رواية الاختفاء الغامض الفصل الاول بقلم نبيل فاروق
كيف اختفى عالم مصري من فندق في قلب باريس ؟
هل ينجح المختطفون في نقل العالم إلى دولتهم ترى من يكسب هذا السباق : المختطفون أم ( أدهم صبرى ) ؟ اقرأ التفاصيل المديرة .. لتعلم كيف يعمل ( رجل المستحيل )
الفصل الاول قفزة قفزة انتحارية
ارتفع أزيز طائرة المظلات الحربية وهي تشق عباب السماء ، وبداخلها وقف شاب طويل وسيم ، عريض المنكبين ، في منتصف العقد الثالث من العمر .. كان ينظر من خلال باب الطائرة المفتوح إلى السحاب الذي ينطلق فوقه ، ويلمح الأرض صغيرة من فجواته عندما جاءه صوت قائد القفز وهو يقول : ـ تأكد من إحكام مظلتك أيها المقدم ، واستعد للقفز
أجرى الشاب فحصا سريعا لمظلة الهبوط التي يرتديها ، ثم ابتسم وهو يسمع قائد القفز يقول : اجذب حبل المظلة عند ألف وعشرة ، كلما
انتظرت ازداد الخطر ، هل تسمعني ؟ أشار الشاب بالسبابة والوسطى علامة النصر ، ثم سأل قائد القفز :
ـ ما الحد الأقصى لجذب حبل المظلة ؟ قطب قائد القفز حاجبيه مفكرا ، ثم قال :
ـ على ارتفاع ألف وسبعة عشر تقريبا ، ولكن الخطورة تزداد .. ولكن لماذا تسأل ؟ ابتسم الشاب ابتسامة غامضة ، وتجاهل الإجابة عن السؤال عندما أتاه صوت قائد القفز وهو يصيح : استعد للقفز .. اقفز
وبدون لحظة تردد قفز الشاب من هذا الارتفاع الشاهق في الهواء و أخذ يعد
ـ ألف وواحد ، ألف واثنان ، ألف وثلاثة . نظر قائد القفز عبر الباب المفتوح ، إلى جسد الشاب الذي يسبح كطائر ضخم ، وابتسم قائلًا ـ يا له من شاب شجاع !! لقد قفز دون أن يتردد لحظة واحدة .. إنه يفوق أكثر رجالنا شجاعة .. ولكن
ما الذي يفعله هذا المجنون ؟ يا إلهى ! كان الشاب يواصل العد في الفضاء :
ـ ألف وخمسة عشر ، ألف وستة عشر ، ألف
وسبعة عشر .
ثم جذب حبل المظلة بقوة ، فارتفعت المظلة في الهواء ، وجذبت الشاب بقوة ، ثم أخذت سرعة هبوطه تقل حتى أصبح الهبوط هادئا .. أخذ الشاب يحرك حبال مظلته حتى لمست قدماه الدائرة البيضاء المرسومة وسط أرض معسكر ضخم .. وعلى بعد حوالي مائة متر وقف رجلان أحدهما برتبة لواء والآخر يرتدي الملابس المدنية .. كان الرجل العسكرى يقول : ـ يا له من شاب جريء !! . هل يجيد مهارات
أخرى بنفس الدرجة ؟
ابتسم المدلى وقال : هل أفاجئك إذا أخبرتك أنه لم يتعلم القفز بالمظلة إلا منذ أسبوع واحد فقط ؟ التفت اللواء إلى المدنى ، وصاح في دهشة : مستحيل .. إنه يقفز كخير .. هذا عجيب !
ابتسم المدنى وقال : ـ هذه أحد مميزاته .. إنه يتعلم بسرعة فائقة
كان الشاب يلملم مظلته ، ويعيدها إلى حقيبتها عندما وصل إليه الرجلان .. وقف الشاب باحترام وأذى التحية العسكرية .. ابتسم المدنى ، وقال وهو يقدم إليه العسكري :
ـ اللواء ( عاطف مختار ) ، قائد القوات الجوية أذى الشاب التحية العسكرية باحترام وهو يقول : ـ سعدت بلقائك يا سيدى ، وتحت أمرك كان هذا الرجل المدنى هو الرجل الذي تطلق كل الدول على وظيفته اسم الرجل الغامض ، قليلون هم من يعلمون وظيفته .. إنه مدير المخابرات الحربية ابتسم هذا الرجل وهو يسمع السؤال الذي وجهه
اللواء ( عاطف ) إلى الشاب فقال : ـ هل تجيد مهارات أخرى أيها الشاب ؟ قال الشاب بجذية بالغة :
التعامل مع جميع الأسلحة يا سيدي ، من المسدس إلى قاذفة القنابل .. وكل فنون القتال من المصارعة الرومانية وحتى التايكوندو ، والاتصالات
السلكية واللاسلكية
حذق اللواء ( عاطف ) في وجه الشاب بذهول
وهو يقول :
هذا مدهش
ابتسم مدير المخابرات ، وقال :
ـ هذا بالإضافة إلى نصف دستة من اللغات الحية ، واستخدام أدوات التنكر بمهارة بالغة التفت اللواء ( عاطف ) إلى مدير المخابرات وقال ـ وماذا عن نتائج اختبارات معدل الذكاء ؟ قال مدير المخابرات :
ـ أعلى بكثير من المتوسط
هر اللواء ( عاطف ) رأسه بإعجاب ، وهو يتأمل الشاب الممشوق القوام في وقفته العسكرية الثابتة ، ثم
قال :
ـ كنت أظن أن مثل هذا الرجل لا يتواجد إلا في
الروايات البوليسية فقط . ضحك مدير المخابرات وقال : ـ كنا نظن ذلك أيضا حتى عمل معنا هذا الشاب ( أدهم صبرى ) .. وهو الوحيد في إدارتنا الذي يحمل رقم ( ن – 1 ) ، وحرف ( النون ) يعنى فئة نادرة ، أما رقم ( واحد ) فيعنى أنه الأول . ثم التفت إلى الشاب وقال :
سأترك لك نصف ساعة لتغتسل وترتب هندامك ، ثم أستقبلك في غرفة مكتب قائد المعسكر هناك مهمة سأسندها إليك
أدى ( أدهم ) التحية العسكرية ، وابتعد بخطوات
رشيقة تشبه القفز ، على حين التفت مدير المخابرات إلى
اللواء ( عاطف ) وقال ـ يعتقد البعض
أن وجود مثل هذا الشاب أمر مستحيل ، ولو أنك راجعت المهام التي نجح فيها لوجدته ينجز مهام مستحيلة ، بمهارة فائقة ؛ ولذلك فقد أطلقنا عليه في الإدارة اسم ( رجل المستحيل ) .
