رواية حارة الربيع الفصل التاسع بقلم جميلة القحطانى
بيجري ناحيه السلم، ويقفله الطريق بحركة جسد جريئة، يوقعه أرضًا، ويشده من قميصه:كل ده عشان شوية باكيتات؟ بتبيع عمر عيال زيك؟!
في الدور التاني، ياسين يلاقي المعمل كامل… أكياس، أدوات، ومراهق مربوط في زاوية، باين عليه مجبر يشتغل معاهم.
يفك وثاقه، ويبصله بحنان نادر:إنت خرجت من النار… ما ترجعش تاني.
بعد 30 دقيقة:الهواء بيرجع يمرّ…
المكان بقى هادي، والرجالة ربطوا كل أفراد العصابة، وتم التحفّظ على المواد.
كريم بيجلس على الرصيف، يخلع الخوذة، ويمسح العرق من جبينه.
سلمى واقفة، لسه قلبها بيدق، لكنها ما اتراجعتش لحظة.
ياسين واقف في منتصف الزقاق، ساجد لله شكرًا على النجاة.
ياسين، بصوت مبحوح، يقول لهم:الناس ما تعرفش عننا غير صورة في الجرايد لكن الحقيقة؟
إحنا بنعيش كل لحظة على الحافة
واللي بيحارب الشر مش دايمًا بينتصر،
بس عمره ما بيهرب.
الساعة كانت لسه تسعة الصبح، والشمس داخلة من شبابيك بيت الحاجة وداد، بتطبطب على الحيطان اللي حافظت أسرار العيلة دي سنين.
في الركن القريب من المطبخ، كانت وداد واقفة في وشّ البوتجاز، لابسة عبايتها الغامقة وطرحتها على كتفها، بتقلّب في طاسة الفول، وبتكلم نفسها:كده الطشة جهزت… بس يا ترى سامي جه؟
أم نادين قالتلي هتجيب الفطير وهيام دايمًا تيجي آخر واحدة.
دخلت نجلاء، بنتها الكبيرة، وهي شايلة معاها طبقين: واحد بطاطس في الفرن، والتاني سلطة بلدي.
نجلاء وهي بتنادي:يالا يا ولاد قوموا سلموا ع تيتا، وكل واحد يحط فرشته جنب السفرة.
آدم الصغير وهو لسه نايم:بس يا ماما أنا لسه في الحلم، كنت باكل كنافة بالعسل!
ضحكت وداد وقالت:قوم يا عريس هو اللي بيحلم بالكنافة لازم يصحى يغسل وشه الأول!
السفرة اتمدّت على الأرض، والمفارش المفروشة بعناية ماما وداد كانوا شبه طقوس يوم الجمعة.
كريم، حفيدها، رصّ الكوبايات وهو بيهرّج:اللي يوقع كوباية، يغسل المواعين بعد الفطار!
هيام بضحك:يا ريت، كده نعرف مين المجرم كل أسبوع!
دخل سامي، الأخ الأوسط، وهو شايل رغيفين عيش بلدي ولسانه سبق خطاه:أنا جاي بأكل الشعوب يا ست الكل!
وداد وهي بتبص له:هاه، وأم الشعوب؟ جت معاك؟
سامي:ورايا بخطوتين، بتحط الكُحل قالت لازم تدخل على الحاجة متوضبة.
ضحك الجميع، وجلسوا حوالين السفرة.
الأكل اتحط، والريحة غطت المكان فول بالشطة، فطير مشلتت، جبنة قديمة، وعسل أبيض نازل من البرطمان كإنه دهب.