رواية احفاد الثعلب الفصل العاشر بقلم شريهان سماحة
انتبهت " هنا " إلي شيء خطير بعد انتهاء مكالمتها مع تلك الرفيقة أن هناك بعض من الفتيات قد يضللن طريقهن في مرحله عمرية أقل ما يقال عليها مرحلة " كن أو لا تكون " ... مرحلة عمرية خطيرة تسمي بالمرهقة !
تلك المدمرة للمبادئ الأسرية المتينة التي نشئ عليها الشاب أو الفتاة .. وقد يكون أغلب ذلك الانقلاب نابع من رفقاء السوء ....
من ذلك المنطلق جاءها شيء في خاطرها وتمنت أن يكون باب لفعل الخير .. ألا وهو استغلال حسابها علي الفيس بوك ..في ظل أنتشار الأقبال الشبابي المهول علي مواقع السوشيل ميديا في نشر التعاليم الدينية الصحيحة والدعوة والإرشاد وفقا لما تعلمته في ذلك المعهد .. لعلها تصل لأشخاص يحتاجونها وينتفعون بها وتهديهم لطريق الصواب ..
وذلك بعد دراسة هذه المعلومات جيدا والتأكد من صحتها قبل نشرها خاصة الأحاديث النبوية الشريفة للتجنب الوقوع في قوله صلى الله عليه وسلم :
" إن كذبا علي ليس ككذب على أحد من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار"
رواه البخاري ..حديث صحيح ...
فلقد لاحظت كارثة وقع فيها الكثيرون دون علمهم من نقل أحاديث فيما بينهم نسبت كذبا لرسولنا الكريم غير أنتشار مقولات " أكتب استغفرا الله وسيأتيك الف*ج .. أو أثبت قوة أيمانك بكتابة لا اله ألا الله !! "
كأن الأيمان بات مرتبط بكتابة هذه الكلمات علنا لتجمع عدد من الاعجابات والتعليقات متغاضين عن ثواب ذكرها في الواقع علي السنتهم !!!
ولذلك توالت منشوراتها للتذكر بالاستغفار ، وبالذكر ، وبالدعاء ، وبقراءة القران حتي لو أية كورد يومي ، وبالتوجه للعبادة بأسلوب هادئ بسيط يحوطه الرحمة متيقنة بالاية الكريمة " فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ " (159) ال عمران
تفاجأت بدخول عدد كبير لها من الفتيات يحتاجون للنصائح فأعطتهن وفقا لدراستها وبما تعلمته وحين يستعصي عليها شيء لا تفتي فيه فخيركم من قال لا أعلم حين لا يعلم ..
--------------------------
في ولاية ت**اس الأمريكية جنوب غرب الولايات المتحدة الامريكية ...
وتحديدًا في اقليم الأحواض والجبال في أقصى غرب الولاية ..
- مرحبا .. كيف حالكم ؟!!
قالها " علي " بابتسامة متكلفة بعد أن اقتحم باب منزل متخفي في أحد جبال الاقليم ..
انتفض علي اثرها باضطراب أربعة رجال بجسدهم الضخم وبعضلاتهم المكتظة من راحتهم بعد أن رفعا كلا منهما سريعا سلاحه الرشاش في وجه ذلك المقتحم لمخبأهم السري ..
ليرفع " علي " كفي يداه في الهواء بشيء من البرود هاتفا بسخرية شديدة :
- مهلا يا رجال أليس لد*كم واجب ضيافة ..
حينها لم يسمع ألا أصوات سحب خزائن الذخائر في أسلحتهم ..
فهبط بذراعيه ليعقدهما علي ص*ره مرددا بثبات أثناء أستناد كتفه علي أطار الباب الرئيسي للمنزل مقوسا فمه بلا مبالاة :
- يبدو أن لد*كم واجب ضيافة من نوع أخر .. لا يهم .. ولكن دعوني أخبركم أولا بشيء وهو أن خزائن أسلحتكم جميعا فارغة !!
