رواية سيد احمد خالص التعازي في وفاة زوجتك الفصل المائة وعشرة
انتظرت مارينا برهة تحدق في وجه الصبي بعيون تشتعل بالقسوة عل كلمتها السحرية تخرج من بين شفتيه لكن الصمت ظل يصفعها صمت أثقل من الرصاص فانفجرت غضبا ومن ثم انحنت عليه تصرخ وكأنها تفرغ فيه كل ما تراكم في صدرها من فشل ومرارة
يا لك من طفل دون نفع! أنا من أنجبتك وربيتك ومع ذلك لا تجرؤ حتى أن تناديني أمك!
في لحظة هياج قلبته على بطنه وصفعت ظهره بقسوة صرخ كونور وبكاءه هذه المرة مختلف ليس فقط من الألم بل من الارتباك من العجز عن فهم جريمته.
اندفعت مينا إلى الغرفة كريح مذعورة فتوقفت مارينا عند رؤيتها ثم رمت الصبي في أحضانها ببرود لا يخلو من تهديد
أنت سريع البكاء على غير عادتك كونور... لكن احذري لو تجرأت وأخبرت أحدا بما رأيت فلن تبقي في هذا المنزل يوما آخر.
كانت مارينا تعرف خطورة ما فعلته فكونور يحمل ملامحه لدرجة تربك العيون وقد صب أحمد فيه كل حنانه المكبوت عله يسكن ذنبه القديم على طفل لم يعش ليحبه لذا كان وجود كونور صكها الثمين لتصبح السيدة ميلر ولا مجال للمجازفة بإثارة غضب أحمد في
أمر كهذا.
غادرت مارينا الغرفة بخطوات حادة بينما بقيت مينا تحدق في مؤخرة الصغير التي احمرت من أثر ما حدث وعيناها تلمعان بالغضب المكبوت.
منذ عام وهي تلازمه تحمله وتطعمه وتغطيه كلما نام حتى أصبح قطعة من قلبها همست في سرها وهي تضمه إلى صدرها
كيف تستطيع كيف تجرؤ على فعل هذا بطفل
لم يعد في ذهنها شك
مارينا لم تقترب يوما من أن تكون أما كما بدت سارة في لحظة واحدة.
للحظة فكرت مينا أن تخبر أحمد فتخيلت صوته الهادئ ينقلب عاصفة وعينيه تشتعلان غضبا لو عرف لكنها عادت إلى الواقع سريعا ففي نهاية الأمر مارينا لم تقتله بل جعلت الأمر يبدو كدرس قاس من أم لابنها وإذا تكلمت فسيكشف أمرها هي وستطرد من حياة كونور.
ابتلعت مينا غصتها وأخفت دموعها في شعر الصبي وهي تهمس له لتهدئه محاولة أن تكون له الحنان الذي حرم منه
لا تبك يا صغيري... أنا هنا.
على جانب الطريق المؤدي إلى الميناء جلس برنت وأحمد في السيارة وعيني الأخير مثبتتين على شاشة صغيرة تعكس لقطات المراقبة القادمة من قصر خليج كولينجتون وأصوات البحر
في الخارج تتصادم مع صمت داخلي يزداد ثقلا مع كل ثانية تمر.
ظهرت الصورة
مارينا بابتسامتها التي تخفي خلفها سما تفرغ البيض والعجين على رأس سارة في مشهد لا يمكن أن يصدر إلا عن نفس تحترف الإهانة فلا إراديا قبض أحمد على يديه حتى برزت عروقه والغضب يوشك أن يمزق جلده. غير أن سارة رغم المهانة قاومت مما جعل الثنية بين حاجبيه تتلاشى شيئا فشيئا صلابتها بعثت في صدره شعورا مختلطا بين الإعجاب والذنب.
لكن ذلك لم يكن سوى بداية المأساة فاللقطات التالية جاءت كصفعة
بكاء كونور يعلو جسده الصغير يتدحرج على الدرج بينما مارينا بدل من أن تهرع لحمايته توجه تركيزها إلى وجه سارة
همس برنت مصعوقا مما يرى
لو شاهد أحد هذه اللقطات لظن أن الآنسة سارة هي والدة السيد كونور أما الآنسة كارلتون فهي لا تكترث بابنها إطلاقا. قاسية جدا يا سيد ميلر هل ستتزوج امرأة كهذه
ظلت شاشة المراقبة تنقل حقيقة لم يحتج أحمد إلى دليل آخر ليدركها لم تكن هناك كاميرات في غرف النوم لكن ما ظهر خارجها كان كافيا لتجريد مارينا من أي قناع
فحادثة اليوم كشفت أنانيتها وألقت ضوءا حادا على فراغ قلبها.
اتكأ أحمد إلى الوراء يغمض عينيه كأنما يختبئ من فكرة يعرف أنه لا يملك رفاهية الهروب منها وخرج صوته متعبا متهالكا ومع ذلك حادا كالنصل
أنا مدين لها ليس لدي خيار آخر.
لم يفهم برنت لم يكن يعرف الماضي الذي كبل سيده بهذه
القيود الخفية ومع ذلك أومأ بصمت محترم قبل أن يطلب تعليماته.
فتح أحمد عينيه قليلا وبتصميم يوشك أن يختلط بالغضب قال
سلم منزل عائلة سارة إليها. أنت من سيتولى الإجراءات.
فهمت. أجابه برنت دون تردد لكنه لم ينجح في إخفاء فضوله.
أما أحمد فعاد إلى الظلام الداخلي الذي يصنعه وميض الذكريات
سارة وهي مغطاة بالبيض
قطع برنت شروده بنبرة تنضح بالقلق
كادت السيدة سارة أن تغمى عليها عندما غادرت المنزل سيد ميلر أنت تصر على أنها بخير لكنني أعتقد أنها مريضة بالفعل.
ابتلع قلب أحمد كلمات برنت مثل طعنة لكنه لم يسمح لها أن تخترق صوته بل خرج منه برد صلب كأنما يحاول أن يخفي تحت جليده بركانا يغلي
أخبر آل كارلتون
أن حفل الخطوبة قد تم تأجيله.