رواية وش الدهب ( جميع فصول الرواية كاملة ) بقلم حمدى المغازى



رواية وش الدهب الفصل الاول بقلم حمدى المغازى

عُمري ما كنت مؤمن بالسحر ولا الحسد ولا الكلام ده؛ وكُنت دايمًا مُقتنع إن اللي بيخاف بيخسر، وأنا مكنتش بخاف، وغايتي في إن اخلي ثروتي أكبر، كان حلم نفسي احققه بأي طريقة، وبأي شكل. جيت البلد دي لأن سمعت إن الرزق هنا كتير، وإن الناس هنا معاها فلوس ملهاش آخر، فـ كُنت واخد قرار إني هفتح محل الدهب هنا. خدت محل على قدّي في منطقة شعبية، وفي أول يوم فتحت فيه، جالي شخص فاتح محل دهب قُدام المحل بتاعي، باركلي على المحل واتعرف عليا وعرفني عليه، ضحكنا وهزرنا وقبل ما يمشي لف وشه وقال:

-متنساش تبقى تجيب عم "عتريس" يبخر لك المحل؛ خلّي البركة تيجي وتجيب الرزق. واهو يمنع عنّك الحسد.

أبتسمت وأنا بقول له:

-أنا مش مؤمن بالحاجات دي.

- كُلنا كنّا زيك، لحد ما جالنا عم عتريس، راجل بركة وصاحب كرامات، وزي ما بيقولوا الخير على قدوم الواردين، على العموم جرب مش هتخسر حاجة.

"يا فتّاح يا عليم؛ يا رزاق يا كريم .. ارزق عبدك الفقير .. الله حي الله حي .. لجل رضايا تكسب ويطول رزقك نعيم .. الله حي الله حي ..بالسبع عقود، وبنور الجدود، نطفي الشر ونفتح السدود .. الله حي الله حي.. يا جاوي يا طيّب، دخِّن وغيّب، العين ما تصيب، ولا نفس تجيب. الله حي.. الله حي."

-أهو عم عتريس وصل، زي ما يكون كان سامعنا.

دخل المحل وكان ماشي بخطوات فيها عرج، وده بسبب العضمة اللي كانت بارزة من رجله اليمين، راجل في السبعينات من عمره، شعره طويل وأبيض نازل على ضهره، وشه مكرمش زي باقي جسمه، عينيه ضيقة، وجسمه رفيع بيوصف حالته المُقرفة. وقف قدامنا وفي ايديه المبخرة بيحركها يمين وشمال، فارس اول ما شافه وطى على أيده باسها وهو بيقول له:

-أهلًا يا راجل يا طيب.

-يا أهلاً وسهلاً يا زين الناس، دخاني يطير ويروي قلبك، يا راجل الكرم والطيبة.

-عاوزك بقى يا عم عتريس تبخر المكان للراجل الطيب ده، وتدعيله كام دعوة حلوة كده من قلبك خلّي ربنا يفتحها في وشه.

كنت واقف مبلم مش فاهم أي حاجة من اللي بتحصل، بس كنت مضطر اتحمله، واتحمل ريحة البخور اللي خنقتني لحد ما يمشي. دخل لجوّا، وبدأ يبخر المكان وهو بيتمتم بكلام مكنتش قادر اسمعه، واللي سمعته منّه، مكنتش فاهمة، لحد ما وقف فجاءة لما عينيه جات في عيني، قرّب منّي وبدأ يركز أكتر في ملامحي ، نظراته بدأت تتغير، ووشه غرق في العرق.. العرق اللي دقنه أمتصته بسرعة. رجع كام خطوة لورا لحد ما بقى قُدام المحل. أتكلم "فارس" وقال له:

-مالك يا عم عتريس وشك أتخطف كده ليه لما ركزت في وش نادر، هو في حاجة ؟

مهتمش لسؤال فارس لأنه كان باصص لي ومركز معايا، أتكلم بنبرة فيها خوف وقال:

-أنا شوفتك في الرؤية.. كنت واقف وسط نار، والدهب بيسيح بين إيديك.

رديت بعصبية وقولت:

-أتفضل ياعم فارس، بقى ده اللي هيدخل البركة للمحل، ده بكلامه ده ناوي يقفله. وبعدين هوَّ شافني فين قبل كده علشان اجيله في حلم؟

-استنى أنتَ يا نادر لما نفهم يقصد أيه بكلامه ده.

-يقصد ولا ميقصدش، أنا مش عاوز حاجة ياعم، خليه يمشي الله لا يسيئك.

-طب تعالى معايا ياعم عتريس. 

فضل واقف متنح شوية قبل ما فارس ياخده من أيديه ويمشي بعد ما قفل لي اليوم."أنا مش عارف ايه بس كان خلاني ادخله من الأول" حاولت اشغل نفسي عشان انسى اللي قاله، بس كلامه كان شاغلني، "يارتني أستنيت افهم يقصد أيه بكلامه ده." وفي وسط منا قاعد بكلم نفسي، دخلت واحدة عليّا، كانت عاوزة سلسلة دهب، عرضت عليها كام شكل، لحد ما اختارت حاجة مناسبة لها، وزنتها وبعد كده حاسبتني ومشيت، مر اليوم، قفلت المحل وروحت على البيت اللي كنت مأجرة. البيت كان في زُقاق ضيق جنب المحل علطول. غيرت هدومي واترميت على السرير، لحد ما روحت في النّوم، صحيت على صوت المنبه، قُمت غيرت هدومي ونزلت رجعت المحل. قابلت فارس اللي أول لما شافني قال:

-متزعلش من عم عتريس يا نادر، قدّر برضه إنه راجل كبير.
-وأنا ازعل منّه ليه، أنا مش زعلان غير من نفسي إني قبلت شخص زي ده يدخل عندي ويقول اللي قاله ده.
-ميهمكش، المهم قولي أيه الأخبار معاك؟
-لسه مفيش رِجل على المحل.
-معلش، بكرة المحل يتعرف والرِجل تاخد عليه.

