية، ونضارة مدوّرة بتزين وشها الهادي.

زين (بدهشة خفيفة):
"وانتِ عرفتي منين أنا بدوّر على مقالات ممنوعة؟"

نوران (بابتسامة جانبية):
"عشان كل اللي بيدخل المكان ده بنية نضيفة… بيبص على الرفوف.
بس اللي جاي يدور على الحقيقة… بيبص في الأرض، كأنه مستنيها تطلع له من تحت التراب."

زين بص لها بنظرة أطول، فيها اندهاش… وفيها تقدير.
فيها حد شافه قبل ما يتكلم.

زين (وهو بيقرب):
"يتهيألي انتي بتشتغلي هنا؟"

نوران:
"مستقلة، بس ليّا تصريح دائم. أنا بحب الحكايات اللي بتتهرّب من عيون الناس… وبشتغل أوقات مع جهات توثيق خاصة. لو كنت بتدوّر على حاجة محددة… ممكن أساعدك."

زين (بصوت فيه نبرة تحدي هادي):
"أنا بدوّر على امرأة اختفت وهي بتطارد قضية… ودفنوها بكلام زي “أزمة نفسية” و“حادث طبيعي”...
اسمها كان: هالة الألفي."

لحظة صمت عبرت بين الاثنين.

نوران شدّت نفس خفيف، وبصّت له بتركيز واضح، كأن الاسم صحّا حاجة جوّاها.

نوران (بنبرة أهدى):
"أنت أول واحد يجيب سيرتها هنا من سنين...
ولو فعلاً ناوي تفتح الملف ده... يبقى لازم تبقى مستعد تدفع تمنه."

زين (بثبات):
"أنا مش خايف... لكن مش ناوي أخوضها لوحدي."

نوران قربت خطوة، ومدّت له ورقة من درج قديم:

نوران:
"ابدأ من هنا... وهتشوف إن القصة اللي بتدوّر عليها، لسه بتنكتب."

زين أخد الورقة، وبص فيها… ثم رفع عينه لها، وقال بابتسامة خفيفة:

زين:
"اسمك؟"

نوران (بنبرة ثابتة):
"نوران نادر."

زين:
"تشرفت... بس أنا حاسس إننا لسه ما بدأناش نتعرّف فعلاً."

ونظرته كانت فيها وعد... ووتر مشدود بدأ يرنّ بين السطور.

نوران (بغمضة عين):
"كل حاجة وليها وقتها... حتى المواجهات."

وتمشت بعيد، تسيبه واقف، ممسك بالورقة... لكن عنيه كانت لسه معلقة بيها.

**

في مشغل ليلى الصغير بداخل فيلا الألفي

كانت ليلى واقفة قدام ترابيزة كبيرة، عليها قماش ساتان مطرّز بخيوط دهبية، بتحاول تظبط الرسمة الأخيرة لفستان عُرس بتجهزه لواحدة من زباينها.

الضوء داخل من الشباك العريض، والمكان فيه ريحة قماش جديد وموسيقى كلاسيك هادية طالعة من السماعة الصغيرة.

فتحت الباب "جودي"، وهي ماسكة كوباية نسكافيه، وقالت بنبرة مرحة:

جودي:
"انتي ناوية تعيشي هنا ولا إيه؟! من إمبارح وانتي محبوسة!"

ليلى (من غير ما تبص):
"أنا بلملم تفكيري... الشغل بيساعدني أفهم الدنيا حواليا."

جودي (بغمزة):
"يعني بتفكري في اللي حصل مع بابا؟ ولا في اللي حصل في العيلة المحمدي؟ ولا فـ... مراد اللي بيعدّي عليك كل شوية من غير سبب واضح؟"

ليلى (بابتسامة خفيفة وهي بتعدّل الإبرة):
"جودي! مركزة أوي انتي!"

جودي:
"هو أنا الوحيدة اللي شايفة إنه بيرائبك بعينه؟ حتى وإحنا قاعدين مع بعض... عينه مش بتسيبك!"

ليلى (بصوت هادي):
"أنا مش بفكر في كده دلوقتي... تفكيري كله مع أمنا، والكلام اللي قاله بابا.
لو فعلاً كانت بتكتب في قضايا كبيرة، ولو فعلاً في شبكة بتتستر على حاجات ضخمة...
يبقى اللي ماتت عشانه... ماينفعش نمشي من غير ما نكمّل طريقها."

جودي (بجدية مفاجئة):
"بس احنا مش صحفيات زيها... ولا معانا حد يحمينا..."

