رواية للهوى رأي اخر الفصل الحادي عشر 11 بقلم سارة حسن


 رواية للهوى رأي اخر الفصل الحادي عشر 

حط النادل قائمتي الطعام أمامهم وانصرف بهدوء، دارت عينيها على المطعم الراقي والموسيقى الهادئة المنبعثة من البيانو البعيد، راقبته وهو يرسل شيئًا ما على هاتفه..
أنيق ومهيب، حلته السوداء المتناسقة عليه وذقنه الحليقة مع إحدى شعيراته الفضية على جانبي شعره، أعطته مظهرًا من الرجولة والجاذبية لا يستهان به..
ترك موسى هاتفه وابتسم لها باعتذار، عم الصمت قليلًا اخترقه صوت دهب:
_ المكان حلو أوي
أومأ موسى برأسه مجيبًا:
_ فعلًا، وبتفائل به كمان
تحدثت دهب بفضول:
_ إيه سبب وجودنا هنا، يعني مادام مش شغل جايين ليه
ابتسم ابتسامة بسيطة قائلًا:
_ مش قولت لي المهم إنك معايا
عضت على شفتها السفلى دون أن تنتبه، ولم تُجب...
انتبهوا فجأة لصوت مشادة بين شاب وفتاة بجوارهم، الفتاة تهتف به بعصبية وبكاء تحاول التحكم به، والشاب يحاول أن يهدئ من روعها، ويبدي اعتذاره عن خطأ فعله ربما سبب بكاءها، ولكنها تدفعه عنها وتسحب يدها، التفت الشاب حوله ورأى بعض الأنظار المسلطة عليه، ارتسم على وجهه علامات الإحراج ولكنها لم تسمعه، فقط أخذت حقيبتها وركضت للخارج وكان هو خلفها بعد أن قام بدفع السحاب.
نظر إليها موسى وهي تتابعهم بانتباه متأثرة ببكاء الفتاة حتى خرجوا من المطعم في نقاش لم ينتهِ على أبوابه..
انتبهت لحالها وتسائلت بحيرة:
_ تفتكر هيعرف يراضيها، تفتكر بيحبها؟
كانت إجابة موسى:
_ مافيش راجل هيستحمل انهيار ست إلا لما يكون بيحبها، هو عارف كويس مفاتيحها وإزاي يعرف يراضيها

إجابته الواثقة حيرتها، هل جرب شعور الحب!
بالتأكيد، ورجل مثله وفي عمره ستتركه النساء هكذا!
لكن لأي درجة وصلت به مشاعر الحب، هل تحمل الانهيار، وأدرك كيف يدلل حبيبته.. كيف كان شكلها، كانت جميلة أم رائعة الجمال.
حرّكت رأسها وحاولت ألا تُطفئ حماسها بوجوده الليلة، وأعادت تركيزها إليه، ولم تستطع منع نفسها من سؤالها المفاجئ:
_ كلامك بيقول إنك مجرب
ابتسم ولم يتفوه بشيء
صمتت وقد تسلل لديها شعور خبيث بالغيرة...
شعرت أنها بحاجة للانفراد بنفسها قليلًا،
وقفت دهب معتذرة متجهة للمرحاض.... مستندة بذراعيها على الرخام البارد، تنظر لنفسها بحيرة، وشعور غريب يغلب عليها، تخشى على نفسها من أن تنساب الخيوط من بين أصابعها دون أن تكون منتبهة، أصبحت لا تعرف ما نتائج ما تفعله، خصوصًا وأن موسى يجعلها تحتار أكثر...
كل هذا لا يقارن بالخوف والرعب من أن يعرف رابطة الدم بقاسم عمران، لا أحد يعرف صلتهم أبدًا ولا هو بالتأكيد، موسى لو عرف رابطة الدم بقاسم سيكون أول الخيط في الكرة، وبعدها ستتوالى معرفته بكاميليا وتاريخها ولن يكون في صالحها أبدًا...
أخذت نفسًا عميقًا وتحركت للخارج..
دهب.. يا دهب
التفتت لمصدر الصوت وأجفلت من رؤيته، الآن وفي ذلك المكان تحديدًا،
سامح الشناوي، لا ينقصها أبدًا
استدارت كليًا إليه، بينما قال وعينيه تدور على جسدها بوقاحة:
_ ده أنا حظي حلو إني أقابلك هنا
أجابته دهب بفتور:
_ أهلًا سامح بيه، إزيك.. وإزي إيدك
قالتها باستهزاء، فأثارت حنقه واغتاظ من برودها قائلًا:
_ استغربت أول ما شوفتك هنا، لكن لما عرفت بوجود موسى رشيد، عرفت على طول إنك ما بتضيعيش وقت