الفصل الثاني الهمة المستحيلة .
دخل ( أدهم صبرى ) إلى غرفة قائد العسكر.
وأدى التحية العسكرية باحترام .. كان يرتدى حلة
زرقاء أنيقة ورباط عنق رمادى شعر مصفف بعناية .
وحذاء لامع . وكأنه لم يقفز من طائرة حربية منذ نصف
ساعة .. أشار مدير المخابرات إلى مقعد قريب ؛ وقال
در أدهم ):
_ اجلس أبها المقدم .. لقد طلبت القوات الجؤية
مساعدتنا فى مهمة صعبة . تحتاج إلى رجل مخابرات
بارع لم يكن هناك من يصلح لهذه المهمة سواك ..
هيا استمع إلى اللواء ( عاطف ) .
قال اللواء ( عاطف ) . وهو يمد يده بصورة
فوتوغرافية ملؤنة إلى ( أدهم ) :
_ انظر إلى هذا الرجل جيذا .. إنه ( جمال
عمار ) . واحد من أعظم علماء الطيران فى مصر ..
لقد كان هذا الرجل يضع تصميما سريا لطائرة
جديدة ؛ وقد اقتربت تجاربه من النجاح ؛ عندما سافر
إلى فرنسا لحضور مؤتمر خاص بالطيران الحديث فى
باريس .. وبرغم الحراسة القوية التى كانت حوله } فإن
هذا الرجل قد اخنفى .
ظهرت الدهشة لثوان على وجه ( أدهم ) . ثم عاد
يكتسى بالجمود ؛ وسأل باهتام :
_ ألا يحمل أن يكون هذا الرجل قد تم تهريبه إلى
دولة أخرى ؟
هز اللواء رأسه نفيا ؛ وقال :
` - لا . لقد راقبنا كل المطارات والطرق ؛ بالتعاون
مع البوليس الفرنسى .
قال ( أدهم ) بهدوء :
_ فى صندوق ديلومانى مثلا ؟
ابتسم اللواء وقال :
لقد راقبنا كل ما غادر باريس من صناديق
بالحجم الذي يتسع للعالم للعالم .. راقبناها بأشعة رونتجن ، ولم يسفر ذلك عن شيء مطلقا قطب ( أدهم ) حاجبيه ، وقال
ـ إذن ، فهو لم يغادر باريس أشار اللواء بسبابته وقال :
ـ هذا سليم ، ومهمتك هي العثور عليه والعودة به
حيا أو .
لم يكمل اللواء عبارته ، ولم يسأل ( أدهم ) .. فلقد كان يعلم أن رجلا مثل الدكتور ( جمال عمار ) بحمل من الأسرار ما يجعل وقوعه في يد الدول المعادية خطرا كبيرا .. ومن ثم كان لا بد في حالة عدم التمكن من إعادته حيا أن يقتل ، برغم ما يثير هذا من الضيق في نفس ( أدهم ) .
بعد لحظات من الصمت ، قال مدير المخابرات : ستسافر غذا في طائرة السابعة صباحا إلى باريس .. وستقيم في نفس الغرفة التي كان يقيم فيها الدكتور ( جمال عمار ) .
ابتسم مدير المخابرات وهو يقول سيكون بصحبتك رفيق .
ضاقت حدقتا ( أدهم ) ، وهو ينظر إلى مدير المخابرات ، منتظرا باقي العبارة ، ثم اتسعت عيناه دهشة عندما قال المدير :
ـ إنها فتاة ، الملازم ( منى ) ، ( منى توفيق ) .. إنها أول فتاة تنضم إلى جهاز المخابرات ، وهي ذكية
وشجاعة و .... تجرأ ( أدهم ) وقاطع رئيسه قائلا : ـ ولكن يا سيدي أنا أعمل وحدي دائما ، ولقد اعتدت على ذلك .. ثم .. ثم إنها فتاة ، وهذا أكثر مما استطيع احتماله .. وأنا أحتاج إلى هدوء أعصابي التام في
هذه المهمة . قطب المدير حاجبيه ، وقال بحزم سترافقك أيها المقدم ، هذا أمر ضغط ( أدهم ) على أسنانه ، وقال :
أمرك يا سيدى ، هل تسمح لي بالانصراف
لإعداد ما يلزم ؟
أشار إليه المدير أن ينصرف ، وما أن أغلق الباب التفت المدير إلى اللواء ( عاطف ) قائلا :
خلفه حتى
ـ هذه هي نقطة النقص الوحيدة فيه .. إنه لا يثق في الجنس اللطيف مطلقا
قاد ( أدهم ) سيارته وهو مقطب الحاجبين .. كان يكره أن يعمل مع فتاة ، وخصوصا فتيات الشرطة لا بد أنها قبيحة ونحيلة جدا
هذا ما قاله لنفسه ، مبررا التحاق فتاة بسلك المخابرات ، ثم عادت الابتسامة إلى وجهه وهو يقول
لنفسه :
ـ حسنا .. سـأعمل وحـدى كـمـا اعـدت ، سأتجاهلها تماما ، سأكلفها بمهام حقيرة حتى تبتعد من طريقي تماما ، وربما نجحت في حملها على تقديم استقالتها من المخابرات
هبط من السيارة أمام منزله ، وأخذ يصعد في درجات السلم بمهارة ورشاقة ، وفى شقته خلع الحلة وألقاها بإهمال على مقعد قريب ، ثم دخل إلى غرفته وأخذ يعد حقيبته ، وحرص على أن يضع فيها علبة متوسطة الحجم من الخشب المنقوش ، وضعها بعناية وأحاطها بثيابه ، ثم أغلق الحقيبة ، واستلقى بملابسه على السرير .. رفع ذراعيه ليستند برأسه عليهما ، وأخذ
يفكر :
ـ كيف يمكن العثور على رجل في باريس كلها ؟ من أين يبدأ البحث يا ترى ؟ لقد كان الرجل يقيم في الفندق وقت اختفائه .. فهل المختطفون من نفس الفندق ؟ أو أنهم أقاموا في الفندق لهذا الغرض فقط ؟ ثم كيف أمكن إخراجه من الفندق تحت سمع وبصر رجال الأمن ؟ استغرق ( أدهم ) في التفكير ، حتى سمع ساعة الحائط تدق ، معلنة الواحدة صباحا ، فقال محدثا نفسه
بصوت عال :
ـ اللعنة !! لن أحصل على القدر الكافي من النوم .. لنؤجل إجابات هذه الأسئلة حتى نصل إلى
باريس
ثم مد يده وأطفأ المصباح ، ولكن ذهنه ظل يعمل .. كان يحاول أن يجد تفسيرا مقنعا لاختفاء هذا العالم .. ثم انتقل تفكيره دون وعي منه إلى رفيقة مهمته .. شعر بالضيق عندما وصل إلى هذه النقطة ، وقال وهو يضع الوسادة فوق رأسه :
ـ هذا ما كان ينقصنى ، ( أدهم صبرى ) يعمل مع فتاة .. يا لها من مهزلة !!
