رواية سيد احمد خالص التعازي في وفاة زوجتك الفصل المائة والثالث والعشرون
صاح أحمد بحدة وجاء صوته يقطع صخب القاعة كالسيف
اصمتي يا مارينا.
لكنها لم تتراجع بل انحنت قليلا نحوه وكلماتها تساقطت من شفتيها كسم بارد تقول بخبث
أحمد نحن الأكثر توافقا سارة لا تحبك بل تحب أموالك فقط إنها تستطيع أن تتزوج أي شخص
لم يلتفت إليها فبرغم سريان سمها بأوردته إلا أن بريق عينيه قد خفت كأنها لا تستحق الرد ثم استدار وغادر بخطوات حادة تعلن أن غضبه أعمق من أن يقال.
تصلبت ملامح مارينا للحظة ثم تحولت إلى ابتسامة مشوهة بالغضب ومن ثم أمسكت بكأسها كما لو كانت تمسك برقبة فريسة وسارت إلى الجانب الآخر من القاعة وهناك حيث انحنت على أذن كاليستا وهمست لها بكلمات قصيرة لكن وقعها جعل الأخرى ترتجف هلعا.
اتسعت عينا كاليستا وتلعثمت بنبرة متوترة
هل... هل نحن حقا سنفعل هذا
ابتسمت مارينا ببطء محاولة أن تظهر لها أن الشر ليس سوى وجه آخر للطموح
لطالما وثقت بك يا كاليستا أؤمن أنك قادرة على أشياء عظيمة إذا اعتنيت بهذا الأمر لأجلي فأعدك أن عائلتك ستحصل على مكانها في مستشفى أوكلاند.
ترددت كاليستا لثانية ثم غلبها بريق الطمع فقالت بنبرة أكثر حزما
لن أخذلك يا مارينا.
ارتسمت على شفتي مارينا ابتسامة رضا مشوه تلك الابتسامة التي تدرك أن البشر حين يغريهم الجشع يصبحون أكثر طواعية
من الخيوط بين أصابعها.. وتمتمت بغل
سارة... كيف تجرئين على مقاتلتي أنت بلا موارد بلا سند وأنا العالم الذي سيسحقك.
في تلك الأثناء كانت سارة بعيدة عن كل هذه المكائد تجلس مع كولن في ركن هادئ من القاعة.
بدا لها كولن نبيلا بطريقة نادرة يصغي لها أكثر مما يتحدث وكأن وجودها يثير فيه نوعا من الاحترام الذي لم تعتده منذ زمن طويل وعلى الطاولة أمامهما كانت أطباق البوفيه المتنوعة تفوح بروائح تشبه وعودا صغيرة بالراحة.
أشار كولن إلى الأطعمة مبتسما وقال
هل ترغبين أن نتناول بعض الطعام معا يا سارة ما زال هناك الكثير مما لم أخبرك به عن سنوبول.
نظرت سارة إلى ساعتها الوقت لم يحن بعد العرض الرئيسي الذي أعدته للحفلة لم يحن موعده بعد ففكرت للحظة ثم رفعت رأسها بابتسامة قصيرة وهمست
تمام.
توجها معا إلى قاعة الطعام فيما كانت عينا أحمد تتابعان المشهد بنظرة لم يعرف لها اسما
مزيج من الغضب والندم والغيرة التي تحرقه في صمت كان يرى سارة تتبادل الأحاديث مع رجل آخر وكأنها لم تعد تدور في فلكه كمن تحررت من جاذبيته التي ظنها أبدية.
تصلبت أنامله حول كأسه ثم مال نحو أحد رجاله وجاء صوته منخفض حاد لكنه مشبع بالوعيد
اكتشف من أين جاء هذا الرجل.
أجابه الرجل برضوخ
أوامرك سيد ميلر.
في الداخل كان العالم مختلفا
موسيقى الكمان تنسج في الهواء كحبال شفافة تربط الأرواح بلطف والقاعة تعج بألوان الأطعمة القادمة من كل بلاد يمكن أن يحلم بها مسافر فبدا المكان وكأنه قارة صغيرة تزدهر فوق سطح البحر.
اتجه كولن مباشرة إلى طاولة الحلوى كطفل يعرف تماما كيف يسعد الآخرين ومن ثم عاد محملا بكعكات موس أنيقة وابتسامة تنبض بالحياة
أتذكرين يا سارة كنت تعشقين الكعك دائما.
رفعت سارة حاجبها بابتسامة خافتة تحمل ظل سخرية وشيء من المرارة
ذاكرتك جيدة لكن كبار السن لا يحبون الأشياء الحلوة.
قهقه بخفة رافضا الفكرة من جذورها
هل تمزحين يا سارة أنت لم تكملي سوى الواحد والعشرين من عمرك هذا العام! ما زلت في أوج شبابك.
تذكرت أنها بسبب تفوقها الدراسي أنهت الجامعة أبكر من الجميع وأن الزواج المبكر جعل سنواتها تتقدم بوتيرة لم تلحق بها روحها فهمست تستعيد إحساسا غريبا بذاتها
إذا أنا حقا في الحادية والعشرين...
أجابها بحماس صادق
بالطبع! بينما الآخرون ما زالوا غارقين في دفاترهم أنت عشت حياة كاملة ما زلت صغيرة سارة حتى لو حاولت إقناع نفسك بالعكس.
لكن داخلها لم يصدق تلك الكلمات إذ شعرت بأنفاسها ثقيلة كأن سنواتها الثلاث الماضية حولتها إلى عجوز بلا ملامح فأطرقت رأسها تنظر إلى الكعكات أمامها كانت تلك نفسها التي أحبتها
قبل ثلاث سنوات لكن
طعمها الآن بدا وكأنه من حياة أخرى.
في تلك اللحظة قاطع كولن أفكارها وصوته يفيض بطفولة لم تفقد دهشتها
انظري يا سارة! أليس الثلج جميلا
أمسك يدها وسحبها برفق إلى الشرفة وتحت الأضواء الصفراء الدافئة كان الثلج يتساقط بهدوء كأن السماء تلقي اعترافاتها للعالم.
مدت يدها فاستقرت ندفة صغيرة في راحتها باردة كذكرى عادت فجأة لتحرقها إذ ارتد ذهنها إلى العام الماضي حيث كانت مارينا بجوارها والثلج يتساقط على وجهيهما تتذكر ابتسامتها المتعالية وهي تقول
لماذا لا نراهن من سينقذه أحمد إذا سقطنا معا في المحيط
ارتعشت أصابعها وهي تقبض على الدرابزين بقوة وعيناها امتلأتا بذلك اليأس الذي لا يشيخ لاحظ كولن تبدل ملامحها فتقدم خطوة بخوف صادق متسائلا
ما الخطب يا سارة
أجبرت نفسها على قطع الخيط الرفيع الذي جرها إلى الماضي وحدقت في المحيط الممتد أمامها كان مظلما كوحش يتنفس في الليل قادر على ابتلاع أي شيء يجرؤ على تحديه.
ازدردت ألمها وقالت بصوت ناعم لكنه يقطر استسلاما
كولن... سنوبول لن يعيش طويلا لقد أصبح عجوزا جدا.
تجمدت ابتسامته لوهلة ثم قال بحزم حنون
لا تقلقي يا سارة سأعتني به جيدا.
التفتت نحوه وعيناها عميقتان كبحيرة تحمل ألف سر ثم همست بطلب بدا كوصية
عندما تموت سنوبول...
هل يمكنك أن تدفنها تحت شجرة البرقوق في منزل عائلتي