رواية مع وقف التنفيذ الفصل الثالث عشر 13 بقلم دعاء عبدالرحمن


 رواية مع وقف التنفيذ الفصل الثالث عشر 


كانت عزة تجلس بجوار أختها عبير ظهرا وهي تساعدها في ارتداء اسدال الصلاة فسمعت

صوت رنين الهاتف فقالت عبير

روحي شوفی مین یا عزة خلاص هلف الطرحة وأصلى

تركتها عزة وأتجهت للهاتف بعد أن ريتت على كتفها وأجابت على المتصل:

السلام عليكم

أبتسم عمرو بتلقائية وهو يقول:

وعليكم السلام ... هي النمرة غلط ولا ايه

قالت عزة باستغراب:

لا يا عمرو الثمرة مش غلط

اتسعت ابتسامته أكثر وأخفض صوته وهو يضع أصابعه على سماعة الهاتف قائلا :

لما رديتي عليا وسمعت صوتك افتكرت انى اتصلت بمحل العصافير

انتبهت عزة أنه يداعبها فلم تستطع أن تمنع نفسها من الابتسام ولكنها قالت بدرة جدية:

خير يا عمرو في حاجة

زفر عمرو بقوة شعرت بها عزة على الطرف الآخر وقال:

أه في طبعا أومال بتصل علشان اقولك وحشتيني مثلا .. لا يا ماما ده بعدك

أحمرت وجنتها وقالت بنبرة اكثر جدية:

لو سمحت يا عمرو قول عاوز ايه وإلا هنادي ماما تكلمك هي بقي

قال على الفور :

لالالا على ايه يا ستى ... بصى احنا الحمد لله لقينا دكتور علاج طبيعي كويس أوى ومحترم جدا ومتدين وعلى فكرة هو مش بيتعامل مع ستات ... بس لما فارس قاله أن عبير مش عاوزه تروح

الدكتور والكلام ده .. وافق طبعا بس عاوز والدك يروح معاها

قالت عزة بتلقائية وبدون تفكير:

معرفتك ولا معرفة فارس ؟

تغير صوت عمرو وقال بضيق:

متفرق معاكي مش كده ..؟؟

شعرت بالأرتباك وندمت على كلمتها ولكنها قالت بتماسك :

لا مش قصدى ... قصدى يعنى.. أصلك بتقول متدين و... محت

قاطعها بغضب وغيرة واضحة

وأنا معرفش حد متدين و محترم ... لكن فارس يعرف مش كده... مش ده قصدك ؟

حاولت أن تتكلم ولكنه قاطعها مرة أخرى قائلا:

عموما هكلم والدك لما ارجع من الشغل واديله التفاصيل والعنوان... سلام

أنهى عمرو المكالمة بعصبية ومسح رأسه بعنف, حاول أن يعود إلى عمله، ولكن افكاره جميعها

تشتت وغلب عليها عدم التركيز فترك القلم مرة أخرى ووضع رأسه بين يديه وأغمض عينيه

واستسلم الشيطانه الذي أخذ يوسوس له ويؤكد له الفكرة التي زرعتها هي بكلمتها تلك
اتناول القلم مرة أخرى ودون عنوان الدكتور بلال عليه ثم استأذن وانصرف مغادرا إلى منزل

عزة صعد الدرج سريعاً. طرق الباب والنظر بعيدا حتى فتحت والدتها الباب وقالت بترحاب لا

يخلو من الدهشة:

اهلا يا بشمهندس ... أنفصل يابني

أخرج عمرو الورقة من جيبه ومد يده بها إليها وهو يقول :

معلش يا طنط وقت ثانی ان شاء الله ... ده عنوان دكتور علاج طبيعي كويس صاحب فارس مش صاحبي ... فارس كلمه على حالة عبير وهو مرحب بيها في أي وقت بس لازم يكون والدها

معاها .. والأشعة كلها

مدت يدها لتأخذها وهي تقول :

بايتات السلمی تعالی منفعش على كده.

قال وهو يتجه للسلم مرعاً:

معلش اصلی مستعجل شوية .. سلام عليكم

عادت والدة عزة للداخل وهي تنظر أمامها متعجبة وتقول :

- سبحان الله ...!!

