رواية رائحة الارض المفقودة الفصل السابع 7 بقلم فارق العلي

 

 

 

 رواية رائحة الارض المفقودة الفصل السابع بقلم فارق العلي


شمس الصبح چانت تمشي بخجل بين شوارع سيبا شيخ خدر، تسولف ويه الحيطان الطينية، وتداعب بيوت القرية وكأنها تمسّح غبار الليل عنها.

بساحة صغيرة يم السوق، گعد أبو صفية على طاولة خشب جوا يافطة باهتة مشدودة بالسيم، وبضهره المحل مالته طالع من بيته، مكتوب عليها بخط عريض ومتعرج:

"محل أبو صفية للابان."

أبو صفية، اسمه الحقيقي زينو شمو، چان رجل خمسيني، نَحيف، صوته هادي، وچفوفه دايمًا تشم ريحة الحليب الطازج. لابس دشداشة رمادية وسدرا، وچفوفه مشققة من شغل السنين. بين كل كم زبون، يرفع راسه وينادي بصوته الجهوري:

> "صفيةاااا! يلا حبيبة، الگيمر خلص... روحي جيبي الصينيّة من البيت!"

من داخل البيت اللي ورا المحل، طلعت صفية، بنت بعمر الوردة، ما گملت بعد خمسطعش سنة. شعرها أسود نازل عكتوفها، وعينها كحيلة مثل ليل سبيّا، وجهها ناعم وبريء، تلبس فستان بسيط وردي، وعليه شال أبيض خفيف.

ردّت عليه بصوت عالي وهي تلبس چفوفها:

> "صار يابا، هسه أجيبها!"

مشت بين زوايا الحوش، حافية، خطواتها خفيفة على البلاط، ريحة اللبن والجبن بكل مكان. دخلت المخزن الصغير المخصص للمنتجات، شالت صينية الگيمر الثقيلة، ولفّتها بمنشفة حتى تبقى دافية.

وهي طالعة من باب البيت، نازلة للمحل، مر بيها ولد بنفس عمرها، حامل دفتر چبير بيده، وعيونه دا تدور كأنّه يدور على شي ضايع.

وقف، باوع عليها، وشوية تردّد، بعدين گال بنبرة خجولة، بس چان بيها صدگ فضول:

> "هُممم... إنتي؟ مو إنتي وياي بالمدرسة؟ شايفچ قبل... بس ناسي وين بالضبط."

صفية وقفت، رفعت حاجبها، وگالت بنص ضحكة:

> "شنو اسم مدرستك؟"

ردّ بسرعة، وكان صوته واطي شوي:

> "ثانوية نور جبل سنجار للبنات والبنين... أختي تروح واني وراها بنفس الصف."

ابتسمت صفية، وهزّت راسها:

> "إي نعم... هاي مدرستي. يمكن شايفني، بس ما حچيت ويّاي قبل."

سكت لحظة، بعدين گال بارتباك:

> "آني اسمي سوران نمر مراد... من قرية خانصور. بس من كم شهر نقلت هنا."

صفية ردّت وهي تحاول تثبت الصينية بيدها:

> "تشرفنا، آني صفية زينو."

ابتسم، وباوع على الصينية الگبيرة وقال:

> "هواي الگيمر... لو أساعدچ؟"

ضحكت، وهزّت راسها:

> "لا، شكراً... متعودة عليها."

هز راسه وقال:

> "زين... نشوفج بالمدرسة إن شاء الله."

ومشى، بخطوات سريعة، كأنّه خايف ينحرج أكثر.

وهي بقت واقفة شوي، تباوع ظهره وهو يبتعد... أول مرة تحچي ويه ولد من المدرسة. قلبها خبط دگة خفيفة، بس ما فهمت شنو معناها.

رجعت للمحل، حطّت الصينية عالطاوله، وأبوها باوع عليها وقال:

> "طوّلتي؟"

ردّت وهي تحاول تخفي وجهها الوردي:

> "چنت أعدل الگاع... غرزت رجلي!"

ضحك أبوها وقال:

> "زين سلميها سليمة، هاي الگيمر أغلى من الذهب!"

ضحكت وبدت توزّع الگيمر للناس، بس بالها ما ظل بالمحل...

ظل واقف يم سوران، وعيونه اللي چانت تباوع بهدوء غريب...

---

ثاني يوم بالمدرسة، صفية دخلت الصف وعينها تدور بكل الزوايا، كأنها تدور شي تايه منها... أو شخص.

ما منتبهة للمعلمة، لا للطلاب، لا للكتب... بس تدوّر.

