رواية منيفة الفصل الثامن 8 بقلم فاطمه النعيمي

 

 


رواية منيفة الفصل الثامن بقلم فاطمه النعيمي


مضى عام على اختفاء منيفة وابنائها
هذا الأمر الذي حير الناس جميعا

كان كل اثنين يجلسان مع بعضهما ويذكران اختفاء منيفة 
يتهمان زيدان فيما بينهما بقتل منيفة وابنائها

والا كيف اختفت منيفة بلا اثر مطلقا
فلو هربت منيفة فعلا الى اين ستهرب
اما الى اهلها او انها هربت الى احدى القرى القريبة 
او قد تهرب للموصل
ولكن
بكل الاحوال سيجدون لها أثر
حين خرجوا يسألون القرى المحيطة بهم
كان حتما سيراهم الناس وهم يسيرون
في البراري
لم يشهد احد انهم رأوا امراة تسير ومعها اطفال
ولا اي سائق من سواق تلك الخطوط
شهد انه نقل امراة واطفالها

وقد حلل الناس مختلف التحليلات ولم يستطع احد أبدا
ان يتكهن بما حصل فعليا

أما زيدان فقد اغلق هذا الملف ولم يعد يهمه اصلا منيفة وابنائها إن كانوا احياء أو اموات

وانشغل بزوجته نوفة وابنائها الثلاثة خصوصا بعد ان رزقه الله بولد بعد أبنتين بعد غياب منيفة بايام
كاد ان يطير به من الفرح 
واسماه عناد على اسم ابيه
ورغم ان منيفة كانت تحترم زيدان وتقدره كثيرا وان نوفة تستهين به وتصرخ بوجهه على اتفه سبب لكنه كان يقدس نوفة ويلعن منيفة
ليس لاي سبب جنته منيفة
ولا لانها كانت فصلية في الحقيقة 
بل لانه كان مخلوق تابع
لمن يملك اي شكل من اشكال القوة
كان يخضع لصراخ امه 
ثم حين توفت امه شعر بالضياع
لم يعد هناك امراة تقوده وتصرخ عليه 
وبقي ضائعا منذ ان توفيت امه
الى ان تزوج نوفة بعد وفاة امه بست سنوات
لتنطلق نوفة بقيادته ويستسلم لها
كما كان مستسلم لامه قبلها تماما
وأذاق منيفة كل الوان الاضطهاد
ونعم ان المراة مضطهدة 
عند الكثير من عرب العراق
لكن حتى الاضطهاد درجات
كان زيدان قد أضطهد منيفة
لابعد درجات الاضطهاد

لكن الله يمهل ولايهمل

فما الذي حصل.......

________________

في القرى التي تقع على البحار والانهار قلما تجد
رجل لايعرف السباحة واحيانا تجد حتى النساء يعرفن السباحة
لكن زيدان لم يكن يعرف السباحة بشكل جيد
كان يستطيع ان يطفو احيانا
لكن ليس لوقت طويل ودائما كان يرتبك ويسقط في الماء ويخرجه اقرب شاب عليه
لهذا السبب لم يكن يدخل عميقا في النهر بل يسبح على الشواطيء

والسبب ....
انه حين كان صغيرا وضعته امه
في طشت كي يلاعبه اخوه دحام ريثما تغسل هي الملابس على النهر
وغفلت عنه لحظات ....
وانزلق الطشت من يد دحام....
واخذه التيار كان زيدان يومها
ابن اربع سنوات وشاهد رعب امه
وهي تصرخ وتضرب صدرها....
والتيار ياخذه 
فاخذ يصرخ 
شعر ان هناك امر خطير يحصل له
رغم انه كان يجلس داخل الطشت ويمسك حوافه بقوة
لكنه خاف لدرجة الموت
من شدة خوف امهِ(1) عليه
وركض بعض الشباب ولاحقوه
وامسكوه واعادوه لامه 
التي لم تعد تتركه بعيدا عنها لحظة واحدة
بل انه اصبح في السابعة عشر من عمره 
وهو ينام بحضن امه 
حتى نهره ابوه ذات يوم وطرده
من حضن أمه
وهذا السبب الذي جعله تابع اعمى لها،
ومن ثم تابع لزوجته 
لقد اصبحت المراة في حياة زيدان
هي المرتكز الذي يستند اليه هي الأمان له
من كل خوف هي التي تفكر عنه وترشده
واستراح لهذا الامر

