رواية في حضن جلادي الفصل الثامن 8 بقلم نرمين حمدى

 

 

 

رواية في حضن جلادي الفصل الثامن بقلم نرمين حمدى

 عدّت أيام قليلة بعد الليلة اللي فضّل فيها رحيم قاعد جنب سجدة من غير كلمة. العلاقة بينهم بقت أهدى، بس مش أمان. هو بيحاول يبين إنه ندمان، وهي ساكتة... بس مش ناسية.

في يوم، رجعت من الحمام، لقت العصير محطوط قدامها زي العادة، رحيم قاعد على السفرة، بيفتح الجورنال، وكأن الحياة طبيعية.

– اشربيه قبل ما يبرد.

قالها وهو مش باصص لها.

مسكت الكوباية، وفضلت تبصلها، لون العصير شكله عادي، بس ريحته فيها حاجة مش مفهومة... يمكن من كتر ما شربته اتعودت، بس النهاردة حاست بحاجة مختلفة.

قربت الكوباية من مناخيرها، وغمضت عينيها...

– إنت بتشرب من العصير ده؟

سألته فجأة، من غير ما تبصله.

رفع عينه ليها، وقال ببرود:
– لا. أنا مش بحب العصير الصبح.

حطت الكوباية على الطرابيزة بهدوء، وابتسمت:

– طب ممكن تجيبلي كوباية تانية؟ دي دافية شوية.

وقف، دخل المطبخ، وهي بسرعة رفعت الكوباية وشمّت الريحة تاني، قلبها دق، في طعم بسيط بيزن على لسانها، ريحة دواء...
دواء؟! ولا حبوب؟!

رجّع الكوباية الجديدة، وساب الأولى.
ابتسم وقال:

– دي أحسن؟

– آه، تمام، شكراً.

رجّع قعد، وهي خدعت عيناه، وراحت بدلت الكوبايتين بهدوء.

شرب هو منها وهو مش واخد باله... وهي لسه، ما شربتش حاجة.

بعد ما خرج من البيت، فضلت ماسكة الكوباية الأولى، بتفكر...
"هو بيحطلي إيه؟ حبوب؟ ليه؟"

فجأة لمعت في دماغها فكرة...
افتكرت إنه بعد كل مرة بينهم، بيحرص إنها تشرب العصير ده.
يعني دا مقصود.

سكتت لحظة، وبصت للكوباية، وقالت بهمس:

– أنا مش هاشرب تاني... وهنشوف هيحصل إيه.

ومن يومها... كل مرة يقدم لها الكوباية، تضحك وتعمل إنها بتشرب، وتكب العصير وهي لوحدها في الحمام أو المطبخ.

وبعد كام أسبوع...
بدأت تحس بدوخة، غثيان، وتعب مش طبيعي...

وجت اللحظة اللي قلبها اتقلب فيها:

– إنتي حامل، في بداية الشهر التاني.

قالتها الدكتورة وهي بتراجع التحاليل.

سجدة دمعت...
بس مش خوف، كانت دموع انتصار هادي.

– غصب عنك يا رحيم... ربنا أراد. & & & & & & & & كانت سجدة قاعدة في أوضتها، إيدها على بطنها الصغير ولسه مش مصدقة اللي حصل… كل دمعة بتنزل من عينيها كانت خليط بين خوف وفرحة.

سمعت صوت مفتاح الباب… رحيم رجع. قلبها وقع مكانه، لازم تسيطر على نفسها، بس ملامحها فضحتها.

رحيم دخل الأوضة وشافها واقفة بسرعة، إيده راح على جيبه، عينه ضاقت:
– في إيه؟ ليه واقفة كده؟

سجدة حاولت تخفي ارتباكها:
– مفيش…

رحيم بص لها من فوق لتحت، حسّ بشيء غريب في تصرفاتها… قرب منها فجأة ووقف قصادها:
– إنتي مخبية حاجة يا سجدة؟

سجدة رجعت خطوة لورا:
– لأ… أنا كويسة.

رحيم مدّ إيده وخدها بالعافية ناحية السرير:
– قولي. إيه اللي وراكِ؟

سكتت لحظة، دموعها نزلت رغمًا عنها، نطقت بصوت واطي جدًا:
– أنا… أنا حامل.

الهدوء اللي جه بعدها كان أخطر من الصريخ. رحيم وقف متسمّر مكانه، عينه بتولع نار، صوته طالع مخنوق:
– حامل؟! إزاي؟! إزاي ده يحصل؟

سجدة بخوف:
– ربنا أراد… وأنا… أنا مش هسقطه يا رحيم، ده ابني.

رحيم زعق صوت هزّ البيت:
– ابن إيه اللي بتقولي عليه؟! أنا مش عايز عيال دلوقتي!

– بس أنا عايزة! ده هيفضل سندي.

رحيم مسكها من دراعها بعنف وصرخ في وشها:
– قرار مين ده؟ أنا اللي بقرر هنا!

سجدة حاولت تفك نفسها:
– بالله عليك، أنا عشت ذل كفاية، سيبلي الحاجة الوحيدة اللي ممكن تعوضني…

رحيم قاطعها وهو يسحبها ناحية الباب:
– اسكتي! هتلبسي حالًا وهنروح للدكتورة… النهارده قبل بكرة.

