رواية سيد احمد خالص التعازي في وفاة زوجتك الفصل المائة والثاني والعشرون 122 بقلم اسماء حميدة


 رواية سيد احمد خالص التعازي في وفاة زوجتك الفصل المائة والثاني والعشرون 

ارتجت ذاكرة سارة بوصفه كأن كلماته نبشت طبقة غبار كثيفة غطت جزءا من طفولتها. تذكرت وجوها وأطيافا من زمن بدا بعيدا إلى حد الاستحالة أشخاصا حمل كل منهم غرابته الخاصة لكن لم يضاه أحدهم غرابة كولن... سوى ذلك المهووس بالصحة الذي كان يتردد على بيت أحمد.
كان مشهد ذلك الرجل عالقا في ذهنها بينما ينغمس الآخرون في كؤوس المثلجة كان يحتسي خلطات أعشاب مرة في كوب زجاجي بارد وكأنها شراب الخلود. وعندما كان البقية يتفننون في مغازلة النساء كان هو يضع قناعا قماشيا على عينيه ويغمس قدميه في ماء دافئ مرددا بجدية مفرطة إن لم تعتنوا بأجسادكم الآن ستنهشكم الأمراض في شيخوختكم. 
أما كولن فقد كان امتدادا لتلك الغرابة لكن على طريقته. كان لديه خوف طفولي من أي مخلوق مغطى بالفراء ويحمل أسنانا حادة.
وفي حفلات أعياد ميلاد جيف كان يتبع مايكل بخجل لكن قطة سارة الصغيرة المشاكسة ذات الفرو الرمادي لم تكن تدع له فرصة للسلام بل كانت تلاحقه بمرح صاخب حتى ينتهي به الأمر متشبثا بأعلى شجرة بينما يقف الأطفال في الأسفل يضحكون عليه بلا رحمة.
وفي كل مرة كانت سارة هي من تنقذه من ورطته وتمسك قطتها بحزم ثم ترفع رأسها إليه وتبتسم تلك الابتسامة المطمئنة التي لا تنسى وتقول له بصوت رقيق لكنه واثق 
لا تخف أمسكت به الآن أعطني يدك سأساعدك على النزول. 
الآن ومع ارتجاف الضوء على