ولو ان امه كانت متوفية حين تزوج منيفة 
لنالت منيفة هذه المنزلة عنده
لكن امه لم تمت حتى زرعت في زيدان
كره ونفور واستغلال لمنيفة بأبشع صورة
لهذا حين توفت امه استمر بتلك المعاملة التي كان
يعامل منيفة بها
نفس الطريقة التي رسمتها امه له حرفيا،،،

لهذا لم يكن زيدان يحسن السباحة خوفا من الماء

وكانت زوجته نوفة تعيره دائما
انها تعلمت السباحة حين كانت صغيرة 
وهو لايعرف السباحة،

في ذلك اليوم بعد عام من اختفاء منيفة
نزلت نوفة لملء الراوية(2)

وعادةً حين تريد اي امرأة ان تملء الراوية او البراميل تقود حمارها و تدخل هي والحمار
مسافة داخل النهر كي تتجنب الشاطيء
الذي غالبا ما يكون الماء فيه كدر او وسخ

لهذا شمرت نوفة ثوبها وادخلت طرف الثوب في حزامها
ودخلت للنهر وملأت الراوية 
وخرجت وانطلقت تسوق الحمار الذي يحمل الراوية 
الى بيتها
حين وصلت البيت سالها زيدان

-نوفة ليش لابسة حجل واحد؟

نظرت نوفة الى قدميها فلم تجد الخلخال الذي في قدمها اليمنى فصرخت برعب وخرجت تركض
وزيدان يركض خلفها 
كانت تركض
وهي تتفقد طريقها للنهر كله كالمجنونة
ولم تجده في الطريق حتى وصلت النهر
فدخلت النهر مسرعة تفتش عنه بين الصخور 
وكذلك فعل زيدان 
وبحث الاثنان عن الخلخال مدة ولم يجداه
اصبحت نوفة تصرخ على زيدان وتقول له

-فوت بالمي ودور انهجم بيتك ضاع الحجل
ارتبك زيدان كعادته حين يسمع صراخ نوفة عليه
ودخل النهر وهو يبحث ويبحث ويردد كلمة 

-ماكو ماكو انتي متوكدة وگع بالمي

ردت عليه وقالت

-أي متوكدة اني لمن نزلت بالمي چان الحجل برجلي،

كان الناس قد اجتمعوا على صوت صراخ نوفة
وهي تطلب من زيدان ان يتوغل في النهر ليبحث عن فردة خلخالها الثمين
وشرع الناس يبحثون معهم

نزل زيدان ودخل النهر وتوغل........

الى ان سقط في النهر كصخرة
كأنما وصل جرف خفي داخل النهر فسقط فيه واختفى
سقط ولم يخرج ابدا 
ورغم ان نوفة تعرف السباحة لكنها وقفت تصرخ بالناس الذين تجمعوا ونزل اغلب الشباب يبحثون عنه لكنهم لم يجدوا له اثر
بل ان الشباب غاصو عميقا وهم يحبسون انفاسهم
ولم يجدوه
ومضت الدقائق العشرة الاولى 
وفقد الناس الامل بايجاده حيا
فاصبحوا يبحثون عن جثمانه

جلست نوفة على الشاطيء
تلطم خلخالها الذي ضاع
وزوجها الذي ابتلعه النهر ولم يخرج،

بعد ثلاثة ايام واهل القرية يراقبون شواطيء النهر
صرخ احد رجال قرية جرادة قائلا

-ههاو ههاو هاذي جثة رجل غرگان

ركض شباب قرية تل النمل
الى قواربهم وركبوها وعبروا النهر
وجائوا بالجثة التي كانت منتفخة 
فقاموا بغسله ودفنه ونوفة تنوح وتلطم عليه
كيف لا وقد كان زوجا مثاليا لشخصية مثل شخصيتها
المتسلطة
وانطوت صفحة زيدان الى الابد

