رواية مع وقف التنفيذ الفصل الرابع عشر 14 بقلم دعاء عبدالرحمن



 رواية مع وقف التنفيذ الفصل الرابع عشر  بقلم دعاء عبدالرحمن 

دخلت دنيا غرفة والدتها ودلفت إليها في حذر وهي تنظر لوالدتها التي كانت تجلس على طرف فراشها وهي ممسكة ببعض الصور التي كانت تجمعها بزوجها وشريك عمرها في بداية زواجها وقد لمعت العبرات في عينيها ولكنها تظاهرت بالتماسك أمام ابنتها وهي تقول بجدية:

أقفلي الباب وراكي مش عاوزه حد يسمع فضايحنا

خفق قلب دنيا وهي تغلق الباب وتقف خلفه وهي تنظر لوالدتها بخوف وارتياب فقالت أمها بصرامة :

اسمعي ... أنت عارفه انى مبحبش أكرر الكلام مرتين .... ومش عاوزه أسمع نفسك عمتك بره ومش عاوزاها تسمع

وقفت دنيا متربصة في صمت وبعينين زائفتين تنتظر حديث أمها التي يظهر من بدايته أنه غير مبشر على الأطلاق ... فتابعت والدتها بحسم :

أنا اتكلمت مع فارس واتفقنا على كتب الكتاب قريب أوى وهو وافق بس مستنى رأيك

تسعت هذه الدنيا مفاجأة وهنافت باستنكار:

- بتقولي ايه يا ماما

هبت أمها من مجلسها وتقدمت منها وجذبتها من يدها بعنف وأبعدتها عن الباب، اتجهت بها إلى

الفراش وأدارتها مواجهة لها بقسوة وهي تقول بغضب:

أسمعي يا بت انت.. أقسم برب العزة لو قلتي لاء ولا فتحتى بولا بكلمة.. لكون يعناكي مع عمتك على البلد وهتقعدى هناك ومش هترجعي هنا تانى وهناك بقى يا عين أمك يبقوا

يجوزوكي بمعرفتهم

بكت دنيا بين يدى امها وهي تتضرع لها قائلة:

ليه كده يا ماما هو انا عملت ايه علشان كل ده

دفعتها أمها على الفراش وقالت بحزم

أنا مش هسيبك لما عيارك يفلت وتعتمدي على أنك ابوكي خلاص مبقاش موجود وسطينا

دفنت دنيا وجهها في الفراش وهي تبكي بحرقة وتقول بصوت مختنق

يا ماما والله ما عملت حاجة... الراجل ده كان بيعرض عليا الجواز وانا رفضت والموضوع أنتهى

تابعت والدتها بغضب:

أنت يا بت مش كنت بتقولي أنك يتحيى خطيبك .. مش عاوزه تجوزيه ليه .. فهمینی

مسحت دنیا دموعها يكفيها وهي تقول بصوت متقطع

مش عاوزه أعيش في الحارة مع أمه

خلاص بسيطة.. تكتب الكتاب لحد ما تلاقى شقة إيجار كويسة تعيشوا فيها واهو مرتبة زاد . كثير بعد ما الترقى في المكتب

قالت دنيا بحنق وهي تجفف دمعها

إيجار يا ماما .. أنت عمرك ما وافقتي على الاقتراح ده قبل كده

نظرت والدتها أمامها وقالت بوجوم

كنت غلطانة .. كل حاجة كانت غلط ... لكن دلوقتي خلاص مينفعش اغلط ثاني .... أبوكي سابك أمانة في رقبتي وانا مش هخزله أبدا وافرط فيكي واسيبك تضيعي وتضيعينا معاكي
تم التفتت إليها وقالت محذرة:

والدته هتيجى تعزينا وهو هيسألك عن رأيك وطبعا انت موافقة .. مش كده ولا ايه

قالت دنيا باستسلام :

حاضر يا ماما موافق

نهضت أمها واقفة وهي تلقي نظرة على صور أبيها وتقول بشرود

أبوكي كان بيقول على فارس راجل وقد المسؤلية .. يارب بس يقدر يستحمل بلاويكي

وأعملي حسابك انت مش هتخرجي من البيت قبل كتب الكتاب فاهمة ولا لاء

اطرقت دنيا براسها أرضاً في تفكير وهي تقول بشرود باحثة عن مخرج:

- فاهمة

أنهى بلال صلاة المغرب وتوجه إلى المركز العلاجي سريعاً وما أن دخل وألقى السلام حتى قال المعرض الذي كان ينتظره خارجا

والدة حضرتك مستنياك جوه

عقد بلال ما بين حاجبيه مندهشاً وهو يدلف إلى حجرة الكشف ورأى والدته وهي تجلس على المقعد بجوار مكتبه الخاص تنتظره أقبل عليها وانحنى بابتسامة يقبل يدها وهو يرحب بها .

