رواية سيد احمد خالص التعازي في وفاة زوجتك الفصل المائة والرابع عشر 114 بقلم اسماء حميدة


 رواية سيد احمد خالص التعازي في وفاة زوجتك الفصل المائة والرابع عشر 

تصلبت ملامح سارة حين تسللت كلمات إيفرلي إلى أذنيها وكأن كل حرف منها مسمار يدق في جدار صدرها فارتجف بريق مشؤوم في عينيها بريق يشبه شرارة نار تحت رماد وقالت بصوت مرتفع حمل في طياته مرارة لم تعد تجد ما يكتمها
كونور بريء... لكن طفلي الميت بريء أيضا! الشخص الذي كان يجب أن يختفي من هذا العالم... هو!
ثم رفعت يدها إلى صدرها تفرك قلبها كما لو كانت تحاول أن تخرجه بقبضتها وتابعت بصوت ممزوج بسم الغيظ
لو لم يولد لما مات طفلي.
تجمدت أنفاس إيفرلي وحدقت بها بعينين ضيقتين تحاول أن تخترق هذا السواد الذي بدأ يتشكل في روحها وصاحت بغضب ممزوج برجاء
يا لك من فتاة حمقاء! لم هذه الأفكار المتطرفة سارة اسمعيني... أنا واقعية لكنني أؤمن بالقدر كل ما يحدث مقدر ونحن مجرد خيوط في نسيج أكبر من أن نفهمه.
اقتربت منها خطوة تحاول أن تدفع بكلماتها إلى قلبها دفعا
طفلك صار ملاكا أسرع من معظم الناس إذا رفعت رأسك إلى السماء ربما وجدته يراقبك الآن يتمنى لك حياة أهدأ من جحيمك هذا لا أن تضيعي وقتك في شيء لن ينبت إلا ندما فكري في المصاعب التي مررت بها... أراهن أنك لا تريدين لغيرك أن يذوق الألم نفسه أليس كذلك
لكن رد سارة جاء ببرود يشبه صقيعا

يزحف ببطء على زجاج نافذة
هل تعلمين ما مررت به العام الماضي هل تفهمين كيف تدمرت عائلتي مارينا تعيش بسعادة مع عائلتها وأحمد يفعل ما يشاء دون أن يمس. كل ما أريده أن يتذوقوا طعم ما فعلوه بي عشرة أضعاف!
سارة!! ارتفع صوت إيفرلي وقد تشابك فيه القلق مع الخوف تحاول أن تعيدها من حافة الهاوية.
لكن سارة فجأة ابتسمت ابتسامة مربكة فيها من الصفاء ما يجعلها أكثر رعبا من أي نوبة غضب
لا تنظري إلي هكذا لن أفعل شيئا... ليس الآن لن أفعل حتى يستعيد أبي وعيه.
أطرقت إيفرلي رأسها قليلا ثم رفعت صوتها بصعوبة وكأنها تشد الكلمات من أعماقها
سارة أعلم أنني لست في مكان يؤهلني لأن أسدي لك النصائح فأنا لم أمر بما مررت به لكن كل ما أتمناه لك هو الصحة تمسكي بهدوئك مهما كان.
رفعت سارة عينيها إليها وابتسمت والدموع تتشبث بأهدابها كأنها تخاف السقوط
لا تقلقي... أنا هادئة الآن.
لكن هذه الآن بدت لإيفرلي كأنها كلمة مشؤومة ككلمة ولدت ككذبة لذا شعرت بضيق يطبق على صدرها وصار إحساس العجز يتضخم بداخلها فهي لم تعد قادرة على اختراق ما يدور في ذهن سارة ولم تعد تعرف إن كانت تلك التي أمامها صديقتها أم شيئا آخر يتشكل تحت جلدها.
حين أغلقت إيفرلي الباب خلفها تسلل
إلى أذنها صوت لم تتوقعه كان صوت سارة رقيقا كنسيم يمر بين أعواد القصب تغني تهويدة قديمة كمن يحاول أن يستحضر من الفراغ روحا غابت عنها.
ذلك اللحن كان مألوفا لإيفرلي التي تذكرت كيف بدأت قصته منذ شهور حين كانت سارة لا تزال حاملا مليئة بأحلام لم تلوثها الخيبات بعد.
آنذاك اشترت سارة عشرات الألعاب الصغيرة بعناية طفولية وحملت قائمة طويلة من أغاني المهدئات وكأنها تجهز موسيقى خاصة لعالم لم يولد.
يومها مازحتها إيفرلي بابتسامة واسعة
لم يولد طفلك بعد وقد تعلمت نصف تهويدات العالم احذري يا فتاة ستنامين قبل أن ينام هو.
ضحكت سارة بخفة وهي تفرك بطنها المستديرة بحنو وكأنها تربت على قلب آخر ينبض تحت جلدها
سيكون الوقت قد فات لتعلم كل هذا بعد أن يولد سأكون في حالة يرثى لها... هذه أول مرة أصبح فيها أما لذلك يجب أن أكون مستعدة هو يشعر بي صدقيني يهدأ كلما همهمت له بالأغاني حتى إنه لم يعد يركلني كثيرا أعتقد أنه سيكون ولدا لطيفا يهتم بأمه.
ضحكت إيفرلي أيضا ضحكة قصيرة لكنها صادقة
أنت جميلة يا سارة لا بأس طالما أنه سيشبهك أو يشبه والده فأنا متشوقة لرؤيته الآن.
لكن اليوم الذي انتظرته سارة لم يأت أبدا تهويدتها صارت نحيبا متخفيا في قناع
من الحنان ولحظات الأمل تلك تحولت إلى أشباح تطاردها في يقظتها ونومها.
وفي مكان آخر على الجانب الآخر من العالم كان أحمد يواجه جحيما من نوع مختلف ما تعرفه سارة أنه أختفى ليرتاح أو يختبئ لكنه غاص في صراع يهدد حياته نفسها.
قفز أحمد من فوق جسر معدني في حركة تشبه اندفاع حيوان جريح يرفض أن يصاد فارتطم جسده بالماء بقوة وفي اللحظة نفسها انهال وابل من الرصاص يمزق سطح النهر كأن السماء نفسها قد قررت أن تطلق عليه نقمتها الاللون أحمر أخذ يتسرب في الماء مثل حبر سال من قلم غاضب وعلى الجسر دوى صوت أحد المطاردين
لن يبتعد كثيرا! الحقوه!
لكن أحمد المثخن بجراحه لم يستسلم بل سبح بكل ما تبقى في جسده من إرادة يضغط على ذراعه اليمنى حيث اخترقت الرصاصة لحمه كأنه يحاول أن يمنع الموت من التسرب إلى جسده وحين وصل إلى الشاطئ كان يترنح بضعف لكن قبضته ظلت مشدودة على الصندوق كأنه يحمل قلبا لا يجرؤ أن يضيعه.
رفع رأسه إلى السماء حيث الليل يفتح عينيه عليه وهمس بصوت أقرب إلى أن يكون صلاة متقطعة
جاسم... هل تراقبني انظر. لقد أعدته لك.


تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1