رواية للهوى رأي اخر الفصل العاشر 10 بقلم سارة حسن


 رواية للهوى رأي اخر الفصل العاشر 

ينظر إليها بتسلية مع ابتسامة على وجهه يراقب حنقها، تزفر بتأفف وعقدة يدها على صدرها وتهز قدمها دون توقف وعينيها تدور في أنحاء المطعم عداه، تنحنح قاسم وعدل من جانب جاكت حلته متسائلًا:
_ هتأكلي إيه
_ مش هاكل
قالتها وهي تشيح بوجهها للجهة الأخرى، فقال بعد أن فتح قائمة الطعام:
_ ها أختار لك أنا
لم تجب واستمتعت لحديثه وطلبه للإفطار، لم يعقب بعدها والصمت ثالثهما، فالتفتت بعينيها ببطء تنظر له فوجدته مسلط أنظاره عليها، جميلة فيروز، ليست بالجمال الخارق، لكن ملامحها بهية ورقيقة، كل شيء بوجهها صغير ما عدا عينيها السوداء الواسعة برموشها الطويلة الكثيفة، بسيطة في ملابسها حتى في تصرفاتها وتعبيرات وجهها، يعني مثلًا هي الآن حانقة، لكن بمجرد ما قابلت عينيه تخضب وجهها بحمرة حلوة، إن كانت منفرة من وجوده كما تدّعي لما ستتأثر به، كانت فعلت كل شيء عدا أن تأتي، لكنها أتت، ولكنها خائفة يشعر بذلك، ويريد أن يطمئنها بالحدود السامحة بها هي له.
_ بتبص لي كده ليه
ابتسم وبعبث استشعرته بخضراوتيه ومال للأمام قائلًا مباشرة:
_ معجب
عادت فيروز بظهرها للخلف وارتبكت وتململت بجلستها وبتحذير خافت:
_ احترم نفسك
اتسعت عيناه وارتفع حاجباه لأعلى مندهشًا، فشهقت واضعة يدها على فمها بعد ما أدركت ما تفوهت به تلعثمت قائلة:
_ مش قصدي والله، لكن يعني، يوووه بص الزم حدودك
تمتم من ورائها بصدمة:
_ الزم حدودي!
قال قاسم:
_ أنتي، عمر ما حد قدر يقولي الكلمتين اللي أنتي قولتيهم دول
ابتلعت ريقها بتوتر ورغبة بالهروب من أمامه، ما دهىها لتأتي من الأساس، تنهد قاسم وعنف نفسه عن حدته معها، من ثوان كان يفكر في أن يطمئنها فيندفع هكذا، كاد يضحك وهي تضع يدها على فمها، يبدو أنها اندفعت قليلًا.
بهدوء تحدث:
_ لكن أنتي يا فيروز، أنتي وبس مسموح لك تقولي اللي أنتي عايزاه معايا، من غلط طبعًا
أومأت برأسها دون أن تتفوه بشيء، زفر مرة أخرى ونظر لأصابعه التي تطرق على المنضدة:
_ عارفة ليه طلبت أشوفك
انتبهت إليه وارتسمت الحيرة بعينيها، بهدوء أجابها:
_ بهدى، بشوفك بهدى يا فيروز، بحس إني مرتاح، وشعور الراحة لواحد زيي صعب أوي
باستغراب فكرت، ما الذي لا يملكه شخص مثله ويجعله غير مرتاح، ماذا ينقصه حتى لا يشعر بالراحة، فاندفع لسانها متسائلًا:
_ وأنت إيه ناقصك علشان تكون مرتاح، واحد بكل اللي عندك ده كله ما يعرفش يعني إيه خوف من بكره ولا يشيل همه
التوى جانب فمه بابتسامة تهكمية صغيرة لا تُرى، لكن انتباهها الشديد له جعلها تلاحظها، لم تكن مرحة بل كانت ساخرة!
_ أنا عمري ما خوفت من بكرة ولا شلت همه، أنا مشكلتي كلها في إمبارح
قبضت حاجبيها بحيرة من حديثه المبهم، ولم يستنتج عقلها ما يريح فضولها.
_ أنا مش عايز معاكي أفكر في حاجة تضايقني
أخفضت أنظارها وحل الصمت المطبق بينهما، لكن بسؤاله المفاجئ جعلها ترفع رأسها سريعًا إليه عندما قال قاسم:
_ ليه سيبتي بيت جوز أمك
انقبض صدرها فجأة مع معالم وجهها، ونفس مضطرب خرج من فمها مع شعورها بالضيق.
ضيق قاسم ما بين عينيه المتربصة لاضطرابها، لكنها ابتسمت هي الأخرى بمرارة:
_ أمي ماتت، إيه هايخليني أعيش معاهم وهو مش بيتي
_ لكن هو كان بيت والدتك
مسحت جبينها ورغبة في إنهاء الحوار:
_ أمي باعت له البيت

_ باعت له البيت ولا مضّاها على المبايعة من دون علمها؟!

