رواية للهوى رأي اخر الفصل الثالث عشر 13 بقلم سارة حسن


 رواية للهوى رأي اخر الفصل الثالث عشر 

خرجت أسيل من غرفة والدها بعد ما تأكدت من نومه، وقد حل عليها التعب من صعوبة اليوم وخوفها على والدها وما عاشته خلال الدقائق التي أتت فيها للمشفى وبشاعة الصور في عقلها وانقباض قلبها لفقدانه، جلست على الكرسي المقابل لغرفة والدها دون أن تدري بالضبط ماذا تنتظر، لكنها ترغب في وحدة، لحظات بينها وبين نفسها دون تدخل من أحد، مسحت على وجهها وأغمضت عينيها لثوانٍ ودمعتين صامتتين انسلّتا من جانبي عينيها وصوتًا خافتًا بجوارها ينادي باسمها، فتحت عينيها والتفتت برأسها إليه، نظرت إليه للحظات ثم عادت بوجهها عنه، ضم ياسين شفتيه ثم قال مقتربًا منها أكثر:
_ أسيل مش عايز أشوفك كده، أنا سألت الدكتور وطمنّي
لم تجبه ولكنها تنفست بعمق ثم قالت:
_ لو سمحت عايزة أكون لوحدي
قطب جبينه وبرفض أجابها بصوتٍ جاد:
_ مش هاسيبك لوحدك يا أسيل، لو عايزة تعملي أي حاجة اعمليها بس وأنا معاكي
حرّكت رأسها بالرفض وبعتاب قالت:
_ أنت فعلا معايا يا ياسين
صمت للحظة وقال بعد ما اعتدل عنها:
_ يمكن انشغلت شوية في الشغل لكن ده ما يقولش إني مش معاكي
تنهدت وبخفوت تمتمت:
_ ياريتك فعلا تكون كده
_ أسيل إنتِ نفسك تعملي إيه دلوقتي
كان سؤاله بغرض أن يهدئها ويريحها ولكنه تفاجأ بإجابتها:
_ مش حاسة إني قادرة أتكلم وعايزة أنام علشان ما أفكرش
مسك يدها بكفه ووضعها على فخذه وبحنو قال:
_ ما تتكلميش هاتكلم أنا، ومش هاتروحي غير لما أطمن عليكي
نظرت له فمسح على وجنتها مبتسمًا:
_ بكرة أبوكي اللي جوا ده يطلع عيني علشان يسيبك ليا، ما أفتكرش هايسيبك ليا بسهولة
رفعت إحدى حاجبيها فأكمل ياسين مسترسلًا مداعبًا:
_ وعنده حق أنا لو عندي بنت زيك مش هاجوزها لحد أصلًا
ابتسمت أسيل بتعب ثم ارتاحت برأسها للخلف فقال:
_ ارتاحي شوية ونمشي