ليلى (وهي بتبص لعيني أختها):
"بس احنا بنعرف نميز بين الصح والغلط... وده لوحده كفاية إننا نتحرك."

فجأة، الباب بيخبط خبطتين خفاف، ويدخل مراد المحمدي، لابس كاجوال بسيط، وشكله مريح. في إيده ملف صغير.

مراد:
"آسف لو قطعت عليكم... بس كنت جاي أرجّع ليلى الفلاشة اللي نسيتها عند ياسين لما عرضت الرسومات."

ليلى (باستغراب وهي تاخدها):
"نسيّاها؟! ده أنا كنت فاكراها ضاعت!"

مراد (بابتسامة خفيفة):
"أنا شفتها وافتكرتك... قلت مش لازم تضيع حاجة فيها مجهود زي ده."

جودي (بمكر):
"وأنا همشي... واضح إن الجو هيبقى فيه تركيز على حاجات أعمق."

خرجت جودي، وسابتهم في سكون بسيط.

مراد (وهو بيقف جنب الترابيزة):
"أنا كنت عايز أقولك حاجة تانية..."

ليلى (بهدوء):
"قول..."

مراد (بصدق واضح):
"اللي حصل مع والدتك... مكنش صدفة.
وإحنا في العيلة بدأنا نربط خيوط كتير جدًا، واللي بيظهر إن الست دي كانت بتحارب لوحدها، وكانت قريبة تكشف أسماء كبيرة."

ليلى:
"يعني فعلاً ماتت عشان كانت بتكتب؟"

مراد:
"اللي زيها ما بيموتش على سرير...
أنا بس حبيت أقولك، لو حبيتي تعرفي أكتر، أو حتى تساعدي... احنا مش هنقفل الباب في وشك.
وبالنسبة لـ... أي مساعدة، أنا موجود."

ليلى (وهي بتبص له مباشرة):
"شكراً يا مراد... بس أنا مش هقف على الهامش.
اللي حصل لأمي... هيخصني أكتر من أي حد."

مراد (بنظرة فيها إعجاب):
"عارف... ويمكن علشان كده، أنا مصمم أكون جمبك."

لحظة سكون دافية... لكن فيها بداية مختلفة.

ليلى رجعت تبص على الفلاشة في إيدها، وقالت بصوت هادي:

ليلى:
"ماينفعش نسيبها تموت مرتين."

مراد:
"ومش هنسيب."

وسابها وخرج، لكن نظرة عينه الأخيرة، كانت بتقول للّي شايف:
"أنا شايفك... ومش ناوي أسيبك لوحدك."

ليلى فضلت واقفة في مكانها، ماسكة الفلاشة في إيدها، بس قلبها هو اللي كان بيتهز.
مش بس من كلام مراد...
لكن من كل حاجة بتحصل حواليها:
كلام أبوها، نظرات أختها سلمى، وملامح أمها اللي مرسومة جوا ذاكرتها بتصرخ:
"كمّلي اللي بدأته."

قعدت على الكرسي، فتحت اللابتوب، وركّبت الفلاشة.

ظهر قدامها فولدر باسم: "HALA—FINAL FILES"

نفسها اتحبس، وإيدها ارتعشت قبل ما تفتح الملف.

لكنها ضغطت... وبدأت الملفات تتفتح قدامها.

تقارير، صور، ملاحظات بخط إيد مكتوب فيها أسماء...
وكل اسم، بيرن في عقلها زي إنذار.

وفجأة، ظهر اسم على الشاشة...
"سالم العشماوي"

رفعت حاجبها، وتمتمت:

ليلى:
"مش ده الراجل اللي كنا بنشوفه مع بابا زمان؟ اللي كان بييجي كل عيد؟"

بدأت تركّز أكتر، وقلبها يدق أسرع.

وفي اللحظة دي، سمعت طرق خفيف على باب المشغل...
رجعت بسرعة قفلت الفلاشة، وردّت:

ليلى:
"مين؟"

الباب اتفتح بهدوء...
وكانت سلمى واقفة، وشكلها مرهق، لكن في عنيها إصرار غريب.

سلمى:
"أنا محتاجة أكلمك."

ليلى (بقلق):
"خير؟ في حاجة حصلت؟"

دخلت سلمى وقفلت الباب وراها، وقعدت قدام أختها.

سلمى:
"أنا قابلت ياسين إمبارح... بالصدفة.
بس الكلام اللي بينا... كان بعيد عن الصدفة تمامًا."

