رواية ظلي لم يغادر المكان الفصل العاشر 10 بقلم سلمى ابو ضيف


 رواية ظلي لم يغادر المكان الفصل العاشر 

أخذ الجميع يقرأ بصوت منخفض: "الخائن بينكم"...
ثم بدأ عدٌّ تنازليٌّ جديد يظهر على الحائط، وانخفض الباب بقوة، وظهرت على الجدران كتابات بالدماء:

"أعيدوا حساباتكم، لعلكم تنجون بأنفسكم... أمامكم ساعة واحدة لإعادة الحسابات."

قالت نور بارتباك:
– يعني... حد فينا هو الخاين؟

ردت إهداء، وقد بدأ الشك يملأ نظراتها نحو نور:
إحنا عارفين عن بعض كل حاجة... خالد ومازن من وهم أطفال، وإحنا دايمًا مع بعض، بنعمل كل حاجة سوا.
ثم نظرت لنور بغيظ، وقالت:
الدور عليكي بقى... إحنا لسه نعرفك من سنتين بس.

وكادت تُكمل، إلا أن مازن صفعها صفعة قوية أسقطتها على الأرض.
صرخ وهو غاضب:
إنتي إيه اللي بتقوليه ده؟!

تدخل خالد، وهو يسند إهداء:
إنت إزاي تعمل كده؟!

قالت إهداء وهي تبكي:
كده يا مازن؟ تضربني علشانها؟ علشان نور اللي لسه نعرفها من سنتين بس؟! وإحنا عشرة عمر؟! تضربني بالقلم؟!

قال خالد وهو يحاول تهدئة الموقف:
إنت عارف إن إهداء أكيد مش قصدها.

قالت نور وهي تبكي:
مكنتش أتصور ييجي يوم أبقى فيه غريبة في نظركم...
ثم نظرت إلى إهداء وقالت بصوت مرتعش:
ربنا يعلم أنا بحبك قد إيه... من أول ما شفتكم، اعتبرتكم إخواتي بجد...
بقيت أحكيلك عن كل اللي يضايقني... بقي ليا أخت وأخين أقدر أستند عليهم.

تابعت وهي تحاول كتم دموعها:
عمري ما هنسى آخر سنة ليا في الكلية... لما واحد حاول يتحرش بيا في الشارع، أول حد اتصلت عليه كان مازن، وقلتله ييجي بسرعة هو وخالد.
كنت متأكدة وقتها إنهم هييجوا، وجم فعلًا.
أنا عمري ما ندمت على معرفتكم... حتى لو إنتوا ندمانين على معرفتي.

ساد الصمت، وتأثر الجميع، حتى إهداء... لكنها رفضت أن تعتذر، على الأقل الآن.
اقترب مازن من نور، ونظر في عينيها وقال بصوت خافت:

أنا عمري ما ندمت على معرفتك يا نور...
ثم أكمل وهو يتردد:
نور... أنا...

لكن خالد أدرك ما كان مازن على وشك قوله... وهذا ليس وقت اعترافات حب.
تدخل بسرعة ليقطع الحديث:

نور، كلنا مش ندمانين على معرفتك... حتى إهداء، رغم اللي حصل.

قالت نور وهي تتلعثم:
خلاص... نخرج من هنا، وأوعدكم مش هتشوفوني تاني...

جلس كلٌّ منهم أرضًا، ينظر إلى العد التنازلي، وبدأت الأسئلة تدور في عقولهم...
أهذا نحن؟
من كنا نظن أننا أكثر من إخوة؟!
مجرد شك... فرقنا، وربما أضاعنا إلى الأبد.

أخذت إهداء تبكي...
لم تكن تدري:
هل تبكي لأنها جرحت نور بكلماتها؟
أم لأن مازن، الذي تعتبره أخاها، ضربها؟!