........... ...
انتي هنا واقفة بتسبلي وعمك بيموت جوا يا وش المصايب
انتفضت فيروز على أثر تلك الكلمات وصوت نازلي العالي التي ظهرت فجأة من العدم
هدر بها قاسم بغضب:
_ انتي بتكلميها كده إزاي
بغيظ وغضب هتفت بفيروز الصامتة إلا من صدمتها وشحوب وجهها:
_ انتي وجودك في حياتنا غلط من الأول، لا انتي شبهنا ولا تعرفي تعيشي حياتنا وعمرك ما تعرفي تكوني واجهة لعيلتنا،
من يوم ما جيتي وكل حاجة بتبوظ، أخدتي أسيل مني وكمال وقف في وشي لأول مرة بسببك انتي
ثم أشارت نحو قاسم بسخرية:
_ وأدي الصيدة الجديدة أهو
_ نازلي
كان صوت قاسم الجهوري بعروقه المنفرة كافيًا لجعل كل من فيروز ونازلي تنتفضان مكانهما من قوته، مشيرًا نحوها بأصبعه محذرًا:
_ لما تيجي تتكلمي معاها تتكلمي كويس وتحسبي كلامك ألف مرة قبل ما تقوليه، ولو كنت ممكن أتغاضى عن حقي علشان خاطر كمال فا اللي يخص فيروز أنا ما بعديهوش
رغم رهبتها منه ومن غضبه إلا أنها لوّحت بيدها هادرة:
_ لو عايزها خدها بالسلامة وبكرة تفتكر كلامي ده، إن البنت دي ممثلة ووش الملاك والغلب اللي على وشها ده علشان بس توقع بيه اللي قدامها، بيئتها كده ودي تربيتها،
من قبلك صدقها كمال وأسيل والله أعلم قبل ما تظهر في وسطنا كانت بتعمل إيه كمان
وضعت فيروز يدها على فمها وجرت الدموع على وجهها ونظرها يدور بين نازلي وقاسم نافية عن نفسها ما يُلقى عليها زورًا وظلمًا
اقترب قاسم من نازلي بخطوات بطيئة وعينيه وكأنها تحولت لكتلتين من النيران وسط غاباته الخضراء ووجهه المشدود المحتد الذي يبدو وكأنه يود لكم من أمامه حتى تلفظ أنفاسها الأخيرة
بغضب وبانفعال مسكها من يدها حتى كاد أن ينكسر بين يديه وبصوتٍ مميت:
_ كلامك ده لو راجل اللي قاله قدامي هاقسمه نصين من غير ما أرمش بعيني، لكن بما إنك ست فا مش هاتفلتي من عقاب وعقاب يحسرك كمان
تململت نازلي وبخوف ظهر على ملامحها تساءلت بتردد وحذر:
_ يعني إيه
_ آخر شغل بينا كان الوسيط كمال بالتوكيل اللي عملاه له، دفعتي نصيبك في الصفقة ١٠ مليون، ما بقاش قاسم عمران لو شفتي منهم جنيه
شهقت نازلي وحرّكت رأسها رافضة بينما شدد قاسم على حروفه:
_ كلامك يبقى بحساب، تشوفيها تبصي في الأرض، اللي عملته ده ما يجيش حاجة جنب اللي بيدور في دماغي بس علشان انتي ست كبيرة يدوبك تتأدبي بالخسارة دي
ثم أشار بأصبعه السبابة محذرًا:
_ وإياكي تيجي على طريقها مرة تانية
ثم نفض يده عنها بنفور بان على ملامحه، وصوت أسيل من خلفهم تتساءل من تجمعهم المفاجئ والجو المشحون من حولهما، اتجهت إلى فيروز الباكية ممسكة بإحدى كتفيها بقلق:
_ فيروز إيه حصل
وعيني فيروز ثابتة على وجه قاسم الناظر إليها بهدوء، ونازلي التي أسرعت إلى الداخل بعيدًا عن عيني قاسم، تدخل ياسين كاسرًا الصمت المذبذب:
_ تحركوا وإحنا هانبقى وراكم
قالت أسيل وهي متشبثة بيد فيروز:
_ أنا مش هاسيب فيروز
هتف قاسم بحنق وضيق لم يغادره بعد:
_ روحي مع ياسين يا أسيل
كادت تعارضه فجذبها ياسين لسيارته بعدما رأى بعينيه رغبة قاسم بالانفراد مع فيروز

فيروز التي اقتربت من قاسم بوجهها الباكي الحزين وبصوت خافت:
_ أنا مش زي ما قالت أنا
قاطعها واضعًا إصبعه على بعد إنش من شفتيها دون أن يلامسها فعليًا:
_ أنا عارفك
ابتعدت بوجهها جانبًا للحظة ثم:
_ أنت النهاردة طول الوقت بس بتدافع عني، سواء بقصد أو من غير، أنا مش بزعل من أسيل لأني عارفة إنها بتحبني، بس نازلي أنا ما عملتش أي حاجة وحشة ليها علشان تطلع صورتي بالبشاعة دي قدامك
كانت آخر كلماتها بها غصة بكاء لم تستطع أن تسيطر عليها وشعور بالأقلية والظلم
_ تتجوزيني
عم الصمت، وكأن العالم من حولها غير موجود، والضجيج فقط من داخلها، من خفقان قلبها الذي ازداد بصورة ملحوظة وصدمتها من طلبه المفاجئ الذي ظنت أنه بعيد جدًا ولم تستطع أن تحلم حتى أن تنال رجلًا مثله، عينيها كانت تنظر له متحيرة بينما هو كان واثقًا وهادئًا.
_ انتي ما تعرفيش عني حاجات كتير وأنا مقدّر ده، لكن فيروز أنا فعلًا محتاجك في حياتي، حياتي مش وردي ولا طبيعية زي ما هو ظاهر، جوايا حاجات كتير ما حدش عرفها ولا عاشها غيري، محتاجك تبقي معايا تلوني الرمادي وتخليه وردي بلون خدودك
متحيرة ومتخبطة، دائمًا ما يفاجئها قاسم، يشعرها أنها صاحبة قرارها لكن في نفس الآن يسيطر على عاطفتها مثل الآن، ولو كان هو يحتاج إليها مثل ما يقول فهي محتاجة إليه أكثر بكثير، لرجل ترمي على عاتقه مخاوفها ويسعى هو ليمحيها، يمسح على قلبها ويمحو آلامه، وأمام عينيه المنتظرة إجابتها عينيها وتلقف هو إجابتَها بلهفة.

