رواية همس بلا صوت الفصل التاسع بقلم نور محمد
في نفس اللحظة اللي كان فيها واحد من الرجالة بيجهّز
الحقنة والتاني ماسك رقبة سيلا علشان يثبّتها كانت الدنيا جوّا القبو ساكنة... ساكنة بشكل مش طبيعي.
سيلا، وسط التعب والمخدر اللي بدأ يضعف، حسّت بشيء غريب بيجري في عروقها إحساس سخونة بيكبر جواها... إحساس غضب.
ولما الراجل قرّب الحقنة من رقبتها...
بِحركة مفاجئة
سيلا مسكت إيده قبل ما تدخل الإبرة، صرخة رجّت المكان وهو بيقع على ركبته إيدها لفت على معصمه و...طق
صرخة الراجل كانت مرعبة وإيده اتعلقت في الهوا... مكسورة من جذورها
إمسكوها!!
صوت الراجل التاني طلع بخوف مش أمر
حاولوا يكتفوها... واحد منهم شد السلسلة اللي في رجلها لكن سيلا برجليها كسرت طرف السرير الحديدي وانطلقت ناحية أقرب واحد فيهم بوكس واحد خبطه على أنفه خلى دمّه يتفجر.
"مش بشر... دي مش بشر!"
صوت الرجالة كان مليان رعب
بس سيلا ما كانتش سامعة... كانت جوّاها حاجة تانية... وجع، وقهر، وخوف متحوّل لغضب... دموعها ناشفة وصوت نفسها عالي وكل خلية في جسمها كانت بتصرخ
وفجاه
صوت الباب وهو بيتحطم دوّى في المكان زي الرعد والكل اتجمّد في مكانه
غيث دخل أول واحد، المسدس مرفوع، وعينه بتبرق غضب... ورا ظهره دخل رجالة الشرطة زي سيل جارف، ملامحهم مش بتوحي بأي رحمة.
محدش يتحرك
صوته كان قاطع حاسم وكل الموجودين اتخضّوا من هيئته
رجالة المقر حاولوا يتصرفوا بسرعة،
لكن غيث كان أسرع
طلقات تحذيرية اخترقت الجدران وأوامر بتتوزع يمين وشمال.
وسط الزحمة دي عينه وقعت على سيلا...
كانت على الأرض متكتفة ووشّها عليه ملامح الألم والجنون والخوف كلهم في لحظة.
"سيلا!"
اتحرك ناحيتها زي السهم بس واحد حاول يوقفه...
غيث ضربه على بطنه وبعدها كسر دراعه بحركة واحدة ووقعه جنب الحيط.
رجالة الشرطة كانت بتحاصر الباقي
سيلا كانت مرمية وبتنظر له بعينين مشوشه
ولما قرب منها قال بهمس مكسور:" خلاص مفيش حاجه اهدي
لكن سيلا، لسه في حالتها، ما سمعتهوش كانت بتبصله بنظرة مش مفهومة... دموعها نزلت فجأة واللي فيها كله انهار
"غيييث...صوتها طلع ضعيف... خافت... مكسور
غيث مسكها بسرعة وهو بيحضنها إيده على وشها وعينيه بتغرق في دموعه:
"أنا جيت... أنا جيت يا سيلو، خلاص أنتي معايا دلوقتي محدش هيقربلك تاني
حازم كان بيأمّن المكان، وباقي الفريق كبسوا على الرجالة اللي حاولوا يهربوا، صوت الصراخ والأوامر، والطقطقة بتاعة الأصفاد كانت مالية القبو
أحد الظباط قال لحازم: "البيت ده مش طبيعي في قبو تاني ورا السور باين عليه كان بيت حجز في عينات وسرنجات الموضوع شكلوا كبير
حازم بغضب: " روح انت ورجالتك وفتشوا كل المكان عايزكم تشوفوا كل حاجه هنا مش عايزكم تسببوا مكان الا فتشتوا في وانا هاخد دول اسلمهم للقسم واجيلك نكمل تحليات علي المكان
غيث شال سيلا من على الأرض هي كانت خلاص فقدت توازنها عينيها نص مفتوحة وجسمها بيترعش
سيلا فوقي خليكي فاتحه عينك
سيلا حاولت ترد بس صوتها كان مختفي نظراتها كانت بتحكي كتير... الخوف اللي شافته الذل الضعف... لكنها كانت بتبص في عينه وبس
---
في المستشفى...
