رواية للهوى رأي اخر الفصل الرابع عشر 14 بقلم سارة حسن


 رواية للهوى رأي اخر الفصل الرابع عشر 

كان ظاهر اختلافهم وهم واقفين أمام ڤيلا كمال، أعينهم متسعة ينظرون حولهم بانبهار وأنفاس ضعيفة جشعة مثلهم لم يعرفوا الحمد ولا غض الطرف عن نعمة غيرهم فازدادوا إصرارًا على انتشال ما تطاله أيديهم.
اتجه رضا من البوابة قائلًا:
_ السلام عليكم يا باشا
انتبه أفراد الأمن وأشاروا لهم بازدراء:
_ امشوا من هنا يالا
_ الله الله ليه بس ده إحنا ضيوفكم
هتف به أحد أفراد الأمن بحدة:
_ عايزين إيه؟
_ عايزين كمال بيه
نظروا لبعضهم وقد ظنوا أنهم أحد المتسولين، فبحدة هتفوا:
_ كمال باشا مش موجود، يالا من هنا
تدخلت مروة ودفشت أحدهم وصرخت به:
_ طب ناديلنا حد من جوه نكلمه، مش هانمشي من هنا غير لما ندخل
صرخ بها الرجل دافعها للخلف بغضب:
_ إنتي فاكرها وكالة؟ يالا من هنا بدل ما أبهدلكوا
_ تبهدل مين يا عيني، إنت ماتعرفناش إحنا قرايب فيروز اللي عايشة جوه دي
_ فيروز هانم؟
لوت فمها بغيظ وأشارت بيدها:
_ هي كمان بقت هانم بنت الـ...
تدخل رامي وبالتوسل قال:
_ طب ادخل اسألها وهي هاتقولك دخلهم
نظر أفراد الأمن لبعضهم، وقبل أن يتخذوا قرارهم تدخلت نازلي الواقفة على السلم الرخامي أمام الباب الداخلي:
_ في إيه بيحصل هنا؟
_ الناس دول طالبين يشوفوا كمال بيه، بيقولوا إنهم يعرفوا فيروز هانم
قبضت جبينها وبتأفف قالت لنفسها: "فيروز وقرف فيروز"
ثم أشارت بيدها وباختصار قالت:
_ دخلهم، بس خليكم قريبين مني
...
جالسة واضعة قدمًا فوق أخرى، تنظر إليهم من أسفلهم لأعلاهم باحتقار، بينما التوى فم مروة بحنق وهي ترى العز والثراء الذي تعيشه فيروز في ليلة وضحاها.
_ إنتوا مين؟
أجابها رضا مشيرًا لنفسه:
_ خدامك رضا، وده ابني رامي، ودي بنتي مروة، إحنا قرايب فيروز

ارتفع حاجباها وقالت بتأفف ظاهر جليًّا:
_ عايزين إيه؟
_ عايزين نقابل كمال بيه
_ مش موجود، قولولي أنا عايزة إيه بسرعة
نظروا لبعضهم بتردد، فقال رامي:
_ لا مؤاخذة، بس الحكاية خاصة شويتين وماينفعش حد غريب يدخل بينا
أنزلت قدمها بحدة وهتفت بهم بصلف رغم فضولها:
_ أنا مش فاضية لكم، يا تقولوا في إيه يا تطلعوا بره
تأجج حقد مروة لإهانتهم الصريحة، فهتفت بها:
_ الموضوع يخص فيروز، وإحنا مش جايين نشحت، ده إحنا جايين نعمل فيكم خدمة
رددت نازلي باستهزاء وتعجب من خلفها:
_ خدمة؟!
قال والدها مؤكدًا:
_ خدمة بمقابل، آه ما فيش حاجة بلوش

