رواية ليلي الفصل الاول
بصي شوفي مين هناك، ده معتز الجيار.. معقول واحد زيه ييجي مطعم متواضع زي ده!
ارتبكت، وتجمد جسدها وهي تستمع لما قالته زميلتها بالعمل، منصور الجيار! ماذا يفعل هنا بحق الله! وهل هي صدفة أم مقصودة!؟
_ انا هروح اشوف الاوردر جهز ولا لا.
قالتها وهي تنسحب فورًا للداخل، هاربة... وزميلتها "يمنى" تقول بحيرة:
_ اوردر ايه الي تشوفه جهز؟ مالما بيجهز بيضربوا الجرس! ومالها اتوترت ليه لما سمعت اسمه! ولا معاها حق ما وجوده هنا يوتر صحيح..
اتسعت عيناها وهي ترى أحد القادمين معه يشير لها يطلبها، لتهمس بين ذاتها بقلق:
_ ربنا يستر..
اتجهت لهم ووقفت بتوتر تقول:
_ مساء الخير، تؤمر حضرتك بايه؟
_ عاوزين تشكيلة اسماك تكون كويسة، والسلطات واللازم بقى.
_ تحت امرك يا فندم، تحب اي مشروبات جنب الاكل؟
_ لا تمام، بعد الاكل نبقى نشوف ده لو الاكل عجبنا يعني.
اومات برأسها بتوتر وهي تبتعد بخطى سريعة متجهة للمطبخ.
دخلت وهي تقول:
_ يا شيف عاوزين اوردر تشكيلة سمك يكون احسن حاجه عملتها الله يسترك، لاحسن في ناس تقيلة بره.
اتجهت بنظرها لتلك التي اتخذت ركنًا في المطبخ واقفة به بوجه شاحب:
_ الله! أنتِ لسه واقفة يا ليلى؟ مخرجتيش ليه؟
اجابتها بتوتر:
_ ها، لا مفيش، اصل حاسه اني دوخت كده.
نظرت لها بعدم اقتناع وقالت:
_ دوختِ؟ طب اشربي كوباية ماية بسكر واطلعي يلا، مش معقول هشوف طلباتهم لوحدي دول اكتر من ٦ اشخاص والاوردر كبير وانا لوحدي في الصالة.
اجابتها بتعصب:
_ انا نفسي افهم ناس زي دي ايه الي يجبها مطعم على قده، في اخر المدينة، ايه المطاعم خلصت؟
رفعت حاجبها ذاهلة:
_ انتِ متضايقه!؟ حد يتعصب كده وجاي للمطعم ناس كبيرة زي دول، يعني مش هيدفعوا اقل من 8 الاف جنية ان مكانش اكتر! ده احنا مبنعملش المبلغ ده في اسبوعين وهنعمله في ساعتين!
_ مش متعصبة، متوترة بس عشان اول مرة ناس زي دول ييجوا لينا..
_انتوا هتقفوا تتكلموا وتسبوني اشتغل لوحدي! ما يلا يا ليلى ساعديني.
_ وانا اساعدك ليه انا مش شيف!
_ بس عارف ان نفسك حلو في الاكل وخصوصًا البحريات، انتي مش كنتي شغاله في مطعم اسماك سنة كاملة واتعلمتِ كتير، ساعديني بقى يلا.
تنهدت براحة وهي تقول ل "يمنى":
_ سمعتِ؟ هساعده يعني مش فاضية اطلع طلبات.
رفعت حاجبها بتحدي وهي تخبرها:
_ هتساعديه وهطلعي طلبات بعد ما تخلصي، مش هطلع انا كل الطباق لوحدي.
_ ربنا يسهل.
غمغمت بها بنزق وهي تباشر طهي الطعام..
_____
وبعد فترة كانوا قد انتهوا من تحضير الطلب، لتقف امام "يمنى" تحاول اقناعها بالخروج هي:
_ يمنى انتِ مبتفهميش؟ بقولك بدل ما نخرج احنا الاتنين ونلخبط بعض، انا هقف على باب الصالة اناولك الحاجة وتروحي تقدميها، قصرتلك نص المسافة اهو!
_ وانا قولتلك لا، انتي بتتداري من قدامهم، مهو لو غلط انا الي هشيل الليلة مش انتِ، لا يا ديما، احنا الاتنين هنخرج ونقدم الاكل، ويلا بقى بلاش تأخير، انا هطلع السلاطات والطحينة وانتي الحقيني.
تركتها في حيرتها وقد ظهر انها وضعتها امام الامر الواقع...
لكنها في ثواني كانت قد فكرت، واخذت تترنح وهي تضع كفها على راسها حين ابصرت يمنى تقبل عليها..
_ ايه ده مالك يا ليلى؟ في ايه؟
ادعت التعب وهي تقول:
_ مش عارفه، دوخت فجأة وحاسة اني مش قادرة اقف.
_ خلاص ادخلي اقعدي جوا وارتاحي.
قالتها بشك وهي تشعر ان التعب ما هو الا حيلة لتهرب من الخروج، لا تدري السبب، لكنها موقنة أن ليلى تفعل اي شيء كي لا تخرج امام الزبائن.
_____
_ الاكل حلو اوي، بالذات الاستكوزا والجمبري من زمان مكلتش اكلة سمك بالطعامة دي.
اردف بها "معتز" مثنيًا على الطعام، وقد اخذه مذاقه لفترة طويلة مرت، كان يتناول فيها وجبة السمك بمذاق مماثل لهذا.
