رواية ادريان الفصل الاول
صوت الانفجار لم يحرك به شعرة وهو يطالع النيران تلتهم مقر مركز البحوث يدخن سيجارة وهو بالكاد قادرا على الوقوف على قدميه!
جسده يقطر دما فلقد كان وحيدا لكنه أراد التحرك !
من بين كل الصور المشوشة في عقله أنارت صورتها ، عيناها الدامعة والخائفة منه على الدوام ، ملامحها الطفولية وجسدها شديد الضئاله ، إنها تحتاجه رغم كرهها له ، لابد أن يطمئن عليها !
ركب السيارة واخذ يقودها وهو بالكاد يرى أمامه حتى أن السيارة أصطدمت بالشجرة أمام باب منزله لكنه نزل منها ببطء وألم يسير بإتجاه الباب الذي فُتح على مصرعيه وخرجت هي منه مهرولة بخوف ما ان سمعت صوت الاصطدام .
رأته يقترب منها والدماء تملأ ملابسه ، يسير الهونى وعيناه تطالعانها بأسف ، آتيا اليها بكل مساوئه ليطمئن فقط عليها ولكي ... يعتذر لها ليجثو ارضا فجأة وهو يطالعها بذات النظرات حتى هوى ارضا بلا حراك!.
بعد عدة أشهر ....
طنين مرتفع ، أصوات متداخله ، هناك أيضا صوت لجهاز ما ،ربما جهاز متابعة ضربات القلب ؟! أجل إنه هو ! ، هناك ألم شديد أيضا في الرأس ، صعوبة في فتح العينين!
" لقد أفاق المريض يادكتور !"
صوت إمراه انطلق فجأة جعله يحاول جاهدا فتح عيناه حتي إستطاع أخيرا فتح عينيه ذات اللون الرمادي ، عينان قويتان تنتميان لوجه حاد بهي الطلة
حاول تحريك رأسه لينظر بصعوبة نحو تلك المرأة القريبة جدا منه حتي استطاع الرؤية بشكل واضح ، إمراه تقريبا في عقدها الثالث من العمر تنظر له مبتسمة باتساع وهي تقوم بفحصه سريعا لتخبر الطبيب بأخر المستجدات .
دخل الطبيب مبتسما حين وجده مستيقظا ليقول
: سيدي الجنرال ! لقد اقلقتنا عليك! ، إنها ثلاثة أشهر بالكامل .
رمش هو بتعجب ليقول بصوت مرهق خرج بصعوبة وأحرف بالكاد كانت متناسقة
: من أنت ؟! ماذا تعني بثلاثة اشهر؟! ..وما الذي تعنيه بالجنرال؟!
تلاشت ابتسامة الطبيب ليقول
: أقصدك أنت بالجنرال بالطبع! جنرال أدريان ماكسويل ،وأنت أصبت أثناء أحد مهماتك وأنقذناك هنا بفضل الرب ولكنك دخلت بغيبوبة من ثلاثة أشهر.
قطب حاجبيه بإرهاق ليقول بصوت شبه هامس
: لا أذكر شيئا .
طالعه الطبيب بتفهم ليقول بهدوء
: إهدأ سيدي واخبرني ما تتذكره بالضبط وأنا أساعدك .
اجابه
: لا أذكر اي شيء علي الاطلاق ، حتي هذا الإسم لا أذكره.
اومأ الطبيب بتفهم ليقول
: كان الحادث صعبا وقد خرجت منه بصعوبة وقد توقعنا أن يحدث لك هذا لا تقلق ، ستساعدك ليزا بكل تأكيد .
قطب حاجبيه بتساؤل ليجيب الطبيب مبتسما
: ليزا تكون ممرضة هنا وهي خطيبتك .
كان يعاني ليخرج حرفا من فمه أو التركيز فيما يحدث حوله من الاساس لذا لم يفقه شيئا مما سمع ، قاطع إنشغاله بإرهاقه وآلامه دخول جسد ضئيل جعله يغلق عينيه نسبيا ليتمكن من النظر إليه بشكل أوضح.
فتاة شابه شقراء ضئيلة الحجم والطول ،خصلات شعرها القصيرة لم تساعد مطلقا في أن تجعلها تبدو كامرأة شابه !، كانت أقرب لطفله ، طفلة واجمه إن أصدق القول !