جلس على المقعد المقابل لها وهو يقول:

خير يا أمي أيه اللي نزلك وانت لسه تعبانة

أبتسمت بمكر وهي تقول:

جاية اشوف عبير مش هي برضة جاية النهاردة

ضحك بلال ضحكة رنانة وقال:

- بنهار أبيض يا أمي... طب انا غلطان أني حكتلك

ضحكت ثم قالت:

هو انت يعني كنت عاوز تقول... ده انا اللي سحبت الكلام منك سحب

مال إلى الأمام وهو يقول بأهتمام:

أمي الله يكرمك الناس زمانها جاية .. وأنا مش عاوز أحرجهم

ضريته أمه على قدمه وهي تقول:

أنا مسلم وامشي بس .. كأني كنت قاعدة معاك عادي

ابتسم وهو يضيق عينيه ناظرا إليها وهو يقول :

طب وأيه لازمتها لما هتمشى على طول

رجعت للخلف وهي تستند إلى مقعدها قائلة:

نفسي اشوف مين دى اللى لفتت نظرك يا بلال ده انت العرضت عليك بنات كثير مفيش

واحدة فيهم لفتت نظرك.. وبعدين عاوزه اشوف أهلها... أنا برضة ليا نظره

طرق الممرض الباب ودخل ووضع الملف أمام بلال على مكتبه قائلا:

أدخل الحالة يا دكتور ولا استنى شوية؟

قالت والدته على الفور :

دخلهم بابني انا ماشية على طول

نهض بلال وجلس خلف مكتبة بينما دخل والد عبير وهو يبتسم له ويمد يده للمصافحة .

صافحه بلال بحرارة مرحباً بهم نظرت أم يلال إلى والد عبير تتفحص هيئته وطريقة حديثه تم نظرت سريعا إلى الباب وهي تتابع دخول عبير متكأة على يد والدتها بنظرات متأملة متعمقة

وتبادلت النظرات معهما تم قالت لوالدتها :

ألف سلامة ربنا يقومهالك بالسلامة يارب

قالت أم عبير بابتسامة متسائلة:

الله يسلمك

قالت والدته وهي تعرف نفسها :

- انا أم الدكتور بلال
صافحتها أم عبير بابتسامة واسعة وحياها والدها مرحباً بيما قالت أم بلال وهي تنظر إليهم :

الشرف لينا ... أنا مش معطلكوا على الجلسة ... أنا أصلى نسيت الأدوات بتاعة الحجامة بتاعتى عند بلال وقلت انزل اخدها وطالعة على طول.. أصل أحنا شقتنا فوق المركز على طول

قالت أم عبير بانتباه :

- هو حضرتك بتعرفى تعملى حجامة .. ده انا وعبير بنتي كنا دايخين على حد بيعرف يعملها

نظرت عبير لوالدتها بدهشة فهي لم تسمعها يوما تسأل عن هذا الأمر مسبقاً ولكنها أثرت السكوت

.. وسمعت أم بلال تقول :

تنوروني في أي وقت ... أيه رأيك تطلعولى بعد الجلسة لحد ما الحاج يروح يصلى العشا

ويرجع تكون خلصنا

نظرت عبير ووالدها إلى والدتها وهي تقول بموافقة وحماس :

خلاص اتفقنا هنطلعلك بعد الجلسة على طول واهو لحد ما الحاج يروح يصلى العشاء مع

الدكتور بلال

ابتسمت أم بلال وهي تنظر لأم عبير التي بادلتها النظرات وكأن كل منهما يتبادلان النظرات

المشفرة التي لا يعلم معناها إلا من فقط !