ولما شافته...
سوران، كاعد بالصف الثالث، يم الشباك، يحل واجب عربي، راسه نازل وقلمّه يتحرّك بهدوء.

قلبها، بلا استئذان، عبر دگّة.

ابتسمت، رفعت إيدها بلطيفة، لوّحت له تلويحة سريعة، خجولة... بس صادقة.

سوران رفع راسه، ومن شافها، ارتسمت على وجهه نفس الابتسامة... مثل وردة صغيرة طلعت من تراب التعب.

ردّ بتلويحة هادئة، ورجع يكمل كتابة، بس عيونه بعدها وياها.

رجعت صفية لمكانها، قعدت برحلتها، تحاول تركز... بس الملاحظات صارت خطوط مشوشة، والدفتر صار دفتر نظرات مو واجب.

طول اليوم، هما الاثنين يختلسون نظرات سريعة، نظرات خفيفة...
ما بيها شي ينكال، بس بيها ألف معنى، وأول خفقة.

من خلص الدوام، وبدأ الزحام عند باب المدرسة، صفية طلعت ويا البنات، بس عيونها دا تدور... هل راح تلقاه؟ أو راح يختفي مثل حلم الليل؟

وگبل لا تكمل هالفكرة، لمحته واقف عند الساحة، يشبّك دفاتره بحقيبة قماش، رافع راسه، ينتظر.

من شافها، خطا خطوتين وقال بنبرة هادئة، خالية من التكلّف:

"تعالي أوصلچ... طريقنه واحد."

صفية رفعت حاجبها، وهي تشبك چفوفها على صدرها بخجل:

"لا... لا ماكو داعي، أروح وحدي."

ضحك بخفة، وقال:

" ليش؟ طريقنه واحد... وأنا من النوع اللي يمشي ويحچي، ما أحب أسكت."

ضحكت، ومشت يمّه. الخطوات بالبداية چانت ساكتة، بس بعد دقايق، بداوا يحجون.

سوالف بسيطة...
عن المدرسة، عن الأساتذة، عن حصة الرياضة اللي يكرهوها، وعن أحلامهم الصغيرة.

صفية تحچي عن حبها للرسم...
وسوران يباوع ويگول:
"الرسم؟ خوش، يعني تقدرين ترسمين مستقبلي!"

هي تضحك وترد:
"مستقبلك؟ تريدني أرسمه،شنو من مستقبل تريد؟"

ضحكوا سوا، والدنيا صارت أخف، وقلوبهم تمشي قبل أقدامهم.

وصلوا للباب الطيني البسيط، الباب اللي بيه خربشة قديمة مكتوب عليها بخط چبير:
"بيت أبو صفية – محل الألبان."

من سمع صوتهن، طلع زينو، بيده طاسة جبن وصينية خالية.

باوع لسوران وقال بنبرة أبوية، ترحيبية:

"هلا يابا... تعال ساعدني نشيل هاي الطاولة، ثكيلة ماكدر وحدي اشيلها."

سوران مد إيده فورًا، وساعده، وأبو صفية باوعله نظرة تقرأ الرجال من أول مسكة:

"ابن منو إنت يابا؟ بينكم وين؟"

جاوبه سوران بثقة وخجل ممزوجين، وقال اسم أبوه وجدّه وقريتهم.

أبو صفية سكت لحظة، بعدين گال:

"زين... خوش ناس. شنو تشتغل؟"

"ما أشتغل رسمي، بس إذاكو شغل بعد الدوام... أكدر أشتغل."

أبو صفية ضحك وقال:

"هم حظي! آني الرزق زايد عليّ، وگلت صفية ما تگدر تبقى تساعدني دوم... تشتغل ورا دوامك من العصر لليل، شتگول؟"

سوران، من جوّه قلبه، چان فرحان.
بس ما فرح للفلوس...
فرح لأن أقرب مكان لصفية، صار متاح.

جاوبه فورًا، بدون تفكير:

"موافق، يابه... وشاكرلك من كل قلبي."

أبو صفية ربّت على كتفه وقال:

"بس شد حيلك، الشغل التزام ترا!"

صفية تباوع من بعيد...
تحس قلبها يضحك بدون صوت،
ما تعرف هذا شنو اللي چان ديكبر جواها،
بس تحسّه شي يشبه "الأمان".

مرّت ثلاث أسابيع، وكل يوم من دول الثلاث أسابيع چانت تشبه الحلم الصغير...

