رواية انتقام الوريثة الفصل العاشر 10 بقلم اسماء حميدة



 رواية انتقام الوريثة الفصل العاشر بقلم اسماء حميدة


على الجانب الآخر من المدينة وفي ركن هادئ من مكتبه الواسع وقف جاستن مدهوشا كأن صاعقة قد نزلت من السماء واستقرت على سمعه يده المعلقة في الهواء لا تزال قابضة على الهاتف وعيناه شاخصتان نحو اللاشيء بينما صوت بيلا البارد القاطع لا يزال يتردد في ذاكرته كما لو كان صدى صفعة على وجه كرامته 

تلك النبرة الحسم البرود الذي لم يعتده منها 

أكانت تلك هي المرأة نفسها التي ذات يوم انهارت باكية متوسلة ألا يتركها

عبثا حاول إقناع نفسه أن الأمر لا يعنيه لكن شيئا ما في صدره كان يغلي كمرجل لا تهدأ نيرانه 

أكان كل ما بينهما سرابا ثلاث سنوات من العمر ألم تترك له فيها ذرة مشاعر

هل صبرت على عائلته وطباعه وغيابه الطويل فقط من أجل شيء شيء لم يفهمه بعد

كلما غاص في تساؤلاته استشاط غضبا أكثر كأن عقله يشعل نارا وقوده الشك والندم 

قطع شروده صوت إيان مساعده وهو يضع فنجان القهوة أمامه بلطف وقال

قهوتك سيد سلفادور 

لاحظ إيان الجمود الجليدي الذي كسا ملامح رئيسه فسأله بتردد

هل تمكنت من الوصول إلى السيدة الشابة هل حصلت على


رقم هاتفها الجديد 

مرر جاستن كفه فوق جبهته بتعب ثم تمتم وكأنه يكلم نفسه

تبا نسيت السبب الذي جعلني أتصل بها في الأصل 

لقد ظن بغرور معتاد أنه سيتذوق طعم الراحة بعد فراق آنا لكن ما اجتاحه الآن كان خليطا من الغضب والضيق ليس لأن الرحيل قد حدث بل لأنها تجرأت أن تكمل حياتها وتكون مع آشر 

كيف لها أن تجرؤ كيف تلاعبت بمشاعره بتلك البراعة

التقط جاستن فنجان القهوة بعصبية ثم رفعه وتذوق رشفة لكن على الفور تجعد وجهه وصرخ

ما هذا الطعم القهوة مرة بشكل غريب! 

رد إيان مرتبكا وهو يحك رأسه

لكنها نفس الوصفة التي أعطتني أيها السيدة الشابة قبل مغادرتها 

ارتفع حاجبا جاستن بدهشة

وصفة 

تابع إيان

نعم لقد أعطتني دفترا صغيرا دونت فيه كل ما يتعلق بذوقك في الطعام والشراب بل كانت تكتب كل ما تأكله ومتى تأكله وكم تأكله كل شيء بالتفصيل 

وأخرج إيان الدفتر من جيبه وناوله إياه 

تردد جاستن للحظات قبل أن يفتحه ببطء كما لو كان يزيح الستار عن ذاكرة قديمة 

كان خط يدها منضبط أنيق مرتب كروحها حين كانت زوجته 

أضف

رشة ملح إلى القهوة لتحسين نكهتها جاستن يحبها كذلك 



يتناول جاستن طبقين من حساء المأكولات البحرية بعد الظهر مع الإسكالوب الطازج سأعده له دائما 



جاستن لا يحب الحلوى ربما أعد له بسكويت الجبن أو كعكة الزبدة لعلها تعجبه 



أهديته عدة ربطات عنق العام الماضي لم يرتد أيا منها باللون الأحمر أظن أنه لا يحب الأحمر 


صفحة بعد صفحة وكل جملة كانت تنبض باسمه 

جاستن جاستن جاستن 

دفتر صغير لكنه مكتظ به كأنها كانت تدرسه كعلم دقيق تحلله وتبنيه في عقلها قطرة قطرة 