ولم يمضي على موت زيدان اكثر من ستة اشهر حتى تزوج دحام من نوفة
بحجة انه يريد ان يربي ابن اخيه وبنتيه
وفي حقيقة الامر
كان يريد وضع يده على المال الذي تركه زيدان خلفه
ورغم ان الناس جميعا نصحوا دحام بعدم الأقدام على هذه الخطوة لسوء اخلاق نوفة
لكن دحام كان واثقا من نفسه انه قادر على ترويض نوفة
واعادة ضبط تصرفاتها
وهو يرد على كل من نصحه بعدم الزواج منها
قائلاً

-الفرس من خيالها
غير راح اسويلكم نوفة مثل الحبابة

وانطلق دحام يعيد تربية نوفة بل انه اخرج منها كل شياطين الشر خلال مدة قصيرة
ولم يفعل الكثير كانت مجرد ضربة او ضربتين فقدت احدى عينيها وأستقامت
فالسيئة من النساء اما ان تكون
ذات حياء يكفيها التوبيخ فتعتدل لشده حيائها
أو عديمة الحياء لاتستقيم الا خوفا من الضرب
كنوفة
ولم تكن زوجة دحام الاولى هينة
بل اذاقت نوفة شتى الوان العذاب وكل الذي فعلته نوفة بمنيفة فعلته زوجة دحام الاولى بضرتها نوفة
فالأجرام حين لايحاربه المجتمع يشيع ويستفحل

وفي الحقيقة كان سكان القرية كلهم يرددون

-سبحان الله اشلون رب العالمين اخذ حق منيفة من هالاثنين زيدان وحرمتو
فطس واحد 
وسلط دحام عالآخر حتى طلع عينها

أما على الشاطيء الاخر
ورغم مرور هذا الوقت كله
ألا ان اهل منيفة لم يتركو البحث عنها ابدا خصوصا حاتم
الذي دس احد اقرباء زيدان عليه ليرافقه مدة من الزمن ويعرف منه اذا كان قد قتل منيفة وقال له

-انطيك ميت دينار اذا گدرت تعرفلي زيدان وين دفن منيفة وجهالها

وبعد مدة طويلة رجع الرجل وقال له
زيدان مايدري وين منيفة ابدا 

وامها التي
كانت تجلس امها على شاطيء النهر وتصييييح

-يمة يمنيفة وين صارت اراضيچ يعين امچ
لو بس يجيني منج خبر يبرد هالنار الي بگلبي

واحيانا يجلس معها حاتم يبكي على بكائها ويواسيها،

ونعم أم منيفة عمة حاتم
لكن حاتم كان يراها أمه الحقيقة 
التي عوضه الله بها بعد تلك الام
التي هجرته يتيما ضعيفا وحيدا
وذهبت لتبني اسرة جديدة وقد نسيت تمام ابنها
الوحيد وكأنه لم يكن 

وبرته عمته ايما بر حين عوضته الام
وزوجها عوضه الاب
فرد لهم البر اضعافا مضاعفة من حسن المعاملة والحب العظيم لهما
وحقا لايعلم الانسان اي من ابنائه اقرب اليه نفعا

.............

وفي ذلك العام اي بعد موت زيدان بمدة بسيطة
وصلت سيارة شوفرليه صالون موديل ٥٧ تحمل ستة اشخاص من اهل القرية 
كانوا قد نزلوا للموصل للتسوق
وكانت هذه اول مرة يتم فيها نقل الركاب بمثل تلك السيارة السريعة والمريحة وليس هذا فقط......
بل ان هذه السيارات اصبحت توصل القرويين
الى قراهم
ولم يعد ينزلوا على الشارع العام
او درب الشام كما كانوا يسمونه
ويضطر القرويين للسير لمسافات متفاوته
بعضهم يمشي من بعد منتصف الليل حتى يصل الشارع في التاسعة صباحا حيث يمر باص الخشب لان قريته تبعد عن درب الشام بحدود خمس عشر كيلو او اكثر
وبعضهم اربع كيلوات كقرية جرادة
وسعيد الحظ ذلك الذي تقع قريته على درب الشام
فلا يضطر للمشي مسافات طويلة كي يركب باص الخشب
ذاهبا للموصل
وشيء فشيء
اصبحت سيارات الشوفليه عبارة عن اسطول لنقل الركاب
الى تلك القرى الواقعة على ضفتي النهر 
وكلما سأل الناس لمن هذه السيارات يقول سواقها هي لثري من اهل الموصل 
استثمر امواله بهذا المجال
وحفظ الناس اسماء سواق هذه السيارات
حتى اصبح احدهم يقول لزوجته

