رواية سيد احمد خالص التعازي في وفاة زوجتك الفصل المائة وثمانية 108 بقلم اسماء حميدة


 رواية سيد احمد خالص التعازي في وفاة زوجتك الفصل المائة وثمانية 


حاول أحمد أن يُكمم بركانه الداخلي، يخشى أن تفلت أعصابه فيحطم عنق مارينا لو كانت أمامه الآن.

فكرة واحدة كانت تتردد في رأسه كهدير مطرقة:

*لو تأخرت ثانية واحدة... لكانت سارة بين يدي الموت.*

لطالما تحمّل أحمد غيرة مارينا، كان يراها نزوة امرأة مدللة لا تستحق سوى التجاهل لكن ما حدث اليوم تجاوز الخطوط الحمراء كلها… لم تعد غيرةً بل جنونًا يتغذى على الكراهية.

ألقى أحمد نظرة على الجرح فوق حاجب سارة… كان خط أحمر صغير لكنه يصرخ بما مرّت به قبل أن يأتي ومن ثم قال بصوت ثابت لكن نبرته تحمل صلابة الإصرار ولهفة تلوح مختفية في الأفق:

"طهّري جرحكِ. اتركي كونور لمينا."

كانت مينا، مربية كونور، تقترب لتأخذه منها. لكن سارة، التي انتهت لتوها من السيطرة على الطفح الجلدي للصغير، شعرت بثقل غريب بصدرها للحظة… ولكن واست حالها قائلة دون صوت:

*على الأقل... هو بخير الآن.*

لكن صوت الصبي اخترق تفكيرها:

"ماما! ماما!"

كان صوته هذه المرة مرتعشًا، قلقًا وكأن هناك نزعت منه براءة اللحظة السابقة ولم يعد ذلك الطفل الهادئ الذي عرفته منذ دقائق.

أحسّت بشيء يعتصر قلبها وهي ترى دموعه تتشبث بخديه فاستدارت نحوه بلا

تردد تحاول أن تخبئه في صدرها بعيدًا عن هذا العالم… وما إن شعر الصغير بذراعيها حتى هدأ وكأن وجودها وحده أوقف الزلزال داخله.
لم يجد أحمد مفراً فأخذ قطعة قطن واقترب منها ليعقم جرحها فكانت حركتها الأولى تجنبًا غريزيًا وبدا جسدها ما زال متحفزًا كحيوان نجا من فخ لكن صوته كان حادًا، آمرًا، يحمل شيئًا من القلق المكبوت:

"لا تتحركي."

ترددت لكنها في النهاية استسلمت فهو الوحيد في هذا البيت الذي لا يشبههم، الوحيد الذي ورغم كل شيء تستطيع أن تثق به لتسمح له بالاقتراب منها.

كان يعرف كم تكره الألم لذلك جعل لمساته أخف من نسمة كأن أصابعه تعتذر عن كل ما مرّت به منذ لحظة دخوله.

تحملت سارة الألم كما لو كان قدَرًا مكتوبًا على جسدها دون أن تترك لأنينها فرصة للفرار من شفتيها.

شعر أحمد وكأنه يرى لأول مرة كيف صقلتها معاملته القاسية وكلماته التي طالما جُرحت بها، فجعلتها تقف أمامه الآن أكثر صمتًا، أكثر صلابة، لكن بريق ابتسامتها الذي كان يضفي عليها حياة قد خبا تمامًا؟!

ألقى نظرة خاطفة على شعرها الملطخ بآثار البيض والعجين فبدا المشهد أمامه كلوحة فوضوية تفضح ما مرّت به فسرعان ما تسللت النار إلى عروقه، نار من الغضب تكاد تحرقه من

الداخل حتى إنه فقد تركيزه لحظة واحدة فضغط القطن لا إراديًا على جرحها بقوة لم يقصدها.
شهقت سارة من الألم كأن الشرارة أخيرًا وجدت منفذًا إليها، فسألها سريعًا:

"هل يؤلمك كثيرًا؟"

أمسك ذقنها برفق غير متوقع وجاء صوته خافتاً يحاول استرضاءها:

"سأكون أكثر حذرًا."

في نبرته شيء أربك الهواء من حولهما، فأشاحت بنظرها بعيدًا محاولةً استعادة المسافة بينهما:

"لم أتألم"

أكمل أحمد تطهير الجرح بصبرٍ يشبه الاعتذار الصامت ثم ألصق عليه ضمادة وردية صغيرة.

فرمقته بدهشة إذ لم تكن تعلم أنه يحرص دائمًا على اقتناء تلك الضمادات الملونة مؤمنًا بأن النساء يفضلن الأشياء التي تبعث على الدفء فتلك هي عادته في التعويض عمّا لا يقوله.

قالت ببرود يُخفي اضطرابًا أعمق:

"شكرًا لك."

ابتعدت خطوة وكأن المسافة سلاحها الأخير وأضافت بنبرة تحاول أن تبدو عادية:

"الوقت متأخر… وإيف تنتظرني لتناول العشاء في المنزل... سأترك لك كونور. وداعًا."

أراد أن يوقفها، أن يجد سببًا يبقيها لكن كل الذرائع خانته فاكتفى بأن قال:

"سأطلب من كيلفن أن يعيدك إلى المنزل."

خفضت بصرها تتهرب من تلك النظرة التي لطالما نجحت في كسر دفاعاتها:

"حسنًا، شكرًا."

سلّمت كونور

إليه لكن الطفل ما إن فارق ذراعيها حتى امتلأت عيناه بالدموع مرة أخرى وصرخ بحشرجة صغيرة:
"أريد ماما… أريد ماما."

انحنت عليه تهمس كمن يسكب حنانه الأخير:

"كن فتى صالحًا… وسأزورك يومًا ما."

لكن دموعه لم تتوقف يرفض أن يسمح لها بالرحيل.

سحب أحمد الصغير إلى صدره وكان في نظرة أحمد ما يكفي ليعيد إلى كونور هدوءه كأن سلطته تُنظّم حتى اضطرابات قلب طفل.

في تلك اللحظة خطرت لسارة فكرة خاطفة مزعجة كأنها انبثقت من مكان مظلم في عقلها:

*"كم سيكون رائعًا لو كان كونور ابني."*

ارتجف قلبها خوفًا من نفسها فهزت رأسها بعنف لطردها ولم تنتبه إلا عندما قال أحمد بصوتٍ يحمل وعدًا لا تشك فيه:

"فيما يخص ما حدث اليوم... سأتأكد أن العدالة ستأخذ مجراها."

أجابته بنبرة أثقلها الإرهاق:

"عامل كونور بشكل أفضل."

ثم تركتهما وخرجت إلى حيث البحر يمد ذراعيه كهاوية واسعة… حدقت فيه وكأنها تحدثه:

*"لو كان طفلي معي... لو كان لا يزال هنا... لكنتُ احتضنته بكل ما فيّ لأمنحه حبًا لا يشوبه استغلال ولا أستخدمه كوسيلة للفوز برجل."*

وخزها ذلك الألم المعتاد، الألم الذي يذكّرها بطفلها الذي لم يمنحه القدر فرصة واحدة ليعرف هذا العالم… ولم

تخطُ سوى خطوات قليلة حتى خذلها جسدها وانهارت أمام كيلفن الذي هرع نحوها مذعورًا يلتقطها بخفة وصوته يخترق الفراغ:
"السيدة ميلر"

تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1