رواية سيد احمد خالص التعازي في وفاة زوجتك الفصل المائة والخامس عشر
قبل أيام قليلة فقط كان أحمد قد عثر على ليو لكنه لم يخبر سارة ولم يفكر للحظة أن يفعل بل
طوى المسافة بين بلد وآخر وكأنه يهرب من فكرة تطارده أو يطارد شيئا أشد منه غموضا.
بالفعل كان لدى أحمد ما يشغله لكن ثمة ما كان أكبر من الانشغال ذاته
رغبته في أن يحضر ليو بنفسه لا أن يتركه يعود وحده كقطعة شطرنج تتحرك على لوح لا يتحكم به تخيل أحمد لوهلة وجه سارة وهي ترى ليو أمامها تخيل الصدمة تذوب في ملامحها ثم الفرحة التي ستضيء عينيها لكن عندما استدعى في ذهنه تلك الابتسامة المحتملة أسقط الفكرة كما يسقط المرء سيجارة انطفأت قبل أن تكتمل وتمتم في داخله ببرود متكلف
سواء فرحت أم لا... هذا لا يعنيني أنا لم أجد ليو لأجلها بل لأجل نفسي أريده ورقة في يدي حتى أتحكم في حياتها وموتها هي وأبيها كما أشاء بهذه الطريقة سيكون تعذيبها أمتع وأسهل.
مكث أحمد أياما أخرى في الخارج كل شيء كان محسوبا بدقة حتى جاء الخبر الذي قلب المعادلة
ليو اختفى .
قبل ذلك كان بينهما اتفاق واضح إذ أرسل أحمد
التقارير الطبية الخاصة بجيف ولأن ليو طبيب يعرف ما يفعل فقد شارك رأيه المهني وأقر بضرورة إجراء الجراحة بدا الأمر سلسا شبه مثالي وكأن الخطوة الأخيرة ستعيد ترتيب كل شيء كما يريد أحمد لكن ليو تلاشى كأنه ذرة ملح ذابت في كوب ماء.
قطع برنت السكون وجاء صوته مشحون بالقلق ومن ثم قال له
سيد ميلر ليو يتصرف بغرابة.
لم يتحرك شيء في ملامح أحمد وكأن ملامحه صممت خصيصا لتخفي ما يفكر فيه لكنه حين رفع عينيه بدا فيهما بريق بارد خطر يشبه شفرة سكين مسحوبة للتو
لقد خدعنا.
كانت الخدعة محكمة إذ بدت الصورة تتضح ليو عرف كيف يخفي أثره كيف يوهمهم بأنه تحت السيطرة ثم يختفي في اللحظة التي ظنوا فيها أنهم يملكون زمام الأمر ولأن أحمد لم يثق بغير نفسه كان
قد قرر أن يرافقه شخصيا ويعيده بيده إلى المدينة لكن قبل أن يتمكن من ذلك جاء الهجوم كطلقة غادرة من الظلام يفتح أمامه بابا جديدا للصراع أكثر وحشية مما تخيل.
والآن بعد أن تبخر ليو من على الخريطة كما الحبر على صفحة تحت الشمس صار جليا لأحمد أنه لم يكن
ضحية صدفة بل ألعوبة في يد رجل عرف كيف يختفي في اللحظة المناسبة.
أما برنت الذي كان يراقب سيده بقلق مكتوم فكر في سره
إنه أول من جرؤ على رفض مجموعة ميلر... حظا سعيدا يا ليو ستحتاجه.
لكن أحمد لم يبد عليه أي أثر للخيبة وبصوت هادئ كهدوء المقصلة قبل أن تسقط قال
انشر الخبر على الشبكة المظلمة. مكافأة مليون دولار لمن يعيد ليو... لا يهمني حيا كان أم جثة.
أومأ برنت ثم تردد لحظة قبل أن يسأل
وماذا عن السيدة ميلر
كان برنت يعلم أن الخيط بينهما صار مشدودا أكثر من اللازم وأن جيف الراقد بين الحياة والموت هو العقدة التي تبقي الحبل موصولا.
رد أحمد دون أن يرفع عينيه
هي... سنناقش الأمر عندما نعود.
مضت أيام منذ أن رآها آخر مرة لم يدر لم خطرت في ذهنه الآن تذكر الجرح الذي شق حاجبها وتساءل إن كان قد التأم أم ترك أثرا يذكره دائما بأنه لم يكن قادرا على حمايتها... أم أنه هو من صنعه في الأساس
وفي ومضة غريبة تمنى لو أن يراها الآن.. يمد يده ليتفقد تلك الندبة ثم قطع خيط
الفكرة وأصدر أمره
أخبرها أن تأتي لاستقبالي من المطار.
نعم سيدي. أجاب برنت.
في الجهة الأخرى من المدينة كانت سارة تحمل عالما مختلفا على كتفيها ففي المستشفى جلست إلى جوار سرير والدها بينما نقل إليها كيلفن رسالة أحمد ببرود موظف ينقل نشرة جوية.
استمعت حتى النهاية ثم أغلقت كل ما في داخلها من عواصف وقالت بصوت هادئ كبركة ماء تخفي حجارة في قاعها
حسنا سآتي إلى المطار.
مدت يدها بقطعة قماش مبللة تمسح يدي جيف
كمن تحاول أن تزيل عنه آثار العالم كان نائما أنحف من أي وقت مضى كجذع شجرة امتصته النار ولم تترك فيه إلا خطوطا باهتة من الحياة. الأدوية والسوائل المغذية تبقيه حيا لكن روحه بدت بعيدة متعلقة بخيط واه لا يراه أحد سواها.
وعندما لمست أصابع يده شعرت كيف تراخت عضلاته تحت أناملها وكأن جسده يستسلم لقدر لا يستطيع مقاومته بينما هي تحاول بيأس لا يراه أحد أن تعيده إلى الأرض.