-باچر انزل مع محمد او صبحي او سلام
للموصل

وشيء فشيء تحول باص الخشب الى سيارة لنقل الخضار بعد ان رفعوا المقاعد منها
ولكونها من خشب فهي مناسبة جدا لنقل الخضار
حيث تحفظ الخضار من الحرارة
__________________________

زهور البابنج 

السيارة ذلك الشيء الخرافي القادم من المجهول
يصل القرى 
كيف يمكن ان يراها اطفال القرى
وكيف يمكن ان يتخيلوا
انفسهم يركبون فيها

(صورة رأيتها لايمكن ابدا ان ينقلها لكم شخص آخر)

حين تدخل السيارة للقرية من بين الروابي الشمالية الغربية للقرية
يخرج اول طفل من آخر بيت في القرية ويركض خلفها
وهي داخلة للقرية تثير خلفها زوبة من التراب

ثم يخرج كل الاطفال في تلك البيوت التي تمر السيارة من امامها
وهم يصرخون ويركضون خلفها غائصين بتلك الزوبعة الترابية التي اثاراتها العجلات اثناء سيرها

حين تصل السيارة وسط القرية
وتقف
يقف حولها مجموعة من الاطفال

بنات بضفائر متربة وثياب وسخة
قد فقدت الوانها
وفتيان واطفال بثوب واحد يستر اجسادهم وغالبا يوجد هناك شقين على جانبي الثوب
يصل لما فوق الركبة بسبب ركوب الحمير
حيث يعيقهم الثوب عن فرد ارجلهم 
فوق ضهر الحمار فيحدثوا شقين في جانبي الثوب
وهناك بعض الفتيات يحملن اخوتهن
فترى احداهن
وقد مالت بجذعها على جنب وجعلت من حوضها مركبا لاخيها واجلسته على وركها وامسكته بيدها من خصره 
وهي بهذه الوضعية المتعبة
تلعب مع الاطفال
وتتحدث مع رفيقاتها
وتركض خلف السيارة حتى تقف السيارة في وسط القرية
والطفل معلق بوركها،

ويشعر بعض الأطفال الراكضين خلف السيارة بالتميز على اقرانهم كأنهم يملكون السيارة
بل ان السيارة حين تقف يقوموا 
بدفع بقية الأطفال عنها
ويمنعونهم من الالتصاق بها
لماذا.......
لأن والده أو اخاه الكبير
يجلس بها وقد جاء من الموصل

وحين ينزل القرويين من السيارة يطردوا الاطفال كي لايزعجوا السائق
فينسلخ مجموعة من الاطفال من تلك الكتلة المجتمعة حول السيارة 
مرافقين ذويهم يحملون بعض الاغراض التي جاء بها ابائهم ذاهبون الى بيوتهم 
فرحين مستبشرين يعلمون تماما ان ابائهم قد اشتروا لهم بعض الحلوة من الموصل
وهي في تلك الاكياس الورقية مؤكد

.........
في ذلك اليوم الخريفي
حين وصلت السيارة وتوقفت في وسط قرية جرادة
ونزل الناس منها ذاهبين الى بيوتهم

نزل السائق ايضا
والاطفال يمدون اعناقهم ليلقوا نظرة الى داخل السيارة
الى تلك المقاعد الجلدية الحمراء الجميلة

فسألهم السائق

-منو منكم يعرف بيت حاتم؟

رد احد الاطفال

-هي حاتم؟

-حاتم العلي

رد الجميع وكل واحد منهم يقول انا

قال السائق
-اخذوني لبيت حاتم
فسار السائق وسار معه ماتبقى من الاطفال جميعا 
كعادة اطفال القرى
حتى وصلوا بيت حاتم
وطرق اشرس الأطفال باب حاتم
والتفت السائق الى الاطفال
قائلا بلطف اهل المدن