شحب وجه فيروز، فلو سؤاله عن سبب تركها البيت فممكن يكون قد علم من عمها، لكن المبايعة وسرقة زوج والدتها لمنزلهم على علم بها أيضًا، إذا ما الذي يعرفه عنها بعد؟
بترقب وخوفًا من الشعور أمامه بالخزي والكسرة تساءلت بخفوت فيروز:
_ وتعرف عني إيه كمان
انقطعت إجابته لدخول النادل ووضع الفطور، انتظرت بقلة صبر حتى انتهى وغادر، ونظرت لقاسم منتظرة إجابته لها قائلًا:
_ ماكنش زوج كويس وعاطل أغلب الوقت، خد بيت والدتك اللي بالأصل كان بيت والدك اللي توفي وأنتي صغيرة، ماكمّلتِش تعليمك بسبب مرض والدتك واشتغلتي أكتر من شغلانة لحد يوم وفاتها، بعدها جيتي هنا لعمك، ما حبيتش أعرف تفاصيل أكتر لأني حابب أنا اللي أتعرف عليكي يا فيروز
أدارت وجهها عنه للجهة الأخرى، ورغبة آتتها في البكاء، وبصعوبة تماسكت وقالت:
_ ما فيش أكتر من كده
أدرك رغبتها في إنهاء النقاش هنا، يمكن تأثرًا لذكرى والدتها، هكذا قال قاسم لنفسه، فبلطف ناداها واستجابت له، ابتسم لها فجأة، كانت ابتسامته عميقة وجميلة وكأنه يؤازرها في شيء ما حزين في أعماقها، رغم لمعة عينيها بالدموع المكتومة إلا أنها بادلته الابتسامة، وكانت صافية بها من القبول شيء، بها من التفاصيل الكثيرة السعيدة والحزينة والراغب هو في استكشافها.

قاد سيارته هذه المرة دون سائق، ولذلك هي الآن جالسة بجانبه وسيارات حراسته من خلفهم، ينظر إليها من حين لآخر، من وقت حديثهما الأخير وهي شاردة، رغم أنها تجيبه وتحاوره إلا أنها ما إن ينتهي تصمت وتشرد بشيء ما ويجذبها هو مرة أخرى إليه، ويشعر بهمّ ثقيل بداخلها لا يعرف مصدره، لعله مع الوقت يعلمه.