غيث قاعد جنب سريرها ماسك إيدها والدكاترة قالوا إنها هتحتاج ترتاح كذا يوم تأثير المخدر النفسي والجسدي قوي بس هتفوق
في اليوم التاني...
سيلا فتحت عينيها بصت حواليها ببطء،
لمبة خافتة في ركن الأوضة والجو هادي بشكل غريب… صوت الأجهزة الطبية بيقطع الصمت بنبضات منتظمة
لمّا عينيها وقعت على وش غيث قلبها وجعها… كان نايم حاضن إيديها وكأنها هضيع منه
حاولت ترفع إيدها تتحس وشه بس جسمها لسه ضعيف مجرد ما أصابعها اتحركت غيث حس بيها
فتح عينه بسرعة وبص ليها كأن الروح رجعتله
"سيلا!"
ابتسامته كانت مكسورة… فيها حزن كبير وفرحة صغيرة… فرحة إنها فاقت : " حمدالله على سلامتك ....احسن دلوقتي
سيلا حاولت تهز رأسها، بس عضلات رقبتها وجعتها، قالت بصوت متعب: " الحمدلله
دخلت الممرضة بسرعة أول ما شافت الإضاءة متفعّلة في جهاز المراقبة.
"الدكتورة هتدخل حالاً واضح إنها بقيت احسن
قالتها وهي بتطمن غيث
بعد دقائق الباب خبط ودخلت الدكتوره
الدكتوره: " حمدالله على سلامتك عامله ايه دلوقتي
سيلا: " الحمدلله احسن
الدكتورة بصت على الشاشة وعملت كشف بسيط، وقالت:
"أنتِ محتاجة ترتاحي كام يوم، آثار المخدرات لسه في جسمك بنسبة بسيطة، بس بدأت تقل تدريجي. أهم حاجة الراحة النفسية، وهنتابع مع طبيب نفسي كمان بعد شوية."
غيث سألها بصوت جاد:" تقدر تخرج انهارده
الدكتورة قالت بابتسامة بسيطة: " إن شاء الله شويه هاجي اشوفها لو بقيت احسن هكتبلها علي خروج
سيلا قالت بهمس ضعيف وهي بتبص لغيث: " عايزه امشي مش قادره اقعد اكتر من كده
غيث: " حاضر يا حبيبتي نطمن عليكي الاول ولو بقيتي كويسه نمشي
سيلا هزت راسها بهدوء
الدكتورة خرجت وغيث فضل قاعد جنبها ولحظة الصمت رجعت بينهم... لكن المرة دي كانت مريحة دافية... كأن القلوب بتتنفس لأول مرة من زمان
---
في القسم بعد كام ساعة...
حازم كان بيشرف بنفسه على التحقيق مع الرجالة اللي اتقبض عليهم
ومحدش فيهم عايز يتكلم او يقول اي حاجه عن خطف سيلا
حازم طالع من غرفة التحقيق وشكله مرهق راح للمكتب وقال لأحد الضباط: "هات كل الملفات الدكاترة الي اتوقفوا عن العلم من خمس سنين
---
عدّت أيام من الحادثة الأخيرة… أيام عدّت ببطء، بس كل لحظة فيها كانت طمانينه
سيلا بدأت تتحسن جسمها استجاب للعلاج بشكل جيد، والمخدر اللي كان جوّاها خلاص تقريبًا اختفى… حتى الدكاترة قالوا إنها بتتحسن أسرع من الطبيعي كأن في طاقة غريبة بتشدها للحياة من تاني.
غيث كان جنبها طول الوقت مش بيسيبها ولا لحظة
في صباح يوم جديد
الشمس كانت داخلة من الشباك على استحياء، بتدفّي الأرض الباردة والهدوء كان مريح لأول مرة.
سيلا كانت قاعدة على السرير لابسة بيجاما قطنية بسيطة، وشعرها مربوط على الجنب، وفي حضنها مخدة صغيرة… عينها على شاشة اللابتوب، بتتفرج على فيلم كرتون قديم معرفتش ليه اختارته بس يمكن علشان تحس لحظة واحدة إنها طفله… مش تجربه
فجأة الباب خبط خبطتين خفيفين.وبعدها دخل زياد… وشه فيه لمعة الشقاوة اللي سيلا كانت بتفتقدها
"إنتي لسه قاعدة بتتفرجي على الكارتون ده؟
ده أنا خلصت لعب وفطرت وروّحت تاني وانتِ لسه في نفس الوضع
ضحكت سيلا ضحكة خفيفةوقالت بهدوء:"ماعرفتش أغير الفيلم... عجبني
زياد قعد على السرير جنبها حط رأسه على رجلها وقال: "أنا جعان
بصت له ببطء استغربت وقالت باندهاش بريء: "جعان انت مش لسه واكل من شويه ....وكمان انا مبعرفش اعمل اكل روح لي تيته تعملك الاكل
زياد ضحك وقال: "أيوه بس ده كان من ساعه فطبيعي اكون جوعت يعني وكمان انتي بتعرفي تعملي اكل
انتي بتقولي كده علشان مش عايزه تأكليني
سيلا كانت هترد بس سكتت… الحقيقة إنها مش فاكرة حاجة عن الطبخ لا طعمه ولا ريحته ولا خطواته… بس في نفس الوقت حسّت إن دي أول مرة تحس إنها في بيتها فعلًا.