شعر بضيق مفاجئ في صدره ويداه اللتان كانتا ترتجفان إثر دهشته مما يرى احتضنتا الدفتر كأنه قطعة من ماضيه ثم اعتصرته بقوة فانكمش الورق بين أنامله يتمتم دون صوت مسموع

لقد كانت تراقبني عن كثب عن كثب مريب هذا لا يمكن أن يكون حبا بل هوسا أو خدعة 

ورغم تناقض مشاعره التي راقصت قلبه بين الندم والحنق والخذلان اختار غضبه كملجأ  

وبلا كلمة رمى بالدفتر في سلة المهملات كمن يتخلص من بقايا جريمة لا من أثر امرأة كان يوما عالمها كله 

أسند إيان

الكتاب بسرعة إلى صدره كمن ينتشل ذاكرة من حافة السقوط ثم رفع عينيه المتوسلتين نحو جاستن وقال برجاء

سيدي سلفادور أرجوك لا ترمه لقد قضت السيدة الشابة ثلاث سنوات كاملة وهي تجمع عنك أدق التفاصيل تحفظ ما تحب وتنبش ما تنكره إن لم يكن ذلك حبا فماذا عساه أن يكون 

لكن جاستن قاطعه بحدة تشي بجرح قديم لم يلتئم

كف عن مناداتها بالسيدة الشابة! لم تعد تستحق هذا اللقب 

وقبل أن يسترسل في انفعاله شق صوت غامض سكون المكتب كأنما جاء من بعيد وقد بدا الصوت صادرا من الجناح الأيمن للقصر من الغرفة التي كانت يوما ملكا لآنا 

وضع جاستن راحته على صدغيه المتعبين وقال متنهدا

اذهب وتفقد الأمر 

غاب إيان لحظات ثم عاد مسرعا يحمل على وجهه مزيجا من الدهشة والحرج

سيدي إنها الآنسة غولد يبدو أنها تثير جلبة في الغرفة غرفة زوجتك السابقة 

في تلك اللحظة كانت روزاليند تحول غرفة آنا إلى ساحة حرب تقذف زينة السرير على الأرض تحطم زجاجات العطور وتلكم الوسائد كما لو أنها تحمل رائحة امرأة لا تطيق وجودها 

يا لوقاحتها! تلك الفتاة الريفية كيف

لها أن تتباهى بهذا الشكل لمجرد أن الجد العجوز فضلها! حتى

 


هذا السوار السخيف ! كانت روزاليند تصرخ كمن يغرق في نوبة غيرة لا شفاء منها 

لقد تركت بيلا كل شيء خلفها يوم وقعت أوراق الطلاق لم تأخذ من الذكريات شيئا ولا حتى عطرا على وسادة فاستغلت روز الفرصة لتلقي بكل ما يخصها كما يلقى الماضي في حاوية النسيان 

دخل جاستن الغرفة وعيناه تلتقطان الفوضى كما تلتقط العدسة أثار انفجار صامت 

روز! ما الذي تفعلينه سأل جاستن بصوت مشوب بالذهول 

أكره وجود أي شيء منها هنا! صاحت روزاليندا وهي تشهق بالبكاء 

ثم اقتربت منه بانهيار متكلف

لقد أفسدت علاقتنا! ثلاث سنوات من الحرمان بسببها والآن تصورني وكأنني خائنة وكأنني سرقتك منها! 

أخفض جاستن نظره نحو تمثال صغير ضائع بين الركام فوجد ذاك الضفدع يغمز كأنه يسخر من كل تلك الدراما البشرية التقطه دون أن يتكلم وابتسم في هدوء مبهم 

فجأة فتحت روزاليند خزانة الملابس وأخرجت منها صندوقا كبيرا فتحته دون اهتمام فظهرت بدلة رجالية مصممة بفخامة متقنة 

هاه!