الفصل الثالث
۳ ـ مفاجأة في الفندق
أخذ ركاب شركة مصر للطيران يصعدون إلى الطائرة ، على حين أخذ ( أدهم ) يبحث ببصره عن فتاة نحيلة .. لم يكن بين ركاب الطائرة من تنطبق عليها هذه الأوصاف .. وسرعان ما اتخذ مكانه بداخل الطائرة وأتاه صوت مضيفة الطائرة عبر الميكروفون الداخلي وهي
تقول :
ـ تعلن شركة مصر للطيران عن قيام رحلتها رقم تسعمائة وخمس وسبعين المتوجهة إلى باريس .. نرجو من السادة الركاب ربط الأحزمة والامتناع عن التدخين . عاون ( أدهم ) الشابة الجالسة إلى جواره على ربط حزام مقعدها ، ثم استرخي في مقعده .. وما أن أقلعت مد يده ليحل حزامه ، ولكنه تسمر فجأة الطائرة حتى على صوت الفتاة وهي تقول هامسة :
ـ إذن فأنت ( ن – 1 ) .. تماما كما تصورتك
التفت ( أدهم ) بحركة حادة إلى الفتاة المجاورة له ، وضاقت حدقتاه وهو يتفحصها بدقة .. كانت سمراء جميلة ، لها شعر أسود فاحم مسترسل بنعومة على كتفيها ، وعينان سوداوان .. كانت تبتسم برقة وهي
تتأمله بدورها قطب ( أدهم ) حاجبيه .. كانت مواصفات الفتاة تختلف تماما عما تصوره .. وتمتم وهو يضغط على
أسنانه :
ـ إذن فهو أنتى
ابتسمت الفتاة وقالت بنفس الصوت الهامس : الملازم ( منى توفيق ) في خدمتك يا سيادة
المقدم .
شملهما الصمت فترة ، كان ( أدهم ) خلالها يحاول إقناع نفسه بالتعامل مع ( منى ) كزميلة عمل ، ولما طال الصمت قالت ( منی ) : ـ أعتقد أنه ينبغي على أن أخبرك أننى سأقيم في الفندق تحت اسم ( وفاء جمال عمار ) ، ابنة العالم
المختفی ( جمال عمار ) .. وهذا يجعل من السهل على أن أوجه العديد من الأسئلة المباشرة حول اختفاء الدكتور ( جمال ) ، دون أن يشير ذلك إلى أننى من أفراد المخابرات المصرية
قال ( أدهم ) بلهجة جافة دون أن يلتفت إليها : ـ ولكن هذا يعرضك للخطر
قالت ( مئی ) بهدوء : ـ نعم ، أعلم ذلك ، ولكنه الواجب أدار ( أدهم ) وجهه إليها ، وقال ببرود : ـ هل تحاولين التظاهر بالشجاعة أيتها الفتاة ؟ إننا نعمل في المخابرات الحربية ، ونواجه رجالا أشداء يعملون في المجال نفسه .. وإذا كانت هذه أول مهماتك فينبغي
على أن أحذرك .. إن هذا المجال لا يصلح للنساء قالت ( منى ) بلهجة تحد :
لماذا ؟ نحن لا نقل عنكم ذكاء أيها
الرجال .. ثم إنني أجيد استخدام جميع أنواع الأسلحة
وكل فنون القتال .. فماذا ينقصني إذن ؟ ابتسم ( أدهم ) وقال ساخرا :
القسوة .. في عملنا هذا يجد الإنسان نفسه مضطرا لاتخاذ إجراءات غاية في القسوة لصالح الوطن .. وهذا ما ينقصكم أيها النساء أدارت ( منى ) وجهها لتنظر من النافذة وهي
تقول :
ـ لا أعتقد أن القسوة صفة تستحق الفخر قال ( أدهم ) ، وقد بدأ الجفاف الذي يملأ لهجته يذوب
ـ أوافقك على ذلك ، ولكنها تكون أحيانا ضرورة مع الاسف
ظلا صامتين فترة طويلة قبل أن تسأله
( منی ) :
ـ تحت أي اسم ستقيم بالفندق ؟ قال ( أدهم ) دون أن يلتفت إليها : باسمى ( أدهم صبرى ) ، رجل أعمال مصرى ..