ليلى (بتركيز):
"كلمك عن إيه؟"

سلمى (بهدوء غريب):
"عن أمنا."

سكتوا التنتين، وكل واحدة كانت بتبص في عيون التانية كأنهم بيحاولوا يلاقوا الإجابات جوا بعض.

ليلى (بصوت خافت):
"إحنا داخلين على حاجة كبيرة، صح؟"

سلمى (وهي تهز راسها):
"أكبر مما تخيلنا...
بس لو أمنا ماتت وهي بتحارب،
يبقى ماينفعش إحنا نعيش وإحنا ساكتين."

سكون تقيل... لكنه محمّل بقرار واضح.

ليلى فتحت اللابتوب تاني، وبصّت لأختها، وقالت:

ليلى:
"تعالي... نشوف أمنا كانت بتحاول تقولنا إيه."

وسلمى قعدت جنبها، وكل واحدة منهم حاسة إن خطواتهم الجاية... مش هتكون عادية.

**

ليلى وسلمى كانوا قاعدين جنب بعض، واللابتوب مفتوح قدامهم... الشاشة منوّرة في ضوء الغرفة الخافت، ووشوشهم فيها توتر وخوف وفضول.

ظهر صوت الباب بيتفتح بهدوء، ولما لفوا... شافوا ملك واقفة، لابسة بيچامتها، وشعرها مفكوك، وبتبص لهم باستغراب:

ملك (بنبرة نعسانة):
"هو في اجتماع عائلي وأنا مش مدعوّة ولا إيه؟"

سلمى ضحكت بخفة، ومدّت إيديها ليها:

سلمى:
"تعالي، إحنا بنكتشف كنز... أو يمكن لغز."

ملك قربت وقعدت جنبهم، وبصّت في الشاشة، وابتدت الأسئلة تترسم في ملامحها.

ملك (بصوت منخفض):
"دي ملفات ماما؟"

ليلى أومأت، وقالت:

ليلى:
"فهمنا حاجات... ولسه اللي جاي أكتر."

وفجأة، سمعوا صوت خطوات تقيلة على السلم، وبعد ثواني الباب اتفتح...

رأفت الألفي دخل، لابس ترينج غامق، وشعره مش مرتب زي العادة، شكله كان صاحي من النوم أو يمكن ما نامش خالص.

وقف عند الباب، وبصّ عليهم التلاتة، وعيونه فيها خليط من التعب، والحب، والندم.

رأفت (بصوت هادي):
"كنتم مستنييني ولا قررتوا تسبقوني؟"

البنات لفوا له في وقت واحد، وكأنهم أطفال اتفاجئوا بوجود أبوهم، وكل واحدة فيهم كان في عنيها حنية.

سلمى (بابتسامة خفيفة):
"كنا بندوّر على أمنا... بس لقيناك."

رأفت اتقدم ناحيتهم، وقعد على طرف الكنبة، وبص في اللابتوب، وقال بصوت متأثر:

رأفت:
"هالة كانت شجاعة... كانت بتخاف عليكم أكتر من نفسها، وكانت بتحاول تخلّي العالم ده أأمن ليكم... حتى لو دفعت حياتها التمن."

سكت لحظة، وبصّ لليلى وسأل:

رأفت:
"فتحتي ملف سالم العشماوي؟"

ليلى هزت راسها بتوتر:

ليلى:
"آه... لقيت اسمه، وفاكرة إنه كان بييجي عندنا زمان."

رأفت تنهد تنهيدة تقيلة، وقال:

رأفت:
"كان واحد من الداعمين الكبار لجريدة كانت شغالة مع أمكم... وبعدين انقلب. بقى جزء من المنظومة اللي بتحاربها."

سلمى سألت بقلق:

سلمى:
"ليه ما قلتلناش ده من زمان؟"

رأفت (بصوت مكسور شويه):
"كنت بحاول أحميكم... بس يمكن الحماية الحقيقية إنكم تعرفوا، وتكملوا."

ملك مدت إيدها وحطتها على إيده، وقالت:

ملك:
"إحنا مش لوحدنا... وإنت كمان مش لوحدك يا بابا."

رأفت بصّ لها، وعينيه لمعت بدمعة خفيفة، حاول يخبّيها لكنه فشل.

ضمّ بناته التلاتة في حضنه، وقال بصوت مبحوح:

رأفت:
"أنا فخور بيكم... يمكن كنت بعيد أوقات، بس قلبي كان دايمًا معاكم."