جحظت عيونهم باندهاش فثقته الزائدة في حديثه وفي حركة جسده جعل الخوف ينتشر بأريحية في دمائهم .. ليتحدث أحدهم بقلق دفين :
- من أنت ؟ وكيف وصلت لذلك المكان ؟!
ابتسامة سخرية رسمت علي شفتاه متحدثا بتهكم ظاهري :
- من أنا فهذا لن يعنيكم في شيء .. أما كيف عرفت مخبأ عضو مجلس الشيوخ الأمريكي لكم .. لحين يخرجكم في مهماته السرية فأحب أبشركم بأنني قضيت ما يقارب الخمسة أعوام حتي عثرت عليكم لكي أشاهد تلك اللحظة بكلتا عيناي ..
في ذلك الأثناء ظهر رجال " علي " من خلفه يجرون بصندوق حديدي محكم الغلق إلي أن قاما بتثبيته أمامه بعد حدود باب المنزل الأرضي ليغادروا علي الفور ..
ليبدأ " علي " في الحديث مرة أخري بعد أن أتسعت ابتسامته كثيرا :
- ذلك الصندوق به ملك الغابة من أحدي غابات أفريقيا المتوحشة .. والذي شحنته خصيصا لكي يقضي معكم أمسية رائعة .. كنت أتمني أن أشاهدها بأدق تفاصيلها ولكن بعض الخصوصية واجبه أحيانا ... لذلك أراكم أشلاء .. عفوًا أقصد علي خير !!
أنهي " علي " حديثه ملتفتا بجسده للمغادرة ألا أنه ألتفت لهم ثانيا أثناء حديثهم المرتبك بهذيان واضح :
- من سيسمح لك بذلك .. سوف نقضي عليك في الحال أنت لم تعلم من نحن !!
بابتسامه ضعيفة تهكميه تحدث " علي " :
- كلا فأنا أعرفكم جيدا .. تلك العيون حُفرت في ذاكرتي منذ سبعة عشر عاما حتي وأن كانت في الظلام !!!
سحب شهيقا عميق ليزفره في تنهيدة عميقة هاتفا بقسوة مميته :
- هذا البيت جميع نوافذه وأبوابه فور مغادرتي ستتصل بتيار كهربائي بفولت مرتفع لمن يفكر بالفرار من براثن الأسد .. والذي سأفتح له بابه من جهاز تحكم عن بعد حتي لا أقطع خلوتكم ..
قطع حديثه علي صوت أطلاق متتالي من رشاشتهم ..
ليسترسله مرة أخري بسخريه :
- أخبرتكم أنه لا يوجد ذخائر بهم .. ولكن يبدوا أنكم لم تصدقوا ما تفوهت به إلا حين سماع صوت الأطلاق المزيف ... ولهذا سأخبركم بتلك المعلومة كمكافأة لكم وهي أن ذلك الأسد جائع منذ خمسة أيام متكاملة ..
رفع كف يداه في حركة وداع متعارف عليها متحدث بسعادة واضحه :
- وداعا أيها الرفاق ...
قالها ليغادر مغلقا الباب خلفه في وقت زمني قليل معطيا ﻷصبعه الضغط بأريحية علي ذر التحكم .. ليسمع بعدها أصواتهم الصادحة بالصراخ المتوالي يصاحبه زئير الأسد الجائع ثم صوت صاعقة كهربائية عنيفة برائحه كريهة فاحت بقوة في الهواء .. فعلي ما يبدوا أن أحدهم حاول الهرب من أحدي النوافذ ليصطاده أحضان الكهرباء ...
غادر " علي " من ذلك المكان مستقلا سيارته بتشفي ليتبعه سيارة رجاله بصندوقها الخلفي الضخم تاركين خلفهم أصوات نهم الأسد الجائع بتلذذ في أجسادهم ...