إنني أسافر دائما بنفس الاسم ، وجواز سفرى يحمل
هذه الصفة
عاد الصمت يلفهما حتى سمعا صوت مضيفة الطائرة تعلن وصولها إلى مطار أورلى بباريس .. وقبل أن يهبطا من الطائرة همس ( أدهم ) في أذن ( منى )
قاتلًا :
ـ من المفروض أن أحدنا لا يعرف الآخر .. لن
نصل سويا إلى الفندق
أومأت ( منى ) برأسها إيجابا دون أن تلتفت إليه بعد حوالي نصف ساعة كان ( أدهم صبرى ) يعبر مدخل فندق بلازا .. أسرع رجل يلتقط حقيبته ويسير وراءه إلى استقبال الفندق ، حيث قال بلغة فرنسية سليمة :
اسمی ( صبرى ) ، ( أدهم صبرى ) .. هناك جناح محجوز باسمی
قلب الرجل في دفتر ضخم موضوع أمامه ثم
صاح بلهجة مرحبة
ـ أوه .. مسيو ( صبرى ) .. الجناح رقم أربعة جواز سفرك إذا سمحت
ناوله ( أدهم ) جواز سفره .. وبعد أن نقل الرجل البيانات اللازمة ناول الجواز إلى ( أدهم ) قائلا ـ أرجو أن تكون إقامتك في فندقنا ممتعة يا مسيو
( صبرى ) .. هل لك طلبات خاصة ؟ قال ( أدهم )
-
نعم ، أريد استئجار سيارة ( بورش ) حديثة
ابتسم الرجل وقال :
ـ أوه !! بورش !! أنت تهوى السرعة إذن يا مسيو ( صبری ) . قبل أن يجيبه ( أدهم ) أتى صوت من ورائه يقول : - اسمى ( وفاء ) ، ( وفاء جمال عمار ) ، أعتقد أن هناك غرفة محجوزة باسمي
حذق موظف الاستقبال في وجهها لحظة ، ثم أخذ
يقلب في الدفتر الذي أمامه ، وقال :
ـ نعم ، هناك غرفة محجوزة باسمك يا ( مدموازيل ) . . جواز سفرك إذا سمحت
وبينما كان الرجل يسجل بيانات الجواز ، قال دون
أن يرفع رأسه
ـ آسف لما حدث لوالدك يا ( مدموازيل ) .. أؤكد لك أن هذه أول مرة يحدث مثل ذلك في فندقنا قالت ( منى ) وهي تتأمل الرجل بدفة :
ـ ما الذي حدث لوالدي بالضبط يا سيدي ؟ قال الرجل وهو يناولها جواز السفر الخاص بها : ـــ لا أحد يعلم يا ( مدموازيل ) ماذا حدث بالضبط . . لقد اختفى من الفندق فجأة ، ولولا أنه رجل معروف ذو سمعة مضمونة ، لظننا أنه هرب قبل تسديد حساب الفندق
ابتسمت ( منى ) وقالت : ـ سأقوم بتسديد حساب والدي بالكامل
احمر وجه الرجل خجلا ، وصاح بارتباك : ـ أوه ! لم أقصد ذلك مطلقا يا مدموازيل .. لن يقبل الفندق ذلك .. إننى أعتذر كان ( أدهم ) يستمع إلى هذا الحوار باهتام ، ثم استدار ليتبع الرجل الذي يحمل حقيبته إلى الجناح الذي سيقيم فيه .. وما أن خطا عدة خطوات حتى تسمر في مكانه ، وامتلأت نفسه بالغيظ ، عندما جاءه صوت ( منى ) وهي تقول بالفرنسية ، وبصوت مرتفع يسمعه جميع الحاضرين .:
ـ إلى أين يا سيد ( أدهم ) .. ألم تعدنى ونحن في الطائرة أن تصحبني لزيارة برج إيفل
الفصل الرابع صراع في البرج
أوقف ( أدهم ) السيارة البورش أسفل برج إيفل وهبط منها بصمت ، ثم دار حولها وفتح الباب المقابل ليسمح لـ ( مني ) بالهبوط .. هبطت ( منى ) بصمت هي الأخرى الأخرى .. ارتكن ( أدهم ) إلى السيارة وعقد ساعديه وهو يقول بلهجة جافة ، وقد بدا الضيق على وجهه واضحا :
ـ هل لى أن أفهم هذا التصرف الأحمق الذي قمت به في بهو الفندق ؟ ألم نتفق على أن كلا منا لا يعرف الآخر ؟ ما معنى مخالفتك لأوامرى ؟ هل نسبت رتبتك أيها الملازم ؟
تخضب وجه ( منى ) وهي تقول : ـ لا يا سيادة المقدم ، لم أنس رتبتي .. كما لم أنس اتفاقنا في الطائرة .. ولكن قاطعها ( أدهم ) قائلا بغيظ :
ولكن ماذا ؟
أطرقت ( منى ) وقال :
ـ عندما التفت لأتوجه إلى غرفتي ، شاهدت رجلا أصلع ضخم الجثة ، يختلس النظر إلينا .. هذا الرجل كان يجلس في المقعد المقابل لنا في الطائرة ، ولا بد أنه قد رآنا معا ، وشاهدنا نتحدث سويا .. لقد استنتجت أن لهذا الرجل علاقة باختفاء الدكتور ( جمال ) ، وإلا ما لفت هذا الاسم الذي اتخذته انتباهه إلى هذا الحد .. ولذلك كان لا بد أن أجد تبريرا لحديثا معا في الطائرة .. ولقد ظننت أن تظاهرنا بعدم معرفة أحدنا للآخر سيثير الشك في هذه الحالة .. هذا كل ما في
الأمر
صمت ( أدهم ) تماما .. كان المنطق الذي تتحدث به ( منى ) سليما إلى درجة لا يمكن معه مناقشتها .. ثم قطع ( أدهم ) الصمت وهو يمسك بذراع ( منى )
قائلا :
. هيا ، سنشاهد باريس سويا من برج إيفل . بعد فترة قصيرة كانت ( منى ) تتأمل مدينة باريس ، مدينة الفن والجمال من أعلى برج إيفل استنشقت الهواء بقوة ، وقالت في هيام : ـ هذا المشهد جميل للغاية .. لم أتصور أن باريس
تبدو بهذا الجمال من فوق برج إيفل تجاهل ( أدهم ) تعليقها ، وقال بجدية : ـ أعتقد أن هذا الأصلع الضخم ، سيكون أول الخيط الذي يقودنا إلى العثور على الدكتور ( جمال ) التفتت إليه ( منى ) قائلة : ـ نعم ، أنا واثقة أن لهذا الرجل علاقة باختفاء الدكتور ( جمال ) .. لقد كان يختلس النظر إلينا باهتمام عندما سمع الاسم الذي اتخذته في الفندق استند ( أدهم ) بكفه إلى سور الشرفة العلوية ببرج
إيفل ، وقال : ـ هذا الموقف يبذل الخطة تماما .. يجب أن نتفق
على خطة جديدة تعتمد على معرفة كل منا بالآخر وفجأة دفعها ( أدهم ) بيده جانبا ، وهو يقفز إلى
الجانب الآخر صائحا : ـ احترسی .