سيلا: " طب عايز تاكل ايه
غيث بحماس: " عايز بشاميل بقالي كتير مكلتوش وتيته مبتعرفش تعملوا حلو
لكن انتي كنتي بتعمليها حلوه اوي
قامت من على السرير بهدوء، وقالت: "طب استنى هفتح اليوتيوب أشوف طريقة البشاميل… مش فاكرة كنت بعملها ازي
زياد قال وهو بيضحك: " بجد هتعمليها ...متخافيش انا هساعدك علشان تطلع حلوه
سيلا ضحكت عليه وخرجت من أوضتها وهي ماسكة الآيباد بتاع زياد ودخلت المطبخ
قعدت على الترابيزة وفتحت فيديو بعنوان: " طريقه عمل صينية مكرونة بشاميل للمبتدئين" سيلا تابعت الخطوات واحدة واحدة وبصت لزياد اللي قاعد بيقطع في الجبنة وبيقول: "أنا الشيف زياد… وكل حاجت هتبقى تمام تحت إشرافي هتكلوا احلي بشاميل من ايدي
ضحكت سيلا من قلبها والضحكة دي كانت دافية طالعة من جوه… كأنها نسيت للحظة مين هي… وافتكرت بس إنها أنسانه بتحاول ترجع تعيش
البخار بدأ يطلع من الحلة، وريحتها بدأت تملأ المكان… سيلا بصّت حواليها حسّت اخيرا إن بقي عندها اسره وفي مسئوليات عليها كأي ام وزوجه
سيلا قالت وهي بتحط الصينية في الفرن:
"عارف يا زياد… يمكن أنا مش فاكرة حاجات كتير… بس اللحظة دي... حسّيت إني عايشه وفي وسط بيت دافئ وعيله
زياد سكت شوية وهو مش فاهم حاجه بس قال بعقل واحد ناضج مش طفل: " بصراحه انا مش فاهم الي بتقولي بس كلنا فرحنا برجوعك ومش عايزينك تمشي تاني
كمل بتوتر و خوف هو انتي ممكن تسبينا تاني
سيلا بابتسامه: " لا يا حبيبي انا لا يمكن اسيبكم تاني كملت بهمس لي نفسها
مع اني مكنش بمزاجي اسيبكم
سيلا كانت لسه واقفة قدام الفرن بتتفرج على الصينية وهي بتتحمّر من فوق… عينها لمعت بحماس طفولي وهي بتراقب الجبنة وهي بتسيح وتاخد لون دهبي.
وفجأة...
اتخضيت واتسعت عينيها بشكل لا إرادي لما شافت غيث واقف عند باب المطبخ متكئ على الحيطة وإيده في جيبه بيتفرج عليها هي وزياد وابتسامته مالهاش وصف... فيها راحة ودفا وفرحة حقيقية.
ضحك بخفوت وقال:" اتخضيتي لي لما شفتيني
سيلا اتلخبطت ولفّت بسرعة وهي بتضحك بخجل:
"مش قصدي... افتكرتك هترجع متاخر
رد وهو بيقرب منها بخطوات هادية: "وأفوت البشاميل مستحيل كفايه انك الي عملا
زياد دخل في النص وهو بيهزّ الكرسي برجله:
"أنا الشيف هنا لو سمحتوا والبشاميل ده من تحت إشرافي
غيث قرب من سيلا وهمس لها وهو بيبص على الفرن: "بس أنا متأكد إن طعمه هيطلع حلو
ده كفايه الشيف زياد
سيلا ابتسمت بخفة وهي بتعدل شعرها المبعثر وغيث مد إيده يضرب كفّه بكف زياد وقال له: "برافو عليك يا شيف زياد… بس لو الأكل طلع مش حلو هتحاسب لوحدك
زياد: "أنا واثق من طعم الجبنة... دي غالية
غيث وسيلا ضحكوا باعلى صوت ومكنوش قادرين يمسكون نفسهم
الضحك كان مالي المكان وريحة البشاميل كانت بتفوح في المطبخ كأنها بتحتفل مع أهل البيت برجوع سيلا.
