رواية ظلي لم يغادر المكان الفصل الثاني عشر
دلفوا جميعا إلى الأسفل بخطوات مترددة، تسبقهم أنفاسهم الثقيلة، وأعينهم تلاحق الظلال التي تتحرك على الجدران كأنها تراقبهم.
الجو كان أهدأ من اللازم...
صمت قاتل يُخفي خلفه عاصفة قادمة.
وقف الجميع أمام مرآة القصر ودماء تسيل من حروف الكلمات
نور - سكتِّي
مازن - كذبت
خالد - قهرت
إهداء - خذلت
دوّى صوت أنثوي من كل اتجاه، مزيج من الألم والانتقام:
" أنتو دفنتوني وانا لسه عايشة.
جوا القصر دا... مش بس هتفتكروا.
هتعيشوا اللي عشتُه.
تغيّر لون الجدران إلى الأسود، والأبواب اختفت، الأرض بدأت تهتز، وكل واحد منهم يسحب في اتجاه مختلف...
ثم تابعت بصرخه هزت ارجاء القصر
"من أنتم... علشان تقرروا مصيري؟!"
بدأت الأرض بالانشقاق وبدأ علي الجميع آثار الدهشة قال خالد صارخا يلا بسرعه مفيش وقت نطلع .... لم يستطيع تكملة جملته فبدا القصر في الأنيهار واخذ كل منهم يبتعد عن الاخر كأن في روح تساعد على الإبتعاد سقط جمعهم ارضا وفقدوا الوعي....
______________________________________________
دَقَّ الباب، فقامت السيدة نوال بفتحه، تنظر باستغراب إلى من يرن الجرس.
وما هي إلا لحظات حتى ظهر شاب وسيم، تبدو على ملامحه الحيوية واللياقة، شاب رياضي بعضلات بارزة.
رحّبت به السيدة نوال بحرارة:
- "اتفضل يا عمرو يا ابني، تعالى، البيت بيتك."
أجابها عمرو وهو يدخل بخطوه هادئة، وصوته يحمل مزيجًا من الحزن والدهشة:
- "والله يا طنط، أنا لسه راجع من السفر، واتصدمت لما عرفت اللي حصل. مش قادر أصدق! دا أنا ليلة سفري كلمت إهداء علشان كانوا هيعملوا لي إعلان لمحلي الجديد، وللأسف... رفضت."
نظرت إليه السيدة نوال بدهشة، ثم سألته بنبرة مستنكرة:
- "أمال مين اللي عمل الافتتاح بتاع محلك؟ ما انت مكنتش موجود!"
ردّ عمرو بثقة وهدوء:
- "كان عندي شغل كتير في إسكندرية، ومقدرتش أأجّله، فقلت لأحمد صاحبي ييجي بدالي. حضرتك عارفة إنه زي أخويا، وما بيقصرش."
ثم تابع باهتمام واضح:
- "مفيش أخبار عنهم؟ ربنا يعلم... أول ما شوفت الخبر، قلبي وجعني، يا رب يكونوا بخير."
نظرت إليه السيدة نوال بابتسامة فيها امتنان، وقالت بخجل:
- "فيك الخير يا بني، تسلم على سؤالك."
أخرج عمرو من جيبه ظرفًا به مبلغ من المال، ومدّه إليها وهو يقول بإصرار:
- "اتفضلي، دول ليكِ."
شدّت السيدة نوال يدها بقوة، وهي تقول رافضة:
- "معايا والله، مش محتاجة حاجة."
نظر إليها نظرة عتاب ممزوجة بالحنان، وقال:
- "يعني أنا مش في مثابة خالد أو مازن؟ اتفضلي، دا ليكي إنتِ ولخالتي أم مازن. دي أقل حاجة أقدر أقدمها. ربنا يعلم مازن وخالد غاليين عليّ قد إيه. وبردو، إحنا كان بينا عيش وملح."