سطح السفينة أعاد كولن تلك الذكرى للحياة فابتسمت سارة بلا وعي كأن ومضة الماضي اخترقت قناع برودها للحظة ثم قالت بنفس الابتسامة الدافئة 
أوه أنت... أما زلت تخاف من القطط 
هز كولن رأسه سريعا وفي عينيه لمحة من الفخر الطفولي الممزوج بالحرج 
لا تجاوزت ذلك فقد تبنيت بعض القطط في المنزل لأتغلب على خوفي لذا لم تعد تربكني كما في السابق. 
ثم أمال رأسه قليلا يتسائل 
وعلى أي حال... هل قطك بخير 
ساد بينهما صمت قصير لكن ملامح سارة تغيرت فجأة وغلب الحزن عينيها كما يغشى الغيم وجه القمر فهمست بنبرة خافتة تستحضر روحا غائبة 
قطتي كانت في الثالثة عشرة... لكن حين أعلنت عائلتي إفلاسها وكنت حينها حاملا تعرض جيف لحادث السيارة... وعندما عدت لأخذها لم أجدها. 
توقفت لحظة وكأن الكلمات ترفض الخروج ثم أضافت بمرارة ناعمة 
لم تعد هنا ربما صارت ضالة... أو ربما ماتت. 
كانت دائما تحلم بأن تأخذ قطها الذي سمته سنوبول معها حين انتقلت إلى بيت أحمد لكن فكرة الحيوانات الصغيرة ذات الفراء كانت بالنسبة له خطا أحمر فابتلعت رغبتها بصمت كما ابتلعت أشياء أخرى كثيرة إرضاء له.
لمح كولن ظلال الخيبة التي عبرت وجهها فأمال رأسه وقال بنبرة خفيفة محاولا أن يمنحها نافذة ضوء 
اشتريت قطة بيضاء العام الماضي بدت عجوزا جدا... لا أعرف إن كانت سنوبول
خاصتك لكن عينيها تذكراني بشيء. 
ضاقت عينا سارة فجأة كأن الكلمات ضغطت على زر دفين داخلها ثم همست وصوتها يرتعش بين الرجاء والخوف 
هل لديك صور 
نعم. 
أجابها كولن وهو يخرج هاتفه بسرعة وببعض التمرير ظهر المشهد على الشاشة 
قطة بيضاء مستلقية تحت شجرة برقوق حمراء أزهارها المتفتحة تتساقط حولها كالوشاح وعيناها الزرقاوان تتأملان الفراغ ببراءة ثابتة.
انقبض قلب سارة في صدرها وكأن المشهد قد اخترقها فهي لم تحتج إلى مزيد من الأدلة تلك الأذن المبتورة بفعل فأر مشاكس حين كانت القطة ضالة لم تخطئها عيناها.
همست كأنها تحدث نفسها 
إنها هي... 
ابتسم كولن وهو يشرح 
صادفتها تتجول في الشوارع. شيء في شكل أذنها جعلني ألتقطها دون تفكير... لم أكن أتوقع أن تكون قطتك فعلا لدي أيضا الكثير من مقاطع الفيديو لها هل ترغبين أن تشاهدي 
جلست سارة على أريكة مستديرة كأنها تسلمت فجأة جسدا أثقل من احتمالها وعيناها مثبتتان على الشاشة بينما تتنقل المقاطع أمامها 
سنوبول تركض تتمدد في الشمس تحدق إلى الأفق وكأنها تنتظر وعدا لا تعرفه.
تمتمت سارة وهي تتابع بحرص كل حركة 
لقد اعتنيت بها جيدا كولن... فراؤها لا زال لامعا ورغم عمرها ما
زالت روحها حية. 
ابتسم كولن وكأن الحديث عنها يسعده 
إنها هادئة... لكنها تحب الجلوس تحت تلك الشجرة
دائما لم أفهم السبب من قبل لكن الآن أعتقد أنها كانت تنتظرك. 
ارتجفت أنفاس سارة وحدقت في القطة كمن تحدق في مرآة بعيدة تعكس وجعها فتصاعدت الدموع إلى عينيها بلا مقاومة وهي تمرر أصابعها على الشاشة الباردة بحنو متردد كأنها تلمس من خلالها جسد سنوبول الناعم الذي كانت تعرفه ومن ثم تمتمت بمرارة متكسرة 
إنه خطئي لقد فقدتها. 
فقدت كل شيء... عائلتها جيف طفلها الذي لم يولد وحتى سنوبول. 
قال كولن بصوت يحمل لمسة عزاء 
لا تقلقي يا سارة إنها تعيش حياة هانئة الآن يمكنني إحضارها لك متى ما أردت. 
هزت رأسها برفق وابتسمت ابتسامة قصيرة تشبه الاعتراف بالهزيمة 
لا داعي... يمكنك الاعتناء بها أنا لا أستطيع. 
أومأ كولن متفهما ثم سأل 
إذا هل يمكنني أن أحصل على وسيلة تواصل معك فقط لأرسل لك مقاطعها من وقت لآخر. 
للحظة فكرت في الرفض لكن الرفض بدا بلا معنى على أية حال إنها لا تنوي مغادرة هذه السفينة على قيد الحياة ومع ذلك بدا الطلب أبسط من أن يقابل بالقسوة خصوصا من شخص اعتنى بما فقدته لسنوات.
مدت يدها وأخرجت هاتفها ليتبادلا معلومات الاتصال وأضفته مباشرة على واتساب.
وفي مكان آخر من السفينة كانت مارينا تتابع المشهد بعينين يشتعلان بالغيرة فأشارت إلى أحمد محاولة إثارة غضبه 
انظر إليها... ألم أقل لك إنها ليست بالهينة كم مضى
من الوقت على طلاقكما والآن أضافت رجلا على واتسابها!


تعليقات