كانت علاقتها مع خالد ومازن علاقة من نوع خاص...
فقد وُلدوا في نفس الأسبوع سنة ١٩٩٩خالد أولهم، ثم إهداء ابنة عمه، ومازن جارهم العزيز.
توفيت والدة إهداء يوم ولادتها، وأصبحت والدة خالد أمًّا لها... أرضعتها، واعتبرتها ابنتها، حتى أصبحت أختًا لخالد في الرضاعة.

لم تشعر يومًا أنها بلا أم أو إخوة...
درسوا معًا، نجحوا معًا، دخلوا كلية الإعلام معًا.

تتذكر جيدًا يوم تعرفهم على نور...
كان من خلال مواقع التواصل، حين لم يجدوا عملًا بعد التخرج، وقرروا دخول مجال السوشيال ميديا.
كانت نور مشهورة وقتها، وأُعجبت إهداء بطريقة سردها للقصص الحقيقية.

جمعت وقتها مازن وخالد، وأخبرتهم بنور...
مازن أُعجب بها من النظرة الأولى، وأصر على أن تتواصل إهداء معها.
وبالفعل حدث اللقاء، وكان واضحًا مدى إعجاب مازن بها.
ومنذ ذلك اليوم، شعرت الغيرة تشتعل في قلبها...

رغم أن مازن أخوها بكل الطرق...
إلا أنها شعرت أن غلاوة نور قد تسرق غلاوتها...
وهذا ما حدث اليوم.

أفاقت من شرودها وهي تلمس وجهها، وآثار كف مازن ما زالت تؤلمها.
سمعته يقول بصوت خافت مازح:

بقولك يا زفتة، متزعليش مني...

اقترب منها، وقال:
اديني راسك أبوسها.

نظرت له بعتاب، وقالت:
ولا تبوس راسي ولا رجلي... مش عايزة حاجة منك، ومش زعلانة أصلًا.

لكنه همس في أذنها:
اعتذري لنور... شكلها زعلانة أوي...
ثم أضاف:
عشان خاطر غلاوة أخوكي عندك.

نظرت إليه، وردت بصوت منخفض:
عشان خاطرك إنت... والله.

انتظرت بضع دقائق، حتى لا يُفهم أن مازن هو من أخبرها، ثم قالت بنبرة اعتذار:

آسفة جدًا يا نور... على اللي حصل.
بس والله، إنتِ عارفة إني لما بخاف، بطلع مني كلام مش محسوب...
حقك عليا.

ثم اقتربت منها وهي تبكي، وقالت:
أنا كنت محتاجة أخت بنتي أوي، ولما لقيتك ما صدقت...
تيجي تقوليلي دلوقتي إنك عايزة تسيبينا؟!

احتضنتها نور وهي تبكي، وقالت:
أنا بحبك أوي يا إهداء... ومش زعلانة منك.

"كانت بينهم حاجة غريبة...يتخانقوا كتير، يجرحوا بعض بكلمة أو بنظرة،
بس عمرهم ما عرفوا يسيبوا بعض فعلاً.
الخلاف دايمًا كان سابق الحب بخطوة،
بس الحب؟
عمره ما اتأخر، حتى وهما بيكسروا بعض من جوه.

ما حدش فيهم قدر يبعد بصدق،
كل واحدة كانت دايمًا بتدور على التانية من غير ما تقصد.
إهداء كانت حاسة إن نور سرقت مكان مش من حقها،
ونور كانت دايمًا حاسة إنها ضيفة وسط حكاية اتكتبت من زمان.
لكن وسط الخناقات والوجع...
كانوا دايمًا بيرجعوا لبعض، أول ما الدنيا تضيق.
زي اتنين دايمًا في شد،
بس كل واحدة عارفة إن التانية هي السند الحقيقي،
وإنها الوحيدة اللي لو وقعت، مش هتقوم غير بإيدها.

اللسان ساعات بيغلط،
بس القلب؟
عمره ما نسي هما إيه لبعض.

تعليقات