تنظر للطريق من النافذة ولم تعبأ فيروز بسرعته، بل كان الهواء البارد الذي يضرب وجهها يشعرها بالاسترخاء، متحيرة منه ومن اقتحامه لحياتها التي تجاهد لتبني لنفسها شيئًا فيها، شيئًا يجعلها تشعر بالكرامة والآدمية، دون أن تُذل على لقمة ومأوى أو يُغتال شرفها عنوة وتصمت خوفًا.
انتبهت أنه ليس طريق بيت عمها، رغم أنها لم تحفظ الشوارع جيدًا، لكن طريق بيت عمها لم يكن على أطرافه بحر!
رائحة اليود امتلأت أنفها والهواء بدأ يزداد، التفتت برأسها إليه فجأة وهتفت به بارتياب:
_ إنت جايبني هنا ليه؟
ابتسم بعبث وأجابها قاسم:
_ هاخطفك.
وكان خطأ لقاسم أن يتفوه بتلك الكلمة الآن مع فتاة مثلها، وفور ما أنهى جملته وتوقف بسيارته، فتحت بابها وركضت منها بأقصى جهدها دون أن تفكر مرتين. صُدم قاسم من فعلها وناداها ولم تجبه، فنزل وأسرع من خلفها وهي مستمرة بالركض وكأن هناك وحش مفترس من خلفها. للمرة الثالثة تتخذ ركضها أقرب وسيلة لها للهروب منه، وعندما شعرت بخطواته قريبة جدًا من خلفها صرخت، فجذبها من ساعدها ولفها إليه بقوة، ثم أمسكها من ذراعيها خشية من ركضها منه، وبأنفاس لاهثة هتف بها بغضب:
_ إنتِ مجنونة! إنتِ بتجري كده ليه؟
تلوّت من بين يديه هادرة به باندفاع:
_ والله لو فكرت تقرب مني هاصوت وألمّ عليك الناس وأقول لعمي وأفضحك في كل مكان.
لن تتوقف فيروز عن إدهامه، بأفعالها غير المتوقعة واندفاعها العدائي أحيانًا دون مبرر حقيقي.
هزها فتحركت بين يديه كالورقة، معنفًا:
_ وإنتِ فاكرة لو عايز أعمل فيكي حاجة هاجيبك هنا؟! ثم إني ماليش في السكة دي وخيالك المريض هو اللي بيصوّرك كل حاجة شمال.
سكنت فجأة ونظرت إليه بترقب وصدرها يعلو ويهبط:
_ يعني إنت مش خاطفني؟
دفعها وتركها بعنف حتى تراجعت خطوتين، ملوحًا لها بحنق زافرًا أنفاسه وهو يعدل من جاكيت حلته:
_ يا شيخة اتنيلي، فرهدتيني!
ثم نظر للحراس المترقبة أوامره هادرًا بها بغيظ:
_ شكلي أنا إيه قدامهم وأنا بجري وراكي كده؟!
عضت على شفتيها بخجل ويبدو أنها تسرعت واندفعت بعقلها بسوء الظن به، بخفوت قالت فيروز معتذرة:
_ آسفة.
حرك رأسه يمينًا ويسارًا واضعًا يديه على خصره:
_ إنتِ ليه بتخافي مني؟
نظرت لأسفل لبرهة وقالت بوضوح:
_ لأنه يتخاف منك. أنا مش عارفة إنت عايز من واحدة زيي إيه، أنا ما عنديش حاجة أديهالك، وكل تصرفاتك بتقلقني أكتر. أنا مش شبهك ولا شبه البنات الحلوة زي اللي كانوا في الحفلة، أنا مش قدك، وراجل زيك عايز ست تليق بيه. لأول مرة بطلب منك حاجة يا قاسم بيه... سبني في حالي الله يخليك.

التقطت نفسًا بعد ما قالت كلماتها دفعة واحدة، انتظرت إجابة منه ولم يصدر سوى صمت، وصوت الأمواج من حولها والهواء يعبث بشعرها الناعم الذي خرجت خصلاته من الجديلة التي صنعتها لنفسها في الصباح. رفعت عينيها إليه ببطء وتصنمت مكانها من عينيه الثابتة عليها لا تحيد. عينيها السوداء الكبيرة الواسعة المتحيرة الخائفة بلمحتها البريئة مع عينيه ذات الزيتون الأخضر الممزوج بالعسل، تربكها وتزيد من رغبتها بالفرار، فهي ليست قادرة على مواجهة شخص مثله.
تحرك قاسم عنها مبتعدًا وأصبح بمواجهة البحر بأمواجه التي تزداد هياجًا والشمس التي غابت فجأة وافتَرشت الغيوم السماء. نظرت لخلف ظهره المشدود ويديه في جيبي بنطاله، وكل إنش وتصرف منه يصرخ بالثراء والأناقة.
عينيه تنظر للمدى أمامه، يحدث نفسه: أهو لا يعرف كل ما قالته؟ يعرفه ويدركه وتغاضى عن كثير منه مستسلمًا لتلك الرغبة الأولى في الاقتراب من فتاة سحرته من اللقاء الأول...

ناعمة وذات سحر خاص بها، حنين بداخله لشيء ما يشعر به معها، جزء مفقود تعب من البحث عنه وعثر عليه. لم يكن من رجال الأعمال متعددي العلاقات النسائية المشبوهة، لذلك علاقته بتلك الفتاة الجميلة من خلفه ليست شهوانية، تشبه الاشتياق لماضٍ سعيد أو لمنزل قديم كان مليئًا بالضحك والحب، حضن... حضن شخص فارق الحياة كان يشعرك بالأمان والدفء.