خرج زوجها من غرفة نومه بعد أن أنهى صلاته وقال وهو ينظر اليها:

مين يا ام عبير

قالت زوجته وهي تنظر لعزة الجالسة أمام التلفاز شاردة :

ده عمرو یا حاج

انتبهت عزة والتفتت إليها وقال والدها متعجباً:

ومدخلش ليه ؟

نظرت والدتها إليها مرة أخرى باستفهام وقالت:

مش عارفة يا حاج .. شكله كده مضايق من حاجة

ناولته الورقة وهي تقول:

كان جايب عنوان دكتور علاج طبيعي تغيير وبيقولى انه صاحب فارس مش صاحبه هو

اخترقت الكلمة أذن عزة وشعرت أن الدماء ستنفجر من رأسها وقالت بداخلها وهي واجمة:

طالما زعل وعمل كده يبقى أكبد افتكر أن في حاجة .. يارب استر

ها نفت عبير مستنكرة

- أنا مش هروح يا بابا

نظر لها والدها بحدة لم تعتدها منه وقال:

هتروحی یا عبير يعنى هتروحي .. ولا عاوزه يحصلك ضمور و منتحر كيش تاني

شعرت بالعبرات تقتحم مجال رؤيتها لتعيقها عنه وهي تقول:

یا بابا حضرتك عارف يعنى ايه علاج طبيعي ... يعنى ممكن يقول تدليلك وكلام فاضي يرضيك

یعنی یا بابا واحد يقعد يذلك رجلى

تدخلت عزة وقالت بخفوت وكأنها تخشى أن يخرج صوتها من حلقها :

عمرو لما اتصل قال انه متدين ومحترم ومش بيتعامل مع ستات أصلا لكن لما ...

وشعرت بغصة وهي تقول على مضض

لما فارس قاله انك مش عاوز تروحلى لدكتور راجل وان احنا مش لاقين دكتور مضمون وافق بصعوبة

نهض والدها وقال موجها حديثه لعبير :

جهزي نفسك هنروح بكره على طول

وقبل أن تتكلم قال أمراً:

ومش عاوز كلمة زيادة

دخلت عبير مركز العلاج الطبيعي وهي تستند الذراعي والدها ووالدتها جلست تنتظر دورها بجوارهما في قلق، المكان حولهم ملىء بالرجال لا يوجد امرأة واحدة في المركز، شعرت بألم
في معدتها وحاولت أن تذكر الله مراراً حتى تهدأ، نهض والدها وتحدث إلى الممرض ثم عاد

مع وقف التنفيذ".

تي حبيبة حجازي

39

جرب بريميوم

وجلس بجوارهما مرة أخرى ومال عليهما قائلا:

خلاص قدامنا حالة واحدة بس الحمد لله

همست عبير مستنجدة به:

بابا انا عاوزه اروح البيت

نظر لها محذرا وقال:

عبير ايه شغل العيال ده

وأخيرا جاء دورها في الدخول له, ولم تكن تطأ إلى غرفته حتى اتسعت عيناها دهشة وهي تنظر إلى بلال ولحيته وسمته الظاهر غضت بصرها سريعاً عنه وسمعت والدها يلقى السلام وسمعته يرد عليه السلام بود و احترام ثم هب بلال واقفاً ووضع مقعد الكشف في وضع مريحلها وابتعد حتى تجلس بأريحية وعاد ليجلس خلف مكتبه مرة أخرى

جلس والديها على المقعدين المقابلين أمام مكتبه وهو ينظر إلى الأشعه بأمعان وتأمل دقيق، لم

رفع رأسه بابتسامة عذبة وبشاشة قائلا:

ما شاء الله نتيجة الأشعه ممتازة ... باذن الله كده الموضوع مش صعب خالص على فكرة

.. متقلقوش يا جماعة خير ان شاء الله

قالت والدتها وقد كانت تعابير وجهها قليلا:

ان شاء الله ... تسلم يا دكتور والله انت وشك فيه القبول

أردف زوجها على الفور :

اه والله يا حجة معاكى حق

أبتسم بلال وهو ينظر للزوج قائلا:

جزاكم الله خيرا والله ده من ذوقكم بس

تناول أحد الملفات الفارغة وهو يقول:

انا هعملها ملف بحالتها في الأول كده علشان نبقى متابعين التطورات أول بأول

لمعت عينيه بنظرة ذات مغزى وهو يدون البيانات تظاهر بالاستغراق في كتابة البيانات ووالدها يمليه أسمها والعنوان ورقم الهاتف, توقف فجأة عن الكتابة وسأل بشيء من الامبالاة قائلا:

أكتب أنسه عبير ولا مدام عبير

قالت والدتها سريعاً:

آنسه عبير يا دكتور

دون بلال البيانات فقال والدها بتردد:

هو العلاج الطبيعي ده بیبقی ازای ... معلش يا دكتور اصليها للتعبير عن القلقانة أوى ومكنتش عاوزه تیجی علشان يعني مش عاوزة حد يشوفها

قال بلال وهو ينهض ويتجه إليها قائلا:

- متقلقش یا حاج

وتناول مقعد صغير ووضعه بجوار مقعد الكشف الذي تجلس عليه عبير وما أن جلس عليه

أمامها مباشرة وما أن شعرت عبير باقترابه حتى هتفت فجأة:

مش هكشف .. مش ​​هكشف انا عاوزه امشی ... روحتی با بابا

هب والدها واقفاً واقترب منها يهدأها بينما قال بلال له :

لو سمحت يا حاج استنى شوية . عاوز اتكلم مع الأنسه عبير

أوما والدها براسه موافقاً له فاستند بلال بمرفقيه على قدميه وقال لها دون أن ينظر إليها :

انسه عبير .. لو سمحتى أهدى علشان اعرف الفهمك طبيعة العلاج

غشيت الدموع عينيها ولم ترد. وقالت بصوت متقطع

أنا عندي أموت ومفيش راجل يلمسنى

قال بجدية :

يعنى عمرك ما روحتى لدكتور خالص ؟

قالت بانفعال :
- الحمد لله عمري ما تعبت إلا ولقيت دكتورة است ... إلا المرة دى

قال مختبرا :

اه بس ليه تتكسفي من الدكتور ده شغله يعنى مش اي راجل كده و خلاص

قالت بصوت متقطع من أثر البكاء:

السيدة عائشة كانت بتشد ملابسها عليها وهي داخلة الحجرة اللى ادفن فيها الرسول عليه الصلاة والسلام علشان عمر بن الخطاب كان مدفون جنبه.. يعنى كانت بتستحي من واحد ميت حضرتك بقى مش عاوزني استحى من راجل عايش لمجرد أنه دكتور

أطرق بلال برأسه ولاحت ابتسامة رضا على شفتيه ثم قال بصوته العذب مطمئناً:

- حالتك أصلا مش محتاجة كشف.. يعنى أنا مكنتش هكشف عليكي اصلا .. زي ما قلتلك حالتك واضحة من الأشعة وكويسة أوى واحب اطمنك العلاج الطبيعي مش هيطول ومش هيحتاج ان

راجل يلمسك .... ممكن تهدى بقى علشان تعرف تتفاهم

هدأت عبير قليلا وتبادل والدها ووالدتها النظرات القلقة من المرحلة القادمة, نهض بلال واقفاً وأبعد مقعده قليلا وقال بحزم

قومي اقفى لو سمحتي

نظرت إلى والدها الذي كان يقف بجوارها ومدت يدها له ليساعدها ولكن بلال أوقفها قائلا:

لالالا محدش هيساعدك.. أنت هتقفى لوحدك

حاولت عبير النهوض وأخيرا نهضت بصعوبة وهي تتألم فقال بابتسامة :

ماشاء الله مكنتش متوقع تجيبيها لوحدك في الأول كده

تم أشار إلى أحد الأجهزة بعيدا وقال:

- شايفة الجهاز ده... روحی اقعدى على الكرسى اللى جانبه

كانت تمشي بصعوبة بالغة وهي تكنم آلامها بداخلها واخيرا وصلت إليه وجلست بصعوبة.

وحدها أقترب منها وضغط أحد أزرار الجهاز وهو يقول:

ده جهاز ممتاز أوى لحالتك ... يالا ارفعي رجلك وحطيها هذا تحت النور ده بالظبط ...