تطالعه بوجوم مربك جعله يتساءل إن كانت تعرفه قبلا!
" أوه ،ها قد أتت ليز "
هكذا هلل الطبيب مما استرعي إنتباه أدريان الذي نظر لها بذهول!، أهذه مخطوبته؟!
حسنا ربما لا يتذكر شيئا لكن.... الفتاة لا تبدو سعيدة برؤيته ، كما انه يشك ان يكون هذا زوقه في اختيار محبوبته.
كانت وكأنها تحارب نفسها للاقتراب منه وها هي تقترب اخيرا لتربت علي يده قائلة بصوت هادئ
: اشتقت اليك ، انه لمن الرائع ان تستيقظ ..اخيرا.
اكانت تريد لو ان تصفع وجهه؟! او ربما لكمه ؟! ما بالها وكأنها انزعجت من افاقته ؟
" بما انت شارد؟!"
اجفل ادريان علي اثر حديث روزالين التي طالعته بقلق
، روزالين الحبيبة ، خالته والوحيدة المتبقية له من عائلته ، لن ينسي لها قط وقوفها بجانبه منذ كان بالمشفى قبل عدة اشهر ، في الواقع لقد ساعدته اكثر من خطيبته المزعومة والتي حتي الان يرى في وجودها بحياته لغز يتوجب عليه حله .
حين وجد نظرة القلق الموجهة له تكاد تتحول الي الهلع تحدث قائلا
: افكر بأمر ليز ، لا احد يعطيني اجابات شافيه ، وانا اراها كمن تم اجباره على هذا الارتباط ،فقط لو تسعفني ذاكرتي ..
رمشت روزالين بتوتر اثار حفيظته لتقول
: أنت واهم عزيزي، لقد عدت من الموت ! ..الامر مربك ليس الا ..اتركها لتتعافى من الصدمة اولا.
اولم تكن تلك الاشهر كافية لتتعافى؟!
" ما الذي تفعله هنا؟!"
قالتها ليز بتعجب بدي أقرب الي الانزعاج حين وجدت ادريان ينتظرها خارج المشفى الذي تعمل به ، يستند علي سيارته التي عاد لاستعمالها بعد مضي عام كامل من إفاقته، صلبا قويا كما كان دائما في الحقيقة ، ...بدا اكثر صلابة مما مضي ، هيأته البربرية ازدادت توحشا بعدما عاد يزاول مهنة التدريب علي فنون الدفاع عن النفس بدلا من مهنته السابقة التي استقال منها قبل وقوع ...الحادث! اليس من الطبيعي ان من فقد الذاكرة الا يتذكر مهاراته القتالية ايضا؟!!!!
اغمضت عيناها بيأس وهي تسمعه يجيب
:اردت ان امر عليك لأخذك معي الي البيت بعد ان نتناول شيئا في الخارج معا .
يدفع نصف عمره أن لم يقل كامل عمره ليعرف ما يدور بداخل هذه المرأة ، تفاجئ منذ سبعة اشهر حين خرج من المشفى حين أخبرته روزانا انه وليز يعيشان سويا في منزله وانها كانت بالأصل جارته لكنها انتقلت لتعيش معه عقب خطبتهم ، تعيش في غرفة منعزلة بعيدة عن كل الغرف الاربع في منزله الواسع ، غرفه تحمل رائحتها ولمساتها عكس باقي منزله الذي يبدو سكن رجل بحت في سابقة تجعله يفكر مجددا في غموض علاقتهم التي يراها عقيمه ، المرأة تنأى بعيدا عنه كليا وكأنها تسكن بالأجرة في منزله وليس كأي حبيبان يعيشان سويا تحت سقف واحد !
تحركت بتوتر لتقترب من السيارة خلفه لتصعد الي جانبه في صمت زفر لأجله بملل .
اعتلي الكرسي المجاور لها قائلا بنبرة جاهد لتكون ودودة للغاية
: كيف كان يومك ؟
اجابت بصوت جامد
: جيد ، ككل يوم .
زم شفتيه بعدم رضا حين سمع صوتها البارد ككل شيء بها ، لو أنه فقط يفهم ما بها! .
كم مرة فكر في تركها لكن داخله يرفض ذلك! هناك امر ما مريب يحيط بها يجبره على البقاء معها والتقرب اليها رغم كرهها لذلك!
لم يتحدث مجددا ! لقد اصابه الملل !