نظرت حولها من المكان الخالي إلا منهما والبرودة التي بدأت تتسلل إليها من تقلب الطقس.
التفت إليها ونظر لها بملامح مرتخية رغم أن عينيه تشبه الغيوم من خلفه:
_ إنتِ عارفة أنا عندي كام سنة؟
حرّكت فيروز رأسها بالنفي، فقال قاسم:
_ 34 سنة، إنتِ فاهمة يعني إيه راجل بعمري ده عمره ما دخل في علاقات نسائية من أي نوع؟ أنا عمري ما كنت مهووس بالستات رغم إنهم بيترموا تحت رجلي وموافقين بأي صورة أحطهم فيها، لكني مش كده. قدرت بعمري ده أكون ثابت مسيطر على تصرفاتي...

كانت منتبهة بشدة وعينيها مرتكزة عليه رغم اندهاشها المرسوم بهما وقراءته هو بسهولة، فاقترب منها ولم تتحرك من مكانها حتى وقف قبالتها وقال بخفوت هادئ:
_ تقدري تقولي لي إزاي راجل بكل الثبات ده يقف في وسط حفلة بكل رجال الأعمال والصحفيين اللي فيها وأجي لحد عندك وأرقص معاكي من غير حتى ما أعرف اسمك؟ كل اللي كنت عايزه بس إني أقرب منك وألمسك، مع إني شوفتك قبلها بأيام قدام عربيتي وعينيكي يومها فضلت في دماغي، وعن قصد بعت دعوة الحفلة بعدد زيادة لكمال علشان تيجي. ضيعت الثبات والإرادة، والقدر كان حليفي بكل مرة بشوفك. رغبة غريبة جوايا بتشدني ليكي وإحساس مش قادر أتجاهله، علشان كده طلبت أشوفك فجأة يمكن علشان تقفي قدامي دلوقتي وتسمعي كلام أنا ماكنتش مرتب أقوله.

كانت مبهوتة أمام كلماته، مرتبكة من ذلك الإحساس الذي يدغدغ أوصالها. حمرتها اللذيذة طفت على وجنتيها وبصعوبة دارت عينيها عن أنظاره المرتكزة عليها، فقضب جبينه رافضًا هروب عينيها عنه، فنادى باسمها بخفوت وبصعوبة رفعت عينها إليه، فابتسم وكان أجمل رجل رأته في حياتها يبتسم، له جاذبية خاصة وكلماته لازالت متأثرة بها، وإحساس بالخجل والثقة أن رجلًا مثله يحدث امرأة مثلها بتلك الكلمات.
_ فيروز، متخافيش مني.
وكانت من أجمل الكلمات وأكثرها احتياجًا لها في ذلك الوقت. الأمان... كلمة بدت غريبة على مسامعها في عمر عاشته خائفة... ورغبة منها في تصديقه، لشخص ترمي عليه مخاوفها وبنهم تستقبل كلماته المطمئنة لها... إنه هنا، إنه موجود.

ولم تدرِ بتلك الدمعة التي تسللت من طرف عينيها، عبس قاسم ثم رفع يده وبإصبعه مسحها وهمهمة خرجت منها لم تصل إلى مسامعه، فأتساءل بقلق وأجابته همسًا ناعمًا معلنة راية قلبها:
_ أرجوك... ما تخذلنيش.

كوب وجهها بين يديه وانتفض قلبه لخوفها الظاهر في عينيها، مسح بإبهاميه وجنتيها وبنظرة مطمئنة أهدَاها وقال:
_ أوعدك... هاعوضك عن كل اللي فات بعمرك.

وكان أول وعد يخرج من فمه أمره من قلبه، والقلوب لها عهود أخرى، والالتزام بها ليس من السهل، خصوصًا والماضي المجهول لكل منهما بدأ يطفو على السطح مرة أخرى...

.................

واقفة بجانبه، منحنية قليلًا، ممسكة بمجموعة من الأوراق يزينها بإمضائه، وخصلة ناعمة تسقط على وجنتها فتزيحها للخلف ويتتبعها موسى بعينيه...
أغلقت الملف ووقفت بأناقة متجهة للباب.
_ دهب.
توقفت خطواتها والتفتت إليه قائلة بصوتها الساحر:
_ نعم.
عاد موسى بظهره للخلف قائلًا:
_ جهزي نفسك بالليل عندنا شغل.
ضيقت عينيها متسائلة:
_ شغل؟ فين؟
أتاها رده المبهم:
_ هتعرفي بالليل، هاعَدّي عليكي الساعة 9.

..............

تحارب الوقت حرفيًا، أخذت دهب الكثير والكثير من الوقت لاختيار الفستان وأشيائه. أصدر هاتفها رنينه، فأسرعت إليه بلهفة، انتشلت حقيبتها وألقت على نفسها نظرة سريعة في المرآة وبخطوات سريعة نزلت إليه.

