رواية وعد بين الغيوم الفصل الاول بقلم اية طه
في الكلية، قاعة كبيرة مليانة طلبة، وكل واحد فيهم له دنيا خاصة جواه. وسط الزحمة دي كان محمد، شاب من الصعيد، جاي من بلد بعيدة، بس قلبه مشغول من أول يوم شاف فيه فاطمة.
محمد (وهو بيبص لفاطمة من بعيد): البنت دي مش عادية... فيها حاجة مش مفهومة... فيها راحة وأنا بتفرج عليها حتى لو ما كلمتنيش. من اول يوم شفتها فيها وانا مش انا بجد غيرتلي حياتي.
صاحبه علي (بيوشوشه):
ما تفكك يا عم من الجو ده، إحنا جايين نذاكر ولا نحب؟ وبعدين خف بص عليها شوي كل الناس اخدت بالها يا مفضوح.
محمد (من غير ما يرفع عينه عنها):
أهو ده الفرق بيننا يا علي... أنا لما أحب، أحب للآخر. وعلشان بحبها بركز اكتر فى دراستي علشان اخد الشهاده واكبر فى نظرها وتتشرف بيا واكون استاهل اتقدم واتجوزها انا من ساعه ما شفتها وانا بعمل كل حاجه فى حياتي علشانها ولاجلها لكن انت بتحب مش بتحب على طول فاشل.
المحاضرة خلصت، والناس بدأت تقوم. محمد وقف فجأة، وشه متوتر، قلبه بيدق بسرعة كأنه داخل امتحان مصيري. مشي وراها لحد ما وقفت على سلم الكلية.
محمد:
فاطمة، ممكن أقولك كلمتين؟ لو مفيش فيها ازعاج ليكي.
فاطمة (بتبص له باستغراب):
أيوه، خير؟ لا مفيش ازعاج بس هو في ايه؟
محمد:
أنا مش هطول... بس من أول ما شوفتك وأنا حاسس بحاجة مختلفة. وأنا قررت... قررت إني أتقدملك. انا مش بتاع لف ودوران ولا بعرف ازوق الكلام بس من يوم ما شفتك وانا حياتي غير يا فاطمه وانتى بقيتي عندي اكتر من زميله كليه ودراسه وانا عايز اكون واضح وصريح وادخل البيت من بابه..
فاطمة (تجمدت في مكانها):
إيه؟ بتقول إيه؟
محمد:
عارف إنك ممكن تستغربي... بس والله العظيم أنا مش بلعب. أنا ناوي على الحلال. وانا مش عاوز رد منك دلوقتي بس يكفيني ابتسامه وكلمه هفكر وانا مش عايز حاجه تاني يا فاطمه انتى دخلتي حياتي خلتيها غير، من غير ما تقصدي انا حابب وجودك في حياتي..
فاطمة (بصوت متوتر):
محمد... أنت تعرف عني إيه غير إني زميلتك؟ ولا حاجه صح؟ يبقى على اي اساس بتقول لي الكلام دا؟
محمد:
عارف إنك محترمة، وبتصلي، وبتتقي ربنا، وده كفاية بالنسبالي. أنا من أول لحظة حسيت إنك مختلفة. من اول لحظه وانتي عندي غير يا فاطمه انا مبقتش اشوفك زميله كليه ودراسه وبس انتى حد اغلى واكبر من كدا بكتير عندي ومعرفش دا حصل امتى وازاى بس انا مش فارق اي حاجه تانيه غير اللى ذكرتها فيكي وهو دا اللى بتمناه فى البنت اللى تسكن قلبي وتكون شريكه حياتي...
فاطمة (سكتت شوية):
بس أنت من الصعيد، مش كده؟ ومتهيالي انكم مش بتتعملوا ولا بتتصرفوا كدا صح؟
محمد:
أيوه... من نجع كبير في سوهاج. وعيلتي كبيرة، وأنا عمي العمدة. مش قولتلك دخلتي حياتي خلتيها غير وغيرتيني يا بنت الناس... بس عجبني التغيير وحابه اوووي...
