رواية رائحة الارض المفقودة الفصل الثامن بقلم فارق العلي
رشّة مي باردة وقعت فوق وجهها مثل طلقة.
صفية فتحت عيونها بصعوبة، نفسَها ثقيل، وشعرها ملزگ على وجهها.
من فوقها، صوت خشن صاح:
> "كومي! يلا تحركي... ما أشيلج ترا."
نص وعيها بعدها غرقان باللاشي... جسمها ثقيل، ما تكدر توقف، رجليها ترتجف، حتى الهوا يصير ثقيل لما يدخل صدرها.
داير ما دايرها، بنات خافيات، عيونهن تباوع الأرض، بعضهن حافيات، بعضهن نازفات، وما أحد يحچي.
صفية مو بس خايفة... مو فاهمة.
> "منو ذولة؟ شيريدون؟ ليش آني هنا؟"
صورة أبوها وامها نايمين جثث على الارض، محفورة مثل سكين بعقلها.
تباوع حواليها... أرض ترابية، هوا يخنك، جثث مرمية، ما تعرفهم... بس دمهم متجمع مثل بحر صغير.
ترفع راسها، تشوف علم أسود يرفرف على سيارة قريبة، مكتوب عليه:
"لا إله إلا الله، محمد رسول الله."
بس ما تعرف شنو معناها بهاللحظة. الدين؟ الجهاد؟ فتنة؟ ما تفهم.
هي تعرف بس شي واحد: هذا مو حلم... هذا جحيم.
---
حاولت توقف، بس ركبتها ما تحملتها.
واحد منهم، طويل، راسه ملفوف بكوفية سودا، عيونه جامدة، مسك شعرها وسحبها مثل لعبة، صاحت، بس صوته طلع مبحوح، وياه راح النفس.
> "امشي! لا تتدلّلين!"
جروها مثل غنم، إيدها صارت مثل الخيط، رجليها تشمر عالغبار.
نزلوها بدرج كونكريتي ضيق، جدرانه عرق، ريحته عفن ودم.
وصلوا لباب حديد، فتحوه، زتوها بزنزانة، متر بمتر ونص... صندوق إسمنت، ما بيه لا شباك، لا نور، لا هوا.
الباب تسكّر... والظلمة بلعتها.
---
أسبوع.
أسبوع گعدت بهالمكان، ما تعرف شنو الوقت، شنو النهار، شنو الليل.
وجبة وحدة باليوم... صحن بلاستيگ بيه رز ناشف، ومي تعبان ريحته لا تطاق.
صفية ساكتة... ما تحچي، ما تبچي، ما تتحرّك.
بس تنفّسها موجود، بايدها الخاتم الي انا الها سوران بطرف اصابعها تداعبه حتى تهدأ .
---
بليلة، وبدون صوت، الباب انفتح.
دخل واحد...
هو نفسه اللي قتل أبوها.
ملامحه قاسية، صدره عريض، شفايفه يابسة، عيونه ما بيها روح.
اسمه "ساجي"، هذا اللي گاله الجماعة "الأخ ساجي".
باوع عليها وهو يضحك ضحكة تموت الطفل بگلبك.
> "أنتي؟ اليوم صارتي سبية ملكية... ملك للدولة الإسلامية. تسوين كلشي نريده. كلشي."
صفية سكتت... عيونها تباوعه كأنها تشوف كابوس.
> "شنو الدولة الإسلامية؟ شنو يعني سبية شلون يعني ملكيتهم؟"
ما تعرف، بس حسّت معناها من عيونه، من طريقته، من صوته...
حسّت روحها تنسلخ منها قبل لا يفهم عقلها شديصير.
---
ساجي بدأ يخلع ملابسه... چان يحچي وهو يضحك:
> "تحضّري... ما أطوّل."
جسمها رجف... رجف مو بس من الخوف، من البرد، من الحچي، من الشي اللي جاي.
خطا خطوته الأولى إلها...
وانطفى كلشي.
صفية ما قدرت تصرخ، ما قدرت تهرب، بس عقلها استسلم اللحظة، وسوّى الشي الوحيد اللي گدر عليه:
أغمى عليها.
---
صحّت بعد ساعات... أو يوم... متعرف.
الزنزانة بعدها هي، الجدران بعدها هي،
بس صفية؟ مو نفس صفية.
فتحت عيونها، وجسمها يأذيها بكل نقطة.