خرجت أم بلال تودعهم وأغلقت الباب خلفها بابتسامة كبيرة وهي تشعر أنها قد حققت هدفاً في مرمى حياة ولدها المستقبلية جلست عبير على الكرسي التي جلست عليه في المرة السابقة وهي مازالت تنظر لأمها متعجبة نهض بلال وأخذ نفس المقعد الصغير ووضعه قريب منها كما

فعل في المرة السابقة وهو يقول بجدية مفاجأة:

انت مبتسمعيش الكلام ليه ؟؟

نظرت له نظرة خاطفة وقالت بقلق :

يعنى ايه ؟

تابع بنفس الجدية:

دلوقتی متسندة على والدتك ؟

انا مش قلت عاوزك تعتمدي على نفسك في الحركة ومحدش يساعدك .. ليه شايفك داخلة

قالت عبير يخفوت وهي تنظر للأرض:

ده دلوقتي بس لكن في البيت لاء

أوما برأسه ونهض من مكانه أحضر كرسياً آخر له مسند غير الذي تجلس عليه وقال بحزم:

تعالى القعدى هذا علشان نبدأ

شعرت عبير بصعوبة وهي تنهض بمفردها ولكن ليس هذا ما تشعر به فقط وليس هذا هو سبب توترها لا تعلم لماذا ترتجف عندما يتحدث إليها بشكل مباشر, هل لأنها غير معتادة على أن رجل غريب يتحدث إليها بشكل مباشر أم لشيء آخر لا تعلمه !

أتجهت إلى حيث أمرها فابتعد عن مقعدها وتركها تجلس وأتى بمقعده ووضعه أمامها ... جلس

عليه وهو يقول :

كل حركة هعملها لازم تعملي زيها بالظبط

أومات برأسها موافقة وراته يرفع ساقه وبعدها أمامه ببطء شديد ويعيدها إلى مكانها ببطء مرة أخرى، فشعرت أنها لن تستطيع فعل ذلك التمرين يبدو سهلا ولكنه بالنسبة لمن يعاني من كسر جديد في قدمه فهو صعب للغاية

قال متابعاً:

بالا هتفردي رجلك ببطء على عشر تسبيحات وترجعيها مكانها تاني ببطء برضة على عشر تكبيرات .. أنفقنا ؟

نظرت له بدهشة وقالت:

ازای یعنی

قال بابتسامة عذبة :

یعنی یاستی بدل ما تقول ترفع رجلينا ببطء على عشر عدات أو عشر دقات ... لاء أحنا هنعمل التمرينات على ذكر الله وكده التمرينات يبقى فيها بركة وفي نفس الوقت أخدنا ثوابها

وهو يقول:

أبتسمت عبير من خلف نقابها وتبادلا أمها وأبيها النظرات والتفتا مرة أخرى إلى الدكتور بلال

شوفي زي كده بالظبط
وبدء في رفع ساقه ببطء قائلا:

- سبحان الله ... سبحان الله ... سبحان الله ......

ثم أعادها إلى حيث كانت مرة أخرى ببطء أيضا وهو يقول:

الله أكبر.... الله أكبر ..... الله أكبر......

جاهدت عبير لفعل ما أمرها به ولكنها كانت خجلة وهي تسبح وتكبر بصوت هامس وخجول

كان بلال يتابعها في صمت وهو يستمع إلى صوت تسبيحها الهامس وتكبيرها الخفيض شعر بصوتها يسرى بداخله ويتغلل بين جنباته يسبح بين طيات قلبه بالسيابية ويسر أفاق من شروده على صوتها الخجول وهي تقول بأجهاد

خلصت يا دكتور أكرره ثاني ولا خلاص

رفع رأسه لها منتبها ثم قال وهو ينهض مبتعداً :

لا هنجوره ثانى ......

جلس خلف مكتبه وتركها تكرر التمرين وحدها وأخرج بعض الصور الملونة المطبوعة بحرفية

وقدمها لوالدتها ووالدها قائلا:

دى صور لبعض التمارين المهمة .. لازم تعملها بمساعدة حد في الأول

نظر إلى والدتها قائلا:

حضرتك ممكن تساعديها بسهولة في البيت .. والورق ده فيه كل الخطوات وهو سهل ان شاء الله

أنتهت الجلسة على وقت أذان العشاء, ذهب بلال ووالد عبير إلى الصلاة بينما صعدت عبير وأمها إلى أم بلال التي كانت تنتظرهما في شقتها وقبل أن يطرقوا الباب قالت عبير هامسة لوالدتها:

هو في ايه يا ماما من أمتى وانت بتحبى الحجامة

طرقت أمها الباب وهي تضغط على يدها قائلة:

- حيتها .. مالكيش دعوة

وضعت أم بلال أكواب العصير مرحبة بالزائرتين وبدأت في وضع الكاسات الهوائية في أماكن

معينة في جسد عبير وهي تتفحص وجهها وجسدها بنظرات خبيرة قائلة:

ماشاء الله يا عبير انت زي القمر

ابتسمت عبير في خجل ولم ترد فقالت أمها و قد لمعت عينيها بسعادة :