فاطمة:
يعني تتوقع إنهم هيوافقوا على جوازي؟ بنت من المدينة، يتيمة، وأبوها مات من سنين، ومليش ضهر؟ انا مش عاوزه حاجه تجرحني ولا عايزه مشاكل فى حياتي كفايه اللى عندي واللى انا فيه..... انا طول عمري في حالي وعايزه اكون فى حالي ومش عايزه حاجه تعطلني ولا تشغلني عن دراستي علشان تعبت لاوصل لهنا وانا محتاحه الشهاده دي فى حياتي.... ف لو سمحت يا محمد سبني فى حالي.
محمد (بعزيمة):
فاطمه... استني.. أنا ضهرك يا فاطمة، لو وافقتي. وأنا اللي هقف قدام الكل عشانك. انا عندي استعداد ابيع الدنيا كلها علشان لحظه معاكي... انا عمري ما هشغلك ولا اعطلك عن دراستك بالعكس هكون اكبر داعم ليكي وهنشجع بعض ونسند بعض انا عندي فخر انك تنجحي وتاخدي الشهاده اكتر مني....حتى لو محصلش بينا نصيب هتفضلي حد غالي عليا وعلى قلبي وهكون دايما بردو داعم وساند ليكي...... انا مش عايز رد دلوقتي بس يكفيني كلمه هفكر والله العظيم.
فاطمة (بصت له بعمق، بس ملامحها كانت متلخبطة):
أنا محتاجة وقت. الكلمة اللي قلتها كبيرة... وأنا مش صغيرة عشان أوافق بكلمة. ومحتاجه اعيد حساباتي واشوف الدنيا وانت كمان تكون رجعت لبلدك وتقول اهلك وتشوف الدنيا معاكم علشان لو محصلش نصيب وحبيت تتراجع تكون احنا لسه على البر كدا وفى الاول. واللى فيه الخير يقدمه ربنا.
محمد:
خدي وقتك، بس حبيت تكوني عارفة نيتي. أول ما أروح بلدي، هفتح الموضوع مع أهلي. ومش هتراجع ولا هسيبك يا فاطمه انا اقف ادام الكل واعمل اي حاجه علشانك وعلشان اعيش لحظه معاكي كوني واثقه من كدا يا فاطمه..... انا بحبك ومستحيل اتخلى ولا اتنازل عنك انا روحي بقت متعلقه فيكي وعيوني مش بتشوف غيرك..
فاطمة:
ربنا يسهل يا محمد... بس خليك عارف إن الدنيا مش سهلة، خصوصا لواحدة زيي. مش عاوزه حاجه تزودها عليا كفايه اللى مريت فيه
محمد (بابتسامة هادئة):
أنا بحب التحدي، وعمري ما هتهرب من صعب. بصي انا عارف اللى هطلبه دا ممكن يكون صعب... بس ممكن تثقي فيا
فاطمة مشيت وسابته واقف، لكنها كانت سامعة صوت قلبها بيخبط جواها. كانت متلخبطة، بس مش غريبة عنها اللخبطة دي. عايشة بيها من زمان، من يوم ما أبوها مات وأمها بقت لوحدها، من يوم ما اضطرت تشتغل وهي صغيرة وتبقى سند البيت.
في الناحية التانية، محمد رجع البيت وهو شايل في قلبه حماس وخوف فى نفس الوقت.
في بيت العيلة بالصعيد
البيت كبير، ساكنه الهيبة، كل زاوية فيه بتحكي حكاية من أيام الجدود. محمد داخل من الباب الكبير، ووشه فيه ملامح تفكير عميق. والدته، الحجة نعيمة، كانت قاعدة في الصالة مع عمه الكبير، الحج عبد الستار، وأخوه التاني عم جابر.