سقطت ( منى ) على الأرض وقد أصابتها الدهشة ، ومر بجوار أذنها أزيز عجيب .. وعندما التفتت خلفها كان ( أدهم ) ينقض على أحد رجلين يحمل كل منهما مسدسا مزودا بكاتم للصوت
قفز ( أدهم ) وأطاح بمسدس أحد الرجلين بركلة قوية ، وما أن لمست قدماه الأرض حتى عاجل الرجل الآخر بلكمة ألقته أرضا ، وأفلتت قبضته المسدس . تسمرت ( منى ) وهي تشاهد ( أدهم ) يقاتل الرجلين بمهارة وسرعة .. كان في هذه اللحظة بوجه عدة ضربات متتالية وسريعة إلى وجه أحدهما ، على حين يحاول الآخر النقاط مسدسه .. وقبل أن ينجح في ذلك كان ( أدهم ) قد سقط فوقه ، ولم يطل التحامهما ، إذ عاجله ( أدهم ) بضربة قوية على مؤخرة عنقه أفقدته الوعى ، ثم أمسـك برسغ ( مني ) وأسرع الخطا إلى المصعد ليهبط من البرج قالت ( منى ) وهي لم تتغلب على دهشتها بعد :
ـ كيف ؟ كيف عرفت أنهما خلفنا ؟ قال ( أدهم ) وهو يدفعها داخل المصعد : ـ أنا لا أخطئ أبدا في تمييز صوت مسدس موريس عيار 9 مم وهو يعد للاستخدام . نظرت إليه ( منى ) بإعجاب ، وقالت : سرعة استجابتك رائعة أيها المقدم أجابها ( أدهم ) بضيق دون أن يلتفت إليها : ـ وسرعة استجابتك ضعيفة جدا أيها الملازم . كان المصعد قد وصل إلى الطابق السفلى ، وأخذ ( أدهم ) يحث الخطا إلى حيث تقف السيارة البورش ، ودفع ( منى ) داخلها بخشونة ، ثم أسرع يجلس أمام عجلة القيادة ، وينطلق بالسيارة
قالت ( منی ) : ـ ولكن لماذا ؟ لماذا فعلا ذلك ؟ قال ( أدهم ) وهو ينظر إلى الطريق أمامه
لأنك ابنة العالم الكبير كما يعتقدون .. ولقد سمعك الجميع في الفندق تقولين إننا سنذهب إلى برج إيفل
سـاد بينهما الصمت ، على حين أخـذ ( أدهـم )
يفكر :
ـ كيف يمكن إبعاد ( منى ) عن هذا الخطر ؟ لماذا لم يتركوه ليعمل وحده كما اعتاد دائما ؟ لا بد أن يكلفها عملا بسيطا يشغل وقتها حتى يعمل براحته .. ولكن ما هذا العمل ؟ توقفت السيارة البورش أمام فندق بلازا ، وأسرع أحد العاملين يفتح باب السيارة هبط ( أدهم ) وتبعته ( منى ) وسارا جنبا إلى جنب .. وقبل أن يفترقا في ردهة الفندق قال لها ( أدهم ) بالعربية :
ـ الزمي غرفتك ولا تغادريها حتى أحضر إليك سأدق ثلاث دقات متتالية .. لا تفتحي الباب لأى شخص آخر ، مهما كانت الأسباب صعد ( أدهم ) إلى الجناح الذي يقيم فيه ، واتجه إلى ه حقيبته وفتحها ، وأخرج الصندوق الخشبي الصغير بعناية ، وفتحه وتناول منه مسدسا ضخما ، وجرابا من ذلك النوع الذي يعلق في الكتف .. ثبت المسدس أسفل إبطه الأيسر بعناية ، وهو يقول لنفسه : ـ أنا لا أجب حمل الأسلحة ، ولكن يبدو أننا نتعامل مع أشرار لا يلقون اهتماما إلى قواعد اللياقة
ثم اتكأ على سريره ، على سريره ، وقال لنفسه :
ـ لا بد أن أبحث عن مهمة وهمية لإبعاد ( منى ) عن الخطر .. إن هذه الفتاة تزيد الأمر صعوبة .. لقد أضيفت حمايتها إلى المسئوليات الملقاة على عاتقى اللعنة .. لو أنني ظللت أفكـر في الوسائل الكافيـة لإبعادها عن الخطر ، لما وجدت الوقت الكافي للبحث عن الدكتور ( جمال ) . قام واقفا والتقط سترته وارتداها ، ثم غادر الغرفة وعلى وجهه ابتسامة غامضة
الفصل الخامس صراع المخابرات
في أحد الأحياء الهادئة من باريس ، وبداخل مبنى تميز بذلك العلم الذي يجمع بين اللونين الأزرق والأبيض ، وقفا الرجلان اللذان هاجمها ( أدهم ) و ( منى ) في برج إيفل ، أمام رجل قصير القامة أجدع الأنف ، له كرش بارز ، وعينان ضيقتان .. كان الرجل القصير بادي الغضب وهو يقول : أمن أجل الفشل تتقاضيان أجركما ؟ كيف لم
تنجحا في القضاء على فتاة ؟ تردد أحد الرجلين قبل أن يقول ـ لقد كان القضاء على الفتاة سهلا ، ولكن هذا
الشيطان الذي يرافقها
انتبهت حواس الرجل القصير وهو يسأل ـ هل يرافقها أحد ؟
أجابه الرجل :
شيطان يتحرك بسرعة خارقة ، وله قبضة قوية وسرعة استجابة مذهلة .. لقد دفعها بعيدا عن مجال رصاصنا أنه كان يعطى ظهره لنا برغم
ازدادت عينا القصير ضيقا وهو يبتسم بخبث قائلًا ـ هكذا ! لقد ميز صوت مسدسيكما وهما يعدان الاستخدام إذن ، هذه المقدرة لا تتوافر إلا لمحترف .. فليقطع ذراعي إن لم يكن هذا الرجل ضابطا في المخابرات المصرية
ثم أشار إليهما وقال
ـ هل عرفتا اسمه ؟
قال أحد الرجلين :
ـ نعم ، لقد أخبرنا ( يائيل ) أنه يقيم في الجناح رقم أربعة ، في نفس الفندق الذي تقيم فيه الفتاة ، وينزل تحت اسم ( أدهم صبرى ) رجل أعمال مصرى . أمسك القصير بذقنه ، وأخذ يحكها قائلا ؟ ـ ( أدهم صبرى ) ، لا بد أن هذا ليس اسمه الحقيقي بالطبع .
