![]() |
رواية مع وقف التنفيذ الفصل الثاني عشر بقلم دعاء عبدالرحمن
أنهى باسم جميع متعلقاته في مكتب الدكتور حمدي مهران وتركه نهائياً وأخذ معه حسن للعمل معه في مكتبه الخاص وفي نفس اليوم دخل الدكتور حمدى المكتب ولكنه لم يذهب مباشرة إلى مكتبه وانما مر بالحجرة الأخرى الخاصة بـ فارس أطل برأسه وقال موجها حديثه الفارس
تعالی یا فارس شوية عايزك
نهض فارس واقفاً وذهب خلف الدكتور حمدى ودخل حجرة مكتب الدكتور حمدي خلفه وسمعه يقول وهو يجلس خلف مكتبه:
أقفل الباب وراك يا فارس
أغلق فارس الباب خلفه وجلس قبالته وهو ينظر إليه باهتمام وهو يتوقع التكليف بقضية مهمة
من ضمن القضايا التي يكلفه بها ولكنه فوجى به يقول:
- أنت هتمسك ادارة المكتب مكان الأستاذ باسم
اتسعت عيناه دهشة فهو لم يكن يتوقع أن تسند إليه مثل هذه المهمة وفي هذا التوقيت المبكر
وقال:
ابوا يا دكتور بس ...
قاطعة الدكتور حمدي قائلا بجدية :
- متقلقش من حاجة.. الموضوع اصلا مش محتاج حاجة يعنى مش مسؤلية زي ما انت فاهم ....
وبعدين القضايا مبقتش كثير زي ما انت شايف
أطرق فارس برأسه لبرهة من الوقت صمت خلالها يفكر ثم رفع رأسه وقال:
بس أنا من اقدم واحد في المكتب في ناس أقدم مني
أبتسم الدكتور حمدي وهو يقول بثقة:
بس انا بتق فيك انت
ثم نظر أمامه وشرد قليلا وهو يقول:
وبعدين انا بحضرك لحاجة كبيرة بس مش دلوقتي
حاول فارس أن يتكلم متسائلا عن الأمر ولكنه قاطعه مرة أخرى قائلا:
- أخبار الماجستير آية
فکر فارس قليلاً وكأنها يجمع الأوراق أمام عينيه وقال:
من أقل من سنة يا دكتور
هز رأسه مبتسماً وهو يقول:
طلب بالا بقى على مكتبك الجديد
خرج فارس من حجرة الدكتور حمدى بمشاعر مضطرية ما بين السعادة والخوف من المسؤلية
الكبيرة التي ألقاها أستاذه على كاهله ووجد نفسه يهتف داخله متضرعاً:
يارب وفقني أنا محتاجلك أوى يارب
دخل حجرته فوجد دليا تنتظره ونهضت على الفور متسائلة:
خير يا فارس الدكتور كان عاوزك ليه
أبتسم فارس وهو يأخذ نفسا عميقا ثم قال:
الدكتور كلفني بأدارة المكتب يدل الأستاذ باسم
شهقت دنيا فرحاً وهي تضع كفيها على وجنتيها وهتفت بسعادة:
معقول ... ألف مبروك يا حبيبي
كان قد انتهى من جمع بعض أوراقه وقبل أن يخرج توقف وقد تذكر شيئاً ذات أهمية وقال:
لو سمحتی بدنيا كمان ساعة كده.. عاوزك ضروري
ابتسمت دنيا وهي تتابعه وهو يخرج من الحجرة بينما توجهت نورا خلفه لتهنئه, طرقت الباب ودخلت عندما سمعته يعطى الأذن بالدخول، وقفت عند حافة الباب المفتوح تهنئه فشكرها بابتسامة هادئة وقد كان يتوقع أن تغادر ولكنه وجدها تقف في حيرة من أمرها لا تدرى ماذا تقول، فقال فارس بهدوء لا يخلو من الدهشة:
في حاجة يا أستاذة نورا ؟
تقدمت للداخل وبحركة تلقائية كادت أن تغلق الباب ولكنه استوقفها قائلا:
لو سمحتى سببي الباب مفتوح
اومات برأسها وجلست قبانته وقالت يتوتر:
أستاذ فارس .. أنا عارفة انك مشغول أوى بس انا .. أنا يجد مخلوقة أوى ومحتاجة اتكلم معاك
ترك فارس ما في يده من ملفات وقال ببطء متسائلا:
خير في حاجة مضايقاكي .. في الشغل