---------------------------
مر عامين علي هذا الحال حتي أنهت " هنا " دراستها في كلية لغات وترجمة فورية وأصبحت تلم بشهادة علمية مع شهادتها الدينية ..
متناسيه تماماً حالها كأنثى مع ذلك العقد الذي ربط أسمها مع مجهول أجنبي للأبد ...
في أحدي الليالي تفاجأت بصوت رسالة أتيه علي حسابها فقادها فضولها للتوجه للهاتف وفتحها لمعرفة مضمونها ..
وكانت كالاتي :
" السلام عليكم ورحمة الله ...
أزيك يا هناي أنا سمية ...
متستغربيش أن قولتلك أسمك بالطريقة دي .. لأن فعلا أنت باب هنايا وبداية سعادتي وراحتي بعد الله .. أنا بعتلك الرسالة دي دلوقتي في عز سعادتي أللي منستش ربنا فيها بشكره اولا ثم أنتِ عشان جعلك سبب في طريقي للخير ..
لو تفتكري من سنتين أنهينا حديثنا علي أيه !
أيوه صح .. علي أني أقوي وأنساه وبالفعل بعد عذاب دام لسنه كامله من انهيار وضعف وبكى والاستعانة بالله شفيت من حبه أخيرا .. شفيت من مرضه إللي كان مكلبش في جتتي بتملك .. وبقيت أشوفه زيه زي غيره بل أسوء من غيره بكل عيوبه إللي كانت وضحه قدام عنيا زي قرص الشمس وحبي ليه كان عميني عنها ...
أتشفيت بعد ما وضعت قلبي بين رحمة ربنا والحمدلله ربنا رحمته واسعه ومخذلنيش ...
من عشر شهور جه أنسان خلوق يتقدم ليا أستخرت ربنا وشعرت بالراحة .. وبالفعل أتخطبنا ولقيته أنسان بكل معني الكلمة .. أنسان بيحافظ عليا من مكالمة تليفون وبيقولي بكره تبقي في بيتي وأخليكِ تعيشي الحب اللي هو بجد .. مش حب الإشعارات والأقاويل في الهواتف إللي هي أصلا ليها حرمتها ...
وبالفعل حدث فصدق وأنا الأن صرت زوجته ما يقارب الخمس أشهر وكل يوم في نعيم .. كل لحظة في حب لم أعهده من قبل .. حب مختلفا عن إللي عشته .. فهو حب يفتح أوردتك للعيش .. وقلبك للحياة "
لذلك أشكرك من كل قلبي وجعل نصحك في ميزان حسناتك ..
علي انتهاء الرسالة احتضنت " هنا " الهاتف في عمق ص*رها مرددة بسعادة جياشة وبراحة نفس تامه ...
" الحمدلله رب العالمين الذي وفقني لهذا ولولا فضل الله ما اهتديت اليه "
------------------------------
في أحد الايام المتتالية هبطت الدرج بهرولة ظاهرة ترجع خصلات شعرها الحريري بسواده الفاحم إلي خلف أذنها باستعجال مبين ..
ليفزع كلا من والدتها والجد من جلسة الشاي خاصتهم خوفا من تعثرها .. ليأتيهم صوتها لاهث بعجاله :
- جدو ... ماما ..
خرجت كلمات الجد القلق علي حفيدته الغالية قبل والدتها ...
- براحه يا هنايا علي مهلك ..
ليأتيها صوت والدتها يليه مباشرة بفزع :
- أقعدي وخدي نفسك الأول يا هنا .. !
جلست هنا في مقعد مقابل لهم تهز رأسها بهزات متتالية بالإيجاب مردده من بينهم بصعوبة بالغه :
- حاضر .. أديني قعدت أهو ...
قالت والدتها برضي :
- براڤو عليكِ احكلنا في أيه بقا لكل ده يا روشه ؟!