ثم التفت إلى الرجلين قائلا : ـ دعكما من موضوع الفتاة ، وأبلغا ( يائيل ) أن يقوم بتصفية هذا الرجل .. لا بد أن يغادر الدكتور ( جمال ) فرنسا في أسرع وقت ، ولا بد أن ندمر كل من يحاول الوقوف في طريق ذلك . في نفس اللحظة كانت ( منى ) تجلس في غرفتها في فندق بلازا ، عندما سمعت ثلاث طرقات متوالية على باب غرفتها .. أسرعت تفتح الباب ، كانت هذه هي الإشارة التي اتفقت عليها مع ( أدهم ) . دخل ( أدهم ) إلى الغرفة ، وقال وهو يجلس على مقعد قريب :
ـ هل طرق أحدهم بابك قبل أن أصل ؟ أشارت ( منى ) برأسها نفيا ، فتابع قائلا وهو يميل إلى الأمام :
ـ هناك مهمة سأسندها إليك ابتهجت ( منى ) عند سماعها هذه العبارة ؛ فهي تعنی
أن المقدم ( أدهم ) أصبح بثق بها إلى درجة تكليفها مهمة .. استمعت إليه باهتمام وهو يقول : ـ في الجناح المجاور لذلك الذي أقيم فيه ، يوجد شاب فرنسى وجده العجوز ، وهذا الجذ ضعيف ومريض إلى درجة تمنعه من مغادرة الجناح ، وهو عنيد ويرفض الإقامة في المستشفى ، ويبدو أنه ثرى جدا لدرجة أنه يقيم هنا في البلازا .. أريد منك أن تجمعي كل المعلومات الممكنة عن هذا الشاب وجده عندي من الأسباب ما يدفعني إلى الاعتقاد بأن لهم يذا في اختفاء الدكتور ( جمال )
رفعت ( منی ) حاجبيها دهشة ، وقالت :
ـ شاب وجده ؟ كيف يمكنهما اختطاف الدكتور
( جمال ) ؟ قال ( أدهم ) بجذية : ـ هذا ما أريد منك أن تبحث عنه اتسمت ( منى ) وقالت وهي تؤدي التحية
العسكرية :
ـ أوامرك يا سيدى قال ( أدهم ) وهو يغادر الغرفة ـ فور توصلك إلى أية معلومات ، أخبريني بها فى الحال .
وما أن أغلق الباب خلفه حتى أسرع إلى غرفته وعلى شفتيه ابتسامة خبيثة .. كان يعلم أن هذا الأمر كفيل بإبعاد ( منى ) عن دائرة الخطر ، فسوف يصبح مكان عملها قاصرا على الفندق ، مما يتيح له فرصة العمل وحده بحرية كما اعتاد .. ولقد اختار هذا الرجل العجوز وحفيده بالذات ، بعد أن علم أنهما يقيمان بالفندق قبل وصول الدكتور ( جمال ) .. المهم أن يختلق ل ( منى ) ما يبعدها عنه
وفي غرفته أخرج صورة الدكتور ( جمال ) وأخذ يتأملها بدقة .. كان يريد أن يحفر هذا الوجه في ذاكرته جيدا بشعره الأشيب ، ووجهه المستدير ، وعينيه الضيقتين .. وقبل أن يعيد الصورة إلى حقيبته سمع دقا على
باب الغرفة .. أسرع يسحب مسدسه وهو يقترب
من باب الغرفة ويقول : - من بالباب ؟ أتاه
صوت غليظ يقول بفرنسية سليمة خدمة الغرف يا سيدى أزاح ( أدهم ) مزلاج الباب بحذر ، وقبل أن يفتح دفع أحدهم الباب بقوة ، فاصطدم بـ ( أدهم ) وألقاه أرضا ، وعندما رفع عينيه اصطدمتا برجل أصلع يمسك بيده مسدسا ضخما مزودا بكاتم للصوت كان الأصلع يبتسم وهو يصوب مسدسه إلى رأس ( أدهم ) ، ويضغط على الزناد
الفصل السادس جريمة قتل
قفز ( أدهم ) جانبا بحركة بارعة ، متفاديا الرصاصة التي أصابت أرضية الغرفة ، ثم هب واقفا على قدميه وقبل أن يصوب الأصلع مسدسه مرة أخرى ، كانت قبضة ( أدهم ) تطيح به إلى ركن الغرفة ... زمجر الأصلع بشراسة كاشفا أسنانه السود ، ثم قفز كالخرتيت ناحية ( أدهم ) ، الذي تلقاه بركلة قوية في وجهه .. ترنح الرجل قليلا ، ولكنه لم يسقط أرضا برغم قوة الركلة ، وأخذت عيناه تقدحان شررا ، وهو يخور كالثور ، ويدور في الغرفة محاولا الوصول إلى مسدسه
كان مسدس ( أدهم ) قد أفلت من يده عندما سقط أرضا ، ولذلك كان عليه أن يقاتل بذراعيه وقرر فجأة أن الهجوم هو خير وسيلة للدفاع ، فقفز برشاقة مسددا ركلة قوية إلى وجه الأصلع الذي تفاداها بساعده ، . ثم وجه قبضته بقوة إلى وجه