_ فين الشيف الي عمل الاكل ده؟
نادى مساعده على يمنى التي اقبلت عليهم تهرول في توتر.
- لو سمحتِ تطلبي الشيف الي عمل الاكل.
_ ليه يا فندم هو الاكل معجبش حضرتكوا؟
_ لا بالعكس، اطلبيه بس لو سمحتِ.
__
_ الحق عاوزين الشيف الي عمل الاكل.
سالها بقلق:
- ده ليه؟
اجابته بجهل:
- لا معرفش، بس شكله خير يعني، اطلع وشوف.
_ ربنا يستر.
دلف للمكتب الصغير الذي جلست بهِ ريما، ليقول:
_ ليلى الناس الي بره عاوزينا.
رفعت نظرها له بقلق وخوف وهي تسأله:
_ ليه؟
_ بيقولوا عاوزين الشيف الي عمل الاكل.
_ طب ما تطلع.
_انا معلمتوش لوحدي، مانتِ عملتيه معايا.
_ ايوه بس انا كنت بساعدك مش اكتر، يعني مش انا الشيف، وهم طالبين الشيف.
ضحك بخفة وهو يخبرها:
_ متخافيش كده مش عوزينا لحاجة وحشة، بس بصراحه معرفش عاوزينا في ايه.
نفت برأسها وهي تخبره:
_ مقصدش، بصرف النظر عن عاوزينا في ايه، انا تعبانه ومش قادره اطلع.. فروح انتَ.
_ زي ماتحبي.
قالها باستسلام قبل ان ينسحب للخارج.
____
_ تحت امرك يافندم.
التف له "معتز" بنظره، ليقول بثناء:
_ الاكل حلو جدًا.
ابتسم بحبور وقال:
_ شكرا جدا لحضرتك.. بالف هنا.
هز معتز راسه بلا معنى قبل ان يقول ثانيةً:
_ الاكل كله كويس جدا، بس بالنسبالي الاستكوزا والجمبري ممتازين، فبحييك عليهم.
اردف بصدق:
_ بس الحقيقة ان دول بالذات ومعاهم السلطات، مش انا الي عملتهم، دول شيف تاني الي عملهم.
ضيق "معتز" ما بين حاجبيهِ بتساؤل:
_ وهو فين الشيف ده بقى؟
_ هو تعب شوية فمشي.
اومأ براسه متفهمًا وقال:
_ تمام.
_ بعد اذنكو.
___
دلف الشيف ماهر مرة اخرى لداخل المكتب، وما إن رأته حتى سالته:
_ مشيوا؟
_ اه يا ستي مشيوا، وواحد منهم سال عليكي كمان.
سألته بخوف:
_ سأل عليٌّ انا؟
_ مش بالاسم يعني، هو عجبه اوي الجمبري والاكل الي عملتيه، فشكرني.. فقولتله مش انا الي عامله ده شيف تاني، قالي وهو فين.. قولتله انه تعب ومشي.
_ مكانش لازم تقوله يعني.
_ لا مانا ماخدش مجهود حد ابداً.
لوت فمها بضيق وقالت:
_ لا امين اوي... انا فعلاً هروح بقى عشان تعبت.
_ ماشي بالسلامه انتِ، واحنا شوية وهنقفل كفاية المبلغ الي عملناه النهارده ده نعمه اووي.
___
في اليوم التالي..
في أحد الشركات المتواجدة في محافظة القاهرة..
كان يجلس في مكتبه وامامه رفيقه "عادل" ليقول..
_ بقولك يا معتز انا جعان اوي، ماتيجي نروح نتعشى في اي مكان.
_ ماشي.. اخلص بس الورق ده ونمشي.
- لا بقولك جعان.. انا مبصبرش على الاكل وأنتَ عارف.. يلا ونبقى نرجع نخلص الشغل.
نهض معه وهو يقول بضيق:
_ يعني الاكل اهم من الشغل.
_ اه طبعا، انا وانا جعان مبركزش.
_ هنروح فين؟
اقترح "عادل"..
_ ايه رأيك في المطعم الي كنا فيه امبارح.. حابب اجرب انواع جديده من عندهم..
وافقه على الفور مرحبًا:
_ موافق، انا كمان عندي فضول اجربه..
____
_ النهارده الشغل قليل اوي.. من الصبح معملناش غير ٤٠٠ جنيه.
قالتها "يمنى" لتجيبها "ليلى" بضيق:
_ احمدي ربنا.. اهو على الاقل دخل فلوس، ولا نسيتي الايام الي كنا بنقعد فيها من غير جنية واحد يدخل.
_ يمكن ايراد امبارح هو الي عودني على العز.
_ لا ياختي متتعوديش، دي كانت مره وخلصت خلاص..
قالتها ساخرة، ونهضت خارجة لتقف قليلاً أمام المطعم تستنشق بعض الهواء..
سارت متحركة تجاه باب المطعم وما إن جذبته لتفتحه حتى وجدته يُفتح من الخارج بنفس الوقت، ولكن قوة من بالخارج كانت اقوى فجذبها مع الباب لتجد نفسها فجأة بين احضان احدهم.. شهقت بخضة حين وجدت نفسها تُجذب وكفها ممسك بالباب، وما إن شعرت بوضعها حتى عادت للخلف فورًا بارتباك جلي وهي تهتف باعتذار دون ان تنظر للواقف امامها:
_ انا اسفة..
_ ليلى!؟