لحظة صامتة... لكن قلب كل واحدة فيهم حسّها.

سلمى (وهي تهمس):
"يارب تكون ماما سامعة وشايفة..."

ليلى:
"ولو سامعة... أكيد دلوقتي بتبتسم."

وفي الخلفية، صورة "هالة الألفي" على الحائط كانت باينة، بابتسامة فيها نور، وكأنها بتشاركهم اللحظة...
لحظة دفّا، وحب، وقرار إنهم يكملوا الطريق... سوا.

**

في قصر المحمدي بصالون العائلة – مساءً

الصالون الكبير كان دافي بنور الأباجورات وصوت الساعة اللي بيرن كل ربع ساعة. الريحة المعتادة للعود المالي القصر كانت بتطمن أي حد يدخل، وكأنها بتقوله "إنت في حضن العيلة".

جاسر كان قاعد على الأرض، ضهره للكنبة، بيحل كلمات متقاطعة، وباين عليه زهقان.
مراد واقف عند البوفيه الصغير بيصب شاي، وزين قاعد على طرف الكنبة، بيتفرج على مقطع فيديو من ميمز مضحكة، بيضحك لنفسه.

وفجأة...

دخل الجد محمد المحمدي، لابس جلباب رمادي وعباية خفيفة، ووراه زينب، لابسة فستان بيتي ناعم، وشعرها ملفوف بإيشارب أنيق.

محمد المحمدي (بصوته الجهوري):
"إيه؟ شباب المحمدي قاعدين زي العصافير في القفص؟ ولا دي هدنة قبل العاصفة؟"

ضحك مراد، وهو بيقدمله كباية الشاي:

مراد:
"دي هدنة عقلانية يا جدي... لما يبقى الحب داخل على الخط، لازم نراجع نفسنا."

زينب رفعت حاجبها، وقالت بخفة دم:

زينب:
"راجعوا نفسكم براحتكم، بس لما الحب يطرق الباب... ما تخلوش عقلَكم يطلّع له تصريح خروج!"

ضحكوا الشباب، بس جاسر قال وهو بيغمز:

جاسر:
"أصل واضح إن الحب في البيت ده اتعلم منكم يا جدّي... حضرتك ما شاء الله، لسه بتبصلها النظرة دي لحد دلوقتي!"

الجد بصّ لزينب، وابتسم ابتسامة صغيرة فيها عمر بحاله، وقال:

محمد المحمدي:
"هي الوحيدة اللي لما ببصلها... الزمن بيوقف، والقلب بيفتكر إنه لسه بيبدأ يحب من جديد."

زينب ردّت، وهي بتخبّي كسوفها:

زينب (بضحكة خفيفة):
"كفاية يا راجل... الشباب هيحسدوك علينا."

مراد، وهو بيحاول يقلّد صوت الجد:

مراد:
"هو أنا لما حبيت... حبيت واحدة بس، وقلت دي اللي هشيب وأنا ماسك إيدها... كأن الحياة كلها اختصرت في ضحكتها."

زين رمى عليه مخدة من الكنبة:

زين:
"ما تبطل تقلد يا بتاع الميمز، هتبوظ اللحظة!"

جاسر، وهو بيضحك:

جاسر:
"بس بجد... عايزين نحب كده... حب له ضهر وسند وتاريخ... مش بس لحظة حلوة."

الجد سكت لحظة، وبصّ في عيونهم، وقال جملة سكت بعدها الكل:

محمد المحمدي:
"الحب مش لما تلاقي حد يكملك... الحب لما تلاقي حد يحارب معاك علشان تفضل كامل، حتى لو اتكسرت."

لحظة سكون...

وبعدها قالت زينب، وهي بتحط إيدها على إيد الجد:

زينب:
"واللي يحبك بجد... مش بس هيعرف نقط ضعفك، ده هيخبّيها عن الدنيا كلها... ويحبك بيها."

مراد، وهو بيصفق بخفة:

مراد:
"أنا لو ما كتبتش الجمل دي في بوست، يبقى أنا ما استاهلش أعيش الرومانسية دي."

زين، وهو بيضحك:

زين:
"جدي وجدتي تريند رسمي خلاص... خليهم يتجوزوا تاني ونعملهم فرح لايف على إنستجرام!"

زينب بصّت له بحدّة:

زينب (بضحكة مخنوقة):
"ده بدل ما تقول ربنا يحفظكم؟ هتعملنا فرح؟!"

