رواية سيد احمد خالص التعازي في وفاة زوجتك الفصل المائة والرابع والعشرون 124 بقلم اسماء حميدة


 رواية سيد احمد خالص التعازي في وفاة زوجتك الفصل المائة والرابع والعشرون 


لم يعرف كولن كيف يُمسك بالخيط الخفي في كلماتها… كانت تتحدث عن سنوبول لكن وقع العبارة على قلبه كان أثقل بكثير؛ كأنها لا تتحدث عن قطة، بل عن نفسها، عن رحيلٍ تُحضِّر له بهدوء مريب.

ابتلع ريقه ثم أجاب بصوتٍ حاول أن يجعله واثقًا رغم ارتجافه:

ــ "لقد فهمت يا سارة. ستكون تحت أطول شجرة في الحديقة. تلك التي تفيض أغصانها بأزهار البرقوق في الشتاء، فتختلط رائحة الزهر العطرة بنقاء الثلج... وكأنها تَعِدُ من يقترب منها بالسلام."

أومأت برأسها وعيناها تلمعان بنظرةٍ مبهمة بين الأمل والاستسلام وقالت بنبرة هادئة لكنها مشبعة بالمعنى:

ــ "أجل... سأنتظرها هناك."

لم يخطر ببال كولن أن "هناك" لم يكن مجرد مكانٍ في حديقة بل عالماً آخر كانت سارة قد حجزت فيه لنفسها مقعدًا أخيرًا بعيدًا عن صخب هذه الحياة.

حاول أن يبدد ثقل اللحظة بابتسامةٍ صغيرة:

ــ "حسنًا ولكن يمكنك أيضًا زيارتها متى أردتِ… سنوبول لن تمانع."

عندها رفعت يدها ببطء وخلعت أقراطها الماسية… كانت الحركة أشبه بطقس وداع ثم مدت يدها

إليه قائلة:
ــ "خرجتُ اليوم مسرعة، ولم أحمل معي شيئًا. لكن... أعطِ سنوبول هذه الأقراط. لطالما أحبت الأشياء الصغيرة اللامعة منذ صغرها."

تردد لحظة ثم أخذ الأقراط وهو يحدق فيها بدهشة:

ــ "حسنًا... لكن إن كنتِ مشغولة يمكنني أن أحضرها لكِ بنفسي إذا أعطيتني عنوانك… أراهن أنها ستفرح برؤيتك."

ابتسمت سارة ابتسامة عابرة كوميض شمعة قبل انطفائها، ثم قالت بصوتٍ خافت لكنه حاسم:
ــ "لا داعي لذلك... وقتي ينفد."

وصل أحمد في اللحظة التي جذب فيها كولن سارة نحو السطح حيث كان الثلج يتساقط برفق مرسومًا كقصاصات من فضة ترقص في هواء الليل.

وقفا متجاورين كلاهما بملابسه السوداء كأنهما ظلّان في لوحة أبدعها فنان حالم يحيطهما البرد وتغلفهما هالة غامضة من الأناقة الموحشة.

توقفت ذاكرة أحمد عند مشهد قديم حين كانت سارة تعبث بشعره ذات مساء:

ــ "من الممل أن تُصفّف شعرك للخلف دائمًا… جرب أن تتركه منسدلاً سيجعلك ذلك تبدو أصغر... وربما أكثر حياة."

خرج من شروده فجأة وقد اخترقت الفكرة قلبه، فتمتم وهو يحدّق في

كولن الشاب:
ــ "هل أصبحتُ عجوزًا؟"

أجاب برنت الذي كان بجانبه محاولًا تخفيف حدة السؤال:

ــ "أنت ناضج يا سيد ميلر ووسيم بطريقة لا يملكها هؤلاء الصغار."

لكن أحمد بنبرة تشي بتصدّع ثقته بنفسه، قال:

ــ "لكنها تعتقد أنني كبير في السن."

حاول برنت أن يكتم ابتسامةً كادت أن تفلت منه ففي الآونة الأخيرة أصبح أحمد يتصرّف كربة منزل غيورة تراقب غريمًا غير مرئي… وبعد أن تملك برنت نفسه تدارك الموقف قائلاً كأنما يحفز مراهقاً صغير:

ــ "أنت تبالغ في التفكير يا سيدي… عمرك سبعة وعشرون عامًا فقط… أنت في أوج حياتك… ومقارنة بهؤلاء الفتيان المراهقين أنت بالتأكيد النوع الذي تفضّله السيدة ميلر… معظم النساء ينجذبن لرجلٍ مثلك."

وكأن القدر أراد أن ينسف حجته إذ مرت شابتان أمامهما تقول إحداهما بحماس:

ــ "أخيرًا! أقنعتُ والدي بشراء تذكرتين لحفلة XO! يجب أن نذهب معًا! أنا مغرمة بعيون رايان الجروية!"

قطّب أحمد جبينه باستياء:

ــ "حتى البراندي يقيم حفلات موسيقية الآن؟"

سعل برنت وهو يحاول كبت ضحكاته:

ــ "

لا، XO فرقة آيدول اشتهروا بسرعة مذهلة بعد ظهورهم."
لم يبدُ أحمد مقتنعًا، وزاد عبوسه:

ــ "حتى الكلب يستطيع أن يصبح نجمًا الآن؟"

شرح برنت بصبر وهو يدرك أنه يسير على خيطٍ مشدود:

ــ "لم تكن تقصد كلبًا فعليا… سيدي الفتيات يستخدمن كلمة ’جرو‘ لوصف هؤلاء الشباب الوديعين الوسيمين… جمهورهم يعتبرهم بمثابة جراء أو أطفال محبوبين."

لكن الشرح لم يُخفف من حدة نظرة أحمد بل صارت أكثر اشتعالًا إذ حدّق في برنت وقال بنقم:

ــ "إذن كيف تزعم أنني النوع الذي تفضّله سارة؟ من الواضح أنها تستمتع كثيرًا بالحديث مع شاب وسيم مثل هذا الكولن."

لم يجد برنت ما يرد به وأدرك أنه وقع في فخ كلماته.

في تلك اللحظة لم تكن سارة تعي كل هذا الصراع المشتعل خلف الزجاج كل ما شعرت به كان نظرة نارية من نافذة بعيدة تخترق ظهرها دون أن تدري أن صاحبها يحترق غيرةً ثم حدث ما لم تتوقعه إذ ارتجّت السفينة فجأة تحت وطأة موجة قوية فانحرفت أجسادهم للحظة وفقدت سارة توازنها فصرخ كولن بصوت مرتجف:

ــ "سارة!"

وقبل أن تهوي كان ذراعا كولن

يطوقان خصرها فسقطت بينهما إثر زخم ما حدث وكأن المشهد صُمّم ليدفع بأحمد إلى حافة الجنون.


تعليقات