رواية سيد احمد خالص التعازي في وفاة زوجتك الفصل المائة والواحد والعشرون 121 بقلم اسماء حميدة


 رواية سيد احمد خالص التعازي في وفاة زوجتك الفصل المائة والواحد والعشرون 

تجمدت كلوي في مكانها عيناها متسعتان كمن تلقى صفعة غير متوقعة وصوتها يرتجف من الذهول وهي تهمس 
ماذا ناديتني 
أجابتها سارة ببرود ساخر تقطع بينهما آخر خيط هش من الوهم 
سيدة كارلتون. هل نسيت أنك طلقت والدي منذ سنوات زوجك الآن هو السيد كارلتون هل أخطأت حين ناديتك بما اخترت أن تكوني عليه 
كانت تلك هي المرة الأولى التي تسقط فيها كل الأقنعة بينهما سارة التي لطالما قابلت كلوي بابتسامات متكلفة أو كلمات مهذبة منذ عودة الأخيرة من الخارج تحولت الآن إلى شفرة باردة حادة تنغرز في روح أم لم تعرف كيف تصدها.
همست كلوي محاولة أن تلطف من وقع الجرح 
سارة لقد تغيرت. كيف تقولين ذلك أنا ما زلت أمك مهما حدث. 
رفعت سارة رأسها بعينين تلتمعان بكره لم تعد تحاول إخفاءه وقالت بصوت ينضح بالمرارة 
نعم تغيرت. أدركت أخيرا أن البشر أوهام باردة وأن الطبيعة البشرية ليست إلا وجها قبيحا من الأنانية. لو كنت أعلم هذا مبكرا لما انتظرت أما لن تعود ولما قضيت سنوات أبحث عن دفء لن أجده أبدا. 
خفضت كلوي نظرها بخزي وتلعثمت كلماتها كمن يحاول استعادة شيء تحطم إلى أشلاء 
سارة أعلم أنني خذلتك لكن الآن الآن وقد عدت وسأبذل كل ما أملك لأعوضك. 
حدقت سارة في وجهها

طويلا وكأنها تحاول أن تبحث فيه عن المرأة التي عرفتها في طفولتها. لكنها لم تجد سوى صورة شاحبة نسخة مشوهة من الأم التي حملتها الذاكرة. نفس الملامح تقريبا فقط مغطاة بخطوط العمر لكن القلب لم يعد هو نفسه.
هزت سارة رأسها ببطء وبصوت خال من أي رجاء قالت 
حين قررت الرحيل محوت وجودي من حياتك والآن فجأة تظنين أن بإمكانك أن تقدمي لي تعويضا هل فكرت ولو للحظة أنني ربما لم أعد أرغب بتعويضك أصلا كنت غائبة حين احتجت إليك والآن بعد أن نجوت وحدي لا شيء تقدمينه لي سيمحو ذلك الفراغ. 
توقفت كلوي عن الكلام وكأن صرختها الداخلية انحبست خلف جدار من الندم ولم تجد سوى كلمة واحدة تخرج بها بالكاد مسموعة 
سارة... 
لكن سارة لم تمنحها فرصة للاسترسال إذ أشارت بعينيها نحو مارينا ورسمت ابتسامة تحمل كل ما في قلبها من ألم ساخر وقالت 
سيدة كارلتون ابنتك الحقيقية تقف هناك أما أنا فلا أستحق حبك. 
والآن بعد أن تغير كل شيء وبعد أن انطفأ ذلك الحنين في قلب سارة قررت كلوي فجأة أن تتقمص دور الأم من جديد.
لكن سارة لم تعد بحاجة إلى أم. لم تعد بحاجة إلى عائلة ولا إلى حب. كل ما أرادته الآن كان شيئا واحدا أن تغرس في قلب أحمد ألما لا يزول وجعا يبقى حيا كندبة تحترق مع كل نفس يعيشه.
رفعت
بصرها إلى القاعة الفاخرة إلى الجدران التي تعكس أصوات الضحك العالية والابتسامات المصطنعة. تساءلت للحظة كم من هؤلاء الذين يلمعون في الظاهر يخفون في قلوبهم ظلاما أشد قتامة من المحيط الذي كاد يبتلعها
ابتسمت سارة ابتسامة لم تكن فرحا ولا جنونا بل وعدا داخليا وعد بأن الألم الذي تحمله سيصبح السلاح الذي تدمي به من ظن يوما أنه الأقوى.
بمجرد أن وطئت سارة أرض السفينة التقطتها عينا أحمد كما لو أن الضوء نفسه قد انحنى ليكشف حضورها لقد أعد لها منذ أن أعلنت نيتها الحضور مجموعة كاملة من فساتين السهرة بألوان تليق بالمناسبة لكنه لم يتخيل قط أن تختار الأسود من الأساس هو لا يتذكر أنه انتقى هذا اللون تحديدا.
وقفت أمامه في فستان أسود ضيق ينساب حتى الأرض كظل أنيق يمتد من ليل لا يعرف الانكسار كان شعرها مثبتا بحلي يلمع تحت الأنوار بينما يعلو رأسها وشاح أسود شفاف مرصع بجواهر صغيرة تتلألأ كلما لامستها أشعة الضوء وكأنها شظايا نجوم هاربة من السماء.
أما أقراط الألماس التي تزين أذنيها فكانت أشبه بنبض خافت من البريق بسيطا وأنيقا لكنه يكمل مشهدها كما يكتمل السحر بالتفصيلة الأخيرة.
ظهرت سارة كزهرة سوداء نبتت وسط عاصفة تحمل في طياتها تناقضا قاتلا هشة 
لم يكن جمالها دعوة للاقتراب بل تحذيرا جماليا
لا يمكن إلا أن يثير الإعجاب من مسافة آمنة.
وكأنها شعرت بنظراته تلتف حولها كحبل غير مرئي فرفعت كأسها نحوه بابتسامة مشوبة بالتحدي نصفها تحية ونصفها الآخر صفعة صامتة.
أنت... سارة أليس كذلك جاء صوت مرح بجانبها قاطعا لحظة التوتر المكثفة التي انعقدت بينها وبين أحمد فالتفتت ببطء تاركة نظراتها تفلت من قيده لتقع على شاب يقف إلى جوارها كان في مثل سنها تقريبا يرتدي بدلة سوداء كلاسيكية تمنحه هيئة أمير شاب خرج للتو من لوحة ملكية لم يكن الأكثر مهابة لكن رقته اللافتة وجاذبيته الهادئة جعلت منه مشهدا يصعب تجاهله.
أمالت رأسها قليلا وحدقت فيه بتمعن قبل أن تهمس باستفهام مقتضب 
أنت 
ارتبك الشاب للحظة تحت وطأة نظراتها وكأن عينيها تزنانه كما يزن القاضي اعتراف المذنب فسارع لتقديم نفسه 
أنا كولن. التقينا عندما كنا صغارا... أتذكرين قطتك طاردتني إلى أعلى الشجرة ولم أجرؤ على النزول حتى جاء أحدهم لإنقاذي. 
كانت كلماته أشبه بمحاولة ساذجة لإحياء ذكرى قديمة في قلب لم يعد يعترف بالماضي ومع ذلك التمعت في عيني سارة شرارة صغيرة لم يدرك كولن إن كانت تهكما أم شيء آخر.


تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1