محمد المحمدي، وهو بيشرب آخر رشفة من الشاي:

الجد:
"وإيه المانع؟... نعمل فرح، بس بشرط..."

الكل بصله:

محمد المحمدي:
"تكون كل بنت بتحب، وكل ولد صادق... لابس الأبيض على نية الصدق... وساعتها، نفرح كلنا من قلبنا."

مراد، وهو بيهز راسه:

مراد:
"الموضوع كبر أوي يا جماعة... إحنا داخلين في موسم حب رسمي."

زين:
"خدوا بالكم بس... لأن أول ما الحب يدخل، اللعبة بتتغير."

جاسر، وهو بيبص لجدته:

جاسر:
"ولو اللعبة زي ما أنتو لعبتوها... يبقى إحنا جاهزين."

ضحكوا كلهم، لكن في عيونهم كانت فيه لمعة أمل...
الحب قرب، والماضي بيرجع... بس العيلة دي عمرها ما وقفت قدام عاصفة وهي متفرقة.

دلوقتي، كل خطوة فيها دفء، وفيها نية...
نية إنهم ما يخسروش، لا قلوبهم، ولا بعض.

**

بفيلا الالفي في الجنينة الخلفية – بعد العشاء 

الهوا كان خفيف، بيحرّك شجر الليمون وبيهمس في ودان اللي قاعدين في سكون. السما صافية، فيها كام نجمة بيلمعوا فوق، كأنهم بيراقبوا المشهد وبيبتسموا.

ملك كانت واقفة لوحدها، لابسة ترينج خفيف بلون سكري، شعرها سايب على كتفها، وفي إيدها كوباية نعناع. عنيها سابحة في السما، بس قلبها كان في حتة تانية... حتة مش مفهومة.

قرب منها آسر، بصمت، ومن غير ما تقول حاجة، حست بيه.

بصّ لها، وقال بصوته الهادئ:

آسر:
"مش بردانة؟"

ملك، من غير ما تبصله:
"الدنيا مش برد... بس جوايا فيه نسمة مش مفهومة."

آسر وقف جنبها، وغمز بخفة:

آسر:
"نسمة دي اسمها توتر؟ ولا... حاجة تانية؟"

ملك ضحكت بخفة، وهزّت راسها:

ملك:
"مش عارفة... يمكن إحساس إني واقفة على أول سلم، ومش عارفة الخطوة الجاية هتوديني فين."

آسر سكت، وبص للنجوم، وقال:

آسر:
"أنا دايمًا كنت بحب أوصل للقمة بسرعة... بس أول مرة أحب أتأخر، علشان أمشي جنب حد... مش أسيبه ورايا."

ملك بصّت له ببطء، وفي عنيها لمعة خفيفة:

ملك:
"وأنا أول مرة أحس إن السكوت مش خوف... السكوت ساعات بيكون انتظار."

قرب منها شوية، وقال بصوت أوطى:

آسر:
"ولو كنت أنا اللي مستني... هتستنيني؟"

ملك شربت آخر رشفة من الكوباية، وقالت وهي تبص له:

ملك:
"لو كنت أنت... أنا مش هستنى، أنا همشي جنبك."

سكتوا لحظة.

الهوا لفّ حواليهم، وورقة صغيرة من شجرة الياسمين طارت، وقعت بين رجليهم.

آسر انحنى، خد الورقة، ومدّها لها:

آسر:
"خدي... دي أول وردة في أول صفحة من الحكاية."

ملك خدت الورقة، وحطتها في جيبها بهدوء، وقالت:

ملك:
"بس متنساش... أنا ببني، مش بلعب."

رد عليها وهو بيبص لها نظرة مافيهاش هزار:

آسر:
"وإنتِ... أول حد يخلي البنيان جواه طوبة من قلبي."

وساد السكون...

لكن قلبين اتكلموا، واتقابلوا في النص، بعيد عن عن كل ضجيج الدنيا، ورغم إن الكلام كان بسيط... بس اللحظة دي اتكتبت.

زي وعد صغير...
مش بيتقال، لكنه بيتحس.

****

"في اللحظة اللي ابتدت تتفتح فيها الزهور، اتفتحت كمان أبواب القلوب...
وما بين كلمة وسكوت، فيه حكاية بتتخلق، واحدة مش شبه أي حكاية قبل كده.
استنّونا في الفصل الجاي... لأن اللي جاي، أقرب للقلب، وأقوى من كل اللي فات."


شكرا لزيارتكم عالم روايات سكيرهوم
تعليقات