قال كلمته الأخيرة تلك وهو يضغط حروفها بتعمد فرفعت نظرها إليه متعجبة وقالت باستنكار:
أنت كنت بتسمع المشاكلي كنها وبتحاول تلاقيلي حل مهما كانت نوع المشاكل دي
استند فارس إلى سطح المكتب وهو ينظر لكفيه ويقول :
عارف يا أستاذة نورا .. بس انا عرفت ان ده كان غلط ... مش غلط الى أحل لك مشاكلك .. لكن الغلط في حد ذاته أنى أخلى زميلة ليا تشوفني على انى سوبر مان اللى مفيش مشكلة بتقف قدامه ... أنت أغلب مشاكلك متعلقة بخطيبك وبعلاقتكم مع بعض وخصوصا المشاكل العاطفية بيتهيألي لو حكيتي لينت زيك هيكون أفضل ومنسد باب الفتن دي من أولها لآخرها
قطبت جبينها وقالت في حرج :
أنت عمرك ما قلتلي كلمة فيها تجاوز.. ليه تقول كلمة فتن
ابتسم فارس وهو مازال غاضا لبصره عنها:
مكنتش بقول .. بس الشيطان مش هيسيبك في حالك .. هيفتحلك ألف باب وباب .. ويهيألك الى محصلتش في الناحية العاطفية .. والحقيقة الى بشر زي أي بشر.. يغلط ويتوب بتكلم حلو و وحش زیى كل الناس ... لكن لما ينشوف المشكلة من بره بيبقى حكمنا وطريقة كلامنا غير اللي عاشها فعلا
وقفت وهي تقول بحنق وقد شعرت بكلماته تفوص بداخلها لتخرج ما به من انفعالات وقالت
بضيق شدید
متشكرة أوى يا أستاذ فارس على تنبيهك ده ... عن أذنك
خرجت من حجرته جائعة عليه وعلى نفسها دخلت لتتوضاً وعادت لحجرتها في المكتب لتصلي في أحد أركانه وتلكات في جلستها حتى نهضت دنيا ودلفت إلى مكتب فارس، وينفس الطريقة أشار لها أن تبقى الباب مفتوحا جلست أمامه في سعادة بالغة وهي تقول:
مبروك مرة ثانية يا حبيبي تستاهلها بجد
أخذ نفساً عميقا وهو يغمض عينيه وزفر في بطء وهدوء ثم قال:
دنيا .. أولا متنسيش النا لسه مخطوبين
مطت شفتاها يتبرم وهي تقول:
- وثانيا ؟
قال على الفور
لبسك بقى ملفت للنظر أوى يا دنيا
صاحت في غضب وهي تهب واقفة
ما تقولى البسى خيمة أحسن
أنت زعلانه اني بغير عليكي وعاوز لبسك يبقى محتشم أكثر من كدة ؟
تبرمت في حنق وجلست مرة أخرى ولم ترد أو بمعنى أصح تقلب الأمر في رأسها, صمتت قليلا ثم قالت:
طيب سيبتي بس لما اقبض علشان اعرف اشترى لبس يرضيك
ابتسم لموافقتها ثم أخرج بعض المال وقدمه لها قائلا:
معلش ده مبلغ بسيط ... بس هيكفي ان شاء الله تجيبي طقم يسيط كده على ما تقبض
نظرت للمال ثم نظرت إليه بضيق وهي تقول:
حتى الكام يوم مش عاوز تسيبيني براحتي فيهم وبعدين شكرا يا سيدي هاخد فلوس من بابا
أومال ليه بتقوليلي استنى لما أفيض
زفرت في غضب هاتفة:
یووه بقی یا فارس ... حاضر حاضر
جلست نورا على مقعدها خلف مكتبها وهي تدفن رأسها بين كفيها وتستعيد كلمات فارس الذي ألقاها عليها منذ قليل كمن يلقى دلوا باردا في ليل الشتاء القارص على قلبها بلا رحمة أو شفقة. ولم تعد تدرى أهو يقصد صالحها كما قال، أم يتهرب منها ومن مشاكلها التي غطت أذنيه منذ
عملهما معاً كانت تريد أن تختلي بنفسها قليلا بعيد عن أعين الناس ، نهضت واخذت حقيبتها وبدون أن تستأذن للانصراف خطت بسرعة خارج المكتب مسرعة لا تعبأ بالسؤال عنها حين. ملاحظة غيابها, كانت مرتبكة قلقة تتردد كلماته على قلبها قبل عقلها فحثت السير أكثر كان شبحا يطاردها.