-هذا هو حبايبي ارجعوا لاهلكم
لكنهم تراجعوا للخلف 
ووقفوا ينظرون بدافع من الفضول عن مايريده السائق 
من حاتم
وطرق الفتى الباب بقوة 
فخرج حاتم 
حين شاهد الرجل الافندي والاطفال يحيطون به
قال وعلى وجهه علامات الاستفهام

-هلا هلا تفضل تفضل

ونهر الاطفال بقوله 

-ردو لهلكم يلا دي امشوا 

فمشى الكثير منهم وبقي بعضهم على مسافة ينظرون
بفضول قاتل
ليعرفوا ماذا يريد السائق من حاتم

مد الرجل يده في جيب بنطلونه
واخرج كيس ورقي صغير 
ملفوف على نفسه كانه اسطوانة
وسلمه لحاتم وقال له

- اليوم الصبح
واني بالگراج أسطندر =انتظر
سيارتي تحمل ركاب
جاني ولد شاب وگلي توصل هاذا الچيس
لرجل من جرية جرادة اسمو حاتم العلي
وگلي تگول لحاتم مانسينا الوعد

ارتسمت على وجه حاتم كل ايات الاستغراب فهو لايعرف احد من اهل المدينة هو قروي للنخاع
استلم حاتم الكيس.....
وفتحه على عجل

والسائق والاطفال ينظرون لحاتم
الذي ما ان رأى مافي الكيس
حتى اصبح قلبه يطرق صدره بقوة 
وهو
يتذكر آخر لقاء بينه وبين منيفة في ذلك الشتاء قبل اثنان وعشرون عاما قبل جلسة الصلح بيومين فقط

حين جلس هو ومنيفة يتحدثان عن مايمكن ان يحصل وتناقشا عن ماحصل مع ابوها يوم ذهابه للتعزية
تذكر حاتم حين مشت منيفة والتفتت اليه وسالته

-حاتم عندك بيبون حلگي شوية يوجعني
اجابها قائلا 
-اي نعم عندي بيبون روحي للبيت واني اجيبو لچأ

يومها ارادت امها ان تغلي لها البابنج
لكنه اصر ان يغليه بنفسه لمنيفة
التي كانت جالسة عند مدفاة الخشب في غرفة العيلة
تذكر حين قالت له

-تعبتك معايا واخذت بيبوناتك بس طول بالك اذا جا الربيع راح احوشلك بيبون وايبسو واجيبو لكا معايا
ضحك حاتم يومها
وغمره الفرح وهو يضحك والكيس بين يده وهو ينظر لداخله
وفضول الاطفال وصل للسماء فهم لم يرو حاتم يضحك أبدا ولايعرفون ماذا يوجد في الكيس

لقد كان الكيس يحوي قليلا من زهور البابنج المجففة

ونظر للسائق وسأله قائلا له بلهفة

-بصلاة محمد عليك
بس گلي منو الي جابلك الچيس اتعرفو؟

اجابه الرجل قائلا 
-يخوي اني سايق سيارة اشتغل براتبي
وجاني ولد شاب طويل وضخم
وچثير حلو
وانطاني الجيس ووصاني انطيه لرجل اسمو
حاتم العلي بجرية جرادة
وجيت وسالت الجهال ودلوني عليك
ساله حاتم بلهفة والفرح يغمره من راسه حتى اخمص قدميه
-يخوي ماگلك شي انوب آني بوجهك بس گلي

اجاب السائق وهو مبتسم قائلا

-اي بالله گلي
- گول لحاتم العلي مانسينا الوعد وراح 

ضم حاتم الكيس الى صدره وتنفس الصعداء
لم يقل اي حرف فاطفال القرية حوله
وسرعان ماسينقلون الاخبار
وتدارك مشاعره وابتسامته
التي احتار كيف يخفيها 
وطلب من الرجل الدخول مرحبا به وهو ينهر الاطفال ليبتعدوا 

كانت يداه ترتجفان شعر...... بل تأكد
ان هذه رسالة من منيفة تخبره انها بخير
قال بارتباك

-تفضل يخوي تفضل

أدخل الرجل 
وحين جلس السائق في غرفة الضيوف
ركض حاتم يجلب له الماء وهو في حالة ارتباك شديدة لايعرف ماذا يفعل
حتى طاسة الماء كانت ترتجف بيده
شرب الرجل الماء وهو يبتسم
وقال له حاتم