ضحك الجد وهنا في أن واحد لتردد هنا يليها بتذمر وهي تشير علي ص*رها :
- أنا روشه أنا .. ليه يا أمي مش شيفه قدامك واحده هادية ورزينة والسلم مخدش منها عشر ثواني ...
انطلقت ضحكات الأم والجد دون توقف فها هي تقلب الجلسة إلي مرح طفولي يغمرهم سعادة ، ليسعد قلوبهم ، وتتسع شفاتهم ، وتتراقص أعينهم طربا ...
لترفع كف يدها في الهواء هاتفه بجديه :
- خلاص ضحكنا وفرفشنا ، ندخل بقا في المفيد ..
- أيوه إللي هو أيه ؟!
هتفت بها والدتها بفضول بينما راقب الجد الموقف في **ت حتي يسترسلها علي التحدث .. وبالفعل أتاهم صوتها سريعا :
- أنا دلوقتي كنت بكلم ندا أخ.....
- ندا بنتي مالها هي ولدت ؟!
قالتها والدتها في قلق ليفزع الجد بانتفاضه وبقلق مماثل ليأتيهم صوت هنا باطمئنان :
- يا ماما ندا بخير الحمدلله بس سبيني أكمل وهتعرفي ..
أومأ كلا منها والجد بالإيجاب لتسترسل هنا حديثها سريعا :
- ندا راحت للدكتور وحدد لها ميعاد الولادة أخير بعد أربع أيام فعشان كده أتصلت عليا عشان أروح أقعد معها من دلوقتي لغيت لما تسبع أن شاء الله بما أني فاضية ومخلصه دراسة وموريش حاجه .. فنزلت أخد موافقتكم لو حبين !
حينها أتاها صوت والدتها يهتف بشغف سريعا :
- يا حبيبتي يا بنتي ربنا يكملك علي خير وتقومي بالسلامة ..
لتلتفت بوجهها للجد الصامت مسترسله حديثها برجاء :
- عشان خاطري يا بابا وافق دا أنا قلقانه عليها جدا وخصوصا أنها حملت بعد أربع سنين ميأسناش فيها من رحمة ربنا .. وكان نفسي أكون معها بس مكنتش هعرف أسيبك لوحدك وأهي الفرصة جت أن هنا هي إللي تكون معها .. وهنا أكنها أنا هطمئن بوجودها بعد ربنا .. قلت أيه !!
تحدث الجد بتردد :
- بس كده هنا هتبعد يجي أسبوعين !
أتاه صوت هنا مازحا :
- أيه دا يا جدوا أنت بتحبني وغيران عليا ! .. كنت عرفه أن هيجي يوم وتعترف يا مشاغب !
وكالعادة تعالت ضحكاتهم لتنهي حالة قلقهم ليأتيها صوت الجد بعد انتهاء ضحكاته بنبره راضيه :
- مش قادر أتصور الفيلا من غيرك ..
انتفضت هنا من جلستها بسعادة جياشة هاتفه وهي تحتضن الجد :
- يا حبيبي يا جدو يعني انت وافقت خلاص ..
ليطلق الجد صوته في تحذير مؤكد :
- بس متغ*يش أكتر من كده .. دا أنا لولا غلاوة ندا وظروفها مكنتش وافقت أبدا مهما عملتوا ...
لتتعالي ضحكات رقية عالية هاتفه من بينها بتلقائية عفويه :
- أمال هتعمل أيه يا بابا لما هنا تتجوز وتب....
بترت جملتها حين اقتحما الماضي بقوته في ذهنها والذي تناسته تماما ، أو ربما تداعت النسيان ...
جملتها التي أشعلت فتيل قنبلة كانت ساكنه لسنوات في صدورهم أجمعين ..
ليتحرك الجد بسكون تام ، مطأطئ الرأس إلي داخل غرفته ينعي ما لم ينساه يوما .. متذكرا جرمه الأشد قسوة بل الوحيد في سنوات عمره الكثيرة ..
ليشتد عزيمته إصرارًا بأنه حان وقت الخلاص !!!