نظرت إليه من أعلى لأسفل باحتقار من شأنه، وقررت تجاهله منعًا لإثارة المشاكل هنا وبحضور موسى، لكن بمجرد ما نظرت لاتجاه مكان موسى وجدته قبالتها مباشرة..
نظر موسى لكل منهما، بينما قال سامح بتلعثم:
_ موسى بيه، حظي حلو إني شوفت سعادتك، وكنت حابب أسلم على سيادتك بس خوفت أزعجك
قال موسى بصوت هادئ مريب:
_ ما حبتش تزعجني فا توقفت المساعدة بتاعتي في ممر الحمامات
ارتبك سامح وتلعثم أكثر، ونظر لدهب ثم إليه قائلًا بضحكة مرتبكة: _ دهب! دهب أنا عارفها وكانت بتشتغل معايا فترة طويلة، وحضرتك أكيد شوفتها في مكتبي
نظر موسى إليها وبصوت آمر قال: _ استنيني في العربية
اتسعت عينيها وارتسم الرفض والتمرد بهما وكادت تهتف معترضة، إلا أن شرار عينيه جعلها تنفذ أمره بغير رضى.

وضع موسى يديه في جيبي بنطاله وهتف به بحزم:
_ اسمها الآنسة دهب، ومش مسموح لك تشوفها في أي مكان وتفضل فيه.. ده لمصلحتك
اضطرب مكانه واعتلى وجهه الصدمة، فقال بارتباك وخوف:
_ موسى بيه، هو صدر مني شيء ضايق سيادتك أو ضايق دهب أنا
قاطعه موسى فجأة، ووضع ساعده على رقبته من الأمام واصطدم بها الرجل من الخلف وقد اتسعت عيناه على أقصى مدى..
وخرج صوت موسى مرعبًا:
_ انطق اسمها مرة كمان وهاقطعلك لسانك، وعملتك الوسخة معاها واللي سايبة علامتها في إيدك، مش ناسيها وحظك الأسود وقعك معايا

أومأ الرجل برعب وقد احمر وجهه من الاختناق والخوف، تركه موسى وعدّل من حلته بهدوء مع نظرة ازدراء أخيرة وجهها له وتركه يلتقط أنفاسه ماسحًا حبات العرق على جبينه خوفًا من غضب موسى رشيد.....
.......
دخلت مروة غرفة أخيها متأففة، تجذب ما تطاله يدها في حاوية الغسيل، فبالطبع لو كانت فيروز ما زالت هنا لكانت تولت أعمال المنزل وخدمتهم قسرًا كما كانت تفعل دائمًا، أما الآن وبالرغم من أنها تترك المنزل متسخًا وغير منظم أغلب الوقت إلا أن يوم ما تفعل ما واجب عليها مع أخيها ووالدها يكون يومًا ممتلئًا بتأففها وصراخها أنها ليست بخادمة لهم وتمن عليهم بتلك الأعمال تفضلًا منها رغم حنقها المستمر.
جذبت الوسادة ونزعت كسوتها فسقط من تحتها ظرف بجانب قدمها، انحنت وجذبته بفضول وللحظات واتسعت عيناها بشهقة عالية غير مصدقة ما بين يديها، ثم لمعت عيناها بكره شيطاني متأنية في النظر بتمهل بتلك الصور التي التقطها أخيها خفية لفيروز في أماكن متفرقة بالمنزل وخصوصًا غرفة نومها، بملابس نومها وبغرفتها بأريحية بمفردها، وأخرى وهي منحنية على الأرض تمسحها وأخرى وهي تسند والدتها للمرحاض فانكشفت ساقاها وغيرها من الصور التي التقطها لها من هاتفه خلسة بدناءة وقاحة منه وقام بطباعتها لنفسه المريضة، لكن ما فاجأ مروة بالفعل وجعلها تشعر أنها حصلت على كنز يدنس شرف الأخرى ويحط من شرفها، تلك الصور وأخيها يقوم باغتصاب فيروز قريبًا منها للغاية ويقبلها بشراسة ويده تتجول على جسدها الذي انكشف إثر تمزق ثيابها مستبيحًا ما ليس له، ابتسمت وهي تفكر بمدى أهمية الصور لو قامت باستغلالهم بشكل صحيح حتى تحصل على أكثر استفادة منهم.