◇◇◇◇◇◇
فقط تريد أن تعلم لماذا استيقظ ؟!
كلمات دوت داخل رأس ليز والتي كانت تنام على السرير يرافقها الارق !
تقلبت على السرير بقلق لتقوم بتغطية وجهها متذكرة ما حدث قبل اسبوع حين وجدت ادريان يحمل صورة له مع .. صديقه نيكول يقول
: أشعر أن علاقتي به كانت مميزة ، لماذا لم أعد أراه ؟! .
زمت شفتيها حينها وهو يطالعها كمن يحاول قراءة افكارها ليسمعها تقول
: انه الدكتور نيكول ، كان صديقك الوحيد تقريبا ، مات قبل الحادث بمدة بسيطة .
ظهر التأثر على ملامحه رغم فقدان ذاكرته ، أما هي فذهب عقلها للماضي! ماضي بشع وجدت نفسها فجأة به !.
" الماضي"
" صباح الخير انا ليزا ، الممرضة التي حادثتك عنها السيدة كاميليا "
قالتها مبتسمة بشحوب إلى الطبيب الشاب الذي طالعها مبتسما بترحاب في مكتبه يقول
: اوهو ، مرحبا يا جميلة ، نعم لقد فعلت ، هيا لقد انتهيت لليوم ، اممم لقد أخبرتني كذلك انك تحتاجين إلى مسكن ، في الحي الذي ابطن به منازل للإيجار وهناك واحدا قريبا من منزلي ، هيا بنا لنراه وترتاحين قليلا ، يبدو عليك الإرهاق.
اومأت له شاكرة وما أن وصلا إلى الحي الهادئ حتى وجدت ان جميع المنازل مكونة من طابق او اثنين ليس إلا ، كان مريحا وهادئ .
" اوه ادريان ! مساء الخير، انت مبكر اليوم في العودة"
قالها نيكول فجأة لتنظر إلى المنزل الذي امام منزلها الجديد فوجدت رجلا يهبط من سيارته يرتدي زيا عسكريا ، كان ضخم الجثة لديه عينان قويتان ظل يطالعها بهما بقوة وهو يوجه حديثه إلى نيكول
: مساء الخير دكتور ، لدي بعض الأشياء لأنهيها في منزلي لذا عدت مبكرا ، لديك رفقة !.
ابتسم نيكول معرفا بينهما ليقول
: الآنسة ليزا تومسون مساعدتي الجديدة في المشفى ، وهذا جارك كما لاحظت، الجنيرال ادريان ماكسويل .
فتحت عيناها حين لم تستطع النوم ، ومتى استطاعت النوم منذ انتقلت للعيش داخل هذا المنزل !
ذهبت نحو المطبخ لشرب الماء واثناء رفعها للكوب إلى فمها سمعت صوته فوقع الكأس من يدها مما جعله يقترب منها بقلق وهو يتفقدها
: ما بك؟ هل انت بخير؟ اهناك غيرنا في المنزل ؟ دوما ما تفزعين كلما اقتربت منك او ناديتك! .
كانت ترتجف حرفيا وصوت ضحكات مجنونة سمعتها سابقا لا تغادر عقلها لتقول
: ف فقط كنت شاردة فلم اشعر بك !
امسك يدها ليغادرا المطبخ واجلسها على الاريكة وهو يلاحظ محاولاتها بالابتعاد عنه!
تنفس بعمق ليجلس إلى جوارها قائلا
: ليزا ، جديا علينا ان نتحدث عن كل هذا !
نظرت له بتوتر زاده تعجبا ليقول
: هل أسأت اليك يوما؟! لكن إن اسأت وانت لا تريديني مثلا، لماذا انت معي إلى الآن ؟
نظرت امامها بحزن ويأس قرأه بسهولة
انت لم تسيء إلى، انت فقط دمرتني !
خاطرة دوت داخل رأسها لم تنطق بها لكنها قالت بدلا عن ذلك
: انا فقط امر بفترة عصبية، لا دخل لك بها ، اصبحت ا انا لا اريد......؟ الانفصال عنك ! أتريد انت ؟
وجد نفسه بلا تفكير يجيبها بلا !
رمش متعجبا من رده رغم انه قرر إنهاء تلك العلاقة لينتهي من هذا التوتر !