الحجة نعيمة:
يا اهلا يا اهلا حمد الله على سلامتك ياولدي تعال يا محمد يا ولدي ، إنت كنت فين من الصبح؟ بلغتنا انك هتكون اهنيه من بدري ايه اللى اخرك اكديه.... فى حاجه حوصلت معاك بالطريق... مش مهم المهم انك جيت بالف خير يا ولدي اطلع ارتاح يا ضي عيوني عقبال ما اجهزلك الوكل يرم عضمك من اكل الشوارع والبندر اللى لا بيشبع ولا بيرمي على الجسم.
محمد (قاعد جنبهم):
معلش يا امي كنت بتمشي شوي بالبلد قبل ما اجاى لاهنيه كنت بفكر في كلام مهم... وقررت أقولكم النهارده. بس اتمنى تتفهموا الموضوع.
الحج عبد الستار (بص له وهو بيعدل طاقيته):
خير يا ابني؟ في حاجه حوصلت معك.... عايز فلوس.... فى حد مضايقك من البندر.... انطق ما تخافش واصل من اي حاجه انت من عيله العمده.
محمد:
تسلم يا عمي خيرك سابق بس كنت عايز موضوع تاني... أنا عايز أخطب واحدة... من الكلية.
سكت الكل. العيون كلها بقت عليه، في لحظة كل الضربات كانت ف ودنه.
عم جابر (بص لأخوه):
يعني مش من عيلتنا؟ ولا حتى من بلدنا... انت اتخبلطت بعقلك اياك... ما بتعرف عوايدنا وتقاليدنا... من ميتا بندخل حد غريب فى نسلنا وعيلتنا.... احمد ربك ان ابوك مات لو كان حاضر الوضع ديه كان نزل على وشك بجوز كفوف يعقلوك ويرجعولك عقلك واللى مربطنى انى اعملها هو وجود اخوي الكبير العمده...... بس اسمع يا واد انت عندك بنات عمك زي الفل اختارلك واحده منيهم..... لكن زواج من البندر لا سامع؟!
محمد:
لأ، من القاهرة... بس بنت محترمة، متربية، وطيبة، وأنا بحبها. ودا اللى بيفرق معايا يا عمي وبعدين بنات اعمامي متربين مع بعض من واحنا صغيرين وطول عمري بشوفهم اخواتي وعمري بصيتي ليهم ما كانت غير كدا واكيد مش هتجوز من اختي يا عمي وبعدين اللى يفرق بالبنت اللى هتجوزها مش عيلتها ونسبها انا اهم حاجه عندي تكون محترمه وتعرف ربنا.
الحجة نعيمة (برنة اعتراض):
حب؟ وإحنا من امتى بنمشي ورا الحب؟ احنا بنتجوز من بنات عيله وليها اصل وفصل ياولدي وبنات عمامك متربين اظام عنينا وبنعرفهم زين ولو مش عاجبك بنات عمامك بجوزك ست ستها من حدانا من الكفر اهنيه بنت عيله وبنعرفها زين بس انت تأشر يا ولدي وما تقصرش بحق نفسك انت من عيله العمده...
دا جواز مش تمثيلية ولا فيلم فى التليفزيون لتقول حب ومحباش اسمع واعقل كلام اعمامك زين ياولدي.
الحج عبد الستار (بهدوء بس نبرة واضحة):
إحنا عندنا أصل يا محمد... البنت تتربى بينا، وتبقى من نسلنا، إحنا مش بنقرب من برا. ولا بناتنا بتطلع برانا دي عادتنا وتقاليدنا وانت بتعرفها زين.....
محمد (بعناد):
يعني عشان من برا الصعيد تبقى أقل؟
دي يتيمة، وأمها ست محترمة، وعمرها ما مدت إيدها لحد. يعنى البنت اخلاق ودين وجدعه وبنت اصول هعوز ايه اكتر من كدا فى شريكه حياتي واللى اختارها تكون مراتي...... انا مبيفرقش معايا عيله ونسب انا اهم حاجه عندي الشخص اللى هتجوزو وفاطمه فيها كل دا وتستاهل انى اتجوزها وتكون مراتي وتشيل اسمى وانا مش شايف اي حد يستاهل ياخد المكانه دي عندي مهما كان هو مين....