-يخوي انت ابدا ماتعرف الولد 

انكر الرجل معرفته بالشاب وكرر كلامه الاول
ساله حاتم
-زين يخوي اشلون شكل الولد زين ماگالك شي؟
تلفت الرجل حوله وخفض صوته وقال بحذر 

-لا يخوي ماگال شي بس
(وخفض صوته كثيرا ومال براسه الى حاتم وقال)

-وصاني اگلگ انزل للموصل
وهو راح يجي عليك اليوم العصر بالگراج
كال اذا جا حاتم معاك خل يكف هينا بهل مكان
وأشر بيدو على مكان بالگراج 
فاذا تريد تنزل معايا اني هسع راح انزل للموصل

نهض حاتم مسرعا ثم جلس وقال للرجل 

-يخوي اريدك بس تصبر الما اخلص بعض الامور
اني عندي بگرا ودجاجات اريد افوتهن عالبيت
وابدل هدومي

قال الرجل

-اني راح انتظرك ساعة راح اتمدد اناملي شوية اذا ماعندك مانع
نهض حاتم وركض للباب ثم رجع وقال

-يخوي الدنيا عگب الغدا ومدري انت متغدي لو لا

قال الرجل

- لايخوي ماريد اني تغديت وجيت ماني محتاج شي بس اريد أناملي شوية اني گاعد من كبل الفجر
وماتعرف السيارة اشكد تنعس مدري منين تجيب كل ذاك النوم

رد عليه حاتم وقال

-نام يخوي نام ارتاح

وخرج حاتم يركض

ذهب الى جاره وشريكه في زراعة البستان 

حسين أبو محمد وقال له

-يخوي اني شوية وجعان صارلي فترة
اشوف نفسي ماني صاغ
واريد اروح للموصل اشوفلي طبيب
البگرة وحوليها والجحش بالبستان
بلچي تجيبهم وتحطهم بالبيت وتسد عليهن الباب
وبلچي تگول لخيتي أم امحمد تحلب البگرا واخذو الحليبات لكم
مالي بيهن شغل ايجوز ابات اليوم بالموصل......
ودير بالك عالبستان

رد عليه ابو محمد وقال

-ماعلى گلبگ شر يخوي يحاتم
بس اشعجب ماحچيت توك تا تگلي
واش يوجعك

رد حاتم وقال 

- اول فال گلت ماتسوى وبلچي يروح الوجع لحالو

مد يده على صدره وقال بطني ثم مد يده على بطنه
وقال ضهري 
كان مرتبكاً

لكن جاره تفهم الوضع ووعده انه سيعتني بكل شيء
وقال له 
-روح يخوي روح ولا تشيل هم شي
اهم شي تصير زين وأجر وعافية
أذا تريدني اجي معاك اوديك للطبيب

من أجمل صفات اهل الريف عدم التدقيق على بعض
رغم انهم يشعرون كثيرا ببعض ويفهمون لغة الجسد ربما اكثر من اهل العلم
لكنهم يتجاهلون شعورهم واحساسهم وفهمهم
ويحاسبون الانسان على مايخرج من فمه من كلام
وجميع ردود افعالهم تجاه هذا الشخص
تتبع فكرة ماينطقه اللسان فقط

مشى حاتم حتى بدون ان يقول كلمة للرجل الذي عرض عليه الرفقة
كان كأنه طفل محروم عثر على لعبة احلامه
لايعرف كيف يسيطر على انفعالاته
فحاتم لم تفارقه فكرة ان زيدان قد يكون قتل منيفة رغم شعوره الاكيد الذي يخبره قلبه به انها بخير

لكن الذي كان يرعبه لما لم ترسل لأمها اي خبر 
اذا كانت على قيد الحياة اين هي منذ سنتين وأكثر
وكيف عاشت فيثور عقله عليه ويقول له حتما ان زيدان قتلها
لكن قلبه يرفض التصديق
ورغم كل يأس حاتم من منيفة لكن الرجاء لم يفارقه يوما ابدا