نظرت بين فخوذها... دم.
نظرت على إيدها... حرق جكاير.
كتفها، صدرها، خدها... كدمات، آثار صفع، جروح صغيرة... وكلها تصيح: "مو حلم."
حاولت تنهض... رجليها ما تسمع، صدرها يتنفس وكأنه يبتلع حجارة.
ما تذكّر كلشي، بس تِحِس...
تحس إنّ شي انكسر، شي مات، شي انسحب منها غصب، ومحد راح يرجعه.
صفية تباوع للحيط، وتكول جواها:
> "مو معقولة... مو صدگ. أكو هيچ ناس؟ أكو هيچ وحوش؟"
بس الصمت جاوبها... والدم جاوبها... والوجع جاوبها.
وهسه... بدت تفهم.
مو كل البشر بشر.
بعضهم... ذبحوا اسم الله حتى يغطّون أوساخهم.
كل يوم... نفس الجحيم.
كل يوم، ينفتح باب الزنزانة، ويطلع منه نفس الوحش.
ساجي.
اللي قتل أبوها، وگطع روح أمها طلقة باردة... صار يجيها مثل لعنة متكررة.
كل مرة يدخل، الدنيا تظلم قبل ما يطفي الضو.
جسم صفية تعوّد الخوف... بس ما تعوّد الألم.
من أول ما تسمع خطواته، يصير نفسها ثگيل، عيونها تروح يم الحايط، وجسمها يرجف مثل نخلة تطيح عليها صاعقة.
بس هو؟ يدخل وهو يضحك.
> "هاااا... نايمة؟ لا تسوينها مرة ثانية. إذا فقدتي الوعي، أاذيچ أكثر."
وصارت كل مرة تحاول تقاوم، بس عقلها يسوّي الشي الوحيد الي يعرفه... يطفي.
تفقد الوعي من أول لمسة، من أول ريحة، من أول صوت،
وساجي؟ ما يهمه... حتى وهو يحچي ويا جثث.
ولما تصحى...
كل مرة تصحى، تلقى شي جديد انكسر بيها.
كدمات سودة تغطي صدرها، ضلوعها، وجهها، خدها الأيسر صار دايمًا منتفخ.
أثر جكَاير منطفية على صدرها، على بطنها، على ساعدها.
گلبها صار مثل جلد متشقق... مو من الضرب، من القهر.
ما تنگطع، ما تبچي، ما تحچي...
بس تبقى شابچة بإيدها اليسرى، تمسّ الخاتم الصغير الي نطاها سوران.
كلشي راحت بيه... بس الخاتم ظل، صغير، فضي، عليه حرف الـ S.
تحچي ويا نفسها من بين الظلمة:
> "وينك سوران؟
هم قتلوك مثل أهلي؟
لو بعدك حي؟
لو تتذكّرني؟
لو همَّ ناسي، مثل باقي الدنيا؟"
---
بليلة ما بيها صوت،
انفتح الباب... بس مو ساجي.
دخل وجه ثاني... نفس الوحشية، نفس الراية، بس عين غير.
اسم هذا "همام".
كان هو الثاني اللي دخل بيتهم، واللي رمى على أمها أول طلقة، واللي گال يومها:
> "ماكو رحمة اليوم... هذولة كفّار."
همام أطول من ساجي، أضخم، ووجهه مشقق من كثر الكدمات، بيه شامة سوداء تحت عينه، وصوته أجش مثل نباح.
وقف عند باب الزنزانة، بيده چرطة جلد، وبصوت خالي من أي شعور، گال:
> "كومي... راح نبيعچ."
صفية باوعت، نظرتها مو حزن، ولا رعب...
نظرتها كانت فاضية.
> "وين؟ ليش؟ منو؟ شنو يعني نبيعني؟"
بس عقلها ما سأل بصوت... فقط الجسم انشدّ.
همام كمل وهو يدگ الباب برجله:
> "باجر... راح تروحين لـ سوق السبايا، الأمير كال بعد ما تفيدنا وخاف ساجي يكتلج لو يحركج وما نستفاد منج،لهذا راح نبيّعچ بأي ثمن."
رجع سكر الباب، وظلت صفية قاعدة بمكانها، ظهرها للحايط،
وإيدها بعده تمسّ الخاتم.