فعلت كما أمرها ثم قالت بتوتر :

على فكرة لو هتقولى تدليك مش هعمله

أبتسم وهو يتجه لمكتبه وقال:

تدليك ايه بس.. ده موضة قديمة في العلاج

جلس خلف مكتبه وهو يكتب في مافها ميعاد أول الجلسات فقال والدها:

هو العلاج ده هياخد كام جلسة يا دكتور

بلال :

السؤال ده لسه شوية عليه يا حاج .. أحنا لسه بتقول يا هادي

وضعت عزة سماعة الهاتف في يأس ونظرات الحزن تطل من عينيها وتفصح عن نفسها, جلست

والدتها بجوارها وهي تقول :

مش عاوز يكلمك ليه ؟؟

التقتت عزة لها متعجبة وقالت:

هو مين ده يا ماما

خطيبك

مين اللي قالك كده يا ماما ده انا لسه كنت .... كنت بكلمه اهو

امسكتها والدتها بكتفها ونظرت لعينيها بقوة قائلة:

ما هو أو مقولتيش هروح أقول لبوكي وهو بقى يقررك بمعرفته

قالت والدتها هذه الكلمة وهمت بأن تنصرف ولكن عزة أمسكتها من يدها واتحدت تقبل كفها

قائلة برجاء:

لا يا ماما الله يخليكي بلاش تدخلي بابا في الحكاية

اعتدلت أمها في جلستها وهي تقول :

قولى يا عزة ايه اللى حصل بينكوا .. اللي جه يديني العنوان ده مش عمرو اللى احنا تعرفه ده
كأنه واحد ثاني وانا متأكدة أنك عملتي مصيبة

أطرقت عزة برأسها و روت لها بخفوت ما حدث وما قالت في المكالمة الهاتفية التي كانت بينها

وبين عمرو, نظرت لها أمها بضيق وقالت بغضب:

أنت بابت غبية ولا مبتفهميش

والله أعلم بقى فهم ايه دلوقتي .. ويمكن يروح يقول لأمه على كلامك ... وأمه تيجى تتكلم هنا

وضربت على قدمها بانفعال وهي تقول:

وتبقى مشكلة

قالت عزة متبرمة:

هتقول ايه يعنى .. وبعدين هو اللي فهم غلط

قالت أمها بعصبية:

لاء مفهمش غلط یا عاقلة يا كاملة ... أي عيل صغير يفهم أنك يتبصى لفارس نظرة غير اللي

بتبصيها الخطيبك ... ويارب يكون فهم كده وبس والشيطان ميكونش لعب بعقله وفهمه حاجة ثانية

هيت واقفة وأمسكتها من يدها بقوة وهي تقول آمره:

أتفضلي روحي أليسى علشان نعملهم زيارة ونشوف ميتهم أيه يلا بسرعة.. واسمعى متجييش

سيرة عن حاجة قدام امه .. أتعاملي عادي كان مفيش حاجة

رحبت والدة عمرو بعزة ووالدتها وعانقتهما بحرارة مما جعل والدة عزة تطمئن أن عمرو لم يتكلم

معها في شيء نهضت والدته وهي تقول بترحاب شديد:

توانی هعمل الشاي وأشوف عمرو صاحي ولا تايم لسه

تبادلت عزة النظرات مع والدتها التي همست لها:

کده بیقی مقالش حاجة لامه ... اصل أنا عارفها اللي في قلبها على لسانها میتعرفت تخیی

خرج عمرو من غرفته فوقع نظره على عزة ووالدتها تجلس بجوارها حاول رسم ابتسامة على

شفتيه وهو يقول:

اهلا وسهلا ازي حضرتك يا طنط

ثم قال وكانه يجبر نفسه على الحديث معها قائلا:

- ازيك يا عزة

ابتسمت والدتها وهي تقول له :

أزيك أنت يا حبيبي أخبار شغلك ايه

جلس دون أن ينظر إليهما وهو يقول:

الحمد لله تمام

لكزتها أمها في يدها لتتكلم معه ونظرت لها بحدة فقالت عزة على الفور بصوت ضعيف

ازيك يا عمرو

هب واقفاً وهو يقول بجفاء:

- الحمد لله ... طب عن اذنكم بقى علشان عندي مشوار مهم

أوقفته والدتها وهي تقول واقفة:

آسانی با عمرو عزة عاوزه تقولك كلمتين

نظرت إلى عزة بضيق وهي تقول :

قولى لخطيبك اللى انت عايزاه على ما أدخل أعمل فنجان القهوة بتاعى مع خالتك يا عزة

تبعتها بنظرها حتى دخلت المطبخ خلف والدته وقالت بأسف :

- عمرو انا أسفه .. أنت والله فهمت غلط

أشاح بوجهه بعيداً ولم يرد, كانت مشاعره متضاربة كالأمواج المتلاطمة, يريد أن يسامحها

ويبتسم لها ويمزح معها كما اعتاد ويزيل نظرات الحزن من عينيها ولكنه لم يستطع, طال صمته فقالت بحزن:

والله ما كان قصدي انا كده متسرعة في كلامي ومبفكرش فيه الأول قبل ما اقوله

التفت إليها حافظاً ونطق بما يعتمل بصدره منذ سنوات وقال:
أنت فعلا مفكرتيش فيه ... أنت قلتي اللي في قلبك يا عزة ... أنت عمرك ما هتشوفيني راجل محترم وطبعا بما انى مش محترم فاستحاله اعرف حد محترم ... عارفة ليه علشان عليكي مش شايفة غير واحد بس ...