بإشراقة تواجدت فيروز في شركة عمها، من بداية اليوم وهي متحمسة ولقاء أمس يبعث في نفسها البهجة، استعدت للذهاب لمكتب عمها بعد ما علمت بطلبه إليها، دخلت بأدب واستقبلها كمال بود قائلًا:
_ اقعدي يا بنتي
امتثلت فيروز وجلست بابتسامة ممتنة، قال كمال لها:
_ مرتاحة في الشغل هنا؟
_ الحمد لله، أنا لو فضلت أشكر حضرتك على الفرصة دي مش هقدر أوفيك حقك أبدًا
_ ما تقوليش كده أنا قلتلك إنك زي أسيل
ثم صمت قليلًا وبجدية قال:
_ بس ليه شايف إنك مش متمسكة بالفرصة زي الأول يا فيروز؟
على الفور تساءلت بقلق:
_ ليه حضرتك بتقول كده؟
_ قاسم عمران
وعلى ذكره تراجعت بظهرها للخلف وبحيرة هتفت:
_ ماله؟
تحرك القلم بين أصابعه وبعينين بهما الكثير من الحديث والتساؤلات:
_ مش شايفة إن دخول قاسم حياتك كان سريع جدًا، يعني إنتِ ما تعرفيش كل حاجة عنه
بحيرة قبضت حاجبيها وبعدم فهم هتفت:
_ أنا مش فاهمة في إيه، وإيه علاقته بالشغل هنا؟
ترك القلم وتراجع بظهره محدقًا بها:
_ قاسم طلب مني إنك تشتغلي في شركته، حقيقي فاجأني بطلبه ده
أخفضت رأسها حرجًا من فعلته دون حتى أن يخبرها بالأمر، فأكمل كمال بجدية:
_ كنت أحب إنك تيجي وتحكي لي لكن قاسم ما استناش وكان واثق من طلبه
بارتباك رفعت رأسها وهي تفرك يديها ببعضهما قائلة:
_ أنا كمان اتفاجئت بطلبه ده، قاسم بيحاول يقرب مني وأنا خايفة ووضحت له ده فكان كلامه إنه عايز فرصة أعرفه وإنه يكون موجود في حياتي، وعمري ما كنت هاخد خطوة في أمر من غير ما أرجع لحضرتك فيه
أومأ برأسه باستحسان وأجابها مسترسلًا:
_ قاسم جزء كبير من حياته غامض ومش معروف، سفره وهو صغير ورجوعه رجل أعمال قوي الكل بيعمل له حساب، تاريخ والده في عالم رجال الأعمال ساعد إن اسم عمران ما يتنساش لكن قاسم رجعه أقوى وأشرس، مش بخوفك يا فيروز لكن عايز أوضح لك جزء من الصورة اللي الكل يعرفه أما الباقي لو قررتِ تديله فعلًا مساحة في حياتك يبقى إنتِ اللي هتعرفيه لوحدك أيًا كان هو إيه
تسلل الخوف قلبها مرة أخرى، وبحيرة نظرت له تطلب المساعدة بخوف ورجاء، تستمع لكلام عمها والتي تشعر أن في أعماقه يحذرها من الاقتراب، أم تستسلم لذلك الذي وقف أمامها أمس يطلب وصالها، تتجاهل ذلك الشعور بداخلها وحالة الشغف الحديثة أم تهرب ولا تنظر للخلف؟ خرج صوت عمها وأخرجها من شرودها، فانتبهت له وجدته يبتسم لها بطمأنينة قائلًا:
_ ما حدش يقدر يجبرك على حاجة يا فيروز، وقاسم لو في نيته يدخل البيت من بابه يبقى لازم يعرف إن الحكاية مش سهلة كده