سوران يوصل صفية من المدرسة، يحچي وياها بالطريق، يضحّكها...
وبس يوصل للبيت، يدخل يبدل ثيابه، يشرب ماي بسرعة، ويرجع يركض على المحل، يساعد أبوها.

صار وجوده جزء من المكان، جزء من التفاصيل، حتى الحيطان عرفته، وحتى الگيمر ما صار يطيب إلا بضحكته.

وصفية؟
چانت تنتظر اللحظة اللي يدخل بيها، تنتظر يسمع صوت أبوه يناديه، تنتظر شوفة عيونه وهي دا ترفع الغطا عن صينية الجبن.

ما يعرفون شنو يعني حب، ما يعرفون هالسوالف الثقيلة مالت الكبار...
بس يعرفون شي واحد:

إنهم يرتاحون لما يكونون سوا.

أكثر لحظة يفرحون بيها، لما أبو صفية يگول:

> "يابه، طالع أشوف واحد، ديروا بالكم عالمحل."

أو لما يدخل للبيت يشرب چاي أو يرد على تلفون، وتبقى هي وسوران وحدهم...

يضحكون، يتهامسون، يحچون عن المدرسة، عن شنو حلمين يصيرون بالمستقبل، ويكملون واجباتهم على طاولة البيع.

أحلى من ألف مقهى، وأدفى من ألف بيت.

---

آخر يوم... ما چانوا يعرفون إنه "آخر".

ذاك اليوم، الشمس چانت أهدى، الهوا ساكت، وكأن الدنيا دا تودّعهم بهدوء غريب.

أبو صفية، وهو يشيل القوري عن الجمر، گال:

> "صفية، سوران... آني رايح أتعشى بالبيت، وراجع بعد شوي، ديروا بالكم عالشغل."

طلع، وخلا الباب الخشبي ينغلق بهدوء، وصفية ظلّت واقفة مكانها، قلبها يدگ مثل دف، وشي بدا يتجمّع بصدرها ما تعرف له اسم.

فجاة سوران صفية جبتلج هدية 

صفية 

شنو المناسبة

سوران 

ماكو مناسبة بس شفته عجبني وكلت راح يطلع حلو عليج 

رفع علبة صغيرة حمراء بيها خاتم صغير فضي عليه نقش حرف اسمها بالانكليزي s

أخذته وجاوبت بفرح 

الله يخبل كلش حلو 

چانت أول مرة تشعر إنّه لازم تحچي... لازم تطلع هالشي اللي صاير جواها قبل لا يفوت الوقت.

باوعت لسوران، عيونها تلمع من تردّد وخجل، وقالت وهي تباوع الطاولة:

> "سوران... عمرك حبيت؟"

سوران تفاجأ، وشال راسه، وضحك بارتباك:

> "شنو هالسؤال؟ إييي... حبيت."

ابتسمت صفية، بس عيونها دا تتوسل يسمّيها، وقالت وهي تحاول تضحك:

> "صدگ؟ منو؟"

سوران حرك حاجبه، وبصوت نصّه مزاح نصّه حذر، گال:

> "بنية... ماكو مثلها. بس ما راح أگول منو، خاف تكولين الها!"

صفية حسّت الفرحة تتحرك بجوفها مثل شرارة، بس كتمتها وگالت بعناد طفولي:

> "لازم تكول! حتى آني أگلك منو أحب."

سوران ابتسم، وبنبرة شبه ضايجة من الحرج، گال:

> "يعني... هم إنتي تحبين واحد؟ وهو ما يعرف؟"

بداخله، قلبه قام يدك... صار يريد يسألها: "هو آني؟"، بس خاف، سكت.

صفية عضّت شفتها، قلبها يريد يطلع من صدرها، بس صوتها بقى هادي وهي گالت:

> "ما راح أگلك منو... إلا إذا إنت تكول."

سوران، بعناد خفيف، گال:

> "لااا... مستحيل أكول."

صفية حچّت بنفس الطريقة:

> "خوش... آني بعد ما أگلك."

رجع سكتوا شوي، وكل واحد بيهم يشوف الثاني بعينه، بدون صوت، بدون حرف... بس سوالفهم تتكلم من جوه.

فجأة، صفية همست:

> "زين... انطيني أول حرف."

سوران غمض عيونه، وضحك:

> "هااااااا... بعد أحرف؟ لاااا."

ضحكت وقالت:

> "زين... آني أنطيك."

سوران باوعلها بنص عينه، گال:

> "چذب."

ردّت بخجل، ووجهها يحمر:

> "أول حرف من اسمه... (سوران)."

انصدم سوران، عينه وسعت، گلبه طاح برجله، وكل وجهه احمر.