تقوقعت نورا في فراشها وهي تحتضن قدميها إلى صدرها وتفكر فيما قاله لها اليوم وتفكر فيه بعمق وتحادث نفسها قائلة:
مش عارفه معاه حق ولا لاء ... أنا فعلا في الأول كنت يتكلم معاه على أنه زميلي وبس لكن مع كل مشكلة كان بيحلهالي كنت بحس أنه هو ده اللى بدور عليه .. وكنت يندم على أني مقابلتوش قبل خطيبي وقبل ما تكتب الكتاب
استلقت على أحدى جنبيها وألفت رأسها على الوسادة وهي تفكر في حل لما وقعت فيه بدون أرادة منها وقالت بضيق :
ياريتني كنت حكيت لبنت زبى على الأقل كنت هفضفض معاها من غير ما يحصل اللي حصل ده جوايا
تململت في القراش كتململ العصفور المبلل بماء المطر حتى استسلمت للنوم وقد قررت أن تقف مع نفسها بحسم وتصرف عن قلبها صورة فارس الفلامية التي صنعتها له بيديها, صورة الرجل الذي لا يخطيء أبدا, وتضع مكانها صورة خطيبها وحبه لها لتجعل منه مددا لها لعلها تفيق مما هي فيه وتشعر بهذا الرجل الذي أهملته كثيرا بأوهامها السابقة.
كان فارس يجلس بمكتبه حين سمع جلبة بالخارج حرك جسده قليلا وهو يحاول النظر من الباب المفتوح أمامه فرأى رجلاً يصيح بعصبية قائلا:
ده مش أسلوب معاملة.. أومال مكتب كبير واسم كبير وخلاص .. وكل ده على الفاضي ومش عارفين تخلصولى حتة قضية يخلصها محامي صغير
هب فارس ناهضا وأثناء خروجه وجد الدكتور حمدي يدخل حجرة مكتبه ويغلق الباب في وجه الرجل بحدة مما جعل الرجل يشتغل غضبا أكثر ودنيا ونورا يتابعان ما يحدث عن كتب وبعض المحامين يحاولون التحدث للرجل للرحيل بسلام ودون أثارة المشاكل ولكن كان منفعلاً بشدة فلم يستجب لأحد, حاول فارس تهدأته وعرض عليه الجلوس في مكتبه ليتفاهم معه ومحاولة. أصلاح الأمر بصفته مدير المكتب استجاب الرجل ودخل حجرة فارس
جلس فارس أمامه على المقعد المقابل له ولم يجلس خلف مكتبه ليستطيع التعامل معه ومع
انفعاله وهو يقول :
أهدى بس حضرتك وقولي أيه الحكاية بالظبط
هذا الرجل قليلا ثم قال متهكماً:
دعوى قضائية صغيرة وهي قد كده.. يخلصها أي محامي صغير ... جيت للدكتور بتاعكوا وقلت اسم وسمعهخلصها وعادوا إلى... لقيه بيرمى الملف ويقولى محامى غيري وطردني من مكتبه
قام فارس بتهدأته مرة أخرى ثم قال:
- ممكن الملف بعد اذنك
استند فارس اظهر مقعده وهو يقلب فيه سريعاً ثم قال بدهشة:
والدكتور رفض القضية ليه - دى قضية طلاق عادية جدا
قال الرجل متهكما
أديك قلت.. قضية طلاق عادية جدا .....