أخذت نفسًا وأومأت برأسها عدة مرات، فأكمل وهو يتلاعب بقلمه مرة أخرى وذات مغزى فهمته قال:
_ وبالنسبة لطلبه هو...
ضحكت بتأييد مشاكسة:
_ مرفوض
التوى فمها بابتسامة مشاغبة من رنينه المتواصل، ويظهر أن عمها أبلغه رفضه لطلبه فور خروجها، بتردد جذبت هاتفها وأجابته، فقابلها صوت قاسم قائلًا دون مقدمات:
_ الكلام اللي وصلني من عمك ده كلامه ولا كلامك
عضت على شفتيها مجيبة بتمهل:
_ وهتفرق معاك
_ هتفرق يا فيروز، لو قرار عمك هاعرف إنه مجرد خوف عليكِ من علاقة جديدة، لكن لو منك إنتِ حاجة تانية وبصراحة مش هاقبله كمان
التوى ثغرها وتساءلت برقة مترقبة:
_ امممم طب لو مني
ابتسم على الجانب وتحرك بكرسيه الجهتين وبسليه أجاب:
_ هاجيبك هنا وتبقي جنبي وهاعرف أقنعك برضه
ابتسمت فيروز بخجل، وتخيل هو حمرتها الوردية، استقام واقفًا أمام نافذته الكبيرة قائلًا:
_ كان نفسي فعلًا تقبلي تيجي هنا

_ إنت جريء أوي أنا مش متخيلة جُرأتك وإنت بتطلب من عمي طلب زي ده
التمعت عيناه وابتسامة صغيرة على شفتيه وبثقة قال:
_ إنتِ لسه ما تعرفينيش يا فيروز، أنا صبور جدًا، واللي عملته مع كمال مش جُرأة أبدًا، أنا عملت كده علشان عارف أهميته عندك، لكن لو ما كانش كده كنتِ هاتبقي دلوقتي قدامي، لما بعوز حاجة بعرف آخدها كويس وبالرضا مش بالغصب

قطبت حاجبيها مرددة ببهوت:
_ حاجة!
أجاب سريعًا:
_ تعبير مجازي طبعًا أكيد ما أقصدش كده
_ وما أعرفش عنك إيه تاني يا قاسم
ارتفع حاجباه وقال بهدوء رغم صوتها الحانق:
_ أول مرة تقولي اسمي من غير ألقاب
ضمّت شفتيها تؤد ابتسامة خائنة فأكمل هو:
_ ما تعرفيش عني حاجات كتير يا فيروز، بس أهم حاجة عايزك تعرفيها إن طبع الخيانة مش فيّ، وحظه الوحش اللي يخون قاسم عمران لأني ما بسمحش فيها ولا بسيب حقي
صمتت هي من حدة صوته واستمتعت إليه يأخذ نفسًا وبصوت هادئ عكس ما كان من لحظات قال بعبث:
_ ما قولت تيجي هنا وتعرفيني على مهلك من قرب مش راضية
استمع لضحكتها قائلة:
_ ما ينفعش أعرف عن مسافة شوية
_ خايفة ولا إيه
_ ما دام مش من طبعك الخيانة يبقي مش هتأذيني، الخيانة مش بس عاطفية، في خيانة أمانة كمان، وأنا اديتك الأمان يا قاسم
تضخم صدره وابتهجت ملامحه حتى خضار عينيه أصبح بلون الزرع الأخضر الفاتح:
_ يعني بعد الكلمتين دول وفوقهم اسمي اللي قولتيه مرتين هاصبر، هاصبر لحد ما ترضي وتيجي لهنا