عبير طول عمرها مهتمة بنفسها بس البتاع اللي حاطاه على وشها ده هو اللي مخلي محدش بيشوفها ولا يعرف شكلها ايه

قالت أم بلال وهي تضغط الكاسات الهوائية على قدم عبير:

اللي يستحق يشوفها ويشوف جمالها هو التى ربنا كاتبله يبقى جوزها من الناس اللي ماشية في الشارع يا ست أم عبير

ثم رفعت رأسها لعبير قائلة:

بالا بقى علشان أعملك حجامة على ضهرك كمان بالمرة كده

أحمر وجهها وهي تقول بحياء:

لا معلش يا طنط مش هينفع اقلع البلوزه

نظرت لها أمها بحدة وقالت أمره :

دی است زبك يا عبير هتكسفى من الستات برضه

هزت عبير رأسها وقالت معائدة

معلش بجد مش هينفع مقدرش والله

كادت أمها أن تعترض ولكن أم بلال منعتها قائلة بحسم:

خلاص يا بنتي مفيش مشكلة .. لما تعرف بعض كويس مش هنتكسفى مني

أزالت الكاسات عن قدمها ومسحت بعض الدماء وهي تسمع أم عبير تقول متسائلة:

هو اللي بيعمل الحجامة دى لازم يكون متخصص ؟

قالت أم بلال باهتمام

بلال هو اللي علمهالي بما أنه دكتور ... ساعتها قالي أن في دورات بنتاخد فيها واللي بيدي
الدورات دى دكاترة واللي بياخد الدورات دي بيبقى معاه شهادة معتمدة أنه عنده علم بيها لأن

في أماكن في الجسم خطر أي حد كده يقرب منها لازم يكون دارس.

بعد انتهاء صلاة العشاء عدلت عبير هندامها، وضعت غطاء وجهها وانتظرت حتى انتهت الصلاة وانصرفت بصحبة أمها مودعة أم بلال التي ودعتهم بابتسامة متقاتلة على وعد باللقاء

أحتضنت دنيا أم فارس وهي تقبلها هي ووالدتها وتعزيهما في فقد الزوج والوالد والركن الشديد

ومظلة الحماية لعائلتهم الصغيرة، وبعد وقت قصير بالغتنهم والدة دنيا

ها یا فارس تقرر معاد مناسب ولا لسه

نظر إليها فارس منتبها لكلماتها وتبادل نظرات صغيرة مع الوالد تم نظر إلى دنيا وقال:

رأيك ايه يا دنيا وأيه المعاد اللي يناسبك

قالت دنیا امتنعت وهي تتجنب النظر إلى عينين بتلك المصوبة إليها بحدة:

المعاد اللي ماماه

حاول فارس أن يخف ابتسامته فهي غير مناسبة للموقف وقال :

أول ما اخلص امتحانات الماجستير على طول .. كويس ؟

ونظرت والدة دنيا إلى والدة فارس تسألها:

أيه رأيك يا حجة ؟

قالت أو فارس مرحبة ومندهشة في نفس الوقت :

كويس اوی

ظهرت علامات الارتياح على وجه والدة دنيا ونظرت الفارس وقالت بصدق

كتب الكتاب هيبقى على الضيق كده.. في البيت يعني.. متفتكرش إلى طالبة منك فوق طاقتك .. وأنا عن نفسى مش عاوزه غير أني اطمن على بنتى أنى لو مت وسبتها تبقى مع راجل يقدرها ويتحمل مسؤليتها والحاج الله يرحمه كان دايما بيقول عليك قد المسؤلية

لمعت عينى فارس تأثراً وأطرق برأسه حزناً على فقد هذا الرجل الذي كان يتمنى أن يمتد به

العمر أكثر ليثبت له أنه عند حسن ظنه به بينما قالت والدته:

الله يرحمه

تسعى والدة دنيا برغبتها في بقاء دنيا معها هذه الفتره وبعدم رغبتها في العودة للمكتب وطمنتها فارس بموافقته وأن الدكتور حمدي ليس لديه أي مانع وأنه يقدر ظروف دنيا بعد وفاة والده.