تباطأت خوفًا من سقوطها بحذائها العالي، فأصدر صوتًا رتيبًا ملفتًا جعله يعرف بقدومها قبل أن تظهر، وتطل عليه كما الآن...
تسير كعارضات الأزياء بقوامها الممشوق، فستانها الناري أضرم في صدره الحمم، ملتف حول جسدها بنعومة، شفتيها مصبوغتان بلون الفستان، تبتسم إليه بسحر، أما عينيها، فقصة أخرى... تحمل الثقة والغرور والإغواء والحدة عند الاقتراب في آن واحد.

ليس عليها أن تكون بمثل ذلك الجمال كله، وليس عليها أبدًا أن تظهره دائمًا.
أصبحت أمامه وقالت دهب بابتسامة ناعمة:
_ أول مرة أجهز لشغل مش عارفة هو فين.
مال موسى للأمام قليلًا، فأخذت بقربه قائلة:
_ ولو قلت لك ما فيش شغل أصلًا؟
لمعت عينيها وحركت أحد كتفيها بدلال:
_ أمال خارجين ليه؟
أجابها بصوت هادئ رجولي:
_ عازمك... ينفع؟
عادت جانب شعرها للخلف وقالت هامسة:
_ المهم إني معاك.

أخذ موسى نفسًا عميقًا يهدئ من نفسه ويمسك زمام مشاعره كعادته والتي تبعثرها دهب...

..............

تركض في النادي كعادتها، تحب أن تعطي لنفسها بعض الوقت بمفردها مع أكثر رياضة ممتعة بالنسبة لها. تجاهلت المجموعة التي ما إن تواجدت أثارت انتباههم وابتدؤوا في الغمز واللمز عليها، تعرفهم وتعرف صداقتهم غير المرضية لها مع ياسين، معروف عنهم العبث والانحطاط والفشل.

توقفت تلتقط أنفاسها من ركضها ورفعت زجاجة الماء وتجرعت القليل منها، تدخل ذلك الشاب وبتهذيب قال:
_ أسيل، كنتِ مختفية فين كل ده؟
أجابته وهي تضع الزجاجة بجانبها:
_ عادي يا أسر، من إمتى وأنا ليا ميعاد هنا؟
_ وجودك الفترة دي بالذات مهم.
التفتت له والتوى فمها بابتسامة تهكمية:
_ ليه، عاملين مسابقة من مسابقاتكم الهايفة بتاعتكم؟
ابتلع إهانتها وأخفض رأسه قائلًا:
_ لا، علشان ياسين.
انتبهت له وضيقت عينيها بتركيز:
_ ياسين!
_ أيوة ياسين، شوفته رجع يسهر تاني، والشباب كلهم حواليه، والسهرة ما تبقاش سهرة من غير شرب، ودلال حاطاه في دماغها.
احتقن وجهها وأبعدت بعينها عنه مجيبة:
_ ما حدش بيضرب حد على إيده يعمل الغلط يا أسر، اللي عايز يعمل حاجة بيعملها.
قضب جبينه باهتمام متسائل:
_ إنتِ بتحبي ياسين؟
عضت على شفتيها السفلية وشعور بالحرج، ليس حرجًا من الحب ذاته، بل من صاحب القلب وأفعاله.
_ أنا أتأخرت ولازم أمشي.
استوقفها باهتمام بالغ وبتأثر لها قال أسر:
_ عارف إحساسك يا أسيل، لكن صدقيني الحب لوحده مش كفاية، إنتِ تساهلي راجل يصونك.
ابتسمت له ابتسامة صغيرة وجذبت حقيبتها الرياضية، وقبل أن تغادر قالت:
_ راجع نفسك يا أسر، إنت مش شبه الصحبة دي.
_ مش يمكن مستني اللي تمد لي إيدها وتبعدني عنهم؟
ارتبكت أسيل من عينيه ونظراته لها، فلم تجبه وتحركت مغادرة.

تتبعتها عينيه من خلفها حتى غابت عن أنظاره، التفت برأسه للجهة الأخرى فَقابلته دلال الجالسة وسط مجموعتهم مشيرة له بإبهامها لأعلى علامة التأكيد، أبعد عينيه عنها ونظر لمكان مغادرة أسيل وقد ضاعت نظرته العبثية وحل مكانها تلك المتمنية لشيء ثمين نادر الحصول عليه.

تعليقات