وقفت نازلي أمامهم وهي تشعر أن ما بجعبتهم ربما يفيدها، فقالت بهدوء وتريث:
_ لو الخدمة تستاهل، هتاخدوا اللي إنتوا عايزينه
نظروا لبعضهم مرة أخرى وبنظرات ذات مغزى أخرجوا ما بجعبتهم.
........
أنهى موسى آخر إمضاء له وأغلقت دهب الملف من خلفه، انتظرت قليلًا لعله يخبرها بالحفل وسببه لكنه لم يفعل، كان يتصرف بطبيعته العملية دون التطرق لهذا.
نظر لها وقد تيبس ظهره من جلسته الطويلة لإنهاء الأوراق الهامة والتفرغ للحفل:
_ في حاجة تانية يا دهب
التوى فمها وبحنق غير مقصود:
_ مافيش
ارتفع حاجباه موسى متسائلًا:
_ هو في حاجة؟
_ إنت في حاجة؟!
انتبه لها أكثر باستغراب:
_ مالك يا دهب، إنتي بتردي السؤال بسؤال؟
احتضنت الملف أمام صدرها وببرود قالت وهي تتحرك للخارج:
_ مش إنت تمام؟
استند بكفه على وجنته ونظر لها فترة من الوقت وهي واقفة بجانب الباب الذي فتحت نصفه منتظرة إجابته، لكنه تأخر وهي نسيت ربما سؤالها من طريقة تحديقته بها وعينيه التي تتجول على كل ما بها وتربك تلك الأنثى بداخلها.
_ خلصت!
كانت تقصد تحديقته بها، فعاد بظهره للخلف وابتسم لها:
_ لو فضلتي واقفة قدامي مش هاخلص أبدًا، دلوقتي أنا تمام جدًا
ارتفع حاجباها هذه المرة وتلك البسمة الصغيرة كانت توشك على الظهور لكنها رفعت رأسها بإباء وتحركت من أمامه، فلم يسيطر على الضحكة العذبة التي شملت وجهه من دهب وأفعالها.
..... ..............
التوى فم نازلي بابتسامة انتصار وهي تنظر للصور بين يديها، منتظرة قدوم فيروز بعد ما أمرت الخادمة بحضورها، ورغم استغراب فيروز من طلب مقابلتها بعد فترة تجنبها إلا أنها نزلت إليها.
توقفت قدماها فور ما أبصرت وجود ثلاثتهم، حتى ظنت أنها بأحد كوابيسها، دب الرعب في أوصالها من رؤيتهم من جديد، انتفضت إثر صوت نازلي العالي بابتسامتها الخبيثة:
_ مش تسلمي على قرايبك يا ست فيروز
ابتلعت ريقها وبخطوة للخلف تراجعت وقالت:
_ دول مش قرايبي
بغيظ وبغض هتفت مروة بوجهها:
_ طبعًا وفيروز هانم هاتفتكر البيت اللي آواها واللقمة اللي أكلتها في بيت أبويا بعد ما عاشت في العز ده كله
قال رضا بابتسامة مدعية وتودد زائف:
_ مش هاتيجي تسلمي عليا يا بنتي
هزت رأسها بالنفي وتمنت أن تجد ما ينتشلها من بينهم، وقد ظهر على وجوههم نيتهم الخبيثة المجهولة لها.