مال فارس للأمام وهو يتفحص الرجل وقال بجدية وهو يتكأ بمرفقيه على ساقيه والملف بين يديه
ممكن حضرتك بس تجبلي الموضوع من الأول كده علشان افهم واقدر افيدك
طلقت مراتی وراحت بيت ابوها بالعيال ... رفعت عليا قضية نفقة ليها والعيال ومؤخر بقى
وقايمة والذي منه
حثه فارس على المتابعة قائلا:
وبعدين
ولا قابلين .. واحد صاحبي ليه تجربة في الموضوع ده قبل كده .... شار عليا أني لو قلت عليها انها ماشيها بطال وجبت شهود وأدله على كده كل حقوقها متسقط ومش هيبقى ليها حاجة
عندي غير نفقة العيال بس
قطب فارس جبينه بشدة وقال مستفهماً:
وأنت فعلا عندك شهود على كده
ضحك الرجل بسخرية ثم قال:
أهم مرمين على القهوة قدام المحكمة مش لاقين شغلانة .. كل واحد عشرين جنية وتحفظه
كلمتين و خلصت خلاص
شعر فارس بالدماء تغلى في رأسه ولكنه حاول ضبط أعصابه والتحكم بها وهو يقول:
شهود زور یعنی ؟!
زور ولا مش زور ... المهم الوليه دى متخدش منى حاجة إلا بمزاجي
صمت فارس قليلا ثم قال بعد تفكير
وتقبل أن مراتك ام ولادك سمعتها وشرفها يبقى في بؤ كل واحد شوية وانت عارف ومتأكد آنها است شريفة وكل ده علشان ايه .. علشان خاطر انت مش عاوز تديها حقوقها اللي ربنا أمرك بيها واستحلتها كزوجة بعد ما وافقت عليها ومضيت على كده
زفر الرجل في ضيق وهتف به
- بقولك ايه يا استاذ انا مش جاي هنا اسمع مواعظ .. هما كلمتين هتظبطلي القضية دي ولا مش متعرف
ثم أردف مسرعاً :
ولو وافقت ليك عليا هتعامل معاك من بره بره من غير الدكتور بتاعك ما يعرف واتعابك هتبقى ليك لوحدك ....ها قلت ايه.
أبتسم فارس وهو يقول:
قلت أن حضرتك مقرنس اليافطة اللى على المكتب بره كويس .... ده مكتب محاماة مش شقة دعارة
نظر له الرجل بدهشة وقد بدت علامات العبوس على وجهه فتابع فارس قائلا:
أه والله مش مصدق ولا ايه ... ما هو انا لو وافقت على اللي ينقوله يبقى مراتك دخلت عندنا شريفة وطلعت من عندنا مشيها بطال .... تبقى شقة دعارة ولا لاء
تم هب واقفاً وهو ينظر للرجل باحتقار وقال بهدوء
اتفضل حضرتك شوفلك حد ثاني يلوث سمعت أم ولادك ... ولو كمان كسبت القضية تبقى علمت على عيالك الهم ولاد حرام وفضحتهم قدام الناس كلها وضيعت مستقبلهم... وكمان يقى عندك بنات شوف مين اللى هيبصلهم بعد كده.. وخلى بالك انت كده بتقذفها في شرفها وكمان بشهود زور... يعنى حسابك عند ربنا مش بس عقوبة القذف لالا دى كمان شهادة زور والتحريض
على شهادة الزور
وغمز له بعينيه وهو يتابع:
يعنى حسابك هيتقل أوى يا باشا وبلغة القانون الوضعي ... أعدام .. والأعدام بتاع الآخرة .. على جنهم عدل
ظل الرجل ينظر الفارس ويحدق به وهو يتحدث حتى انتهى من حديثه ثم جذب الملف من يده وهو يشعر بالتوتر من كلماته والارتباك وقال متلعثماً وهو يغادر بسرعة :
أنا مش فاهم ... مكتب محاماة ده ولا جامع
أنصرف الرجل وجلس فارس خلف مكتبه وهو يضع رأسه بين كفيه قائلا بأسي:
لا حول ولا قوة الا بالله ... معقول توصل للدرجة دى
دخلت دنیا مسرعة وقالت بلهفة :
أيوا كده يا فارس هو ده الشغل ... ها ظبطت الراجل وهنشتغلها لحسابك صح ٢٢٠٠
رفع رأسه اليها وهو يقول بحزن:
لاء طبعا يا دنيا أصلك متعرفيش الراجل ده كان عاوز ايه
قطيت جبينها وقالت ضيق
ليه يا فارس ليه.. دي فرصة جات لحد عندنا كنت هتطلعلك منها بكام ألف
ابتسم ساخرا وهو يقول:
حتى لو كانوا كام ألف حرام
صمنت وهي تنظر إليه بدهشة ودخلت نورا لتخيره أن الدكتور حمدى يطلبه ولكنه لم ينتبه لها
وهو يقول :
الراجل طلق مراته وعاوز يدعى عليها انها ماشيها بطال علشان ميديهاش حقها لاء وكمان
هیجیب شهود زور على كده .....