( أدهم ) .. كان الرجل قويا أن لكمته ألقت بـ ( أدهم ) بعيدا .. مسح ( أدهم ) خيط الدم الذي سال من شفتيه ، ثم ابتسم وقال للأصلع : يبدو أنك تقوم بدور دبابة يا صدیقی حسنا ، سأقوم أنا بدور الـ ( آر . بي . جي ) . ثم قفز برشاقة واقفا ، واندفعت قبضته اليسرى إلى معدة الأصلع ، وأعقبها بيمناه في وجهه ، ثم يسراه في عنقه .. زمجر الأصلع بوحشية والدم يسيل من غزيرا من أنفه ثم قفز على ( أدهم ) بجنون .. كان هذا بالضبط ما يريده ( أدهم ) ، أن يفقد الأصلع سيطرته على أعصابه ، وبالتالي قدرته على القتال المنظم .. فقفز جانبا ، ثم أطلق حافة يده كالسيف على مؤخرة عنق الأصلع ، الذي أحدث صوتا مزعجا وهو يرتطم بأرضية الغرفة ، وقد غاب عن الوعى .. أسرع ( أدهم ) ينتزع حبال الستائر ، وقيد ذراعي الأصلع خلف ظهره ، ثم قيد قدميه بقوة ، وجلس على
سريره يلهث .. ابتسم وهو ينظر إلى الأصلع ، الذي بدأ يهز رأسه ويعود إلى الوعى . كان انتصار ( أدهم ) على هذا الوحش نقطة هامة جدا ؛ فهذا الرجل سيكون أول الخيط الذي يقوده إلى الدكتور ( جمال ) .. وما هي وما هي إلا لحظات حتى كان الرجل قد استعاد وعيه تماما ، وأخذ يحدق في وجه ( أدهم ) بشراسة ، وضع ( أدهم ) فوهة مسدسه على صدغ الأصلع ، وقال :
ـ ما رأيك في أن نصبح أصدقاء أيها الفيل ؟ ستخبرني كالطفل المهذب ، أين أين أخفيتم الدكتور ( جمال ) ؟ وأنا أتنازل عن إطلاق النار نظر إليه الأصلع بتحد ولم يتفوه بكلمة .. ألقى ( أدهم ) بمسدسه وأمسك بمسدس الأصلع المزود بكاتم الصوت ، وقال مبتسما : ـ من الأفضل استخدام هذا المسدس الصامت یا صديقى ، فأنا مثلك لا أرغب في إزعاج نزلاء الفندق ، عندما أطلق الرصاص على رأسك
قال هذا وألصق المسدس بجبهة الأصلع ، ثم جذب صمام الأمان .. صاح الرجل بفزع : لحظة ، من قال إنني لن أتكلم ؟ فقط كنت التقط أنفاسي
ابتسم ( أدهم ) في قرارة نفسه وهو يعيـد المسدس إلى وضع الأمان كان هؤلاء الرجال من القسوة منه حتى أن أحد لا يتصور أن ( أدهم ) لا يمكن أن
يطلق النار على إنسان إلا دفاعا عن حياته فقط ، وكان الأفضل ألا يعلموا ذلك .. قال ( أدهم ) : حسنا ، أخبرنى إذن أين تخفون الدكتور ( جمال ) ؟
تردد الرجل قليلا ، فعاد ( أدهم ) يصوب المسدس
إلى رأسه .. صاح الرجل رعبا : - انتظر ، سأخبرك .. إنه .. إنه هنا قطب ( أدهم ) حاجبيه ، وقال :
ـ هنا ؟ ماذا تقصد بذلك ؟
شيء ما في نظرات الأصلع التي تحولت إلى ما خلف ( أدهم ) ، وملامحه التي اكتست بالارتياح ، بالإضافة إلى تلك الحاسة العجيبة المسماة بغريزة الشعور بالخطر .. كل هذه العوامل مجتمعة ، جعلت ( أدهم ) يستدير بسرعة إلى حيث باب غرفته .. مرقت بجواره رصاصة صامتة ، وسمع صوت عظام سميكة تتكسر .. لم يشعر بأي نوع من الألم ، وتحركت يده بسرعة ليطلق الرصاص ، مصيبا بدقة مسدس الرجل الذي كان يقف بالباب
صاح الرجل متألما عندما طار المسدس من يده ، ثم أسرع يجرى في الممر الواسع الذي يضم الأجنحة الفخمة .. أسرع ( أدهم ) خلفه ، ولكن الرجل كان قد اختفى عندما وصل ( أدهم ) إلى باب غرفته كان الممر خاليا والهدوء شاملا .. قطب ( أدهم ) حاجبيه ، ثم استدار لينظر داخل الغرفة ، ففوجئ بالأصلع ملقى على الأرض وفى منتصف جبهته تماما ثقب صغير تسيل منه الدماء .. فهم ( أدهم ) في هذه اللحظة ذلك الصوت الذي سمعه لعظام تنكسر .. لقد كانت جمجمة الأصلع
هز رأسه بأسى ، ثم اتجه إلى جهاز التليفون ، وطلب رقما .. وما أن جاءه صوت موظف الاستقبال حتى قال :
ـ صلى بالشرطة .. أريد الإبلاغ عن جريمة قتل
الفصل السابع المهمة الأولى
أخذ مفتش البوليس الفرنسي بحدق في جثة الأصلع والرصاصة التي اخترقت جمجمته ، ثم قال : ـ إذن فأنت تدعى أن هذا الرجل قد أصيب ـ خطأ ، في أثناء محاولة إطلاق النار عليك يا مسيو ( صبری ) ؟ أوماً ( أدهم ) برأسه إيجابا ، زهر مفتش البوليس رأسه غير مصدق ، وقال : ــــ وبرغم هذا أجد في غرفتك مسدسين : أحدهما مزود بكاتم للصوت ، وثالث في الممر أمام غرفتك مزود أيضا بكاتم للصوت ما مهنتك بالضبط يا مسيو
( صبری ) ؟ أجاب ( أدهم ) بهدوء : . رجل أعمال مصرى ، وهذا مدون في جواز السفر الخاص بي
قلب مفتش البوليس الجواز بين يديه ، ثم عاد يهز
رأسه ويقول :
ـ أشك في ذلك .. على العموم عليك ألا تغادر باريس قبل انتهاء التحقيق أومأ ( أدهم ) برأسه موافقا ، ثم التفت يتابع رجال الإسعاف وهم ينقلون جثة الأصلع ، على حين قال