حين رجع لبيته شبه راكض 

ورأى السائق نائم بعمق ذهب الى غرفته
وأخرج الكيس وشمه شعر انه يرى اصابع منيفة على الكيس 
حتى انه شم رائحة منيفة تلك الرائحة المميزة للقرنفل الذي كانت تعشقه
كاد ان يطير فرحا
كاد ان يصرخ بكل صوته
ويقول منيفة موجودة 
وتشرق عليها نفس الشمس التي تشرق علي
وترى نفس السماء التي اراها
وتتنفس نفس الهواء الذي اتنفسه

وقال في سره مستغربا

-ليش تخاف منيفة ليش هي اش سوت
وحدة غيرها ماجان صبرت كل هالسنين
مدري ليش خوفني السايق

ابدل ثوبه الذي اعاد ارتدائه عدة مرات لانه في كل مرة كان يظن انه مقلوب
ثم نزعه وقال لنفسه

-لازم اسبح ريحتي مو طيبة الجو حار واني كلي تراب من البستان

وركض الى البرميل في فناء بيته وحمله ودخل به للحمام واستحم بسرعة ورجع ولبس اجمل ماعنده من ثياب وتعطر ولم تفارقه الرجفة ابدا
كأنها رجفة الحياة قد عادت لقلبه الذي كان في سبات الموت لسنين طويلة
أو كأن قلبه نسي كيف يخفق خفقات الفرح
فاصبح مرتبكاً يخفق مرة بسرعة ومرة ببطء
وتأسف كثيرا انه لن يستطيع تشذيب لحيته 
وانجز كل شيء في اقل من نصف ساعة وذهب الى

السائق واوقضه وقال له 

- يلا يخوي اني خلصت 
صحى السائق يتمطي ونهض وغسل وجهه 
وبعد دقائق كانت السيارة عائدة للموصل تحمل حاتم الذي يقوده احساسه واحساسه بمنيفة ابدا لم يخدعه يوما
رغم كل شيء
كان طول الطريق يقول لنفسه
-لو بس اكدر اعرف الفرگ بين احساسي وبين رجاي چان صرت ضراب فال والله مدري اني اترجي الچيس من منيفة صحيح لو اني انجنيت
لكن اترجى انو من منيفة صحيح
محد ايعرف بسالفة البيبون غير منيفة
أووووف يامنيفة أوف يبنت گلبي
يارب العالمين ايكون من منيفة صحيح
يارب فرح گلبي والله اني گلبي خلص من العذاب

ونزلت دموعه 

شعر به السائق وقال له

-هون عليك يخوية ما تعرف ربك اش ضاملك من خير
ترى الله مايترك حمل مطروح

وصل حاتم قبل العصر للگراج

وجلس عند احد الجدران وهو يقول لنفسه

-راح اضل بهل گراچ للعشا واذا ماصار شي
اروح ادورلي فندق انام بيه وباجر من الصبح
اجي واگعد هينا وما ارجع للجرية 
الا يجي ذاك الولد
واني مدري اتمنى يكون عبدالله لو احس انو عبدالله
ياربي دخيلك من الخيبة دخيلك يارب

يكون يطلع عبدالله صحيح

يتبع..........
__________________________________________

(1) يرى الطفل كل العالم من خلال امه
فاذا ماحصل له شيء ينظر لوجه امه فاذا شعر انها بخير
حتى الالم الذي يشعر به لايهزه
فالأم هي العامود الاول الذي يستند اليه ويكون شخصيته
لهذا ترى ان ابناء السيدة الحصيفة ذات الشخصية الهادئة والواثقة من نفسها يكونوا قادة في حياتهم
فالأم هي من تصنع القائد وليس الأب

(2) الراوية هي مستوعب لنقل الماء وهي عبارة عن كيسين من المشمع الصلب يوضعان على ضهر الحمار
وله خرطومين من الامام في كل كيس بخرطوم مستقل يلف جيدا وله حلقة في راس الخرطوم وخطاف في اعلى الراوية يتم ادخال الحلقة في الخطاف وحين يصلون البيت ياخذون الخرطوم ويفتحوه في سطل وينقلون الماء من الراوية الى خزان الماء الثابت في البيت،


شكرا لزيارتكم عالم روايات سكيرهوم
تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1