تحچي وعيونها غرقانة:
> "راح يشوفوني مثل حيوان؟
مثل سلعة؟
راح يعرضوني؟
وسوران؟
لو يعرف... لو بس يعرف شصاير... جان گتل الدنيا كلها حتى يحررني."
بس الحقيقة الوحيدة كانت إنها... مو بيدها شي.
وچفوفها، اللي چانت تشتغل يم أبوها،
صارت مربوطة...
والخاتم، الوحيد الباقي من عالمها، بدا يتآكل بصمت،
مثلها تمامًا.
ما بقت صفية صفية.
صار "شي" ينباع... وينشرى.
كل يوم واحد جديد، وكل مرة صوت جديد، وكل مرة لهجة غير.
من واحد سعودي، لواحد تونسي، لو شيشاني، لو ابن قرية من نفس ترابها...
كلهم كانو يشترونها وكأنها قطعة لحم بيد قصاب فاقد الرحمة.
بالبداية، چانت تقاوم... بكل نفس، بكل نظرة، بكل دمعة.
بس تقاوم وتحاول، تصرخ وتضرب، وكل مرة تنضرب، تتعور، ينحفر بجسمها أثر جديد.
أثر چف، أثر سكين، أثر چكاير.
بس أكثر شي وجعها... هو أثر الصمت.
الصمت اللي صار يدخلها شوي شوي، يهدّ حيّلها، يكسرها حتّى صارت تسكت.
ما عادت تغمض عيونها، ما عادت تفقد الوعي،
صارت تنفذ.
تنفذ مو لأنها موافقة،
بس لأن الجسد تعوّد الألم...
والروح انكسرت.
---
صاروا يشترونها... ويعيبون.
> "جسمها مشوّه... شلون هيچ؟" "منو حرگها؟"
كانوا يسألون... وساجي يگول:
> "ما حركنا وجهها... خلي العين تشتري."
وكان هذا خطته من البداية.
وجه صفية ظل ناعم، ساكت، نظيف...
لكن ظهرها، صدرها، بطنها، كل نقطة بجسمها كانت موسومة بحرق، كف، جرح.
صاروا يغتصبونها عشرة... عشرين... بيوم واحد.
> "كلهم وجوه تمرّ، كلهم نفس النفس العفن، نفس اللمسة الباردة."
بعضهم حتی يلبس بدلة زواج، يسوّي مراسم دينية مزيفة، يمسك مصحف، ويكلها:
> "أنتي هلگد مباركة، الله رزقني بيچ."
ويغتصبها وهو يتلو آيات.
خمسة مرّوا عليها بـ"زواج".
وآخرهم، الخامس، أخذها من سوق السبايا، وگال:
> "ما تفيديني... ابيع افضل، يمكن تفيدين غيري."
---
ذاك اليوم، الساحة مغطاة بخيم سودة، ناس متجمعة، نباح مزايدات،
وهي ملفوفة بعباءة، وجهها مغطى، جسمها يوجعها بكل خطوة.
متعرف منو، ولا وين، بس تحس كل نظرة تشرحها نصين.
نص ينباع... ونص بعده ميت من زمان.
---
وقفها واحد من الحراس على منصة،
شال عنها العباءة، كشف وجهها.
بقت ثابتة، عيونها ميتة، ملامحها ساكتة.
المزايدين بدأوا يصيحون...
> "شدتين!" "ثلاثة!" "أربعة شدة!"
وواحد، لابس دشداشة مكوية، عقال نازل على عينه، سكت بس رفع إصبعه.
اسمه بالسوق: أبو حارث.
بس بالحقيقة؟ هو ضرغام.
ضابط استخبارات، مندس بأعماقهم، داخل مثل السم، بس شكله... شكله ما يبين شي.
ساوم بصوت هادي، رفع السعر بدون تردد، ثبت عينه على الحارس وقال:
> "هاي إلي. خلّص."
كانت تمشي بخطوات ميّتة، بس ما مرتبكة.
ماكو خوف، ماكو مقاومة...
خلاص، صفية اتعلمت.
اتعلمت إنو كل باب تنفتح، وراه غرفة
وكل غرفة، بيها واحد.
وكل واحد... ياخذ، وبس.
لما وصلوا للبيت الجديد، وما شافته غير بيت مثل الباقي،
نفس الحيطان، نفس العيون، نفس الكتمان...
ضنّت هالمرّة هم راح تكون نفس القصة.