و هز رأسه متهكما وهو يقول :
لاء ويقولى خد القضية لحسابك .... فاكرني على آخر الزمن هاكل حرام
صمنت دنيا تفكر في كلماته فيرغم شعورها بالحنق تجاه رفضه للقضية إلا أنها لم تستطع أخفاء شعورها بالأعجاب تجاهه لم تكن هي الوحيدة التي أعجبت به بل كانت تورا أيضا التي كانت تقف تنظر إليه باحترام شديد حالت منه التفاتة إليها انتزعتها من أفكارها وقالت بسرعة:
الدكتور حمدي عاوزك في مكتبه
نظر فارس إلى وجه الدكتور حمدى فوجده مازال محتفنا بالدماء من كثرة غضبه وانفعاله فقال:
أهدى يا دكتور الراجل مشى خلاص
قال الدكتور حمدي بعصبية وهو يضرب سطح المكتب بقبضته :
شفت الراجل الوقح ده كان عاوز ايه
أوما فارس مجيبا وهو يقول:
ایوا يا دكتور وعموما أنا اديته اللي فيه النصيب ومشى
نظر إليه حمدى مستفهما فقال فارس
أديته كلمتين في عضمه يمكن يفوقوه ويفكروه أن في آخره وعذاب وحساب من ربنا
ضرب حمدي كفيه ببعضهما وهو يهتف متعجباً:
لاء ومش دى المصيبة يا فارس ... المصيبة انى كنت فاكر اني مشغل معايا ناس عندهم ضمير لكن للأسف الكام محامي اللي شفتهم بره بيهدوه كانوا موجودين ويقولولي وفيها ايه يا دكتور
ده شغل .. تخيل يا فارس انا على آخر الزمن اشتغل بالطريقة دى
نهض فارس وافقا بقلق وهو يقول:
أنا هروح اجيب لحضرتك كوباية ماية
أشار إليه حمدى مستوقفا أياه وهو يقول:
لا متقلقش با فارس.. أنا خلاص هديت وبقيت كويس متقلقش
ثم زفر وهو يعيد ظهره إلى الوراء ويستند إلى ظهر كرسيه وهو ينظر الفارس قائلا :
الحمد لله أنا كده اتأكدت أني اخترت صح من الأول
أنتهت نورا من عملها وانصرفت من المكتب، وما أن هبطت الأسفل حتى وجدت خطيبها رامي ينتظرها أمام البناية داخل سيارته الصغيرة, ابتسمت ابتسامة صغيرة واستقلت السيارة بجواره
فانطلق بها وهو يقول:
وحشتيني يا نورا .. شكلك مرهق أوى النهاردة
نظرت له وقد بدا عليها الإرهاق بشدة وهي تقول:
ما أنت تعرفه عن شغلنا متعب آزاي
أنا مش عارف أيه اللى جابرك على كده ... منا قلتلك كفاية بقى من زمان بس انت اللي مصممة
تشتغلى مش عارف ليه ... كان يتوقع أن تتكلم بحدة كعادتها عندما تأتى سيرة عملها ولكنها هذه
المرة قابلت الحديث بصمت وهي تستند براسها للخلف وتانول:
هبقى افكر في الموضوع ده تاني
أغمضت عينيها باسترخاء ولكن فجأة فتحتهما وكأنها تذكرت شيئا وقالت باهتمام:
عاوزة اخد رأيك في حاجة مهمة
قولي يا نورا انا سامعك
قصت عليه ماحدث في المكتب اليوم من شد وجذب مع هذا الرجل ولكنها لم تذكر له رد فعل فارس واكتفت بما فعله الدكتور حمدي ثم قالت تختبره
انت ايه رايك يا را می... لو كان الراجل ده عرض عليا القضية اشتغلها لحسابي أوافق ولا لاء ؟؟
قال بسرعة وبدون تفكير
لاء طبعا ده راجل معندوش دم ولا ضمير.. كويس أن الدكتور حمدى طرده پس ... ده لو كنت انا كنت طبقت في زمارة رقبته
قالت ببطء
حتى لو كان هيد فعلى الفلوس اللي انا عاوزاها
قال بضجر
حتى لو كان هيدفع مال قارون دى هتبقى فلوس حرام