جلس بلال إلى والدته بعد العودة ليلاً وعلى وجهه سعادة كبيرة لما يسمعه منها عن عبير ووالدتها وقال بلهفة:

بجد يا أمى يعنى انت فعلا حسيتى انها مرتحالى ... طيب افاتحهم في الموضوع أمتي

ضحكت والدته وهي تقول:

ومالك مستعجل اوى كده ده انت يدووب شفتها كام مرة

تم ضحكت مرة أخرى وهي تستدرك:

قال سفتها قال

ضحك بلال الدعاية والدته وقال:

أنت بتقولي فيها يا أمي ... أنا فعلا شوفتها بقلبي وعقلي... متقدريش تنصوري يا أمي هي حبيبة وخجولة وبتحافظ على نفسها قد أيه.. ودى أول حاجة شدتني ليها حتى من غير ما قابلها اصلاً

ريدت على ساقه وهي تقول مطمئنة:

متقلقش سيب الموضوع على الله تم عليا .. لو تحب أروح الخطبهالك النهاردة قبل بكره

فرك كفيه قلقاً وهو يقول :

أنا بس عاوز أتكلم معاها علشان أعرف شوية حاجات تهمني كده وده ان شاء الله يحصل في

الرؤية الشرعية

بس يابني هنروح تتقدم كده مش تستنى لما تخف الأول طيب

ابتسم بلال ابتسامته ذات معنى وهو يتمتم:

ماهي لما تبقى مراتی معرف اعالجها بضمير
وقفت عزه ليلا في نافذتها تتطلع إلى بداية الطريق عن كتب وتتأمل المنعطف الذي يجتازه.

عمرو يوميا في نفس الميعاد عائداً من عمله، ظلت تنظر الساعة يدها بين كل دقيقة وأخرى في قلق وهي تتمتم بقلق :

- أتأخر أوى النهاردة

سمعت صوت أنثوى من خلفها يقول:

سبحان الله له في خلقه شئون

الفتت عزة إلى عبير وعاودة النظر من النافذة مرة أخرى إلى تلك البقعة الفارغة والتي تنتظر

عمرو ليمر بها وكانهما على موعد وقالت:

بطلى التلميحات دي يا عبير

ضحكت عبير وهي تقول:

صحيح والله الممنوع مرغوب.. الراجل كان بيتمنالك الرضا ترضى وكتب حتى مبتفتكريش شفك الصبح ولا بالليل ... أول ما يديكي الوش الخشب تبقى هتموتى عليه وعارفة مواعيد

رجوعه بالظبط

قالت عزة بتوتر دون أن تنظر إليها :

أنا مش هموت على حد على فكرة.. أنا واقفة عادي

قالت عبير وهي توما برأسها ساخرة

- صح وانا مصدقاکی

ثم قالت مردقة:

على فكره يقى اللى بيحصل ده في مصلحتك والله

لمعت عيني عزة بالدموع وهي تقول بهمس:

من مصلحتى انه يخاصمنى ومش عاوز يرد على تليفوناتي ويتهرب مني .. من مصلحتى الله

قلع الدبلة وقالي اقلعيها خلاص

هزت عبير رأسها نفيا وهي تقول:

لاء من مصلحتك انك تعرفي قيمة الراجل اللى هتجوزيه .. أيا كان مين الراجل ده.. من مصحلتك أنك تشيلي من قلبك أي رواسب قديمة كانت هتسبب في مشاكل بينكوا بعدين وانا

شايفة بقى اللى حصل ده هو اللى هيشيل الرواسب دي

قالت عزة بصوت مختنق بالدموع :

والدبلة اللى قلعها

قالت عبير بثقة:

ولا تسوى حاجة .. أنت عارفة أنه بيحبك والدبلة اللى اتقلعت تتلبس ثاني .. المهم قلبك انت

يكون صفى ومستعد لاستبقال البشمهندس اللى هيجننك ده

وكأن عبير قد استدعته بكلامها عنه تعلقت عيني عزة يمنحنى الطريق ورأته وهو يدلف منه واضعا يديه في جيبيي بنطاله ويسير ببطء . يركل كل حصى تقابله وكأنه يتعارك معها ويتوعدها الا تصادفه مرة أخرى وتنتحى أمام قدميه المتحفزتين، يظهر الحزن على قسماته وتعابير وجهه وكأنه فقد شخصاً, أو شيئاً، أو قلباً !

في كل مرة كانت تقف هكذا تتمنى أن يرفع راسه ليراها واقفة تنتظره ولكنه لم يكن يفعل ابدا . ولكن هذه المرة وبتلقائية شديدة رفع رأسه وكأنه يتوقع أن يرى نافذتها مغلقة في هذا التوقيت راها تطل عليه بعينين زائفتين معتذرتين دامعتين تلاقت نظراتهما مع خفقان قلبها وشعوره بالحنين لفقدانها، دار حواراً سريعاً بين عينيهما كان عنوانه الأول والأخير ... اعتذر منك

.. أشتاقك .. عد إلي


تعليقات