اتجهت إليها نازلي بخطوات بطيئة ثم توقفت أمامها وبعينين تشعان انتصارًا:
_ عمر نظرتي ما خابت فيكي، من أول يوم دخلتي هنا وأنا عارفة إنتي إيه كويس، مش عايزة تتفرجي على الهدية اللي جايبنها لك قرايبك؟
وأمام عينيها رفعت الصور بوجهها، شحب وجهها وتعرق جبينها حتى شعرت أنها ستفقد وعيها، حرّكت رأسها بالرفض ببطء تنفي عن نفسها إثمًا لم ترتكبه.
_ أنا ماعملتش كده
كان صوتها خافتًا ولم يسمعه أحد، وحتى لو استمعوا سوف يصمون آذانهم.
_ ها يا ست هانم، الخدمة تستاهل؟
جلست نازلي مكانها وبهدوء والصور بيديها قالت:
_ عايزين إيه؟
مسح على صدره في حركة راغبة في سماع ما يسره:
_ اللي تقولي عليه
هتفت به مروة وقالت بحدة:
_ اللي إحنا نطلبه، اللي في إيدك دول لو نزلوا على النت، لا مؤاخذة اسم كمال بيه هايبقى في الأرض وسمعتكم هاتبقى في الرجلين
اتسعت عينا فيروز على وسعهما بينما تعالت ضحكات نازلي حتى توترت الأجواء أكثر مما هي، وما إن انتهت من نوبة الضحك أشارت للأمن الواقف على الباب منتظر إشارة منها:
_ إنتي دماغك شغالة كويس، لكن اخترتي الناس الغلط
ثم أشارت على فيروز المتجمدة مكانها:
_ عايزينها، خدوها، بعد الصور دي ماحدش ها يتمسك بوجودها هنا، فا ما تلزمناش
اقتربوا منهم الحرس بعد إشارتها وزجوهم للخارج أمام أصوات اعتراضهم وغضب مروة الشديد لخروجهم هكذا دون أن تسير خطتها كما أرادت، سب رامي الأمن وتطاول عليهم بغضب بينما حاول والده تخليصه من أيديهم، فلو تكاثروا عليه سيكسرون عظامه.
التفتت نازلي لفيروز وباستحقار أشارت لها للباب وبلهجة فظة:
_ بره
_ عمي مش...
صرخت بوجهها نازلي بحدة:
_ عمك لو شاف الصور دي هايدبحك، بره وما أشوفش وشك تاني
تحررت أخيرًا دموعها المكبوتة وركضت للخارج بقهر، ولا ترى أمامها سوى السواد والظلم.
استندت نازلي على الباب وبضحكة خافتة منتصرة:
_ هدية مقبولة يا شوية ###
.......
استمر ركضها ولا تعلم لأي جهة تذهب، حاولوا سلب شرفها منها ولوثوا سمعتها، ظنت أنها نفدت وفي بداية حياة جديدة، لكنهم ركضوا خلفها وانتشلوا آخر أمل لها وعادت لأول الطريق وأصبحت على قارعته مرة أخرى.
وقفها السيارة التي ظهرت أمامها فجأة، نزل ياسين ركضًا إليها هاتفا بقلق:
_ فيروز
كانت كأنها في عالم آخر تصرخ باكية وبصوت يمزق القلوب، جثت على الأرض مستمرة في نحيبها، التفت ياسين حول نفسه لعله يفهم سبب انهيارها، ثم التفت إليها وحاول أن يساعدها على الوقوف لكنها نفضت يدها منه صارخة بالابتعاد عنه، امتثل لها ياسين وتحير من انفعالها وأسبابه، ثم بهدوء حاول أن يحادثها محتفظًا بالمسافة بينهما:
_ فيروز، اهدي، أنا مش هاعملك حاجة
شهقت بتوسل قائلة:
_ عايزة أسيل
أومأ على الفور وقال:
_ يلا تعالي، هارجعك بيتها
_ لا، مش راجعة البيت ده تاني، مش هاروح هناك
انتابه الحيرة والقلق أكثر وبمهادنة قال:
_ طب تعالي اقعدي في عربيتي وأنا هاتصل بيها تجلينا
......... .. .....

يلا يا بنت، نروح الحكاية اتقفلت بالضبة والمفتاح، الله يخربيت أفكارك.
كان رضا يجذب مروة بعنف من يدها حتى تتحرك، ثم دفعت يده و هتفت بعناد:
_ ما تقفلتش، لو مش هاطول حاجة يبقى هي كمان ما تطولش أي حاجة
تافف رامي بضيق لأحلام شقيقته التي كادت تنقلب لكابوس:
_ اتنيلي، ما هي بقت في الشارع، ماشوفتهاش وهي بتجري، ياريتنا كنا لحقناها ومشيت معانا
كان مقصده واضحًا خصوصًا على مروة التي أردفت من بين أسنانها:
_ قدامها باب هاتلجأ له، لازم يتقفل
_ إزاي؟
_ أخرجت من جيبها ورقة مطبقة وفتحتها أمام أعينهم التي اتسعت عن آخرها.
.....................