ابتسمت نورا وهي تسترخي بجسدها بالكامل للوراء وتسائلت, لماذا اذن لم تكن ترى خطيبها يحمل تلك المشاعر النبيلة والضمير اليقظ من قبل هل لأنها لم ترى الا فارس فقط أم لأنها كانت تحكم على رامي مسبقا دون أن تعرف شيئا عنه أو تحتك به عن قرب كما كان يحدث هذا يوميا مع فارس، تعددت الأسباب والحكم واحد في النهاية، لا تعلم لماذا بدت صورة فارس امام عينيها تتلاشى لتحل محلاها صورة رامى الجالس بجانبها خلف عجلة القيادة. حانت منه التفاتة إليها فرأى نظرات الحب التي لم يرها أبدا في عينيها منذ أن عقد قرانها ، فأوقف السيارة
جانبا وظل ينظر إليها بحب وشوق لتلك النظرة المطلة من عينيها, فقالت :
وقفت العربية ليه يا رامي
- أبتسم وهو يقول:
أصل انا معرفش أحب وأسوق في نفس الوقت بصراحة
عاد فارس لمنزله سريعاً بعد صلاة الظهر ليلحق بميعاد الغذاء مع والدته حتى لا تأكل وحدها وهو ما يزال مشدوها مما حدث يوم أمس في المكتب ومما سمع من هذا الرجل، ريتت والدته على رأسه بحنان وهي تهم بالجلوس بجواره حول مائدة الطعام نظر لها بابتسامتة العدية فقالت:
مالك يابني من ساعة ما رجعت وانت سرحان وبالك مشغول
ما كادت أن تنهى عبارتها حتى سمعت طرقاً على باب الشقة ، نهض فارس سريعا واتجه ليفتحالباب فوجد أم يحيى أمامه ويبدو عليها علامات العجلة والتوتر وقالت:
أسفه والله يا أستاذ فارس هي الست ام فارس موجودة
نادتها أم فارس من الداخل فأفسح لها فارس المجال للدخول ولكنها اكتفت بأن تطل برأسها
وهي تقول :
معلش يا ست ام فارس اصل اختى تعبانة شوية ولازم اروحلها دلوقتي
نهضت أم فارس واقتربت منها فقالت بحرج
ممكن بس لو مهرة نزلتلك تخليها عندك لحد ما ارجع... أصلها عليها واجبات كثير النهاردة ومكنش ينفع اخدها معايا
تدخل فارس قائلا:
هي لوحدها فوق ولا يحيى معاها
قالت بحرج
لا أصل يحيى عنده درس دلوقتي و معاه زمايله فوق ... وانا سبتها معاهم لحد ما ارجع بس ممكن تضايق لوحدها ولا حاجة ... فلو نزلت معلش يعنى استحمليها لحد ما ارجع .. أنا مشر
هتأخر ان شاء الله
قاطعها فارس مرة أخرى وقال مؤنباً أياها:
معقول يا ام یحیی، سايباها مع شباب لوحدها فوق وكمان المدرس اللي معاهم كده ينفع
بمعنى آخر
ضحكت أم يحيى وهي تقول :
شباب آیه پس یا استاذ فارس ... دول شوية عيال في ثانوى وهي مقروضة زي ما انت عارف وبعدين مفيش حد غريب ده يحيى معاه محمود أخو البشمهندس عمرو ومعاهم أثنين من
زما يلهم في المدرسة
رفع فارس حاجبيه وقال متهكماً:
شوية عيال ... والله انت غلبانة يا ست ام يحيى ... ده محمود ده بالذات عاكسها قدامي في خطوبة عمرو وجيت اكلمه مهموش وعاد نفس الكلام قدامي ... ما بالك بقى بالاثنين الثانين
تدخلت أم فارس قائلة :
خلاص روحی الت و انا هبقى اطلع اجيبها
انصرفت أم يحيى سريعاً وهبطت الدرج على عجلة منها وهمت أم فارس أن تغلق الباب ولكنه استوقفها قائلا:
استنى يا ماما لما اطلع اجيبها الأول
قالت بدهشة:
أتغدى طيب وبعدين انا هبقى اطلع أجيبها
قال وهو يخرج من الباب ويتجه إلى السلم :
معلش يا ماما هجيبها الأول واهي تتغدى معانا بالمرة