هل هذه هدية منها للسيد تومسون هل عثرت على رجل آخر بهذه السرعة! زمت شفتيها بدهشة مسمومة 

تجهم وجه جاستن وتقدم ليأخذ الصندوق منها غير آبه بكلماتها 

إنها خادعة يا جاستن! تابعت روز ظننتها تحبك بصدق! لكنها لم تكن سوى ممثلة بارعة 

وفي لحظة جنون أمسكت روز سكين فاكهة كانت على الطاولة واندفعت نحو البدلة كأنها تغرس السكين في رسمتها لغريمتها بإتقان 

لكن جاستن كان أسرع واندفع بجسده لحماية الصندوق فشقت السكين كمه الأبيض وسالت دماؤه حمراء نقية كأنها أول دليل حي على ما في قلبه 

آه! يا إلهي! أنا آسفة! صرخت روز وهي تسقط السكين أرضا تغطي فمها بكفيها وعيونها تتسع كأنها أمام كارثة لم تكن تتوقعها 

دخلت شانون مع الخادمات مذعورة

ما الذي حدث جاستن كيف جرحت نفسك! 

قال جاستن وهو يتنفس بصعوبة

إيان خذ السيدة غولد إلى منزلها 

لا أريد أن أذهب! صاحت روز دعني أبقى معك! أرجوك لا تتركني الآن! 

دعها تبقى جاستن حاولت

شانون استغلال الفرصة هي ستتزوجك يوما ما ما المانع أن تعتني بك الليلة 

لكن جاستن رفع عينيه نحوها بثبات مدهش

لا ستعود إلى منزلها الليلة لم يحسم أمر طلاقي من آنا بعد ولا يليق أن تبقى امرأة أخرى في مكانها وأنا لم أنه الماضي بعد 

خيم الصمت على الغرفة وانكمشت شانون في موضعها كمن ابتلع خيبة ثقيلة لا تعرف كيف ترد 


ما إن ودع جاستن روزاليند حتى استدار نحو الغرفة المبعثرة وقد ارتسم على ملامحه عبء أثقل من مجرد فوضى فزفر تنهيدة طويلة كأنها محاولة لخلع ما علق بصدره من ضيق ثم أشار إلى الخادمات بصوته الخافت المرهق

رتبن هذه الفوضى 

لكن نداء مباغتا شق الصمت

سيدي سلفادور تعال وانظر بنفسك! 

كان إيان واقفا أمام الخزانة وجهه مجعد بدهشة بدت كطفل عثر فجأة على سر خفي وبين يديه فستان معقد التصميم خيطت تفاصيله بدقة متناهية 

اقترب جاستن بخطوات حذرة كأن ما يحمله إيان ليس قطعة قماش بل ذكرى تجسدت 

مد يده ولمس النسيج الوردي

بأطراف أنامله كان الفستان ناعما كنسمة لم تولد بعد تطريزاته بزهور الفاوانيا بدت كأنها نبتت على القماش لا رسمت وعبقها وإن كان غائبا تسلل إلى وجدانه 

ارتعشت أهدابه الطويلة وانكمشت عينيه لحظة كأن بين طيات الفستان ذاكرة ما أو وجعا لم يشفى 

قال إيان وعيناه لا تزالان معلقتين بالفستان

هل كانت تؤدي على المسرح إن كانت كذلك فهي بلا شك ساحرة 

ثم استدار نحو رئيسه بعينين تضجان بالتساؤل وهو لم يفهم قط كيف لرجل أن ينظر إلى امرأة كهذه بازدراء أو خيبة 

ألم تسمع بالمثل همس إيان كمن يرغب في اقتلاع حوار لا يقال عادة 

رفع جاستن حاجبيه ونظر إليه بشيء من الشرود

ماذا تقصد 

ابتسم إيان ابتسامة مشوبة بالدهشة والخذلان

الفنانون كاذبون عظماء 

تجمدت ملامح جاستن وأخذ يضغط شفتيه في خط مستقيم وفي أعماقه ردة فعل لم يفلح في فهمها ولا رغبة له في تفسيرها شيء ما انقبض بداخله لكنه لم يعلن العصيان فالصمت وحده كافيا ليشي بأن تلك الذكرى

التي تجسدت في الفستان لم تنته بعد

 الفصل الحادي عشر من هنا

تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1