شيء في ملامحها وعيناها الدامعتان على الدوام ، خوفها الرهيب منه! نظراتها المرعوبة اتجاه القبو وحين سألها اجابت بذات التوتر انها فقط لا تحب الأماكن الضيقة والمظلمة فقام بغلق القبو نهائيا بباب قام بوضع عليه ديكورا لامعا كي لا تخاف!
◇◇◇◇◇◇
" صباح الخير سيليا ، لا انا ليس لدي دوام الآن، انا قادمة انتظروني ، حسنا وداعا "
الأطفال في الدار يحبونها كثيرا لكونها تدللهم بالحلوى والهدايا التي تستطيع شرائها لهم !.
انهت مكالمتها لتسمع صوت خطواته الهادئة وهو يهبط السلم ، اصبح يتعمد إصدار أصوات بحذائه او يصنع لحنا يدندن به اثناء سيره كي لا يفزعها كما حدث قبلا !
حقيقة انه اصبح مراعيا لتلك الدرجة في حد ذاتها تجلب لها الغثيان !
تحدث قائلا بابتسامة
: صباح الخير ، جيد انك ما زلت هنا لنغادر سويا .
تحدثت هي بينما تبتعد عنه وهي تنظر حولها مدعية البحث عن شيء
: ل لا بأس سأذهب وحدي .
قطب حاجبيه ليقول متعجبا
: ولماذا المشقة وانا موجود ؟! هيا سأوصلك ثم اذهب لعملي .
" لييييز اشتقنا اليك ! ، ليز الم تحضري لنا الحلوى ؟! ، ليييز اخبري سيليا ان تسمع لنا بتناول المزيد من الكيك فهي قاسية قليلا في هذه النقطة"
هكذا تحدث الاطفال دفعة واحدة جعلت ادريان يهبط من سيارته مبتسما ما أن سمع تذمر الاطفال ثم وجد الانظار كلها التفت حوله فجأة فابتسم مقتربا يحيي سيليا التي طالعته ببهتان يعرفه جيدا ، منذ استيقظ من الغيبوبة وكل النساء التي يراها يطالعنه بذات النظرة ...عداها هي! الوحيدة التي يحق لها النظر له بتلك الطريقة !.
جثى على ركبتيه امام الاطفال ليقول
: حسنا فهمت من كلامكم انكم تحبون الكيك الذي تصنعه ليزا صحيح ؟
اومأ الاطفال بحماس ليقول
: حسنا سأذهب لإحضار الأدوات كلها انا وليز ونعود لإعداد اكبر عدد ممكن من الكيك .
هلل الصغار وهم يحتضنوه فضحك وهو يبادلهم الاحضان برفق ولم يفته الغضب الذي أبصره بسهولة على وجه ليزا قبل ان تستدير برأسها لتتحدث مع سيليا و المشرفات الاخريات !
ذهب معها بالفعل بعدما تذمرت من فعلته لكنه اصر على إرضاء الصغار!
فيما بعد اصبح يزور الاطفال بمفرده دونها كلنا سنحت له الفرصة ، يشعر بالراحة بينهم ولا يدري لها سببا ، ربما لكونه يشعر بالوحدة منذ إفاقته من الغيبوبة ليعرف انه لم يكن لديه سوى صديق واحد ومات ؟! إلى جانب وجود ليز المريب بالطبع!
" أنا مللت روزالين ! إنها لا تحاول حتى الحديث معي! كلنا وجدت شيئا يقلقها او يضايقها اتجنبه ! لكن لا فائدة ابدا معها "
قالها ادريان إلى روزا التي تتابع حديثه بشفقة لحالها لتقول محاولة إخفاء توترها عن عيناه الثاقبتين
: اخبرتك أنها ليست على ما يرام مؤخرا ، اتركها على راحتها وسوف تكون بخير وحدها !.
حرك رأسه شاردا ليقول غير منتبه إلى دخول ليز إليهم
: افكر بتركها ، في البداية ظننت انني استطيع الوصول إلى قلبها او عقلها على الاقل لكن يبدو أنها لا تريد وتنتظر مني انا ان أنهي الامر .
صوت سقوط شيئا ما اجفلهما لينهض سريعا ما ان وجد ليز فاقدة للوعي ويبدو انها استمعت إلى كلامهما مما زاده حيرة وهو يحملها واضعا اياها فوق الاريكة يحاول افاقتها بقلق !.