بعد شوية، الكل قعد على السفرة.
زينب كانت قاعدة على الكرسي وهي مبسوطة من شكل ولادها وكل دقيقة بتبص لسيلا بنظرة أم مليانة حنية: " البيت كان وحش من غيرك يا سيلا
رجعتي ورجعت معاكي الفرحه والبهجه للبيت
انا كنت خايفه اموت ومشوفكيش
سيلا بصتلها بعين فيها حب وامتنان"ربنا يخليكي لينا يا طنط زينب ومنتحرمش منك
زينب:"اسمي ماما....كام مره اقولك متقوليش طنط
غيث كان بيضحك وهو بيحط المكرونة في طبق سيلا: " بذمتك يا ماما مين بيعمل البشاميل احلي انتي ولا سيلا
سيلا: " اكيد ماما بتعمل احلي انا اصلا شوفت الطريقه من اليوتيوب وكل وبلاش كلام كتير
غيث خد أول لقمة وسكت شوية
سيلا: " ايه وحشه
غيث بتصنع: " مش بطاله
سيلا: " طب متكلش بقي ادام مش حلو
غيث: " يابنتي مانا قولتلك مش بطال
سيلا: " يعني مش حلو
زينب: " طعمها تحفه يا حبيبتي هو بس بيحب يضيقك
غيث مسك ايديها وباسها: " تسلم ايدك يا قلبي ده احلي بشاميل دقتوا في حياتي
زياد مد ايده لي غيث
غيث: " ايه ده
زياد: " بوسها دي تعبت وهي بتعمل الجبنه
كلهم ضحكوا عليه وغيث مسك ايده وباسها وقال: " تسلم ايد الشيف زياد
بعد ما الأكل خلص، وزياد أعلن رسميًا إنه "انتصر في معركة الجبنة
غيث قام وقال بصوت واضح: "يلا يا سيلا قومي غيري هدومك علشان رايحين مشوار
سيلا استغربت وهي بتجمع الأطباق: " مشوار ايه
غيث: " هتعرفي لما نوصل
سيلا بتردد: "بس
غيث قرب منها وقاطعها وقال" بس ايه بس
انتي لسه هتبسبسي قدامك خمس دقائق وتكوني جاهزة يلا
سيلا سكتت بس قلبها كان بيخبط بخفة حاجة فيها تشويق وإحساس جوها حلو لأول مرة من زمان
بعد شوية…
لبست فستان بسيط كريمي بلون دافي ولبست طرحه بني وغيث كان خلص لبس ومستنيها تحت عند العربية
ركبوا العربيه واتحركوا
غيث كان سايق بهدوء وكل شوية يبص عليها من طرف عينه ويتأكد إنها كويسه
سيلا: "إنت مش ناوي تقوللي رايحين فين
غيث:"اصبري كلها شوية وهتعرفي
مر الوقت والعربية دخلت شارع جانبي هادي وبعدها وقفت قدام مكان شكله أشبه بقاعة صغيرة على النيل… متزيّن بأنوار خفيفة وشموع محطوطة على السور الخارجي
سيلا بصت للمكان بدهشة:"إحنا فين ده؟
غيث نزل وفتح باب العربية ليها وهو بيبتسم:
"احنا عند النيل مش كان نفسك تروحي
سيلا نزلت والهواء اللي جاي من النيل كان عليل ناعم وريحته فيها راحه
دخلوا المكان وكان فاضي من الناس… بس مترتب فيه ترابيزة صغيرة عليها فازة ورد أبيض وضوء خافت وموسيقى هادية طايرة في الجو
سيلا قالت بصوت هادي وهي منبهره من المنظر الي حواليها: " انت الي عملت كل ده
غيث قرّب منها وهمس: " عجبك المكان
سيلا بضحكه وفرحه: " ده تحفه
غيث بابتسامة: " فرحان إنه عجبك
سيلا كانت لسه هترد
بس قاطعها رنه تلفونه
غيث بس علي الاسم باستغراب وبعدين فتح المكالمه ورد واول لما سمعه اتسعت عينه بصدمه
شكرا لزيارتكم عالم روايات سكيرهوم