صعد فارس للطابق التالي لهم وطرق الباب ففتح له يحيى وابتسم عندما راه قائلا:
- أبيه فارس اتفضل
دخل فارس وهو يضع ذراعه على كتفه بود قائلا:
ها عامل ايه في المذاكرة
المستر لسه مجاش.. اتأخر النهاردة وانا قاعد اهو يخلص الواجب اللي كان مديهولنا في المدرسة
نظر فارس حوله وهو يحدثه، فوجد زملائه يعبتان أمام قنوات التلفاز وينضاحان بشكل عشوائي ومحمود يقف في الشرفة يضايق شهرة كالعادة وهي ممسكة بدعيتها المفضلة باربي
هدية فارس لها أشار له فارس باتجاه محمود وقال بغضب:
ازاى امك تأمنك على اختك وسايب صاحبك واقف يكلمها كده ويضايقها
سمعت قهرة صوت فارس فأقبلت مسرعة باتجاهه ضاحكة بينما كان يحيى يقول:
مانا مخلى بالى منها يا أبيه هو انا عملت حاجة.. وبعدين دي تضايق بلد بحالها
زفر فارس بضيق وقال ليحيى :
- طب خلص الدرس بتاعك وبعدين هيقى اقعد اتكلم معاك في الحكاية دي بعدين وافهمك
ثم التفت المهرة قائلا:
بالا روحي هالي شنطة المدرسة علشان تنزلى معايا
أخذها فارس وهبط بها لشقته ووجد والدته تعد لها صحتها التي تحب أن تأكل فيه فابتسمت
عندما رأتها بصحبته التف ثلاثتهم حول المائدة وهو يقول :
كويس إلى طلعت على طول
نظرت له والدته متسائله فقال:
لو سمحتى يا ماما شهرة تفضل معاك معظم اليوم زى ما كانت الأول ... أنا كده هبقى في الشغل
و دماغي بتلف
بعد انتهاء الغذاء أعد فارس الشاي ووضعه أمام والدته على الطاولة المواجهة لمقعدها بينما جلس هو على الأريكة واستندت قهرة يظهرها إلى أريكته وهي على الأرض بجوار ساقه وتضع
کراستها فوق ركبتيها وهي تحل أحد المسائل الحسابية فقالت لها أم فارس:
یابتی ما تقعدى على الترابيزة حد يذاكر كده .. هنتعیی
قالت شهرة دون أن تنظر إليها يحب اذاکر کده با طنطی
التفت فارس إلى والدته وقال:
سيبيها يا ماما ما انت عارفاها دماغها ناشفة
نظرت له والدته وقالت:
على فكرة ... أنا منستش أنك كنت سرحان وبالك مشغول ... خدتني في دوكه في موضوع شهرة
ده ... قولي مالك
تناول فارس كوب الشاى الخاص به وأخذ منه رشمة صغيرة وقال فارس متعجباً :
تخیلی با ماما واحد جالنا المكتب فقضية طلاق ... ومش هتصدقي كان عاوز ايه
قالت والدته بفضول واهتمام وهي تضيق عينيها:
كان عاوز ايه يابني
قص عليها تفاصيل ما حدث بينه وبينه الرجل والحوار الذي دار بينهما وما سمعه من الدكتور
حمدي عقب خروج الرجل من عنده فقالت وهي تهز رأسها بحزن :
ومالك يابني مستغرب كده ليه ده بقى عادي خلاص .. سيرة الناس بقت لبانه في بؤ كل واحد شوية من غير خشى ولا ضمير... بالكذب بقى بالباطل مش هتفرق ... ده حتى لو العيوب دي فيه
فعلا تبقى غيبة
رفعت قهرة رأسها من بين كتبها وقالت:
يعنى لو واحدة صاحبتي قالت عليا لواحدة صاحبتي ثانية أن انا أوزعة .. يبقى كده حرام صحیا فارس
نظرا إليها كل من فارس ووالدتها متعجبين وقالت أم فارس :
ايه ده ... انت واحدة بالك من الكلام وانا اللي فاكراكي غلبانة
ضحك فارس ووجه كلامه القهرة قائلا:
صح يا مهرة وهحكيلك بقى حكاية علشان تفضلي فاكرة الموضوع ده في دماغك على طول بما انك بتحبى الحكايات
جلست مهرة في انتباه وهي تستمع إليه فقال:
بصى يا ستى كان مرة الرسول عليه الصلاة والسلام ماشي وكان في ناس ماشيين وراه
بيتكلموا على واحد مش موجود كلام مش كويس .. الرسول عليه الصلاة والسلام شاف حمار
ميت مرمى في الطريق .... عمل أيه بقى الرسول علشان يعلمهم براحة
شاور على الحمار الميت ده وقالهم ياكلوا منه... وبعد ما الناس استغربت و قالوا ازای هتاکل حمار ميت ... الرسول قالهم لو كنتم أكلتم لحم الحمار الميت ده أهون من أنكم تتكلموا على
أخيكم وتتكلموا عليه كلام هو ميحبش حد يقولوا عليه
يعني يا مهرة لو لقيتي حد بيتكلم على حد بحاجات هو ميحبهاش في نفسه اتخيلي كده أنهم
قاعدين ياكلوا لحم حمار ميت
وضعت مهرة يدها على فمها متفرقة ثم قالت :
طب لو انا عملت كده اعمل ايه طيب
ضحكت أم فارس من طريقتها وابتسم فارس وقال :
استغفري كثير ليكي وللي اتكلمتي عليها
صلى فارس الجمعة ووقف يبحث بعينيه عن بلال وأخيرا وجده فأقبل عليه مسرعاً وصافحه
بحرارة فقال بلال
هو انا يابني مش هشوفك غير في المصايب ولا أيه
ضحك فارس الداعيته وقال مدافعاً:
لا والله مفيش مصيبة المرة دى ... دى خدمة بس
ضحك بلال وقال:
أنا برضة بقول عليك بتاع مصلحتك.. ها خير
- شوف يا سيدي الحكاية باختصار .. أخت خطيبة عمرو صاحبي وقعت من على السلم ورجلها
انكسرت والدكتور قال لازم علاج طبيعي بعد ما تفك الجبس واهي فكنه من يومين ومن ساعتها واحدا دايخين على دكتورة است ... مش لاقين .. وبما أنك بقى دكتور علاج طبيعي يبقى
مفيش قدامنا غير سيادتك
حاول بلال أن يتكلم رافضاً ولكن فارس قاطعه بسرعة :
- أولا انا عارف أنك بتتعامل مع الرجالة بس ... لكن والله غصب عننا ومفيش حل تاني يا أما است
با اما دكتور نضمن خلفه وأمانته
ثانيا انا عارف أنك شهم ومش هترضى توديها عند أي دكتور منضمنوش ده غير انها رافضة
تروح لدكتور لأنها منتقبة ومش عاوزه راجل يلمسها يرضيك بقى يحصلها مشكلة في رجلها
أطرق بلال برأسه قليلا ليفكر في الأمر لقد كان شبه مستحيل بالنسبة له أن يتعامل مع النساء وخصوصا في هذا المجال الذي يتطلب بعض اللمسات المباشرة فرفع رأسه وقال متسائلا:
قلتلي انها رافضة تروح لدكتور راجل ؟
قال فارس مؤكداً:
أه والله يا بلال ... ده حتى لما رجلها اتكسرت وراحت المستشفى ... بدل ما تعيط من الألم كانت
بتعيط أن الدكتور شاف وشها وهو بيقوقها
قال بلال بعفوية :
هي منتقبة من زمان ؟
نظر له فارس بدهشة وقال:
افتكرتك هتسألني على حالتها الصحية
أثنية بلال لسؤاله وقال مستدركاً
طلب ماهي هترفض تجيلي برضة .. مش بتقول رافضة تروح لدكتور راجل
ابتسم وهو يقول:
لو أنت وافقت مقول لباباها وهو هيتصرف ... مفيش حل ثاني ... الدكتور بعد ما فك الجبس قال لو معملتيش علاج طبیعی هيحصل تيبس للعضلات و ضمور ومش هتعرف تتحرك ثاني
قطب بلال حبيته وهو يعقد ذراعيه أمام صدره ثم ابتسم قائلا:
هاتهالي المركز بكره .. بس يكون والدها معاها