رواية قبلة على جبين الوهم الفصل الثامن
لكنها ما بصّتلوش.
كأنها تعبت من كل رسالة، وكل صوت، وكل محاولات الشرح اللي ما بقيتش تهمّها.
وقفّت على الرصيف عند إشارة المشاة.
وشافت الناس حواليها لابسين أشكال وألوان.
ست لابسة جلابية سودا ماسكة كيس فيه خبز،
وشاب لابس جاكيت جلد وبيكلم حد بصوت عالي،
وبنت لابسة بالطو بيج ووشّها مشحون،
وبياع ورد بيفرش ورد أحمر على الأرض.
لكنها حسّت إنها مش من المكان ده.
كأنها شفافة، بتمشي بين الناس وهمّ ما يشوفوهاش.
وقفت عند كشك صغير، واشترت زجاجة ميّه.
لكن إيدها كانت بتترعش وهي بتسلم الفلوس،
والراجل قال لها بهزار: شكلك بردانة يا بنتي!
لفّي البالطو عليكي شوية.
ابتسمت ليان ابتسامة باهتة جدًا.
وشكرت الراجل، ومشيت.
لكن في دماغها، كانت بتقول:أنا مش بردانة أنا مكسورة.
ورجعت للبيت الباب اتفتح بهدوء،
خطوات ليان كانت بطيئة، تقيلة.
مش من التعب،
من الوجع اللي جوّاها لسه بيزحف.
البيت كان ساكن، مفيش أصوات،
فكرت إنها تروّح أوضتها على طول.
لكن وهي بتعدي من الصالة،
سمعت صوت ضحكة مكتومة.
ضحكة بنت.
قفز قلبها فجأة،
أهو الهلاوس بدأت؟
ولا ده فعلاً صوت لمار؟
وقبل ما تفكر مرتين،
لفّت رأسها ناحية الصالة،وشافت المشهد اللي عمره ما هيتنسي.
رامي قاعد على الكنبة، ضاحك ووشّه مرتاح،
ولمار قاعدة جنبه، بتقشّر له برتقالة،
ووشها متورد من الضحك.
كانت لابسة ترينج بيتي، شكلها مرتاحة جدًا،
كأنها صاحبة المكان مش مجرد زائرة.
رامي رفع عينه وشاف ليان.
سكت فورًا،ولمار رفعت راسها،والبرتقالة وقعت من إيدها.
ليان ما اتكلمتش،ما صرختش.
بس عينيها كانت بتتكلم بصوت أعلى من كل حاجة في الدنيا.
نظرت لهم كأنهم غرباء،مش غرباء عاديين،غرباء دخلوا قلبها بالحيلة،
وسرقوا كل حاجة جواها.
قالت ليان بصوت هادي جدًا، لكن فيه رجفة: مش كنتوا تستنّوا لما أختفي شوية كمان؟
ولا دي اللحظة المناسبة خلاص؟
رامي حاول يقول حاجة،
ليان دي مش كده.
لأ، كده بالظبط.
بصّت للمكان،المخدات، البرتقال، الضحك اللي لسه صداها في الحيطان.
وقالت وهي بتلف وشّها ناحيتهم:أنا كنت فاكرة إن الدنيا خانتني،لكن اكتشفت إن الخيانة كانت في أوضتي،على كنبتنا،في بيتنا.
وسابتهم، ودخلت أوضتها،وسابت الباب مفتوح.
مش لأنها نسيت تقفله،
لأ، لكن عشان الخيانة ما تستاهلش باب يُتقفل وراها.
قفلِت الباب بالمفتاح،
والصوت البسيط لـ تكة القفل كان كأنه آخر خيط بينها وبين العالم الخارجي.
رمت شنطتها على الأرض،ووقعت على الأرض جنب السرير مش قادرة توقف ركبها ما شالتهاش.
الدموع نزلت بدون استئذان،صوت بكاها كان مكبوت،بس موجِع كأن في حاجة جوّاها بتتكسر ببطء.
تذكرت أول مرة قالت فيها بحبك، وأول مرة حكت لمار عن رامي.
تذكرت لمار وهي بتبتسم وبتقول:انتي تستاهلي واحد يحبك لحد الهوس.
وانفجرت ليان في البكاء أكتر.
كنت أنا الهبلة اللي فاكرة إنك بتتمنيلي الهوس وانتي كنتي بتخططي تسرقيه مني.
برا الباب،كانت لمار واقفة،بتخبط خبطات ناعمة،وبتتكلم بصوت رخيم فيه شوية بُكا مصطنع:ليان افتحيلي بس لحظة أنا ما قصدتش أزعلك،أقسم بالله، دي حاجات كانت صدفة أنا مكنتش أعرف إنك هترجعي بدري.
وسكتت شوية قبل ما تضيف الجملة القاتلة.
وبعدين، انتي مكبّراها ليه؟ رامي مش جوزك!
صوت ليان جوه توقف دموعها وقفت لحظة،
وحسّت إن الكلام ده هو الصفعة التانية.
يعني مش كفاية خطفتوه، لأ عايزيني أقتنع إني أنا اللي مجنونة.
لمار كانت بتتكلم وهي حاطة إيدها على الباب،
نبرتها فيها خليط خبيث من التودد والتهديد
العاطفي: أنا أختك قبل ما أكون صاحبته.
ومش معقول نخسر بعض علشان حد زي رامي،
اللي مش ثابت على واحدة من يومه!
كانت بتلعب على الوتر.
تشوّه صورة رامي علشان تبان هي الضحية.
وفي نفس الوقت، تغرس الإبرة السامة بهدوء في ضهر ليان.
لكن ليان، جوّا،بدأت تبص لنفسها في المراية،
ووشّها متورّم من البُكا،وعنيها حمره،لكن فيها بداية وعي.
كتبت في نوتة كانت دايمًا بترميها تحت المخدة:اللي يضحك وأنا بنهار،ماينفعش يضحّك معايا تاني.
واللي يبرّر خيانته وهو بيطبطب.
بيستاهلش حتى سكوتي،أنا النهارده، حزينة،لكن مش ضعيفة.
وكل دمعة بتعلّمني.