> "هااااا... يعني صدگ؟ يعني آني؟"

وبنفس اللحظة، گبل لا تكمل فرحتهم الصغيرة...

انفتح باب المحل، ودخل أبو صفية وهو يگول:

> "يلا حبيبي سوران، روح تعشّى وارتاح، اليوم أخرتك هواي."

سوران گام، قلبه بعدها مو مستوعب شنو صار، لكن رجليه مشن.

بگى يباوع صفية، وهي تباوعه، نظراتهم معلّقة ببعض... كأن كلشي يريد يتجمّد.

وهم ما يدرون...

إن هذي كانت آخر مرة يضحكون سوا،
آخر مرة يتشاوفون،
وآخر مرة يصير بينهم هالحديث البريء.

الليل چان ساكن… ساكت بطريقة تخوّف.
القرية نايمة، والغيم متجمع، يغطي القمر مثل ما الخوف يغطي قلب ما يعرف ليش قلق.

صفية چانت نايمة على الجهة اليمنى، حضنها مخدة صغيرة مطرزة، وضامّة چفوفها جوا خدها، نفس الطفلة اللي بعد ما تعوّدت تحلم بعيد.
أمها نايمة يم الباب، وأبوها بالغرفة الثانية، تعبان من شغل النهار.

كلشي چان طبيعي... لحد ما اهتز البيت بصوت انفجار مفاجئ، يهز الحيطان كلها.

صوت طلق، طلق ثاني، طلقات خفيفة وثقيلة، وبعدين صياح.

صياح ناس ما تعرف منو...
مو صوت لعب، ولا صوت عركة گدام باب الجامع...
صوت موت.

صفية فزّت من النوم، وجهها كله خوف، قلبها يدگ بسرعة غريبة، ركضت للباب الداخلي تصيح:

> "يمّا؟ يابا؟ شنو دا يصير برا؟"

أمها فتحت باب الغرفة، عيونها حايرة، لابسة شالها بسرعة:

> "ما أعرف يمّه... شكله أكو شي، الله يستر."

ورا ثواني، دخل أبو صفية للغرفة، نفسه متقطع، وجهه يشهد إنّه سامع شي مخيف.

> "قوموا! حضّروا نفسكم... لازم نعرف شنو ديصير."

ما مدى حتى يگمل كلمته...

صوت تحطيم الباب الخارجي نزل مثل الصاعقة.

الباب انكسر، دگة وحدة، ودخلوا اثنين ملثمين، عيونهم سودا، وراياتهم سودا، والبارودة بإيدهم ترجّ مثل نَفَس شيطان.

أبو صفية وقف بوجههم، وهو يگول بصوت عالي، مرتجف:

> "شنو تريدون؟ إحنا مدنيين، مو مسلحين، إحنا ناس مسالمين!"

ما لحگ يكمل...
أحدهم رفع البندقية، وضغط الزناد.

طلق واحد... براسه.
وانهار أبو صفية قدام عيون صفية، مثل نخلة انقطعت من جذورها بلحظة.

صرخت صفية، صرخت أمها، الدنيا كلها صارت سودا بصياحهم.

ركضت أمها صوب الجثة، حضنتها، صار وجهها عالأرض، تحچي بين البچي:

> "زينو! زينو كوم... لا تخليني!"

المسلح الثاني رفع مسدسه، باوع على أم صفية كأنها ما تسوى نفس،
طلق عليها، طلقة صارت مثل سكين بگلب صفية.

أمها طاحت فوق أبوها، ومسكوا بإيدين بعض... حتى بالموت ظلوا سوى.

صفية وقفت جامدة، ما عرفت شتسوي، صياحها صار يطلع غصب، وصدرها يعفس،
بس قبل لا تهرب أو تركض...

إيد قوية جذبتها من شعرها، وسحبتها للباب.

> "لاااااااا! خلووووني!"
صوتها چان مفجوع، يقطع النفس.

المسلح سحبها لبرا، وهي بعد تباوع وجه أمها وأبوها، مثل حلم ينختم بدم.

غمضوا عيونها بقطعة قماش سودا، وربطوها، حشروها بسيارة، والأرض كلها تهتز.

صفية صارت بالگاع وعيونها متخدرة، بس عقلها بعده يصيح:

> "كابوس... هذا كابوس... هسه أصحى..."

حاولت تصرخ، حاولت تضرب،
بس كف خشِن نزل بكعب المسدس على راسها، وجفّت الدنيا.

وكلشي طفى.


شكرا لزيارتكم عالم روايات سكيرهوم
تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1