استندت برأسها على زجاج سيارة ياسين الذي مستندًا بظهره على مقدمة سيارته يحادث أسيل، جفت دموعها ولم يبق سوى أثرها، واقتحمها فجأة صورته، أغمضت عينيها وكأنها تطبعها أكثر بعقلها، لو كان هنا لما كان يحدث كل ذلك، كان واقفًا ودافع عنها بأستماته، كانت شعرت بأدميتها ولم تكن لتقف خائفة مذنبة كما كانت، كانت ستطمئن من عينيه وتهدأ بحضور وجوده.
بتردد فتحت عينها وبحيرة فكرت: هل سيدافع عنها ويكذبهم بالفعل؟
هل سيصدقها عمها!؟
كل ما تريده أن تنفي التهمة عنها وتبتعد، لم يعد لها مكان بينهم ولن تقدر على العيش ببيت عمها مرة أخرى، ربما كان قدومها من البداية خطأ، لكن قاسم....
وعلى ذكره عادت دمعة أخرى بالسقوط على وجنتها، تريده الآن دون أي شيء في العالم.
فيروز
كان صوت أسيل وهي تفتح بابها بقلق من حالتها المزريه، هاتفه مؤكدا:
_ ما تعمليش كده، أنا وبابا مش هانصدق أبدًا ده عنك
وكان لهذه الكلمات وقع على روحها، ثم بعينها تساءلت وبتلعثم تحدثت لتنفي عن نفسها:
_ والله مش كده، أنا ماعملتش كده، ده هو اللي كان
أومات أسيل وهي تجذبها لصدرها وتعالي صوت بكائها مرة أخرى، شاركتها أسيل البكاء بينما وقف ياسين بمسافة كافية بينهما، ورغم حيرته إلا أنه لم يكف عن تأمل أسيل ورؤية جانبها الطيب الحاني الذي دائمًا ما يسيطر عليها، رقيقة ونظيفة بشكل فطري يأثر على كل من حولها.
ابتعدت أسيل ثم ابتسمت لها وبمرح خفيف:
_ قاسم لو كان هنا كان أداهم علقه
ضيقت ما بين حاجبيها وتساءلت بلهفة:
_ تفتكري؟
ثم صمتت لبرهة:
_ عرفتوا إزاي؟
_ الأمن كلم بابا و روحنا البيت وحكت لنا اللي حصل، بابا ما صدقش ده عنك، ولأول مرة أشوفه بيصرخ في وش نازلي. سبتم وجيت أنا هنا بعد مكالمة ياسين
أخفضت وجهها بأسف فيروز:
_ أنا آسفة، أنا السبب في كل ده، لكني والله ماعملتش كده
_ من غير أسف يا فيروز، نازلي ما كانش المفروض تتصرف بالشكل ده، أنا مصدومة فيها وفي جوز مامتك وولاده، لكني عارفة إنه ما حصلش بالصورة ده لأنك حكيتلي عن تجاوزاته معاكي
بسخرية مريرة كررت لنفسها تجاوزات!؟
لم تملك الجرأة أن تقول محاولة اغتصابها، الكلمة ثقيلة جدًا على لسانها.
مسكتها أسيل وقالت:
_ يلا قومي
انتفضت الأخرى برفض وهتفت:
_ أنا مش رايحة هناك تاني
_ مش هانروح صدقيني، هانقعد في شقتنا قريبة من هنا
بقلة حيلة ولا سبيل آخر أمامها استجابت لها فيروز، فأشارت أسيل لياسين ورغم الفضول بعينيه أقلهم للمكان القريب.
................ ....

حل المساء وكأن القدر اليوم رافض أن ينتهي بسلام على البعض وعدة مفاجآت في انتظار أصحابها.
في حفلة مميزة تقام كل عام، صفوة من رجال الأعمال والدولة، مجالات مختلفة واسعة، أسماء معروفة بالسلطة والجاه، كل هذا في مكان واحد، لاسم رجل واحد: موسى رشيد.
أكفأ الحراسه تحيط بأنحاء القصر، واستقبال يليق بالقادمين.
يقف لباقه وثقة، يستقبل مدعويه الذين يبدون استحسانهم بفخامة الحفل، يدور ببعض الأحاديث هنا وهناك.
فجأة توقفت عيناه واتسعت، للحظة أنكر ما تشاهده عيناه، لكن ما أن تقابلت عينيه بعينيها التي تنظر إليه في تحدٍ سافر، أدرك أن تلك الليلة لن تمر بسلام.
انتظر قدومها إليه ببرود، يتابع خطواتها الهادئة وتمايلها في ذلك الفستان الأسود شديد القتامة، بأكمام طويلة ولم يكتمل الاحتشام مع فتحة الصدر الطولية المبطنة، ورغم أنه لا يظهر منها شيء، إلا أنها توحي بشفافيتها ووضوح عنقها الطويل المكشوف.
وقفت أمامه أخيرًا ثم نفضت شعرها ذات اللفائف الغجرية للخلف، رأت في عينيه الغضب وهذا لا يقارن بإخفائه الأمر عنها دون سبب منطقي، وكأنه سر حربي لا يجب عليها معرفته، وهذا ما جعلها تحضر: إن لم تكن مساعدة، فستكون مدعوة.
قالت دهب أخيرًا:
_ أنا مدعوة على فكرة
ارتفع أحد حاجبيه قائلا:
_ ومين دعاكي؟
عبثت بحقيبتها الصغيرة وقالت:
_ يعني يبقى قدامي كمية الدعوات دي ومش من حقي أستخدم صلاحيتي كمساعدة مكتبك وأحتفظ بواحدة لنفسي، ما هو أكيد ما حدش كان هايدخلني لو قولت إني المساعدة بتاعتك
ثم تابعت مكملة:
_ هو في مساعدة تبقى آخر من يعلم بحاجة زي كده، ده حتى المفروض كل ده يبقى تحت إشرافي أنا