دخلت الغرفة، وگعدت على طرف السرير،
تخلي روحها تسبقها وتفصل نفسها عن جسدها مثل ما تعوّدت.
دخل هو...
أبو حارث.
بس هي متعرفه هيچ...
تفتكره واحد من جماعتهم، حاله حال غيره.
هو وقف يم الباب، وعيونه تراقبها.
هي ما سألت، ما ترددت،
بدت تفك الزر الأول من ثوبها، بعينين ما بيهن لا دمعة، لا حياء، لا حياة.
رفع صوته، مو عالي،
بس بيه رجفة غريبة، مثل واحد متألم:
> "لا... لا تنزعين."
هي وقفت، متفاجئة، بس مو لأنّه گال لا...
بس لأنّه أول مرة أحد يكولها.
> "مراح يصير شي... اليوم لا. آني تعبان."
صفية لبست بهدوء، رجعت گعدت على طرف السرير،
بس لأول مرة من أشهر... ماعرفت تتصرف.
تباوعت عليه وهو يقعد عالكرسي المقابل.
> "شسمچ؟"
سؤال بسيط،
بس صدمة صفية كانت أكبر...
ما حد سألها هالسؤال من أول يوم.
ظلت ساكتة... چانت مثل اللي نسى نفسه.
بعد لحظة، خذت نفس، وردّت بصوت واطي:
> "صفية."
هز راسه، وسألها بهدوء:
> "واهلج؟ ماتو؟ عايشين؟ عندج أحد باقي؟"
هي بس هزت راسها يمين ويسار،
كل اللي عدها صار تراب، ما بقه شي.
هو لاحظ نظرتها، شاف شلون عيونها متعلّقة بمحچم صغير بيدها.
خاتم صغير... فضي، بسيط، مشعّ بحزن الدنيا.
سأل:
> "هذا المحبَس... شنو قصته؟"
هي ضمته بإيدها، خبّته، كأنّه تحميه من العالم،
ما ردّت.
هو فهم إنها ما مستعدة تحچي.
وما أصرّ.
---
ورا ساعة، نادوها "الأخوات" اللي بالمقر.
> "تعالي صفية، نريدچ تساعدين، عدنا عروس جديدة اليوم."
صفية طلعت، اشتغلت وياهم،
تجهّزوا وحدة مثل ما جهزوها هي قبل.
بس وهي جوا بالمطبخ،
سمعت صياح... صراخ... وخبص.
ركض ضرغام للصالة،
لكه واحد من عناصر التنظيم، يضرب صفية، ماسك شعرها ويهزّها، وجهها متورم.
ضرغام بوثبة وحدة وصل، بعده داخل بدوره التنكري:
> "هااا! ليش تضربها؟"
العنصر بصوت وقح، متعالي:
> "هاي؟ زوجتك؟ مصدگ روحك؟ هاي مو أكثر من سلعة! نستخدمها ونرميها!"
عين ضرغام اشتعلت،
بس ظل محافظ على رباطة جأشه، ورد بصوت ثابت:
> "آني أبو حارث. مسؤول شعبة الاستخبارات. تحچي وياي بهالأسلوب؟"
الرجّال تراجع، بلع ريگه:
> "سيدي... آسف، ما كنت أعرف."
> "شسوت حتى تضربها؟"
هنا صفية، رغم خوفها، رفعت عينها، وردّت بصوت مخنوق:
> "يريد ياخذ المحبَس..."
ضرغام باوع عليه بحدّة:
> "هاي شغلة شخصية، خلّص الموضوع."
انتهى النقاش، والكل رجع يشتغل،
بس هو باوع إلها، وهمس:
> "تعالي... روحي للغرفة."
رجعت صفية، گعدت مكانها،
بس هالمرّة... شي مختلف.
ما لمستها إيد،
ما سُمعت كلمة جارحة،
بس نظرة.
نظرة مو مثل باقيهم.
ونفسها سألها جواها:
> "هذا شبيه؟ ليش ما لمسني؟
ليش سألني شسمّي؟
ليش دافع عني؟
شنو قصته؟"
---
مرّت أيام... يوم، يومين، ثلاثة...
وصفية تِحس وقتها يمشي، بس في مكانه، معلق بين الأمل والانتظار.
أبو حارث ما لمسها ولا شعرة، وكل يوم مرّ كان ثقيل مثل الجبل، بس كانت داخلها خايفة، بس في نفس الوقت منتظرة الفرصة اللي تطلعها من هالجحيم.