............ ..........
دخلت تلك السيدة الأنيقة، ذات الملابس الراقية وحقيبة يد معلقة على ساعدها، وحجاب أعلى رأسها أعطى لها هالة من السلام، مع ملامح وجهها الناعمة رغم كبر عمرها وتلك التجاعيد على جانبي عينيها لم تُخفِ أثر جمال امتلكته.
وقفت قبالة دهب، التي رفعت رأسها ولم تكلف نفسها عناء الوقوف لها، بينما قالت السيدة بهدوء
_ موسى موجود
أجابتها دهب نافية
_ لا مش موجود، مين حضرتك، ما افتكرش في ميعاد النهارده
ابتسمت لها السيدة رقية وأجابت
_ في الحقيقة أنا فعلا مش جاية بميعاد
ثم فتحت حقيبتها وأخرجت منها مجموعة أظرف ووضعتها على مكتب دهب، التي عقدت حاجبيها باستغراب، فمدت يدها وجذبت أحدهم، بينما قالت السيدة رقية
_ كنت قريبة من هنا قولت أطلعهم لموسى لو حابب يوزعهم، لو سمحتي وصليهم ليه
وتحركت مغادرة، استوقفها صوت دهب وهي تهب واقفة حتى وقفت قبالتها متسائلة وهي ترفع إحدى الدعوات
_ دعاوي إيه مش فاهمة، وحفلة إيه
ثم دققت النظر بها متسائلة بفضول: وانتي مين
ابتسمت رقية لفضول دهب وصدمة ملامحها.
لم ترها من قبل، وتعجبت في بداية الأمر من وجودها، لم تشبه أيًّا ممن آتوا قبلها.
أجابتها رقية بهدوء
_ دعاوي الحفلة اللي موسى هيعملها
رددت دهب في تعجب وحاجبيها منعقدين
_ حفلة!
تساءلت رقية باستغراب أيضا
_ انتي المساعدة بتاعته، إزاي ما تعرفيش بالحفلة وتكوني انتي المشرفة عليها
عضت دهب على شفتيها بغيظ وقالت كاذبة
_ أي شغل برة المكتب ده مش من اختصاصي
قالت لها رقية برقة
_ خلاص يبقى ليكي دعوة علشان تحضري كمدعوة مش مساعدة
ربعت دهب يديها فوق صدرها
_ لا متشكرة، أكيد مش هاحضر غير من دعوة من أصحاب الحفلة
استعادت ابتسامتها الناعمة
_ اسمك إيه
_ دهب