المفتش :
سأحفظ بكل هذه الأسلحة يا مسيو
( صبرى ) حتى ينتهى التحقيق . " وما أن غادر مفتش البوليس الغرفة حتى ابتسم ( أدهم ) ، وقال لنفسه : ـ لقد أحسنت صنعا بحل وثاق الأصلع قبل وصول رجال الشرطة .. كان من الصعب أن أفسر لهم وجود رجل مقيد اليدين والقدمين ، ومصاب برصاصة في جبهته في جناحي
ثم جلس على مقعد وثير ، وأغلق عينيه ، وأخذ
يفكر
لقد أخبرنى الأصلع قبل مصرعه أن الدكتور ( جمال ) هنا .. ماذا يعني بذلك يا ترى ؟ هل يقصد أنه هنا في باريس ؟ أو أنه هنا في الفندق ؟ لا بد أنه ال كان يقصد الفندق .. لا بد من تفتيش هذا الفندق بدقة ، ولكن كيف ؟
أخرجه من تأملاته صوت طرقات ثلاث متتابعة على
باب الغرفة ، فقال بهدوء : ـ ادخلی یا ( منى ) . دخلت ( منى ) ، وأغلقت الباب خلفها ، وسألته بصوت خافت :
ـ ما الذي حدث في غرفتك ؟ لقد شاهدت رجال الشرطة الفرنسيين يغادرونها منذ قليل ابتسم ( أدهم ) وقال :
اختلاف بسيط في وجهات النظر ، بيني وبين
ذلك الأصلع الذي رأيته في الطائرة . أطلقت ( منى ) صيحة دهشة ، وقالت :
ـ هل حضر إلى هنا ؟ ماذا حدث بالضبط ؟ تجاهل ( أدهم ) أسئلتها ، وقال :
ـ هل توصلت إلى شيء في المهمة التي أسندتها
إليكى ؟
جلست ( منى ) على المقعد المجاور له ، وأخرجت من حقيبتها ورقة وأخذت تقرأ : ـ الشاب يدعى ( چان لوى ) ، أما جده فهو رجل في السبعين من عمره يدعى ( فرانسوا ) ، وهما يقيمان هنا منذ خمسة عشر يوما ، أي قبيل اختفاء الدكتور ( جمال ) بثلاثة أيام فقط ، والعجوز لم يغادر غرفته منذ مجيئه . ويتناول الوجبات فيها .. ولقد تم استدعاء طبيبه الخاص خمس مرات منذ حضوره بسبب نوبات الهياج التي يصاب بها
كان ( أدهم ) يستمع إلى ( منى ) بملل شديد ،
وما أن انتهت حتى قال : ـ في المرة القادمة لا تدولى المعلومات على ورقة فهي دليل على أنك تعملين معنا
احمر وجه ( منی ) خجلا ، وقالت بارتباك : ـ كان هذا خطأ ، لن يتكرر أبدا .. أعدك بذلك
يا سيادة المقدم . مال ( أدهم ) إلى الأمام ، وقال بجدية : ـ في هذا الطابق أربعة أجنحة ، أقيم أنا في أحدها ، ويقيم العجوز وحفيده في آخر .. أريد منك أن تعرفى من يقيم في الجناحين الآخرين .. لقد أطلق على الرصاص رجل مقنع منذ حوالى ساعة ، واختفى بسرعة له باستخدام المصعد ، أو هبوط الدرج لا تسمح الحل الوحيد أنه يقيم في أحد الأجنحة بهذا الطابق
قالت ( منی ) :
ـ فهمت .. سأجمع كل المعلومات عن المقيمين في
هذا الطابق قال ( أدهم ) بجدية :
أريد كل المعلومات مهما بدت تافهة الجنسية ، الديانة ، العادات ، كل شيء .
قطبت ( منى ) حاجبيها وسألته : ـ الديانة ؟ هل تعتقد ؟ قاطعها قائلا :
ـ هذا أول ما يتبادر إلى الذهن ، فهذا أسلوبهم
المميز
ثم أكمل وهو يرتدي سترنه : ـ ربما أتغيب هذا المساء ، لا تقلقي .. هل لديك
مسدس ؟
أومأت برأسها إيجابا ، فقال :
ـ وهل تحيدين استخدامه ؟
ابتسمت ( منى ) وهي تقول : ـ إجادة تامة يا سيادة المقدم .. هل نسيت أننى ملازم في الـ .... ؟
أسكتها ( أدهم ) بإشارة حادة من يده ، وهو مقطب الحاجبين بضيق ، وقال : ـ أنت ( وفاء جمال عمار ) ، لا تنسى ذلك
مطلقا
سألته باهتام وهى تشاهده يثبت عود ثقاب خشبی
في باب الغرفة :
ـ ما هذا يا سيادة المقدم ؟ قال ( أدهم ) وهو يضغط على أسنانه غيظا :
ـ اسمى ( أدهم صبرى ) ، رجل أعمال مصرى لا تنسى هذا أيضا
ثم تابع وهو يشير إليها بالخروج : أمامي بعض العمل خارج الفندق .. حافظی على نفسك جيدا .. لا أريد أن أعود فأجد ثقبا صغيرا يزين جبهتك
قطبت ( منى ) حاجبيها وهي تغادر الغرفة بصمت .. وأغلق ( أدهم ) الباب بهدوء وحرص ، ثم التفت إليها وقال :
ـ قومي بتحرياتك بدقة وحرص .. هذه أول مهمة
اسندها إليك قاطعته ( ملی ) مبتسمة :
ـ الثانية .. الأولى كانت خاصة بالشاب وجده كتم ( أدهم ) ضحكة كادت تفلت من بين شفتيه ، وقال
آه !! إنها الثانية ، كنت أقصد ذلك ثم أسرع يستقل المصعد ، تاركا إياها في الممر الخالي