جلست على السرير، تلعب بالخاتم، تحركه بين أصابعها مثل ما تعوّدت، وهو الشي الوحيد اللي بقي لها من عالمها الضائع.
لكن ضرغام، أبو حارث، كان يمشي بخطواته الهادئة، عيونه تراقبها من بعيد، وصوته لما كلمها كان حازم وصريح.
> "اسمعي كلامي اليوم، نفذيه بالحرف الواحد."
تسارعت دقات قلبها، وكل شي صار يدور بسرعة، والمخاوف كلها اجتمعت في ذهنها. عقلها مشتت، متعرف شراح يصير،شيقصد اسمعي كلامي، لكن ما تدري شنو تتوقع بعد هالوقت الطويل من الألم.
مرت لحظات من الصمت.
ثم دقّت باب الغرفة، دخلن ثنين للغرفة، صوت ضرغام بهدوء :
> "جهّزوا أغراض صفية، راح نبيعها اليوم بسوك السبايا."
الصدمة.
الدمع غمر عيونها، قلبها صار يطير من صدرها، فكرّت شنو الي راح يصير... ليش يبيعني؟
إشصار؟ هي هنا، وما صار بيها شي، ليش راح يتخلى عنها؟
بس تذكرت طلبه... تنفذ الي يقوله، وما تناقش.
قلبها كان مشدود، حتى ولو كانت تريد تصرخ، تتوسل، بقوني هنا لأن تعرف شنو ورا بيعها يصير، بس صوتها ما طلع، لأن شي جواها كان يقول لها:
> "اسكتي."
---
صفية أخذت حقيبتها، قلبها كان ينازع خوفه، وكل خطوة كانت تشدّ عليها.
ركبت مع ضرغام في السيارة، وكلها تتساءل داخلها وين رايحة؟، وشنو راح يصير؟
السيارة كانت تمشي أكثر من ساعتين، متعرجة، وكان ضرغام يمشي بطرق مثل ما يتعمد يخفي أثره إذا حد لاحقهم.
بعد هالفترة، توقف ضرغام، والتفت عليها، وقال بصوت هادئ:
> "صفية، راح نوصل للأنبار، عند نقطة للجيش العراقي. رح يستلمونك هنا. إنتِ تحررتي، وأنا ضرغام، ضابط استخبارات مسؤول عن ملف السبايا بالجيش العراقي."
صفية سكتت، عيونها تركز عليه، ما تعرف شنو تجاوب، بين الفرح والحزن، وفي نفسها تساؤلات متناقضة، لكن فمها ظل ساكت.
فجأة، أجابت إجابة ما كانت تتوقعها هي نفسها:
> "إذا أنت فعلاً بالجيش العراقي... ومسؤول عن ملف السبايا، أنا أريد أساعدك."
ضرغام باوع عليها متفاجئ، لكنها تابعت، وصوتها صار ثابت رغم الوجع:
> "خلاص، حياتي انتهت... لكن إذا عندك فرصة لتحرير غيري بنات أهلهم عايشين بنات، راح أساعدك. بس عندي شرطين."
ضرغام فاجأته كلماتها، كان مستعد يسمع "طلبات" منها، لكنه ما كان يتوقع هي تقولها هيچ.
همس وقال:
> "شروط؟"
صفية ضمت يديها، وجزّت شفتها، كأنها تشد قلبها، وقالت بوضوح:
> "الشرط الأول... ساجي وهمام. إلي قتلو أبوي وأمي. أريد روسهم، مو مجرد اعتقال، أريد رؤسهم تجيني الي."
أبو حارث كان يسمعها، قلبه مشدود، الألم في كلامها كان يقطع.
لكن قبل ما يعقب، أضافت بصوت خافت، مثل ما تتهجى حرف بحرف:
> "الشرط الثاني... تسأل عن شخص اسمه "سوران نمر مراد"... ولد ويّاي بالمدرسة. شوفه عايش لو ميت."
ضرغام هز راسه وتردد... الكلمات على لسانه ما كانت سهلة. كان يواجه الكثير من العواطف والقرارات.
لكن إصرار صفية كان أقوى من أي حاجز، فالجروح العميقة في قلبها كانت تجعلها تعرف إنها ما عندها غير هالفرصة.
شكرا لزيارتكم عالم روايات سكيرهوم