.................
على حين غرة استيقظ ياسين على عدة نغزات بكتفه وصوتٍ يجبره على الاستيقاظ، اعتدل بضيق معنفًا الواقف أمامه:
_ إيه يا بني آدم ده إيه جايك هنا وعايز إيه
أجابه آسر جالسًا أمامه:
_ جاي أسأل عليك وأشوفك مختفي ليه، غلطان أنا يعني
_ يعني ما كانش ينفع تسأل وأنا صاحي لازم تصحيني من أحلى نومة كده
أخرج ياسين علبة سجائره، وضع واحدة في فمه وأشار بالعلبة لياسين الذي أخذها باحثًا عن قداحته بجانب فراشه، ولكن استبقه آسر وأشعل له سيجارته من قداحته، نفَس كلاهما الدخان من أنفيهما وأفواههما، شك ياسين في التبغ فتساءل بتوجس:
_ السيجارة دي محشية مش كده
غمز آسر بعينيه وبابتسامة خبيثة:
_ محشية لوز، اصطبح يا عم بس الأول
ألقى ياسين عليه بعض السباب وداسها في الطبق بجانبه، وأشعل سيجارة من علبته خالية من المخدرات، بغيظ هتف آسر:
_ ده إنت مش وش نعمة في حد يطفي دي
أشار له ياسين محذرًا:
_ آسر أنا ما بشربش عمال على بطال، دي تفاريح لزوم قعدتكم الـ ##، إنما أنا أحب أكون فايق
_ ما لازم تبقى فايق، وهو فيه حد تبقى معاه أسيل وينام
احتدت ملامح ياسين ونهض فجأة قابضًا على مقدمة قميصه بغضب وهدر:
_ مالك إنت ومال أسيل، إنت هتسطّل عليا ياض
نفضه آسر واستقام قبالته بصوت مرتفع:
_ أنا مش مسطول يا ياسين ولا قولت كلمة وحشة عليها، بالعكس، أنا عايز أوعيك، أسيل بقت تيجي النادي كتير وتقعد فترات طويلة وإنت مش معاها، والعيال الملزقة هناك يبحلقوا فيها ويضايقوها، لكن صاحبك واسألها ما عدتش الحدود أكتر من السلامات
لكزه ياسين في صدره بنبرة جادة:
_ ولا حتى السلامات، على الله أعرف إن حد من شلتكم قرب منها ولا كلمها، ما جربتوش إنتو لسه قلبة ياسين الزهيري
كتم غيظه وسبه على طرف لسانه قائلًا بغيظ مكتوم:
_ ما إنت من الشلة يا ياسين
ابتعد عنه متوجهًا للمرحاض متمتمًا ساببًا شلته وجمعهم، وقبل أن يدخل نظر في ساعة هاتفه وتركه على طرف الفراش دون أن يغلقه من زر الطاقة وأغلق الباب من خلفه، ولم يرَ عينَي آسر التي تحولت لكتلتين حمراوين من الغيظ والكره والغضب، ثم أخذ متعلقاته وخرج غير راغب في رؤيته مرة أخرى.

............
انتهى دوام اليوم وفي الممر بعد ما خرج أغلب الموظفين من الشركة ولم يتبقَ سوى القليل المتفرقين، استعدت فيروز للخروج بعدما تغلب عليها الإرهاق والتعب، سارت في الممر وأمام المصعد وجدت عمها في انتظاره، توقفت بريبة وهي تراه يستند بيده على الحائط ويده الأخرى على موضع صدره ووجه شاحب للغاية، ركضت إليه فيروز تسنده متسائلة بقلق:
_ عمي مالك إنت كويس
أجابها بصوت متعب لاهث من بين كلماته البسيطة:
_ مش عارف آخد نفسي
بحثت حولها عن من تطلب منه المساعدة ولم تجد أحدًا، فنظرت إليه وقالت:
_ طب في دواء بتاخده
لم يُجبها وازداد الدوار حتى إنه بدأ في الترنح في وقفته، تحفزت فيروز لسقوطه فسريعًا جذبت أحد المقاعد وجلس عليها، وما جعل الدماء تهرب من وجهها هو سعاله المستمر بالدماء، فركضت بسرعة دون إهدار للوقت تبحث عن السائق للذهاب للمشفى، ووجدته في انتظاره فجذبته من يده صارخة بخوف حقيقي أن عمها متعب وبحاجة للمشفى، وفي خلال دقائق قليلة كانت أمام إحدى المشافي الكبرى والمسعفون يأخذون كمال إلى الداخل لفحصه، كانت فعلًا ترتعش كليًا، وعقلها مشوش وخائفة.

التفتت من حولها بتيه وقلق من إصابته بمكروه، لقد كان منذ ساعات قليلة يحدثها أنه بجانبها واقفًا بجوارها دائمًا، لم تتخيل أنه بعدها سيكون في المشفى بحالة صعبة كما رأته، بدأ الفزع يحل محل التيه عندها ورهبة الفقد تسيطر عليها، ولحظات ترقب كانت مماثلة لوالدتها قبل أن يعلنوا أنها فارقت الحياة، اغرورقت عيناها بالدموع وبرتعاش جذبت هاتفها وبدون تفكير مرتين ضغطت زر الاتصال وجاء الرد من الجهة الأخرى فقالت بصوت ضائع:
_ قاسم...

تعليقات