الحجة نعيمة (بصوت عالي):
وهي يتيمة كمان؟! يعني لا سند ولا ظهر؟ ولا رابط ولا زابط؟ يالهوي يالهوي يادي الجرس والفضايح يا ناس.... بنت وامها عايشين لحالهم كيف يا ولدي انت عايز الناس تتحدد علينا ونبقى سيره الخلق يبقى انت ابن عبد الرحمن يتجوز بنت من البندر وكمان من غير اب..... دا إحنا اللي حنشيلها على دماغنا! يابنى دى البنات بتترمى تحت رجليك بتتمنى تتجوزها ايه اللى وقعك الوقعه دي بس؟!
محمد:
أنا اللي هشيلها محدش غيري انا اللى مسؤل عنها وهى هتكون على اسمي انا ومطلبتش من حد يشيلها يا امي، وهي تستاهل أكتر من أي واحدة اهنيه.
عم جابر (بغضب):
لأ، دا كلام فارغ! إنت هتتجوز غصب عن العيلة؟ الناس تقول إيه؟ محمد ابن عبد الرحمن اتجوز واحدة من برا ومش من لحمنا ودمنا؟ وكمان من غير اب... لا انت عيشتك فى البندر نسيتك اهلك وناسك ولا ايه؟ دي اخره عيشتك هناك اتطبعت بطبعهم ونسيت طبعنا وعاداتنا وقوانين عيلتنا....
ويكمل وهو يبص لعبد الستار
هو دا اللى كنت رافع راسك بيه السما يا اخوي اهو ناوي يحط راسنا كلنا فى الطين كفايه دلع فيه عاد شفت نتيجه الدلع...
محمد:
أنا ما يهمنيش الناس، يهمني اللي هعيش معاها. وزي ما قولت وقت سابق فاطمه متتعيبش وهى دي اللى رايدها تكون مراتي ومش شايف ما يمنع...
الحج عبد الستار كان ساكت، بس باين عليه بيفكر... بعد لحظة ساب الكرسي، وقال:
الحج عبد الستار:
أنا هاروح معاك أشوفها. لو لقيتها تستاهلك، هقف في ضهرك... بس عايز أشوف البنت بعيني. ولو مكنتش زى ما بتقول هترجع وتتجوز بنت من بنات عمامك فورا وبدون اي نقاش.... سامع؟!
الحجة نعيمة:
أخويا! إنت هتوافقه؟ معقوله بتمشي ورا كلامه وتخلي الناس تتحدد علينا!!!!!
الحج عبد الستار (بحزم):
أنا شفت شباب كتير ضاعوا عشان أهاليهم اختاروا لهم غلط... لو قلبه فيها، نشوفها... وربنا يكتب اللي فيه الخير.
ويضرب بعصيته على الارض بقوة ويكمل حديثه
انا قولت كلمتي والموضوع انفض اهنيه ومش عايز اسمع حكي فيه تاني لحد ما اروح اشوف البنت وارجع ويلا كل واحد يروح يشوف مشاغله
بعد أيام قليلة...
الحج عبد الستار كان خلاص ناوي يركب مع محمد ويروحوا القاهرة، بس تعب فجأة. واتنقل المستشفى، وتشخيصه ما كانش مبشر... محمد كان قاعد جنبه، ماسك إيده، وبيحاول يخفي دموعه.
محمد (بهمس):
قوم بس، وابقى في ضهري زي ما وعدتني... انا مبقاش ليا غيرك يا عمي بعد ابويا الله يرحمه متسبنيش انت كمان..
الحج عبد الستار حاول يبتسم، وقال بصوت واهن:
الحج عبد الستار:
الراجل يعرف يعد وعده... ولو ما قدرتش، الوعد ف الورق يا محمد...
محمد ما فهمش وقتها قصده إيه، لكن اللي هيحصل بعد أيام هيغير كل حاجة...