اهتزت ابتسامة رقية للحظة، ثم رفعت حقيبتها على يدها كما كانت وتحركت بخطوات أنيقة مغادرة.
،،،،،،،،،،،،،،،،،، ،،،،،
_ ها قولت إيه حد له كلام تاني
حك رامي ذقنه بتفكير ثم نظر لوالده لعله يدرك ما يدور بخلده بعد حديث شقيقته
قال والدها رضا وهو ينفث دخان سيجارته الرديئة
_ السكة دي عوج يا بت، إحنا لو حكّينا مع الناس دي مش هناخد في إيديهم غلوة
بإصرار جلست أمامه بعينين شرستين
_ في الوضع ده إحنا الأقوى، هما اللي هايخافوا من الفضايح والجرسة
وقف رامي مفكرا بقلق
_ اللي بتتكلمي فيه ده لو تم مظبوط كده يبقى هانعدي يا بت، بس لو...
استقامت مندفعة تمسكه من كتفيه بإصرار واستماتة
_ يعني تعيش في العز ده كله وإحنا نفضل زي ما إحنا، دي حتى ما طمرش فيها الطفح والنومة في بيتنا
ألقى عليها أخيها نظرة ذات معنى، فصرخت به بنفاذ
_ مش أمها مضت على ورق بيع يبقى بتاعنا قدام الحكومة، والتخين ده بيتنا، لو عملتوا زي ما رتبت هانطلع كلنا كسبانين وهانروح حتة تانية
صمت ثلاثتهم ثم بترقب تساءل رضا
_ ولو الحكاية فشلت
أجابته وهي تبتسم بخبث
_ هاطلع آخر كارت معايا
_ اللي هو؟
التوى فمها وارتفع أحد حاجبيها وبفحيح خبيث
_ ياما في الجراب يا حاوي
.......
خرج كمال من المشفى وذهب لبيته، وكما أمر قاسم تجنبت نازلي فيروز نهائيا، وهذا أشعر فيروز ببعض الارتياح بعيدا عن نظراتها العدائية لها، اهتممن الفتيات به وتناوبن على راحته دون كلل أو ملل.
دخلت فيروز لغرفة كمال، فأزاح نظراته وأغلق كتابه ووضعه جانبا قائلا بلطف
_ إيه تاني؟ أكلت وأخدت الدوا وحليت وشربت عصير، في إيه كمان؟
ضحكت فيروز وزاحت خصلة من شعرها جانبا بارتباك، فضيّق كمال عينيه وأشار إليها بالاقتراب، فامتثلت له.
قال متسائلا
_ عايزة إيه يا بت أخويا؟ كل شوية جاية بحجة! هو آه ده وقت الشيفت بتاعك بما إنك إنتي وأسيل أخديني مريض، فما لك ما تتردديش؟
عضت على شفتيها بخجل وبحيرة، أجابت
_ أنا عارفة إنه مش وقته، بس أنا محتجاك، محتاجة أتكلم معاك، حتى لو مش هاخد منك رد واضح دلوقتي، بس حاسة إني عايزة أقولك اللي جوايا، وإنك أبويا اللي كل ما أحتار وأخاف أروحلُه.
ربت على يدها وبالتأكيد والحنو قال
_ أنا فعلا كده، أوعي تترددي تجيلي مهما كان. ها بقى احكيلي.
_ قاسم طلب يتجوزني.
لم تستشف إجابة منه، فأكملت بخجل وتوتر
_ فاجئني الحقيقة، الوقت قصير أوي، وحاجات كتير وصدف كل ما تحصل بحس إنها بتقربنا من بعض، يمكن بخاف منه شوية لكنه بيحاول يطمني، بس أنا حاسة بحاجة شاداني، مش عارفة أرجع لورا، رغم إن حياته مبهمة بالنسبة لي، لكنه قالي حاجة غريبة أوي.
نظرت لعمها وبحيرة ظاهرة جلية بعينها، واسترسلت
_ قال إنه محتاجني.
اتساع طفيف بعيني عمها كان أول رد فعل رأته من أول جلستها، وسكتت منتظرة أي إجابة تريحها، لكنه آثر في ذلك الوقت أن يقول
_ فيروز، ممكن نأجل كلام دلوقتي؟
أومأت برأسها رغم حيرتها وتركته، وهو الآخر في حيرته و... خوفه.

... ...... .........

بتأفف، أجاب ياسين على هاتفه والذي ظنه آسر بما أنه رقمه هو الظاهر على الشاشة، لكن قابله صوت نسائي مدلل لا يخطئ به ياسين أبدا
_ يعني لو ماكنش ظهر اسم آسر ماكنتش رديت؟
التوى فم ياسين وأجابها
_ عادي يا دلال.
_ عايزاك تشوفني.
تحجج كاذبا
_ عندي شغل.
_ وحشتني.
بتحذير، شدد على حروف اسمها، فاستكان صوتها بإتقان وقالت
_ عيد ميلادي بكرة وعايزاك تيجي، هاتكسفني.
بحنق، وهو يحاول تثبيت نفسه جيدا
_ يا ستي كل سنة وإنتي طيبة، لكني...
قاطعته دلال برقة
_ مش هانبقى لوحدنا، الشلة كلها هاتبقى موجودة، وإنت مختفي بقالك كام يوم و... وحشتنا.
تأنت بحروف آخر كلمة، مدركة ما تفعله وما تأثيره.
تذبذب وخرج عن سيطرة ذاته وقال
_ جاي.

الاكتفاء كمال... أما العبث فإنه... لعنة.

..............

ضرب قاسم على مكتبه بانفعال، فانتفضت مساعدته مكانها وصرخ بها
_ بيلوي دراعي يعني! تأخيرهم ده لو هايخسرني جنيه، هاخسرهم قصاده ألف.
أجابته المساعدة بارتباك
_ والله يا فندم كلمتهم أكتر من مرة، وردهم إنه غصب عنهم، المواد الخام اتأخرت عليهم هما كمان.
احتدت عيناه ناظرا للأمام
_ مايفرقش معايا الكلام ده، الشغل شغل، احجزي لي أول طيارة رايحة لندن.
_ ليه يا فندم؟
بنظرة خطيرة توحي بالكثير قال
_ هاجيب الشغل من بره، وأخليهم يقعدوا جنب شحناتهم لو لقوا ليها شاري.
_ ودعوة حفلة موسى بيه، حضرتك ناسي إن حضورك ضروري؟
_ هاطلع من المطار على الحفلة.