سبته ودخلت قعدت على مكتبي، كنت براجع شوية حسابات، بعدها سمعت صوت جاي من برا المحل.

"يا ريحة البخور، طلعي السرّ المستور… بالعود والمستكة… نفتحلك السِكة. افتح يا كتاب… وانطق يا تراب… يا نار اتلفّي… ويا ريح امشي وشدّي، حضوركم يا ساكنين الهوى… ناديتكم باللي يرضي المولى. بالسبع ورقات وبخور الظلمات… احجب الشرّ وخلّي الخير فات."

قفلت الدفتر اللي قدامي وانا بنفخ وبقول لنفسي:

"هو الراجل المجنون  ده مش ناوي يجبها لبر ولا أيه"

 وقبل ما أقوم عشان امنعه يدخل، لقيته واقف فوق دماغي. كان بيبص على حيطان المحل وهو بيتمتم بكلام مش مفهوم، وشه شحب فجاءة وجسمه بدأ يترعش، جريت عليه وسندته، زقني بعيد عنّه وقال:
" المكتوب مكتوب، واللي اتكتب على الجبين هتشوفه العين، نار قايدة مولعة، ودهب بيسيح بين الأيدين" 

حسيت بضربات قلبي اللي كانت بتعلى مع كل كلمة بيقولها، بلعت ريقي وحاولت اتمالك أعصابي عشان مفقدش السيطرة وقولت له:

-ممكن تفهمني طيب تقصد أيه بكلامك ده؟

بصلي بنظرات كلها خوف، وعيون ماليها الدموع، وحط ايديه على كتفي وسابني ومشي من غير ما ينطق ولا كلمة. أنا مبقتش قادر أفهم الراجل ده عاوز أيه بالظبط، كان جوايا شعور متضارب، لأما مجنون فعلًا، لأما وجوده هنا تحذير ليا من حاجة هتحصل.

 "ايه اللي أنا بقوله ده، لأ مفيش أي حاجة، ده أكيد مجنون، واحد في السن ده أكيد عقله خَف ومبقاش عارف بيقول أيه، وبعدين انتَ من امتى يا نادر كنت مؤمن بالحاجات دي؟" 

كنت بطمن نفسي بالكلمتين دول عشان أقدر أكمل شُغلي، وبعد يوم طويل عدى بطلوع الروح، وقفت عند الكاونتر، براجع القطع حتّة حتّة، لما وصلت للسلسلة اللي بحبها اكتشف إنها مش موجودة. الدم ضرب في نفوخي ودماغي اتلغبطت، معقول يكون الراجل ده سرقها؟ رجعت أعد تاني بسرعة ومع كل ثانية بتعدي غضبي كان بيزيد، رميت الكراسة اللي في أيدي على المكتب وانا ببص في اركان المحل، كان لازم اتصرف بسرعة، بدأت في تفريغ الكاميرات، سرعت الفيديو لحد ما المخبول عتريس وصل، بطأت الفيديو مرّة تانية، وبدأت اراقب تصرافته وأنا مركز، لكن الغريب إنه خرج وايده ملمستش أي حاجة، مبقتش فاهم، هتكون راحت فين؟ فضلت اتفرج على الفيديو للآخر لحد ما جات لحظة والشاشة اسودت، حاولت اصلح الغلط لكن مفيش فايدة، الفيديو بيجي عند حتّة مُعينة والشاشة تسود، أستعوضت ربنا في الحتة اللي راحت، وفضلت أكلم نفسي واقول:

 "بقى أنا اسيب البلد عندنا عشان الشغل على القد والمكسب قليل، ويوم ما اجي هنا ملاقيش شغل وكمان أتسرق واخسر، أعمل ايه بس يارب، أشكي لمين خيبة أملي وزعلي على اللي راح"

قفلت المحل ورجعت على البيت بعد يوم كله تعب، مقدرتش أحط أي لُقمة في بُقي، ونمت. شوفت نفسي واقف في المحل ماسك حتّة دهب في أيدي، كنت ببصلها وانا مبسوط، لحد ما فجأة النار مسكت في المحل، وحتة الدهب بدأت تسيح، كنت حاسس بسخونة الدهب وهو بيحرق أيدي، حاولت أبعدها لكن مقدرتش، أيدي كانت متكتفه، كأن قوة خفية اللي متحكمة فيها، حتى صوتي مكنش خارج، عاوز اصرخ وابكي من الوجع لكني مقدرتش، فضلت كده وقت طويل، لدرجة إن جلدي ساح وعظم أيدي بان وعليه الباقي من الدهب السايح، النور يدأ يرعش لحد ما كل لمبات المحل فرقعت، والمحل غرق في الضلمة، سمعت صوت من بعيد بيقول:

"الدهب له تمن، والتمن لسه مندفعش"
تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1