قاطعته بلوعة:

ارجوك اسكت ... متقولش كده انت غلطان والله غلطان

ماشي أنا غلطان ... بس انا هسألك سؤال واحد ... أنت وافقني على خطوبتي ليه

شعرت بالأرتباك وهي تقول متلعثمة:

علشان انت شاب كويس و محترم و جاري واخلاقك كويسة

قال بحدة وبلهجة حاسمة:

وفين الحب في كل ده .. أنت عمرك ما حبتيني ولا هتحبيني

نظر إلى عينيها بحدة وأشار إلى خاتم الخطبة في أصبعها وهو يقول:

الطوق اللي خالق ده تقدري تقلعيه في أي وقت براحتك ... ومتقلقيش محدش هيعرف حاجة .. أحنا كده خلاص

قفزت دمعة من عينيها رغماً عنها وهي تقول بصوت متقطع :

مش هقلعها يا عمرو

واستدارت وغادرت المكان كله، نظر إلى الفراغ الذي كان يحتله جسدها منذ قليل وهو غير مصدق الكلمات التي خرجت من فمه والدموع التي انسايت من عينيها بسببه كل شيء كان له سبب في عقله, كلامها ورجائها وغضبه منها إلا شيء واحد .. عبراتها ... دخل غرفته وأغلق الباب بقوة وهوى إلى فراشه غضبان أسفا. يلعن القلب الذي مازال يحبها رغم علمه أنها تحب غیره ضرب الفراش بقبضته ومد يده يخلع الطوق الذي يحيط بأصبعه والذي شعر أنه يطوق عنقه ويخنقه هو أيضا ويمنع عنه الهواء.

خرجت والدة دنيا من غرفتها ليلا وهي في طريقها إلى الحمام مروراً بغرفة ابنتها سمعت صوت يشبه الهمس أتي من الداخل, نظرت للباب بانتباه ودهشة واقدريت ببطء ووضعت اذنها عليه لتستمع لما يدور بالداخل خفق قلبها وهي تستمع لابنتها تقول بتوتر :

لا يا استاذ باسم مينفعش كده حضرتك كده زودتها أوى ... أنا قلتلك كثير قبل كده انى محبش الكلام ده.. وبعدين انا كل ما أحاول افاتحه في الموضوع بتراجع .. أنا متأكدة أن فارس مش هيوافق وهيعملى مشاكل كثير.. إذا كنت متجرأتش أقوله على حكاية الموبايل دي لحد دلوقتي

وقفت والدتها الفكر ماذا تفعل :

هل تدخل تسألها ماذا يحدث أم تتركها للصباح, ترددت قليلا ولكنها لم تستطع أن تمنع نفسها حينما سمعتها تقول:

لا يا أستاذ باسم انا عمري ما ارضى ابقى زوجة ثانية أبدا.. وكمان عرفى .. ليه يعنى أعمل في نفسي كده ليه

فتحت أمها الباب فجأة فوقع الهاتف من يدها وهي تنظر إليها يخوف أقتربت منها أمها وقالت سخط

اسمي أو العالم

ارتبكت دنيا وتلعثمت وهي تقول :

في ايه يا ماما مالك كده.

افتريت أمها منها أكثر وتناولت الهاتف قائلة بغضب:

أنا مش ها لوم عليكي.. أنا اللي معرفتش اربيكي من الأول

أخذت الهاتف معها وخرجت من غرفة دنيا دخلت غرفتها واطمئنت أن زوجها نائماً نظرت للهاتف بحيرة ممزوجة بالغضب ثم وضعته في خزانة ملابسها الخاصة وأحكمت غلقه بالمفتاحالخاص به وجلست على طرف الفراش بجوار زوجها الذي قد سكن جسده بجوارها