ثم انصرف عمرو بهدوء.
دخلتُ بعدها غرفة السيدة فتحية، رويت لها ما حدث،
قالت السيدة فتحية بنبرة حزينة:
- "أصيل، والله ربنا يبارك له. عمره ما قصّر مع حد فينا ما يعرفش قد إيه هو طيب ومحترم. مش عارفة العيال بيغيروا منه ليه!"
ردّت عليها نوال وهي تلوي فمها بسخرية:
- "علشان أشطر منهم... وناجح. مش بيجري ورا النت والهرج والمرج."
________________________________
القصر...
استيقظ الجميع ليجد كلٌّ منهم في غرفته التي دخلها من قبل، لكنها كانت مختلفة...
الديكور تغيّر، الألوان تحوّلت، وكأن الزمن نفسه تبدّل.
نظر كل منهم حوله في ذهول، وأخذوا يصرخون بأسماء بعضهم البعض، لكن لم يُسمع أحدهم صوت الآخر.
عندها فقط أيقنوا أن الانشقاق الذي حدث كان ليفرقهم، ليجبر كل منهم على مواجهة ذاته... بعيدًا عن المجموعة.
لكن ظل سؤال واحد يطاردهم جميعًا:
"من تكون تلك الفتاة؟ ولماذا نحن الأربعة بالذات
كان كلٌّ منهم واقفًا داخل غرفةٍ، تشبه جزءًا من ماضيه الذي ظن أنه نسيه... لكن الذاكرة لا تموت، والندم لا يهدأ.
غرفة مازن
تشبه غرفته قبل ثلاث سنوات، لكنها الآن محاطة بجدران مكتوب عليها بخط واضح... كل رسالة كتبها لفتاةٍ ما، بحسابٍ وهمي.
على كل جدار، محادثةٌ مختلفة، وكلمات متكررة:
"أوعدك هنتجوز."
"أنا بس مش جاهز دلوقتي."
وفي منتصف الغرفة، شاشة هاتف ضخمة، تعرض وجوه فتياتٍ كثيرات... كلهنّ فتاة واحده ، لكن في مراحل مختلفة من الحزن، كل وجه يروي خيبة أمل.
غرفة نور
تشبه عيادة عمتها الطبيبة "إسعاد يوسف" - ضوء خافت، جدران بيضاء، لكنها ملوّثة بالدم.
على الجدار شاشة قديمة، تُعيد مشهدًا واحدًا باستمرار:
فتاة مراهقة، يداها مغطاتان بالكدمات، تهمس بصوت خافت:
"إيدي بتوجعني..."
وصوت نور، يعلو بالضحك:
"وقعتِ في المطبخ تاني؟"
ثم تتوقف الصورة... وتُعاد.
غرفة خالد
تشبه فصله في المرحلة الثانوية - فصل دراسي مظلم، على الجدران لوحات ممزقة ومحترقة، كلها رسومات طفولية بريئة من تلك الفتاة
على السبورة، كُتبت عبارة:
"ضحكت؟ أنا كنت بعيط."
غرفة إهداء
ليست كغرفتها، بل أكثر هدوءًا.
على الجدران، صورٌ كثيرة لها في طفولتها، في المدرسة، في الأعياد. وبجوارها تلك الفتاة، تضحك.
وفجأة، تبدأ الصور بالتسوّد... واحدة تلو الأخرى.
ولا يبقى سوى صورة واحدة - تلك الفتاة، تنظر إليها بعينين مليئتين بالحزن والخذلان.
كلٌّ منهم نظر إلى الغرفة في ذهول... ثم نطقوا اسمًا واحدًا فقط:
"ريم!"
وبمجرد أن نُطق الاسم، تغير كل شيء - القصر عاد كما كان، لكن الظلام لا يزال يملأه.
وعلى جدران كل غرفة، كُتبت جملة واحدة بخط عريض بلون أحمر قاتم:
"لسّه فاكرين ريم؟"