سجدة وقفت مكانها:
– لأ! مش هعمل كده!

رحيم بص لها بنظرة ما شافتهاش قبل كده، عينه كلها غضب وقسوة:
– سجدة… أنا لو قلت هتعمليه… يبقى هتعمليه.

سحبها بالعافية بره الأوضة وهي بتعيط وبتصرخ:
– لاااااا… مش هسمحلك تقتل ابني!

رحيم ببرود قاتل:
– هو مش ابنك لوحدك… أنا اللي هحدد مصيره.

وخرج بيها من البيت وهو مش شايف غير حاجة واحدة… إنه ينهي الحمل بأي ثمن. & & & & & & & & & & 
 الجو في العربية كان مكتوم… نفس زي الزجاج المقفول على صرخة.
سجدة قاعدة جنب رحيم، بطنها صغيرة… لكنها بتخبّي حياة، أمل، شيء كان أول مرة تحس إنه ليها.

دموعها نازلة بصمت، مش بتتكلم… بس ملامحها كانت بتصوّت.

رحيم سايق وساكت.
لكن جواه نار. نار مش مفهومة… يمكن رُعب، يمكن عِند، يمكن خوف إنه يكون بيحبها أكتر مما لازم… بس هو اختار يكون قاسي.

وصَلوا عند العيادة.
نزل من العربية، فتح الباب ليها بالعافية، وهي بتقول بصوت مخنوق:

– رحيم… بالله عليك. أنا مش قد كده… دي أول مرة أحس إني عايشة… مش عايزة أفقده.

ما ردّش.

شدّها من إيدها، دخلوا سوا.

في أوضة الكشف، الدكتور كان واقف، رحيم قال ببرود:

– خلّصنا يا دكتور…

سجدة قامت من على الكرسي بسرعة، وقفت قدام الدكتور، وهي بتترعش:

– لا… بالله عليك… ما تعملش كده. أنا مش موافقة.

الدكتور بص لرحيم، وبعدين لها:

– حضرتك متجوزة رسمي؟

سجدة همست:
– أه… بس… مش عايزة…

رحيم بص للدكتور:
– اعمل اللازم…

الدكتور قال بهدوء وهو بيبعد عينه عنها:
– آسف… طالما الزوج موافق، نقدر نكمّل.

سجدة اتحبست في أوضة صغيرة، جسمها بيتشد، بتصرخ:
– رحيم… لااااا… بالله عليك لاااا…

بس رحيم واقف برّه… وساكت.

وهي جوّا، كانت بتحس إنهم مش بيشيلوا طفل… لأ…
كانوا بيكسروا آخر جزء نقي جواها.

بعد شوية، خرج الدكتور.

– خلصنا…

رحيم دخل الأوضة، شافها نايمة، عينيها مغمضة، بس الدموع نشفت على خدها.

قرب منها… حاول يلمس إيدها.

سحبتها بقوة.
وبصّت له نظرة عمرك ما تشوفها إلا في وش حد اتكسر للأبد.

نظرة من اللي فقدت الثقة، والحب، والرحمة… وحتى نفسها.

وساعتها…
رحيم حس بحاجة…
غريبة… تقيلة…
اسمها: ذنب. & & & & & & & & & & كانت واقفة في الحمّام، والمياه بتجري على إيديها…
عينيها سابحة في فراغ غريب. كل حاجة حواليها بقت متشابهة… الأوضة، الجدران، حتى صوت نفسها بقى تقيل.

بقالها كام يوم مش طبيعية…
دوخة. غثيان. وجع في ضهرها.
لكن عقلها كان بيرفض يصدق… كانت بتاخد الحبوب اللي رحيم بيصرّ يشربها لها يوميًا في العصير.

بس هي من يوم ما اكتشفت إنه بيحط فيها حاجة، بطّلت تشرب…
كانت بتمثّل.

خدت نفس طويل، ومسكت الاختبار بإيد بتترعش.

دقيقة… دقيقتين…
تلاتة…

خطين.

واضحين جدًا…
فاصلين ما بين خوفها وحياتها…
وما بين الأمومة اللي رجعتلها من باب ما كانتش مستنياه.

قعدت على الأرض.
إيديها على بطنها.
صوتها كان مهموس، مبحوح:

– إزاي؟… أنا كنت باخد الحبوب…

دموعها نزلت، بس المرة دي مش زي كل مرة.

دي دموع خوف…
بس ممزوجة بحاجة أعمق…
حاجة اسمها: أمل.

ماكانتش فرحانة.
ولا مطمئنة.

كانت حاسة إنها بتحمل حياة جديدة… في بيت ميت.

وفي اللحظة دي، خدت القرار:

– المرة دي مش هقول لحد.
المرة دي… مش هسمحله يلمسه.

رفعت عينيها للمراية.
وشّها تعبان، بس نظرتها صلبة.

– المرة دي… هخبّيه. حتى لو كان تمن ده حياتي.


شكرا لزيارتكم عالم روايات سكيرهوم
تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1