جلست دنیا منكمشة في فراشها تفكر في رد فعل والدتها وماذا ستفعل بها, لم تمضى الساعة حتى دخلت عليها والدتها مرة أخرى ولكنها كانت في حالة انهيار شديد ودموعها تملأ وجهها

وهي تصرخ بها :

أبوكي مات يا دنيا.. أبوكي مات
وقف فارس أمام باب شقة دنيا يأخذ عزاء والدها بجوار خالها وأولاده، أما ودنيا ووالدتها تجلس مع النساء في الداخل أنتهى العزاء وغادر المعزيين وجلس فارس أمامه لا يدرى ما يقول الموقف في منتهى الصعوبة لا يحتمل أي كلمات بری دنیا تدفن راسها بين ايديها وتذرف العبرات من عينيها ووالدتها تجلس في حزن وكأنها قد زاد عمرها أضعافاً وأنحنى ظهرها وكأنه يستعد لحمل المسؤلية من بعد والدها وعينيها شاردة وملامحها واجمة تستمع إلى كلمات المواساة من أخيها وعمة دنيا وابنائهم ولا يظهر عليها أي رد فعل تجاهها ، رفعت رأسها ببطء ونظرت إلى فارس نظرة طويلة أندهش لها فارس قليلا ولكنه تعجب أكثر حينما نهضت بوهن

وقالت وهي تشير له:

من فضلك عاوزاك لحظة يا فارس يابني

ابتعدت قليلا عن الجالسين معهم وتبعها هو في صمت ثم الفتت إليه يجسدها كله ونظرت إليه

بشرود وهي تقول:

أنا يا بني عاوزه منك خدمة وعارفة انك مش هنر فضلي طلب

ثم أردفت في حزن

انا عارفة أن الكلام ده مش وقته ولا مكانه ومش عاوزاك تستغرب

نظر إليها باهتمام فتابعت برجاء

أنا عاوزاك تكتب كتابك على دنيا في أقرب وقت

نظرت له والدته بدهشة وهدفت :

ازاى امها تطلب طلب زي ده يابني وجوزها لسه مدفون

قال فارس بحيرة كبيرة

مش عارف يا ماما ... بتقول أنها خايفة على دنيا وخصوصا ان قرابيهم طول عمرهم بعيد عنهم

يعنى لو حصلها حاجة دنيا هتبقى لوحدها

نظرت له والدته بتمعن وقالت بشك.

مش عارفة يابنى مش مطمنة للموضوع ده .... طب كانت تستنى الأربعين حتى

ابتسم فارس وهو يقول :

أربعين ايه بس يا ماما ... مفيش حاجة في الدين اسمها اربعين وخميس وسنوية كل ده يدع

اتسعت عيناها وهي تقول:

ازای يا بني لا في طبعا .... طب حتى اسأل صاحبك بلال

ابتسم فارس مرة أخرى وهو يربط على يد أمه بحثان ويقول :

أنت تعرفي يا ماما الناس جابت حكاية الأربعين دي منين ....؟؟

منين يابني ؟

- زمان الفراعنة كانوا بيقعدوا يحنطوا الميتين بنوعهم أربعين يوم وفى اليوم الأربعين بيقفلوا عليه وبيفتكروا أن روحه رجعتلوا تاني و دخلت جسمه وهو قام بقى ولبس الدهب بتاعه وكل الأكل اللي سابينه جانبه... وبعدين بقى روحه تلف على حبايبه وأهله فلازم يشوف عزا وحداد

وإلا هيغضب عليهم ويتحول لروح شريرة

قال فارس كلمته الأخيرة وضحك بشدة وهو يقول:

كويس ان مهرة مش موجودة

وتابع ضحكاته الخافتة وهو يردف :

والحكاية بقى دخلت بعد كند في خرافات والناس نقلوها لبعض جيل ورا جيل لحد ما بقت حاجة عادية ... لكن في الشرع عندنا الميت بيقوم في القبر يتحاسب على عمله في الدنيا مش بيقوم يلبس دهب وياكل ويشرب وروحه تخرج تتفسح شوية

مطت والدته شفتاها وقالت باستغراب:

والله يابني ما كنت أعرف بس كويس انك نبهتني و عموما یعنی دور كلام أمها في دماغك كويس واستخير ربنا

نهض فارس بارهاق وهو يقول:

حاضر يا ماما ... انا كده ولا كده مستنى رد دنيا لانها لسه متعرفش .. أمها قالتلي أنها لسه مفتحتهاش في الموضوع

تعليقات