أومأت برأسها وخرجت من أمامه ملتقطة أنفاسها من غضبه وانفعاله.
رد على هاتفه وكان المتصل كمال، فأجابه بحنق
_ كمال، لو هتكلمني عن الشغل، فبلاش أحسن، إنت تعبان، وقرف الشغل يعصب البني آدم.
وصله صوت كمال الساخر
_ وهو من إمتى الشغل فيه راحة؟ ومن إمتى إنت عندك صبر؟
_ لا، لو على الصبر، فإنت ماتعرفش أنا صبور إزاي.
هتف به كمال ببعض الحدة
_ الشغل اللي عندك، واللي عارف إنك هاتقوم الدنيا بسببه، بنصحك تهدي علشان ماتكسبش عداوات أكتر.
_ عداوات إيه! دي طلبيات وشحنات بميعاد، وأنا عطيت كلمة للناس وكلمتي عقد.
_ يا بني الأسعار زادت، فطبيعي الشحنات بتزيد، والسيولة عندهم مش هاتكفي، فمحتاجين بس شوية وقت.
أغمض عينيه لبرهة، وبجمود أجابه
_ لا.
ثم مسك قلمه وعبث به بين أصابعه، وبنبرة ذات مغزى
_ كنت فاكرك مكلمني علشان حاجة تانية.
جاء صوت كمال حاد قوي
_ مش هايبقى في التليفون يا قاسم، وعشان تعرف الحكاية مش هاتكون بالساهل، لازم أتأكد إنك تستاهلها.
ابتسم بعبث وثقة وأجابه
_ أنا شاري، والشاري ما بيدورش، كل اللي تطلبه أنا موافق عليه.

لم يجد كمال أن الجدال في الهاتف سيجدي نفعا، فأنهى محادثته مع تحديد موعد للحديث بجدية في موضوعه وفيروز.

أخذ أنفاسا عدة يهدئ من نفسه، لم يكن يرغب بالسفر في ذلك الوقت تحديدا، فكان يشعر أن علاقته بفيروز اتخذت منحنى آخر وتخطت جزءا كبيرا من المسافة بينهما، فأراد أن يكون حولها ليؤكد لها صدق مشاعره وتأكيد قراره.
انتشل هاتفه من على مكتبه وهاتفها، فجاءه صوتها الناعم، فأغمض عينيه لبرهة كأنه استعاد هدوءه مرة أخرى وشعر بالسلام.
_ ماتعرفيش صوتك بيهديني إزاي يا فيروز.
ابتسمت على الجهة الأخرى وتساءلت
_ وإيه مخليك متعصب؟
_ الشغل في لخبطة ومشاكل، فمضطر أسافر النهاردة بالليل.
_ تسافر فين؟
_ لندن.
سكتت فيروز وقد انطفأ حماسها لمكالمته، وشعرت بانقباضة مؤلمة بقلبها، فأكمل هو
_ مش هاتأخر... فيروز؟
_ نعم.
بترَيث تساءل قاسم
_ صوتك اتغير ليه؟
أجابت كاذبة
_ عادي.
رمش عدة مرات، وبانتباه شديد، وبوادر ابتسامة في طريقها للظهور
_ إنتي مش عايزاني أسافر؟
لو كان رأى وجهها الآن لتأكد من ذلك، لكن صمتها كان في الوقت الراهن أفضل إجابة له، فسمعت ضحكته، فتساءلت
_ بتضحك على إيه؟
_ نفسي تكوني قدامي دلوقتي علشان أسمع منك إنك فعلا مش عايزاني أسافر، فيروز، إنتي فعلا كده؟!
لم تجبه على الفور، كان في داخلها حرب ما بين عقلها يحثها على الصمت وقلب يلح عليها بالقول، فاكتفت بقولها الأكثر من كافٍ الآن
_ ممكن ماتتأخرش أرجوك.
اتسعت ضحكته وأجابها مؤكدا
_ ماقدرش أتأخر عنك... واعملي حسابك هما يومين وهارجع أحدد ميعاد مع كمال على طول.

كان صوته لا يقبل نقاشا، وكأنه قرار اتخذه، وللغَرابة غمرها ذلك الحماس والشغف، وعن عمد حاولت تجاهل ذلك الوجع في أيسر قلبها.

تعليقات