نظر لها موسى مطولًا حتى أصابها بعض الارتباك الخفي، فقالت وهي تحرك أحد كتفيها:
_ لو وجودي غير مرغوب فيه ممكن أمشي
قال موسى أخيرًا بصوت غامض:
_ لو وجودك كان مرغوب كنت دخلتك بنفسي يا دهب، لكن بما إنك هنا خلاص، يبقى حاولي تستمتعي
ثم تركها مغادرًا، تتبعه بعينيها وهي قابضة جبينها معبرة عن ألم كلماته لها...
ازداد عدد المتوافدين، وزفرت هي بملل وضيق،
انتبهت لوجود تلك السيدة التي رأتها في المكتب، صاحبة الدعوات، متجهة إليها وزين وجهها ابتسامة قائلة بترحاب:
_ نورتي الحفلة
نظرت لها دهب بتدقيق، كانت صورة حية أمامها للمرأة الراقية ذات الحسب والنسب، وقد ولد داخلها شك بحقيقة كونها جزء من ذلك القصر.
استقامت دهب واقفة ثم أكلمت رقية:
_ مش واقفة مع موسى ليه؟
أجابتها دهب بهدوء:
_ أنا هنا مدعوة، وموسى بيه مش محتاجني دلوقتي
عدلت رقية من حجابها حول رقبتها:
_ أحسن برضو خدي بريك من الشغل
جذبت دهب حقيبتها الصغيرة وقالت:
_ الوقت اتأخر هاستأذن أنا
استوقفتها بلطف وهي تمسك بيدها قائلة:
_ لسه بدري، الحفلة لسه ما خلصتش
ابتسمت لها دهب لأول مرة، وشعور مريب بالراحة يتسلل إليها من محادثة تلك المرأة، ونظرة عينيها واللطف في معاملتها لها.
تساءلت دهب وقد وضحت لها الإجابة:
_ أنتي والدة موسى صح؟
_ معقول يا دهب لسه ما تعرفيش، رقية كامل، حرم خالد رشيد

ما أن أدركت دهب الصوت من خلفها، أغمضت عينيها وعضت على شفتيها بغضب مكتوم، تقدمت كاميليا إليهن أكثر، وبنظرات متسمتعة رأت صدمة رقية والغضب الأسود في عين ابنتها، ولم تبالِ بل تحمست أكثر، التوت فمها بابتسامة خبيثة وقالت:
_ مر وقت طويل بعد آخر مقابلة بينا يا رقية
لو كانت النظرات تحرق لأحرقتها نظرات رقية بما فيهم من كره وإحساس بالغدر كانت هي أسبابه.

تدخل ذلك الصوت الأجش القوي من خلفهم:
_ رقية هانم يا كاميليا، اوعي تنسي إنتي مين وهي مين
اتسعت عينان دهب بذهول، حتى صدر منها شهقة خافتة لم ينتبه لها سوى رقية التي نظرت لها لبرهة ثم إلى كاميليا المتحدية بنظراتها للجميع.
قالت رقية لها بوقارها:
_ ازاي تسمحي لنفسك تيجي هنا يا كاميليا، لو تفتكري آخر مقابلة بينا حذرتك تخطي برجيلك قصر خالد رشيد
ضيقت دهب حاجبيها، وعينيها تدور بينهما وعقلها لا يستوعب شيء مما يحدث أمامها، ولكنها تشعر بالخطر، خطر تقوم به والدتها وماضي أسود بين هؤلاء الأشخاص لا تعلم عنه شيء.
واستكملت حلقة المفاجآت بذلك الصوت من خلفها يقول بغضب ووجه كلما ما يظهر:
_ اطلعي برة يا كاميليا، وجودك غير مرغوب فيه، إلا لو كنتي عايزة فضائح والدفاتر القديمة تتفتح
ارتفع أحد حاجبي كاميليا ورغم غليانها الداخلي إلا أنها قالت ببرود:
_ كده برضو يا قاسم، طب دول أغراب، إنما أنا أمك
_ اخرسي
قالها بقوة، انتفضت دهب على أثرها، وكأنها تمثال لا تقوى على التحرك لتستدير له
فجأة جذبت دهب من ذراعها بقوة هاتفه بغيظ:
_ يلا يا دهب
هتف موسى فجأة وتصدر لها قاسم:
_ دهب مش هتمشي معاكي

التفتت عينيها وقالت بصوت أجش:
_ أسيبهالك بإمارة إيه، الاتفاق اللي بينا ما تنفذش
تمتمت دهب من خلفهما بخفوت، ثم نظرت لموسى بدهشة وكأنها تسأله وبشفتيها فقدتا لونهما:
_ اتفاق!


تعليقات